حكم نقض ( جلب مخدرات )
رقم الحكم 54
تاريخ الحكم 15/01/1991
اسم المحكمة محكمة النقض – مصر
المحكمة
من حيث ان المحكوم عليه……… وان قرر بالطعن في الميعاد الا انه لم يقدم اسبابا لطعنه ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلا لما هو مقرر من ان التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وان تقديم الاسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وان التقرير بالطعن وتقديم الاسباب يكونان معا ووحدة اجرائية لا يقوم فيها احدهما مقام الاخر ولا يغنى عنه.
وحيث ان الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه انه اذ دانهم جلب جواهر مخدرة وتهريبها قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والاخلال بحق الدفاع والبطلان ذلك بان ما اورده في بيانه لواقعة الدعوى لا تتوافر به الاركان القانونية بجريمة جلب المخدر ولم يستظهر ما اذا كان الطاعنون قد تجاوزا الخط الجمركي من عدمه ولم يورد مضمون اقوال كل من الطاعن الثاني والمتهم……. بطريقة كافية وقد دفع الطاعنون ببطلان الاعتراف المعزو اليهم لصدوره تحت تاثير الاكراه المادي والمعنوي من رجال الشرطة وعدم زوال اثره امام وكيل النيابة الذي ما كان له ان يباشر التحقيق في دار المخابرات الحربية وفي حضور ضباطها لفترة استطالت الى اكثر من عشرين ساعة بيد ان الحكم عول في ادانتهم على هذا الاعتراف واطرح هذا الدفع بما لا يصلح لاطراحه.
والتفت عما اثاروه من بطلان ضبط المخدر لعدم استصدار اذن من النيابة العامة بضبطه وهذا الى ان تحريات الشرطة غير جدية واستقاها الضابط من المتهم العاشر…… كما ان ما اورده الحكم من ان المواد المخدرة كانت خارج المياه الاقليمية وتم نقلها الى داخلها بقصد ادخالها البلاد ولا سند له من الاوراق. وعول الحكم على اعتراف الطاعن الثاني رغم تناقض اقواله واخذ بالتصوير الذي قال به الضابط رغم مجافاته لطبيعة الامر اذ التعبير لا يكون بالطريقة التي قال بها الضابط واكتفت المحكمة بتلاوة اقوال الضابط بعد تنازل النيابة العامة والدفاع عن سماع اقواله دون ان تبدي رايها في هذا الشان ودون ان تمكن الدفاع والنيابة العامة من مناقشة طبيب السجن واغفل الحكم الرد على الدفع بعدم العلم بكنه المادة المضبوطة واستند في ادانة الطاعنين وحدهم الى تحريات الشرطة دون المتهمين الاخرين الذين قضى ببراءتهم مع انها شملتهم كفاعلين في الجريمة واعرض عما تمسك به الطاعن الخامس من توافر حالة الضرورة في حقه.
ولم يشر الى نص القانون الذي دان الطاعنين بمقتضاه، كما ان النيابة العامة لم تناظر المتهمين ولم تجر مواجهة بينهم فيما اختلفوا فيه ولم تعرض عليهم المواد المخدرة قبل وبعد تحريزها ولم تحطم علما بنتيجة التحليل ولم تستوف التحقيق بسؤال افراد قارب حرس الحدود الذي قام بنقل المواد المخدرة واخيرا فان استجواب المتهم الخامس امام النيابة العامة وقع باطلا لعدم حضور محام معه كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: انها تتحصل في ان التحريات السرية للرائد…….. قائد مكتب مخابرات امن حرس حدود العريش قد دلت على ان افراد طاقم مركبي الصيد……… و……… قد جلبوا كمية من المواد المخدرة داخل تسعة وعشرين اطارا من الكاوتشوك سلمت اليهم من مركب اجنبي التقوا بها خارج المياه الاقليمية ثم قاموا بحملها على مركبي الصيد سالفي الذكر حيث تم تصبيرها في مياه البحر على بعد خمس كيلو مترات داخل المياه الاقليمية امام ساحل المساعيد بالعريش على عمق يخفيها عن الاعين تمهيدا لانتشالها بواسطة قوارب صغيرة تحملها الى البر وانه د تمنكن بالفعل من (حفظ) هذه الاطارات حيث كانت معلقة في عرض البحر بخيوط تتصل بقرص من الفاعلين عائم على سطح المياه بذات المنطقة التي تم تصبيرها فيها وان تحرياته قد اسفرت عن ان الجناة هم الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس……… و………. و…….. و……… و……… كما دلت على ان المتهم السابع……… قد ساهم بطريق الاتفاق مع المتهم……… لجلب المواد المخدرة المضبوطة واذ اذنت النيابة بضبط واحضار هؤلاء المتهمين اعترف المتهم الثاني……. انه منذ ثلاثة ايام سابقة على يوم……. قاد مركب الصيد الذي يمتلكه باسم………. مصطحبا معه المتهمين الثالث والرابع……… و……… على ذات المركب وقد رافقهم المتهم الخامس……… يقود مركب صيد اخر يمتلكه باسم……… مصطحبا معه عليها كلا من المتهمين السادس والعاشر…….. و……….. حيث توجهوا معا لملاقاة مركب اجنبي تركي قادمة بعرض البحر خارجا المياه الاقليمية واستلموا كمية المواد المخدرة المضبوطة محفوظة داخل تسعة وعشرون اطارا من الكاوتشوك قاموا بنقلها على مركبي الصيد سالفي الذكر حيث تم تصييرها معلقة في عمق مياه البحر داخل المياه الاقليمية بالمنطقة المواجهة لساحل المسا عيد بالعريش على مسافة خمسة كيلو مترات تمهيدا لانتشالها في وقت لاحق وحملها الى البر بواسطة زوارق صغيرة يستخدمونها لهذا الغرض واوضح بان كل ما قام به كان تنفيذا لما اتفق عليه مع المتهم السابع……… بهذا الخصوص ولقد اعتراف كل من…….. و………. و……….. و……… و…….. بما ارتكبوه من افعال مرددين ذات التصوير على النحو السالف سرده وبيانه باعتراف المتهم الثاني………. كما اعترف المتهم السابع……….. بتحقيقاته النيابة العامة بما حاصلة انه اجرى اتفاقا مع المتهم الثاني…………. في لقاء تم يوم……… يقوم الاخير بمقتضاه باستلام كمية كبيرة من المواد المخدرة تقدر بنحو 2 طن من مركب اجنبي قامت بجلبها من الخارج وان – يقوم بنقلها من عرض البحر الى البر على ظهر لنش بحري “.
لما كان ذلك، وكان ما اورده الحكم تتوافر به جريمة جلب جوهر مخدر في حق كل من الطاعنين. ذلك بان الشارع اذ عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شان مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على ان المراد يجلب المخدر في الاصل هو استيراده بالذات او بالواسطة ملحوظا في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه او لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصدا من الشارع الى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي، واذا كان استيراد المواد المخدرة لا يعدو في واقع الامر ان يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود الى داخل الاراضي الجمهورية فهو مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمنا على عنصر الحيازة الى جانب دلالته الظاهرة عليها، وكان لا يشترط لاعتبار الجاني حائزا لمادة مخدرة ان يكون محرزا ماديا لها بل يكفي لاعتباره كذلك ان يكون سلطانه مبسوطا عليها ولو لم تكن في حيازته المادية او كان المحرز للمخدر شخصا اخر غيره. وكانت المادة 39 من قانون العقوبات اذ نصت على ان يعتبر فاعلا في الجريمة من يدخل في ارتكابها اذا كانت تتكون من جملة اعمال فياتي عمدا عملا من الاعمال المكونة لها فقد دلت على ان الجريمة اذا تركبت من عدة افعال سواء بحسب طبيعتها او طبقا لخطة تنفيذها فان كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلا مع غيره فيها ولو ان الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد او اكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقا لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قصد الفاعل معه في ايقاع تلك الجريمة المعينة واسهم فعلا بدور في تنفيذها،
ولما كان الحكم المطعون فيه قد اثبت في منطق سائغ وتدليل مقبول ان الطاعنين الخمسة قد اتفقت ارادتهم على جلب المواد المخدرة وان كلا منهم اسهم – تحقيقا لذلك – بالدور الذي اعد له في خطة تنفيذ تلك الجريمة على النحو الذي اورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وملابساتها كافيا في الدلالة على ان الطاعنين كانوا يعلمون بان اطارات الكاوتشوك تحوى مخدرا وكان الطاعنون لا ينازعون في ان ما عول عليه الحكم من ادلة الثبوت له ماخذه الصحيح من الاوراق وقد انصبت مجادلتهم على ما استخلصه الحكم من هذه الادلة ورتب عليه ان كلا منهم قد ارتكب جريمة جلب المخدر، فان ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز اثارته امام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان الجلب في حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 سالف الذكر ليس مقصورا على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وادخالها المجال الخاضع لاختصاصها الاقليمي كما هو محدد دوليا، بل انه يمتد ايضا الى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة ولو في نطاق ذلك المجال – على خلاف الاحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في المواد من3 ، 4، 5، 6 التي رصد لها الشارع الفصل الثاني من القانون المذكور ونظم فيها جلب الجواهر وتصديرها، فاشترط لذلك الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الادارية المختصة لا يمنح الا للاشخاص والجهات التي بينها بيان حصر وبالطريقة التي رسمها على سبيل الالزام والوجوب فضلا عن حظره تسليم ما يصل الى الجمارك من تلك الجواهر الا بموجب اذن سحب كتابي تعطيه الجهة الادارية المختصة للمرخص له بالجلب او لمن يحل محله في عمله وايجابه على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم اذن السحب او التصدير من صاحب الشان واعادته الى تلك الجهة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الاول من قانون الجمارك الصادر به قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 انه ” يقصد بالاقاليم الجمركي، الاراضي، والمياه الاقليمية الخاضعة لسيادة الدولة “.
وان الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين جمهورية مصر العربية والدولة المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية ومع ذلك تعتبر خطا جمركيا ضفتا قناة السويس وشاطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة ” وان تمتد نطاق الرقابة الجمركية البحري من الخط الجمركي الى مسافة ثمانية عشر ميلا بحريا في المحيطات المحيطة به، اما النطاق البحري فيحدد من قرار من وزير المالية وفقا لمقتضيات الرقابة ويجوز ان تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه “.
ومفاد ذلك ان تخطى الحدود الجمركية او الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها القانون 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الادارية المنوط بها منحه، يعد جليا محظورا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اثبت ان الطاعنين قد اجتازوا بالمخدرات الخط الجمركي وذلك بنقلها من خارج المياه الاقليمية الى داخلها فان ما اثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان ما اورده الحكم في بيان اقوال الطاعن الثاني والمتهم………. كافيا في تقهم اقوالهما كان ذلك محققا لحكم القانون ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعنين ل انه وليد اكراه واطرحه في قوله ” هذا الدفع مردود ولا تجد له المحكمة سندا تطمئن اليه يقنعها براءة ذلك انه لا محل للنعي على اجراء التحقيق مع المتهمين بمقر ادارة مخابرات الحدود التي تولت ضبط الواقعة اذ فضلا عن انه مقر حكومي له صفة الرسمية فان انتقال المحقق اليه كان ما يبرره على نحو ما اثبته المحقق بصدر محضره لضخامة شحنة المخدر المضبوط ولتعذر نقلها الى سراي النيابة الامر الذي لا يعيب اجراءات التحقيق ولا ينال من سلامتها واما عن القول بتعرض المتهمين لاكراه مادي ومعنوي اثر على ارادتهم ببطل الاعترافات التي صدرت منهم فهو دفاع مردود للاسباب الاتية.
(1) ان الوقت الذي استطال اليه التحقيق منذ ساعة وتاريخ فتح محضر التحقيق الساعة 9 صباح يوم 25/7/1987 الى تمام ساعة وتاريخ الانتهاء منه الساعة 6.30 صباح يوم 26/7/1987 وهي مدة 22 ساعة فان استجواب المتهمين لم يستغرق كل هذا الوقت بل تضمن مناقشة الضابط مع مراعاة طول الوقت الذي استغرقه تفريغ الاطارات المضبوطة وهي تسعة وعشرين اطارا واجراءات عد المضبوطات التي بلغت 4386 طربه وزنها وتحريزها ف مجموعات داخل اثنين وعشرين صندوقا واجتزاء العينة التي ارسلت الى معامل التحليل وتدوين البيانات الخاصة بكل صندوق وما يحتويه به عدا ووزنا انتهاء بما اتخذته النيابة من قرارات الامر الذي لا يستقيم معه القول بان التحقيق مع المتهمين استغرق وقتا طويلا اثر على سلامة ارادتهم.
(2) ان هناك عددا من المتهمين قد التزموا جانب الانكار رغم تواجدهم بذات الظروف والملابسات وهم المتهمون الاول والثامن والتاسع فلم ينسب لاحد منهم اعترافا بما يتنافى مع القول بان اعتراف المتهمين الاخرين كان وليد اكراه او تحت ضغط.
(3) ان الاعترافات التي ادلى بها المتهمين الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والعاشر لم تكن على وتيرة واحدة او في قالب واحد بما ينبئ عن ان تلك الاعترافات لم تصدر منهم عن تلقين من الغير ويرفع عنها شبهة الاكراه او الضغط او التهديد.
(4) ان الاثار التي بدت بجسم المتهم الخامس…….. عند نظر الغرفة تجديد حبسه بتاريخ 26/8/1987 لم يساندها دليل يقيني تطمئن اليه المحكمة يقنعها بسداده ذلك ان ما ورد بتقرير طبيب السجن المؤرخ 5/9/1987 يفيد عدم وجود اصابات حديثة ظاهرة – وقد شهد ذلك الطبيب بان اثار الخطوط الطويلة التي شوهدت بجسم المتهم قديمة ولا يمكن الجزم بطبيعتها او معرفة سبب حدوثها يضاف الى ذلك ان الحديث عن اصابة هذا المتهم لم يرد له ذكر قبيل جلسة 26/8/1987 وجاء بعد مضي مدة تزيد على ثلاثين يوما من تاريخ حبسه في 26/7/1987 ورغم سابقة عرضه على الهيئة القضائية التي نظرت تجديد حبسه بعد مضى الايام الاربعة الاولى التي امرت النيابة بحبسه على ذمتها منذ 26/7/1987 الامر الذي يناى بهذا الدفاع عن داعي الاطمئنان وتبعا لذلك كله فان المحكمة تطمئن الى سلامة ما ادلى به المتهمون من اعترافات تفصيلية بتحقيقات النيابة وتجردت من اثر للاكراه وتاخذ منها بالقدر المشترك فيما اجمعوا عليه باعتبار انه القدر المتيقن في حقهم من واقع تلك الاعترافات “،
وهذا الذي اورده الحكم سائغ وكاف للرد على هذا الدفع ذلك بان الاعترافات في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها ف الاثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهمون من ان اعترافاتهم نتيجة اكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على اسباب سائغة ولا يغير من ذلك عدول الطاعنين عن اعترافاتهم وانكارهم بجلسة المحاكمة الاتهام المسند اليهم اذ انه من المقرر انه لا على الحكم ان اخذ باعتراف المتهم في تحقيقات النيابة العامة لبراءته مما يشوبه من عيب الاكراه واطمئنانا من المحكمة الى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه بعد ذلك ولا يؤثر في ذلك ان يكون الطاعن قد ادلى باعترافه في تحقيق النيابة العامة الذي باشرته في دار المخابرات وفي حضور ضباطها لما هو مقرر من ان اختيار المحقق لمكان التحقيق متروك لتقديره حرصا على صالح التحقيق وسرعة انجازه كما ان مجرد حضور ضابط المخابرات التحقيق ليس فيه ما يعيب اجراءاته اذ ان سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وامكانيات لا يعد اكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل على المتهم بالاذى ماديا او معنويا كما ان مجرد الخشية لا يعد قرين الاكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما، كما ان مجرد استطالة زمن التحقيق لاستكمال اجراءاته لا يؤثر على سلامة ارادة المتهم ولا يعيب اعترافه وهو ما لم يغب امره على الحكم المطعون فيه ف رده على الدفع ببطلان الاعتراف في السياق المتقدم بما يسوغ رفضه ومن ثم فان النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون له محل، لما كان ذلك،
وكانت المادة 45 من قانون الاجراءات الجنائية قد نصت على انه لا يجوز لرجال السلطة الدخول في اي محل مسكون الا في الاحوال المبينة في القانون او في حالة طلب المساعدة من الداخل او في حالة الحريق او الغرق او ما شابه ذلك، ومن ثم فان ايجاب اذن النيابة العامة في تفتيش الاماكن مقصور على حالة تفتيش المساكن وما يتبعها من الملحقات لان القانون انما اراد حماية المسكن فحسب، فانتشال المواد المخدرة من مياه البحر بدون اذن لا غبار عليه، ولا يعيب الحكم – من بعد – التفاته عن الرد على الدفع الذي ابداه الطاعنون ببطلان ضبط المواد المخدرة اذ هو الدفع قانوني ظاهر البطلان ويضحى النعي في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان القانون لا يوجب حتما ان يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات والابحاث التي يؤسس عليها الطلب بالاذن له بتفتيش الشخص او ان يكون على معرفة سابقة به، بل انه يستعين فيما قد يجريه من تحريات وابحاث او ما يتخذه من وسائل التنقيب،
بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون ابلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام انه قد اقتنع شخصيا بصحة ما نقلوه اليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر كذلك ان تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الامر بالتفتيش من المسائل الموضوعية التي يوكل الامر فيها الى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات اصدار هذا الامر – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فلا تجوز المجادلة في ذلك امام محكمة النقض ومن ثم فان النعي على الحكم في هذا الشان يكون غير قويم، لما كان ذلك، وكان الطاعنون لا يجادلون في صحة ما نقله الحكم عنهم وعن الضابط وكان ما اورده من ان المواد المخدرة ثم نقلها الى داخل المياه الاقليمية بقصد ادخالها البلاد له سند من اقوال الضابط واعتراف الطاعنين ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الشان ولا محل له، لما كان ذلك، وكان من المقرر ان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الاخذ باعتراف المتهم في حق غيره، وعلى غيره من المتهمين متى اطمانت الى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، ولو لم يكن معززا بدليل اخر، وكان لا يعيب الحكم او يقدح في سلامته تناقض رواية المتهم او تضاربها في بعض تفاصيلها ما دام استخلص الحقيقة من اقواله استخلاصا سائغا لا تناقض فيه وما دام لم يورد هذه التفصيلات او يركن اليها في تكوين عقيدته وهو الحال في الدعوى المطروحة ومن ثم فان النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع ان تستخلص من اقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي اليه اقتناعها وان تطرح ما يخالفها من صور اخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا الى ادلة مقبولة في العقل والمنطق ولها اصلها في الاوراق، وكان وزن اقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكا لتقدير محكمة الموضوع ومتى اخذت بشهادة شاهد فان ذلك يفيد انها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الاخذ بها،
ولما كانت المحكمة قد اطمانت الى اقوال الضابط وصحة تصويره للواقعة فان تعييب الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان من المقر انه وان كان الاصل ان الاحكام في المواد الجنائية انما تبنى على التحقيقات الشفوية التي تجريها المحكمة في الجلسة وتسمع فيها الشهود متى كان سماعهم ممكنا، الا ان المادة 289 من قانون الاجراءات الجنائية – المعدلة بالقرار بقانون رقم 113 لسنة 1975 – تخول المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود اذا قبل المتهم او المدافع عنه ذلك يستوي ان يكون القبول صريحا او ضمنيا بتصرف المتهم او المدافع عنه بما يدل عليه، وهي وان وردت في الباب الثاني من الكتاب الثاني من ذلك القانون الخاص بمحاكم المخالفات والجنح الا ان حكمها واجب الاتباع امام محاكم الجنايات عملا بالفقرة الاولى من المادة381 من القانون ذاته،
واذ كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة ان المدافعين عن الطاعنين تنازلوا صراحة بجلسة 6 من نوفمبر سنة 1989 عن سماع الضابط اكتفاء بتلاوة اقواله فانه لا تثريب على المحكمة ان هي قضت في الدعوى دون سماعه ومن ثم فان النعي على الحكم في هذا الشان لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان البين من محضر الجلسة ذاتها ان فريقا من المدافعين عن المتهمين قد ناقش طبيب السجن ولم يدع احدا ان المحكمة منعت المدافعين الاخرين من مناقشته فلا محل للنعي عليها ان هم امسكوا عن ذلك لما هو مقرر من ان سكوت الطاعن او المدافع عنه لا يصح ان يبني عليه طعن ما دامت المحكمة لم تمنعه من مباشرة حقه في الدفاع .
لما كان ذلك، وكان من المقرر ان تقدير الادلة بالنسبة الى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها اليها بالنسبة لمتهم وعدم اطمئنانها اليها بالنسبة لمتهم وعدم اطمئنانها الى ذات الادلة بالنسبة لمتهم اخر .
كما ان لها ان تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من ادلة ولها ان تجزئها فتاخذ بها بما تطمئن اليه مما تراه مطابقا للحقيقة وتطرح ما عداه فان النعي على الحكم في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو لا يجوز اثارته او الخوض فيه اما محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الاصل في القانون ان حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه الى الجريمة ضرورة وقاية نفسه او غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به او بغيره ولم يكن لارادته دخل في حلوله.
وكان قصارى ما اورده الدفاع عن الطاعن الخامس انه كان في عرض البحر بصحبة مسلحين وكان هذا القول – بفرض صحته – لا يوفر حالة الضرورة ما لم يقترن بالخطر الجسيم وبشرط الا يكون لارادة الطاعن دخل في حلوله وهو ما لم يزعمه الطاعن، فلا يعيب الحكم ان يلتفت عنه لانه دفاع ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب، لما كان ذلك،
وكان الثابت بالحكم المطعون فيه انه يبين من ديباجته وصف الجرائم المسندة الى الطاعنين وذكر مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها، ثم بعد ان حصل الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وادلة الثبوت اشار الى النصوص التي اخذهم بها بقوله ” الامر الذي يتعين معه وعملا بالمادة 304/2 من قانون الاجراءات الجنائية معاقبتهم طبقا للمواد1،2،3،33/ا، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966، 62 لسنة 1977 والبند رقم 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الاول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1، 2،(3)،15،12/1 – 2 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون 75 لسنة 1980 ” واوقع على الطاعنين عقوبة واحدة طبقا للفقرة الاولى من المادة 32 من قانون العقوبات وفي ذلك ما يكفي في بيان نص القانون الذي حكم بموجبه ومن ثم فان النعي عليه في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعنون من تعيين اجراءات التحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح ان يكون سببا للطعن على الحكم وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة ان الطاعنين قد طلبوا الى المحكمة تدارك هذا النقض فلي س لهم من بعد ان ينعوا عليها قعودها عن اجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة الى اجرائه بعد ان اطمانت الى صحة الواقعة كما رواها الشاهد. لما كان ذلك، وكانت المادة 124 من قانون الاجراءات الجنائية تنص على انه:
” في غير حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الادلة لا يجوز للمحقق في الجنايات ان يستوجب المتهم او يواجهه بغيره من المتهمين او الشهود الا بعد دعوة محاميه للحضور ان وجد، وعلى المتهم ان يعلن اسم محاميه بتقرير هذا الاقرار او الاعلان ” , وكان مفاد هذا النص ان المشرع استن سنة خاصة لكل متهم في جناية هي وجوب دعوة محاميه ان وجد لحضور الاستجواب او المواجهة الى ان هذا الالتزام مشروطا بان يكون المتهمون قد اعلن اسم محاميه بالطريق الذي رسمه القانون وهو التقرير في قلم كتاب المحكمة او امام مامور السجن. واذا كان الطاعن لم يزعم انه اعلن اسم محاميه بالطريق الذي رسمه القانون ومن ثم فان استجوابه في تحقيق النيابة العامة يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم. لما كان ما تقدم فان الطعن برمته يكون على غير اساس متعينا رفضه موضوعا.
لما كان ذلك وكان الشارع بما نص عليه في المادة 122 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1963 من ايجاب الحكم على الفاعلين والشركاء – في جريمة التهريب الجمركي – متضامنين بتعويض يعادل مثلى الضرائب الجمركية المستحقة، ومثلى قيمة البضائع او مثلى الضرائب المستحقة ايهما اكثر اذا كانت البضائع من الاصناف الممنوعة، ومن اجازة الحكم بمثلى التعويض في حالة العود، اذ حدد هذا التعويض تحديدا تحكيما راعي فيه المزج بين العقوبة التكميلية من ناحية وبين التعويض المدني الجابر للضرر من ناحية اخرى، قد حصر التعويض الناشئ عن جريمة التهريب الجمركي في النطاق الذي رسمه في النص سالف الاشارة وخرج به عن مدلول التعويض المدني البحت كما هو معروف به في القانون،
والزم المحكمة الجنائية القضاء به في جميع الاحوال بلا توقف على الادعاء به من قبل الخزانة، ومن ثم فانه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لئن كان للخزانة ان تتدخل امام المحكمة الجنائية بطلب الحكم به وان تطعن فيما يصدر في شانه من احكام، الا ان القضاء به لا يتوقف على هذا التدخل بل تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، كما ان الحكم به لا يكون الا من المحكمة الجنائية فلا يجوز اللجوء الى المحاكم المدنية للمطالبة به، ولا تطبق في شانه احكام اعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركا دعواه، وتسرى عليه سائر الاحكام الخاصة بانقضاء الدعوى الجنائية، ولا يقضي به الا على مرتكب الجريمة فاعلا كان او شريكا فلا يمتد الى المسئول عن الحقوق المدنية،
وانه لا يحكم به اذا كانت جريمة التهريب الجمركي قد نشات عن فعل واحد كون في الوقت ذاته جريمة، وكان الحكم المطعون فيه على الرغم مما خلص اليه – بحق – من اعمال الفقرة الاولى من المادة 32 من قانون العقوبات والاقتصار، من ثم، على توقيع العقوبة المقررة لجريمة جلب المواد المخدرة باعتبارها ذات العقوبة الاشد، دون عقوبة التعويض الجمركي، قد عاد – من بعد – والزم المحكوم عليهم بادائه لمصلحة الجمارك على اعتباره من قبيل التعويض المدني البحت، وخالفا بذلك النظر المتقدم، فانه يكون قد اخطا في تاويل القانون، لما كان ذلك وكانت الفقرة الثانية من المادة35 من قانون الحالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول هذه المحكمة ان تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها اذا تبين لها مما هو ثابت فيه انه مبنى على مخالفة القانون او على خطا في تطبيقه او في تاويله . فانه يتعين تصحيح الحكم فيه بالغاء ما قضى به من عقوبة تكميلية وذلك بالنسبة للطاعنين والمحكوم عليه الذي لم يقبل طعنه شكلا.
اترك تعليقاً