حكم نقض جنائي رشوة
جلسة 12 من أكتوبر سنة 1982
برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فوزي المملوك، راغب عبد الظاهر، عبد الرحيم نافع ومحمد حسن.
(154)
الطعن رقم 2260 لسنة 52 القضائية
1 – رشوة. جريمة “أركانها”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تحقق جريمة الرشوة في حق الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته. مشروط باعتقاده أو زعمه كذباً أنه من أعمال وظيفته.
2 – رشوة. جريمة “أركانها”. قانون “تفسيره”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
الإخلال بواجبات الوظيفة في مفهوم المادة 104 عقوبات. مدلوله؟
مثال
3 – دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”.
الطب الجازم. ماهيته؟
4 – إثبات “بوجه عام”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. مثال لتسبيب غير معيب.
5 – محكمة الموضوع. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى.
1 – إن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمل وظيفته أو يزعم ذلك كذباً، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم إذ هو حينئذاً يجمع بين العين الاحتيال والارتشاء.
2 – لما كان الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات قد نص على “الإخلال بواجبات الوظيفة” كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف أسوه امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته أو المكافأة على ما وقع منه، وجاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد ليتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع،
فإذا تعاطي الموظف مقابلاً على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبه للعقاب، وإذن يكون طلب الرشوة على الصورة التي أثبتها الحكم في حق الطاعن وهو موظف عام وأحد أفراد الحملة المكلفة بضبط المخالفات التموينية – في سبيل إبداء أقوال جديدة أمام المحكمة غير ما سبق أن أبداه في شأن واقعة الضبط هو أمر تتأذي منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف وهو إذا وقع منه يكون إخلالاً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يكون أميناً في تقرير ما جرى تحت حسه من وقائع وما بوشر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون عليها وهذا الإخلال بالواجب يندرج بغير شك في باب الرشوة المعاقب عليها قانوناً متى تقاضى الموظف جعلاً في مقابله.
3 – من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به وإصرار عليه في طلباته الختامية.
4 – من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن ثم فإن منعى الطاعن بخصوص التفات الحكم عن أقوال الشاهد رئيس الحملة التموينية – والتي لم يعول عليها ولم يكن لها أثر في عقيدتها – يكون ولا محل له.
5 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عمومياً (مفتش متابعة بحي غرب الإسكندرية) طلب وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته وذلك بأن طلب من….. مبلغ مائة وخمسين جنيهاً وأخذ منه مبلغ خمسة وسبعين جنيهاً مقابل مثوله أما المحكمة التي يحاكم أمامها المذكور في إحدى القضايا التموينية التي شارك في ضبطها والإدلاء بشهادة مغايرة للحقيقة من شأنها تشكيك المحكمة في أدلة الجريمة المسندة إليه، وأمرت بإحالته لمحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية لمعاقبته عملاً بالمادتين 103، 104 من قانون العقوبات. ومحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 2000 جنيه (ألفي جنيهاً).
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الرشوة فقد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه الفساد في الاستدلال ذلك بأنه اعتبر الطاعن موظفاً عمومياً بالرغم من أن ندبه للاشتراك في ضبط الجرائم التموينية قد وقع باطلاً وورد على وظيفة تغاير كلية وظيفته الأصلية – وقد اقتصر دوره في الواقعة على إجراء محاولة شراء سلعة من أحد المحلات العامة بما يجعل تأديته الشهادة فيها أمام القضاء مجرد واجب عام لا يدخل في واجبات وظيفته وهو ما ينتفي معه الركن المادي في الجريمة، هذا وكان الدفاع قد طلب سماع شهادة الرئيس المباشر للطاعن لاستجلاء حقيقة وظيفته إلا أن المحكمة أعرضت عن هذا الطلب كما التفت الحكم عن أقوال رئيس الحملة التموينية الذي قرر أن الطاعن ليس من مفتشي التموين أو مأموري الضبط القضائي، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أثبت بياناً لواقعة الدعوى، أن الطاعن اشترك وآخرين في القبض على….. في قضية تموينية وعقب الإفراج عن هذا الأخير من النيابة العامة توجه إليه الطاعن في محله وأفهمه أنه بمقدوره تخليصه من الاتهام وذلك بالإدلاء بشهادة من شأنها تشكيك المحكمة في أدلة الجريمة وطلب منه الاتهام وذلك بالإدلاء بشهادة من شأنها تشكيك المحكمة في أدلة الجريمة وطلب منه مائة وخمسين جنيهاً مقابل ذلك وتسلم منه عشرة جنيهات ثم قبض عليه حالة تلبسه بقبض 65 جنيهاً أخرى. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ساقه من وجوه الأدلة التي تنتجيها ثم عرض لدفاع الطاعن الذي ردده في وجه الطعن – بشأن طبيعة عمله – ورد عليه بما يفتده في قوله”..
يبين أن المتهم يعمل مفتشاً للمتابعة بحي غرب وبموجب القرار الصادر من مدير المكتب الفني بتاريخ 17/ 1/ 1981 ثم التنسيق بين مراقبة التموين بحي غرب وجهاز المتابعة للاشتراك في الحملات التموينية بين لمراقبة الأسعار وقد اشترك المتهم في هذه الحملة التي أسفرت عن ضبط الشاهد الأول ممتنعاً عن بيع سجاير سوبر ومن ثم ترى المحكمة أن العمل الذي قام به المتهم في الحملة التموينية كان بناء على قرار صادر بندبه للاشتراك في الحملة لم يقم المتهم بهذا العمل من تلقاء نفسه ومن ثم يكون العمل الذي شارك به المتهم في الحملة التموينية ليس عملاً من اختصاصه العادي وإنما عمل عرضي اختص به بناء على تكليف صادر له من رئيس قسم المتابعة المهندس….
الذي شارك في الحملة التموينية وعلى ذلك فإن أقواله في محضر ضبط الشاهد الأول تعتبر العنصر الأساسي في القضية المتهم فيها الشاهد الأول لأنه هو الذي طلب من الشاهد شراء سجاير وأثبت امتناع الشاهد عن البيع له وعلى ذلك فإن شهادته في القضية المتهم فيها الشاهد الأول هي المرجحة للإدانة أو البراءة ومن ثم فإن طلبه من الشاهد الأول عطية لتغيير أقواله أمام المحكمة فإنه سواء اعتقد خطأ أن هذا العمل من اختصاصه أو أوهم الشاهد أن هذا العمل من اختصاصه فإنه في جميع الأحوال يكون طلب المتهم من الشاهد الأول عطية للعدول عن شهادته أمام المحكمة عملاً من المتهم مكوناً للركن المادي لجريمة الرشوة ولا ينال من ذلك أن المتهم كان ينوى الإدلاء بالشهادة لصالح الشاهد الأول من عدمه إذ أن القصد الجنائي يتوافر لدى الموظف ولو كان لا ينوى تنفيذ العمل الذي طلب العطية من أجله.
“وهذا الذي انتهى إليه الحكم سائغ وسديد ما هو مقرر من أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمل وظيفته أو يزعم ذلك كذباً، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم إذ هو حينئذاً يجمع بين العين الاحتيال والارتشاء. لما كان ذلك وكان الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات قد نص على “الإخلال بواجبات الوظيفة” كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف أسوه امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته أو المكافأة على ما وقع منه، وجاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد ليتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم،
فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع، فإذا تعاطي الموظف مقابلاً على هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبه للعقاب، وإذن يكون طلب الرشوة على الصورة التي أثبتها الحكم في حق الطاعن وهو موظف عام وأحد أفراد الحملة المكلفة بضبط المخالفات التموينية – في سبيل إبداء أقوال جديدة أمام المحكمة غير ما سبق أن أبداه في شأن واقعة الضبط هو أمر تتأذي منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف وهو إذا وقع منه يكون إخلالاً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يكون أميناً في تقرير ما جرى تحت حسه من وقائع وما بوشر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون عليها وهذا الإخلال بالواجب يندرج بغير شك في باب الرشوة المعاقب عليها قانوناً متى تقاضى الموظف جعلاً في مقابله،
ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به وإصرار عليه في طلباته الختامية وكان يبين من محضر الجلسة التي دارت فيها المرافعة أن الطاعن لم يتمسك بطلب تحقيق ما في شأن ما أثاره عن اختصاصه وسؤال رئيسه المباشر وكان ما أثبت بمحضر تلك الجلسة أن المدافع عن الطاعن قد ذكر في مرافعته قوله “وإذ كنتم تريدون أن ترون استدعاء رئيس حي غرب للمناقشة في هل عمل المتهم يدخل في أجراء محاولة شرائية وما المقصود من أعمال المتابعة المسندة إليه..”
لا تعد من قبيل الطلب الجازم إذ أنها مما يعتبر تفويضاً منه للمحكمة أن شاءت أجابت هذا الطلب وأن لم تجد هي له من ضرورة لتحقيق واقعة الدعوى غضت الطرف عنه، وإذ كانت لم تر من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء بعد أن وضحت لديها الواقعة فإن ما تثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن ثم فإن منعى الطاعن بخصوص التفات الحكم عن أقوال الشاهد رئيس الحملة التموينية – والتي لم يعول عليها ولم يكن لها أثر في عقيدته – يكون ولا محل له.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى، وكانت المحكمة قد استخلصت من الأدلة السائغة التي أوردتها أن المبلغ الذي طلبه الطاعن وأخذه على سبيل الرشوة للإخلال بواجبات وظيفته وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية دفاع الطاعن في هذا الشأن فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها من محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
اترك تعليقاً