حماية حقوق المستهلك
د. عبد القادر ورسمه غالب
طرأت الحاجة الماسة لحماية المستهلك نظراً لما يتعرض له من ممارسات سلبية عديدة عندما يرغب في شراء أي سلعة أو منتج أو عندما يرغب في الحصول على أي نوع من الخدمات.
يقوم المستهلك بشراء السلع والمنتجات المختلفة التي يحتاج لها يومياً من مأكولات ومشروبات وملبوسات وعلاج وترحيل… كما يحتاج لخدمات عديدة من الجهات الهندسية أو الطبية أو المصرفية أو التعليمية أو خلافه… وبصفة أساسية يجب أن يحصل المستهلك على كل متطلباته واحتياجاته الضرورية بما يعود بالنفع له من أجل تحقيق المصلحة المرجوة، وليس العكس.
لكن في بعض الحالات، تبين أن ما يحصل عليه المستهلك من سلع ومنتجات أو خدمات لا يحقق المصلحة المرجوة بل قد يسبب له الأضرار الجسيمة مادياً ومعنوياً وجسدياً. وفي هذا يتضح وجود تعارض وعدم اتفاق بين مصلحة مقدم السلعة والخدمات من جهة ومصلحة المستهلك من الجهة الأخرى، وعند حدوث هذا التعارض لأي سبب يكون المتضرر في أغلب الأحوال «الطرف الضعيف» أي المستهلك، وغالبيتهم من الضعفاء مهضومي الحقوق.
قانوناً هناك مسؤولية افتراضية على المستهلك باتخاذ كل الحذر والحيطة اللازمة من قبله، وهذه المسؤولية الافتراضية «كافيت امبتور» تحكمها مبادئ القانون العام التي نتج عنها ثروة من الأحكام القضائية الثرة فيما يتعلق بعلاقة البيع والشراء بين البائع والمشتري «المستهلك».
غير أن وجود هذه المسؤولية، وبصفة عامة، لا يمنع من انتقاص حقوق المستهلك وتعرضه للمخاطر التي تنتقص من حقوقه… ولسد هذه «الفجوة» الموجودة بين مقدم السلعة والمنتجات أو الخدمات واحتياجات المستهلك كان لا بد من وضع ضوابط معينة بهدف حماية حقوق المستهلك حتى لا يكون ضحية الجشع أو التدليس أو الغش أو الاحتيال أو سوء المعاملة من أي جهة كانت… و «من غشنا فليس منا» (الحديث الشريف).
ظل المستهلك، وبمساندة أطراف عديدة تمثل جهات رسمية وشعبية، يطالب الجهات التي يتعامل معها بضرورة العمل الجاد من أجل حماية حقوقه. ولقد استمرت هذه الجهود لحماية المستهلك لفترة طويلة وسنوات عديدة وأثمرت بعد جهد جهيد عن تبني الأمم المتحدة لمبادئ حماية حقوق المستهلك (يو ان جي سي بي) كنقطة انطلاق دولية ارتكازية لحماية المستهلك، كل مستهلك، في كل مكان.
وبعد مداولات عديدة وشد وجذب أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1985 الاطار العام لمبادئ حقوق المستهلك والمتمثلة في «الثمانية حقوق» التي تشمل المحاور الأساسية لحقوق المستهلك. وهذه «الثمانية حقوق» للمستهلك هي حق الأمان، وحق المعرفة، وحق الاختيار، وحق الاستماع لآرائه، وحق اشباع احتياجاته الأساسية، وحق التعويض، وحق التثقيف، وأخيرا تمت اضافة حق الحياة في بيئة صحية… لأن البيئة تمثل وتشمل كل شيء حول المستهلك.
لقد وضعت الأمم المتحدة هذه الحقوق كمبادئ إطارية عامة لتوفير الحماية لحقوق المستهلك، وبصفة عامة، فان حق الأمان «سيفتي» يشمل توفير الحماية للمستهلك من كافة المنتجات والخدمات وعمليات الإنتاج التي تؤدي إلى مخاطر في حياة وصحة المستهلك.
وحق المعرفة «انفورميشن» يشمل تزويد المستهلك بالحقائق التي تساعد على قيامه بالاختيار السليم وحمايته من الإعلانات ومن بطاقات السلع التي تشمل معلومات مضللة وغير صحيحة. وحق الاختيار «تو جوس» في أن يستطيع المستهلك الاختيار من المنتجات والخدمات التي تعرض بأسعار تنافسية مع ضمان الجودة.
وحق الاستماع «تو هير» إلى آرائه في أن تمثل مصالح المستهلك في إعداد سياسات الدولة وتنفيذها، وفي تطوير المنتجات والخدمات. وحق اشباع «ساتسفاي» احتياجاته الأساسية يتمثل في أن يكون للمستهلك حق الحصول على السلع الضرورية الأساسية وكذلك الخدمات كالغذاء والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم.
وحق التعويض «ريدرس» يشمل أن يكون للمستهلك الحق في تسوية عادلة لمطالبة مشروعة شاملة التعويض عن التضليل أو السلع الرديئة أو الخدمات غير المرضية. وحق التثقيف «اديوكيشن» يشمل أن يكون للمستهلك الحق في اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لممارسة الاختيارات الواعية بين السلع والخدمات، وأن يكون مدركاً لحقوق المستهلك الأساسية ومسؤوليته وكيفية استخدامها.
وحق الحياة في بيئة صحية «هيلسي انفايرونمنت» يشمل أن يكون للمستهلك الحق في أن يعيش ويعمل في بيئة خالية من المخاطر للأجيال الحالية والمستقبلية. وللأهمية، سنتناول كل حق من هذه الحقوق في مقالات منفصلة.
هذه المبادئ الإطارية العامة المذكورة أعلاه قامت الأمم المتحدة بإصدارها على عدة مراحل وفق المعطيات والتطورات، ولكن وبسبب المستجدات المتصاعدة يومياً في الثورة التقنية والتطورات المتلاحقة في مجال الأعمال والخدمات التي يحتاج لها المستهلك، أصبحت هناك ضرورة ماثلة وملحة لإعادة النظر في هذه المبادئ بغرض تحديثها وتطويرها من أجل تفعيلها للدرجة الكافية التي تمكنها من ملاحقة هذه المستجدات حتى يكون المردود ذا فعالية وأثر واضح في تقديم الحماية الكافية لحماية حقوق المستهلك.
ما يهم، أن المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة، صدرت لمنح الغطاء القانوني الدولي لتوفير أسس الحماية المطلوبة لحقوق المستهلك. ومن هذا المنطلق قامت العديد من الدول، واسترشادًا بمبادئ الأمم المتحدة، بإصدار تشريعاتها الوطنية لحماية حقوق المستهلك.
وبهذا التفاعل تم وضع أسس تشريعية شبه «موحدة» في كل الدول متضمنة المبادئ الاطارية العامة لحماية حقوق المستهلك في أي مكان وأينما كان، وهذا أضعف الايمان.
وعلى كل دولة تحترم حقوق مواطنيها، وتهتم بالإنسان كإنسان، بذل كل الجهد في سبر أغوار احتياجات وحقوق المستهلك لتوفير ما يغطي الحماية الكافية والتامة لهذه الحقوق الأساسية التي تنادي بها الأحكام والمواثيق الدولية اضافة للدساتير المحلية، وعليها أن تتصدى من أجل توفيرها.
وعلى كل دولة اللهث لتحمل مسؤوليتها في هذا الخصوص، والعمل على إصدار القوانين المتطورة والفاعلة لحماية المستهلك القابع داخل حدودها، مع الأخذ في الاعتبار بالمتطلبات والضرورات المحلية.
ولكن نقول: إن القوانين وحدها لا تكفي والعبء الأكبر يقع على عاتقنا جميعا، فردا فردا، لأن تكاتفنا لتأصيل وتقنين هذه الحقوق وحمايتها سيعود بالفائدة على كل منا وسينعكس علينا جميعا…
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً