حق المشاهدة في القانون الفلسطيني
بواسطة باحث قانوني
حق المشاهدة في القانون الفلسطيني
بقلم المحامي/ أ. خليل وحيد بكري
لا تخلتف الآراء حول مدى تأثير الوالدين أو طلاقهما على الأطفال لدرجة تصل أحيانا إلى استغلال الأطفال ليدفعوا الثمن غالياً ويحاول الجميع أن يصلح بين الزوجين ويبتكر طرقاً لحل النزاع الا ان الاموار عندما تصل الى طريق مسدود يلجئون للمحاكم والقضاء لحل النزاع وتسوية الاموار القانونية .
إن مثل هذه الملفات الحساسة والتي تتعامل وتتعلق بمصير وحياة الأطفال تأخذونا أحيانا إلى ابعد من القانون. الأطفال وماذا يريدون ؟ وماذا يحتاجون؟ والأحق أن يحدد الطرفين الأولوية لمصلحة الجميع والصلح سيد الأحكام. ولكن تصل للمحاكم الشرعية أعداد من مثل هذه القضايا والمتعلقة بالنفقة والحضانة والمشاهدة وكيف ينظر القانون الفلسطيني الى هذه الأمور؟ وكيف يتعامل القضاء الشرعي الفسطيني مع هذه الحالات؟
بداية إن مشاهدة الصغير أو الصغيرة حق مشروع للأب وألام ولسائر من له حق الحضانة ونذكر أن قانون الأحوال الشخصية وكذلك حقوق العائلة لم يتناولا موضوع مشاهدة الصغار وقبل صدور التعميم رقم 22/2010 بخصوص دعاوى مشاهدة الصغار كان ينظم العمل بهذا الموضوع في المحاكم الشرعية في محافظات غزة وفق تعميم صادر عن قاضي القضاة السابق الشيخ محمد حسين أبو سردانة إلا أن هذا التعميم لم يعد يتناسب مع متطلبات وتطورات المجتمع الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر فيه وصياغته من جديد بعد تجربته بما ينسجم مع متطلبات المجتمع ومستجداته الأمر الذي تبلور عنه صدور التعميم رقم 22/2010 عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والخاص بدعاوى مشاهد الصغار والذي يتم العمل به حالياً أمام المحاكم الشرعية بقطاع غزة .
الأساس الشرعي لحق المشاهدة :
إن مشاهدة الأبوين للصغير أو الصغيرة مقرر شرعا لأنه من باب صلة الأرحام التي أمر الله بها فقد قال تعالى) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) – الآية 75 من سورة الأنفال- وفي حرمان أحدهما من هذا الحق ضرر له والضرر منهي عنه شرعا لقوله تعالى (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) -الآية 233 من سورة البقرة- وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا توله والدة على ولدها ).
ورغم أن حق المشاهدة ثابت شرعا ألا أنه ثبت من استقراء النزاعات المختلفة في هذا المجال التعنت من الحاضنة أو من الأب بعد انتقال الحضانة إليه في تمكين صاحب المشاهدة من مباشره حقه الطبيعي والشرعي نتيجة النزاع والخصومة بينهما كما أن الثابت أيضا أن التعنت من صاحب هذا الحق لإيذاء الحاضنة والصغار برفض هذه المشاهدة في مقر الحاضنة أو مكان مناسب لحالة الصغار النفسية أدى إلى استصدار الأحكام لتنفذ جبرا في أقسام الشرطة مما تترتب عليه في هذا الزمان الذي تفشى فيه لدود الخصومة الإضرار بالحالة النفسية للصغار وتعرضهم لكوارث نفسية يدفع ثمنها المجتمع كله نتيجة للكيد وتجاوز حدود الله من الحاضنة أو الأب أو صاحب حق المشاهدة للصغار.
أصحاب حق المشاهدة
يحق لكل من الأبوين ومن له حق الحضانة الحق في مشاهدة الصغير أو الصغيرة وتكون للأجداد وذلك في حال عدم وجود الأبوين وهذا يعني أن حق المشاهدة مكفول للأب والأم والأجداد ولسائر من له حق الحضانة.
أ- حق الأب في المشاهدة ويثبت هذا الحق للأب في حالة كون الصغير مع حاضنته سواء كانت هذه الحاضنة هي الأم أم غيرها فأي كان الأمر فمن حق الأب أن يرى ولده أو ابنته وهو في يد الحاضنة.
ب- حق الأم في المشاهدة ويثبت هذا الحق للأم في حالتين :
الحالة الأولى: إذا كان الصغير في يد حاضنة أخرى غيرها حال سقوط حضانتها لأي سبب من الأسباب لزوجها من أجنبي عن الصغير أو لافتقادها أي شرط من شروط الحضانة مثلاً ففي هذه الحالة تنتقل حضانة الصغير أو الصغيرة إلى حاضنة أخرى وسقوط حق الأم في الحضانة لا يسقطها حقها في مشاهدة الصغير الذي يكون في يد الحاضنة الأخرى .
الحالة الثانية: حالة بلوغ الصغير أو الصغيرة سن حضانة النساء وصدور حكما بضمه إلى العاصب سواء كان الأب أو من يليه وانتقال حضانة الصغير إلى العاصب يحق معها للأم أن ترى صغيرها وهو في يد العاصب الحاضن.
ج- حق الأجداد في المشاهدة :
والمقصود بالأجداد هنا هو أل الأب وأب الأم كما يدخل فيه ابيضا الجدات أي الجدة لأب والجدة لام ويثبت هذا الحق للأجداد أيا كانوا شريطة عدم وجود الأبوين ويجوز للأجداد مشاهدة الصغار بشرط عدم وجود الأبوين والمقصود بذلك هو عدم وجودهما بالبلد الذي به حاضنة الصغير, كما لو كان الأبوان أو أحدهما بعيدا عن الصغير لعله في بلد آخر ولا يمكنه مشاهدة الصغير, ويثبت هذا الحق للأجداد سواء كان الصغير في حضانة النساء أو بلغ حدها ونقل إلى العاصب المستحق للحاضنة فيفترض وجود الصغير في حضانة أمه فيحق لجد الصغير من أبيه طلب مشاهدة الصغير في حالة عدم وجود والد الصغير, كذلك يثبت الحق بالمشاهدة للجد من الأم عندما يكون الصغير في حضانة أيا من النساء غير أمه أو في يد عاصبة ويشترط أيضا لذلك إلا تكون الأم موجودة .
مدة المشاهدة:
لقد عالج التعميم رقم 22/2010 الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والذي صدر بخصوص دعاوى مشاهدة الصغار ونص على أنه يكون حق مشاهدة الصغير للأم والأب مرة كل أسبوع فان فقد الأب أو غاب أو توفي أو فقد الأهلية يقوم الجد لأب مقامه وإذا لم يوجد للصغير أب أو أم أو جد لأب فانه يحق لمن له حق الحضانة وان تعددوا مشاهدة الصغير مرة كل أسبوعين في نفس الوقت ولا يمنع سائر الأقارب من مشاهدته مع صاحب الحق في المشاهدة كما أوضح التعميم في حال كان عمر الصغير أقل من ثلاث سنوات ميلادية فإن مدة المشاهدة لا تزبد عن ساعتين, وإذا كان عمر الصغير ثلاث سنوات فأكثر فلا تقل مدة المشاهدة عن ثلاث ساعات وتكون ما بين الساعة التاسعة صباحاً والسابعة مساء، على أن لا يتعارض ذلك مع مصلحة الصغير” , ووفق التعميم أيضا يجوز للقاضي أن يأذن لطالب المشاهدة في المناسبات الخاصة كالعيدين والأحوال الطارئة بتمكينه من مشاهدة الصغير بناء على مشروحات مذيَّلة بالصيغة التنفيذية لجهة التنفيذ، ومصدقة من رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، ورئيس المحكمة العليا الشرعية بعد بذل الجهد في حل الموضوع ودياً بما لا يتعارض مع تعميم السلطة القضائية” كما تضمن التعميم أحقية طالب المُشاهدة باستضافة الصغير في بيت أبيه أو جده لأب أو بيت أمه غير المتزوجة لمدة أربع وعشرين ساعة كل أسبوعين، على ألا يسقط حقه في المشاهدة الأسبوعية .
تنظيم حق المشاهدة :
تكون مسألة تنظيم حق المشاهدة حسب الاتفاق فيما بين الوالدين بأن يقوما بتحديد مكان وزمان المشاهدة وبالتالي لا يضار الصغير ولا يضار من بيده الصغير ولا يضار من له حق المشاهدة, والأصل هو تنظيم المشاهدة اتفاقا ولكن إذا تعذر هذا الاتفاق كان اللجوء للقضاء برفع دعوى مشاهدة يرفعها من يثبت له هذا الحق حتى يصدر حكما بتنظيم المشاهدة فيصدر الحكم محددا فيه الزمان والمكان المعنيان لمشاهدة وكذلك مدة المشاهدة .
وتكون المحكمة المختصة التي ترفع أمامها دعوى المشاهدة محكمة موطن الحاضن أو الحاضنة ويحكم القاضي الشرعي بين الحاضن وطالب المشاهدة بناءً على اتفاقهما على زمان ومكانها ومدتها على أن لا يضر ذلك بمصلحة الصغير وفي حال الاختلاف يحكم القاضي بالمشاهدة ويبين في حكمه زمان ومدة ومكان المشاهدة .
مكان المشاهدة:
تتم المشاهدة في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا وقد ترك تحديد هذا المكان لقاضي الموضوع بشرط ألا يضر ذلك بنفسية الصغير وقد يكون تحديد مكان المشاهدة بالاتفاق أو بقرار القاضي ويكون مكان المشاهدة في مراكز المشاهدة المهيأة لذلك، والتي تم الموافقة عليها أو ما يتم تحديده لاحقاً حسب الأصول، ويناط بالجهة التنفيذية الإشراف على ذلك , كما أنه لا يوجد ما يمنع من أن يصدر القاضي حكما ويعين فيه مكان المشاهدة في قسم الشرطة حتى يكون الطرفان والصغير في مأمن وقت المشاهدة وليطمئن الحاضن من عودة المحضون إليه بعد انتهاء مدة المشاهدة دون نزاع .
تنفيذ حكم المشاهدة :
لقد راعى القانون والقضاء الشرعي مصلحة الصغار واستقرارهم حتى يتوفر لهم الآمان والاطمئنان وينفذ حكم المشاهدة في حال تمنع الحاضن عن تنفيذ حكم المشاهدة عن طريق دائرة الإجراء في القضاء النظامي وبمعرفة أقسام الشرطة ويتحمل طالب المشاهدة أو الاستضافة بأُجرة انتقال الصغير وإرجاعه ونضيف أن حق مشاهدة الصغير واستضافته ينتهي ببلوغ الصغير خمسة عشر عاماً ما لم يكن هناك مانع شرعي حسب الأصول.
اترك تعليقاً