الاستيلاء على العقارات لمصلحة التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة: عبد الفتاح السيد بسيونى وصلاح عبد الفتاح سلامه وفاروق عبد الرحيم غنيم وسعد الله محمد حنتيره المستشاريين
* إجراءات الطعن
فى يوم لاربعاء الموافق 8 من ابريل سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السيد رئيس مجلس الوزراء بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1685 لسنة 33 القضائية، ضد كل من السيد/ ……….. والسيدة/ ………… والسيدة/ ………… والسيدة/ …………، فى الحكم الصدر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 12 من فبراير 1987 فى الدعوى رقم 2856 لسنة 40 القضائية المقامة من المطعون ضدهم على الطاعن بصفته، والقاضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبالزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة فى تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبالزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماه عن درجتى التقاضى.
وأعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعى وبالزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وعينت جلسة 18 من مايو سنة 1987 لنظر الطعن امام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وجرى تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة بجلسة 5 من ديسمبر سنة 1988 احالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الافراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 24 من ديسمبر 1988، وفى هذه الجلسة استمعت المحكمة إلى ما رأت لزومه من ايضاحات وقررت إصدار الحكم بجلسة 21 من يناير سنة 1989، وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاتمام المداولة، حيث صدر واودعت مسودته المشتمله على أسبابه عند النطق به.
* المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أن السيد/ …………. استأجر من المطعون ضدهم الفيلا الكائنة خلف العقار رقم بشارع الجيزة وجراجين فى الغرب منها وقطعة أرض فضاء أمامها بقصد استعمالها كمدرسة خاصة أطلق عليها مدرسة ابن سينا الخاصة. واقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 1062 لسنة 1975 مدنى كلى الجيزة بطلب الحكم بإخلاء المستأجر من الفيلا وملحقاتها. وقضت محكمة الجيزة الابتدائية فى جلسة 26 من مارس سنة 1978 برفض دعواهم. وطعنوا فى هذا الحكم بالاستئناف رقم 2539 لسنة 95ق. وقضت محكمة استئناف القاهرة 40 ايجارات فى جلسة 11 من يونيه سنة 1985 بإلغاء الحكم المستأنف وباخلاء العين المؤجرة وما استحدث فيها من مبان لان لمستأجر أقام بغير ترخيص من الملاك المؤجرين وبغير موافقتهم وبدون اية ضرورة ممرا (كوبرى) يربط المبنى الاصلى المؤجر (الفيلا) وما أقامه من منشئات فوق الجراجات وهو ما يجعل المبنى الاصلى (الفيلا) عرضة للإنهيار فى أى وقت ويكون من شأنه المساس بسلامة المبنى مما يتعين معه اجابتهم إلى طلبهم والحكم بالاخلاء طبقا للفقرة (د) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 التى اجازت للمؤجر طلب إخلاء المكان إذا ثبت بحكم قضائى أن المستأجر استعمله بطريقة ضاره بسلامة المبنى. وطعن المستأجر فى هذا لحكم بطريق النقض وطلب الحكم بوقف تنفيذه فقضت محكمة النقض فى 17 من سبتمبر سنة 1985 برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وأصدر السيد رئيس مجلس الوزراء فى 15 من فبراير سنة 1986 القرار رقم 173 لسنة 1986 بالاستيلاء بطريق الايجار لمدة ثلاث سنوات على الفيلا وملحقاتها لصالح وزارة التربية والتعليم. وأشار هذا القرار فى ديباجته إلى القانون رقم 521 لسنة 1955 بشأن الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهد التعليم، والقانون رقم 252 لسنة 1970 بشأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات، والقرار الجمهورى رقم 378 لسنة 1985 بالتفويض فى بعض الاختصاصات. وجاء فى المذكرة الايضاحية المرفوعة من السيد وزير الحكم المحلى لاستصدار ذلك القرار، أن السيد رئيس قطاع التربية والتعليم بالجيزة والسيد رئيس المجلس الشعبى المحلى لمحافظة الجيزة طلبا استصدار قرارا بالاستيلاء بطريق الايجار على مبنى المدرسة للحاجة الماسة لها لانها تستوعب أكثر من 1500 تلميذ لا يمكن استيعابهم فى المدارس المناظرة بالمربعات السكنية أو خارجها مما يؤدى إلى تشريدهم وإحداث مشكلة لعدد كبير من أسرهم، وقد وافق المجلس الشعبى المحلى لمحافظة الجيزة فى 29 من اكتوبر سنة 1985 على هذا حتى تتمكن المدرسة من أداء رسالتها التعليمية بما يكفل للتلاميذ حقهم فى التعليم، الأمر الذى يقتضى استصدار قرر من رئيس مجلس الوزراء بالاستيلاء إعمالا للقانون رقم 521 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 252 لسنة 1960. ورفع المطعون ضدهم الدعوى رقم 2856 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإدارى فى 26 من فبراير سنة 1986 ضد كل من السادة رئيس مجلس الوزراء ومحافظ الجيزة ورئيس المجلس الشعبى المحلى بالجيزة بصفتهم وطلبوا الحكم أولا: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 173 لسنة 1986 الصادر من السيد رئيس مجلس الوزراء بالاستيلاء على الفيلا وملحقاتها وثانيا: فى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار من بينها التعويض، واستندوا إلى أنه قرار معيب لأنه صدر بقصد تعطيل تنفيذ حكم بات بإخلاء العين مما يعد جريمة جنائية طبقا للمادة 123 من قانون العقوبات ولأن الاستيلاء المصرح به لرئيس الجمهورية طبقا للقانون رقم 252 لسنة 1960 يقتصر على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها فى حين أن مدرسة ابن سينا الخاصة مدرسة خارجه عن ملكية الوزارة الأمر الذى ينحدر بالقرار إلى نرتبة الانعدام ولا يمكن معه جبر الآثار المترتبه على الاستمرار فى تنفيذه. وطلبت هيئة قضايا الدولة الحكم برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه، لأن القرر المطعون فيه صدر طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 التى خولت سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها والهيئات التى تسهم فى رسالتها، وقد أخضعت المادة 56 من قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 المدارس الخاصة لإشراف هذه الوزارة ومديرياتها بالمحافظات وهى مدارس تسهم فى رسالة تلك الوزارة وإن كانت بمصروفات مثل مدرسة ابن سينا الخاصة، ولم يقصد القرار المطعون فيه تعطيل تنفيذ حكم ولم يمس حجيته لاختلاف سند كل منهما وموضوعه، كما أنه يتعين ترجيح الصالح العام المتمثل فى ضمان استمرار التلاميذ فى تحصيل العلم، وبذا يكون قرار صحيحا مما يعنى تخلف ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه فضلا عن تخلف ركن الاستعجال بالنظر لعدم وجود نتائج يتعذر تداركها لأن العقار كان مؤجرا لصاحب المدرسة بل أن هذه النتائج تنجم عن وقف تنفيذه بما يترتب عليه من تشريد التلاميذ وعدم إمكان استيعابهن فى مدارس اخرى. وقضت محكمة القضاء لدارى (دائرة منازعات الافراد والهيئات) فى جلسة 12 من فبراير سنة 1987 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وبنت حكمها على أن هذا القرار صدر فى 15 من فبراير سنة 1986 ورفعت الدعوى فى 26 من مارس سنة 1986 مما يجعلها مقبولة شكلا. كما انه قرر لاستيلاء على العين لحصول ملاكها على أحكام نهائية باخلائها وآخرها حكم محكمة النقض الصادر فى 17 من سبتمبر سنة 1985 وبذا خالف ما يجب من احترام لحجية لأحكم النهائية والملكية الخاصة لأن سلطة الاستيلاء استثنائية لا يجوز استخدامها إلى فى حالات الضرورة القصوى وهى ضرورة تقدر بقدرها رعاية الملكية الخاصة التى حماها الدستور الأمر الذى يجعله حسب الظاهر وبالقدر اللازم للفصل فى الشق المستعجل قرارا مخالفا للقانون مما يوفر بالتالى ركن الجدية اللازمة لوقف التنفيذ فضلا عن ركن الاستعجال فى هذه الحالة.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله لأن القرار المطعون فيه لم يهدف إلى تعطيل تنفيذ حكم قضائى ولم يفتئت على حجيته لاختلاف كل منهما فى الأساس القانونى وفى الموضوع، كما أنه صدر من مختص طبقا للقانون بغرض ضمان سير مرفق التعليم.
ومن حيث أن القانون رقم 521 لسنة 1955 بشأن الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم معدلا بالقانون رقم 336 لسنة 1956 نص فى المادة الأولى منه على أنه “يجوز لوزير التربة والتعليم أن يصدر قرارات الاستيلاء على أى عقار خال يراه لازما لحاجة الوزارة أو احدى الجامعات المصرية أو غيرها من معاهد لتعليم على اختلاف أنواعها أو احدى الهيئات التى تساهم فى رسالة وزارة التربية والتعليم) .. ونص القانون رقم 252 لسنة 1960 فى شأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات فى المادة الثالثة منه على انه (يكون الاستيلاء على العقارات اللازمة لوزارة التربية والتعليم ومعاهدها بقرار من رئيس الجمهورية). وقد تضمن القرار الجمهورى رقم 378 لسنة 1985 تفويض هذا الاختصاص إلى رئيس مجلس الوزراء. ومفاد هذا ان سلطة إصدار قرارات الاستيلاء على العقارات الخالية اللازمة لوزارة التربية والتعليم أو للمعاهد التعليمية أو للهيئات التى تسهم فى رسالتها كانت من اختصاص وزير التربية والتعليم طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955، وصارت من اختصاص رئيس الجمهورية عملا بالمادة الثالثة من القانون رقم 252 لسنة 1960، وثبتت تفويضا لرئيس مجلس الوزراء ضمن القرار الجمهورى رقم 378 لسنة 1985. وقد شرعت طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 والمادة الثالثة من القانون رقم 252 لسنة 1960 بما يعصمها من النعى عليها بالاعتداء على الملكية الخاصة. كما يتضح من هاتين المادتين أنها لم ترهن بوجود ضرورة معينة وانما انيطت بلزوم العقار الخالى لحاجة وزارة التربية والتعليم أو الجامعات أو المعاهد التعليمية أو الهيئات المساهمة فى رسالة التعليم، وهذا المناط يضم فى اطاره كل حالة يلزم فيها العقار لحاجة الوزارة أو الجامعات أو المعاهد التعليمية أو الهيئات المساهمة فى رسالة التعليم أيا كان كنه الرابطة بينها وبين الوزارة ندرجا من مجرد الوصاية الإدارية طبقا لقانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 أو من محض الاشراف الدارى كما هو الشأن فى المدارس الخاصة طبقا لقانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981 وصعودا إلى مرتبة التبعية المطلقة بالنسبة للمعاهد الحكومية، كما أنه مناط يغير كل وجه من أوجه لزوم العقار الخالى سواء حدا ابتداء إلى الاستيلاء على العقار الخالى فعلا لرصده فى هذا الغرض وهو ما يعرض فى حالة صدور حكم قضائى واجب النفاذ بانهاء عقد استئجار العقار لذلك الغرض مما يصيره عقارا خاليا حكما بينما ظل لزومه قائما للغرض بقرار من السلطة المختصة قانونا وبناء على هذا السبب الصحيح المبرر له، ولا يعد قرار الاستيلاء فى هذه الحالة تعطيلا لتنفيذ الحكم القضائى الصادر بانهاء عقد الايجار ولا ينطوى على مساس بحجيته فى نطاقها وخاصة من حيث الخصوم والموضوع والسبب فيه إذ انطلق قرار الاستيلاء من صيرورة العقار خاليا بمقتضى الحكم القضائى فى نطاق حجيته ثم أحدث بأثر مباشر وضعا قانونيا جديدا خلاف الصلة بسابقة على سند مغاير هو الاستيلاء طبقا للقانون رقم 521 لسنة 1955 وللقانون رقم 252 لسنة 1960 لصالح مرفق التعليم وان انصب على ذات العقار فى مواجهة أصحابه رصدا له فى عين الغرض بناء على لزومه فى هذا الصدد، وهو لزوم تترخص الجهة الإدارية فى وزنه بمحض سلطاتها التقديرية ابتغاء الصالح العام. ولئن كان ما تقدم الا انه يتعين أن يخلو ذلك كله من التعسف فى استعمال السلطة بالا تكون الحاجة إلى الاستيلاء على العقار ناشئة عن خطأ من الجهة المستولى لصالحها ترتب عليه انهاء عقد الايجار، كما لو أخلت بالتزاماتها العقدية مما أسفر عن صدور حكم نهائى باخلائها من العقار نتيجة خطئها اذ يمتنع حينئذ اتخاذ حاجاتها إلى العقار مبررا للاستيلاء الذى لم يسن لتدارك خطئها أو لجبر تصرفها والا انحف القرار الصادر بالاستيلاء عم الغاية التى شرع لها قانونا.
ومن حيث أنه بتطبيق هذه الأحكام القانونية على وقائع المنازعة، يبين أنه ولئن كان القرار المطعون فيه بالاستيلاء على العقار المملوك للمطعون ضدهم صدر من السيد رئيس مجلس الوزراء وهو مختص بإصداره طبقا للتفويض الوارد فى القرار الجمهورى رقم 378 لسنة 1985، كما استند إلى القانون رقم 521 لسنة 195 والقانون رقم 252 لسنة 1960 بما يبرئه من الجور على الملكية الخاصة دون سند من القانون، ثم انطلق من صيرورة العقار خالي بمقتضى الحكم القضائى الواجب النفاذ باخلائه، وكذا لا يقدح فيه مجرد ابتنائه على لزوم العقار لحاجة مدرسة خاصة حسب الثابت من مذكرته الايضاحية، الا ان هذا اللزوم جاء وليد اخلال المستأجر صاحب المدرسة بالتزاماته العقدية باقامته منشآت تعرض المبنى الأصلى بالعقار للانهيار مما أفضى إلى صدور حكم نهائى شملت حجيته ما جاء فى حيثياته من قيامه على استعمال المستأجر للعقار بطريقة ضارة بسلامة المبنى، ولذا فانه لا يجوز اتخاذ هذه الحاجة الناشئة عن الخطأ شفيعا فى الاستيلاء على العقار لصالح ذات الجهة ليا للغاية من الاستيلاء المقرر قانونا على نحو يضم القرار المطعون فيه ويوفر ركن الجدية اللازم للقضاء بوقف تنفيذه، ونظرا لتوافر الركن الثانى وهو الاستعجال متمثلا فى تعرض المبنى الاصلى بالعقار للانهيار نتيجة المنشآت المستحدثة، فان الحكم المطعون فيه يكون قد صادف صحيح القانون اذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وان وجب حمله على الأسباب التى شيدتها هذه المحكمة لهذه النتيجة، ومن ثم فانه يتعين لقضاء برفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
اترك تعليقاً