النقض الفلسطينية تؤيد تفسير قضائي يترك العمال في مهب الفصل التعسفي
أنس جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 5740 – 2017 / 12 / 27 – 23:43
المحور: دراسات وابحاث قانونية
عرفت محكمة النقض الفلسطينية الفصل التعسفي على انه: “حالات استعمال الحق بطريقة غير مشروعة“، والمقصود بالحق هنا هو حق رب العمل بإنهاء العلاقة العمالية مع العامل لديه.
و يترتب على هذا التعريف أنه وعلى الرغم من ان حق انهاء عمل العامل هو حق طبيعي لرب العمل؛ الا ان القانون جعل سلطة رب العمل بإستعمال هذا الحق مقيدة، وذلك بالنص على مجموعة من القيود القانونية التي من شأنها ان تكبح جماحه عن التعسف بإستعمال حقه ضد العامل هذا من جهة؛ ومن جهة اخرى عمل المشرع الفلسطيني على اقرار مجموعة من الضمانات القانونية التي تكفل حماية العامل من خطر التعسف الذي قد يكون عرضةٌ له نتيجة استعمال رب العمل لحقه بطريقة غير مشروعة.
التعويض عن الفصل التعسفي مثلا هو آحد تلك الضمانات التي نص عليها المشرع في قانون العمل الفلسطيني، ابتغى منه المشرع حماية العامل من الخطر الذي يحدق بمصالحه وبمصدر دخله الوحيد طيلة سريان مدة عقد العمل، الخطر المتمثل بانهاء العلاقة العمالية بإرادة رب العمل وحده، حيث أنه وحتى يستطيع رب العمل انهاء العلاقة العمالية بينه وبين العامل بوجه مشروع يجب أن يتم ذلك الانهاء بالإتفاق، او بإرادة رب العمل المنفردة مع توافر احد الاسباب التي نصت عليها المادة (40) من قانون العمل الفلسطيني، والتي تجيز لرب العمل انهاء عقد العمل بإرادته المنفردة نتيجة مخالفة العامل لقواعد قانونية معينة، وإلا اذا ما اقدم رب العمل على انهاء عقد العمل دون إتفاق او بإرادته المنفردة دون توفر احد الأسباب المسوغة لذلك استحق العامل تعويضا عن انهاء عمله بصورة تعسفية.
عند الحديث عن قيمة التعويض المستحقة للعامل الذي أٌنهي عمله بصورة تعسفية يُشار الى المادة(47) من قانون العمل الفلسطيني لعام (2000)، والتي بينت الاحكام الواجب اتباعها في احتساب قيمة التعويض المستحقة عن الفصل التعسفي؛ والتي تنص على الآتي: ” مع احتفاظه بكافة حقوقه القانونية الأخرى، يستحق العامل تعويضا عن فصله تعسفيا مقداره اجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل على ألا يتجاوز التعويض اجره عن مدة سنتين” .
ويفهم من نص المادة ان العامل الذي جرى فصله تعسفيا يستحق تعويضاً قيمته أجرة شهرين عن كل سنة قضاها في العمل، مع بقاء هذه القيمة محدودة بسقف أعلى قيمته الاجرة التي كان يتقاضاها العامل عن عمله لمدة عامين أي 24 شهر، وهذا ما افهم قضائياً واستقر العمل به في المحاكم طيلة السنوات الماضية في مختلف درجات التقاضي في نظر دعاوى التعويض الناشئ عن الفصل التعسفي.
يعتبر ما سبق ذكره في الأعلى مقدمة افهام وتوضيح للواقع القانوني المستقر في هذه المسألة، وذلك قبل ان تصدر محكمة استئناف رام الله حكما قضائيا في واقعة استحقاق تعويض ناشئ عن فصل تعسفي بتاريخ 22/3/2017، وقد أسست الاستئناف حكمها الصادر بالدعوى المنظورة على تفسير قضائي مغاير للمادة السابق ذكرها (47) من قانون العمل؛ والتي بينت بصورة جلية لا لبس فيها الطريقة القانونية لإحتساب قيمة التعويض استنادا للأحكام التي سبق ذكرها.
ويقوم التفسير المستجد للمادة المذكورة على ان قيمة التعويض المستحقة هي اجرة شهرين عن كل سنة قضاها العامل في عمله، مع اعتبار شرط السقف الأعلى الذي تحدثت عنه المادة هو ألا يزيد مبلغ التعويض بالاجمال عن المبلغ التعويضي المستحق عن مدة عمل سنتين وهو حسب القاعدة العامة شهرين عن السنة الواحدة، وعن السنتين أربعة شهور ، بالتالي السقف الأعلى لقيمة التعويض حسب ما صدر عن محكمة الاستئناف يكون اجرة أربعة شهور لا اجرة سنتين (24 شهر) كما سبق وأوضحت المادة؛ وذلك مع العلم ان حكم محكمة الاستئناف قد صدر بعد ان حكمت محكمة البداية بالدعوى ذاتها -بصفتها محكمة درجة اولى- على اساس التفسير المستقر للمادة (47) بواقع اجرة 10 أشهر عن مدة عمل 5 سنوات، الا ان محكمة الاستئناف قد عدلت في الحكم على اساس التفسير الطارئ الذي تم توضيحه في الفقرة السابقة لتجعل قيمة التعويض المستحق هي اجرة العامل عن عمله لمدة أربعة شهور، وبعد نظر الدعوى أمام محكمة النقض بصفتها محكمة رقابية تنظر في مدى تطبيق محاكم الدرجة الاولى والدرجة الثانية لنصوص القانون في الأحكام التي تصدر عنها قررت محكمة النقض تأييد حكم محكمة الاستئناف على اساس التفسير المستجد لأحكام احتساب قيمة التعويض، مما ادى بالنتيجة تضارب هذا الحكم الجديد مع ما استقر عليه القضاء الفلسطيني في السابق.
بناء على ما سبق وبعد تأييد محكمة النقض للحكم الأخير نجد ان غاية المشرع من اقرار ضمان التعويض عن الفصل التعسفي قد تم تهميشها في فحوى هذا الحكم، فليس من المعقول اعتبار هذا الضمان رادعا لأرباب العمل عن التعسف بإستعمال حقهم ضد العمال وانهاء عقد العمل في أي وقت ولأي سبب كان وقد حدد هذا التعويض بسقفٍ أعلى قيمته أجرة أربعة اشهرٍ من العمل! الأمر الذي من شأنه فتح الابواب امام ارباب العمل ودفعهم للإستخفاف والتهاون بحقوق العمال وضماناتها المقرة حسب القانون.
تأويل ما لا يحتمل التأويل وزعزعة الإستقرار القانوني في هذه المسألة ليس بالأمر الهين! تحول القضاء في الجهة المقابلة للعامل وحقوقه وضمانات حمايته يحتم على جميع العمال والأطر النقابية الوقوف على هذه القضية وعدم تمريرها والسلام!
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً