بحث ودراسة عن حكم عدم إنقاذ المصاب في حوادث السير في الفقه و القانون
الدكتور عماد الزيادات / كلية الشريعة – الجامعة الأردنية
ملخص
يدور هذا البحث حول موضوع ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير، ولهذه المسألة حالتان؛ الأولى: إذا كان تارك الإنقاذ غير متسبب بالحادث. الثانية: إذا كان تارك الإنقاذ متسبباً بالحادث، ولما لم يوجد نص شرعي في المسألة ولم يتطرق إليها الفقهاء المتقدمون عمد الباحث إلى التخريج على الفروع الفقهية الأقرب إلى المسألة مبيناً وجه الشبه ووجه الاختلاف بين المسألة المخرج عليها ومسألة البحث.
وقد توصل الباحث إلى وجوب الفصل بين جريمة الحادث وجريمة الامتناع عن ترك إنقاذ المصاب، فالأولى يكون الحكم فيها بناء على التكييف الفقهي لكل حادثة وتطبيق المبادئ العامة في الجنايات على الحادثة. أما الثانية فهي جريمة مستقلة يكون الحكم فيها عقوبة تعزيرية يترك لولي الأمر أو القاضي تقديرها حسب المصلحة وظروف الامتناع، إلا أنه يجب التشديد في العقوبة إذا كان الممتنع متسبباً بالحادث. وقد نص قانون السير الأردني رقم (49) لسنة (2008) على عقوبة الامتناع عن الإنقاذ في الفقرة (أ) من المادة (26) بشكل غير مباشر حيث رتب عقوبة على فرار السائق، ويلزم من فرار السائق ترك الإنقاذ، أما قانونا العقوبات المصري واللبناني كانا أوضح في دلالة النص القانوني على ترك الإنقاذ فكان تعبير قانون العقوبات المصري (النكول عن مساعدة من وقع عليه الحادث، أو طلب المساعدة له)، وعبر قانون العقوبات اللبناني بـ(عدم العناية بالمجني عليه)، وجعل كل من القانونين ترك الإنقاذ من الظروف المشددة في العقوبة، إلا أن القوانين الوضعية لم تفرق بين ترك الإنقاذ الذي تترتب عليه النتيجة، وترك الإنقاذ الذي لا بكون له أثر. والله ولي التوفيق.
مقدمة
نتيجة للتطور الحضاري الهائل الذي شهدته المدنية الحديثة انتشرت وسائل النقل انتشاراً واسعاً لا نظير له في الحضارات السابقة وتطورت بشكل مذهل، وكان لهذا التطور والانتشار الأثر الإيجابي الذي لا يخفى، إلا أنه يحتف بالكثير من المخاطر التي باتت تودي بحياة الناس، فرادى وجماعات، حتى أنه لا يمر يوم إلا وكان هناك حادث مؤسف أودى بحياة هذا أو ذاك، وإذا كانت هذه الضريبة لتطور وسائل النقل أمراً محتوماً، إلا أن ما يترك غصة في النفس قلة الوازع الديني عند بعض الناس حين يتسببون بحوادث سير ويتركون أنفساً بريئة من ورائهم تنزف حتى الموت، وكأنهم لم يسمعوا بقوله تعالى:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)[32: المائدة] أو حتى المارة الذين يشهدون بعض حوادث السير، أو يجدون نفساً ملقاة على قارعة الطريق لا حول لها ولا قوة مستنجدة صارخة بحاجة إلى الإنقاذ فيتركونها تجنباً للمساءلة القانونية، أو أن وقتهم لا يسمح بذلك.
لذا جاء هذا البحث ليتناول جوانب هذه المسألة من جوانبها المختلفة الشرعية والقانونية، مبيناً الحكم الشرعي لها وما يتبع ذلك من مسؤولية شرعية وقانونية تجاه الجاني.
وعند الحديث عن ترك المصاب في حوادث السير لا بد من التفرقة بين حالتين:
الحالة الأولى: أن لا يكون تارك الإنقاذ طرفاً بحادث السير، ومن صور هذه الحالة أن يجد شخص ما مصاباً في حادث سير على الطريق بحاجة إلى الإنقاذ مع القدرة على إنقاذه فيتركه.
الحالة الثانية: أن يكون تارك الإنقاذ طرفاً في الحادث، وتتمثل هذه الحالة بصورتين:
الصورة الأولى: أن يكون الحادث بين مركبتين، فيصاب من في إحداهما ويلوذ من في المركبة الأخرى بالفرار.
الصورة الثانية: أن يدهس سائق المركبة أحد المشاة ثم يلوذ بالفرار، وهذه الصورة من أكثر صور ترك إنقاذ المصاب انتشاراً.
وفيما يلي بيان لحكم كلا الحالتين في المبحثين التاليين:
المبحث الأول: حكم ترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك غير متسبب بالحادث.
المبحث الثاني: حكم ترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك متسببا بالحادث.
المبحث الأول حكم ترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك غير متسبب بالحادث
في بعض حوادث السير يترك المتسبب بالحادث المصاب دون إنقاذ أو تبليغ للجهات المختصة عنه من أجل إنقاذه، فيعثر عليه بعض المارة، وتجنباً للمساءلة القانونية أحياناً ولضعف الوازع الديني أحياناً أخرى يتركون إنقاذه مما يتسبب ذلك بوفاة المصاب أو لحوق الأذى الجسدي به، ومن المعلوم عظم حرمة النفس الإنسانية ومدى اعتناء الشرع بالحفاظ عليه، حتى صور القرآن الكريم أن إحياء هذه النفس بمنزلة إحياء الناس جميعاً، قال تعالى:(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[32: المائدة]، وقد أورد ابن كثير في أوجه تفسير هذه الآية أن المقصود بالإحياء الإنجاء من غرق أو حرق أو هلكة([1])، وجاء في الجامع لأحكام القرآن: “فإنه عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة، وإلا فالإحياء حقيقة الذي هو الاختراع إنما هو لله تعالى”([2])، فيدخل في ذلك إنقاذ المصاب في حوادث السير، لأنه إنقاذ من هلكة الموت.
وقد ذهب الفقهاء إلى وجوب إنقاذ الإنسان من الهلاك، فقد جاء في تحفة الملوك: “المضطر للطعام ومن اشتد جوعه، وعجز عن كسب قوته، يجب على كل من علم بحاله إطعامه”([3])، وجاء في حاشية الدسوقي: “واعلم أنه يجب تخليص الْمُسْتَهْلَكِ من نفس أو مال لمن قدر عليه ولو بدفع مال”([4])، وفي روضة الطالبين: “وإن لم يكن المالك مضطراً، لزمه إطعام المضطر؛ مسلما كان أو ذميا، أو مستأمنا، وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال، على الأصح”([5])، وفي المبدع: “وإن لم يكن صاحب الطعام مضطراً إليه، لزمه بذله، لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم، فلزمه بذله”([6])، فهذه الجملة من النصوص تدل على وجوب إغاثة المضطر وإنقاذه من كل مهلك من غرق أو حريق أو نحو ذلك([7])، ويدخل في ذلك وجوب إنقاذ المصاب في حوادث السير وإن لم يكن من وجب عليه الإنقاذ متسبباً بالحادث.
فإذا كان إنقاذ المصاب واجباً شرعياً، فإن تركه يستوجب الإثم والعقوبة الآخروية، أما الحكم القضائي فقد اختلف فيه الفقهاء([8]) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الحنفية([9]) والشافعية([10]) إلى القول بعدم وجوب الضمان على تارك إنقاذ المضطر إذا أدى ترك الإنقاذ إلى موته، وعليه لا يضمن من ترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك لم يتسبب بالحادث.
القول الثاني: ذهب المالكية([11]) والظاهرية([12]) إلى القول بوجوب الضمان على من ترك إغاثة المضطر مما يلزم عنه وجوب الضمان على من ترك المصاب في حادث السير وإن لم يكن متسبباً بالحادث.
ثم إن المالكية ذهبوا إلى أن الضمان يكون بالقصاص إذا تبين أن الممتنع قصد بامتناعه قتل من كان بحاجة إلى عونه وهذا محل اتفاق عندهم([13]). أما إذا لم يقصد قتله بالامتناع. فقد اختلفوا في نوع الضمان، فذهب بعضهم إلى أن الضمان يكون قصاصاً([14])، وذهب آخرون إلى أن الضمان يكون بإيجاب الدية([15]).
ومما قال به المالكية في هذه المسألة أيضاً بأن الممتنع إذا كان متأولاً بامتناعه لزمته الدية، أما إذا لم يكن متأولاً فيجب عليه القصاص([16]).
أما عند الظاهرية فقد فصل ابن حزم المسألة على النحو التالي:” أَن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم، ولا يمكنه إدراكه أصلاً، حتى يموت، فهم قتلوه عمداً، وعليهم القود، بأن يمنعوه -أي- يمنعوا الماء حتى يموتوا كثروا أو قلوا، ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره، ولا من لم يمكنه أن يسقيه.
فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ، وعليهم الكفارة، وعلى عواقلهم الدية”([17]).
وبناء على ما ذهب إليه ابن حزم فإن من ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير ينظر في حاله، فإن كان يعلم أنه لا منقذ لهذا المصاب إلا هو، أو يغلب على ظنه أنه إذا لم ينقذه يموت يكون تركه للإنقاذ هنا من قبيل القتل العمد المستوجب للقصاص، ولا يدخل في ذلك من لم يمكنه الإنقاذ، أما إذا كان من ترك الإنقاذ يقدر بأن المصاب سيجد من ينقذه إلا أنه مات قبل أن يتيسر ذلك، فيكون الترك هنا بمنزلة القتل الخطأ، فيجب على تارك الإنقاذ الكفارة، وعلى عاقلته الدية.
القول الثالث: ذهب الحنابلة إلى القول بوجوب الضمان إذا طلب المضطر المساعدة والعون، وإلا لم يجب الضمان على تارك الإغاثة([18]).
الأول: وجوب الدية في مال تارك الإغاثة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، لأن تارك الإغاثة تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالباً([19]).
الثاني: وجوب الدية في مال العاقلة، وهو قول القاضي، لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد([20]).
وعلى هذه المسألة خرج أبو الخطاب كل ترك إنقاذ فيه فوات للنفس([21])، لاشتراكهما في القدرة على سلامته، وخلاصه من الموت([22])، فقد جاء في المغني: “وكذلك كل من رأى إنسانا في مهلكة، فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك، لم يلزمه ضمانه، وقد أساء. وقال أبو الخطاب: قياس المسألة الأولى وجوب ضمانه، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب”([23]).
وخالف في ذلك بعض الحنابلة، وأجابوا عن تخريج أبي الخطاب بأنه في مسألة “منع الطعام” منعه منعاً كان سبباً في هلاكه، فيضمنه بفعله الذي تعدى به، أما ترك الإنقاذ بشكل عام كأن يهلك في الماء، أو النار وما شابه ذلك فإن الممتنع عن الإنقاذ لم يكن منه شيء ينسب إليه الهلاك، وصار كمن لم يعلم([24]). وعليه يكون ترك الإنقاذ في حوادث السير مستوجباً للضمان عند أبي الخطاب بخلاف من خالفه من الحنابلة.
والحق أن يتساوى كل ترك إنقاذ أدى إلى فوات نفس، لأن كل تارك له لم يصدر منه فعل حقيقي، وإنما في كل الحالات وجد شخص بحاجة إلى الإنقاذ امتنع عنه القادر عليه مما أدى إلى فوات نفس، فكان الموقف واحداً والنتيجة واحدة، فيستوي الحكم، وإذا قلنا بصحة التخريج في هذه المسألة فإنه يلزم عنه وجوب الضمان على تارك الإنقاذ في حوادث السير عند الحنابلة.
الأدلة ومناقشتها:
أدلة الفريق الأول (القائلون بوجوب الضمان على تارك الإنقاذ):
1- قوله تعالى:(فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[194: البقرة].
وجه الدلالة من الآية الكريمة([25]): أن من كان قادراً على إنقاذ مسلم، فتعمد أن لا يفعل إلى أن مات فأنه يكون قد اعتدى عليه، وإذا اعتدى فالواجب بنص القرآن أن يرد الاعتداء بمثله، ولما أدى الاعتداء هنا إلى موت المعتدى عليه، فيكون الواجب القصاص من المعتدي، ليتحقق رد الاعتداء بمثله، ويقول ابن حزم في ذلك: “وبيقين يدري كل مسلم في العالم أن من استقاه مسلم، وهو قادر على أن يسقيه، فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشاً، فإنه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة، وإذا اعتدى فواجب بنص القرآن أَن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به، فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه”([26]).
ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الإنسان حتى يوصف بالاعتداء لا بد أن يكون قد صدر منه تصرف إيجابي سواء أكان هذا التصرف فعلاً أم قولاً، ولا يوصف بالاعتداء لمجرد امتناعه، لأن الاعتداء هو وصف للأفعال والأقوال، والممتنع ليس بفاعل حتى يوصف بأنه معتدي([27]).
2- ما روي عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له. قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له. ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل”([28]).
وجه الاستدلال من الحديث الشريف: أن الشريعة الإسلامية أوجبت التعاون بين المسلمين، وبالتالي يجب على المسلم أن يفعل كل ما فيه إنقاذ للنفس البشرية أو دفع الأذى عنها، فمن رأى إنساناً متعرضاً للأذى فعليه أن يعمل كل ما في طاقته لمنع الأذى عنه([29])، ويدخل في ذلك دفع الأذى عن المصاب في حادث السير بإنقاذه.
يجاب عن هذا الاستدلال: بالتسليم بوجوب التعاون بين المسلمين لقوله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[2: المائدة]، إلا أنه لا يسلم لهم بأن ترك التعاون يلزم عنه العقوبة القضائية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب التعاون على البر والتقوى، ومع ذلك لا يعاقب تاركه بعقوبة قضائية، وإن كان آثماً، وكذلك الصدقات المندوبة فإنها من باب التعاون، ولا يعاقب تاركها بعقوبة قضائية.
3- ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله”([30]).
وجه الاستدلال من الحديث: بين الحديث أن الإنسان يعاقب على القتل وإن لم يباشره، بل يكفي أن يقوم بدور بسيط جداً قد عُبر عنه الحديث ب (شطر كلمة)، والتعبير بشطر الكلمة ليس مقصوداً بذاته بل المقصود أن الإنسان يكون آيساً من رحمة الله تعالى وإن كان إسهامه في جريمة القتل بسيطاً جداً لدرجة أنه يكاد أن لا يذكر، فإذا كان هذا حال من أعان بشطر كلمة، فما بالك بمن ترك إنقاذ المصاب مع القدرة على الإنقاذ.
ويجاب عن هذا الحديث من وجهين:
الأول: القول بتضعيف الحديث، فقد قال ابن حجر فيه: “ابن ماجة من حديث الزهري عن سعيد بن المسيبِ عن أبي هريرة ورواه البيهقي وفي إسناده يزيد بن زياد وهو ضعيف وقد روي عن الزهري معضلا أخرجه البيهقي من طريق فرج بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه وفرج مضعف وبالغ بن الجوزِي فذكره في الموضوعات لكنه تبع في ذلك أبا حاتم فإنه قال في العلل إنه باطل موضوع”([31]).
الثاني: وعلى فرض القول بصحة الحديث فإنه لا يصلح للاستدلال به على المسألة؛ لأن الحديث بين أن الوعيد الشديد لمن أعان ولو بشطر كلمة، والإعانة بشطر الكلمة هو فعل إيجابي والفعل الإيجابي إذا أدى إلى الجريمة أو أسهم في حصولها لا خلاف في إيجابه للعقوبة، والممتنع لم يصدر منه فعل أو قول ليوصف بأنه أعان على الجريمة، فلا ينسحب حكم الحديث عليه.
4- ما روي أن رجلاً أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فأغرمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية”([32]).
وجه الدلالة من الأثر: يدل الأثر صراحة على وجوب الضمان على الممتنع عن إنقاذ العطشان، فيقاس ترك الإنقاذ في حوادث السير على ترك الإسقاء لأن الامتناع في كلا الحالين يؤدي إلى الموت.
ويجاب عن هذا الأثر بما يأتي: أن الأثر قول أو فعل لصحابي، وحجية قول الصحابي محل خلاف بين الفقهاء([33])، وليس في فعل عمر رضي الله عنه ما يدل على أنه محل وفاق بين الصحابة، كما أنه ليس أمراً توقيفياً ليقال أن عمر رضي الله عنه لم يقل به باجتهاده.
أدلة الفريق الثاني (القائلون بعدم وجوب الضمان على تارك الإنقاذ):
استدل الشافعية – وهم الذين نصوا على نفي الضمان عن تارك الإنقاذ صراحة – بأن تارك الإنقاذ لم يكن منه ما يوجب الضمان([34]).
فالشافعية وإن كانت النتيجة عندهم واحدة وهي إزهاق الروح، إلا أنهم يفرقون في السبب المؤدي إلى هذه النتيجة، فلكي يكون القتل مستوجباً العقاب فلا بد أن يكون بفعل إيجابي، أما مجرد اتخاذ الموقف السلبي فلا يجعل من تارك الإنقاذ متسبباً بالجناية، وبالتالي لا ينسب القتل إليه، ومما يؤكد هذا ما جاء في العزيز: “وإن منع منه الطعام، فمات جوعاً، فلا ضمان عليه، لأنه لم يحدث منه فعل مهلك”([35])، فعلق الشافعية نسبة القتل إلى القاتل على ذات الفعل، فلما لم يكن من تارك الإنقاذ فعل إيجابي لم تنسب الجريمة إليه، وبالتالي لا عقاب عليه، وهذا إن كان قاصداً لهذا الترك، فقد جاء في الحاوي الكبير ما نصه: “فمالك الطعام عاص بالمنع، ومعصيته إن أفضت إلى تلف المضطر، لكن لا يضمنه بقود ولا دية”([36])، ولا يكون عاصياً إلا إذا كان قاصداً.
وهذا الاستدلال من الشافعية يلتقي مع منهج الحنفية في جرائم الامتناع، إذ ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنَّ مجرد الترك لا يعد سبباً موجباً للضمان، ويظهر هذا في مسألة الحبس ومنع الطعام([37])، حيث أسقط الإمام القصاص والدية عن الجاني رغم وجود فعل إيجابي منه وهو الحبس، ونسب الموت إلى الجوع والعطش، ونفاه عن الجاني، ولم يرتب عليه ضمان تلف النفس، فإذا كان الأمر كذلك عند الإمام أبي حنيفة مع وجود الفعل الإيجابي فهو من باب أولى عند عدمه، فيلتقي كل من الحنفية والشافعية في أن سقوط الضمان عن تارك الإنقاذ هو عدم وجود فعل إيجابي من الجاني يمكن نسبة الموت أو الأذى إليه.
ويجاب عن هذا الاستدلال: بعدم التسليم بأن تارك الإنقاذ لم يكن منه ما أدى إلى وقوع الجريمة؛ لأن النتيجة الجرمية في جرائم الامتناع ارتبطت بترك الإنقاذ، فإذا ترك الشخص إنقاذ المصاب أدى ذلك إلى فوات نفسه، وإذا أنقذه أبقى على حياته، فالإبقاء على النفس متوقف هنا على الإنقاذ، فيكون ترك الإنقاذ سبباً للموت أو حصول الأذى الجسدي، ومن ثمَّ يكون من باب القتل بالتسبب.
ويجاب عن هذا الاستدلال كذلك بعدم التسليم بربط الجريمة بالفعل الإيجابي فقط، لأن المهم في الجريمة تحقق الركن المادي سواء تحقق بفعل إيجابي أو باتخاذ موقف سلبي، فإن تحقق الركن المادي وكان الجاني مسؤولاً وجبت العقوبة([38]).
ومن الممكن الرد على هذه المناقشة: بأننا لو سلمنا جدلاً بأن ترك الإنقاذ سبب لحصول الموت أو الأذى الجسدي، إلا أنه لا يستوجب عقوبة القتل (القصاص، أو الدية) لعدم التعدي، فتارك الإنقاذ غير متعد([39]).
ويجاب عن هذا الرد([40]): بأن الاعتداء يتحقق بالامتناع كما يتحقق بالفعل، وهذا ما قرره الحنفية والشافعية حين أجازوا مقاتلة مانع الطعام عن المضطر([41])، فلو لم يكن متعدياً لما أجازوا مقاتلته.
أدلة الفريق الثالث (القائلون بترتيب الضمان على التارك إذا طلب المضطر المساعدة):
فرق الحنابلة بين طلب المضطر للطعام والماء، فرتبوا الضمان في هذه الحالة، وبين عدم الطلب فلم يرتبوا الضمان([42])، ومستندهم في ذلك: أن الضمان منوط هنا بالمنع، ولا يوصف الإنسان بالامتناع إلا إذا طلب منه أن يفعل فأبى، أما إذا لم يطلب منه، فلا يكون ممتنعاً([43])، وإذا لم يكن ممتنعاً لم يكن متسبباً في هلاك المضطر([44]).
ويستند من فرق من الحنابلة بين مسألة منع الطعام والماء وغيرها من مسائل ترك الإنقاذ فلا يوجبون الضمان على من ترك الإنقاذ في غير مسألة منع الطعام والماء إلى أن من منع الطعام منعه منعاً كان سبباً في الهلاك، فيضمنه بفعله الذي تعدى به، أما ترك الإنقاذ بشكل عام كأن يهلك في الماء، أو النار وما شابه ذلك فإن الممتنع عن الإنقاذ لم يكن منه شيء ينسب إليه الهلاك، وصار كمن لم يعلم([45]).
فيتبين مما سبق أن الحنابلة يلتقون مع الحنفية والشافعية في هذا التعليل، فيجاب عليهم بما أُجيب به عن دليل الحنفية والشافعية.
الرأي الراجح:
تبين عند عرض الأدلة ومناقشتها أن الفريق القائل بوجوب الضمان هو فقط الذي استدل بأدلة نقلية، وهي من القرآن الكريم والسنة النبوية والآثار، أما الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية فهي أدلة عامة ليست نصاً في المسألة وقد دفع الاستدلال بها في المناقشة، فضلاً عن أن الحديث الذي روي عن أبي هريرة حديث ضعيف، بل نسبه ابن الجوزي إلى الأحاديث الموضوعة.
أما الأدلة النقلية التي كانت نصاً في المسألة فهو الأثر الذي نقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو لا يخرج عن كونه فعلاً لصحابي في مسألة اجتهادية لم ينقل إلينا إجماع الصحابة عليها أو حتى عدم المخالفة له فيها.
وسائر ما استدلت به المذاهب الفقهية هو من قبيل الأدلة العقلية وقد وجهت الاعتراضات إلى كل منها.
لذا فإنني أرى أن الرأي الراجح في المسألة هو القول بأن الأصل عدم الضمان على تارك إنقاذ المصاب في حوادث السير لما يأتي:
1. إن القول بوجوب الضمان يعني القول بوجوب القصاص أو الدية، وهذا يعني أن تارك الإنقاذ قاتل، وهذا المعنى لا يستقيم، لأن القتل يكون بالمباشرة أو التسبب، ومن المعلوم بداهة أن ترك الإنقاذ ليس قتلاً مباشراً؛ لأن التارك أو الممتنع لم يباشر فعلاً ليوصف بالمباشرة، ولا يمكن اعتباره من قبيل القتل بالتسبب؛ لأن القتل بالتسبب لا بد له من سبب يقوم به الجاني بحيث تنسب الجريمة إلى ذلك السبب، كحفر حفرة في الطريق يسقط فيها المجني عليه، أو حبس شخص ومنعه الطعام والشراب إلى أن يموت، فحفر الحفرة والحبس مع منع الطعام والشراب هي الأسباب المؤدية إلى الجريمة، قام بها الجاني فتكون هنالك علاقة بين الجاني والنتيجة الجرمية، وهذه العلاقة كافية؛ لأن تنسب الجريمة إلى الجاني، بخلاف الترك المحض.
2. أنه ليس من المنطق أن ننسب الجريمة إلى الشخص الذي يترك إنقاذ شخص مصاب بحادث سير كان غيره قد تسبب به، بل الأصل أن ننسب الجريمة إلى مرتكب الحادث، وليس من المستساغ أيضاً أن نجعله شريكاً في الجريمة؛ لأن امتناعه مستقل عن فعل مرتكب الحادث.
3. أن الأثر الذي ورد عن عمر بن الخطاب والذي هو نص في الامتناع المحض يمكن حمله على الامتناع عن تقديم الماء والطعام على وجه الخصوص دون غيره من أنواع الامتناع لما يأتي:
– إن الامتناع في الأثر كان عن تقديم الماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار”([46])، وفي رواية: ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار”([47])، ففي ذلك دلالة على أحقية المضطر بالماء الذي منع منه، فيكون قد منع حقه، فإذا أدى ذلك إلى فوات نفسه وجب ضمانها.
– قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن منع فضل الماء بقوله: “لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ”([48])، فلعل سيدنا عمر رضي الله عنه قال بوجوب الدية لوجود النهي الصريح عن منع فضل الماء.
– في مسألة منع الطعام والماء تكون حياة المضطر متوقفة على الماء والطعام الذي بيد الغير، لذا لا يصح المنع، فيكون الموت بسبب الجوع والعطش الذي لم يرفعه الممتنع، وهذا بخلاف مسألة حادث السير وما شابها من المسائل؛ لأن حياة المصاب غير متوقفة على الإنقاذ لأن المصاب قد يموت مع الإنقاذ والسبب في الموت هو ذات الحادث.
4. يجب النظر عند بناء الأحكام إلى الواقع الذي نعيشه والظروف المحتفة بالواقعة من عدة جوانب:
أولاً: إن حوادث السير تكون على الطرقات وهي غالباً ما تكون مكتظة بالمارة ومن ثمَّ إذا ترك أحد الأشخاص إنقاذ المصاب فأنه ليس من العسير أن يتيسر له من يقوم بإنقاذه، ومن ثمَّ لم يتعين عليه الإنقاذ.
ثانياً: إن الشخص المنقذ في الواقع الذي نعيشه يتعرض للمساءلة القانونية فيتحمل الكثير من العناء([49])، مما يجعل الناس يتركون الإنقاذ ليس من باب التخاذل والتعمد إلى الأذى وإنما تجنباً لهذه المساءلة.
ثالثاً: أحياناً يكون الإنقاذ من عامة الناس ذا أثر سلبي على المصاب خاصة إذا كانت الإصابة عبارة عن كسور أو إصابة في العمود الفقري وما شابه ذلك.
فأرى أن ترك الإنقاذ مع وجود هذه الظروف لا يوجب الضمان على تاركه.
وإذا قلنا بعدم الضمان على تارك الإنقاذ في حوادث السير فلا يعني ذلك بأنه معفى من الإثم الأخروي؛ لأنه قصر يد العون عن أخيه المسلم الذي هو بأمس الحاجة مخالفاً بذلك قوله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [2: المائدة]، وأهدر نفساً قال الله تعالى فيها:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[32: المائدة].
ولولي الأمر أن يقيم على تارك الإنقاذ عقوبة تعزيرية([50])، تتناسب مع الأذى الذي ترتب على ترك الإنقاذ لا تصل إلى حد الضمان، فلا تكون قصاصاً ولا دية، وإنما قد تكون بالحبس أو الغرامة المالية…؛ لأن تركه أدى إلى الإسهام بتفويت نفس معصومة.
وهذه العقوبة التعزيرية يجب التشدد بها؛ لأن ترك الإنقاذ ربما يؤدي إلى فوات نفس أو عضو أو تسبيب عاهة للشخص المصاب، ولا يخفى عظيم ضرر ذلك، ويجب أن يشدد في هذه العقوبة التعزيرية أكثر إذا كان تارك الإنقاذ ممن يجب عليه الإنقاذ قانوناً بحكم طبيعة العمل كترك الإنقاذ من قبل العاملين في أجهزة الدفاع المدني أو قوات الأمن العام، أو من الحرس المكلف بحماية بعض الناس، وكان الترك متعمداً، لأن تارك الإنقاذ في هذه الحالة مكلف شرعاً وقانوناً بالإنقاذ، بحكم عمله ووظيفته، ويتقاضى على ذلك أجراً، فهو أجير للدولة للقيام بهذا العمل، وقد أخل بالتزامات العقد.
أما عن موقف القانون فيما يتعلق بترك إنقاذ المصاب بحادث السير إذا كان تارك الإنقاذ غير متسبب بالحادث، فليس في قانون العقوبات الأردني، أو في قانون السير نص يجرم ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير إذا لم يكن الممتنع عن الإنقاذ متسبباً بالحادث، ومن ثمَّ لو ثبت أن شخصاً ترك إنقاذ المصاب في هذه الحالة فلا تلحقه مسؤولية قانونية، بل أنه في حالة الإنقاذ يتعرض لبعض الإجراءات الأمنية، مما أدى هذا إلى أن كثيراً من الناس يتركون إنقاذ المصاب إذا وجد على قارعة الطريق، تجنباً لهذه الإجراءات والتحقيقات الأمنية.
ولعل السبب في عدم تجريم الامتناع عن إنقاذ المصاب في حوادث السير إذا لم يكن تارك الإنقاذ متسبباً بالحادث اشتراط القانون لاعتبار الامتناع جريمة توافر الواجب القانوني([51])، أي أن يكون تارك الإنقاذ محملاً بواجب قانوني يتعارض مع موقفه السلبي، لأن تخلف الواجب القانوني يجعل الأمر لا يخرج عن مجرد ترك للواجبات الأدبية أو الأخلاقية([52])، وترك الواجبات الأدبية والأخلاقية لا يُسأل عنه الشخص قضائياً وإن كان مخالفاً لمبادئ الرحمة الإنسانية([53])، فالقانون لا يحفل إلا بما يقره من التزامات، وإن كان الدين والأخلاق يأمران الإنسان بنجدة الغير، وتقديم المساعدة والعون له، إلا أن القانون لم يحكم بوجوب ذلك، ومن ثمَّ لا يكون الشخص ملزماً بواجب قانوني عند اتخاذه الموقف السلبي، مما يترتب عليه أن لا يسأل عن امتناعه قضاء، حتى ولو لم يلحقه ضرر فيما لو سلك الموقف الإيجابي، فمن شاهد طفلاً يعبث بأسلاك الكهرباء فلم يحذره أو ينهره أو يمنعه، فصعقه التيار الكهربائي فمات، فلا يعد المشاهد له قاتلاً؛ لأن القانون لم يرتب عليه التزاماً بردع الطفل عن ذلك([54]).
المبحث الثاني حكم ترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك متسببا بالحادث
عند الحديث عن حكم ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير إذا كان التارك متسبباً بالحادث لا بد من التفرقة بين حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون المتسبب بحادث السير متعمداً حصول الحادث، أي أنه توفر لديه القصد لقتل المجني عليه، أو إصابته ففي هذه الحالة لا يبحث عن حكم ترك الإنقاذ، لأنه من غير المتصور أن يتوفر لدى الجاني قصد الجريمة، ثم يسأل عن ترك إنقاذ المجني عليه، وإنما يكون سؤاله عن ذات الجريمة وقصده إياها.
الحالة الثانية: أن لا يكون المتسبب في الحادث متعمداً الجريمة، وإنما حدثت بغير قصد، كأن يفاجأ السائق بأحد المشاة أمام المركبة فيصدمه، وفي هذه الحالة يفرق بين صورتين:
الصورة الأولى: أن يؤدي الحادث إلى الوفاة أو الإصابة مباشرة، وهذه الصورة خارجة عن نطاق البحث، لأنه لا مجال للإنقاذ، أو لأن ترك الإنقاذ في حد ذاته لم يترتب عليه ضرر.
الصورة الثانية: أن لا يؤدي الحادث إلى الوفاة أو الإصابة مباشرة، بحيث يكون هنالك من الوقت ما يمكن به إنقاذ المصاب، إلا أن المتسبب بالحادث يتركه مما يؤدي ذلك إلى مفارقته الحياة، أو إصابته، فتكون الوفاة أو الإصابة قد نتجت عن عدم الإنقاذ، وهذه الصورة هي محل البحث في هذا المبحث.
وعند إنعام النظر في هذه الصورة نجد أنها تتكون من عنصرين:
الأول: موقف إيجابي وهو ذات الحادث أو واقعة الدهس، إلا أنه حصل بغير قصد وعمد.
الثاني: موقف سلبي وهو ترك إنقاذ المصاب، وهو ترك متعمد ومقصود.
لذا ذهب بعض الباحثين([55]) المعاصرين إلى اعتبار هذه الجريمة من الجرائم السلبية التي اجتمع فيها الفعل الإيجابي مع الموقف السلبي، حيث قسموا الجرائم السلبية أو جرائم الترك إلى قسمين؛ الأول: جرائم الترك التي يجتمع فيها الإيجاب والسلب. الثاني: جرائم الترك المحضة، مقتفين في ذلك الإمام أبا زهرة([56])، وجعلوا ترك إنقاذ المصاب من الأمثلة على الجرائم السلبية التي يجتمع فيها الإيجاب والسلب، ثم بنوا حكم المسألة على فرع فقهي عند الفقهاء وهو حبس إنسان في بيت ومنع الطعام عنه إلى أن يموت.
ويمكننا أن نسجل الملاحظات الآتية على ما ذهبوا إليه:
أولاً: لا ضير أن تكون مسألة البحث مثالاً على الجرائم السلبية المسبوقة بفعل إيجابي، لتحقق العنصرين فيها وهما الفعل الإيجابي المتمثل بحادث الدهس، والموقف السلبي المتمثل بترك إنقاذ المصاب.
ثانياً: إن تخريج هذا المسألة على الفرع الفقهي السابق الذي ذكره الفقهاء في مصنفاتهم تشوبه عدم الدقة لما يأتي:
1. إن الفعل الإيجابي الذي دخل في تكوين الجريمة السلبية في كلا المسألتين مختلف من حيث القصد إليه، ففي المسألة موضع البحث كان الفعل الإيجابي غير مقصود، بينما في المسألة التي ذكرها الفقهاء كان الفعل الإيجابي مقصوداً، حيث إن حادث السير غير متعمد، بينما في مسألة منع الطعام فإن الفعل الإيجابي وهو الحبس كان مقصوداً ومتعمداً، وشتان بين العمد وغير العمد في الجنايات، ولعل تعمد الفعل الإيجابي في مسألة منع الطعام هو الذي حمل جمهور الفقهاء من المالكية([57]) والشافعية([58]) والحنابلة([59]) إلى القول بوجوب القصاص، وفق الشروط التي قرروها في هذه المسألة.
وقد يكون الأقرب إلى هذا الفرع فيما لو أن الحادث كان متعمداً ثم ترك الجاني المصاب إلى أن مات، فيكون الفعل الإيجابي مقصوداً في كلا المسألتين، فيصح التخريج.
2. العلاقة بين الفعل الإيجابي والموت مختلفة في كلا المسألتين، ففي المسألة موضع البحث كان للفعل الإيجابي الأثر الواضح في حصول الموت، لأن الموت قد يكون ناتجاً عن نزيف مثلاً، والنزيف متسبب عن ذات الحادث، فيكون ترك الإنقاذ عاملاً مساعداً في حدوث الموت، أما في الفرع الذي ذكره الفقهاء فإن الموت متسبب عن الجوع أو العطش الناتج عن ترك الإطعام والإسقاء، فيكون لترك الإطعام الأثر الأكبر في الموت لا للفعل الإيجابي وهو الحبس.
ومن ثمَّ فإنني أرى أن سحب حكم مسألة منع الطعام على مسألة ترك الإنقاذ في حادث السير بشكل مطلق بحاجة إلى إعادة النظر فيها، لأن الفعل الإيجابي في حادث السير -وهو عملية الدهس- هو الذي أدى إلى الموت أو الإصابة لا مجرد ترك الإنقاذ فتكون العلاقة بين الحادث والموت هي علاقة المباشرة، لأن المباشرة ما أثر في التلف وحصله أي ما جلب الموت بذاته دون واسطة وكان علة له([60])، وحادث السير هو المؤثر المباشر في الموت فينسب الموت له. ومن جهة أخرى لم يتوفر القصد الجنائي لدى المتسبب، لأن سائق المركبة -في الصورة المفترضة- لم يتعمد الدهس، وإنما وقع الحادث لعدم تحرزه، أو لإهماله، أو لسبب آخر لم يقصد منه القتل. ومن ثمَّ، يكون القتل في هذه الصورة ليس من قبيل القتل العمد، والقتل إذا لم يكن متعمداً فإن أكثر ما يجب فيه الدية وعقوبات تبعية أخرى كالكفارة، لأنه لا يخرج عن كونه شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجرى الخطأ([61])، ويرجع في تحديد نوع القتل الحاصل بحادث السير وتقدير الضمان الواجب فيه إلى تكييف الحادث، وبيان مدى مسؤولية السائق، وهل القتل أو الإصابة حصلت بالمباشرة أم التسبب، وهذا يستدعي النظر في كل حادث سير بشكل مستقل ومن ثم تطبيق القواعد العامة في الجنايات عليه([62]).
أما خرج على قول الإمام أبي حنيفة([63]) من سقوط الضمان عن السائق بناء على مسألة الحبس ومنع الطعام([64])، فهذا أيضاً ليس على إطلاقه، إنما الفيصل في ذلك هو التكييف الفقهي لحادث السير والفرق بين المسألتين عنده أنه في مسألة الحبس ومنع الطعام أن الموت حصل بالجوع والعطش لا بالحبس، ولا صنع لأحد بالجوع والعطش([65])، فلا ينسب الموت إلى الحابس. بينما في مسألة حادث السير فإن الموت حصل بذات الحادث، والحادث من صنع السائق. فينسب الموت إليه، وإذا نسب الموت إليه وجب التكييف الفقهي للحادث وبيان مدى مسؤولية السائق، ومن ثمَّ تجب التفرقة في حكم المسألتين عنده.
وعلى الرغم من أن الموت حصل نتيجة للحادث إلا أنه يوجد عامل آخر ساهم في موت المصاب وهو تعمد ترك الإنقاذ مع القدرة عليه، فهل اقتران هذا العامل بالحادث غير المقصود موجب للقصاص؟
فعند الحنفية فإن اقتران تعمد ترك الإنقاذ بالحادث غير المقصود لا يوجب القصاص، لأنهم لا يوجبون القصاص على الجاني في الجرائم المكونة من فعل إيجابي وموقف سلبي وإن كان الفعل الإيجابي متعمداً فمن باب أولى إذا لم يكن متعمداً، ويظهر ذلك في مسألة الحبس ومنع الطعام، إذ ذهب الحنفية إلى عدم وجوب القصاص على من حبس آخر ومنع عنه الطعام والشراب إلى أن مات بل يجب عليه الدية عند الصاحبين، والتعزير عند الإمام أبي حنيفة([66])، وهذا مع تعمد الأمرين؛ الموقف الإيجابي وهو الحبس، والموقف السلبي وهو ترك الإطعام، فإذا تحقق العمد في الموقف السلبي في كلا المسألتين، بأن تعمد السائق ترك الإنقاذ في حادث السير، وتعمد الحابس ترك الإطعام، فإن العمد لم يتحقق في الموقف الإيجابي في المسألتين، لأن السائق لم يتعمد وقوع الحادث، بينما تعمد الجاني الحبس في مسألة منع الطعام، فإذا لم يوجب الحنفية القصاص في حال وقوع العمد في شقي المسألة فمن باب أولى عدم وجوبه إذا انحصر العمد في أحد شقيها.
وعند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية- وهم الذين أوجبوا القصاص في جرائم الترك المركبة من فعل إيجابي وموقف سلبي([67])، أو جرائم الترك المحض([68]) نجد أن قياس مذاهبهم في مسألة حادث السير على النحو الآتي:
1. عند المالكية: يشترط المالكية لوجوب القصاص بشكل عام توافر القصد إلى الفعل الذي أدى إلى الموت وإن لم يقصد الجاني حصول القتل([69])، والفعل الذي أدى إلى الموت في حادث السير هو الدهس ولم يكن مقصوداً، فلا يوجب حادث السير بذاته القصاص. أما الترك على وجه الخصوص فقد اختلفوا في القصد إليه؛ فقال بعضهم: لا يشترط لوجب القصاص به مجرد القصد إليه بل يجب أن يتوافر قصد القتل، فقد جاء في الشرح الكبير في إيجاب القصاص: “ومنع طعام، أو شراب قاصدا به موته فمات فإن قصد مجرد التعذيب فالدية، ومن ذلك الأم تمنع ولدها الرضاع حتى مات، فإن قصدت موته قتلت، وإلا فالدية على عاقلتها”([70]). وفي حادث السير وإن كان الترك مقصوداً إلا أنه النتيجة المترتبة عليه-وهي الموت- غير مقصودة، فلا يكون موجباً للقصاص. وقال بعضهم الآخر: يجب القصاص وإن لم يقصد من الترك القتل، فقد جاء في الفواكه الدواني: “فإن لم يحصل مقاتلة وتركوهم حتى ماتوا عطشاً أو جوعاً فدياتهم على عواقل رب الماء أو الطعام وقيل: يقتلون بهم بناء على أن الترك بمنزله الفعل، ويقاس على ذلك مانع الزكاة عن مستحقها. وهذا كله حيث لم يقصد بمنع فضل الماء أو الطعام قتل المضطر إلا اتفق على قتله فيه”([71])، وعليه فأنه إذا دهس شخص آخر ثم لاذ بالفرار فمات المصاب، فأنه يقتص منه بناء على هذا القول عند المالكية وإن لم يقصد بترك إنقاذه قتله؛ لأنه أصبح بالدهس مضطراً إلى الإنقاذ، ويجب أن يحمل هذا على أن الترك كان موثراً بالموت.
2. عند الشافعية والحنابلة: يشترط الشافعية والحنابلة لوجوب القصاص في مسألة الحبس ومنع الطعام([72]) أن تمضي مدة من أول الحبس إلى الموت يموت المحبوس في مثلها غالباً([73])، وهذا الشرط فيه دلالة واضحة على أن الشافعية والحنابلة يرون أن الترك الموجب للقصاص لا بد أن يقترن بقصد القتل، فقد جاء في مغني المحتاج: “ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما ومنعه أيضا الطلب لذلك حتى مات بسبب المنع فإن مضت عليه مدة يموت مثله- أي المحبوس فيها- غالباً جوعاً أو عطشاً فعمد لظهور قصد الإهلاك به”([74]). وجاء في إعانة الطالبين بعد ذكر المسألة: “ولما كان قصد الإهلاك بالفعل المذكور ظاهرا أحيل الهلاك عليه”([75]). وجاء في كشاف القناع: “حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما أي الطعام وحده أو الشراب أو منعه الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة قاله ابن عقيل حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل”([76])، وقال فيمن منع آخر طعامه: “لو منعه طعامه حتى هلك… لأن مانع الطعام تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالبا”([77]).
يلاحظ من النصوص السابقة أن علة إيجاب القصاص في جرائم الترك هو قصد القتل وتعمده، أي أن الجاني تعمد بترك الإطعام قتل المجني عليه ، وهذه العلة غير متحققة في ترك الإنقاذ في حوادث السير.
3. أما عند الظاهرية فيمكن القول أن ترك الإنقاذ يستوجب القصاص وإن لم يكن التارك متسبباً في الأمر المؤدي إلى الموت، تخريجاً على قول ابن حزم في المضطر الذي استسقى قوماً فلم يسقوه حتى مات فيجب عليهم القصاص إن علموا أنه لا ماء البته إلا عندهم ولا يمكن المضطر إدراكه أصلاً حتى يموت([78]).
فإذا كان الحكم كذلك عند ابن حزم في التارك غير المتسبب في الأمر المؤدي إلى الموت، فمن باب أولى إذا كان التارك هو المتسبب، وعليه فإنه من دهس آخر ثم ترك إنقاذه وهو يعلم أنه لا منقذ له إلا هو فإن فعله هذا يستوجب القصاص عند ابن حزم.
وبناء عليه فإن تعمد ترك الإنقاذ في حادث السير غير المقصود ينحصر في قولين؛ قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو عدم وجوب القصاص في ترك الإنقاذ لما سبق بيانه، وقول الظاهرية وبعض المالكية حيث يوجبون القصاص لترك الإنقاذ المؤدي إلى الموت؛ لأنهم يوجبون القصاص وإن لم يكن الممتنع عن الإنقاذ متسبباً، فمن باب أولى إن كان متسبباً.
والذي يترجح عندي هو القول بعدم وجوب القصاص في هذه المسألة لما يأتي:
1. إن إيجاب القصاص أو الدية على الجاني يكون نتيجة فعله المؤدي إلى موت المجني عليه، والفعل الذي أدى إلى الموت في حادث السير هو الفعل الإيجابي أي عملية الدهس لا الموقف السلبي، وإنما الموقف السلبي كان عاملاً مساعداً -كما سبق بيانه- لأن الموت قد يكون سببه نزيف المصاب مثلاً، والنزيف حاصل من ذات الحادث، فيكون السبب المباشر للموت هو ذات الحادث، وبما أن الحادث كان بغير قصد وتعمد يكون الجزاء هو الدية على أكثر تقدير([79]) لا القصاص.
2. ليس بالضرورة أن يترتب على الإنقاذ نجاة المصاب من الموت، فقد يقوم المتسبب بالحادث أو غيره بإسعاف المصاب ومع هذا يموت المصاب لنزيف داخلي أو غير ذلك، مما يؤكد ذلك أن ترك الإنقاذ ليس هو سبب الموت، وهذا بخلاف ترك الإطعام، لأن ترك الإطعام هو السبب المباشر للموت، بدليل أنه مهما طال الحبس إذا توفر الطعام للمحبوس فلا يحصل الموت بسبب الحبس، وإذا ترك الإطعام حصل الموت، فيكون موجب ترك الإطعام غير موجب ترك الإنقاذ.
عقوبة ترك إنقاذ المصاب في حادث السير غير المقصود إذا كان التارك متسببا بالحادث:
إذا كان تارك الإنقاذ متسبباً بالحادث فإن الجناية مركبة من عنصرين؛ الأول: الحادث وهو غير متعمد، الثاني: ترك الإنقاذ، وقد تبين سابقاً أن الموت كان متسبباً عن ذات الحادث، وبما أنه غير متعمد، فإن العقوبة المترتبة عليه هي عقوبة القتل غير المتعمد (شبه العمد، أو الخطأ، أو ما جرى مجرى الخطأ)([80])، إلا أن هذا لا يعني إعفاء الجاني من عقوبة ترك الإنقاذ، لأنه كان قاصداً لها، وبالتالي فإن الجناية في حوادث السير تستوجب عقوبتين هما: عقوبة القتل الذي لم يتوفر فيه القصد الجنائي، وعقوبة ترك الإنقاذ، وفيما يأتي بيان لبعض التفصيل لهما:
أولاً: عقوبة القتل الذي لم يتوفر فيه القصد الجنائي
بما أن الحديث عن القتل الناتج عن حادث سير فإنه ينظر في بيان نوع القتل في كل حادثة بشكل مستقل، وبناء على تحديد نوع القتل تحدد العقوبة، ولما كان موضوع المسألة حادث السير غير المتعمد فإن العقوبة تدور حول الدية والكفارة([81])، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[92: النساء]. والدية: وهي المال الواجب في إتلاف نفس الإنسان أو عضو كامل من أعضائه([82]). والكفارة: تصرف مخصوص أوجبه الشرع لمحو ذنب مخصوص([83]).
ثانياً: عقوبة ترك الإنقاذ
من المعلوم أن حفظ النفس من الضرورات التي يجب الحفاظ عليها، وكل ما أدى إلى حفظ هذا الضروري فهو واجب، فيكون إنقاذ المصاب في حوادث السير من الواجبات التي يجب الاعتناء بها، وكل من ترك هذا الواجب مع القدرة على القيام به استوجب العقوبة، لأنه يكون قد ارتكب مخالفة شرعية، ولما كان ترك إنقاذ المصاب من الجرائم التي لم ينص على عقوبة لها تعين أن تكون العقوبة المترتبة عليها عقوبة تعزيرية يترك لولي الأمر تقديرها، إلا أنني أرى أن تكون هذا العقوبة التعزيرية عقوبة مشددة إذا كان تارك الإنقاذ هو المتسبب بالحادث، لما يأتي:
1. إن تارك الإنقاذ هنا هو المتسبب في الحادث، فتكون المسؤولية التي تقع على عاتقه ليست كالمسؤولية التي تقع على غيره، فإذا تخلى عن هذه المسؤولية تجاه من تسبب له بالحادث وجب التشديد عليه.
2. صحيح أن الحادث الذي وقع من الجاني كان بغير قصد، وقد قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وما اسْتُكْرِهُوا عليه”([84])، إلا أن الجاني كان بإمكانه تدارك آثار الخطأ الذي وقع منه، ولم يفعل، لذا وجب التشديد عليه.
موقف القانون فيما يتعلق بترك إنقاذ المصاب في حادث السير إذا كان التارك متسببا بالحادث:
قد بينا سابقاً أن هذه الجريمة تتكون من عنصرين:
الأول: موقف إيجابي وهو ذات الحادث، أو واقعة الدهس، إلا أنه حصل بغير قصد وعمد.
الثاني: موقف سلبي وهو ترك إنقاذ المصاب، وهو ترك متعمد ومقصود.
وبالرجوع إلى أحكام قانون السير الأردني رقم (49) لسنة 2008، نجد أنه فرق بين العنصرين؛ فرتب على كل منهما عقوبة مستقلة عن الآخر على النحو الآتي:
أولاً: فيما يتعلق بالفعل المباشر -وهو ذات الحادث أو واقعة الدهس- فقد نصت المادة (27) من قانون السير على أنه: “على الرغم مما ورد في المادة (343) من قانون العقوبات([85])، إذا تسبب السائق بوفاة إنسان، أو إحداث عاهة دائمة له، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، أو بغرامة من (1000) ألف دينار إلى (2000) ألفي دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين، وعلى المحكمة وقف العمل برخصة القيادة مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين”.
من نص المادة السابق يتبين أن عقوبة الموقف الإيجابي في هذه الجريمة هي:
1. الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات، والغرامة المالية بحيث لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد عن ألفي دينار، وللقاضي هنا أن يجمع بين العقوبتين؛ الحبس والغرامة، أو أن يوقع أحدهما فقط.
2. وقف العمل برخصة القيادة مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنتين على سبيل الإلزام.
ثانياً: فيما يتعلق بالموقف السلبي -وهو ترك الإنقاذ- فقد جاء في نصت الفقرة (أ) من المادة (26) من قانون السير الأردني على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن (500) خمسمائة دينار ولا تزيد على (1000) ألف دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين في الحالات التالية” وذكرت من هذه الحالات: “فرار السائق من مكان حادث ارتكبه، تسبب بأضرار بشرية، أو عدم تبليغه أقرب مركز أمني، أو دورية شرطة بالحادث المروري الذي ارتكبه”.
فالسائق الذي يرتكب حادثاً ويتسبب بإصابة إنسان فيه، يكون محملاً بواجب اتجاه هذا الإنسان، وهو العمل على إنقاذه، وذلك بالتوقف لإسعاف المصاب، فإذا لم يتمكن من التوقف خشية تعرضه للأذى، فعليه التبليغ عن الحادث، لتتمكن الجهات المختصة بالتوجه لمكان الحادث والعمل على إنقاذ المصاب، أما إذا فر السائق من مكان الحادث، ولم يبلغ عنه يكون تهرب من مسؤوليته اتجاه المصاب، وتخلى عن واجبه اتجاهه، وترك إنقاذه، مما قد يؤدي إلى تفاقم حالة المصاب، فيعاقب بما نصت عليه المادة السابقة، وهو: الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار، أو بكلا العقوبتين.
أما في التشريع المصري فقد جعل قانون العقوبات ترك الإنقاذ من الظروف المشددة في العقوبة، وميز بين ترك الإنقاذ في حالة الوفاة، وترك الإنقاذ في حالة الإصابة، فنص في المادة (238) على أنه: “من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله… يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة مالية لا تجاوز مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنين، وغرامة مالية لا تقل عن مائة ولا تجاوز خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته… أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك”. ونص في المادة (244) على أنه: “من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بان كان ذلك ناشئاً عن إهماله… يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على السنة، وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته… أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك”.
فالمادة (238) تبين أن ترك الإنقاذ في حوادث السير التي ينجم عنها الوفاة يشدد العقوبة، فتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنين، وغرامة مالية لا تقل عن مائة ولا تجاوز خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين بدلا من الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة مالية لا تجاوز مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. والمادة (244) تبين أن ترك الإنقاذ في حوادث السير التي ينجم عنها الإصابة يشدد العقوبة، فتصبح الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، بدلاً من الحبس مدة لا تزيد على السنة، وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وفي قانون العقوبات اللبناني نصت المادة (566) المعدلة بالمرسوم رقم (112) لسنة 1983 على أن: “كل سائق مركبة تسبب بحادث ولو مادي ولم يقف من فوره أو لم يعن بالمجني عليه أو حاول التملص بالهرب يعاقب بالحبس لمدة لا تتجاوز الشهر وبغرامة لا تجاوز المئة ألف ليرة. ويزداد على العقوبات المذكورة في المادتين (564) و(565) نصفها إذا اقترف المجرم أحد هذه الأفعال”.
يتبين من نص المادة السابق أن عدم الوقوف بعد التسبب بالحادث، أو عدم العناية بالمجني عليه، أو محاولة التملص من تبعة الحادث بالهرب، يعد جرماً مستقلاً عن ذات الحادث([86])، وتكون العقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز الشهر، إضافة لغرامة مالية لا تتجاوز المئة ألف ليرة. إلا أن هذه الأفعال تكون سبباً في تشديد العقوبة إذا نجم عن الحادث وفاة أو إصابة وبيان ذلك فيما يأتي:
نصت الفقرة الثانية من المادة (566) على أنه: “ويزداد على العقوبات المذكورة في المادتين (564) و(565) نصفها إذا اقترف المجرم أحد هذه الأفعال”.
والمادة (564) مختصة ببيان عقوبة القتل الخطأ، حيث تنص على أنه: “من تسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”. فإذا ارتكب السائق حادث خطأ أودى بحياة إنسان تكون عقوبته الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، فإذا لم يتوقف بعد الحادث أو لم يعن بالمجني عليه أو حاول التملص من تبعة الحادث تشدد عقوبته بزيادة نصفها إليها؛ فتصبح الحبس من تسعة أشهر إلى أربع سنوات ونصف([87]).
أما المادة (565) فهي مختصة بالإيذاء بطريق الخطأ، حيث تنص على أنه: “إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا الإيذاء كالذي نصت عليه المواد ال 556 إلى 558 كان العقاب من شهرين إلى سنة. يعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي ألف ليرة”.
وبالرجوع إلى المواد (556، 557، 558) نجد أن الإيذاء المنصوص عليه فيهن هو الذي يترتب عليه المرض أو التعطيل عن العمل مدة تتجاوز العشرين يوماً، أو العاهة الدائمة، أو الإجهاض، ومن ثمَّ إذا ارتكب السائق حادثاً خطأ نجم عنه الإيذاء السابق ثم لم يتوقف بعد الحادث، أو لم يعن بالمجني عليه، أو حاول التملص من تبعة الحادث، تشدد عقوبته بزيادة نصفها إليها؛ فتصبح الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة ونصف، أما إذا كان الإيذاء غير ذلك بأن كان المرض أو التعطيل الناجم لم يصل إلى عشرين يوم ولم يؤدي إلى عاهة دائمة ولم يؤدي إلى الإجهاض، فتصبح العقوبة تسعة أشهر على الأكثر أو الغرامة المالية التي لا تتجاوز ثلاثمائة ألف ليرة.
وقد بين القهوجي الحكمة من تشديد العقوبة على السائق إذا اتخذ أحد المواقف السابقة، بقوله: “وحكمة تشديد عقوبة القتل غير المقصود إذا تحقق أحد الأفعال الثلاثة السابقة واضحة؛ فعدم توقف السائق بعد الحادث مباشرة قد يكون سبباً في تفاقم حالة المجني عليه فضلاً عن أنه يكشف عن استهانة واستهتار بأرواح الناس. كما أن عدم تقديم السائق الرعاية والعناية والغوث الذي يفرضه عليه القانون، وقد يكون في القيام بالواجب إنقاذ حياة المجني عليه. وأخيراً فإن هرب السائق وفراره ومحاولة التملص من المسؤولية بإعدام الأدلة أو تهديد الشهود يكشف عن نيته في تضليل العدالة، أو الاختفاء عن قبضتها. وهكذا فإن كل فعل من الأفعال الثلاثة السابقة يكشف عن توافر خطورة إجرامية إضافية لدى السائق الجاني يستحق بسببها تشديد العقوبة عليه”([88]).
وإذا نظرنا في قانون العقوبات المصري نجده قد عبر عن الموقف السلبي (ترك الإنقاذ) بـ”النكول عن مساعدة من وقع عليه الحادث، أو طلب المساعدة له” – كما هو في المادة (238) و(244)- وعبر قانون العقوبات اللبناني عن ترك الإنقاذ بعدم التوقف بعد الحادث وعدم العناية بالمجني عليه – كما هو في المادة (566) – وهذه التعابير أدق دلالة على المقصود أي على الموقف السلبي الذي سلكه السائق من تعبير قانون السير الأردني الذي عبر بالفرار وعدم التبليغ؛ لأن عبارتا قانوني العقوبات المصري (النكول عن المساعدة) واللبناني (عدم العناية بالمجني عليه) فيها دلالة واضحة على أن العقوبة المترتبة نتيجة ترك إنقاذ من هو بحاجة إلى الإنقاذ والمساعدة، بعد وقوع الحادث له، بينما التعبير بالفرار وعدم التبليغ – الذي جاء في قانون السير الأردني – وإن كان يتضمن أن العقوبة لعدم الإنقاذ؛ لأن الفرار وعدم التبليغ يلزم عنه عدم الإنقاذ، إلا أنه يحتمل أن تكون العقوبة لمحاولة السائق أن يتهرب من مسؤوليته عن الحادث، وليس لعدم الإنقاذ.
ثم أنه يؤخذ على نصوص القوانين أنها لم تفرق في حالة ترك الإنقاذ – الذي عبر عنه قانون السير الأردني بـ(الفرار وعدم التبليغ)، وعبر عنه قانون العقوبات المصري بـ(النكول عن المساعدة)، وعبر عنه قانون العقوبات اللبناني بـ(بعدم التوقف بعد الحادث أو عدم العناية بالمجني عليه) – بين ما إذا كان لترك الإنقاذ أثر في إحداث الوفاة أو العاهة الدائمة للمصاب، أو لم يكن له أثر، ومن ثمَّ ساوى القانون في حالة ترك الإنقاذ بين حدوث الوفاة أو العاهة الدائمة مباشرة بعد الحادث، وبين بقاء من تعرض للحادث حياً مدة يتمكن السائق فيها من إنقاذه لولا لم يفر من مكان الحادث أو لم ينكل عن المساعدة.
وبالتالي كان الأولى بالقانون التفرقة بين أمرين:
الأول: إذا كان لترك الإنقاذ أثر في النتيجة المترتبة على الحادث.
الثاني: إذا لم يكن لترك الإنقاذ أثر في النتيجة المترتبة على الحادث.
فتكون العقوبة في الحالة الأولى أشد منها في الحالة الثانية، وبيان ذلك فيما لو وقع الحادث فترك سائق المركبة الإنقاذ ولاذ بالفرار، وتبين في التقديرات الطبية أن المصاب لو أسعف في الحال لما أدت الإصابة إلى الوفاة أو العاهة، فيجب أن تكون عقوبة ترك الإنقاذ أشد مما لو أن التقديرات الطبية بينت أن الوفاة أو العاهة لم يكن للإنقاذ أو عدمه أثر فيها.
وكان الأولى بقانون السير الأردني أيضاً أن يفرق في العقوبة الواقعة على الجاني بين حالتين؛ الأولى: إذا ترتب على الحادث وفاة. الثانية: إذا ترتب على الحادث مجرد إصابة. فتكون عقوبة الامتناع في الحالة الأولى أشد منها في الحالة الثانية. كما هو الحال في قانوني العقوبات المصري واللبناني، إذ فرقا بين ترك الإنقاذ في حالة الوفاة وترك الإنقاذ في حالة الإصابة.
الخاتمة
لقد توصل هذا البحث إلى جملة من النتائج، فيما يأتي أبرزها:
1. هنالك حالتان لترك إنقاذ المصاب في حوادث السير؛ الأولى: إذا كان تارك الإنقاذ غير متسبب بالحادث. الثانية: إذا كان تارك الإنقاذ متسبباً بالحادث، ولم ينص الفقهاء القدماء على أي من حكم الحالتين، وتم التخريج على ما عند الفقهاء من فروع مشابهة.
2. توصل الباحث في حكم الحالة الأولى إلى أن لولي الأمر أن يقدر عقوبة تعزيرية للجريمة، وأن العقوبة فيها لا تصل إلى حد القصاص أو الدية، لأن الممتنع هنا لا يعد قاتلاً.
3. توصل الباحث في حكم الحالة الثانية إلى أنه تجب التفرقة بين أمرين؛ الأول: عقوبة ذات الحادث، وهنا ينظر إلى كل حادث بشكل مستقل وتطبق عليه القواعد العامة في الجنايات لبيان مدى مسؤولية السائق. الثاني: عقوبة الامتناع عن الإنقاذ، وهي عقوبة تعزيرية مشددة تضم إلى العقوبة على ذات الحادث.
4. تطرقت القوانين الوضعية إلى جريمة الامتناع عن إنقاذ المصاب في حوادث السير، فجعلتها بعضها من الظروف المشددة للعقوبة كقانون العقوبات المصري وقانون العقوبات اللبناني، وجعلتها بعضها فعلاً جرمياً يعاقب عليه بعقوبة مستقلة، كما في قانون السير الأردني.
5. نص قانون العقوبات المصري وقانون العقوبات اللبناني أوضح في الدلالة على الامتناع عن ترك الإنقاذ فقد عبر قانون القانون المصري عن ترك الإنقاذ بـ(النكول عن مساعدة من وقع عليه الحادث، أو طلب المساعدة له)، وعبر قانون العقوبات اللبناني ب (عدم العناية بالمجني عليه)، بينما عبر قانون السير الأردني بـ(فرار السائق من مكان الحادث، وعدم التبليغ)، والتعبير بفرار السائق وإن كان يتضمن أن العقوبة لعدم الإنقاذ؛ لأن الفرار وعدم التبليغ يلزم عنه عدم الإنقاذ، إلا أنه يحتمل أن تكون العقوبة لمحاولة السائق أن يتهرب من مسؤوليته عن الحادث، وليس لعدم الإنقاذ.
6. لم تفرق القوانين الوضعية بين إذا ما كان لترك الإنقاذ أثر في النتيجة المترتبة على الحادث أو لم يكن.
7. لم يفرق قانون السير الأردني في ترك الإنقاذ بين حالة الوفاة ومجرد الإصابة.
التوصيات
يوصي الباحث بما يأتي:
1. أن تعمل القوانين الوضعية على التفرقة في ترك الإنقاذ بين حالتين؛ الأولى: إذا كان لترك الإنقاذ أثر في النتيجة المترتبة على الحادث. الثانية: إذا لم يكن لترك الإنقاذ أثر في ذلك، فتكون العقوبة في الحالة الأولى أشد من العقوبة في الحالة الثانية.
2. أن يفرق قانون السير الأردني في ترك الإنقاذ بين حالة الوفاة وحالة الإصابة، فتكون العقوبة في الحالة الأولى أشد منها في الحالة الثانية. كما هو الحال في قانوني العقوبات المصري واللبناني.
(*) منشور في “المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية”، المجلد السادس، العدد (3)، 1427ه/ 2006م.
الهوامش:
([1]) إسماعيل بن عمر ابن كثير (ت 774ه)، بيروت، دار الفكر، 1401، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص48.
([2]) أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671ه)، الجامع لأحكام القرآن، القاهرة، دار الشعب، ج6، ص147.
([3]) محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666ه)، تحفة الملوك، تحقيق: عبد الله نذير أحمد، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1417ه (ط1)، ص274.
([4]) محمد بن أحمد بن عرفه الدسوقي (ت 1230ه)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تحقيق: محمد عبد الله شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ه/ 1996م (ط1)، ج2، ص372.
([5]) أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676ه)، روضة الطالبين، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405ه (ط2)، ج3، ص285.
([6]) أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن مفلح (ت 884ه)، المبدع شرح المقنع، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418ه/ 1997م (ط1)، ج8، ص16.
([7]) ردينه إبراهيم حسن الرفاعي، الجرائم السلبية وتطبيقاتها في الفقه الإسلامي المقارن، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، 1997، غير منشورة، ص137.
([8]) يأخذ حكم هذه المسألة قياساً على ترك إغاثة المضطر، لأن في كلاهما ترك لإنقاذ النفس من الموت.
([9]) لم أجد عند الحنفية نصاً صريحاً ينفي وجوب الضمان عن تارك إنقاذ المضطر – فيما أطلعت عليه- إلا أن قياس مذهبهم يوجب ذلك، وبيان هذا؛ ما نقل عن الحنفية في حكم مسألة الحبس ومنع الطعام، إذ إن أبا حنيفة لم يوجب الدية على من حبس شخصاً ومنع عنه الطعام إلى أن مات، مع أن الحابس قد صدر منه فعل إيجابي ساهم في القتل، وهو الحبس المتعمد، ثم منع عنه الطعام الذي هو قوام الحياة، ومن المعلوم ضرورة أن اجتماع هذين العاملين يؤدي إلى الموت لا محالة، فمن باب أولى أن لا تجب الدية على من ترك الإنقاذ ولم يصدر منه فعل إيجابي عند الإمام أبي حنيفة, أما عند الصاحبين فقد خالفا الإمام أبا حنيفة في مسألة الحبس ومنع الطعام، فأوجبا الدية على الجاني، وعللا ذلك بأن الجاني وجد منه فعل كان سبباً في موت المجني عليه وهو الحبس فإذا انضم إلى الحبس منع الطعام عن المجني عليه عند استيلاء الجوع عليه أمكننا نسبة الفعل إلى الجاني. وهذا بخلاف هذه المسألة إذ إن تارك الإنقاذ هنا لم يكن منه فعل من الممكن نسبة الموت إليه، وبالتالي لا تجب الدية عندهما، فيكون إسقاط الضمان عن تارك الإنقاذ في هذه المسألة هو مقتضى قول الحنفية.
([10]) شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني (ت 977ه)، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، 1427ه/ 2006م (ط1)، ج4، ص357، النووي، روضة الطالبين، ج3، ص285، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المجموع، بيروت، دار الفكر، 1997، ج9، ص41، محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي (ت 794ه)، خبايا الزوايا، الكويت، وزارة الأوقاف، 1402ه (ط1)، ص401.
([11]) أبو عبد الله سيدي أحمد الدردير (ت 1201ه)، الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش، بيروت، دار الفكر، ج4، ص242، الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص373، محمد بن عبد الله بن علي الخرشي (ت 1101ه)، حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل، تحقيق: زكريا عميرات، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ه/ 1997م (ط1)، ج8، ص144، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العدربي (ت 1398ه)، التاج والإكليل لمختصر خليل، بيروت، دار الفكر، 1398ه (ط2)، ج6، ص240.
([12]) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، المحلى شرح المجلى، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعلشي، بيروت، دار إحياء التراث، مؤسسة التاريخ العربي، 1418ه/ 1997م (ط1)، ج12، ص150.
([13]) الخرشي، حاشية الخرشي، ج8، ص144، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (ت 1125ه)، الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، بيروت، دار الفكر، 1415ه، ج2، ص238.
([14]) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج6، ص185، النفراوي، الفواكه الدواني، ج2، ص238.
([15]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص242.
([16]) محمد عليش (ت 1299ه)، شرح منح الجليل على مختصر سيدي خليل، بيروت، دار الفكر، 1409ه، ج2، ص444، الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج6، ص185.
([17]) ابن حزم، المحلى، ج12، ص150.
([18]) شمس الدين محمد بن مفلح، الفروع، تحقيق: عبد الله عبد المحسن التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1424ه/ 2003م (ط1)، ج9، ص431، 432، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت1051ه)، شرح منتهى الإرادات، بيروت، عالم الكتب، 1996 (ط2)، ج3، ص298، كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق: محمد عدنان ياسين درويش، بيروت، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التـاريخ العربي، 1420ه/ 2000م (ط1)، ج6، ص15.
([19]) البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص15، ابن مفلح، المبدع، ج7، ص279، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت620ه)، المغني على مختصر الخرقي، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1924ه/ 1994م (ط1)، ج7، ص558.
([20]) انظر: المراجع السابقة.
([21]) علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرداوي (ت885ه)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418ه/ 1997م (ط1)، ج10، ص49، ابن قدامة، المغني، ج7، ص558، ابن مفلح، المبدع، ج7، ص279.
([22]) ابن مفلح، المبدع، ج7، ص280.
([23]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص558.
([24]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص558، البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص298.
([25]) استدل بهذه الآية ابن حزم على وجوب الضمان بالقصاص على من تعمد ترك الإنقاذ.
([26]) ابن حزم، المحلى، ج12، ص150.
([27]) محمد أبو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي، ص136، الرفاعي، الجريمة السلبية، ص144.
([28]) أخرجه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت261ه)، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث، كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، ج3، ص1354.
([29]) أبو زهرة، الجريمة والعقوبة، ص133، 134.
([30]) أخرجه: محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، كتاب الديات، باب التغليظ في قتل مسلم ظلما، ج2، ص874، رقم الحديث (2620). وأحمد ابن الحسين بن علي بن موسى البيهقي (ت 458ه)، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، 1994م، جماع أبواب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا قصاص عليه، باب تحريم القتل من السنة، ج8، ص22، رقم الحديث (15643). وهو حديث ضعيف، انظر: عمر بن علي الأنصاري بن الملقن (ت804ه)، خلاصة البدر المنير، تحقيق: حمدي عبد المجيد إسماعيل السلفي، الرياض، مكتبة الرشد، 1410ه (ط1)، ج2، ص262.
([31]) أحمد بن علي ابن حجر (ت852ه)، تلخيص الحبير، تحقيق: السيد عبد الله هاشم المدني، المدينة المنورة، 1384ه/ 1964م، ج4، ص14.
([32]) انظر الأثر: البيهقي، السنن الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب ما جاء في النهي عن منع فضل الماء، ج6، ص153، رقم (11631). وعبد الله بن محمد الكوفي ابن أبي شيبة (ت235ه)، مصنف ابن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الرياض، مكتبة الرشد، 1409ه (ط1)، كتاب الديات، الرجل يستسقي فلا يسقى حتى يموت، ج5، ص452، رقم (27899).
([33]) انظر: عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1425ه/ 2004، ص207.
([34]) الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص357، سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الجمل (ت1204ه)، حاشية الجمل على شرح المنهاج، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ه/ 1996م (ط1)، ج8، ص253.
([35]) عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي (ت 623ه)، العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417ه/ 1997م (ط1)، ج12، ص165.
([36]) علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، بيوت، دار الكتب العلمية، 1414ه/ 1994م (ط1)، ج15، ص173.
([37]) انظر مسألة الحبس ومنع الطعام عند الحنفية سابقاً.
([38]) الرفاعي، الجرائم السلبية، ص144.
([39]) يرى الحنفية لوجب الضمان بالتسبب تحقق التعدي. انظر: علاء الدين أبي بكر مسعود الكاساني (ت 587ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تحقيق: محمد خير طعمه حلبي، بيروت، دار المعرفة، 1420ه/2000م (ط1)، ج8، ص133.
([40]) الرفاعي، الجرائم السلبية، ص144.
([41]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج6، ص294، 295، الماوردي، الحاوي الكبير، ج15، ص173.
([42]) ابن مفلح، الفروع، ج9، ص431، البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص15.
([43]) البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص15، ابن قدامة، المغني، ج7، ص558.
([44]) المرجعان السابقان. وابن مفلح، المبدع، ج7، ص279.
([45]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص558، البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص298.
([46]) أخرجه: ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب المسلمين شركاء في ثلاث، ج2، ص826، رقم: (2472)، والبيهقي، السنن الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب ما لايجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة، ج6، ص149، رقم (11612)، صححه أحمد بن علي بن جحر (توفي 852ه) الدراية في تخريج أحاديث الهداية، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، بيروت، دار المعرفة، ج2، ص246.
([47]) أخرجه: ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب المسلمين شركاء في ثلاث، ج2، ص826، رقم: (2473).
([48]) أخرجه: محمد بن إسماعيل البخاري (ت256ه)، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا، بيروت، دار ابن كثير، 1987م (ط3)، كتاب الحيل، باب ما يكره من الاحتيال في البيوع ولا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، ج6، ص2554، رقم (6561).
([49]) الرفاعي، الجرائم السلبية، ص146.
([50]) المرجع السابق، ص146.
([51]) محمد أحمد مصطفى أيوب، النظرية العامة للامتناع
في القانون الجنائي، القاهرة، دار النهضة العربية، 2003، ص76.
([52]) السعيد مصطفى السعيد، الأحكام العامة في قانون العقوبات، مصر، دار المعارف، 1962 (ط4)، ص58.
([53]) إبراهيم عطا عطا شعبان، النظرية العامة للامتناع في الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الوضعي دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، 1981، ص232.
([54]) المرجع السابق، ص254.
([55]) الرفاعي، الجرائم السلبية، ص138، أيمن درادكه، الترك عند الأصوليين والفقهاء، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، 2007، غير منشورة، ص242.
([56]) انظر هذا التقسيم: أبو زهرة، الجريمة والعقوبة، ص130.
([57]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص242، الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج6، ص185.
([58]) أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي (ت 204ه)، الأم، تحقيق: أحمد عبيدو عناية، بيروت، دار إحياء التراث العربي1420ه/ 2000م (ط1)، ج6، ص6، إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476ه)، المهذب في فقه الإمام الشافعي، بيروت، دار الفكر، ج2، ص176.
([59]) ابن مفلح، المبدع، ج7، ص196، البهوتي، كشاف القناع، ج5، ص524، 525.
([60]) عبد القادر عوده، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناُ بالقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1422ه/2001م (ط14)، ج2، س36، أحمد الحصري، القصاص- الديات- العصيان المسلح في الفقه الإسلامي، عمان، وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، 1394ه/ 1974م، ص195.
([61]) أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهيل السرخسي (ت 490ه) المبسوط، تحقيق: أبي عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1421ه/2001م ط(1)، ج26، ص67، 74، 76، 78، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (ت684ه) الذخيرة، تحقيق: محمد بوخبزه، دار الغرب الإسلامي، 1994، ط1، ج12، ص280، 281.
([62]) انظر تكييف لبعض صور حوادث السير: عبد القادر محمد العماري، حوادث السير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثامنة، لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، الجزء (2)، العدد8، (1415ه/ 1994م). ص276 وما بعدها.
([63]) من الذين خرجوا هذه المسألة على قول الإمام أبي حنيفة بناء على مسألة “حبس شخص ومنع عنه الطعام حتى مات” الدكتور أيمن درادكه في أطروحته للدكتوراه، فبعد أن جعل ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير مثالاً على جرائم الترك التي يجتمع فيها الفعل الإيجابي والموقف السلبي، راح يفصل أقوال الفقهاء في المسألة بناء على مسألة منع الطعام (إذا حبس شخص ومنع عنه الطعام حتى مات)، فذكر في القول الثالث: عدم وجوب القصاص والدية على الحابس، وإن كان يستحق الإثم والتعزير، وهو قول الإمام أبي حنيفة. فيكون بذلك قد نسب للإمام أبي حنيفة القول بسقوط الدية عن السائق في حوادث السير. انظر: درادكه، الترك عند الأصوليين والفقهاء، ص242.
([64]) حيث ذهب الإمام أبو حنيفة إلى القول بسقوط القصاص والدية عمن حبس آخر ومنع عنه الطعام حتى مات. انظر: السرخسي، المبسوط، ج26، ص184، الكاساني، بدائع الصنائع، ج8، ص72.
([65]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج8، ص72.
([66]) محمد أمين بن عابدين، حاشية ابن عابدين، بيروت، دار الفكر، 1421ه، ج6، ص543، إبراهيم بن محمد ابن نجيم (ت970ه)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، بيروت، دار المعرفة، ط(1)، ج8، ص336.
([67]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص242، الدسوقي، حاشية الدسوقي،ج6، ص185، الشيرازي، المهذب، ج2، ص176، البهوتي، كشاف القناع، ج5، ص524، المرداوي، الإنصاف،ج9، ص462، موفق الدين عبدالله بن قدامة (ت620ه)، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، المكتب الإسلامي، ج4، ص16.
([68]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص242، الدسـوقي،
حاشية الدسوقي، ج2، ص372-374، ابن حزم، المحلى، ج12، ص150.
([69]) الخرشي، حاشية الخرشي، ج8، ص143.
([70]) الدردير، الشرح الكبير، ج4، ص242.
([71]) النفراوي، الفواكه الدواني، ج2، ص238.
([72]) أما في مسألة الترك المحض فإن الشافعية أم يوجبوا الضمان لا بالقصاص ولا بالدية، أما الحنابلة فأنهم وإن أوجبوا الضمان إلا أنهم أوجبوه بالدية لا القصاص. انظر: قول الشافعية والحنابلة في المبحث الأول.
([73]) الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص7، محمد الزهري الغمراوي، السراج الوهاج، بيروت، دار المعرفة، ج1، ص478، البهوتي، كشاف القناع، ج5، ص524، 525، مصطفى السيوطي الرحيباني (ت1243ه)، مطالب أولى النُّهى في شرح غاية المنتهى، دمشق، المكتب الإسلامي، 1961، ج6، ص9.
([74]) الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص7.
([75]) أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، بيروت، دار الفكر، ج4، ص112.
([76]) البهوتي، كشاف القناع، ج5، ص524، 525.
([77]) المرجع السابق، ج6، ص15.
([78]) ابن حزم، المحلى، ج12، ص150.
([79]) قلت على أكثر تقدير، لأن بعض العلماء المعاصرين لا يوجبون الضمان في بعض صور حوادث السير. انظر: العماري، بحث بعنوان “حوادث السير”، ص278.
([80]) وقد ذهب بعض العلماء المعاصرون إلى القول بسقوط الضمان في بعض صور حوادث السير. انظر: العماري، بحث بعنوان “حوادث السير”، ص278.
([81]) انظر حول الدية والكفارة في صور الجناية بغير العمد: عوده، التشريع الجنائي، ج2، ص189 وما بعدها، الحصري، الديات- القصاص- العصيان المسلح في الفقه الإسلامي، ص598، ص606، فالح ابن محمد فالح الصغير، أحكام الدية في الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، الرياض، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، 1412ه/ 1992، ص41، 42، عوض أحمد إدريس، الدية بين العقوبة والتعويض في الفقه الإسلامي المقارن، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1986(ط1)، ص228 وما بعدها.
([82]) محمد رواس قلعه جي، معجم لغة الفقهاء، بيروت، دار النفائس، 1427ه/ 2006م (ط2)، ص188.
([83]) قلعه جي، معجم لغة الفقهاء، ص350.
([84]) أخرجه: ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ج1، ص659، رقم: 2043. والبيهقي، السنن الكبرى، كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في طلاق المكره، ج7، ص356، رقم: 14871. وقال الحاكم في المستدرك: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه”. انظر: محمد بن عبد الله الحاكم(ت405ه)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990م، (ط1)، ج2، ص216.
([85]) تنص المادة (343) من قانون العقوبات على أنه: “من سبب موت أحد عن إهمال، أو قلة احتراز، أو عدم مراعاة القوانين، والأنظمة، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.
([86]) طه زاكي صافي، قانون العقوبات الخاص، المؤسسة الحديثة للكتاب، ط(1)، 1998، ص243.
([87]) علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات، القسم الخاص، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط(1)، 2001، ص364.
([88]) القهوجي، قانون العقوبات، القسم الخاص، ص365.
اترك تعليقاً