بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوى رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعزيز بشاى سيدهم والدكتور حسين توفيق وحسن حسنين على. المستشارين
* إجراءات الطعن
في يوم الأحد 15 يولية سنة 1979 أودع وكيل السيد/شوقى السيد فهمى بصفته ولياً طبيعياً على ابنه القاصر سامى قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 1109 لسنة 25 القضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالأسكندرية بجلسة 16/5/1979 في الدعوى رقم 84 لسنة 31 ق المرفوعة من الطاعن على المطعون ضدهم والذى قضى برفض الدعوى والزام المدعى بالمصروفات. وطلب الطاعن الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً بالغاء قرار شطب قيد الطالب سامى شوقى فهمى من كلية التربية بجامعة الأسكندرية وقرار سجل مدنى المنتزه برفض استخراج بطاقة شخصية للطالب المذكور مع ما يترتب على الغاء القرارين من آثار وأعلن الطعن في 21/7/1979.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب المدعى الغاء قرار مكتب السجل المدنى بالامتناع عن إصدار بطاقة شخصية لأبنه والحكم بالغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض الطعن فيما عدا ذلك مع إلزام الطاعن والمطعون ضده الأول المصروفات المناسبة.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون المختصة بجلسة 4/1/1982 فتداولته بالجلسات المبينة بالمحاضر حتى قررت إحالته إلى هذه المحكمة لتنظره بجلسة 16/10/1982 ولم يحضر الطاعن ولا أحد عنه وتقرر إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على الأسباب عند النطق به.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
من حيث أن الطعن مقدم في الميعاد وقد استوفى سائر الأوضاع القانونية.
ومن حيث أن واقعة هذا النزاع تتحصل من الأوراق في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 84 لسنة 31 ق بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالأسكندرية يوم 8/12/1976 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من كلية التربية بجامعة الأسكندرية بشطب قيد الطالب سامى شوقى السيد فهمى وقرار سجل مدنى المنتزه السلبى برفض استخراج بطاقة شخصية لذلك الطالب كاملة البيانات مع ما يترتب على الغاء القرارين من آثار وإلزام المدعى عليهم المطعون ضدهم متضامنين المصروفات. وأبدى المدعى أن الطالب المذكور مصرى ولد لأبوين مصريين بهائيين بالأسكندرية في 19/7/1957 والتحق بكلية التربية في جامعة الأسكندرية، واستيفاء لإجراءات تأجيل تجنيده طلب منه بطاقة شخصية وتقدم إلى مكتب سجل مدنى المنتزه فرفض استخراج هذه البطاقة بمقولة أنه بهائى، وكتبت وزارة الداخلية إلى إدارة التجنيد بأنه لا توجد تعليمات تمنع استخراج بطاقة تثبت بها ديانة الطالب البهائية وترتب على رفض السجل المدنى إعطاء الطالب البطاقة شطب قيده من كلية التربية، ويستند المدعى إلى المادة 40 من الدستور التى تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء ولا تتميز بينهم في الحقوق والواجبات بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة والمادة 46 التى تقضى أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية والمادة 57 التى تمنع سقوط الدعوى الجنائية أو المدنية بالتقادم لكل اعتداء على الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات العامة. وردت جهة الإدارة بأن ابن المدعى طلب من موظف السجل المدنى أن يدرج في بيان الديانة بالبطاقة أنه بهائى، إلا أن البهائية ليست ديناً من الأديان السماوية وإنما هى مذهب ينتمى إلى الفكرين الاستعمارى والصهيونى ولا يجوز إدراجها في البطاقة الشخصية لمخالفة ذلك للنظام العام، وقد أمر القانون رقم 263 لسنة 1960 بحل المحافل البهائية وحكمت بدستوريته المحكمة العليا بجلسة 1/3/1975 في الدعوى رقم 7 لسنة 2 ق لأن العقيدة البهائية على ما أجمع عليه أئمة المسلمين ليست ديناً من الأديان المعترف بها ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتداً ولا يكفل الدستور حرية إقامة شعائرها. وردت جامعة الأسكندرية بأن المادة 57 من القانون رقم 505 لسنة 1955 في شأن الخدمة العسكرية والوطنية ينص على عدم جواز التحاق أى طالب بإحدى الكليات أو المعاهد أو البقاء فيها بعد بلوغه التاسعة عشرة من عمره ما لم يكن حاملاً بطاقة الخدمة العسكرية.
ولما كان ابن المدعى من مواليد سنة 1957 فلا يجوز له الاستمرار في كلية التربية في العام الدراسى 76/1977 حتى يقدم البطاقة العسكرية، وألا سئل المختص بالكلية جنائياً طبقاً للمادة 66 من القانون رقم 505 لسنة 1955 المشار إليه، ولا دخل للكلية في سبب عدم حصول الطالب على هذه البطاقة، ولا دخل للكلية في سبب عدم حصول الطالب على هذه البطاقة، فصدر قرار شطبه صحيحاً، وحين يحصل على البطاقة اللازمة فلا مانع لدى الجامعة من استمراره في الدراسة. ورد المدعى بأن عدم حصول ابنه على تلك البطاقة يرجع إلى سبب خارج عن إرادته هو انحراف السجل المدنى في ممارسة اختصاصاته، ولا ذنب للطالب في ولادته لأبوين بهائيين، وبالنسبة إلى قانون حل المحافل البهائية فإنه يقتصر على نشاطها ولا يمتد إلى ممارسة المواطنين البهائيين لحياتهم العادية والمشرع لم يتعرض للعقيدة البهائية التزاماً لما كفله الدستور من حرية العقيدة، وقد فرض القانون على كل مواطن يبلغ السادسة عشرة أن يستخرج بطاقة شخصية وإلا تعرض للعقاب الجنائى، ويجب ذكر الديانة في بيانات طلب البطاقة ولا يستطيع الطالب تغيير ما هو ثابت بشهادة ميلاده، وإلا كانت جريمة تزوير، ويكون السجل المدنى إذ رفض اعطاء الطالب البطاقة قد حجب عن مواطن حقه المشروع وحال دون وفائه بالتزام يفرضه قانون السجل المدنى وصمم المدعى على طلباته.
وبجلسة 16/5/1979 قضت المحكمة برفض الدعوى مستندة إلى أن نص المادة الثانية من الدستور على أن دين الدولة الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وفى ضوء هذا الأصل يتعين النظر إلى أحكام الدستور الأخرى المتعلقة بحرية العقيدة وعدم التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو العقيدة، فتفسر هذه الأحكام في حدود ما يسمح به الإسلام وعلى نحو لا يتعارض مع مبادئه أو يتنافى مع أحكامه. وقد تضمن الدستور قواعد آمرة تخاطب الدولة والمواطنين ويلتزمها الحاكم والمحكوم في التشريع والقضاء والإدارة. وإذا كان الدستور قد نص على حرية العقيدة التى أكدها الإسلام من قبل فإن ممارسة هذه الحرية لا يجوز أن تتخذ مظهراً خارجياً يتعارض مع أحكام الإسلام. وإذا كانت البهائية تناقض الديانات السماوية المعترف بها، فلا يجوز أن تأخذ مظهراً خارجياً ولا يكون لابن المدعى أن يصر على أن تصدر له بطاقة شخصية يذكر فيها أنه بهائى ويكون امتناع السجل المدنى عن استخراج هذه البطاقة قراراً سليماً صحيحاً ولا سند لطلب الغائه وإذ يحظر قانون الخدمة العسكرية والوطنية بقاء الطالب بعد بلوغه التاسعة عشرة من عمره في الجامعة ما لم يكن حاملاً بطاقة الخدمة العسكرية، ولم يتقدم ابن المدعى بهذه البطاقة فإن قرار شطبه من كلية التربية يكون قائماً على سبب يبرره، ويتعين رفض طلب الغائه.
ومن حيث أن الطعن ينعى على الحكم مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفى تأويله بما شابه من قصور التسبيب وفساد الاستدلال، وذلك أنه أخطأ الاستناد إلى أمرين، هما أن امتناع السجل المدنى عن إعطاء ابن الطاعن بطاقة شخصية سببه إصرار الطالب على أن يذكر في البطاقة أنه بهائى الديانة، والأمر الثانى أن العقيدة البهائية ليست من الأديان المعترف بها ولا تجوز إقامة شعائرها. وليس الأمر الأول صحيحاً لأن ذكر الديانة بالبطاقة يفرضه القانون رقم 260 لسنة 60 في شأن الأحوال المدنية وتنص المادة 44 منه على أنه يجب على كل شخص من مواطنى الجمهورية العربية المتحدة تزيد سنه على ستة عشرة عاماً أن يحصل من مكتب السجل المدنى الذى يقيم في دائرته على بطاقة شخصية، وخانة الديانة من بيانات هذه البطاقة المدرجة بنموذجها المقرر بمقتضى القانون، ولا يرجع ذكره إلى إصرار الطالب ابن الطاعن. والأمر الثانى دينى لا يرتبط بالدعوى الراهنة فيما تبغيه من الغاء قرار إدارى سلبى صدر مخالفاً للقانون الذى يحكم جميع المواطنين لإثبات شخصيتهم وقرار إدارى إيجابى صدر بشطب الطالب من الكلية لارتباطه بالقرار الأول ارتباطاً جوهرياً، ولأن الطالب لم يكن هارباً من التجنيد ولا متراخياً في الحصول على بطاقة الخدمة العسكرية، وبيان حالته المدنية في البطاقة لا علاقة لها بالعقيدة، فهو ملتزم بالواجبات ويحق له أن يطالب بالحقوق في الدستور والقانون. والمحافل البهائية التى صدر القانون بحلها هى هيئات إدارية يختلف عملها عن نشاط البهائيين وبوصفهم أفراداً مواطنين يمارسون حياتهم حقوقاً وواجبات وما تعرض المشرع للعقيدة فحرمتها مكفولة. وطلب استخراج البطاقة الشخصية ليس نشاطاً محظوراً بل الحصول عليها واجب يفرضه القانون، ولا يجوز للطالب أن يغير الحقيقة الثابتة بشهادة ميلاده عن ديانة والديه وإلا اقترف جريمة التزوير فالقراران المطلوب الغاؤهما صدرا من غير سبب صحيح مشوبين بانحراف السلطة مما يذر الحكم الذى قضى بصحتهما مخالفاً القانون متعيناً رفضه والقضاء بالغاء القرارين جميعاً.
ومن حيث أن الذى يبين من مدونات الفقه الإسلامى أن دار الإسلام قد وسعت غير المسلمين على اختلاف ما يدينون يحيون فيها كسائر الناس بغير أن يكره أحد منهم على أن يغير شيئاً مما يؤمن به ولكن لا يقر على الظهور من شعائر الأديان ألا ما يعترف به في حكومة الإسلام، ويقتصر ذلك في أعراف المسلمين بمصر على أهل الكتاب من اليهود والنصارى وحدهم. وتقتضى الشريعة بمصر على أهل الكتاب من اليهود والنصارى وحدهم. وتقتضى الشريعة فيما بينه الأئمة من أحكامها أن يظهر ما يميز غير المسلم من المسلم في ممارسة شئون الحياة الاجتماعية بما يقيم مجال الحقوق والواجبات التى يختص بها المسلمون ولا يستطيع سواهم القيام عليها لمخالفتها ما يعتقدون، فما أوجبه قانون الأحوال المدنية رقم 260 لسنة 1960 من استخراج بطاقة شخصية لكل مصرى يبين فيها اسمه ودينه هو مما تفرضه أحكام الشريعة الإسلامية وليس يخالف عن أحكامها ذكر الدين في تلك البطاقة وان كان مما لا يعترف بإظهار مناسكه، كالبهائية ونحوها، بل يجب بيانه حتى تعرف حال صاحبه ولا يقع له من المراكز القانونية ما لا تتيحه له تلك العقيدة بين جماعة المسلمين، ولا يكون للسجل المدنى أن يمتنع عن إعطاء بطاقة شخصية لمن يدين بالبهائية ولا أن يغفل ذكر هذا الدين في بطاقة من يعتنقه. ويكون منع السجل المدنى بدائرة المنتزه ابن الطاعن بطاقته الشخصية قراراً إدارياً يخالف القانون، وإذ عدل الحكم المطعون فيه عن القضاء بإلغائه يكون قد أخطأ صحيح القانون، ويتعين الحكم بالغائه.
ومن حيث أن القرار الصادر بشطب ابن الطاعن من كلية التربية قد استند إلى ما يفرضه قانون الخدمة العسكرية والوطنية – رقم 505 لسنة 1955 – من تقديم بطاقة تلك الخدمة كما يحظر قانون الأحوال المدنية بقاء طالب بالكلية في مثل سن ابن الطاعن إلا إذا كان حاصلاً على بطاقة شخصية، ولا سبيل لتلك الكلية إلى التحلل مما تفرضه أحكام تلك القوانين ولا يعفيها من الجزاء الجنائى أن هى تعدتها مما يعتذر به ابن الطاعن من عجزه عن الحصول على هاتين البطاقتين إذ لا يخولها القانون تقديراً تتقصى به ظروف الطالب وأعذاره في هذا الشأن. ويكون قرار الشطب قد صدر عن سبب صحيح. وكذلك يوجب هذا الشطب ما تبين من اعتناق الطالب البهائية فمثله لا يصلح أن يتولى شيئاً من تربية النشئ، لأنه لا يؤمن أن ينفث فيمن يعلمه ما يزيغ قلبه عن الدين الحق أو ما يلبسه عليه، ويقتضى امتناع العمل التربوى أن يصرف الطالب عن التهيؤ له ، ولا يأتى ذلك على أصل حقه في اختيار العمل الذى يرتضيه فإن له سعة في سائر أبواب العمل التى لا يتهدد الجماعة فيها خطر من حالته العقيدية وبذلك تثبت مشروعية قرار الشطب من كلية التربية ولا يبقى وجه ينعاه الطاعن عليه.
ومن حيث أن الطاعن خسر شطر طعنه، فتلزمه نصف المصروفات، وعلى وزارة الداخلية نصفها الآخر.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الغاء الامتناع عن اعطاء ابن الطاعن باقة شخصية مثبت فيها ديانته البهائية وبالغاء هذا القرار ورفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت كلا من المدعى ووزارة الداخلية المصروفات مناصفة بينهما.
اترك تعليقاً