حكم نقض جنائي سرقة -سلاح صوت -تفتيش سيارة
جلسة 17 من أبريل سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمود إبراهيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سمير مصطفى وعبد المنعم منصور وفتحي جودة نواب رئيس المحكمة وإيهاب عبد المطلب.
(78)
الطعن رقم 26471 لسنة 67 القضائية
(1) نقض “التقرير بالطعن وإيداع الأسباب. ميعاده”.
التقرير بالطعن دون تقديم الأسباب. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً. أساس ذلك؟
(2) حكم “بيانات التسبيب”.
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(3) سرقة. فاعل أصلي. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
إثبات الحكم إسهام الطاعن بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة ووجوده مع آخرين على مسرحها لارتكاب السرقة. كفايته لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(4) سرقة. قصد جنائي. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تحدث الحكم استقلالاً عن قصد السرقة. غير لازم. ما دامت الواقعة تفيد بذاتها توافره.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر القصد الجنائي في جريمة سرقة من متعددين مع حمل سلاح ليلاً.
(5) سرقة. جريمة “أركانها”. ظروف مشددة. سلاح. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
تحديد وقت وقوع الحادث وإثبات ظرف حمل المتهم السلاح. موضوعي.
(6) سرقة. جريمة “أركانها”. ظروف مشددة. سلاح. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
حمل أحد المتهمين سلاحاً ظاهراً أو مخبأ. كفايته لتحقق ظرف حمل السلاح في جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 عقوبات.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل غير جائز أمام النقض.
(7) إثبات “بوجه عام”. محكمة الموضوع “سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع.
ما لا يوفره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
النعي بأن الواقعة تعد جنحة وليست جناية سرقة. منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة.
متابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. غير لازم. استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(8) محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات “بوجه عام” “شهود”.
لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده؟
(9) إثبات “بوجه عام”. استدلالات. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة.
النعي على الحكم التعويل على أقوال شاهدي الإثبات المعززة بتحريات الشرطة. جدل موضوعي في تقدير الأدلة. غير مقبول أمام النقض.
(10) سرقة. سلاح. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
حمل سلاح فاسد أو مسدس صوت. كفايته لتغليظ العقاب على جناية السرقة من متعددين مع حمل سلاح ليلاً. علة ذلك؟
(11) مأمورو الضبط القضائي. قبض. تفتيش. “تفتيش السيارات”.
القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة للسيارات. نطاقها؟
لمأموري الضبط القضائي إيقاف السيارات المعدة للإيجار للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور.
(12) استيقاف. رجال السلطة العامة. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
الاستيقاف. ماهيته؟
تقدير قيام المبرر للاستيقاف من عدمه. موضوعي.
(13) تلبس. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير حالة التلبس”. سرقة. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تقدير توافر حالة التلبس أو انتفاؤها. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر حالة التلبس في جريمة سرقة من متعددين مع حمل سلاح.
(14) اختصاص “اختصاص مكاني”. نيابة عامة. إجراءات “إجراءات التحقيق”.
لعضو النيابة متابعة التحقيق في مكان آخر غير الذي بدأ منه ولو تجاوز دائرة اختصاصه المكاني. متى استوجبت ظروف التحقيق متابعة الإجراءات خارجها.
(15) نيابة عامة. إجراءات “إجراءات التحقيق”. مأمورو الضبط القضائي. اختصاص “اختصاص مكاني”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
لعضو النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه تكليف أي من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي يختص بها. شرط ذلك؟
ندب المحقق مأمور الضبط القضائي لضبط السلاح المستخدم خارج دائرة اختصاصه المكاني. صحيح. ما دامت الجريمة وقعت بدائرة اختصاصه.
(16) إجراءات “إجراءات المحاكمة”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(17) إثبات “اعتراف”. استجواب. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
النعي ببطلان الاستجواب واعتراف الطاعنين. غير مقبول. ما دام الحكم لم يتساند في الإدانة إلى دليل مستمد منهما.
(18) دفوع “الدفع بتلفيق التهمة” “الدفع بنفي التهمة” “الدفع بشيوع مكان الضبط” “الدفع بانتفاء القصد الجنائي”.
الدفع بنفي التهمة وتلفيقها وشيوع مكان الضبط وانتفاء القصد الجنائي. موضوعي. لا تستوجب رداً. استفادة الرد عليها من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
1 – لما كان الطاعنان الثاني……. والثالث…… وإن قررا بالطعن في الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسباباً لطعنهما، ولما كان التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونا معاًَ وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعنين المذكورين، يكون غير مقبول شكلاً.
2 – لما كان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون، فإن منعى الطاعنين على الحكم بالقصور في هذا الشأن لا يكون سديداً.
3 – لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أثبت في حق الطاعنين إسهامهم بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة وتواجدهم على مسرح الجريمة مع باقي المتهمين وقيامهم جميعاً بالسرقة مع حمل الطاعن…….. سلاحاً وهو ما يكفي لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين فيها، فإن ما ينعاه الطاعنان في شأن التدليل على مشاركتهما في ارتكاب الجريمة لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4 – من المقرر أن التحدث عن نية السرقة شرط لازم لصحة الحكم بالإدانة في جريمة السرقة متى كانت هذه النية محل شك في الواقعة المطروحة أو كان المتهم يحاول نفي قيامها لديه إلا أن التحدث عنها استقلالاً في الحكم أمر غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية كما أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لتوافر القصد الجنائي في حق الطاعنين بقوله “أما عن القصد الجنائي للسرقة فهو متوافر في حق المتهمين…… و…… و……. من ظروف التقائهم واجتماعهم ببعضهم ثم توجههم في هذه الساعة المتأخرة من الليل وتحميلهم المواشي وعدم حدوث اتفاقات على أسعار بيع وما يمكن أن يصاحب ذلك من أخذ ورد ثم تحميلهم المواشي على السيارة وهو الأمر الذي شعر به المتهم…… فامتنع عن التحرك بالسيارة مما اضطر المتهم الخامس……. إلى تهديده بالمسدس – محدث الصوت – الذي كان يحمله لتهديد وشل حركة من يعترض طريقهم حال إتمام سرقتهم ودخولهم الحوش في غيبة صاحبه” وإذ كان ما ساقه الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن لا يكون صحيحاً.
5 – تحديد وقت وقوع الحادث من الليل أو النهار وإثبات ظرف حمل المتهم للسلاح هو مما يستقل به قاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك.
6 – لما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانوناً بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ أياً كان سبب حمله لهذا السلاح، وكانت المحكمة قد اطمأنت من جماع الدليل المطروح عليها في الدعوى إلى أن المتهم – ومعه آخرون – قد قاموا بإتيان واقعة السرقة ليلاً وأن أحدهم كان يحمل سلاحاً هدد به سائق السيارة النقل لنقل المواشي المسروقة فانصاع لأمره، وقد ضبط هذا السلاح بعد ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7 – النعي بأن الواقعة مجرد جنحة سرقة وليست جناية سرقة ليلاً مع تعدد الجناة وحمل السلاح لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، طالما أنها تناولت دفاعهما وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ويكون نعي الطاعنين في هذا الشأن غير سديد.
8 – لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابطين من أن الطاعنين ارتكبا الجريمة التي دانهما الحكم بها، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
9 – لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان بشأن تعويل الحكم على أقوال الضابطين شاهدي الإثبات معززة بما أسفرت عنه تحريات الشرطة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.
10 – لما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين ارتكاب جناية السرقة ليلاً مع تعدد الجناة وحمل السلاح، وكانت العلة التي من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذا كان مرتكبها يحمل سلاحاً إنما هي مجرد حمل مثل هذا السلاح ولو كان الجاني لم يقصد من حمله الاستعانة به واستخدامه في الجريمة، وذلك لما يلقيه مجرد حمله من رعب في نفس المجني عليه، وهذه العلة تتوافر ولو كان السلاح فاسداً أو غير صالح للاستعمال أو كان مجرد مسدس صوت طالما أن مظهره يؤدي إلى الغرض المقصود من حمله ويحقق العلة من تغليظ العقاب في هذه الحالة، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم من توافر حمل السلاح يكون قد أصاب صحيح القانون.
11 – لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الاستيقاف والقبض وأطرحه بقوله “وحيث إنه عن الدفع ببطلان الاستيقاف والقبض الحاصل للسيارة النقل رقم…… التي كانت تحمل المواشي عند كمين….. فمردود عليه بأن مجرد إيقاف مأمور الضبط لسيارة معدة للإيجار وهي سائرة في طريق عام بقصد مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح في شأنها واتخاذ إجراءات التحري والبحث عن مرتكبي الجرائم في دائرة اختصاصه لا ينطوي على تعرض لحرية الركاب الشخصية ولا يمكن أن يعتبر في ذاته قبضاً في صحيح القانون” وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك أن القيود الواردة على حق رجل الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها، إما بالنسبة للسيارات المعدة للإيجار – كالسيارة التي ضبطت بها المواشي المسروقة – فإن من حق مأمور الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور.
12 – الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة على سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراًَ في موضع الريب والظن، وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – والفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه.
13 – تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع – وفق الوقائع المعروضة عليها – بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سليم واستدلال سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي من إيقاف السيارة النقل التي كانت محملة بالمواشي الساعة الثالثة والنصف صباحاً وإذ ارتاب في الأمر فاستفسر من مستقلي السيارة عن مصدر هذه المواشي فأجابه كل منهم بإجابة مختلفة فزاد ارتيابه في الأمر وهو ما يبيح له استيقاف المتهمين ومنعهم من السير بالسيارة للتحري والكشف عن حقيقة الأمر، وإذ اتصل برئاسته أفادته بأن هذه المواشي مبلغ بسرقتها بمركز شرطة……. وهو ما يبيح له القبض على المتهمين، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بالقصور والخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله.
14 – من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها إلى خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات التي بدأتها سلطة مختصة بمكان وقوع الجريمة تجيز للمحقق أن يتعقب المتهم وأن يتابع التحقيق في مكان آخر غير الذي بدأ منه ولو تجاوز دائرة الاختصاص المكاني.
15 – من المقرر أن للنيابة أن تباشر بنفسها أعمال التحقيق التي اختصها بها القانون أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذه عملاً بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصه، وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صحيحاً ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق – غير استجواب المتهم – دون أن يمتد إلى تحقيق المندوب له خارج دائرة اختصاصه المكاني طالما كان هذا الإجراء في صدد دعوى بدأ تحقيقها على أساس وقوع واقعتها في دائرة اختصاصه وانعقد الاختصاص فيها لسلطة التحقيق النادبة، وإذ كان الطاعن لا يماري في أن الجريمة وقعت بدائرة اختصاص وكيل النيابة المحقق فإن إصداره الإذن بندب مأمور الضبط لضبط السلاح المستخدم بإرشاد الطاعن الرابع خارج دائرة اختصاصه المكاني يكون صحيحاً في القانون ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشق يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه.
16 – لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يطلب إجراء معاينة لمكان ضبط السلاح – محدث الصوت – فليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه، فإن منعى الطاعن الرابع في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
17 – لما كان لا جدوى من النعي على الحكم ببطلان استجواب الطاعنين وبطلان اعتراف الطاعن الأول والمحكوم عليه الثاني ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أنه لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب أو الاعتراف المدعي ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال الشهود وتقرير المعمل الجنائي، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يضحى ولا محل له.
18 – لما كان ما أثاره الطاعن الرابع لدى محكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الشهود، وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة، ودفاعه بعدم ارتكاب الجريمة وبعدم تواجده على مسرحها وبشيوع مكان ضبط السلاح وأن ضبط المواشي بالسيارة لم يكن بقصد السرقة وإنما كان حصيلة بيع لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
——————————————————————————–
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر قضي ببراءته بأنهم سرقوا الماشية المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة لكل من……. حال كونهم أكثر من شخصين إحداهم حاملاً سلاحاً “محدث صوت ألماني بماسورة غير مششخنة” وكان ذلك ليلاً على النحو المبين بالأوراق. وأحالتهم إلى محكمة جنايات……. لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 316 من قانون العقوبات بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة محدث الصوت والخرطوشات المضبوطين.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض……. إلخ.
——————————————————————————–
المحكمة
حيث إن الطاعنين الثاني……. والثالث….. وإن قررا بالطعن في الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسباباً لطعنهما، ولما كان التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونا معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعنين المذكورين، يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطاعنين الأول والرابع ينعيان – بمذكرات الأسباب الثلاث – على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما وآخرين بجريمة السرقة ليلاً مع تعدد الجناة وحمل السلاح قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه لم يتضمن بياناً بالواقعة تتحقق به الأركان القانونية للجريمة ولم يورد مؤدى أدلة الثبوت التي أقام عليها قضاءه بالإدانة، ولم يبين دور كل منهما والصلة بينهما وبين باقي المتهمين ولم يقم الدليل على قيام الاتفاق بينهم على ارتكاب الجريمة، ولم يستظهر القصد الجنائي في حقهما والصلة بين حمل السلاح وفعل السرقة وصور الواقعة بأنها جناية سرقة ليلاً مع التعدد وحمل السلاح مع أنها لا تعدو أن تكون جنحة سرقة لتخلف ركن الإكراه، وعول في ذلك على أقوال الضابطين شاهدي الإثبات وتحريات الشرطة رغم أنها لا تصلح دليلاً,
والتفت عن دفاعهما بخلو الأوراق من دليل على حمل الطاعن الرابع سلاحاً ظاهراً أو مخبأ وأن ما ضبط معه لا يعدو أن يكون محدث صوت وليس سلاحاً يصلح للاعتداء أو التهديد ضد المجني عليهما اللذين لم يتواجدا على مسرح الجريمة، فضلاً عن أن أياًَ من شهود الإثبات لم يقرر باستعماله وقت وقوع الجريمة، وإن صح اعتباره سلاحاً فقد وقع التهديد به من متهم على متهم، كما دفع الطاعنان ببطلان القبض عليهما وعلى باقي المتهمين لانعدام مبررات الاستيقاف ولعدم وجود حالة من حالات التلبس بيد أن الحكم رد على الشق الأول رداً غير كاف أو سائغ لإطراحه وأغفل الرد على الشق الثاني من الدفع، ولم يعرض الحكم لدفاع الطاعن الرابع ببطلان إذن النيابة العامة بندب مأمور الضبط لضبط السلاح بإرشاده إذ أنه يعتبر إجراء من إجراءات الاستجواب الذي ليس لغير جهة التحقيق إجرائه ولتجاوز القائم بالإجراء حدود اختصاصه المكاني وشيوع مكان ضبط محدث الصوت وكان يجب على النيابة إجراء معاينة للتأكد من ذلك، كما دفع ببطلان استجوابهما وبطلان اعتراف المتهمين الأول والثاني وبعدم تواجده على مسرح الجريمة وأن ضبط المواشي بالسيارة لم يكن بقصد السرقة وإنما حصيلة بيع وما ساقه من أدلة على عدم ارتكاب الجريمة إلا أن المحكمة لم تعرض لهذه الدفوع إيراداً ورداً، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله “تتحصل في أن المتهم……. استأجر السيارة النقل رقم….. نقل…… قيادة السائق المتهم الثالث…… لنقل المواشي وتوجه بها وبصحبته المتهم….. إلى قرية…… مركز…… وهناك التقى المتهمين الأول…… والمتهم الثاني…… مع المتهم…… وتوجهوا ثلاثتهم ليلة……. بالسيارة النقل المستأجرة إلى قرية…… حيث انضم إليهم المتهم الخامس……. ووقفوا بالسيارة النقل عند حوش المجني عليهما…….. وكانت الساعة حوالي التاسعة مساءً وقام المتهمون……. الذي كان يحمل محدث صوت على هيئة سلاح ناري بسرقة المواشي المملوكة لكل من…… و…… وحملوها على السيارة النقل المستأجرة بقيادة المتهم…….. الذي ارتاب في الأمر ورفض التحرك بالسيارة إلا أن المتهم الخامس…. أخرج محدث صوت على هيئة مسدس وهدده به وتحت تأثير هذا التهديد انصاع وقاد السيارة النقل في اتجاه….. وعند قرية….. التابعة لمركز….. التي كانوا قد وصلوا إليها حوالي الساعة الثالثة والنصف من صباح يوم……. ووقفوا بكمين متواجد به النقيب…….. الضابط بمباحث فرع…… الذي شاهد المواشي المحملة على السيارة النقل وهي عبارة عن……. وإذ استفسر من مستقلي السيارة النقل كل من المتهم……. و……. كل على انفراد عن مصدر هذه المواشي تلقى إجابات مختلفة ومتباينة فزاد ارتيابه في الأمر وأجرى نشرة عن المواشي التي سبق بيانها فأجابه مركز…… أن المواشي موضوع النشرة بذات مواصفاتها مبلغ بسرقتها ومحرر عن ذلك محضر فقام بضبط المتهمين الحاضرين والماشية المسروقة واتخذت إجراءات ضبط المتهم…… والمتهم……. الذي أرشد عن محدث الصوت الذي هو على هيئة سلاح ناري وتم ضبطه، ثم أورد الحكم مؤدى أدلة الثبوت التي استند إليها في قضائه والمستمدة من شهادة النقيب…….. بالبحث الجنائي فرقة…….. والنقيب……. معاون مباحث مركز…….. وتقرير المعمل الجنائي، وكان يبين مما سطره الحكم فيما تقدم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها،
وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون، فإن منعى الطاعنين على الحكم بالقصور في هذا الشأن لا يكون سديداً، لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أثبت في حق الطاعنين إسهامهم بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة وتواجدهم على مسرح الجريمة مع باقي المتهمين وقيامهم جميعاً بالسرقة مع حمل الطاعن…….. سلاحاً وهو ما يكفي لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين فيها فإن ما ينعاه الطاعنان في شأن التدليل على مشاركتهما في ارتكاب الجريمة لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التحدث عن نية السرقة شرط لازم لصحة الحكم بالإدانة في جريمة السرقة متى كانت هذه النية محل شك في الواقعة المطروحة أو كان المتهم يحاول نفي قيامها لديه إلا أن التحدث عنها استقلالاً في الحكم أمر غير لازم ما دامت الواقعة الجنائية كما أثبتها تفيد بذاتها أن المتهم إنما قصد من فعلته إضافة ما اختلسه إلى ملكه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لتوافر القصد الجنائي في حق الطاعنين بقوله “أما عن القصد الجنائي للسرقة فهو متوافر في حق المتهمين……. من ظروف التقائهم واجتماعهم ببعضهم ثم توجههم في هذه الساعة المتأخرة من الليل وتحميلهم المواشي وعدم حدوث اتفاقات على أسعار بيع وما يمكن أن يصاحب ذلك من أخذ ورد ثم تحميلهم المواشي على السيارة وهو الأمر الذي شعر به المتهم……. فامتنع عن التحرك بالسيارة مما اضطر المتهم الخامس……. إلى تهديده بالمسدس – محدث الصوت – الذي كان يحمله لتهديد وشل حركة من يعترض طريقهم حال إتمام سرقتهم ودخولهم الحوش في غيبة صاحبه” وإذ كان ما ساقه الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن لا يكون صحيحاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تحديد وقت وقوع الحادث من الليل أو النهار وإثبات ظرف حمل المتهم للسلاح وهو مما يستقل به قاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن جناية السرقة المعاقب عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات تتحقق قانوناً بالنسبة إلى ظرف حمل السلاح كلما كان أحد المتهمين حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأ أياً كان سبب حمله هذا السلاح،
وكانت المحكمة قد اطمأنت من جماع الدليل المطروح عليها في الدعوى إلى أن المتهم – ومعه آخرون – قد قاموا بإتيان واقعة السرقة ليلاً وأن أحدهم كان يحمل سلاحاً هدد به سائق السيارة النقل لنقل المواشي المسروقة فانصاع لأمره، وقد ضبط هذا السلاح بعد ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة سرقة وليست جناية سرقة ليلاً مع تعدد الجناة وحمل السلاح لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، طالما أنها تناولت دفاعهما وردت عليه رداً سليماً يسوغ به إطراحه – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ويكون نعي الطاعنين في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابطين من أن الطاعنين ارتكبا الجريمة التي دانهما الحكم بها، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان بشأن تعويل الحكم على أقوال الضابطين شاهدي الإثبات معززة بما أسفرت عنه تحريات الشرطة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين ارتكاب جناية السرقة ليلاً مع تعدد الجناة وحمل السلاح، وكانت العلة التي من أجلها غلظ الشارع العقاب على السرقة إذا كان مرتكبها يحمل سلاحاً إنما هي مجرد حمل مثل هذا السلاح ولو كان الجاني لم يقصد من حمله الاستعانة به واستخدامه في الجريمة، وذلك لما يلقيه مجرد حمله من رعب في نفس المجني عليه، وهذه العلة تتوافر ولو كان السلاح فاسداً أو غير صالح للاستعمال أو كان مجرد مسدس صوت طالما أن مظهره يؤدي إلى الغرض المقصود من حمله ويحقق العلة من تغليظ العقاب في هذه الحالة، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم من توافر حمل السلاح يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الاستيقاف والقبض وأطرحه بقوله “وحيث إنه عن الدفع ببطلان الاستيقاف والقبض الحاصل للسيارة النقل رقم…… التي كانت تحمل المواشي عند كمين…… فمردود عليه بأن مجرد إيقاف مأمور الضبط لسيارة معدة للإيجار وهي سائرة في طريق عام بقصد مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح في شأنها واتخاذ إجراءات التحري والبحث عن مرتكبي الجرائم في دائرة اختصاصه لا ينطوي على تعرض لحرية الركاب الشخصية ولا يمكن أن يعتبر في ذاته قبضاً في صحيح القانون” وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك أن القيود الواردة على حق رجل الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي في حيازة أصحابها، أما بالنسبة للسيارة المعدة للإيجار – كالسيارة التي ضبطت بها المواشي المسروقة – فإن من حق مأمور الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور، وأن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة على سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف،
وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراًَ في موضع الريب والظن، وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – والفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه، كما أن تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع – وفق الوقائع المعروضة عليها – بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سليم واستدلال سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي من إيقاف السيارة النقل التي كانت محملة بالمواشي الساعة الثالثة والنصف صباحاً وإذ ارتاب في الأمر فاستفسر من مستقلي السيارة عن مصدر هذه المواشي فأجابه كل منهم بإجابة مختلفة فزاد ارتيابه في الأمر وهو ما يبيح له استيقاف المتهمين ومنعهم من السير بالسيارة للتحري والكشف عن حقيقة الأمر، وإذ اتصل برئاسته أفادته بأن هذه المواشي مبلغ بسرقتها بمركز شرطة……. وهو ما يبيح له القبض على المتهمين، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بالقصور والخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها إلى خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات التي بدأتها سلطة مختصة بمكان وقوع الجريمة تجيز للمحقق أن يتعقب المتهم وأن يتابع التحقيق في مكان آخر غير الذي بدأ منه ولو تجاوز دائرة الاختصاص المكاني، كما أن للنيابة أن تباشر بنفسها أعمال التحقيق التي اختصها بها القانون أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذه عملاً بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من اختصاصه، وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صحيحاً ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق – غير استجواب المتهم – دون أن يمتد إلى تحقيق المندوب له خارج دائرة اختصاصه المكاني طالما كان هذا الإجراء في صدد دعوى بدأ تحقيقها على أساس وقوع واقعتها في دائرة اختصاصه وانعقد الاختصاص فيها لسلطة التحقيق النادبة،
وإذ كان الطاعن لا يماري في أن الجريمة وقعت بدائرة اختصاص وكيل النيابة المحقق فإن إصداره الإذن بندب مأمور الضبط لضبط السلاح المستخدم بإرشاد الطاعن الرابع خارج دائرة اختصاصه المكاني يكون صحيحاً في القانون ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشق يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه. لما كان ذلك, وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يطلب إجراء معاينة لمكان ضبط السلاح – محدث الصوت – فليس لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه، فإن منعى الطاعن الرابع في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، كان لا جدوى من النعي على الحكم ببطلان استجواب الطاعنين وبطلان اعتراف الطاعن الأول والمحكوم عليه الثاني ما دام البين من الواقعة كما صار إثباتها في الحكم ومن استدلاله أنه لم يستند في الإدانة إلى دليل مستمد من الاستجواب أو الاعتراف المدعي ببطلانهما وإنما أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال الشهود وتقرير المعمل الجنائي، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يضحى ولا محل له. لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن الرابع لدى محكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الشهود، وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة، ودفاعه بعدم ارتكاب الجريمة وبعدم تواجده على مسرحها وبشيوع مكان ضبط السلاح وأن ضبط المواشي بالسيارة لم يكن بقصد السرقة وإنما كان حصيلة بيع لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
اترك تعليقاً