حقوق الإنسان والقانون الإسلامي في نيجيريا الشمالية
“الشريعة السياسة”؟
حقوق الإنسان والقانون الإسلامي في نيجيريا الشمالية
طرحت اثنتا عشر ولاية في نيجيريا الشمالية منذ عام 2000 الشريعة (القانون الإسلامي) كقانون جنائي. وقد حكمت محاكم الشريعة بالموت على عشرة أشخاص على الأقل, بالإضافة إلى العديد ممن وقع عليهم الحكم ببتر الأطراف والجلد, وتميزت هذه المحاكم بالعديد من الأخطاء وغياب الإجراءات القانونية المناسبة, فمعظم المدعى عليهم حوكموا بدون أي تمثيل قانوني, كما أن القضاة لم يتلقوا التدريب المناسب وغالباً ما اعتمدوا في إدانة المدعى عليهم على شهادات انتزعتها الشرطة منهم تحت ظروف التعذيب. أما المرأة فقد تعرضت لظلم القانون والعرف السائد على حد سواء.
ويعتبر طرح الشريعة كقانون جزائي أمراً شائعاً بالنسبة لمسلمي الشمال, إلا أن الشعب قد أحبط بالطريقة التي طبقت بها وبدؤوا بالتساؤل عن دوافع السياسيين الذين طرحوها, فقد استخدم الموظفون الحكوميون الشريعة كأداة سياسية لتعزيز مصالحهم الخاصة, ولم يفشلوا وحسب في ضمان احترام المحاكم لمعايير حقوق الإنسان العالمية وأحكام الدستور النيجيري, بل واستخفوا أيضاً ببعض مبادئ الشريعة نفسها.
ومنذ 2005, بدأت تطبيقات الشريعة تدريجياً بفقدان قوتها, فالأحكام الصارمة أصبحت نادرة والعديد من أحكام الموت تم الاعتراض عليها في محاكم الاستئناف. ورغم ذلك بقي ضغط الشريعة قائماً واستمرت الانتهاكات الأساسية ذاتها.
لذلك فمنظمة مراقبة حقوق الإنسان تدعوا السلطات النيجيرية لتعديل أحكام الشريعة التي تنتهك حقوق الإنسان, بالإضافة لتطبيق حلول قصيرة الأمد لتقليل الانتهاكات وخاصة بواسطة احترام الإجراءات القانونية المناسبة وحصول المدعى عليهم على التمثيل القضائي الملائم في إجراءات المحاكمة.
حوكمت أمينة لاوال بالرجم حتى الموت بسبب اتهامها بالزنا, وقابلت قاضي محكمة الشريعة العليا في فانتوا بولاية كاتسينا في تموز 2002. وفي أيلول 2003 اعترضت محكمة الاستئناف في الولاية على الحكم.
© 2003 فريدريك نوي Getty Images /AFP/.
الشريعة والدستور النيجيري
يعتبر السؤال المتعلق بسلطة المحاكم الشرعية في الفصل بالقضايا الجزائية في ظل الدستور النيجيري من أكثر الأسئلة التي نوقشت بحدة حول الشريعة ولم تجد لها حلاً حتى الآن. وتتجنب الحكومة الاتحادية حتى الآن اتخاذ موقف واضح من هذا الموضوع وتتركه للمناقشة بين المحامين والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية، بينما يستمر عرض القضايا الجزائية على المحاكم الشرعية التي تصدر أحكامها على الناس.
وتتركز الخلافات على عدة أقسام من الدستور1، وأولها على القسم 10 منه والذي ينص على أنه: ” لن تتبنى الحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات أي دين باعتباره ديناً للدولة”. وقد نظر العديد من النيجيريين إلى تبني الشريعة في الولايات الشمالية باعتباره معادلاً لتبني دين للدولة، بينما اعتبر حكام تلك الولايات أن الحالة ليست كذلك طالما أنهم يطبقون الشريعة على المسلمين فقط وليس على النيجيريين من أصحاب المعتقدات الأخرى.
ويوضع القسم 10 من الدستور (خلال النقاشات حول الشريعة) غالباً إلى جانب القسم 38 حول الحرية الدينية والذي تفسره الأطراف المختلفة بشكل مختلف. وينص القسم38(1) من الدستور على أنه “يمتلك جميع السكان حرية التفكير والضمير والدين وحرية التعبير ونشر دينهم ومعتقداتهم في عباداتهم وتعاليمهم وممارسة شعائرهم”. فقد اعتبر غير المسلمين أن فرض الشريعة ينتهك حق الحرية الدينية ويؤثر على غير المسلمين حتى مع افتراض استثنائهم من القانون، بينما رجع المدافعون عن الشريعة إلى القسم ذاته لتبرير تطبيق الشريعة باعتباره جزءاً مكملاً لها، ونظر بعضهم إلى محاولات إيقاف أو كبح تطبيق الشريعة كانتهاك لحقهم الخاص في الحرية الدينية كمسلمين.
وهناك نقاش حاد أيضاً حول حق حكام الولايات في نشر السلطة القضائية للمحاكم الشرعية على القانون الجزائي أو إنشاء محاكم جديدة، حيث يشير الدستور إلى محاكم الاستئناف الشرعية في الولايات (القسم 275 إلى 279) ولكنه يتحدث عن سلطتها القضائية فقط في مجال “الإجراءات المدنية التي تتضمن مواضيع تتعلق بقانون الأحوال الشخصية الإسلامي” ولا يذكر أن لها سلطات قضائية للفصل في القضايا الجزائية. ولذلك اعتبر نقاد الشريعة أن فصل المحاكم الشرعية في القضايا الجزائية أمر غير دستوري بينما أصر حكام الولايات الشمالية على حقهم في فعل ذلك.
السلطة التشريعية في نيجيريا مقسمة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حسب القسم 4 من الدستور. ويمنح القسم 6 من الدستور للولايات حق إنشاء المحاكم “لممارسة القضاء الابتدائي والاستئناف في القضايا التي يحق فيها لمجلس نواب الولاية أن يسن القوانين. ويمنح القسم4 (7) لمجالس نواب الولايات حق “إصدار القوانين التي تتعلق بالسلام وبنظام ومصلحة الولاية” في المواضيع غير المتضمنة في القائمة التشريعية الحصرية Exclusive Legislative List والموجودة في القائمة التشريعية المساعدة2 أو “أية مواضيع يحق لها فيها سن القوانين حسب أحكام هذا الدستور”. واعتبرت حكومات الولايات أن هذه الأحكام تمنحها الحق في إدخال التشريع الإسلامي وإنشاء المحاكم على أرضية أنها تهدف إلى حكمها السليم لولاياتها.
تقدم نقاد الشريعة برأي أبعد مدى حول التمييز الذي تضعه الشريعة ضد المسلمين حيث يضمن القسم 42 (1) من الدستور حق التحرر من التمييز: ” لا يخضع المواطن النيجيري الذي ينتمي إلى جماعة معينة أو مجموعة عرقية أو مكان ولادة معين أو جنس معين أو رأي ديني أو سياسي لأي تجريد من الأهلية أو لوضع القيود عليه سواء بشكل صريح أو بالتطبيق العملي لأي قانون نافذ في نيجيريا أو أي تصرف تنفيذي أو إداري من الحكومة بسبب انتمائه فقط إذا لم يخضع لها المنتمون للجماعات والمجموعات العرقية أو مكان الولادة والجنس والآراء الدينية والسياسية الأخرى في نيجيريا”، ولكن تطبيق الشريعة يؤدي إلى حرمان المسلمين من حق اختيار السلطة القضائية التي تحاكمهم في حين يمتلك غير المسلمين ذلك الحق. علاوة على ذلك، سيتأثر المسلمون بشكل سلبي على الأرجح بسبب الاختلافات الكبيرة بين الشريعة وأنظمة القانون العام. فبعض العقوبات الشرعية، كعقوبة الموت رجماً بالحجارة أو بتر الأعضاء، أشد قسوة من عقوبات القانون الجزائي. وهناك أيضاًُ بعض الأفعال التي تعتبرها الشريعة جريمة كبرى (مثل الزنا) في حين أنها لا تعتبر جرائم في القانون الجزائي المطبق في بقية أنحاء البلاد. وكما ذكرنا أعلاه، هناك أحكام عديدة في الشريعة تمييزية ضد المرأة. ويمكن أن تكون نتائج كل هذه الاختلافات حادة من ناحية الحكم القضائي الذي يتلقاه له المرء على فعل معين.
بغض النظر عن الآراء المطروحة حول حدود السلطة القضائية للمحاكم الشرعية، من الواضح أن العقوبات التي تفرضها الشريعة، مثل الموت رجماً بالحجارة وبتر الأعضاء والجلد بالسياط، تنتهك حق الكرامة للإنسان والتي يحفظها القسم 24 من الدستور والذي يحظر صراحة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة. كما أن إخفاق قضاة المحاكم الشرعية في التقيد بالإجراءات المطلوبة خلال المحاكمات تنتهك الحق في النظر المنصف في قضيته حسب نصوص القسم 36 من الدستور. ويشكل عدم المساواة بين المرأة والرجل في الشريعة انتهاكاً لحق التحرر من التمييز الذي ينص عليه القسم 24 من الدستور.
وهناك طرح أكثر جوهرية حول نطاق الدستور ومدى إلزاميته في جميع أرجاء البلاد رغم أن القسم الأول فيه ينص بوضوح على ذلك. ينص القسم 1 (1)على: “هذا الدستور له سلطة عليا وتتمتع أحكامه بقوة ملزمة على جميع السلطات والأشخاص في الجمهورية الاتحادية النيجيرية”. وينص القسم 1 (3) على: ” تطبق أحكام هذا الدستور في حال اختلاف أي قانون آخر معها ويتم اجتناب ذلك القانون في مجال عدم توافقه معها”. ومع ذلك تجاهل بعض الموظفين في حكومات الولايات والقضاة في المحاكم الشرعية تلك الأحكام واعتبروا أن الشريعة لها سلطة عليا تفوق الدستور النيجيري لأن مصدرها من الدين وبالتالي فهم غير ملزمين بالمتطلبات الدستورية.
موقف الحكومة الاتحادية من الشريعة
اتخذت الحكومة الاتحادية منذ البداية موقفاً سلبياً من تطبيق الشريعة. وفضلت أن تشيح بنظرها حتى في قمة الجدال حول هذا الموضوع على أمل اختفائه في النهاية. وعبّر بعض الموظفين رفيعي المستوى علناً عن معارضتهم الشخصية لبعض المظاهر في الشريعة وخاصة حكم الموت رجماً بالحجارة، ولكنهم لم يتدخلوا لمنع صدور مثل تلك الأحكام بل اعتمدوا بدلاً من ذلك على نظام الاستئناف أملاً بأن تقوم محاكم الاستئناف في النهاية بتبرئة أولئك الذين يواجهون أحكاماً قاسية، وهي عملية طويلة جداً تمدّ فقط أمد المعاناة النفسية للمتهمين. ولم تصر الحكومة الاتحادية على رأيها في مخالفة مثل تلك العقوبات للتشريع المعد للفصل فيها، واستمرت في السماح لحكام الولايات بالاستقلال الكامل في هذا المجال حتى عندما استخدم نظام الشريعة لتبرير الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان. وأحجمت الحكومة الاتحادية أيضاً عن اتخاذ موقف مما إذا كان بسط الشريعة على القانون الجزائي يتوافق مع الدستور النيجيري أم لا، وانتظرت بدلاّ من ذلك حدوث حالة تجريبية تعبر عن موقفها من خلال المحاكم الاتحادية، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى الآن. ويمكن أن نعزو عدم رغبة الحكومة الاتحادية مبدئياً في التدخل إلى الاعتبارات السياسية: يعود الفضل الأكبر في انتخاب الرئيس أوباسانغو في عام 1999، وهو مسيحي من جنوب نيجيريا، إلى الشمال الذي أغلبية أصواته من المسلمين ، ولذلك لم يرغب الرئيس في معاداة السياسيين الشماليين أو إهمال الرأي العام في الشمال بشكل علني. وربما تخشى الحكومة أيضاً من أن تؤدي المواجهة المفتوحة في هذا الموضوع إلى المزيد من إراقة الدماء في الشمال أو المناطق المختلطة المسيحية الإسلامية.
أصابت الدعاية السلبية الواسعة التي أحاطت بقضيتي صافية حسين وأمينة لوال، إضافة إلى تدخل ونداءات الحكومات والمؤسسات الغربية التي تعتبرها نيجيريا حلفاءها السياسيين وتراً حساساً لدى الرئيس أوباسانغو الذي خاف من النتائج السلبية على صورة نيجيريا العالمية وألقى عدة تصريحات علنية عبّر فيها عن معارضته لتلك الأحكام وأنه لن يموت أحد رجماً بالحجارة في نيجيريا، ولكنه قدم حتى تلك التصريحات بلغة سلبية وكأنه ليس في موقع يؤهله لاتخاذ أي موقف على الإطلاق. فقد أخبر الصحفيين بعد قرار المحكمة الشرعية العليا بتأييد حكم الموت على أمينة لاوال: ” أتمنى مخلصاً أن نجتاز ذلك الأمر وأن لا تموت أمينة.. ولكنها إذا قتلت لأي سبب من الأسباب فإنني سأبكي من أجل أمينة وأسرتها، وسوف أبكي من أجل نفسي ومن أجل نيجيريا”3، وقال أيضاً: ” لم يرجم أحد بالحجارة حتى الموت في تاريخنا وأتمنى أن لا يحدث ذلك”4.
أصدر وزير الدولة للشؤون الخارجية، مع ازدياد الضغط العالمي حول محاكمة أمينة لاوال، نشرة صحفية في 8 تشرين 2002 قال فيها: ” تثير الفورة الحالية للتعليقات واهتمام المجتمع الدولي بمحاكمة أمينة لاوال الاهتمام الأخلاقي للحكومة النيجيرية … لن تقف الحكومة النيجيرية مكتوفة الأيدي بينما تنتهك حقوق مواطنيها… وسوف تنشر سلطاتها الدستورية لمنع أي حكم سلبي يعتبر ضاراً بشعبها. ونعيد التأكيد بأنه لن يحكم على أحد بالموت رجماً بالحجارة في نيجيريا، ولن تنتهك حقوق صافية وأمينة لاوال. وسوف تحمي الحكومة النيجيرية حقوقهما”5 وقال أيضاً للصحفيين: “لن ترجم أمينة لاوال بالحجارة حتى الموت أبداً…لن تقف الحكومة الاتحادية ساكنة ولن تسمح بالمعاملة اللاإنسانية لأي مواطن في هذه البلاد.6 ومع ذلك لم يتضح أي تصرف للحكومة الاتحادية يتجاوز تلك التصريحات، ولم يتمكن الموظفون الحكوميون من الاعتراف بأن محاكمة تلك المرأتين بتهمة الزنا والحكم بالموت المعلق فوق رقبتيهما يعتبران بحد ذاتهما “لا إنسانيين”.
عبّر الرئيس أوبسانغو عن ارتياحه عندما أسقطت محكمتي الاستئناف الشرعيتين في ولايتي المرأتين الحكم على صافية حسيني أولاً ثم على أمينة لاوال. ونقل عن الرئيس قوله بعد أن ربحت صافية حسيني في الاستئناف: ” لم يتركني أحد بسلام في جميع البلدان التي زرتها … قال لي رئيس إسبانيا: “… بخصوص قضية صافية.. “وتحدث معي كذلك رئيس وزراء النرويج الذي رغب بالحديث عن صافية فقط بينما كنت أحدثه أنا عن استثمار النفط في نيجيريا. أحمد الله وجميع الذين أرسلهم لإنقاذ حياة صافية لأن رجمها بالحجارة كان سيشكل نكسة لنا بغض النظر عن شعورنا تجاه الأمر حيث سيختلف تصور العالم عنا…يجب على النيجيريين أن يواجهوا حقيقة أن عيون العالم متجهة نحونا”. 7
وتحدثت عدة مصادر عن قيام الحكومة الاتحادية، بعد الدعاية السلبية التي ولدتها قضيتا صافية حسيني وأمينة لاوال، بالضغط على حكومات الولايات من وراء الكواليس للابتعاد عن مثل تلك الأحكام. ومن الصعب تقدير مدى فاعلية ذلك الضغط، ولكن تطبيق الشريعة خسر بعض الزخم الذي رافقه مبدئياً وهناك عوامل أخرى قد تساعد في تفسير ذلك التغير. عبّر عدد من الصحفيين النيجيريين والنشطاء وبعض الأفراد لهيومنز رايت ووتشHuman Rights Watch (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) عن قناعتهم بأن الضغط العالمي على الحكومة الاتحادية والذي مرّ من خلالها إلى حكومات الولايات كان له تأثير كبير في تقليص احتمال تنفيذ الحكمين بالموت وبتر الأعضاء وفي الابتعاد عن إصدار مثل تلك الأحكام لاحقاَ.8
وعبر موظفون حكوميون آخرون رفيعو المستوى وأعضاء في مجلس النواب أيضاً عن معارضتهم الشخصية للأحكام بالموت رجماً بالحجارة، وكان بولا آيج، والذي كان نائباً عاماً ووزيراً للعدل عندما طبقت أحكام الشريعة لأول مرة في القانون الجزائي في شمال نيجيريا، ضمن أولئك الذين أدانوا ذلك الحكمين.9 وعارض بعض الأعضاء في مجلس النواب ذلك الحكم، فاستنكر آنيم بيوس آنيم الذي كان رئيساً لمجلس الشيوخ في ذلك الوقت”العدالة الانتقائية” التي أدت إلى إدانة صافية حسيني وتبرئة الرجل الذي مارست معه الزنا.10
في شهر آذار من عام 2002، اتخذ النائب العام ووزير العدل في ذلك الوقت كانو أغابي خطوة غير مألوفة بالكتابة إلى حكام الولايات التي تطبق الشريعة حاثاً إياهم على تعديل التشريع. وأشارت رسالته العلنية أولاً إلى “مئات الرسائل التي أستلمها يومياً من جميع أنحاء العالم والتي تحتج على العقوبات التمييزية التي تفرضها بعض المحاكم الشرعية الآن ضد بعض الانتهاكات. ولا يمكننا، كعضو محترم في المجتمع الدولي، أن نقف غير مبالين بتلك الاحتجاجات”. و حث حكام الولايات على “اتخاذ الإجراءات لتعديل أو تغيير السلطة القضائية في المحاكم التي تفرض تلك العقوبات بحيث لا نعزل البلد ككل أو الولايات المعنية في النهاية”. و اعتمد طرحه الرئيسي لطلب إجراء التعديلات في التشريع على أن تمييز الشريعة تجاه المسلمين يشكل خرقاً للدستور النيجيري: “لا يجوز أن يتعرض المسلم لعقوبة أقسى من التي تفرض على غيره من النيجيريين تجاه الجرم ذاته. فالمساواة أمام القانون تعني عدم تمييز المسلم تجاه… فالمحكمة التي تفرض تلك العقوبات التمييزية تستخف بالدستور”. و دعا حكام الولايات إلى “اتخاذ الخطوات لضمان تغيير جميع القوانين الجزائية في ولايتكم بحيث لا تكون المحاكم ملزمة بفرض العقوبات التي تنتقص من حقوق المسلمين في ظل الدستور”.11
ردّ العديد من حكام الولايات بشكل سلبي على تلك الرسالة واكتفى بعضهم الآخر بتجاهلها. كان أحمد ساني حاكم ولاية زامفارا من بين الذين رفضوا الاستجابة لطلب النائب العام، وقال للصحفيين: كتبت إلى الحكومة الاتحادية لأخبرها أننا، في ولاية زامفارا، قد تجاوزنا مرحلة النقاش حول الشريعة وأننا تبنينا الشريعة وستبقى كذلك”12. وتوقفت متابعة الموضوع عند ذلك الحد.
تم تعيين نائب عام جديد هو أكينلولو أوليوجينمي بعد انتخابات نيسان 2003. وعندما قابلته هيومنز رايت ووتش في شهر آب 2003 ، شاركنا في القلق حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث عند تطبيق الشريعة وخاصة عدم وجود محام للدفاع عن المتهم. وقد وافق على ضرورة التمثيل القانوني في القضايا التي عقوبتها الموت وتعهد بإثارة الموضوع مع النائبين العامين في الولايات، وعبر أيضاً عن اعتقاده بأن بعض الأحكام قاس جداً ولا يجب تطبيقها. وقال بخصوص موضوع دستورية الشريعة بأن مسؤولية المبادرة إلى رفع قضية تتحدى تطبيق الشريعة أمام المحاكم تقع على عاتق الأفراد الذين يشعرون بانتهاك حقوقهم .13 وبيّنت لغته أن الحكومة الاتحادية لا تزال حذرة في اتخاذ موقف من تلقاء نفسها تجاه هذا الموضوع وأوضح أن الولايات مستقلة وتوقع حدوث تدخل محدود جداً على المستوى الاتحادي وادعى بأنه كان من الصعب على الحكومة الاتحادية أن تعترض على تطبيق الولايات الشمالية للشريعة عندما فعلت ذلك.14 و قال الوزير عندما قابلته هيومنز رايت ووتش مرة أخرى في تموز 2004 بأن الولاية ستقدم محامياً للدفاع عن أي متهم بجرم عقوبته الموت وأن على القضاة أن يطلبوا محامياً للدفاع في مثل تلك الدعاوي.15
عدم التوافق مع معايير حقوق الإنسان العالمية
كما بينا في هذا التقرير، ليس لدى هيومنز رايت ووتش أي موقف تجاه تطبيق الشريعة أو أي نظام قضائي آخر. ولكن توجد سمات عديدة في الشريعة تتعارض مع المعايير المحلية والدولية لحقوق الإنسان والتي أقرتها الحكومة النيجيرية والتي يجب أن تدافع عنها الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. وكما ذكرنا أعلاه، هناك بعض الممارسات التي تتم باسم الشريعة والتي تنتهك مبادئ الشريعة ذاتها وأحكام الدستور النيجيري أيضاً.
لقد تنكر المدافعون عن الشريعة في نيجيريا، وخاصة بعض الموظفين في حكومات الولايات والقادة الإسلاميون وقضاة المحاكم الشرعية، لتلك الالتزامات معتبرين أن القانون الإسلامي أعلى من الدستور النيجيري والمعايير الدولية وأنهم ملزمون تجاهه فقط. وعبر بعضهم عن اعتراضات قوية تجاه محاولات محاسبتهم وفق المعايير الدولية التي يماثلون بينها وبين القيم العلمانية والغربية وحاولوا استغلال موضوع الاختلاف الثقافي ووصفوا الانتقادات الصادرة عن الغرب باعتبارها هجمات ضد الإسلام وجزءاً من الحملة لفرض القيم الغربية. قال نافيو بابا أحمد السكرتير العام للمجلس الأعلى للشريعة في نيجيريا: “لا يوجد نظام عالمي للقيم. وتحدث المشاكل وسوء الفهم لأن البعض يرى تلك القيم من زاوية وجهة النظر الغربية العلمانية… لماذا يجب فرض القيم العلمانية؟ إن نهوض الإسلام اليوم يشكل تحدياً للنظام العالمي. لا يوجد نظام عالمي…. ويشير تطبيق الشريعة إلى توق الناس غير السعيدين بفرض نظام أجنبي عليهم.16 قال قائد الحسبة في كانو لهيومنز رايت ووتش: ” لدينا نظامنا قيمنا وديننا الخاصين بنا. ولا تعني عدم موافقة الغرب عليها أنها غير صحيحة”.17
من جهة أخرى، حاولت العديد من منظمات حقوق الإنسان والنشطاء والأكاديميين في نيجيريا أن تبين انسجام قيم حقوق الإنسان التي تقدسها التقاليد العالمية مع الشريعة وتداخلها معها إلى حد كبير. وتم تنظيم النقاشات والمؤتمرات وكتبت العديد من المقالات حول هذه المواضيع. ووضعت تلك النقاط ضمن برنامج تدريب قضاة المحاكم الشرعية وغيرهم كما ذكرنا سابقاً. ولا تزال النقاشات النشيطة مستمرة حتى وقت كتابة هذا المقال.18
يتوجب على الحكومة النيجيرية- على المستويين الاتحادي والولاياتي- أن تلتزم بالتعهدات والمواثيق الدولية بغض النظر عن المعتقدات الشخصية السائدة في أوساط اجتماعية ودينية مختلفة في نيجيريا. وهي مواثيق دولية ومحلية وافق عليها النيجيريون بمحض إرادتهم هم والدول الأخرى التي أغلبية سكانها مسلمون ولم تفرضها عليهم البلدان الغربية المسيحية أو العلمانية. وتتضمن المواثيق الدولية “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” والذي تشارك فيه نيجيريا كدولة منذ 1993، و”اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة” التي صادقت عليها نيجيريا في 28 حزيران من عام 2001، و”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” التي صادقت عليها نيجيريا في 31 تموز 1985، و”اتفاقية حقوق الطفل” التي صادقت عليها نيجيريا في 19 نيسان 1991، والمواثيق الإقليمية ومن ضمنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعب (الميثاق الإفريقي) الذي صادقت عليه نيجيريا في عام 1983 ودمجته في قانونها المحلي وبروتوكولها عن حقوق المرأة في إفريقيا الذي وقعت عليه في 16 كانون أول 2003 ولكنها لم تصادق عليه حتى الآن، و”الميثاق الإفريقي حول حقوق ورفاهية الطفل” الذي صادقت عليه نيجيريا في 23 تموز 2001.
يمكن القول عن الطريقة التي طبقت فيها الشريعة حتى الآن في شمال نيجيريا بأنها تنتهك أحكام جميع تلك المواثيق وخاصة حق الحياة والحق في النظر المنصف والحق في عدم الخضوع للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة غير الإنسانية والمهينة والحق في عدم التمييز بسبب النوع الاجتماعي أو الدين والحق في الخصوصية.
حق الحياة
تنص المادة 6 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على أن: ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”. و تنص المادة 4 من “الميثاق الإفريقي” أيضاً على أن: “الكائن البشري له حرمته. وجميع الناس لهم الحق في احترام حياتهم وكرامتهم. ولن يحرم أحد من هذا الحق تعسفاً”.
إضافة إلى ذلك، تنصّ المادة 6 (2) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على أنه: ” لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة. ولا يجوز تطبيق العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة”.
ويشكل استخدام عقوبة الموت في ظل الشريعة، وخاصة في العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين والتي حكم بسببها على الناس بالموت في نيجيريا، انتهاكاً لتلك الأحكام، حيث لا يمكن اعتبار تلك العلاقات بشكل عقلاني من “أشد الجرائم خطورة ” التي أِشار إليها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
الحق في النظر المنصف في القضية
تنص المادة 14 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على أن: ” الناس جميعاً سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد…أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون”. وهي تنص على الضمانات الدنيا التالية:
(أ) أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها،
(ب) أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه،
(د) أن يحاكم حضورياً وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكماً، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجراً على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر،
(ز) ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب.
وتنص المادة 7 من الميثاق الإفريقي على أن: “من حق كل الناس أن ينظر في قضيتهم بشكل منصف بما فيها حقهم في الدفاع عن أنفسهم وحقهم في أن يدافع عنهم مستشار قانوني يختاره بنفسه.
وكفلت المادة 37 (د) من “اتفاقية حقوق الطفل” و المادة 17 من “الميثاق الإفريقي حول حقوق ورفاهية الطفل” بشكل خاص حق الطفل في التمثيل القانوني
وقد بيّنا في هذا التقرير أن إدارة المحاكمات الجزائية في المحاكم الشرعية تنتهك تلك الأحكام من زوايا عديدة وخاصة حق التمثيل القانوني والحق في النظر المنصف أمام محكمة مختصة وحق المتهم في ألا يكره على الاعتراف بذنب يدينه.
الحق في عدم الخضوع للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة
تكفل المادة 7 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة” والميثاق الإفريقي (المادة5) حق الفرد في عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ويتم انتهاك هذه الأحكام في الدعاوي المقامة أمام المحاكم الشرعية من زاويتين: فالتعذيب المنظم للمتهمين من قبل الشرطة لانتزاع اعترافاتهم يشكل انتهاكاً لذلك الحق، إضافة إلى أن العقوبات التي يقدمها تشريع الشريعة، وخاصة عقوبة الموت وبتر الأعضاء والجلد، تشكل تعذيباً وضروباً من المعاملة القاسية واللاإنسانية و المهينة والتي تقع ضمن تعريف التعذيب المذكور في المادة 1 من “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة “والتي تنص على أن ” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية”.
وتطلب المادة 2 من “الاتفاقية” من كل دولة طرف فيها أن “تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي”. وهي الإجراءات التي أخفقت حكومات الولايات والحكومة الاتحادية النيجيرية في اتخاذها عبر السماح بوضع عقوبات مثل عقوبة بتر الأعضاء ضمن القانون وممارستها عملياً.
اعتبر المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب أن “العقوبة الجسدية لا تنسجم مع تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والمحفوظة، من ضمن أشياء أخرى، في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”الإعلان العالمي لحماية جميع الأشخاص من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” و “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة”. وقال بخصوص العقوبات الجسدية الموجودة في القوانين المستمدة من الدين، كالشريعة مثلاً، أنها: “نظراً لعدم وجود استثناء متوقع في حقوق الإنسان العالمية أو القانون الإنساني تجاه أعمال التعذيب التي قد تكون جزءاً من برنامج التعذيب الجسدي، يجب على المقرر الخاص أن يأخذ باعتباره ضرورة أن تعمد الدول التي تطبق قانوناً دينياً إلى فعل ذلك بطريقة تتجنب فيها تطبيق الأعمال المسببة للألم في ممارستها للعقوبة الجسدية “.19
وتنص “اتفاقية حقوق الطفل”(المادة 37) خاصة على أنه: “لا يجوز إخضاع أي طفل للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”. وينص الجزء 17.3 من قواعد الحد الأدنى لإدارة قضاء الأحداث على أنه: ” لا يجوز إخضاع الحدث للعقوبة الجسدية”. وتطلب المادة 17 من الميثاق الإفريقي حول حقوق ورفاهية الطفل من جميع الدول الأطراف أن: “تضمن عدم خضوع أي طفل (أو طفلة) محتجز أو مسجون أو مجرد من حريته للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة”. ومع ذلك، حكمت المحاكم الشرعية ببتر أعضاء أو جلد العديد من المتهمين رغم أن عمرهم أقل من 18 عاماً.
وتخالف مشاركة الأطباء في بتر الأعضاء، كما في حالة جانكيب في دولة زامبيا، القواعد والإرشادات التي وضعتها الأمم المتحدة والهيئات الدولية التي تمثل مهنة الطب، حيث تحرم المبادئ والأخلاق الطبية المتعلقة بدور العاملين في المهنة الصحية، وخاصة الأطباء، في حماية المساجين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة، والتي تبنتها الأمم المتحدة في اجتماعها العام في 18 كانون أول 1982، مشاركة الأطباء وغيرهم من العاملين في السلك الطبي في تلك الأعمال. وتنص القاعدة 2 على: “تشكل مشاركة أعضاء المهنة الصحية، وخاصة الأطباء، بشكل فعال أو سلبي في أعمال تشكل مشاركة في، أو ضلوعاً في، أو تحريضاً على، أو محاولات تنفيذ التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة، مخالفة فاضحة لأخلاق مهنة الطب وانتهاكاً للوسائل المسموح باستخدامها عالمياً”.
وضعت العديد من الهيئات العالمية التي تمثل أعضاء السلك الطبي أيضاً إرشادات وقواعد أخلاقية ضد مشاركة الأطباء في الممارسات التي تصل إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة. ينص إعلان طوكيو الذي تبناه الاجتماع 29 للجمعية الطبية العالمية في عام 1975 على أن: ” لا يجوز للطبيب أن يؤيد، أو يتغاضى عن، أو أن يشارك في، ممارسة التعذيب وغيره من الإجراءات القاسية واللاإنسانية أو المهينة على الضحية بغض النظر عن الجرم المشتبه، أو المتهم ، أو الذنب الذي ارتكبته تلك الضحية..لا يجوز للطبيب أن يقدم أي مكان أو أدوات أو مواد أو معرفة تسهل ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة… ولا يجوز أن يحضر الطبيب أي إجراء يتم فيه استخدام، أو التهديد باستخدام، التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة”20.
الحق في المساواة أمام القانون
ينص “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على ضرورة تمتع الرجل والمرأة بفرصة متساوية للحصول على جميع الحقوق المدنية والسياسية المذكورة في “العهد”. وتنص المادة 26 خاصة على أن: “الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً كان أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”. وتنص المادة 3 من الميثاق الإفريقي على أن: ” الناس جميعاً متساوون أمام القانون” و “يحق لجميع الأفراد الحصول على حماية قانونية متساوية”.
وتعهد المادة 2 من “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” إلى الدول الأطراف باتباع سياسة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وضمان المساواة بين الرجل والمرأة بطرق عديدة وخاصة من خلال تبني وتعديل التشريع . وتعهد المادة 2 خاصة إلى الدول الأطراف باتخاذ ” جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة”. وتطلب المادة 5 (أ) أيضاً من الدول الأطراف ” تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر،أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة”.
وتنص المادة 18 من الميثاق الإفريقي على أنه ” يتعين على الدولة القضاء على كل تمييز ضد المرأة وكفالة حقوقها وحقوق الطفل على نحو ما هو منصوص عليه في الإعلانات والاتفاقيات الدولية. ” ويحتوي بروتوكول الميثاق الإفريقي حول حقوق الإنسان والشعوب وحقوق المرأة في إفريقيا، والذي تم تبنيه في عام 2003، على تدابير أكثر تفصيلاً لحماية حقوق المرأة ومن ضمنها القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة (المادة2) والحصول على العدالة والحماية المتساوية أمام القانون (المادة 8) والتي تطلب من الدول الأطراف أن تضمن أشياء أخرى “إصلاح القوانين والممارسات التمييزية الموجودة بهدف تشجيع وحماية حقوق المرأة”.
خلافاً لجميع هذه الأحكام، فإن تشريع الشريعة الموجود في نيجيريا تمييزي بشكل صريح على أرضية الدين (حيث يخضع المسلمون فقط للشريعة والأحكام القاسية الموجودة فيها) وعلى أرضية النوع الاجتماعي (حيث تواجه المرأة في القانون والممارسة بوضع تمييزي سلبي خطير، كما أوضحنا في هذا التقرير).
الحق في الخصوصية
تنتهك مضايقة الناس، وخاصة المرأة، في سياق علاقاتهم الخاصة واجتماعاتهم العامة، حقهم في الخصوصية كما تفعل محاولات الإمساك بالمشتبه في خرقهم للقانون أو انتهاكهم لبعض الممارسات وذلك عبر الدخول إلى منازلهم والتطفل على أنشطتهم من خلال الحسبة. وتنص المادة 17 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على أنه: “لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته… ومن حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”.
خاتمة
سيعتمد مستقبل الشريعة في نيجيريا ومدى المحافظة على حقوق الإنسان في القوانين والممارسات إلى حد كبير على التطورات السياسية في الفترة القادمة. وهناك شعور ضمني بالارتياح بين المسلمين وغير المسلمين بسبب ابتعاد حكومات شمال نيجيريا تدريجياً عن السمات الأشد في العقوبات الشرعية و تناقص الانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان في هذا السياق مقارنة مع بداية مرحلة تطبيق تلك القوانين. ورغم ذلك لا يجوز إهمال هذا الموضوع لأن القوانين التي تفرض تلك العقوبات لا تزال نافذة إضافة إلى استمرار الإساءات Abusesالجوهرية. وقد يؤدي تغير الوضع السياسي إلى اعتماد سياسة أشد من جانب حكام الولايات في أي وقت يريدونه إذا شعروا بالحاجة إلى إعادة تثبيت سلامتهم السياسية. وقد تزايد استخدام الدين كأداة سياسية في نيجيريا خلال السنوات القليلة الماضية و أدت الاستغاثة بالمشاعر الدينية في سياق العنف المستمر بين الأعراق المختلفة في ولاية بلاتو وكانو وأجزاء أخرى من نيجيريا في عام 2004 الى ارتفاع قطبية المجموعات العرقية المختلفة وإلى أوضاع أشد قسوة عموماً.
يجب على السلطات الحكومية أن تبحث عن طرق لإنهاء الإساءة إلى حقوق الإنسان في ظل الشريعة إلى جانب جهودها لحل المواضيع السياسية الأوسع. وتوجد حلول عديدة على المدى القصير سهلة المتناول و لا تتطلب نقاشات سياسية مطولة ومن بينها مراقبة العملية القانونية في المحاكمات أمام المحاكم الشرعية والتي تعتبر أحد أكثر المواضيع أهمية، كما أوضحنا في هذا التقرير حيث أدى الإخفاق في احترام العملية القانونية إلى حدوث انتهاكات خطيرة- ولكن يمكن منعها- لحقوق الإنسان. يجب أن يكون الهدف النهائي هو إصلاح تشريع الشريعة بحيث تستبعد منه عقوبات الموت وبتر الأعضاء والجلد. ولكن يجب تجميد جميع الأحكام بالموت وبتر الأعضاء والجلد حتى يتم تبني مثل تلك التعديلات. سيؤدي احترام العملية القانونية في نظام الشريعة إلى ضمان عدم وصول العديد من الحالات المشابهة حتى إلى مرحلة الإدانة من قبل المحاكم الشرعية الأدنى أو الأعلى. وقد عثرت هيومنز رايت ووتش في جميع الحالات التي درستها على نواقص وأخطاء إجرائية عديدة في الأحكام كفيلة بعدم إدانة أي من أولئك المتهمين، ناهيك عن الحكم عليهم بالإعدام أو بتر الأعضاء، لو توفر محامو الدفاع المعينون في مرحلة أبكر من المحاكمة. إن التمثيل القانوني المختص منذ المرحلة الأولى في عملية المحاكمة وخلالها هام جداً كما أوضحنا في عدة أماكن من هذا التقرير. وسوف يساهم التدريب الشامل للقضاة أيضاً في تخفيض عدد الأحكام القاسية إلى حد كبير.
تحث هيومنز رايت ووتش الحكومة والسلطات القضائية في نيجيريا على الاحترام المقونن لحقوق الإنسان في الشريعة وتدعو أيضاً الحكومة النيجيرية إلى اتخاذ التدابير لتحسين العملية القانونية والمحافظة على حقوق الإنسان في الأنظمة القضائية الأخرى التي تعمل بالتوازي مع الشريعة في الأجزاء الأخرى من البلاد. وقد أظهر بحثنا في حقوق الإنسان في سياق الشريعة أن بعض أشد الإساءات خطورة والموثقة في هذا التقرير –مثل انتزاع الاعترافات بالقوة من قبل الشرطة- ليست خاصة بالشريعة وإنما تحدث في كل أرجاء نيجيريا. ويجب بشكل ملح أن يتحول انتباه موظفي الحكومة نحو تلك المشاكل الأوسع التي تقوض مجرى العدالة في جميع الأنظمة القانونية التي تعمل في البلاد.
يجب على الحكومات الأجنبية والمنظمات الأخرى والأفراد المهتمين بالوضع في نيجيريا ، إضافة إلى تشجيعهم للحكومة النيجيرية على تطبيق التوصيات الواردة أعلاه، أن يدركوا أن عدد الأشخاص الذين قتلوا وتأذوا في نيجيريا في سياق الصراعات الداخلية العرقية وعمليات القتل على يد قوات الأمن يفوق العدد الناتج عن للشريعة. يجب على الحكومة النيجيرية أن تنشد إنهاء هذا العنف وتضمن قيام قوات الأمن بحماية الشعب بطريقة فعالة دون اللجوء إلى العنف.
اترك تعليقاً