حكم المحكم هل يجب ان يكسيه ((صيغة)) تنفيذ أم ((قوة)) التنفيذ؟؟
صيغة التنفيذ أم قوة التنفيذ
التي يجب أن تكسى بها أحكام المحكمين ؟
وفقاً لقانون التحكيم الجديد رقم /4/ لعام 2008 وقانون أصول المحاكمات
فلقد استخدم المشرع السوري ، في قانون التحكيم الجديد رقم /4/ لعام 2008 ، مصطلح «صيغة التنفيذ» في مواضع عدة ، نذكر منها :
– المادة 53 التي نصت على أن : « تتمتع أحكام المحكمين الصادرة وفق أحكام هذا القانون بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف ، أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً ، بعد إكسائها صيغة التنفيذ » .
– والمادة 54/آ التي نصت على أن : « يعطى حكم التحكيم صيغة التنفيـذ بقرار تتخذه المحكمــة
– والمادة 56/2 التي نصت على أنه : « لا يجوز إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ إلا بعد التحقق مما يلي : 1 – أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم السورية ، إلخ » …
ومن البديهي أن مثل هذه النصوص لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً ما لم نتبين المعنى الحقيقي المقصود من تعبير « صيغة التنفيذ » الوارد فيها . فما هو المقصود من هذا التعبير ؟
في البداية ، إذا ما رجعنا إلى قانون التحكيم الجديد المشار إليه أعلاه لوجدناه خالياً من أي نص يبين ماهية أو مقتضى أو مفردات هذه الصيغة ! وكذلك خلا من قبله قانون أصول المحاكمات !
وفي الواقع ، وكما هو معروف حقوقياً ، إن الصيغة التنفيذية لا تخرج عن كونها مجرد خطاب يحدد مضمونه ومفرداته القانون الوطني لكل دولة .
وينطوي هذا الخطاب عادة على أمر أو طلب يصدر عن السلطة المختصة في الدولة (وهي غالباً السلطة القضائية) موجه إلى المعنيين فيها (من مأموري تنفيذ ومساعدين عدليين ومحامين عامين ونيابة عامة ورجال الضابطة العدلية والسلطات العامة وغيرهم …) ،
يقضي بالعمل على تنفيذ مضمون الحكم أو السند الممهور بها وبالقوة عند الاقتضاء .
ففي التشريع الفرنسي ، مثلاً ، وفيما يتعلق بالفصل الخاص بالشروط العامة للتنفيذ الوارد في قانون أصول المحاكمات الفرنسي الجديد ، نصت المادة 502 على أنه : « لا يمكن أن يوضع موضع التنفيذ أي حكم أو سند إلا بناء على إبراز صورة ممهورة بصيغة التنفيذ ، ما لم ينص القانون على غير ذلك » .
ثم أتى المرسوم الخاص بالصيغة التنفيذية(2) (Decret relative a la formule executoire) ليبين ، في مادته الأولى ، مقتضى ومضمون هذه الصيغة ، فنص على أن : « صور القرارات والأحكام والأوامر القضائية ، وكذلك نسخ وصور العقود وكل الأسناد القابلة للتنفيذ الجبري … تنتهي بالصيغة التالية :
« بالنتيجة ، توكل وتأمر الجمهورية الفرنسية ، بناء عليه ، جميع مأموري التنفيذ(3) بوضع هذا القرار (أو هذا الحكم ، إلخ) موضع التنفيذ ، وعلى المحامين العامين ومحامي الجمهورية لدى المحاكم الابتدائية(4) ، المساعدة في ذلك ، وعلى كافة قادة وضباط القوة العامة، المؤازرة ولو باستخدام القوة إذا طلب منهم ذلك قانوناً … » .
وفي مصر ، التي كانت قد أخذت عن القانون الفرنسي الكثير من الأحكام الإجرائية ، نص المشرع في المادة 280 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لعام 1968 على أن : « … لا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية : « على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك » .
وبذات الشيء كان قد أخذ قانون المرافعات المصري القديم الذي أخذ عنه المشرع السوري أغلب قواعد الأصول باستثناء تلك المتعلقة بالتنفيذ(5) ! ولهذا السبب جاء ، باعتقادنا ، قانون
أصول المحاكمات السوري الصادر بالمرسوم 84 لعام 1953 خالياً من تعبير الصيغة التنفيذية ، واستعيض عنه ، من حيث المبدأ ، بتعبير آخر هو القوة التنفيذية .
فقد قضى المشرع السوري في المادة 273 من قانون أصول المحاكمات السوري(6) على أن : « التنفيذ لا يكون إلا لسند تنفيذي . الأسناد التنفيذية هي الأحكام والقرارات والعقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون قوة التنفيذ » .
فمن الواضح أن المشرع لم يتحدث ، في هذه المادة ، عن صيغة التنفيذ وإنما نص صراحة على قوة التنفيذ .
وكذلك الأمر ، إن النصوص المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات والأسناد الأجنبية ، الواردة أيضاً في قانون أصول المحاكمات(7) ، لم تأت مطلقاً على ذكر مصطلح « الصيغة التنفيذية » وإنما استخدمت حصراً مصطلح « الحكم بالتنفيذ » ؛ فمثلاً نصت المادة 306 على أن « الأحكام الصادرة في بلد أجنبي يجوز الحكم بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون البلد لتنفيذ الأحكام السورية فيه » .
ونفس المصطلح « الحكم بالتنفيذ » ، الوارد في هذا النص ، تكرر استخدامه في نصوص المواد : 307 و308 و309 و310 من نفس القانون …
وحتى بالنسبة للنصوص القديمة المتعلقة بالتحكيم الواردة في قانون أصول المحاكمات( (الملغاة بموجب القانون الجديد للتحكيم – م 64 -)(9) ، فهي لم تتضمن ، أيضاً ، تعبير « الصيغة التنفيذية » ؛ فعلى سبيل المثال نصت المادة 534 على أنه : « إذا صدر حكم المحكمين غير قابل للاستئناف أو كان قابلاً له وانقضى ميعاده لا يصير واجب التنفيذ إلا بقرار يصدره رئيس المحكمة التي أودع إليها ذلك الحكم بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة بناء على طلب أحد ذوي الشأن » .
من ذلك كله ، نخلص إلى أن المشرع السوري لم يأخذ ، في قانون أصول المحاكمات ، بمبدأ « الصيغة التنفيذية » ، بالنسبة للأحكام والقرارات والأسناد القابلة للتنفيذ الجبري ، ولهذا كان من الطبيعي أن لا يتضمن قانون الأصول ، في هذا الشأن ، أي نص يبين المفردات اللغوية لهذه الصيغة . وبالمقابل ، تبنى المشرع السوري صراحة ، في قانون أصول المحاكمات ، مبدأً آخر هو مبدأ « القوة التنفيذية » أو ما يمكن تسميته أيضاً بمبدأ « الحكم بالتنفيذ » كما بيناه أعلاه .
لذلك ، نرى أنه كان من الأنسب والأفضل لو استعمل المشرع في قانون التحكيم الجديد ، المصطلح أو التعبير ذاته الذي استعمله في قانون أصول المحاكمات ، وهو « القوة التنفيذية » أو « الحكم بالتنفيذ » ،
بدلاً من مصطلح « الصيغة التنفيذية » ، وذلك لانتفاء النص في قانون التحكيم وقانون أصول المحاكمات على أي مضمون أو مفردات لهذه الصيغة من جهة ، ولتحقيق الانسجام ، في هذا الصدد ، بين نصوص قانون التحكيم الجديد فيما بينها ، وفيما بينها وبين نصوص قانون أصول المحاكمات من جهة أخرى.
والجدير بالذكر ، أن الاستخدام الدارج
والمعتاد، من قبل الفقه والقضاء المحليين وربما من غيرهما (كما هو الحال في لبنان …) ، لمصطلح « دعوى إكساء الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين » (أو للأحكام والقرارات والأسناد الأجنبية …) ، لعله كان نتيجة التأثر بالقوانين المقارنة التي أخذت بهذا المبدأ ، كالقانون الفرنسي والقانون المصري كما أسلفنا أعلاه ..
ومع ذلك ، وفي محاولة لتبرير وفهم مثل هذا الاستخدام الدارج ، نرى أنه من المفيد الإشارة إلى التعريف الذي أعطاه يوسف نجم جبران(10) لمصطلح الصيغة التنفيذية ، الوارد في بعض مواد التنفيذ المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات اللبناني (والتي تشابه إلى حد كبير نصوص التنفيذ الواردة في قانون أصول المحاكمات السوري) ، الذي يقضي بأن : « الصيغة التنفيذية في لبنان ، هي عبارة يضعها كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم بذيل الحكم ، كالآتي : « صورة صالحة للتنفيذ أعطيت لمصلحة فلان ، أو نسخة طبق الأصل صالحة للتنفيذ سلمت لفلان » وإن الكاتب الذي يضع هذه العبارة يوقع بأسفلها ويختم بخاتم المحكمة التي أصدرت الحكم .
وإن عدم وجود هذه الصيغة يؤدي إلى البطلان واستحالة التنفيذ ، وإن هذا البطلان بطلان مطلق يمكن إثارته حتى لأول مرة استئنافاً ، لكن هذا البطلان لا يتناول الحكم نفسه إنما الصيغة وبالتالي التنفيذ …. »(11) .
إلا أننا نرى أنه لا يمكن ، من الناحية الحقوقية ، تبني ما ذهب إليه جبران بشكل مطلق ، واعتبار أن الصيغة التنفيذية هي نفسها العبارة التي يُذيل بها الحكم الواجب التنفيذ (صورة صالحة للتنفيذ أعطيت لمصلحة فلان ، أو نسخة طبق الأصل صالحة للتنفيذ سلمت لفلان …) ، لأن مثل هذه العبارات لا تنطوي على خطاب موجه إلى المعنيين من محامين عامين وغيرهم …
للعمل على تنفيذ مضمون الحكم الموشح بها ، ولأن المشرع السوري نص ، في موضع آخر ، صراحة على صيغة للتنفيذ في مجال القانون الإداري ، وذلك فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري ؛ فقد نص في المادة 36 من قانون مجلس الدولة رقم 55 عام 1959 على أن « الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون صورتها التنفيذية مشمولة بالصيغة الآتية : (على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه) ، وفي غير هذه الأحكام تكون الصورة التنفيذية مشمولة بالصيغة الآتية :
(على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك) » .
وكما هو معلوم ، إن قانون مجلس الدولة رقم 55 عام 1959 ، المشار إليه كان قد صدر في عهد الوحدة بين سورية ومصر (الجمهورية العربية المتحدة) ، الأمر الذي ، ربما يفسر انسجام وتناغم ما ورد به مع قانون المرافعات المصري ، لجهة الصيغة التنفيذية التي يجب أن توشح بهـــا الأحكام
… لتكون ، من حيث النتيجة ، صالحة للتنفيذ الجبري .
وفي الختام ، نخلص في ضوء ما تقدم إلى أن التسمية الصحيحة للدعوى المعنية في هذا الصدد هي دعوى إكساء حكم التحكيم القوة التنفيذية وليس الصيغة التنفيذية(12) .
لكن وعلى كل حال فإن مثل هذه الدعوى ، سواء سميت دعوى إكساء الصيغة التنفيذية أو منح القوة التنفيذية أو الحكم بالتنفيذ ، هي دعوى تقررت احترماً لمبدأ سيادة الدولة على أراضيها(13) ، وتهدف إلى رفع الأحكام التحكيمية الوطنية منها أو الأجنبية أو الدولية ، الملبية للشروط المنصوص عنها قانوناً(14) ، إلى مصاف الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني لجهة قابليتها للتنفيذ الجبري على الأرض الوطنية .
المحامي الدكتور
محمد سامر القطان
اترك تعليقاً