حقوق الناس.. أحكام التحكيم ما بين الصياغة وقوة المضمون
د.خالد النويصر
يُعد حكم التحكيم متممًا لإجراءات التحكيم وثمرة للقضية التحكيمية والنتيجة التي خلصت إليها هيئة التحكيم بعد قفل باب المرافعة وإتمام المداولة لاكتمال المستندات والطلبات من الخصوم، وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في نظام التحكيم أو أي من الأنظمة المرعية الأخرى.
بيد أن من إحدى معضلات التحكيم كيفية صياغة حكم التحكيم صياغة قانونية صحيحة البيانات والمضمون والتسبيب، وهذا يتطلب أن تُراعى فيه عدة أمور، منها على سبيل المثال وليس الحصر: مراعاة ما جاء في نظام التحكيم ونظام المرافعات الشرعية وباقي الأنظمة الأخرى ـــ إن حكم التحكيم الذي هو على غرار الحكم القضائي يجب أن يكون واضحًا وحاسمًا وقاطعًا في منطوقه، حيث لا يدع مجالاً للشك بشأن تحديد الواجبات المفروضة على كلا الطرفين المتنازعين، وأن يرد الحكم على جميع طلباتهم إما إيجابًا أو سلبًا وبشكل كافٍ ووافٍ.
لقد أوجب نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/07/1403هـ في المادة (17) منه على أن يحتوي الحكم على بيانات معينة، إذا نص على أنه “”يجب أن تشتمل وثيقة الحكم بوجه خاص على وثيقة التحكيم، وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم، وأسباب الحكم ومنطوقه، وتاريخ صدوره، وتوقيعات المحكمين، وإذا رفض واحد منهم أو أكثر التوقيع على الحكم أُثبت ذلك في وثيقة الحكم””. وقد جاءت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 7/2012 وتاريخ 8/9/1405هـ أكثر تفصيلاً بشأن البيانات التي يجب أن يحتوي عليها حكم التحكيم، وذلك في المادة (41) التي نصت على “”… ويتم تحرير القرار مشتملاً على أسماء أعضاء الهيئة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه وموضوعه وأسماء المحتكمين وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم وعرض مجمل لوقائع الدعوى ثم طلباتهم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري، ثم أسباب القرار ومنطوقه، ويوقع المحكمون والكاتب نسخة القرار الأصلية المشتملة على ما تقدم…””.
وعلى الرغم من وضوح البيانات التي يجب أن يشتمل عليها حكم التحكيم على النحو الوارد بالمادة (17) من نظام التحكيم والمادة (41) من اللائحة التنفيذية، إلا أنه ما زالت هناك مشكلات وأخطاء تقع حال صياغة أحكام التحكيم مردُّها نقص هذه البيانات، مما يؤدي إلى الطعن ببطلان حكم التحكيم وما يترتب على ذلك من أضرار بالمحتكمين وغيرهم.
إن من الأخطاء التي تقع فيها هيئة التحكيم حال صياغة الحكم وتؤدي إلى بطلانه، عدم تسبيب الحكم تسبيبًا قانونيًّا صحيحًا على النحو المنصوص عليه بنظام التحكيم، ويقصد بأسباب الحكم حيثياته التي قام عليها من حيث الواقع والنظام، وكذلك رد الحكم على طلبات ودفوع الخصوم، فالتسبيب يُعد من عناصر الحكم ويؤثر دون شك في مضمونه، وقد يؤدي إلى هدم الأساس الذي بُني عليه ومن ثم الحكم ببطلانه.
ولذلك لا بد أن يكون واضحًا وجليًّا التزام هيئة التحكيم بتضمين الحكم طلبات الخصوم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري في أسباب القرار ومنطوقه، وذلك على النحو المنصوص عليه بالمادة (41) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، أي أن هيئة التحكيم غير ملزمة بالرد إلا على الدفوع الجوهرية التي يبديها الخصوم أو أحدهم والتي تتغير معها وجهة النظر في الحكم، فيجب أن تكون الأسباب التي أقامت عليها هيئة التحكيم قضاءها كافية وقادرة على حمل النتيجة التي توصل لها الحكم والوارد ذكرها تحديدًا بمنطوقه.
كما تُعد من الأخطاء والمشكلات التي تؤدي إلى المطالبة ببطلان حكم التحكيم عدم تعرض الحكم للرد على طلبات الخصوم ودفاعهم ومستنداتهم المقدمة في الدعوى، ويُعد هذا الأمر من البيانات الجوهرية التي يجب أن يحتوي عليها حكم التحكيم، وذلك للوقوف على تحديد مدى تجاوز هيئة التحكيم لصلاحيتها من عدمه، وبيان الصلة بين مضمون الحكم وطلبات الخصوم، حيث يجب أن يكون مضمونه قائمًا على هذه الطلبات. كما تطلب نظام التحكيم في المادة (41) من لائحته التنفيذية أن يورد الحكم موجزًا عن دفوع ودفاع الخصوم شريطة ألاَّ يصل الإيجاز إلى درجة الإبهام أو الغموض أو الاختزال أو الابتسار الذي يخل بالمضمون وما انتهى إليه الحكم. وبطبيعة الحال لا يُشترط أن يذكر الحكم طلبات الخصوم وأقوالهم في فقرة مستقلة أو بصورة متتابعة أو متسلسلة، بل يمكن أن يكون ذلك في عدة فقرات متباعدة وبمناسبات مختلفة في أثناء تدوين الحكم.
كذلك من الأخطاء التي قد تقع فيها هيئة التحكيم وتؤثر في حكمها بالبطلان أن يستند الحكم إلى أحكام أو مواد نظامية تخالف الأنظمة المعمول بها وبالأخص أحكام الشريعة الإسلامية، مثل أن يقضي الحكم بإلزام أحد الخصوم بسداد فوائد ربوية تخالف أحكام الشريعة وتؤدي إلى طلب إبطال الحكم، لذلك يتطلب من الهيئة مصدرة حكم الحكم أن تراعي الأحكام النظامية المعمول بها والمواد التي تحكم النزاع سواء أثارها الخصوم أو لم يتعرضوا لها، وكذلك تطبيق النص القانوني الصحيح على النزاع.
وتُعد من المشكلات الشائعة في أحكام التحكيم غموض منطوق الحكم وعدم تحديده لالتزامات وحقوق المحتكمين، إذ يجب ابتداءً أن تنطق هيئة التحكيم بالحكم الصادر في الدعوى، وذلك على النحو المنصوص عليه في المادة (41) من اللائحة التنفيذية التي نصت على أنه “”… وينطق رئيس هيئة التحكيم بالقرار في الجلسة المحددة…””، مما يجعل هذا الإجراء لازمًا لصحة حكم التحكيم، فمنطوق الحكم هو الفقرة الأخيرة التي تتضمن التزامات وحقوق المحتكمين بعد استعراض طلبات ودفوع الخصوم ورد هيئة التحكيم عليها، ويُشترط في منطوق الحكم أن يكون في صورة قرار أو قرارات ملزمة، وأن يكون غير متناقض مع بعضه بعضًا، وأن يكون واضحًا محكمًا لا يتضمن إلا مفهومًا واحدًا حتى لا يلجأ الخصوم إلى طلب تفسير الحكم أو الطعن فيه بسبب جهالة منطوقه.
إن ما ورد لا يمثل كل المشكلات التي تشوب حكم التحكيم وتؤدي إلى طلب إبطاله، بل هناك العديد من المشكلات والأخطاء التي لا يتسع المجال لسردها، إلا أنه تجب الإشارة إلى وجوب أن تكون هيئة التحكيم على إلمام كامل بجميع المسائل النظامية المنصوص عليها بنظام التحكيم والأنظمة المرتبطة به، خاصة إذا كان تشكيلها من غير القانونيين، فلا بد من اطلاعهم على الإجراءات النظامية والشرعية المرعية المعمول بها في هذا المضمار.
اترك تعليقاً