يشترط القانون لقيام جريمة السرقة ان يكون الشيء المختلس مالا منقولا مملوكاً للغير، فأن كان مملوكاً له فلا جريمة في الفعل حتى لو اعتقد ان المال في ملكية غيره ويعاقب المشرع على السرقة لأن فيها اضراراً بملكية الغير وانقاصاً لذمته، فاذا لم يكن المال داخلاً في ذمة الغير، بأن كان مباحاً او متروكاً أو مملوكاً لمن اخذه، فلا يكون الاستيلاء عليه سرقة. و كذلك لو كان المال محل الاختلاس مملوكاً لنفس الشخص الذي لا عقاب عليه تبعاً للقاعدة العامة مهما تكن الحقوق التي للغير على هذا المال، ومهما يكن الضرر الذي أصاب الغير من هذا الفعل. ولكن هذا المبدأ ترتب عليه نتائج ضارة في العمل. لذلك اعتبر المشرع العراقي هذا النوع من الاختلاس بحكم السرقة، اذ نصت المادة (439) ق.ع.ع على ’’ويعّد في حكم السرقة اختلاس المنقول المحجوز عليه قضائياً أو ادارياً أو من جهة مختصة أخرى والمال الموضوع تحت يد القضاء بأي وجه ولو كان الاختلاس قد وقع من مالك المال وكذلك اختلاس مال منقول مثقل بحق انتفاع أو بتأمين عيني او بحق حبس او متعلق به حق الغير ولو كان ذلك حاصلاً من مالكه(1). واذا كان المال المختلس مملوكاً لغير الفاعل يمكن تصور حالات ثلاث يختلف الحكم بالنسبة الى كل منها على التفصيل الآتي:ـ
1ـاذا كان المال مملوكاً لمن استولى عليه فلا سرقة حتى لو كان للغير حقوق على ذلك المال كالدائن المرتهن لمنقولات المدين او الدائن الحاجز على منقولات المدين. فاختلاس المالك للمال لا يكون جريمة سرقة لانتفاء شرط ملكية الغير للمال.
2ـاذا كان المال مملوكاً للغير وكان لمن اختلسه بعض الحقوق عليه تقوم قبل هذا الأخير جريمة السرقة كالدائن الذي يستولي على مال مرهون في يد مدينه بنية امتلاكه استيفاء لدينه. ولذا قضى بأنه اذا كان المتعاقدان قد وقعا على عقد بيع وأودع العقد مؤقتاً لسبب ما لدى أمين ثم استولى عليه البائع بأن خطفه من المودع لديه فأنه يعد مرتكباً لجريمة السرقة لأن هذا الايداع ليس من شأنه بذاته ان يزيل عن المشتري ماله من في حق ملكية العقد، واذن فلا يجدي البائع احتجاجه بأن هذا العقد لا يدخل في ملكية المشتري الا بعد قيامه بدفع المبلغ المتفق عليه كما هو شرط الايداع.
3ـاذا كان المال مملوكاً على المشاع بين من استولى عليه وغيره تقوم جريمة السرقة من قبل الشريك الذي يستولي على المال من شريكه الآخر لأن كل جزئية من جزئيات المال المسروق تعتبر في ملكية كل منهما، وذلك بصرف النظر عن سبب الملكية الشائعة ميراثاً او شركة، ولكن اذا كان من استولى على المال هو الشريك الذي يحوزه اصلا ً، فلا تقوم قبله جريمة السرقة لانتفاء ركن الاختلاس(2).
والأشياء التي لا تعود الى أحد كالاموال المباحة او المتروكة لا يمكن ان تكون موضوعاً للسرقة ومن ثم فأن اخذها بنية التملك لا يعد سرقة. وعلى ذلك فالحيوانات والطيور البرية والاسماك وغيرها في الأنهر والجداول العامة والبحار والبحيرات هي من الأموال المباحة التي لا مالك لها فمن يستولي عليها لا يعد سارقاً. وقد تعطي الحكومة لبعض الافراد امتيازاً لصيد الأسماك أو الطيور في منطقة معينة، وتصبح جميع الاسماك او الطيور في المنطقة الممنوح عليها الامتياز ملكاً لأولئك الافراد بمقتضى الامتياز وتبعاً لذلك يكون الصيد فيها محرماً ومن يأتيه يعد مرتكباً لجريمة السرقة، ويعتبر الماء في الأنهار والترع من الاموال المباحة فاذا رفع منها بعضها دخل في الملكية الخاصة، وعلى ذلك فالماء الذي تقوم بايصاله اسالة المياه مثلاً للمستهلكين يعتبر مملوكاً لها فمن يختلسه بغير رضا منها يعتبر سارقاً: وتعتبر رمال الصحارى وأحجارها مالاً مباحاً يصح تملكها لمن يضع يده عليها، بيد أنه ان اختصت الحكومة بعضه بمظاهر وضع اليد عليها فأنها تصبح مالاً عاماً تملكه الحكومة ويكون اختلاساً مكوناً لجريمة السرقة. وينبغي التفريق بين الأموال المباحة التي لا مالك لها والأموال العامة المملوكة للدولة أو أحد مؤسساتها كالحدائق العامة والطرق والساحات وخطوط الكهرباء والهاتف وأعمدتها ومعداتها وكذلك الآثار فإن أخذ شيء منها بعد سرقه. واهم انواع المال المباح هي الاشياء التي لا تزال على حالتها الطبيعة الشائعة كالهواء والماء والطيور والاسماك فمن يستولي على شيء منها يتملكها فوراً بالاستيلاء مادامت على حالتها الفطرية، ولكن يلاحظ ان هذه الاشياء تفقد صفتها أشياءً مباحة وتصبح ملكاً لمن يحوزها. فإذا اصطاد شخص طيراً برياً وسمكة مثلاً وجاء أخر واخذها منه دون رضاه فإن فعل هذا الاخر يعد سرقة لان الطير والسمكة قد اصبحت في حيازة الصائد وملكاً له ولذلك فإن اخذها منه يعد أخذاً لمال يعود الى الغير ومن ثم يعد سرقة(3).
اما الاشياء المفقوده فإن ضياعها لا يخرجها من ملكية صاحبها ولو انه لا يكون سرقة لعدم توافر اركانها ولكنه يكون بنظر القانون عادة ما يسمى بجريمة (اللقطة)(4). اما الاشياء المفقوده اذا تخلى اصحابها عنها بارادتهم اصبحت اموالاً متروكة لذلك فإن اخذها من قبل الغير لا يعد سرقة، وبذا يصبح المنقول مباحاً اذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته. اما الاشياء المتروكه فحكمها حكم الاشياء التي كانت مملوكة في الاصل ثم تخلى عنها صاحبها وهي المعروفة بالاشياء المتروكة او المهملة، فهذه يباح لكل انسان تملكها بوضع اليد بعد التخلي عنها، ولا يعد اخذها سرقة لانها لم تكن مملوكة لانسان وقت الاخذ، كالملابس وفضلات الطعام والامتعة البالية التي يرميها صاحبها في الطريق العام، وقاذورات المنازل والحيوانات المريضية وروث البهائم، واعقاب السكائر.. الخ. فمن عثر على شيء في الطريق من قبيل المهملات وأخذه فلا يعد سارقاً. ولايعد سارقاً من أخرج ثوراً مريضاً بالطاعون من مدفنه بقصد اخذ جلده، لان الجثة في هذه الحالة لاتعتبر مملوكة لأحد. ولكن ما حكم من يختلس جثث الموتى من مراقدها، او الاكفان او الملابس المدفونة معها(5)؟ الظاهر ان اختلاس الجثث لا يعد سرقة لانها لم تكن ملكاً لاحد، لكن يجوز ان يعاقب الشخص على جريمة انتهاك حرمة القبور، اما اذا كانت الجثة او بعض اجزائها، كجمجمة او غيرها من العظام، قد وضعت في معهد علمي للدرس أو للاستفادة العلمية، أو في متحف لتحفظ ضمن الاثار، فقد اصبحت بذلك مملوكة للمعهد أو المتحف، ويعد اختلاسها بعد ذلك سرقة. اما اختلاس الاكفان فمحل خلاف، وقد يقال في ذلك إن الاشياء الملحقة مع الميت تعد من قبيل المتروكات اذ لا مالك لها، وبهذا اخذت محكمة نابولي الايطالية، ولكن محكمة النقض الفرنسية عدت الفعل سرقة لانها رأت ان هذه الامتعة موضوعة لغرض خاص، ولايجوز لأحد امتلاكها بوضع اليد، لانه لم يكن في نيته واضعيها التخلي عنها لمن يريد اخذها، ووافقها على ذلك جارو. وهذا الرأي ظاهر الضعف من الوجهة القانونية، اذ لم تستطع المحكمة ولا جارو ان يقررا صراحه ان للاكفان مالكاً حتى تتوافر بذلك اركان السرقة(6). وكذلك فإن المشرع العراقي اعتبر سرقة المقابر ـ الجثث ليست مالاً ولذلك ليست محلاً للسرقة، وانما عاقب على حرمة المقابر بالمادة (374) ق.ع.ع التي نصت على (يعقاب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وغرامة لا تزيد على مائتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين من انتهك او دنس حرمة قبر او مقبرة او نصب لميت او هدم او أتلف او شوه عمداً شيئاً من ذلك)(7). اما اذا خضعت الجثة او جزء منها لغرض معين كالتشريح للدراسة في معهد علمي او معهد الطب العدلي فانها تصبح مالاً مملوكاً للمعهد ويعاقب من يختلسها بعقوبة السرقة. اما الاكفان والملابس والحلى وغيرها مما يدفن مع الجثة تكريماً له فهي اموال ويكون اختلاسها سرقة معاقباً عليها باعتبارها ملك الورثة. وقد نصت المادة (374 ق.ع.ع ـ يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة لاتزيد على مائتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين من انتهك عمداً حرمة جثة او جزء منها او رفات ادمية او حسر عنها الكفن واذا وقع الفعل انتقاماً من الميت او تشهيراً به فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات). اما الاشياء الضائعة فضياع الشيء لا يخرجه عن ملك صاحبه، بل يبقى الشيء على ملك مالكه، فاذا عثر به كان له حق استرداده ولو من يد من اشتراه بحسن نية، إلا اذا كان قد سقط حقه فيه بمضي المدة. ومن اجل هذا يختلف حكم الشيء الضائع عن الشيء المباح او المتروك، فمن وجد شيئاً ضائعاً والتقطه فلا يجوز له ان يمتلكه بوضع اليد. ولكن هل يعد سارقاً اذا اختلس بنية تملكه؟ الواقع ان حجز الشيء الضائع بنية تملكه تختلف عن السرقة من حيث الركن المادي، فإن ملتقط الشيء الضائع لا يرتكب اختلاساً بالمعنى الصحيح، فهو لم ينقل الشيء من حيازة مالكه الى حيازته، لان الشيء لم يكن في حيازة المالك وقت التقاطه. نعم لا يمكن القول بسقوط حيازة المالك بركنيها في هذه الحالة، إذ المفروض ان المالك لا يزال متمسكاً بنية الاحتفاظ بالشيء واسترداده عند العثور عليه، وهذا يفيد ان الركن الادبي للحيازة لايزال باقياً عند المالك، وان كان قد فقد ركنها المادي، الا ان هذا وحده كافٍ لتميز الالتقاط عن الاختلاس، فالالتقاط يبقى مباحاً مادام غير مصطحب بنية حجز الشيء وامتلاكه بطريق الغش(8).
أما اذا اصطحب الاخذ بنية التملك فإنه يعّد سرقة في فرنسا باتفاق المحاكم والشراح، وحجتهم في ذلك ان الملتقط يأخذ الشيء بنية تملكه مع علمه بأن له مالكاً آخر، وانه ليس بالشيء المباح او المتروك، ففعله هذا ينطبق على تعريف السرقة من حيث هو اختلاس لشيء منقول مملوك للغير، غير انهم يشترطون لتطبيق حكم السرقة ان تكون نية التملك مقارنة ومعاصرة لفعل الأخذ او الاختلاس، لأن هذا شرط جوهري في السرقة على العموم. ولا بدّ ان يقوم الدليل على ذلك، وقد يستفاد من ظروف الواقعة، كما لو كان الملتقط يعرف مالك الشئ ولم يرده اليه فوراً، فاذا اتضح ان نية التملك لم تخطر ببال الملتقط الا بعد الالتقاط بزمن، كما لو ثبت انه بحث عن المالك ولما لم يهتد اليه تصرف في الشيء، فلا يمكن ان تطبق عليه احكام السرقة في هذه الحالة. أما في مصر فقد وضع لهذه الحالة قانون خاص صدر في 18/ مايو/1898. وقد نصت المادة الأولى منه على ما يأتي: (كل من يعثر على شيء أو حيوان ضائع ولم يتيسر له رده الى صاحبه في الحال يجب عليه ان يسلمه أو ان يبلغ عنه الى اقرب نقطة للبوليس في المدن او الى العمدة في القرى. ويجب اجراء التسليم او التبليغ في ظرف ثلاثة ايام في المدن وثمانية أيام في القرى. ومن لم يفعل ذلك يعاقب بدفع غرامة يجوز ابلاغها الى مائة قرش، وبضياع حقه في المكافأة المنصوص عليها في المادة الثالثة، فاذا كان حبس الشيء او الحيوان مصحوباً بنية امتلاكه بطريق الغش، فتقام الدعوى الجنائية المقررة لمثل هذه الحالة ولا يبقى هنالك وجه للمحاكمة على المخالفة). ولكن ما هي الدعوى الجنائية الواجب اقامتها في هذه الحالة؟ القانون غامض في هذه النقطة، ولكن محكمة النقض المصرية فسرته بما يأتي: (ان العثور على شيء ضائع وحبسه بنية امتلاكه بطريق الغش يعتبر سرقة بناء على ما اجمعت عليه الاحكام القضائية الصادرة من المحاكم الفرنسية مع عدم وجود نص قانوني خاص بذلك، فيصح إذن في مصر ايضاً اعتبار هذا الفعل سرقة بناء على الأسباب التي اسندت عليها الاحكام الفرنسية المشار اليها) (9). أما المشرع العراقي فقد اعتبر الاشياء الضائعة (المفقودة) تبقى على ملكية أصحابها فهي ليست اموالاً مباحة ولا متروكة، بل لها مالك لم يتخلَ عنها ولكنه فقد يده عليها أي (حيازتها المادية)، اما الملكية والحيازة القانونية فأنها باقية له، فهي محل للسرقة، اذن طبقاً للمعيار السابق في الاختلاس وهذا هو الرأي المتفق عليه في الفقه والقضاء الفرنسي وهو الراجح ايضاً في القضاء المصري (10).غير ان المشرع العراقي اعتبر الاستيلاء على الاشياء المفقوده جريمة خاصة غير السرقة وان أورد النص المتعلق بها في الفصل الخامس لجريمة السرقة، وهو نص المادة 450 ق.ع.ع التي جاء فيها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على لقطة او مال ضائع او أي مال وقع في حيازته خطً بطريق الصدفة او استعمالة بسوء نية المنفعة او منفعة غيره، وكان في جميع هذه الاحوال يعرف مالكه او لم يتخذ الاجراءات اللازمة الموصلة لمعرفته.
_________________________
1- احمد امين بك، شرح قانون العقوبات الاهلي، مصدر سابق، ص871
2- د. حسن صادق المرصفاوي ، مصدر سابق ، ص 276 .
3- د. سعد ابراهيم الاعظمي ، مصدر سابق ، ص120.
4- انظر المادة 450من ق ع ع المرقم 111 لسنة 1969 .
5- جندي عبدالملك، الموسوعة الجنائية، مصدر سابق، ص215.
6- احمد امين بك، شرح قانون العقوبات الاهلي، المجلد الثالث، الدرا العربية للموسوعات، ص873.
7- عدلت المادتان 373 و 374 بالمادة الثامنة من قانون رقمه 207لسنة 1970 قانون التعديل الاول الخاص بتعديل مبلغ الغرامة التي اصبحت 50،000 دينار.
8- احمد امين بك ، مصدر سابق ، ص 829 .
9- جندي عبد الملك ، الموسوعة الجنائية ، ج 4،ص216 .
10- د. اكرم نشأت ابراهيم ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص95 .
المؤلف : عبود علوان منصور
الكتاب أو المصدر : جريمة السرقة اسبابها والاثار المترتبة عليها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً