قرار محكمة النقض عدد 08/7/1667 بتاريخ 2008/07/01 في الملف الجنائي عدد 08/8679
مبادئ القرار :
الطبيعة القانونية للجرائم التي توبع المتهم من أجلها والتي هي تبديد أموال عامة والمشاركة في تزوير محرر رسمي واستغلال النفوذ لا يتوقف مبدئيا البت فيها على إحضار أصول الوثائق التي تأسست عليها المتابعة، وأن إثباتها لا يخضع لأي تقييد يلزم معه الاستناد إلى الأصول بدل النسخ، وإنما يسري عليها مبدأ الإثبات الحر المنصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية.
إن بت الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى ابتدائيا في كل ما تمسك به المتهم من خرق للمواد 146 و 147 و 153 من ق .م.ج وعدم الطعن في قرارها الذي أصبح نهائيا يجعل الدفع بغير أثر، وتكون هذه الغرفة قد سدت الفراغ التشريعي المتمثل في عدم تحديد الجهة التي يطعن أمامها في القرارات الصادرة عن قاضي التحقيق بالمجلس الأعلى طبقا لقواعد الاختصاص الاستثنائية.
إن المعتمد قانونا لاحتساب أمد تقادم جريمة استغلال النفوذ يبدأ من تاريخ الكشف عنها إن أمكن ذلك، وإلا من تاريخ ترك الفاعل للوظيفة أو الخدمة التي جرى استغلالها في ارتكاب الجريمة المرتبطة أصلا بوظيفته أو مركزه بحكم ما يملكه من وسائل في إخفاء جريمته.
لما كان البت في الدفع بانعدام الفاعل الأصلي المحرر لمحضر الحكم على العروض، والدفع بعدم توافر صفة الرسمية في هذا المحضر، ينصرفان إلى مناقشة العنصر المادي لفعل التزوير، وصور المشاركة فيه، وإلى مناقشة نوع الورقة التي انصب عليها هذا التزوير، وكان الدفع بانتفاء قيمة المعدات يقتضي مناقشة العناصر المكونة لجريمة تبديد أموال عامة، فإن هذه الدفوع تظل بطبيعتها دفوعا موضوعية، لا يستقيم التمسك بها ولا البت فيها قبل الفصل في الجوهر، مما يستدعي إرجاء البت فيها مع الموضوع.
جريمة تبديد أموال عامة طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي ليست من الجرائم التي يتوقف تحريك الدعوى العمومية بشأنها على وجود شكوى لدى النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام، لها الحق في تحريك الدعوى العمومية دون قيد أو شرط أو وجود شكاية.
لما كان سحب محاضر التحقيق المتحدث عنها في المادة 213 من قانون المسطرة الجنائية يشترط فيه صدور قرار يقضي بإبطالها، فإن عدم وجود هذا القرار يستدعي عدم سحب هذه المحاضر، كما أن الاستماع للمتهم وهو في حالة اعتقال من أجل سبب آخر لا يشكل وجها من وجوه الإكراه المتحدث عنه في المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية.
لا وجود لأ ي نص يمنع من إسناد الخبرة لخبير غير مقيد بجدول الخبراء، مادامت ضرورة البحث والتحقيق تستدعي ذلك، وما دام الخبير قد أدى اليمين القانونية قبل إنجازه لمهمته.
إذا كان حضور النيابة العامة للمداولات بالمجلس الأعلى ‐ فقط ‐ يتعلق بالوقائع والدفوع فإنه لا يمس مصلحة المتهم وحسن سير العدالة في شيء، لكن حضورها للمداولة بشأن الإدانة وتحديد العقوبة يجعله مخلا بالمبدأ المذكور.
يعتبر العامل دستوريا ممثلا للدولة في العمالة أو الإقليم والجهة، يلتزم بما تلتزم به الدولة، ويسهر على تنفيذ القوانين وكذا قرارات مجالس الجماعات والأقاليم والجهات طبق ما يحدده القانون، كما يعتبر مسؤولا عن تطبيق القرارات الحكومية، وتدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية.
وبمقتضى مسؤوليته هذه، يلتزم باتخاذ كل ما يلزم ضد كل خرق للقانون يرتكب سواء من طرف موظفي العمالة المباشرين أو من طرف كل المصالح المحلية التابعة للإدارة المركزية.
العامل ملزم بمراقبة النشاط العام لموظفي وأعوان المصالح الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة في العمالة أو الإقليم، ومنها على الخصوص كل ما يتعلق بالتهيئة والتعمير، ويلتزم بتوجيه تقرير لكل وزير مختص، يتضمن نظريته عن سلوك رؤساء مصالح الإدارات المدنية بدائرة العمالة أو الإقليم.
من بين آليات المراقبة والتتبع لتطبيق القوانين والقرارات الوزيرية ترأس العامل للجنة تقنية مرة في كل شهر على الأقل، يتمكن من خلالها العامل من مواكبة كل الأنشطة التي تجري في الإقليم أو العمالة، ويقف على الإخلالات، ويتخذ القرارات الملائمة الناتجة عن مسؤوليته في المراقبة والتنسيق، وتبعا لذلك يتحمل مسؤولية جنائية إذا ارتكب أفعالا انحرف فيها عن مهامه كعامل عندما يتضح منها أنها مخالفة للقانون وتكون الجريمة معاقبا عليها.
محضر الحكم على عروض الصفقة الذي يعهد بتحريره إلى موظف عمومي مختص ويرتب آثارا مالية اتجاه الإدارة يعتبر ورقة رسمية على النحو الوارد في الفصل 353 من القانون الجنائي، ومن ثمة فإن العنصر المعنوي في الجريمة يتحقق من خلال شهادة الشهود وكذا صور التزوير التي طالت المحضر وأهمية الصفقة.
يحق للوزراء التفويض إلى العامل للتوقيع أو التأشير على جميع القرارات المتعلقة بأعمال المصالح الخارجية التابعة لهم ضمن الحدود الداخلة في اختصاصات العامل شريطة أن يصدر به قرار يتضمن إسم وأسماء المفوض لهم ينشر بالجريدة الرسمية، وبالتالي فإن أي عقد يوقع بالتفويض يتضمن مسؤوليتين اثنتين، إحداهما تتعلق بمسؤولية العامل كطرف في العقد، والثانية تتعلق بمسؤوليته كرجل سلطة أوكل له المشرع مراقبة ما يجري في إقليمه الداخل في اختصاصه.
يجب أن تستجيب الأعمال المبرمة الصفقات العمومية بشأنها إلى نوع ومدى الحاجيات الواجب سنها، وأن تحدد بكل دقة سواء في كنانيش التحملات، أو في كنانيش الشروط الإدارية، أو في الملف التقني الوسائل البشرية والتقنية وتاريخ وأهمية الأعمال المنجزة وعناصر تأليف الثمن ونوعية ومحتوى هذه الأعمال وغيرها قبل الالتجاء إلى أية منافسة أو مفاوضة وذلك لمنح الفرصة أمام الجميع على قدم المساواة لتقديم خدماتهم واقتراحاتهم.
يجب لإبرام عقد الصفقات بالاتفاق المباشر توفر مجموعة من الشروط منها ضرورة بيان الآمر بالصرف المساعد (المتهم) لأسباب الصفة المستعجلة، وأن يكون اختيار الممول أو المقاول تقتضيه الحاجة التقنية، وأن يكون منتميا لإحدى المهن التابعة للأشغال المراد تحقيقها، وأن تخضع بنود العقد إلى سابق إشهار بجميع الوسائل الملائمة . وإذا لم يثبت للمحكمة أن المتهم احترم هذه الشروط أو عاين عدم وجودها فإن ذلك يؤكد النية الجرمية في إرادته منح الصفقة لجهة دون غيرها ومس بمبدأ المساواة بين المقاولين في الولوج إلى الطلبات العمومية.
مسؤولية المتهم تثبت بمجرد ارتكابه لخطأ مرتبط بمهامه، فبالأحرى إذا كان هو الفاعل الأساسي في تفويت الصفقات العمومية ضدا على القانون.
ليس من حق العامل منح الإذن بإحداث التجزئات العقارية الواقعة في جماعتين أو أكثر إلا بتفويض مباشر من طرف وزير الداخلية، وبعد استطلاع رأي رئيسي الجماعتين المعنيتين أما منح رخص السكن فلا يدخل في اختصاصات العامل طالما أن هناك بيانات مفرزة بكل جماعة على حدة.
يكون العامل قد تسبب في هدر المال العام إذا منح رخصا للتجزئات العقارية ورخصا للسكن دون أداء الواجبات المتعلقة بهما مستخدما في ذلك مساطر لا تتوفر فيها كل الشروط القانونية بهدف التهرب من أدائها.
يستنتج الركن المعنوي بالنسبة لجريمة استغلال النفوذ في الصفقات العمومية من طبيعة الجريمة نفسها، إذ يكفي لإثبات سوء نية المتهم قيامه بمخالفة قوانين الصفقات العمومية ومنح امتيازات ومنافع غير مبررة.
إذا كان الغرض من المصادرة في حكم الفصل 42 من القانون الجنائي هو تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة ؛ وهو مبدأ عام، فإنها تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بتخليق الحياة العامة، خاصة وأن المغرب بمصادقته على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد بمقتضى ظهير شريف رقم 1.07.58 صادر بتاريخ 30 نونبر 2007 والإذن بنشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 يناير 2008 وما يقتضيه فصلاها 31 و 55 من تجميد وحجز ومصادرة، يكون قد وضع في صلب قوانينه الوطنية مقتضيات عامة لمكافحة الفساد الإداري والمالي.
تشكل المصادرة باعتبارها عقوبة إضافية وسيلة ناجعة في استرداد المال العام وإحاطته بما يلزم من حماية وصيانة.
يصبح القرار الصادر بمجموع غرف المجلس الأعلى باتا، وغير قابل للطعن بالنقض، إذا ثبت مؤاخذة المتهم بما نسب إليه في إطار قواعد الاختصاص الاستثنائية، ويكون بقاءه في حالة سراح غير مبرر قانونا.
اترك تعليقاً