حق المتهم في الصمت
القاضي علي كمال
إن احترام الخصم وحقوقه الدستورية في الدعوى الجزائية يمثل حجر الزاوية لإقامة صرح عدالة جنائية فعالة تأخذ بعين الاعتبار المعاملة الانسانية كصفة مميزة لها وتوفير اكبر قدر ممكن من الضمانات التي يقرها القانون لتحقيق التوازن بين الفعالية الجنائية والشرعية الاجرائية وهذا ما يبرره ان المتهم هو الطرف الضعيف في الدعوى الجزائية حيث يجد نفسه وحيدا في مواجهة إحدى سلطات الدولة سواء الضبطية القضائية او قاضي التحقيق ومحكمة الموضوع.
ولان كل سلطة لها إجراءات تختلف اختلاف المرحلة التي تكون عليها الدعوى والهدف منها وما تنطوي عليه من مساس بالحرية الفردية يكون قانون أصول المحاكمات الجزائية المرآة العاكسة لأهمية وقيمة الحريات والحقوق والضمانات المكرسة للوصول الى الحقيقة خدمة للمجتمع وتوطيدا و ارساء لدعائم دولة القانون.
وعلى هذا الأساس تم استبعاد الأساليب غير المشروعة لبناء الحقيقة ما أدى بالكثير من الفقهاء الى اعتبار قانون الأصول الجزائية قانون الشرفاء لان المتهم يبقى بريئا خلال مراحل الدعوى الجزائية حتى يصدر ضده حكم بالإدانة لذلك نجد ان أساس الشرعية الإجرائية هو البراءة ذات الأهمية القصوى إن لم نقل المحور الأساسي الذي تدور حوله آليات الإثبات الجنائي.
اذ لا يعقل انزال عقوبة بتهم دون ثبوت وجود جريمة واسناد تلك الجريمة ماديا ومعنويا اليه فسلطة الاتهام ضمانا للحق العام – ملزمة بإثبات الجريمة ونسبتها للمتهم إما هذا الأخير فغير مكلف بإثبات براءته لانها متأصلة فيه ونابعة من حريته الاساسية وهذا ما يبرر حقه في الامتناع عن التصريح حول الوقائع المنسوبة إليه المكرسة لهذا الحق نجد ان المتهم له الحرية الكاملة في الادلاء باقواله ان اراد ذلك وعليه فلا يجوز اكراهه على القول والتصريح بأي شي مهما كانت جسامة الأفعال وخطورتها وهذا ما قد يدفعه الى انكار الحقيقة والتزام موقف سلبي بالامتناع عن التصريح حماية له عند مباشرة الدعوى الجزائية فيكون له الحق في الامتناع عن التصريح والكذب والحق في السلامة الجسدية والنفسية والحق في الخصوصية.
ومن هنا تظهر اهمية هذا الحق عند ممارسة المتهم لحقوقه في الدفاع عن نفسه لاستناده على قرينة البراءة من جهة ومدى احترامها من طرف المحقق من جهة ثانية سواء على المستوى الإجرائي او الموضوعي.
فقرينة البراءة هي اكبر ضمان لحقوق المتهم في الدفاع حيث اننا لا نجد فقيها او أستاذا يتحدث في هذا الموضوع او يحاول صياغة نظرية بشأنه الا وعرج على قرينة البراءة واعتبرها من المقتضيات الرئيسية لإرسائه وتأصيله ومنها حق المتهم في الامتناع عن التصريح الذي اعتبرته معظم التشريعات التي تمس الاجراءات الجزائية في حالة عدم احترامه غير ان الملاحظ على المتهمين انهم لا يلجؤون الى وسائل الدفاع الاخرى لتعلق هذا الحق بجوانب نفسية داخلية لا يمكن فهمها بسهولة ولارتباطها بمشاعر واحاسيس بالغة التعقيد في الوصول الى مفهومه لان طبيعة الأمور تشير الى ان الإنسان وجد ليتكلم ويعبر عما يدور بخلده وما فهمه من الامور والمشكلات المحيطة به فقد تفرد بهذه الفضيلة عن باقي مخلوقات الله.
فلنا ان نلاحظ اذن ان الصمت والكلام مرتبطان بواقع اجتماعي يتطلب في الكثير من الاحيان التعبير عنه بأشكال مختلفة لذلك فالامتناع عن التصريح يطرح في نفس الوقت وبنفس الحدة عدة افترضات تلوح بالغموض واللبس عند اللجوء اليه مع امتلاك اللغة التي تشرح ما هو قابل للشرح او هو إحساس بالخوف من السلطات الرسمية او استعماله كوسيلة مراوغة بهدف إخفاء الحقيقة تبدو كظاهرة معبرة عن خبرة الشخص بالواقع والمواقف التي يوجد بها خصوصا اذا كان من محترفي الإجرام غير ان الضرورة الواقعية والقانونية التي تفرض تمكن المتهم من حقوق دفاعه كاملة اعطت لهذا الحق مكانة في ساحة الاجراءات يلجأ اليه ابعادا للتسرع واخذا للوقت الكافي لتحضير دفاعه فالطبيعة السلبية الخالصة لهذا الحق تجعله غير صالح لان يكون شكلا من أشكال التعبير لانه لا يمكن ان نعرف من خلاله ان المتهم سليم الإرادة او مصاب بمانع من موانع المسؤولية لذلك لا يمكن ان تتولد عنه الثقة في ان يصلح دليلا في الدعوى الجزائية فلا يستطيع القاضي بذلك ان يفسره في اتجاه الادانة او يرتب عليه اية مسؤولية انما يجب علية ان يراعيه في حق الصمت حتى يضمن له كافة حقوقه والجو المناسب للادلاء باقواله استنادا الى حق المجتمع في الامن فالممتنع عن الكلام لم ينطق ولم يعبر عن إرادته باي شكل او اشارة متداولة عرفا وبذلك فلا دليل في هذا الامتناع حيث يظهر الشكل فيه والذي يتنافى مع التعبير الصريح الذي يفترض عدم ترك اي مجال للشكل فيما يقصده المتكلم.
كما تكمن الصعوبة ايضا في صياغة اشكالية متكونة من مجموعة من التساؤلات تحدد القيمة الاقناعية لهذا الحق كوسيلة لدرء التهمة عن المتهم والمحافظة على براءته وحريته الى اخر لحظة من لحظات المحاكمة لان الاصل في الدفاع ان يقوم به الشخص بنفسه عندما يوجه اليه الاتهام .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً