حقوق المواطن والعامل في ظل ترتيبات الكفالة (مشكلات وحلول).
مقدمة :
باتت المملكة العربية السعودية بحاجة للعمالة الوافدة في سبعينيات القرن الماضي مع ظهور الطفرة النفطية وما ترتب عليها من ازدهار اقتصادي , وبدا سوق العمل السعودي يستقبل ملايين العمال الأجانب من عدد من الدول , وأصبحت قضية العمالة الوافدة في السعودية وعلاقاتها بأرباب العمل تثير العديد من الإشكالات , فبالإضافة إلى الآثار السلبية التي نتجت عن وجود عدة ملايين من العمالة الوافدة كمنافسة لقوى العمل السعودية واستنزاف العملة الصعبة ونقل بعض العادات والتقاليد الأجنبية غير المرغوبة , إلا أن الاستعانة بها كانت ضرورة فرضتها قلة أعداد السعوديين المؤهلين والمدربين أو حتى الراغبين في العمل في جميع المجالات الاقتصادية والخدمية .
وسوف نتطرق في هذه المحاضرة التي تتناول ( حقوق العامل والمواطن في ظل ترتيبات الكفالة مشكلات وحلول ) إلى الموضوعات التالية :
1ـ الوضع القائم حاليا بين العامل وصاحب العمل .
2ـ آثار اشتراط الكفالة على حقوق العامل وحقوق صاحب العمل .
3ـ بدائل اشتراط الكفالة .
4ـ تحسين الوضع القائم حاليا فيما بين العامل ورب العمل .
5ـ مشكلات وحلول .
1- الوضع القائم حاليا بين العامل وصاحب العمل
وتحت هذا المحور قال د.القحطاني: كفل النظام الأساسي للحكم في المملكة حقوقا للمقيمين تضمنتها المادة (41) والمادة (47) من هذا النظام وبين النظام أن المقيم يتمتع بالضمانات التي يتمتع بها المواطن فيما يتعلق بحق اللجوء إلى القضاء, وقد نص نظام العمل السعودي على العديد من الحقوق للعامل كحقه في مكافأة الخدمة وشهادة الخدمة.. الخ
ومن المعلوم أن عقد العمل هو الذي ينظم العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل السعودي إلا إن العامل الأجنبي لا يستطيع العمل في المملكة من الناحية النظامية، إلا بوجودمواطن سعودي يكفله ( هناك استثناءات تضمنتها بعض الأنظمة وعلى وجه الخصوص نظام الاستثمار الساري حاليا)،وهذا الكفيل هو صاحب العمل غالباً، ، الذي يتقدم بطلب إلى وزارةالعمل، للحصول على تأشيرة باستقدام عمالة أجنبية، وعند استيفاء بعض الشروط تتم الموافقة على طلبه، ثم يقوم بعد ذلك (صاحب العمل أو الكفيل)، باستقدام العامل عبر مكاتب الاستقدام أو بشكل شخصي. وعندما يصل العامل للمملكة، يصبح ملتزماً بالعمل لدى كفيله ولا يحق له الانتقال للعمل لدىغيره إلا بإعارته لفترة محددة أو من خلال نقل كفالته, والكفيل أو صاحب العمل يعتبر من الناحية النظرية مسئول عن المكفول فاغلب معاملات هذا الأخير مع الجهات الحكومية تتم عنطريق الكفيل بل حتى بعض تعاملاته الأخرى كفتح حساب، أو الحصول على رخصة قيادة، أو طلب استقدام زوجته وأولاده قد تحتاج إلى موافقة الكفيل أو صاحب العمل, ويحتفظ الكفيل بجواز سفر العامل ولا يجوز أن يغادر البلد إلا بإذنه, وإذا حدث بين الطرفين نزاع استغرق الفصل فيه وقتا طويلا قد يترتب عليه في اغلب الأحيان بقاء العامل دون راتب أو تغطية علاجية أو حتى إقامة نظامية.
وهناك بعض الشكاوى التي تلقتها الجمعية، من العمالة الأجنبية، حول عدم حصولهم على حقوقهم من أصحاب العمل , ويرجع السبب الرئيس لهذه الشكاوى إلى وجود قواعد الكفالة التي تلزم كل مقيم بأن يكون له كفيل من المواطنين، مما جعل العامل الأجنبي في وضع تبعية وخضوع لمكفوله نظراً لما تعطيه قواعد الكفالة من سلطات واسعة للكفيل على المكفول قبل صدور قرار مجلس الوزراء رقم 166 وتاريخ 12/7/1421هـ، الذي تضمن إلغاء مصطلح الكفيل والذي أكد في مادته السادسة على الجهات المختصة بالحزم مع كل صاحب عمل يتسبب في تعليق أوضاع العمالة الوافدة المسجلة عليه النظامية أو المالية، أو يعمل على تأخير سداد أجورها أو مستحقاتها أو أخذ مبالغ مالية مقابل إنهاء إجراءاتها, كما أن هذا القرار قد تضمن أيضا العديد من الأمور لصالح العامل ومنها:
السماح للعامل بالتنقل بحرية داخل المملكة ما دام يحمل رخصة إقامة سارية المفعول.
السماح للعامل بمراجعة الجهات الحكومية وغيرها للحصول على الخدمات التي توفر له ولعائلته مثل إصدار رخص القيادة وشراء السيارات والحصول على الهاتف وغير ذلك دون شرط الحصول على موافقة صاحب العمل.
لا يجوز لصاحب العمل أن يحتفظ بجواز سفر العامل الوافد أو جوازات سفر أفراد عائلته.
إلا أنه يلاحظ عدم تطبيق هذا القرار بشكل كلي وتظل المشكلة بحاجة إلى علاج شامل وكامل، فالسلبيات الناتجة عن اشتراط الكفالة لازالت قائمة.
2-آثار اشتراط الكفالة على حقوق العامل وحقوق صاحب العمل
إذا كان لكل دولة الحق في وضع ما تشاء من أنظمة و قوانين لتنظيم دخول العمالة إلى أراضيها، إلا انه ينبغي وبمجرد الوفاء بهذه الشروط السماح للعامل بالتمتع بجميع حقوقه كعامل وكإنسان, ولكن علاقة الكفالة بين العامل وصاحب العمل ترتب عليها الكثير من الآثار السلبية والتي ساعد ضعفآليات استقبال الشكاوى وطول مدد الفصل فيها في تعميقها.
فمن أسباب المشاكل التي تعاني منها العمالة في المملكة ، هو غياب آليات الحماية التي ينبغي إيجادها للحد من ضغوط الكفيل على العامل .كما أن سلبية دور سفارات العمال في متابعة رعاياها والعمل على إرشادهم للوفاء بالتزاماتهم التعاقدية والمساعدة في حصولهم على حقوقهم قد من المشاكل التي يواجهونهاوإذا كانت مكاتب العمل في المملكة تختص بتلقي الشكاوى العماليةوتسعى لحلها ودياً بين الكفيل والمكفول إلا أن جهل العمال بتلك الآلية وخوفهممن خسارة وظائفهم، يجعلانهم يحجمون في بعض الحالات عن الشكوى ، كما أن مكاتب العمل لا تملك أي سلطة لإجبار الكفيل على إنصاف عماله أو حتى لحضوره، لذا ففيحال عدم التوصل لحل مرض بين الطرفين، تحوّل القضية إلى القضاء العمالي، التي غالباً ماتنتهي بترحيل المكفول إلى موطنه وبعد وقت طويل من التقاضيمما يشعر العامل بان علاقة الكفالة تمكن الكفيل من ممارسة كافة أنواع الضغوط على العامل وقد تم رصد بعض شكاوي العمالة من سوء المعاملة والضرب والتهديد بالتسفير أو بالسجن من قبل الكفيل.
هل تم وضع شرط الكفالة من اجل حماية حقوق المواطنين والمحافظة امن المجتمع؟ وتحت هذا التساؤل يقول القحطاني : يعتقد البعض أن شرط الكفالة أقر لحماية أموال المواطنين أو أموال صاحب العمل, فإذا اشترى أجنبيا شيئا بالتقسيط أو بالأجل مثلا ثم خرج من البلاد دون أن يسدد ما في ذمته، أو إذا أقدم العامل على سرقة أو اختلاس أموال كفيله فان شرط أو علاقة الكفالة التي تقضي بموافقة الكفيل على منح المكفول تأشيرة المغادرة ستمكن من التغلب على مثل هذه الحالات ولكن الواقع يخالف ذلك فالكفيل ليس مسئولا شرعا ونظاما عن أي تصرف يجريه المكفول مع الغير ما لم يلتزم برضاه واختياره بالوفاء بهذا الالتزام تجاه الغير. بل على العكس من ذلك فالكفلاء يعتقدون أن هناك تجاوزات تحصل من العمال أو المكفولين بحقهم وان وجود شرط الكفالة لم يحل الوضع.
فالكفيل يرى انه يتعرض للكثير من الأضرار والمصاعب بسبب سلوك العامل وعدم التزامه ببنود العقد الموقع معه فقد يهرب وقد يستغل وضع الكفيل في بعض الحالات للحصول على مزايا أفضل, وقد يحدث من بعض العمال سرقة أو اختلاس لأموال الكفيل وقد يقوم بعضهم برفع شكاوي على الكفيل بهدف الضغط عليه من اجل أن يسمح له بالعمل لحسابه أو لمصلحته.
فالكفيل يدفع ما يقارب العشرة آلاف ريال عبارة عن رسوم التأشيرة والإقامة وصندوق الموارد البشرية وأجور الاستقدام والفحص الطبي، وبعد ذلك يمتنع العامل عن القيام بالعمل أو يهرب لأنه وجد من يدفع له أكثر ثم عندما يبلغ عنه كفيله هروب ويريد أن يسفره، يلزم بأن يدفع قيمة تذكرة سفره وإذا أراد أن يلغي بلاغ الهروب لأنه قد تصالح مع العامل فلا بد من دفع رسوم عالية لقاء ذلك ولذلك يتساءل الكفلاء من يعيد لنا أموالنا أو يضمن التزام العمالة بما استقدمت من اجله؟ فالأنظمة القائمة حاليا تلزم الكفيل بعدم تشغيل أي عامل ليس تحت كفالته وتقرر مسؤوليته عن المكفول من حيث ارتباطه بالعمل لديه، والتبليغ عنه حال هروبه, وترحيله للحصول على تأشيرة أخرى وضمان عدم انضمامه للعمالة السائبة .
هل اضر شرط الكفالة بحقوق العمالة الوافدة؟
وللرد على هذا التساؤل يقول القحطاني : يعتقد معظم العمالة الوافدة وخاصة أولئك العاملين في القطاع الخاص أن شرط الكفالة وما يترتب عليه من آثار يلحق بهم العديد من الأضرار ومن ذلك أن الكفيل يتحكم في كل أمور حياتهم وتطلب موافقته لانجاز معظم احتياجات العامل فإذا أراد فتح حساب بنكي فيجب عليه إحضار موافقة الكفيل، وإذا أراد استئجار بيت أو شراء سيارة أو استقدام زوجته وأولاده أو الحصول على رخصة قيادة فإذن الكفيل مطلوب , وفي نطاق العمل فان العامل ملزم بالعمل لدى كفيله مهما كان ظلمه ولا يحق له الانتقال لغيره إلا بموافقته كإعارة أو نقل كفالة وإذا غادر البلد بتأشيرة خروج نهائي فلا يجوز له الرجوع إلا بعد مدة معينة, كما لا يجوز للعامل السفر من المملكة إلا بموافقة الكفيل ولو كان مضطرا لحضور وفاة أو دفن احد أقاربه, وتتضاعف المشكلة بالنسبة لخدم المنازل ومن في حكمهم بسبب عدم خضوعهم لنظام العمل فبعضهم يعاني من العمل في ظروف معيشية صعبة، ولا يعرف الجهات التي يحق له أن يلجأ إليها في حالة عدم حصوله على حقوقه أو تعرضه لسوء المعاملة .
إن عدم وجود آلية واضحة للرقابة على تصرفات الكفيل تجاه مكفوليه وأيضا على تنفيذ العمال لالتزاماتهم التعاقدية يساعد في تفاقم المشاكل التي تحدث بين الطرفين مما يؤدي بهم إلى انتهاك حقوق بعضهم البعض.
ويستطرد القحطاني قائلا : ومن الواضح أن اشتراط الكفالة للعمالة الوافدة على الأقل بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص قد تترتب عليها العديد من الإشكالات سواء بالنسبة لأصحاب العمل أو للعمال .
ففيما يتعلق بأصحاب العمل مطلوب منهم دفع مبالغ كبيرة لاستقدام مثل هذه العمالة كرسوم تأشيرات ورخص عمل واستقدام ثم قد لا يكون العامل على المستوى المطلوب من حيث الكفاءة أو الانضباط وربما يهرب من كفيله مما يلزم الكفيل بالقيام ببعض الإجراءات للتبليغ عنه قد تعطل مصالحه في بعض الأحيان وبذلك يخسر الكفيل المال والوقت والجهد في مثل هذه الحالات.
أما فيما يتعلق بالعامل فلعل إيراد بعض المشكلات أو الحالات التي تقع في الواقع العملي ما يبين المعاناة التي قد يواجهها بعض العمال بسبب التعامل السيئ من قبل كفلائهم .
في حالة وقوع خلاف بين العامل وكفيله يعمد الكفيل في اغلب الأحيان إلى فصل أو إيقاف العامل عن العمل والامتناع عن صرف حقوقه المالية وربما يتخذ بعض الإجراءات الأخرى بهدف ترحيله فيقوم العامل بالمقابل بتقديم شكوى ضد الكفيل أو صاحب العمل في مكتب العمل لطلب إعادته إلى العمل وصرف مستحقاته المالية أو لطلب السماح بنقل كفالته وصرف مستحقاته المالية ومن هنا تبدأ المعاناة والتي أولها يتمثل في رفض بعض الكفلاء أو أصحاب العمل الحضور أمام مكاتب العمل إلا بعد مدة قد تطول في بعض الأحيان وإذا حضروا ففي اغلب الأحيان لا يستطيع مكتب العمل التوفيق أو إجراء الصلح بين الطرفين وهنا يحال النزاع إلى الهيئة الابتدائية للفصل في القضية ومدة نظر القضية في هذه المرحلة قد يطول إلى أكثر من سنة بسبب غياب الكفيل أو صاحب العمل أحيانا أو إثارته لقضايا جانبية أحيانا أخرى كاتهامه للعامل بالاختلاس أو السرقة ..الخ وبعد صدور الحكم من الهيئة الابتدائية ففي معظم الأحيان يتم الاعتراض عليه من قبل العامل أو صاحب العمل أو كليهما وهنا يرفع إلى الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية والتي يعاني العامل من الحضور أمامها كثيرا ولا يصدر حكمها إلا بعد فترة قد تطول في بعض القضايا.
اترك تعليقاً