يترتب على المرتد عن الدين حكماً شرعياً نصت عليه الشريعة الاسلامية وحكم قانوني نصت عليه قوانين الاحوال الشخصية التي تناولت هذا الموضوع . لذا سنتناول حكم الردة في فرعين نخصص الفرع الاول لحكم الردة شرعاً فيما نخصص الفرع الثاني لحكم الردة قانوناً.
الفرع الاول : حكم الردة شرعاً
الردة أما ان تكون من الزوج او من الزوجة او من كليهما لذا سنبين ذلك في ثلاث فقرات نخصص الفقرة الاول لردة الزوج والفقرة الثانية لردة الزوجة والفقرة الثالثة لردة كلا الزوجين .
أولاً : ردة الزوج
ردة الزوج اما ان تحصل قبل الدخول أو بعده وكما يلي :
1- ردة الزوج قبل الدخول
إذا ارتد الزوج عن الاسلام قبل الدخول وقعت الفرقة بين الزوجين تلقائياً نتيجة لهذا الارتداد لان الردة تجعل الزوج غير محلل شرعاً على المرأة لذا فإنها تؤدي الى إنفساخ العقد وهذا مانصت عليه الشريعة الاسلامية في قوله تعالى (( ولاتنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولاتنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم اولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ))(1). وما أكدته قوانين الاحوال الشخصية(2) لذا يستلزم إنعقاد الزواج توفر شرط الاسلام فإذا ما انعقد الزواج ولم يتم الدخول أوجب التفريق في الحال كون الاسلام شرط ابتداء وبقاء(3).
2- ردة الزوج بعد الدخول
إذا إرتد الزوج عن الاسلام بعد الدخول . فقد ذهب الفقهاء المسلمين في اتجاهين : الاتجاه الاول (4) وهم فقهاء الشافعية وابو حنيفة وابو يوسف والامامية في حالة المرتد الفطري(5). والمالكية الى القول وقوع الفرقة مباشرة بالفسخ فلا يحق له ان أسلم اثناء العدة من الرجوع اليها أما الاتجاه الثاني المتمثل بالامامية في حالة المرتد المللي ومحمد من الحنفية الى القول بإمكانية الرجوع الى الزوجة إذا اسلم الزوج اثناء العدة(6).
ثانياً :ردة الزوجة
على الرغم من أن الدين الاسلامي الحنيف اجاز الزواج من المرأة التي تدين بدين سماوي كالمسيحية واليهودية طبقاً لقوله تعالى (( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتو الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولامتخذي أخدان ومن يكفر بالإيمن فقد حبط عمله وفي الآخرة من الخاسرين ))(7). إلا ان قسماً من الامامية(8). لم يجيزوا الزواج من المختلفات في الدين ابتداء وانتهاء طبقاً لقوله تعالى ((…. ولاتمسكوا بعصم الكوافر …))(9) باعتبار ان الدين الاسلامي هو آخر الاديان ( ان الدين عند الله الاسلام )(10) ، ومن لم يؤمن به فهو مخالف وعاصٍ لما يأمر به سبحانه (( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ))(11). فإذا ارتدت الزوجة قبل الدخول وقعت الفرقة بينهما حالاً بالفسخ (12). ولايتوقف ذلك على القضاء .
أما اذا كانت الردة بعد الدخول وقف بطلان الزواج على انقضاء العدة(13). فإن أسلمت في العدة كان احق برجعتها وإن مضت العدة ولم ترجع الى الاسلام حرم عليه الزواج بها(14).
ثالثاً : ردة كلا الزوجين
قد يحدث الارتداد من كلا الزوجين ولايعلم أيهما الأسبق في ذلك فإذا كان الارتداد قبل الدخول وقعت الفرقة بينهما في الحال وان كانت ردتهما بعد الدخول فإن بطلان الزواج يوقف على انتهاء العدة فإن عادا الى الاسلام فالزواج قائم على حاله ، والى ذلك ذهبت المادة (305) من مجلة الاحكام الشرعية للاحوال الشخصية على مذهب الامام ابي حنيفة بقولها (( إذا ارتد الزوجان معاً على التعاقب ولم يعلم الاسبق منهما ثم اسلما كذلك يبقى النكاح قائماً بينهما وانما يفسد اذا اسلم احدهما قبل الاخر ). ويذهب الاستاذ علي حسب الله الى القول (( إن الفرقة الواقعة بالردة لاتحتاج الى قضاء وان ردة الزوج لاخلاف في وقوع الفرقة بها وانما الخلاف فيما يقع بها من فسخ او طلاق بائن ، وان ارتدت المرأة اختلف في وقوع الفرقة وعلى القول بوقوعها لاخلاف في انها فسخ لاطلاق ))(15).
الفرع الثاني :حكم الردة قانوناً
لقد ارتأت معظم القوانين العربية عدم الخوض في أحكام الردة تاركةً ذلك الى الفقه الاسلامي الذي أفاض في تفصيل احكامها لما لها من اهمية كبيرة . واكتفت معظم القوانين بالاشارة الى ذلك في ضوء عدها الاتحاد في الدين شرطاً أساسياً لصحة الزواج وسنبين مواقف بعض هذه القوانين ومنها قانوننا العراقي :
اولاً : قانون الاحوال الشخصية العراقي
عالجت المادة الثانية عشرة المحرمات شرعاً . حيث نصت على ان ( يشترط لصحة الزواج ان تكون المرأة غير محرمة شرعاً ) . فيما بينت المادة الثالثة عشر اسباب التحريم والتي جعلتها قسمين مؤبدة ومؤقتة ومن الاسباب المؤقتة هي عدم الدين السماوي ولم يجز زواج المسلمة من الكافر في المادة (17) . وعالجت المادة الثامنة عشرة حالة إسلام احد الزوجين قبل الاخر بقولها ( اسلام احد الزوجين قبل الاخر بقولها ( اسلام احد الزوجين قبل الاخر تابع لاحكام الشريعة الاسلامية في بقاء الزوجية او التفريق بين الزوجين ).
وإذا نظرنا الى المواد اعلاه نلاحظ ان المشرع العراقي منع زواج المسلمة من غير المسلم والمسلم ممن لاتدين بدين سماوي وحالة اسلام غير المسلم وبقاء الزوج الاخر على دينه ولم يعالج مسألة هي في غاية الخطورة وهي الارتداد سواء أكان من احد الزوجين او كلاهما .
وأرى انه لابد من تعديل المادة الثامنة عشرة لتعالج حالة الارتداد أيضاً وأقترح ان يكون نصها كالآتي ((إسلام احد الزوجين قبل الآخر أو ردة احدهما او كلاهما تابع لأحكام الشريعة الاسلامية في بقاء الزوجية او التفريق بين الزوجين ).
كذلك نأمل من المشرع العراقي تعديل المادة الرابعة عشرة بإضافة فقرة تتضمن تحريم الزواج من المرتدة وتكون كالآتي : ( يحرم على الرجل الزواج من ( أ- المخالفة له في الدين ما لم تكن كتابية . ب- المرتدة عن دين الاسلام . ج- زوجة غيره او معتدة . ء- الملاعنة ممن لاعنها . هـ- المطلقة منه ثلاثاً قبل ان تدخل بزوج آخر وتعتد منه ).
ثانياً : موقف القانون اليماني
عالج القانون اليماني احكام الردة في المادتين ( 16، 49 ) ، حيث عالجت المادة (16) منه حالة زواج الرجل من المرتدة عن الدين بقولها ( يحرم على الرجل الزواج من 2- المرتدة عن دين الاسلام ) وهذا يعني انها منعت انعقاد العقد ابتداء وفي حالة انعقاده فسوف يكون باطلاً نتيجة للحرمة . كذلك عالجت المادة (49) منه حالة ردة الزوج او الزوجة عن الاسلام بقولها ( إذا اسلم الزوج وكانت الزوجة غير كتابية وأبت الاسلام او اعتناق دين كتابي حكم بالفسخ وإذا اسلمت الزوجة وأبى الزوج الاسلام حكم بالفسخ واذا إرتد الزوج او الزوجة عن الاسلام حكم بالفسخ ) ومن خلال نص المادة (49) نجد ان المشرع اليماني جعل حكم الردة هو وقوع الفرقة حالاً بين الزوجين بفسخ عقد الزواج بينهما . وهذا يؤكد اتجاهنا في ان الفرقة تقع بمجرد ثبوت الردة .
ثالثاً : حكم الردة في القانون الكويتي
عالج قانون الاحوال الشخصية الكويتي 51 لسنة 1984 احكام الرد في ثلاث مواد هي المواد ( 18 ، 49 ، 145) ، حيث منعت المادة (18) في فقرتها الثالثة انعقاد زواج المرتد عن الاسلام او المرتدة بقولها ( 3-لاينعقد زواج المرتد عن الاسلام او المرتدة ولو كان الطرف الاخر غير مسلم ).
حيث يتبين من هذه المادة ان زواج المرتد او المرتدة لاينعقد أساساً ولو انعقد فإن العقد يعتبر باطلاً . وهذا ما أكدته الفقرة ( جـ ) من المادة ( 49) والتي نصت على انه ( يكون الزواج باطلاً …. جـ- إذا كان احد الزوجين مرتداً ، او كان الزوج غير مسلم والمرأة مسلمة ).
اما المادة (145) فقد بينت أحكام الردة قبل الدخول وبعده بقولها ( جـ- إذا ارتد الزوج بعد الدخول فسخ الزواج ، لكن إذا وقعت الردة بعد الدخول وعاد الى الاسلام أثناء العدة . ألغي الفسخ وعادت الزوجية . ب- إذا ارتدت الزوجة فلا يفسخ الزواج ).
من خلال ما تقدم نجد ان قوانين الاحوال الشخصية على الرغم من قلة الاحكام الخاصة بالردة التي تضمنتها الا انها متفقة على تحقق الفرقة بين الزوجين بمجرد حدوث الردة وإن امهل الزوج فترة العدة لمراجعة نفسه إذا تم الدخول حرصاً على كيان الاسرة فإن انتهت العدة ولم يرجع الى الاسلام فالفرقة حاصلة من يوم الارتداد . إذ يحرم على الزوج وطء زوجته من يوم الارتداد وهذا يدل على ان الفرقة واقعة من تأريخ الردة .
____________
1- سورة البقرة /الآية( 221).
2- حيث عرفت الفقرة الاولى من المادة الثالثة من قانون الاحوال الشخصية العراقي الزواج بأنه عقد بين رجل وإمرأة تحل له شرعاً غايته انشاء رابط للحياة المشتركة والنسل. . وعرفت المادة الاولى من قانون الاحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984 ( الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته السكن والاحصان وقوة الأمة ).
3- أبو القاسم الخوئي، منهاج الصالحين، ط28، نشر مدينة العلم،1410ه ، ص270.
4- الشافعي ، الام ، ط1، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، 1406 هـ ج6 ، ص176 . عبد الله بن قدامه الحنبلي ، المغني ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، بلا سنة طبع ، ج7 ، ص564. أبو الصلاح الحلبي ، الكافي للحلبي، مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) اصفهان،1313 هـ ، ص311.
5- الشيخ الانصاري ، كتاب النكاح ، ص402
6- قسم فقهاء الامامية المرتد الى مرتد فطري وهو من ولد عن إسلام ومرتد مللي وهو من إسلم عن كفر.
7- سورة المائدة/ الآية 5.
8- السيد الخوئي ، مصدر سابق ، ص270. السيد السستاني ، 265.
9- سورة الممتحنة /الآية 10.
10- سورة آل عمران / الاية( 19 ).
11- سورة آل عمران / الاية ( 85).
12- الجواهري ، جواهر الكلام ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، بلا سنة طبع ، ج3 ، ص47. منصور بن يونس البهوتي الحنبلي ، اكشاف القناع، ط1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1418 هـ ، ج5، ص133 . الشافعي ، الام ، ط1، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، 1406 هـ ، ص173.
13- المادة (303) من مجلة الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية على مذهب الامام ابو حنيفة .
14- زين الدين العاملي الفقعاني، الدر المنضود في معرفة النيات والايقاعات والعقود ، ط1، مكتبة مدرسة إمام العصر(عج) العلمية ، شيراز ، 1418 هـ ، ص193 . الشافعي ، مصدر سابق ، ج6 ، ص173.
15- علي حسب الله ، الفرقة بين الزوجين ، ط1 ، دار الفكر العربي ، 1968 ، ص176.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً