جديد نظام الإجراءات الجزائية
منصور الزغيبي
استهلت هذا العام بجملة من الأنظمة التي تعيد ترتيب المؤسسة القضائية من الداخل في شكل جديد، لأجل توحيد الإجراءات، وهي تعتبر نقلة مهمة وملفتة في تاريخ القضاء على المستوى المحلي، ومن ضمن هذه الأنظمة الجديدة الأساسية التي حوت تغييرات جوهرية «نظام الإجراءات الجزائية» الذي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/2) وتاريخ 22-1-1435هـ.
في هذه المقالة، سأركز على ما يتعلق بحقوق المتهم وطرق الاعتراض على الحكم في شكل مختصر.
إذا نظرنا إلى الفقرة الأولى: «يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محامٍ للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة». والثانية: «تبين لوائح هذا النظام حقوق المتهم الواجب التعريف بها»، من «المادة الرابعة في الباب الأول و«الفقرة الثانية» هنا تعتبر إضافة جديدة ومهمة داخل النظام، وهي ستحدد بالضبط «حقوق المتهم والتعريف بها في حال القبض عليه» في اللائحة التي ستصدر بعد 90 يوماً من تاريخ العمل بهذا النظام «وفق ما نصت عليه المادة الـ20 بعد الـ200، وكذلك من ضمن التعديلات الجوهرية للمتهم أمام المحكمة أن يستعين بمحامٍ والمحكمة معنية بتوفير المحامي له بحسب ما نصت عليه «المادة الـ39 بعد الـ100» من الفصل الثاني الذي بعنوان: «حضور الخصوم»، «يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه، وإذا لم يكن لديه المقدرة المالية في الاستعانة بمحامٍ، فله أن يطلب من المحكمة أن تندب له محامياً للدفاع عنه على نفقة الدولة وفقاً لما تبينه اللائحة، أما في الجرائم الأخرى فيجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو محامياً لتقديم دفاعه، وللمحكمة في كل الأحوال أن تأمر بحضوره شخصياً أمامها».
وهذه الإضافة الجديدة التي لم تكن مدرجة في النظام القديم وهي من ضمن الضمانات القضائية التي تصب في مصلحة المتهم، واللائحة في حال صدورها سترسم ملامح هذه المادة.
في النظام القديم «طرق الاعتراض على الحكم» كان التمييز وإعادة النظر، لكن في النظام الجديد حدث تعديل جوهري ومهم، فتحت الفصل الأول من الباب السابع «الاستئناف»، اندرج تحته ست مواد (من المادة 192 إلى المادة 197)، وكذلك الفصل الثاني «النقض» وهو يعتبر من الطرق الجديدة في الاعتراض على الأحكام في النظام السعودي، ولم يكن موجوداً في النظام القديم، ويندرج تحته ست مواد (من المادة 198 حتى المادة 203). والفصل الثالث «إعادة النظر» احتوى ست مواد (من المادة 204 حتى المادة 209).
ومن أهم الفروق بين النظامين القديم والجديد في طرق الاعتراض، أن القديم ليس فيه مرافعة أمام محكمة التمييز إلا في حالات معينة، أما الاستئناف في النظام الجديد فالأصل فيه المرافعة، ويستثنى من ذلك التدقيق بحسب ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء، وللحديث بقية سأعرضه في المقالة المقبلة.
تقدم في المقالة السابقة الحديث عن جديد نظام الإجراءات الجزائية الجديد، وذكرت أن من الأحكام القانونية المستحدثة في هذا النظام الأحكام المتعلقة بالاستئناف.
كان النظام السابق يُلزم المحكمة بأن تعرض الحكم على أطراف الدعوى بأخذ قناعتهم في الحكم، فإذا قنع به أطراف الدعوى اكتسب الحكم القطعية، «على أن هناك خلافاً في قناعة المدعي العام، وانتهى عملاً إلى أخذ قناعته كأي طرف من أطراف الدعوى».
أما النظام الجديد، ألزم المحكمة بأن تُفهم أطراف الدعوى بأحكام الاعتراض من دون أن تأخذ قناعتهم بالحكم، وهذا الحكم الجديد مُستفاد من نص المادتين (213) من النظام القديم، ويقابلها المادة (210) من النظام الجديد.
إذ نصت المادة (213) من النظام القديم على أن «الأحكام النهائية هي الأحكام المكتسبة للقطعية بقناعة المحكوم عليه أو تصديق الحكم من محكمة التمييز أو مجلس القضاء الأعلى بحسب الاختصاص».
ويقابلها المادة (210) من النظام الجديد، ونصها «الأحكام النهائية هي الأحكام المكتسبة للقطعية، إما بعدم الاعتراض عليها خلال المدة المحددة نظاماً أو بتأييد الحكم من المحكمة العليا أو صدوره منها».
ويلاحظ أن النظام الجديد استبعد الفكرة القديمة، وهي اكتساب القطعية بقناعة المحكوم عليه، وهو بذلك يعطي المحكوم عليه ضمانة رائعة، إذ جعل له حق الاعتراض خلال المدة المقررة نظاماً، وهي تزيد على 30 يوماً، يتمكن المحكوم عليه من اتخاذ قرار الموافقة على الحكم أو الاعتراض عليه، فإن لم يتقدم باعتراضه اكتسب الحكم الصفة النهائية، وكان في النظام السابق كثيراً ما يتردد المحكوم عليه في اتخاذ القرار في جلسة الحكم، وربما وافق على الحكم ثم ندم بعد ذلك.
وأشير هنا إلى أن النظام الجديد أكثر وضوحاً في مسألة تقديم اللائحة الاعتراضية، إذ ألزم المعترض بتقديم مذكرته الاعتراضية وفقاً للمادة (195) من النظام الجديد، وكان في السابق محل خلاف في العمل القضائي.
وبعد أن يقدم المعترض اعتراضه، تنظر الدائرة ما ورد في المذكرة الاعتراضية، فإن رأت العدول عن الحكم أبلغت أطراف الدعوى وعقدت جلسة لذلك، أما إن لم يظهر لها ما يوجب العدول عن الحكم، فترفع المعاملة مع الاعتراض إلى محكمة الاستئناف.
وذكرت في نهاية المقالة السابقة أن الاستئناف على نوعين هما: «استئناف مرافعة»، وذلك بأن يمثل أطراف الدعوى أمام الدائرة المختصة بمحكمة الاستئناف التي تنظر الدعوى من جديد. و«استئناف التدقيق»، والأصل فيه عدم المرافعة إلا إن رأت الدائرة المختصة بمحكمة الاستئناف ذلك كما في المادة (192) من النظام الجديد، وكما ترى أنه يختلف اختلافاً جذرياً عن النظام السابق، إذ إن المعاملة بمجرد رفعها إلى محكمة الاستئناف تخرج من عهدة المحكمة الابتدائية، وليس كما في النظام القديم تعود المعاملة إلى المحكمة الابتدائية، أما بموافقة على الحكم وتأييده أو بنقضه أو بالملاحظة عليه، ولا يكون هناك مرافعة إلا في حالات نادرة.
ويتولى تحديد القضايا التي تدقق المجلس الأعلى للقضاء،
وهو التركيز على الفروق الجوهرية بين النظام القديم والجديد في موضوع «طرق الاعتراض على الأحكام».
والحديث هنا مقصور على النقض، ويعتبر من الطرق الجديدة في الاعتراض على الأحكام في النظام السعودي، ومواد النقض تتكون من ست مواد (من المادة 198- حتى المادة 203).
والمنظم أعطى الحق للمحكوم عليه وللمدعي العام وللمدعي بالحق الخاص الاعتراض بطلب النقض أمام المحكمة العليا على أحكام الاستئناف وقراراتها التي تصدرها أو تؤيدها.
والنظام حدد حالات الاعتراض في أربع فقرات من المادة (198) من النظام الجديد، وهي:
1- مخالفة أحكام الشريعة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها. 2- صدور الحكم من محكمة «يقصد بها الدائرة» غير مشكلة تشكيلاً سليماً طبقاً لما نص عليه نظاماً. 3- صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة. 4- الخطأ في تكييف الواقعة أو وصفها وصفاً غير سليم.
وجعل النظام مدة الاعتراض بطلب النقض 30 يوماً، وفي حال لم يتقدم المعترض بلائحته الاعتراضية خلال هذه الفترة الزمنية المحددة يسقط حقه في طلب النقض، كما نصت المادة (199) على ذلك.
ومن ضمن إجراءات الاعتراض بطلب النقض التي من الواجب التقيد بها من صاحب الاعتراض، هي:
1- إيداع «المذكرة الاعتراضية» لدى إدارة محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم أو أيدته، مشتملة أي المذكرة الاعتراضية على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وعناوينهم وبيان الحكم المعترض عليه، ورقمه وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاعتراض وطلبات المعترض وتوقيعه وتاريخ إيداع «مذكرة الاعتراض».
2- يجب على محكمة الاستئناف أن تقيد «مذكرة الاعتراض» في يوم إيداعها في السجل الخاص بذلك، وترفعها مع صورة ضبط القضية وجميع الأوراق إلى المحكمة العليا خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أيام من تاريخ انتهاء مدة الاعتراض، كما نصت الفقرتان (1-2) من المادة (200). وتنظر المحكمة العليا الشروط الشكلية في الاعتراض المتعلقة بالبيانات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (200) من هذا النظام، وما إذا كان صادراً ممن له حق طلب النقض ثم تقرر المحكمة قبول الاعتراض أو عدم قبوله شكلاً.
فإذا كان الاعتراض غير مقبول من حيث الشكل، فتصدر المحكمة قراراً مستقلاً بذلك، وإن قبلته فتفصل فيه استناداً إلى ما في الملف من الأوراق من دون أن تتناول وقائع القضية، فإن لم تقتنع بالأسباب التي بني عليها الاعتراض أيدت الحكم، وإلا نقضت الحكم كله أو بعضه مع ذكر المستند، وتعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد من غير القاضي الذي نظرها، وإن كان النقض للمرة الثانية، وكان الموضوع صالحاً للحكم، وجب عليها أن تحكم في الموضوع، كما تنص المادة (202).
كذلك، «لا يجوز التمسك أمام المحكمة العليا بسبب لم يرد في «مذكرة الاعتراض»، ما لم يكن السبب متعلقاً بالنظام العام، فتأخذ به المحكمة من تلقاء نفسها» (203).
وأخيراً، فإن النظام حدد المدة التي تصدر خلالها اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية، وبلغني أن المجلس الأعلى للقضاء شكل عدداً من اللجان، لوضع اللوائح بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وهي تعمل منذ أن شكلت على قدم وساق لصياغة لائحة تعين الجهات المختصة لرفع مستوى العدالة، ونتمنى لهم التوفيق.
* كاتب سعودي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً