دستورية خيار المستأجر عند اقامته مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره
القضية رقم 36 لسنة 9 ق ” دستورية ” جلسة 14 / 3 / 1992
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 14 مارس سنة 1992 الموافق 10 رمضان سنة 1412 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور /عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال و فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على عبد الواحد وماهر البحيرى أعضاء
وحضور السيد المستشار / السيد عبد الحميد عمارة المفوض
وحضور السيد / رأفت محمد عبد الواحد أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 36 لسنة 9 قضائية ” دستورية “
المقامة من
السيدة / بدرية ابراهيم الرجباوى
ضد
1 – السيد / رئيس مجلس الوزراء
2 – السيدة / رقية محمد عبد الواحد
3 – السيد / عبد الله محمد عبد الواحد
4 – السيد / جمال الدين محمد عبد الواحد
5 – السيد / محمد طلعت الطور
” الإجراءات “
بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1987 أودعت المدعية صحيفة الدعوى الماثلة بطلب الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (22) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليهم من الثانية إلى الرابع كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 3357 لسنة 1986 مدنى كلى المحلة ضد المدعية والمدعى عليه الخامس طالبين الحكم بإنهاء عقد الإيجار المؤرخ أول يوليه سنة 1963 عن الوحدة السكنية المبينة بالعقد وصحيفة الدعوى والتى قام مورثهم بتأجيرها إلى مورث المدعية والمدعى عليه الخامس، تأسيساً على إقامة الأخيرين -وهما خلف المستأجر- في عامى 1984، 1985 مبنى مملوكاً لهما يتكون من أكثر من ثلاث وحدات ودون أن يوفرا لهم وحدة ملائمة بالمبنى الذى أقاماه.
وحيث إن القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ينص في الفقرة الثانية من مادته الثانية والعشرين على انه ” إذا أقام المستأجر مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره، يكون بالخيار بين الاحتفاظ بسكنه الذى يستأجره، أو توفير مكان ملائم لمالكه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالمبنى الذى أقامه ، بما لا يجاوز مثلى الأجرة المستحقة له عن الوحدة التي يستأجرها منه “.
وحيث إن المدعية تنعى على الفقرة الثانية من المادة الثانية والعشرين المشار إليها مخالفتها للمادة الثانية من الدستور باعتبار أن الملكية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية هى اختصاص حاجز يجوز للمالك بمقتضاه أن يباشر سلطته على الشيئ الذى يملكه ليمنع غيره من استعماله، هذا بالإضافة على مخالفة الفقرة الثانية المشار إليها لنص المادة الرابعة والثلاثين من الدستور لإخلالها بالحماية التى كفلها للملكية الخاصة، وذلك بإلزامها المالك بتأجير إحدى وحدات العقار الذى يشيده – ولو كان هو وأسرته في حاجة إليها – إلى أشخاص بعينهم- ولو كانوا غير أهل للجوار أو في غير حاجة إلى الوحدة السكنية .
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أو ردها، باعتبار أنها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه وبوصفها حافز كل شخص إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة، وكانت الملكية في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقاً مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية . متى كان ذلك، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها بل غايتها خير الفرد والجماعة . ولقد كفل الدستور في مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، وهو يرد إنحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية . ولا مخالفة في ذلك كله لمبادئ الشريعة الإسلامية أو الأسس التى تقوم عليها، إذ الأصل أن الأموال جميعها مضافة إلى الله تعالى، فهو الذى خلقها وإليه تعود، وقد عهد إلى عباده عمارة الأرض وهم مسئولون عما في أيديهم من الأموال باعتبارهم مستخلفين فيها لقوله سبحانه وتعالى “وأنفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه”، ولم تعد الملكية بالتالى مجرد حق خالص لصاحبها ولا هى مزية في ذاتها تتحرر بموجبها من القيود، وإنما تتقيد بما لولى الأمر من سلطة في مجال تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية في نطاقها، وهى مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال أو إدارتها متخذاً وجهة تناقض مصلحة الجماعة أو تخل بمصلحة للغير أولى بالاعتبار، ومن ثم جاز لولى الأمر رد الضرر البين الفاحش واختيار أهون الشرين- إذا تزاحما في مجال مباشرة المالك لسلطاته- لدفع أعظمهما. كذلك فإن العمل على دفع الضرر قدر الإمكان هو مما ينعقد لولى الأمر بشرط ألا يزال الضرر بمثله، ولا يسوغ بالتالى لمن اختص بمال معين بسبب سبق يده إليه أن يقوم على استخدامه متشحاً بنزعة أنانية قوامها الغلو في الفردية، وإنما ينبغى أن يكون لحق الملكية إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتناقض، ذلك أن الملكية خلافة، وهى باعتبارها كذلك، تؤول إلى وظيفة اجتماعية تعكس بالقيود التى تفرضها على الملكية، الحدود المشروعة لممارسة سلطاتها، وهى حدود لا يجوز تجاوزها لأن المروق منها يخرج الملكية عن وضعها، ويحسر الحماية المقررة لها.
وحيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز بوجه خاص في مجال الإسكان، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك لسلطته في مجال استغلال ملكه، وهى قيود قصد بها في الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة في الطلب عليها، ولازم ذلك أن تدور هذه القيود – وأهمها الامتداد القانونى لعقد الإيجار- وجوداً وعدماً مع علة تقريرها . لما كان ذلك، وكانت الضرورة تقدر بقدرها وكان توافرها يعتبر مناطاً للحماية التى يقرر المشرع بموجبها امتداد عقد الإيجار بحكم القانون، وكان النص التشريعى المطعون عليه قد تناول بالتنظيم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها، موازناً بين المصالح المتنازعة لأطرافها، كاشفاً بمضمونه عن أن تقرير الأحكام الاستثنائية لعقد الإيجار رهن بقيام مبرراتها، وكان هذا النص قد صدر لتحقيق غاية بعينها هى تحقيق التوازن في العلاقة الإيجارية ، ودل بعبارته وفحواه على انه إذا أقام مستأجر العين المؤجرة -فى تاريخ لا حق لإبرامه عقد الإيجار المتعلق بها – عقاراً مملوكاً له تزيد وحداته السكنية على ثلاث، اقتضاه ذلك أن يشغل إحداها بدلاً من العين التى استأجرها، فإذا آثر البقاء فيها كان ذلك تحكماً وانتهازاً من جهته لا سبيل لدفعه عنه إلا إذا وفر لمؤجر العين أو لأحد أقربائه حتى الدرجة الثانية مكاناً بديلاً عنها في العقار الذى أقامه، على أن يكون هذا الم كان ملائماً، وألا تجاوز الأجرة التى يقتضيها مقابل منفعته مثلى الأجرة المستحقة عن العين التى استأجرها . تلك هى الأحكام التى تضمنها النص التشريعى المطعون عليه، ولا ينطوى إعمال المؤجر لها على عدوان من جانبه على ملكية المدعية للعقار الذى أقامته بعد استئجارها لعين في عقاره، ذلك أن بقاءها في العين المؤجرة إليها بعد انتهاء المدة الاتفاقية لعقدها، يفترض فيه استمرار حاجتها إليها بوصفها مكاناً يأويها هى وأسرتها. وعلى خلاف ذلك تأتى العدوان من جهتها هى باقتران احتفاظها بالعين التى استأجرتها بامتناعها عن أن توفر في عقارها مكاناً ملائماً بديلاً عنها لمؤجر العين أو لأحد أقربائه حتى الدرجة الثانية . ولو أنها كانت قد تخلت عن العين المؤجرة بعد انتفاء حاجتها إليها، لعاد إليها الحق كاملاً في استعمال عقارها واستغلاله بالطريقة التى تراها . وبذلك يكون النص التشريعي المطعون عليه قد وازن بين مصلحتين مرجحاً ما ارتآه منهما أحق بالحماية بما لا مخالفة فيه لأحكام الدستور ومن بينها المادة الثانية منه التي يتعين بموجبها رد النصوص التشريعية إلى مبادئ الشريعة الإسلامية لضمان توافقها معها، ذلك أن النص التشريعي المطعون عليه، وعلى ما سلف البيان، لا يعمد إلى التضحية الكاملة بحقوق المؤجر ولا يسقطها كلية من اعتباره متجاوزاً عن مصالحه المرتبطة بها، وإنما اعتد بها في الحدود التى قدرها مؤكداً بالنص التشريعى المطعون عليه أن المضرة المدفوعة مقدمة على المنفعة المجلوبة ، وأنه في إطار هذا الأصل لا يجوز للمستأجر بعد أن صار مالكاً لعقار تتعدد وحداته السكنية أن يظل محتفظاً بالعين التي استأجرها متسلطاً عليها رغم زوال الحاجة إليها دون أن يوفر في عقاره بديلاً عنها للأشخاص الذين عينهم المشرع وحددهم بأوصافهم، وذلك نوع من التوازن ارتآه المشرع محققاً للمصلحة العامة .
وحيث إن المدعية تنعى كذلك على النص التشريعي المطعون فيه إخلاله بحرية التعاقد إذ فرض عليها مستأجرين لعقارها وحملها على التعاقد معهم، كما حدد الأجرة التى يدفعونها دون مراعاة لتكلفة المساكن الجديدة إذ جعلها مثلى الأجرة المستحقة عن المساكن المتهدمة بإيجاراتها الضئيلة .
وحيث إن المآخذ التى نسبتها المدعية على هذا النحو إلى النص التشريعي المطعون فيه، مردها -وبفرض صحتها- إلى اختيارها البقاء في العين المؤجرة إضراراً بمالكها ولضآلة أجرتها رغم حاجتها إليها . وكان الأصل هو أن يعتبر عقد إيجارها منتهياً بحكم القانون بمجرد إقامتها عقاراً مملوكاً لها . غير أن المشرع انتهاجاً من جانبه لسنة التدرج، خيرها بين التخلى نهائياً عن العين التى استأجرتها لصاحبها لتعود إلى سلطاته الكاملة المتفرعة عن حق الملكية ، وبين مزاحمته في ملكه بإيثارها البقاء في هذه العين، لتتحمل بعدئذ القيود التى فرضها المشرع عليها بأن تمكن المؤجر أو بعض ذويه من اتخاذ مكان ملائم في عقارها سكناً، وليس ذلك إلا تنظيماً للحق في الملكية بما يكفل أداءها لوظيفتها الاجتماعية وبما لا مخالفة فيه للدستور . وما تنعاه المدعية على مقدار الأجرة التى تستحقها مردود كذلك بأن الحكم التشريعى المتعلق بها – والمطعون عليه – ما كان ليسرى عليها لو أنها قنعت بالسكنى في عقارها منهية بذلك علاقاتها الإيجارية السابقة . هذا بالإضافة إلى ان تدخل المشرع – في الأوضاع الاستثنائية – لتقرير ضوابط للأجرة بما لا ينزل بها عن الحدود التى تعتبر معها مقابلاً معقولاً لمنفعة العين المؤجرة هو مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق بما لا يناقض الصالح العام.
وحيث إن المدعية تنعى على النص التشريعى المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون وذلك بأن وضع شروطاً غير عامة ولا مجردة حدد بها المراكز القانونية في واقعة النزاع الماثل.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن عموم القاعدة لا يعنى إنصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة عن الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينه تحديداً . وكان النص المطعون فيه -بالشروط التى حدد بها نطاق ومجال تطبيقه- يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم وتعلقه بوقائع غير محددة بذواتها، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (40) من الدستور بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبياً لها . وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه -بما انطوى عليه من التمييز- مصادماً لهذه الأغراض مجافياً لها بما يحول دون ربطه منطقياً بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن ذلك النص يكون مستنداً إلى أسس غير موضوعية ، ومتبنياً تمييزاً تحكمياً بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور . متى كان ذلك، وكان المشرع قد أفرد العلاقة الإيجارية محل النزاع الماثل بتنظيم خاص محدداً قواعده وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان قصر هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة باعتبار أن التوازن في العلاقة الإيجارية هو الغاية النهائية التى استهدفها التنظيم التشريعى المطعون عليه، وكانت القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم -وعلى ضوء دلالتها القاطعة – تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية ومؤدية إليها، فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة الأربعين من الدستور تكون فاقدة لأساسها .
وحيث إن المدعية تنعى كذلك على النص المطعون عليه مخالفته للدستور في مادته الخمسين التى حظر بها منع المواطن من الإقامة في جهة معينة أو إلزامه بالإقامة في مكان معين، إلا في الأحوال المبينة في القانون قولاً منها بأن النص المطعون فيه يقيد حريتها في الإقامة في الجهة التى تختارها، ويحملها على عدم الإقامة في مسكنها الأصلى والسكنى في العقار الذى أقامته.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الإقامة التى يعنيها الدستور في مادته الخمسين هى التى ينال تقييدها أو منعها من الحق في التنقل سواء بالانتقاص منه أو إهداره، وهو حق كفل الله عز وجل أصله بقوله ” هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها ” وهو كذلك من الحقوق التى تتكامل بها الشخصية الإنسانية التى تعكس حمايتها التطور الذى قطعته البشرية نحو مثلها العليا على ما قررته ديباجة الدستور، ويعتبر من جهة أخرى متصلاً بالحرية الشخصية معززاً لصونها من العدوان، ومن ثم نص الدستور في مادته الحادية والأربعين على انه “فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد …. أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع”. وتوكيداً لمضمون الحق في التنقل وتحديداً لأبعاده اعتبره الدستور من الحقوق العامة التى يتعين ضمانها لكل مواطن . وفى إطار هذا الحق نص الدستور في مادته الحادية والخمسين على انه “لا يجوز إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها ولو كان ذلك تدبيراً احترازياً لمواجهة خطورة إجرامية ولقد عنى الدستور كذلك في مادته الثانية والخمسين بأن ينظم بعض صوره حين كفل للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وفقاً للقواعد التى يضعها المشرع في شأن شروط الهجرة وإجراءاتها. لما كان ذلك، وكان النص التشريعى المطعون فيه لا يتوخى تنظيم الإقامة بالمعنى المتقدم ولا شأن له بها، ولم يقصد إلى فرض قيود عليها، بل تغيا بأحكامه إقامة توازن كان مفقوداً في العلاقة الإيجارية قبل صدوره. وكان جوهر السلطة التقديرية التى يملكها المشرع إنما يتمثل في المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة المتصلة بالموضوع الذى تناوله بالتنظيم، وكان ما تثيره المدعية في هذا الوجه من مناعيها لا يعدو أن يكون تعقيباً من جانبها على ما ارتآه المشرع ملبياً للمصلحة العامة ومحققاً لمصلحة الغير الأولى بالاعتبار، فإن نعيها يكون حرياً بالرفض .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات، ومبلغ مائة جنيه أتعاباً للمحاماة .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً