حكم السكر والتسمم بالمخدرات في التشريعات التي نظمت أحكامه
بقلم القاضي: فواز عطية
المقدمة
حددت كثير من التشريعات في العالم ومنها التشريعات العربية أحكام السكر والتسمم بالمخدرات بإعتبارها مانعة للعقاب ، والسبب في ذلك أن تناول تلك المادتين تفضي إلى فقدان الوعي أو الإرادة مما يؤدي لمنع المسؤولية ، على أساس أن العقاب ينال كل من يرتكب الفعل عن وعي وإرادة مخالفا لأحكام قانون العقوبات ، أي يجب إدراك الفاعل لكنه ذلك الفعل أو تلك الأفعال ليصار إلى معاقبته ، إلا أن هذا المنع لا يجري على إطلاقه ، والسبب في ذلك أن بعض التشريعات نصت صراحة على نوعين من التطبيقات لهذه المخالفة بالذات ، الاولى إفراد نصوص واضحة تمتنع بموجبها المسؤولية عن كل من يتناول المسكر أو المخدر إذا تناولها دون علم له بها أو نتيجة اكراه ، والحالة الثانية لا تمتنع فيها مثل تلك المسؤولية ، لأن متناول ذلك المسكر أو المخدر يعلم ابتداءً أن تناولها أو تناولهما يؤدي لفقدان الوعي ، مما يجعل متناولها متحديا لقبول المخاطرة الأمر الذي جعلت تلك التشريعات أن ارتكاب الفعل المجرم وإن نبع عنها فقدان للوعي يعد كما و لو ارتكبها بكامل الوعي.
ومن خلال تلك التشريعات التي نصت صراحة على عقاب من يتناول المسكر أو المخدر بمحض إرادته كما هو الحال في القانونين السوري و اللبناني ، كنتيجة لفقدان الوعي متسببا في ارتكاب جرم ما ، مؤسسة أحكامها على أساس الخطأ الغير مجرد ، و العلة في ذلك هو قبول الجاني للمخاطرة و استمراره للتحدي ، و هو ما يطلق عليه بالسكر الإختياري ، بمعنى أن المشرع في تلك التشريعات أخذ بالخطأ كأساس للخروج على مبدأ اتيان الفعل عن وعي و إرادة ، مقارنة بالتشريعات التي عالجت قوانينها حالة تناول المسكر أو المخدر لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل دون تناول أحكامها للسكر الإختياري ، كما هو الحال في القانونين المصري و الأردني .
من هذا المنطلق ، أردنا أن نبحث الحالة الواردة في التشريع المطبق في بلادنا لما لهذه المسألة من محل نظر من قبل البعض ، و لإيماننا المطلق بأنها شديدة التعقيد وغير مهضومة الفهم لكثير ممن يعملون في الحقل القانوني ، عندما نميل للرأي الذي يقول ” بأنه لا عقاب على السكر الإختياري فيما إذا تناوله شخص في المكان المخصص له ونتيجة فقدان الوعي ارتكب جرم ما ، انطلاقا من مبدأ الشرعية و ضرورة توفر الوعي والإرادة عند إرتكاب الجرم .
و لتبسيط الأمر أكثر لا بد من طرح الإشكالية التالية ، ” شخص ما من رواد حانة مرخصة بموجب قانون الحرف والصناعات تناول المسكر داخل الحانة حتى ثمل وبداخلها وكنتيجة لفقدانه للشعور ارتكب جرم الايذاء أو أي جرم آخر وتسبب الجاني الفاقد للشعور بجرح قطعي للمجني عليه كاد أن يودي بحياته ” .
فهل تتحقق المسؤولية الجنائية لهذا الفاعل الذي إرتكب الجرم وهو فاقد للشعور في المكان المذكور أعلاه والمرخص فيه تناول المشروب في ظل حكم المادة 93 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 محل البحث ، بمعنى السكر الإختياري الذي يصل لحد الثمالة وإن نتج عنه جرم ، فهل تتحقق المسؤولية الجنائية في ظل المادة المشار إليها أعلاه ؟
بهذا التساؤل يمكن القول أنه يتعين البحث في هذا الموضوع في شقين كأساس تحليلي وبأسلوب الدراسة المقارنة : المبحث الأول سنبحث حالة السكر أو التسمم بالمخدرات في التشريعات التي نظمت أحكامه بنوعيه أي في حالة الإختيار والإكراه عند تناول المسكر أو المخدر ويمثلهما قانون العقوبات السوري و قانون العقوبات اللبناني بحيث نُعرج للحالة التي تمتنع فيها المسؤولية والحالة التي لا تمتنع فيها المسؤولية ، و في المبحث الثاني سنبحث حكم السكر أو التسمم بالمخدرات في التشريعات التي لم تنظم إلا أحكام السكر غير الإختياري ويمثله قانون العقوبات الأردني والمصري بحيث نُعرج لحالة حكم فاقد الشعور لمن لا يعلم بطبيعة المادة المسكرة وحكم فاقد الشعور لمن يعلم بطبيعة تلك المادة و بالتالي تطبيق المادة المذكورة على المبحث الثاني ومقارنتها مع التشريعين السوري واللبناني وكذلك مقارنتها مع المادة 15من قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936 المطبق في قطاع غزة ، ومن ثَم نُعرج على رأي الفقه و القضاء و فيما بعد سنبدي رأينا في النتيجة.
و الله و لي التوفيق، ، ، ، ،
المبحث الاول
السكر أو التسمم بالمخدرات في التشريعين السوري واللبناني
نصت المادة 235 من قانون العقوبات اللبناني والتي يقابلها المادة 234 من قانون العقوبات السوري “يعفى من العقوبة من كان حين اقتراف الفعل بسبب طارئ أو قوة قاهرة في حالة التسمم ناتجة عن الكحول أو المخدرات أفقده الوعي أو الإرادة ، وإذا نتجت حالة التسمم عن خطأ الفاعل كان مسؤولا عن كل جريمة غير مقصودة إرتكبها ويكون مسؤولا عن الجريمة المقصودة إذا توقع حين أوجد نفسه في تلك الحالة بسبب خطئه إمكان اقترافه افعالا جرمية وإذا أوجد نفسه في تلك الحالة قصدا بغية ارتكاب جريمة شددت عقوبته …”
و بناء على ما تقدم يلاحظ أن المشرعين اللبناني و السوري ميزا بين حالتين:
الأولى : حالة تمتنع فيها مسؤولية السكران.
الثانية : حالة لا تمتنع فيها المسؤولية.
المطلب الاول
الحالة التي تمتنع فيها مسؤولية السكران
افترض المشرعان السوري واللبناني في هذه الحالة ، أن يكون تصرف الفاعل مبني على تناول المسكر مجردا من الخطأ ، بحيث يتحقق ذلك عندما يقع الجاني في غلط تناول المادة المسكرة أو المخدرة و هو جاهل لطبيعتها وآثارها على حد سواء ، ويكون هذا الغلط غير راجع الى الخطأ ، ومعيار ذلك أن شخصـا معتـادا مكانه كان يقع في ذات الغلط .
وفي حالة القوة القاهرة و التي تعني أن الجاني قد تناول المسكر أو المخدر تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي أو لدواعي الضرورة العلاجية ، و بالتالي فإن القاسم المشترك بين الغلط و القوة القاهرة أن حادثة السكر أو التخدير قد تجردتا من الخطأ ، وتميزا بالظرف الحاصل خارج إرادة الفاعل نتيجة لعوامل مختلفة لم يتمكن الأخير من تفاديها أو التغلب عليها .
وبناءً على ما تقدم فإذا كانت المسؤولية الجنائية تقوم بتوفر الركن المادي و الركن المعنوي على أساس القصد والإستثناء أن تقوم المسؤولية على أساس الخطأ ، فينبغي تبعا لذلك أن تستند هذه المسؤولية في اقرارها الى صراحة نص القانون ، الذي يشترط لمحاسبة أو مساءلة الجاني أن تكون إرادته حرة غير مكره
عند ارتكاب الفعل ، وأنه أراد بهذا الفعل إحداث نتيجة جرمية ، أما اذا لم يُرد النتيجة فلا يسأل إلا عن جريمة غير مقصودة ، وبعيدا عن موضوعات القصد المباشر والقصد الاحتمالي والقصد المتعدي والمحدد وغير المحدد والقصد العام والخاص التي لا محل لها في موضوعنا ، لأن ارادة الفاعل في إرتكاب الفعل ابتداءً غير متوفرة لديه ، فلا يعقل أن يتم تناول تلك الموضوعات في ظل غياب توفر إرادة الفعل ابتداءً باعتباره ركنا اساسيا في القصد الجرمي .
ومن هذا المنطلق يرى الفقه أن من يقع مغميا عليه في الطريق العام فيعطيه أحد المارة جرعة من الكحول تسكره أو أن يتعرض لحالة ظمأ شديد و يتناول ما يقدم له من مشروب لانعاشه فإذا به مُسْكَر ، أو أن يُقدم له في إحدى المحلات مشروبا على أنه غير مسكر وإذ به مُسكر ، أو أن يشرب الخمر تحت تأثير السلاح أو أن يتناول بمحض إرادته مشروبا ظنا منه بأنه عصير وتبين أنه خمر، فإذا إرتكب جريمة تحت تأثير السكر شرط أن يفقده الوعي فلا مسؤولية عليه.
و بالتالي يقتصر الاعفاء من المسؤولية عند فقدان الوعي والإدراك ، بخلاف فيما إذا كان الوعي أو الإدراك غير مغيب ، وإنما نتيجة تناول ذلك المسكر دون إختيار أدى إلى اضعاف الوعي والإرادة ، فلا مجال إلا لمسائلته ، بالرغم من أن رأينا في هذه الحالة يشترط أخذ رأي الطب الشرعي على نحو يمكن الاستعانة بهذا الرأي للوصول إلى العدالة ، إما للمسائلة التامة أو إعتبار تلك الحالة سببا تخفيفيا.
وعليه زوال الوعي تماما أو الإنقاص منه الى حد بعيد ، بحيث يصبح معه الفاعل غير مدرك لكنه أفعاله غير قادرعلى التحكم فيها فهو مناط الإعفاء ، بشرط أن يقترن معاصرة فقدان الوعي مع إرتكاب الفعل أي أن تتوفرالعلاقة الزمنية بين إختلال الوعي وإرتكاب الجرم ، فلا يتصور أن تكون الفترة الزمنية بين إختلال الوعي وإرتكاب الجرم مدة يوم مثلا.
مما يفيد أن العلاقة السببية شرط لازم لقيام الجرم ليتوفر إمتناع المسؤولية ، الأمر الذي يمكن الاحتجاج بالسكر اللاإرادي الذي أدى إلى فقدان الوعي كصورة من صور غير التلقائية لدفع المسؤولية الجنائية ، وهو عين التطبيق لنص المادة 74/1 من قانون العقوبات الأردني والتي يقابلها نص المادة 209 من قانون العقوبات السوري بأن لا يحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي وإرادة.
وبالتالي ما ينطبق على متناول الكحول في الحالة المذكورة أعلاه ينطبق على من يتسمم جسمه بالمخدرات ما دامت العلة واحدة ، لأن حكمة الإعفاء من العقاب تتحقق بأحداهما.
المطلب الثاني
حالة لا تمتنع فيها مسؤولية السكران
سبق وأن أشرنا بأن المسؤولية الجزائية تقوم على أساس القصد بالإضافة للركن المادي والإستثناء أن تقوم المسؤولية على أساس الخطأ.
من هذا المنطلق ، يمكن تفريغ هذه الحالة إلى عدة صور منها:
الصورة الأولى: هي التي يرتكب فيها الجاني الجرم في حالة التسمم بالمسكرات أو المخدرات ناتج ذلك عن خطئه ، إذ يمكن وصف هذه الحالة بصورة الخطأ البسيط أو المجرد، ويفترض هنا أن الجاني أخذ وتناول المسكر أو المخدر مع علمه ومعرفته لطبيعة تلك المادة و نتائجها من حيث تأثيرها على الوعي والإدراك وعلى السلوك ، دون أن يفكر بإمكانية إرتكاب جرم محفوظ بحق الحماية من القانون ، أو دون أن يفكر بأن حالة السكر هذه قد تؤدي إلى تغير مزاجه لينقلب من شخص عادي إلى شخص سريع الغضب ، أي دون أن يتبادر لذهنه أن السكر سيؤدي في نهاية المطاف إلى هاوية ، ومن هنا يُلاحظ أن التشريعات التي نصت صراحة على العقاب في حال تناول المسكر أو المخدر بالإختيار – كما لو تناولها في الحانة – لعلم الجاني ابتداء بطبيعة الشيء الذي تناوله ، مما افترض المشرع ابتداء أنه لولا تناول ذلك المسكر أو المخدر و هو عالم بطبيعته ومدى تأثيره على الوعي والادراك و لولاه لما ارتكب الجرم ، فلا يلومن إلا نفسه ، إذا كان بيده الامتناع عن ذلك ، وهو ما عبر عنه المشرعين اللبناني والسوري حول الخطأ ، على أنه إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين و الأنظمة سندا للمادتين 189 و 190 من القانونين المشار إليهما ، بل إن المشرع السوري شدد العقوبة على من يتناول المسكر ولو كان في الحانة أي في المكان المخصص لتناولها و أرتكب الجرم ، بالإضافة للعقوبة المقررة في المادة 235 من قانون العقوبات السوري ، فعاقب ذات المشرع الجاني بعقوبة أخرى بدلالة حكم المادتين 80 و 612 ، إذ نصت المادة 80 ” إذا اقترفت جناية أو جنحة بتأثير المشروبات الكحولية فللقاضي أن يمنع المحكوم عليه منإارتياد الحانات التي تباع فيها هذه المشروبات مدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات تحت طائلة الحبس من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر و ينزل العقاب نفسه بالبائع ومستخدميه الذين يقدمون للمحكوم عليه المشروبات الروحية على علمهم بالمنع النازل به”.
أما المادة 612 فنصت على” أن يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من خمسة وعشرين إلى مائة ليرة صاحب الحانة أو محل آخر مباح للجمهور وهكذا مستخدموه إذا قدموا إلى شخص أشربة روحية حتى أسكروه أو قدموها إلى شخص بحالة سكر ظاهر ….”
وبناءا على ما ذكر أعلاه ، فالخطأ لا يستند إلى لحظة وقوع الجريمة عندما كان الجاني فاقدا للشعور ، وإنما إلى اللحظة السابقة لفقدان الوعي ، وهي لحظة إدراكه بخطورة الشيء الذي تناوله ، وتحديه للمخاطرة
بتناوله ذلك المسكر أو المخدر ، وهو ما يطلق عليه خطورة ما يقدم عليه ، لأن الخطأ الذي إعتد به المشرعين السوري واللبناني هو خطأ الوعي لا عدم الوعي .
وبالتالي نص القانونان السوري واللبناني صراحة على هذا الحكم ، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 235 “عقوبات لبناني (أنه إذا نتج عن حالة التسمم خطأ الفاعل كان مسؤولا عن كل جريمة غير مقصودة يرتكبها) وبهذا اتجهت محكمة التمييز اللبنانية في قرارها رقم 16/20/1972 ” أن تناول المتهم
للمخدرات كان مختارا حتى أضحى في تلك الحالة من التسمم عالما بماهية السكر ونتائجه ، هو إخلال لواجبات الحيطة والحذر التي يلتزم بها الشخص المعتاد ، وهكذا تكون حالة التسمم التي أضحى فيها نتيجة خطئه الشخصي الذي يوازي في هذا المعيار تصرف الشخص قليل الاحتراز وبما أنه لولا خطأ المتهم وقلة احترازه في الاسترسال وتناول المسكر حتى أضحى في حالة التسمم وفقدان الإرادة وعرضة للهواجس والهلوسة لما تحققت اصابة المجني عليه بسكين على يد المتهم نتج عنه الشلل الدائم ، فتكون بذلك الصلة السببية بين الخطأ والنتيجة متوفرة “.
مما يستدل مما سبق اعلاه ، أن المشرعين السوري واللبناني نصا على التلقائية المعفاة من المسؤولية ، وهي تلك التي يفقد فيها الشخص وعيه دون خطأ منه أي حالة السكر الغير الإختياري ، وشدد على عقوبة السكر الإختياري بنص خاص على ذلك بموجب المادتين 235 عقوبات لبناني و 234 عقوبات سوري ، فضلا على نص المادتين 80 و 612 من قانون العقوبات الأخير .
أما الصورة الثانية : وهي حالة من يتناول المسكر أو المخدر متوقعا ارتكاب الجرم ، بالرغم من صعوبة اثبات ذلك ، إلا أن الفقه يفترض من فقد وعيه ولو بخطئه لا يمكن أن يتوافر لديه قصد جرمي يفترض النية ، وهذه الأخيرة التي تفترض بدورها معرفة الفاعل لكُنه أفعاله وصفته غير المشروعة ، وهو أمر غير وارد لفاقد الوعي ، ولهذا فإن الشخص قد يفلت من العقاب عن كافة الجرائم التي لا يقوم الركن المعنوي فيها إلا في صورة القصد ، فمن يتناول مسكرا ويسوق لا يسأل عن جريمة السرقة مثلا، ولكن يختلف الامر لو أن الجاني كان متسمما بالمسكرات أو المخدرات وارتكب جريمة قتل أو هتك عرض فلا يسأل عن خطئه الذي صدر عنه نتيجة عدم وعي إلا عن قتل غير مقصود .
ولو اردنا أن نُسلم بما أخذ به الفقه حول إفلات السكران من العقاب في الجرائم التي لا يقوم فيها الركن المعنوي إلا في صورة القصد ، أو تعرضه لمسؤولية مخففة عن مسؤولية خطئه في الجرائم التي يقـوم فيها
الركن المعنوي على صورة القصد أو الخطا ، لما دفع ذلك بالمشرعين اللبناني والسوري إلى إخضاع من يتسبب بخطئه عند تناول المسكر أو المخدر بمحض إرادته إلى إعتباره مسؤولا عن الجريمة عند تناوله المسكر أو المخدر ، لان فكرة الشر قد تبادرت إلى ذهنه ومع ذلك لم يتوان عن الوقوع في المنكر ، الإمر الذي ساوى المشرعان مجرد التوقع بالقصد ، علما أن القصد وفقا للنظرية العامة لا يتوقف عليها مجرد التوقع ، بل يتطلب القبول أيضا .
مما يُلاحظ أن المشرعين السوري واللبناني رغبا في وضع حدٍ للإجتهاد بخصوص إفلات السكران من العقوبة عند السكر الإختياري ، بأن وضعا نصوصا صريحة لا تقبل التفسير أو الإجتهاد ، إذ حّملا الجاني المسؤولية الكاملة عن جريمته بإعتباره قاصدًا ، وإن إرتكب الفعل المجرم بحالة اللاوعي على أساس أن القصد الجرمي قد توفر لديه بصورة كاملة احتمالية قبل وقوعة في السكر، و بالرغم من ذلك وبوجود هذا النص قَبِلَ بالمخاطرة و أقدم على تناوله فلا يلومن إلا نفسه .
أما بخصوص الصورة الثالثة : وهي خارج نطاق البحث والتي يفترض الفقه أن الجاني يتناول المسكر أو المخدر لتشجيع نفسه أو ليقوي من عزيمته على إرتكاب الجرم وتغليب الدافع للجريمة على المانع منه ، فهنا الجاني إبتداءً توفرت لديه نية الشر وإرادة النتيجة ، وبالتالي نكون أمام قصد جرمي كامل الأوصاف لا مفترض، وإن كنا في هذه الصورة نرى بضرورة الإستنارة برأي الطب الشرعي للتأكد فيما إذا كنت الحالة الذهنية للجاني قبل تناول المسكر أو المخدر قائمة بعد تناوله لتلك المادة ، أم أن انقطاعا يحدث ، وفيما إذا إرتكب جرم ولو على ذات الشخص الذي كان مصمما لإيذائه قبل تناوله المسكر ، فهل للفعل علاقة بالمادة التي تناولها ، ليصار إلى تطبيق القواعد العامة !
المبحث الثاني
حكم السكر أو التسمم بالمخدرات في التشريعين المصري و الأردني
سبق وأن لاحظنا أن المشرعين السوري واللبناني قد نصا صراحة على حكمين فيما يتعلق بالتسمم بالمسكرات او المخدرات منها: حالة السكر غير الاختياري وهو ما يطلق عليه بالسكر الاضطراري الذي أُعتبر مانعا للعقاب ، لأن إرادته مسلوبة ولم يتناول المادة المسكرة أو المخدرة بإختياره وإنما لسبب عارض أو لإكراه شل إرادته مما نص المشرعان على الإعفاء صراحة من العقاب بموجب المادتين 235 عقوبات لبناني و234 عقوبات سوري ، أما الحالة الثانية فقد تناول كذلك المشرعان حكم السكر الإختياري ، وقطعا الطريق لأي إجتهاد بالنص على أن السكر الإختياري مبني على الخطأ الذي قبـل الجاني بإرتكابه رغم الحظر، لعلمه بطبيعة المادة المتناولة وعلمه بآثارها وما قد ينتج عنها ، مما ساوى المشرعين السوري واللبناني بين التوقع والقصد بالنص على ذلك .
وبالتالي لا بد التعرف على موقف القانونين المصري والأردني اللذين أفردا نصا لكل منهما حول حالة التسمم بالمخدرات أو المسكرات لمن يتناولها بصورة إضطرارية غير إختيارية وسكتا عند هذا الحد ، ولم يتناولا حكم السكر الإختياري!
لذلك يثور التساؤل حول حكم من يقدم على السكر وبعد فقدان الوعي ارتكب الجاني جريمة ما ! فما هو حكم القانون لهذه المسألة ؟ وهل للفقه والقضاء في التشريعين المذكورين أعلاه كلمة بهذا الخصوص لإستنتاج أمر هذه الحالة عن طريق مفهوم المخالفة أم يتعين الرجوع للقواعد العامة ؟
المطلب الاول
حكم فاقد الشعور لمن لا يعلم بطبيعة المادة المسكرة
نص قانون العقوبات الاردني في المادة 93 منه ” لا عقاب على من يكون فاقدًا للشعور أو الإختيار في عمله وقت إرتكاب الفعل لغيبوبة ناشئة عن الحكول أو عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها من دون رضاه أو على غير علم منه بها “.
وبالمقابل نصت المادة 62 من قانون العقوبات المصري بأنه ” لا عقاب على الجاني إذا كان فاقد الشعور أو الإختيار في عمله وقت إرتكاب الفعل لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أو مسكرة إذا أخذهها قهرا
عنه أو على غير علم منه بها ” ، ومن خلال هذين النصين إنقسم الفقه على الإجابة على السؤال المطروح أعلاه ، وهو هل يتم الأخذ بمفهوم المخالفة أم يتعين الرجوع للقواعد العامة ؟
بعض الفقهاء يرى أن المادة 62 من قانون العقوبات المصري والمادة 93 من قانون العقوبات الأردني ، قد اقتصرت على تبيان حكم السكر غيرالإختياري الذي يعد من موانع العقاب ، و بالتالي أما السكر الإختياري فلم يتطرق إليه المشرعين المصري والأردني ، وبالتالي لا مفر الرجوع إلى المبادئ العامة التي تأبى أن يُسأل السكران عن أي جريمة إرتكبها وهو فاقد للشعور ، ولا يدري كنه أفعاله، ولا يمكن أن ينسب إليه قصد أو أن يقال توجهت إرادته إلى مخالفة حق يحميه القانون.
أما الرأي الآخر فيرى تقرير المسؤولية للسكران بإختياره عن كل ما يرتكبه من جرائم أثناء سكره وبالتالي لا فرق بين المسؤولية العمدية والمسؤولية غير العمدية ، ولا فرق فيما اذا تطلب القـانون القصد
الخاص بالإضافة إلى القصد العام من عدمه ، بحيث يعاقب الكسران كما ولو كان في حالة الإفاقة ، لأن القانون يحمٌله في هذه الحالة نتائج تدخل في القصد الاحتمالي .
و بالمقابل أخذ القضاء المصري والأردني على حد سواء ، بالقواعد المشار إليها أعلاه والتي لا تأبى أن يُسال الجاني عن مسؤولية غير عمدية على أساس الإهمال وعدم الإحتراز، ودرجة الإهمال أو عدم الإحتراز هو التعاطي لهذه المادة مع إحتمال أن يكون لها من التأثير ما يدفعه إلى إرتكاب الجريمة ومتى كان الفاعل قد تناول المسكر أو المخدر بإختياره فليس له أن يعيب على الحكم الذي أدانه للبحث عن درجة هذا السكر ومبلغ تأثيره في إدراكه وشعوره ، وفي أحكامٍ أُخرى إعتبر القضاء المصري أن الجاني متى تناول المسكر أو المخدر بإختياره يكون مسؤولا عن كل جريمة ولو كانت من الجرائم العمدية ، بل ولو كانت من الجرائم العمدية التي لا يكتفي فيها القانون بالقصد العام وإنما يستلزم القصد الخاص ثم عدلت محكمة النقض عن قرارها بقرارها الشهير حينما قررت ( أن السكران متى كان فاقد الشعور أو الإختيار في عمله لا يصح أن يقال عنه أنه كان لديه نية القتل وذلك سواء كان قد أخذ المسكر بعلمه ورضاه أم أخذه قهرا عنه
أو على غير علم منه ، ما دام السكر قد أفقده شعوره وإختياره فمثل هذا الشخص لا يصح معاقبته على القتل العمد ، إلا أن يكون قد نوى القتل ثم أخذ السكر ليكون مشجعا له على إرتكاب جريمته ).
ولو عدنا للوراء قليلا ، فقد سبق وأن اشرنا الى الصورة الثالثة وهي التسمم بالمخدرات أو المسكرات التي لا تمنع فيها المسؤولية ، وأكدنا أن للطب الشرعي يجب أن يكون له رأي للتأكد من صحة مقولة أن النية قبل تناول المسكر أو المخدر بقتل أو إيذاء شخص هل تبقى قائمة بتناول ذلك المسكر أم أن انقطاعا يحدث ، وبالتالي لاعلاقة للنية السابقة على تناول المسكر وإن تم القيام بالفعل وحصلت النتيجة ، وهل فعلا أن المسكر يقوي الشعور على القيام بفعل مخالف لحق يحميه الشعور !
لذلك لا يرد القول بأن نأخذ بالفرضيات والإحتمالات في ظل إرتكاب فعل صدر عن غير إرادة ، إذ لا يتصور إكتفاء المشرع لثبوت القصد بإعتبارات وإفتراضات قانونية ، والقصد الجنائي بإعتباره واقعة يجب أن يكون ثبوتها بناءً على حقيقةٍ لا إفتراضات وإحتمالات .
فقضت محكمة التمييز السورية ” أن تناول المدعى عليه المسكر بسبب طارئ أو لقوة قاهرة أي أن يكون في مطلق الحالات خارجا عن إرادته ولم يكن مختارًا ، كأن يكون مثلا قد وقع في غلط بين دواء مسكر أو أن يكون قد إُرغم قسارا على تناوله ” وعليه الشارع السوري نص صراحة على أن السكر الإختياري وإن كان مٌرتكب الجرم فاقدا للشعور ، على أنه بكـامل الإرادة لعلمــه المسبق بتأثير المسكر على ذهن الجاني والنتائج التي قد تؤدي إلى هذا الفقدان في الشعور ، كأساس للخروج على مبدئين: بأن لا عقاب ولا جريمة إلا بنص ، وبأن الإصل في للعقاب هو إرتكاب الفاعل للفعل مدركا لكنهه .
المطلب الثاني
حكم فاقد الشعور وهو عالم لطبيعة المادة المسكرة
نصت المادة 93 من القانون المذكور ” لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو لإأختيار في عمله و قت ارتكاب الفعل لغيبوبة ناشئة عن الكحول أو عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا اخذها دون علمه أو على غير علم منه بها”
مما يلاحظ من هذا النص و الذي يقابله نص المادة 62 من قانون العقوبات المصري ، أن الإشكالية تثور في ظل التشريعات التي أغفلت عن تنظيم حالة السكر الأختياري ، كما هو الحال في القانونين المشار إليهما أعلاه ، الأمر الذي يستدعي عند إغفال تنظيم هذه الحالة و هي محل استشكال “السكر الإختياري” العودة للقواعد العامة ، و هو أمر لا مفر منه ، مهما كانت النتيجة ، و إن إعتبر البعض أن تلك القواعد ستؤدي لنتيجة غير منطقية ، مادام الإحتكام لها أمر تقرره القواعد الأصولية في التفسير ، و إننا بهذا الصدد نكرر
المقولة التي تقول بأن المرء يتمنى أن يسود المنطق كل قواعد القانون ، إلا أن الوقع غير ذلك ، إذ ليس كل ما في القانون يسوده المنطق .
و عليه عندما تتصادم قواعد القانون بالمنطق يتعيين على رجال القانون أن يغلبوا الأخذ بأولها على أخراها ، و بالتالي فإننا لا نسلم بأن المشرع قد قصد عقاب السكران بإختياره ، فيما لو تناول هذا المسكر في المكان المخصص له بموجب التشريعات الأردنية و المطبقة على أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل المادة 93 من قانون العقوبات ، بخلاف المشرع السوري الذي نص صراحة على العقاب حتى و لو ارتكب الجرم في الحانة أو البيت .
مما يتسدل مما ذكر أعلاه ، أن المشرعين السوري و اللبناني أخذا تماشيا مع مبدأ الشرعية بأن لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص ،إذ لا يعقل و بموجب التشريعات السارية في أراضينا أن تُمنح رخصة مزاولة مهنة لحانة معينة ليتناول الأشخاص فوق سن 18 المسكر، و في المكان المخصص لذلك ارتكب جرم من فاعلٍ فاقدٍ للوعي و الإرادة بداخل ذلك المكان ، وتُفرض عليه عقوبة دون نص ، اللهم أن يتم تطبيق نص المادة 93 بمفهوم المخالفة ،
و هذا هو عين المخالفة و الخروج على مبدأ الشرعية الذي يفهم من المادة الثالثة من قانون العقوبات الأردني بأن لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص و هو عين المخالفة للمادتين 63 و 74/1 من القانون المشار إليه فكيف يتم معاقة شخص و إن كان مدركا أن المادة المتناولة قد تذهب عقله ، إلا أن وقت ارتكاب الجرم لم يكن يدرك كنه فعله ، كما أنه كيف يتم الأخذ بمفهوم المخالفة وهو أداة من أدوات القياس التي لا يمكن العمل بها في ظل مبدأ الشرعية ، و في حقيقة قصد المشرع من المادة 93 هو النص على السكر الإضطراري وهو القصد المعول عليه ، و الذي ينبني على نص تلك المادة بأن لا عقاب على السكر الإختياري فيما لو أُخذ في الماكن المخصص له ، الأمر الذي يجعل من تطبيق القواعد العامة المريرة أمر حتمي في ظل سكوت الشارع عن معالجته ، لأن الأحكام القضائية تبنى على حقيقة الواقع لا على الافتراضات و الاعتبارات التي تقوم على مبدأ مفهوم المخالفة.
وللتأكيد على ذلك فقد نصت المادة 15 من قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في قطاع غزة التي تداركت الإستشكال محل البحث بالنص على القاعدة والإستثناء ، حيث ورد في ذلك النص أن السكر لا يشكل حالة لدفع أية تهمة جزائية إلا إذا كان المتهم حين وقوع الفعل أو الترك المعزو إليه في حالة سكر تجعله لا
يدرك الفعل أو الترك أو إذا كان سكره دون رضاه عن قصد سيئ من شخص آخر أو عن إهمال من الأخير مما لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نستعيض بالقصد المفترض عند سكوت النص ، لأن المشرع إذا أراد أن يفصح عن رغبته فعل و إذا أراد قال ، و بالتالي لا يجوز التسوية في الأحكام بين التشريعات التي نصت صراحة على العقاب في حالة السكر الإختياري وهو أغلب التشريعات و بين التشريعات التي سكتت عن معالجة السكر الإختياري كما هو الحال في القانونين المصري و الأردني.
و بناء على ما تقدم ، نرى أنه من غير الجائز أن تمنح حانة معينة رخصة لتقديم المشروبات الروحية لروادها ممن يجوز لهم تناولها ، و في حال ارتكاب جرم من أولئك مهما كان نوعه و في المكان المخصص، نحملهه المسؤولية الجزائية لفعل ارتكب دون وعي وإرادة بالإستناد للمادة 93 من قانون العقوبات محل البحث ، التي عالجت حكم السكر غير الإختياري فقط دون السكر الإختياري ، كما لا يجوز لنا كفقه و قضاء على حدٍ سواء أن نغلو في التفسير ، أو نأخذ بأحكام قضائية تقضي تشريعاتها بمعاقبة السكران المختار في تناول تلك المادة على أساس صراحة النصوص في الخطأ المفترض ، لكون تلك التشريعات لم يقع عليها تلبيس أو غموض في نصوصها.
و بالتالي بخصوص التشريع المطبق في المحافظات الشمالية حاليا فقد أخذ بموقف الحياد دون الإلتفات للتطورات الحاصلة في ظل العولمة و كثرة المباحات ودون مراعات النتائج المترتبة عليها .
الخاتمة
غني عن البيان أنه لتوافر المسؤولية الجنائية يشترط إتيان الفعل عن وعي واردة و هو ما أقرته جميع التشريعات ومنها التشريعين المصري والأردني، و بالتالي فلا يُتصور أن يتم معاقبة شخص عن فعل لم ينص القانون الجنائي بأنه فعل محظورإتيانه تحت طائلة العقاب ، و إلا يعد ذلك خروجا على مبدأ الشرعية الذي يعتمد على عنصرين اولهما: أن القاضي سلطاته مقيدة بنص بالقانون و ليس لديه سلطة مطلقة في تقرير العقوبة إذ لا بد من تقييده بنص محدد يحدد الجريمة وأركانها وعناصرها وعقوبتها في غاية الدقة والوضوح ، و ثانيهما يرجع هذا العنصر لنظرية العقد الإجتماعي الذي نادى به” روسو” و هي أن للفرد حرية العمل و الإمتناع ، لكن يتم التنازل عن قسط من هذه الحرية لصالح المجتمع .
فالجريمة إذا أخلت بأمن المجتمع ونظامه ، تجعل من المجتمع وحده ممثلا بالسلطة التشريعية الجهة المختصة لتحديد الأفعال المحرمة و المحظورة ليجرمها و يحدد العقوبة المناسبة لها ، وهذا سبق و أن بيناه في متن هذا البحث ، فمهما قيل من تبرير لإدانة الجاني في حالة تناوله للمسكر في المكان المخصص له دون نص صريح من المشرع يقضي بإفراد نص خاص لتجريم ذلك الفعل والعقاب عليه ، كما فعلت معظم التشريعات الحديثة و منها التشريعين السوري و اللبناني ، فلا مجال أمام العاملين في الحقل القانوني ، إلا أن يتوصلوا لذات النتيجة التي توصلنا إليها بأن السكران في حالة سكره بإختياره سيَفلتُ من العقاب ، لأنه لا مجال للأخذ بالخطأ الذي يعتبر المسلك الذهني المنطوي على عدم توقع الجاني للنتيجة الإجرامية سواء أكانت عن إهمالٍ أو عدم إحتراز ، كون أن الخطأ يباشر من الفاعل بنشاط صادر عنه بوعي وإرادة دون أن يقصد حصول النتيجة ، فإذا كان النشاط الصادر إبتداء لم يكن عن وعيٍ و إرادةٍ ، فكيف يمكن القول أنه كان يجب أن يتوقع أو أن يتم القياس بمفهوم المخالفة ! و في الوقت ذاته تنبهت العديد من التشريعات لهذه المسألة بأن نصت صراحة على الخطأ المفترض بنصوص صريحة لإدانة السكران بقواعد صريحة أو إسنثتاء من الأصل بل وشددت في العقوبة لمن يتناول المسكر ولو في المكان المخصص له وأدى ذلك لإرتكاب جريمة وإن لم يكن يدرك الفاعل لكنه ذلك الفعل المجرم نتيجة الغيبوبة لما تناوله.
لكل ما سبق فإننا ندعو بتعديل التشريع المطبق و نتمنى ، أن نحذو حذو التشريعين السوري واللبناني بوضع نص صريح لا لبس أو غموض فيه ، لتقرير المسؤولية الجزائية على كل من يتناول المسكر أو المخدر بصورة إختيارية على أساس الخطأ المفترض أو أن يتم النص بالقاعدة ووضع الأستثناء كما فعل المشرع الفلسطيني المطبق فيقطاع غزة ، و ذلك كي لا يتذرع من تسول له نفسه في تناول المسكر أن
المشرع لم يعالج السكر الإختياري و إن تناوله في المكان المخصص له ، سيما وأن نص المادة 93 المطبقة في تشريعنا مقترح بتعديلها بموجب المادة 138 من مشروع قانون العقوبات الفلسطيني لعام 2010
بصورة ستبقي للجدل السابق محل كبيرعلى الساحة القضائية في المحافظات الشمالية و التي ستتأثر به المحافظات الجنوبية نتيجة نية إلغاء نص كان يجرم السكر الإختياري ، بل إن المشرع في المشروع المقترح سيعقد الأمور بمعاقبة من يناول المسكر أو المخدر دون علمه بطبيعة تلك المادة أو دون رضاه عندما يترتب نقصان أو ضعف في الشعور أو الإختيار وقت إرتكاب الجريمة بفرض عقوبة مخففة ، و لم يعالج مسألة مصيرية تتعلق بضرورة التجريم على الخطأ المفترض و إعتبار مرتكب الفعل المجرم نتيجة تناوله لمادة مسكرة أو مخدرة بمحض إرادته و إن كان وقت اتيان الفعل غير واعٍ ، كما و لو كان بوعيه التام ، و للتأكيد على وجهة نظرنا لا بد من عرض المادة المقترحة التي تنص على ما يلي:
1. لا يسأل جزائياً من كان فاقد الشعور أو اإختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل الإجرامي، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن مواد مسكرة أو عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها دون رضاه، أو على غير علم منه بها.
2. أما إذا لم يترتب على ذلك سوى نقص أو ضعف في الشعور أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة أمكن فرض العقوبات التالية:
أ. إذا كان الفعل يشكل جناية توجب السجن مدى الحياة أو السجن المؤبد، تبدل العقوبة إلى السجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات.
ب. إذا كان الفعل يشكل إحدى الجنايات الأخرى، تصبح العقوبة الحبس سنتين إلى ثلاث سنوات.
ت. إذا كان الفعل يشكل جنحة، فلا تزيد العقوبة على ستة أشهر.
ث. إذا كان الفعل يشكل مخالفة، تخفف العقوبة إلى نصف الغرامة المقررة في القانون.
و عليه فإننا نثني على النص المقترح بجزئه الأول مع ضرورة إضافة فقرة جديدة تنهي اللغط و الجدل في أمر لا يحتاج لكثير من الإجتهاد.
” و إذا اُرتكب الفعل من الفاعل وهو عالم بطبيعة المادة بأنها مسكر أو مخدر يعقاب عن الفعل المرتكب وإن كان فاقدا للوعي كما لو كان في حالة الوعي التام ”
أو أن يبقى النص الوارد في المادة 15 من قانون العقوبات الفلسطيني.
و الله من وراء القصد ،،،،
المصـــادر
1- قانون العقوبات السوري لعام 1949
2- قانون العقوبات اللبناني لعام 1943
3- قانون العقوبات المصري لعام 1956
4- قانون العقوبات الأردني لعام 1960.
5- قانون العقوبات الفلسطيني لعام 1936.
6- مشروع مسودة قانون العقوبات الفلسطيني لعام 2010 .
المراجـــع
1) السعيد كامل ، شرح الأحكام العامة لقانون العقوبات الأردني، الجامعة الأردنية، 1998.
2) السعيد كامل ،التلقائية كمانع للمسؤولية في القانون الجنائي، الجامعة الأردنية، 1988.
3) السعيد مصطفى السعيد ، الأحكام العامة في شرح قانون العقوبات المصري، القاهرة.
4) العوجي مصطفى ، السؤولية الجنائية في القانون اللبناني القسم العام.
5) بنهام رمسيس ،علم الإجرام و العقاب،الطبعة الثالثة،منشأة دار المعارف الإسكندرية، 1970.
6) حسني محمود نجيب ، شرح قانون العقوبات اللبناني القسم العام ، بيروت ، 1968.
7) حومد عبد الواهاب ،الحقوق الجزائة العامة ، الطبعة السادسة ، دمشق ، 1963.
8) صفوت احمد ، شرح القانون الجنائي القسم العام ، القاهرة ، 1982.
9) عبيد عبد الرؤوف،مبادئ القسم العام من التشريع العقابي،القاهرة ،دار الفكر العربي، 1979.
10) مصطفى محمود محمود ، شرح القسم العام في قانون العقوبات ،دار النهضة العربية، القاهرة، 1974.
11) مصطفى محمود محمود، نموذج قانون العقوبات، الطبعة الأولى ، القاهرة.
12) بعض قرارات المحاكم.
اترك تعليقاً