الحماية القانونية لحقوق المؤلف بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة
د. محمد عرفة
أضحى موضوع حماية حقوق الملكية الفكرية من أهم المواضيع التي توليها الدول اهتماماً خاصاً في الوقت الحاضر, وذلك نظراً لأبعاده المختلفة من النواحي القانونية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتقنية والأمنية. فضلاً عن أن هذا الموضوع يرتبط بكل منجزات الفكر والإبداع والقدرة على تحقيق هذه المنجزات في جميع مجالات العلم والتقنية والبحث العلمي والفنون والآداب. ذلك أن امتلاك هذه المنجزات وحمايتها واستثمارها يعد من المعايير المهمة التي تُميز الدول المتقدمة عن الدول التي في سبيلها للتنمية في ميادين الثقافة والتجارة والصناعة كافة.
فالاختراع والإبداع من أهم وأغلى ما يتميز به الجنس البشرى, لما يترتب عليه من نتائج ملموسة تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات وتساعد على تطويرها وتقدمها وازدهارها. لهذا فقد نالت حماية حقوق الملكية الفكرية اهتمام الدول الصناعية المتقدمة منذ ظهور الاختراعات الحديثة في النصف الثاني من القرن الـ 19, حيث ارتبط ذلك بانطلاق النهضة الصناعية في أوروبا وما ترتب عليها من تغيرات اقتصادية هائلة, تمثلت في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول وتخطى العلاقات الاقتصادية للأفراد والشركات الحدود الدولية, مما اقتضى وضع قوانين وأنظمة لحماية الملكية الفكرية بنوعيها. بدء تطبيق النظام الجديد لحماية حقوق المؤلف الذي صدر بناء على موافقة مجلس الوزراء يوم 9/6/2003, وبدأ تطبيقه بالفعل اعتبارا من يوم 23/1/1425, حيث يعد هذا النظام نقلة نوعية في هذا المجال, إذ إنه لم يقصر نطاق الحماية القانونية لحقوق المؤلف على المواطنين السعوديين, بل مد نطاق هذه الحماية لتشمل المؤلفين من رعايا الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحق المؤلف التي تكون السعودية طرفا فيها مثل الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف (التي انضمت إليها السعودية عام 1406هـ) واتفاقية برن التي انضمت إليها السعودية بتاريخ 11/3/2004.
وبعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في يوم 11 تشرين الثاني ( نوفمبر) 2005 بعد عشر سنوات من المفاوضات وبعد إنجاز 12 جولة من المفاوضات وتوقيع ( ) اتفاقاً, يُثار تساؤل مهم حول مدى الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية التي يُمكن أن يحققها هذا الانضمام. ذلك أن حماية حقوق الملكية الفكرية تعد من أهم الجوانب التي تحرص عليها هذه المنظمة, وقد أبرمت في إطارها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية المعروفة باسم اتفاقية التربس, بحيث إن انضمام أي دولة إلى هذه المنظمة يفرض عليها تلقائياً مثل غيرها من الدول الأعضاء الالتزام بمبادئها وبجميع الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف التي تُشرف المنظمة على تنفيذها, ومن ثم يجب أن تتوافق قوانينها وأنظمتها الداخلية مع هذه الاتفاقيات الدولية.
ومن المعلوم أن السعودية هيأت المناخ الملائم لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية بما تحمله من التقنية العالية والرساميل, فأقرت نظام الاستثمار الأجنبي الجديد في 10/4/2000, الذي تضمن ميزات وضمانات وتسهيلات عدة للمستثمرين الأجانب, واعتبر الحقوق المعنوية كالتراخيص وحقوق الملكية الفكرية والمعرفة الفنية والمهارات الإدارية وأساليب الإنتاج من قبيل الحقوق التي تستحق الحماية النظامية, آخذاً في الاعتبار أن الحصول على ملكية التصنيع لمنتجات عالمية أو براءات الاختراع الخاصة بها يعنى الدخول عملياً في التقنية الخاصة بتصنيع هذه المنتجات محلياً, مما يساعد السوق الوطنية السعودية على مواكبة الأسواق العالمية وسد حاجتها من السلع عالية الجودة ومرتفعة التقنية بدلاً من استيرادها.
كما وقعت السعودية عدة اتفاقيات دولية ثنائية في مجال التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات الدولية, قررت حماية فعالة لحقوق الملكية الفكرية, ولكن يبقى تفعيل هذه القواعد من الناحية العملية من قبل الجهات القائمة على توفير الحماية النظامية والتعاون بين هذه الجهات والأجهزة المعنية في الدول العربية والأجنبية, نظراً لأن حق المؤلف حق ذو طبيعة دولية. إن عناصر الملكية الفكرية بنوعيها (الفنية والأدبية) تتداخل فيما بينها تداخلاً كبيراً, بحيث إن المنتج الواحد قد يحمي مضمون براءات الاختراع أو معلومات غير مفصح عنها, وقد يحمي شكله كرسم أو نموذج صناعي, وقد يحمي صانعه بعلامة صناعية, وقد يحمي من يتجر فيه بعلامة تجارية ويحمي الكتيب المرفق بالمنتج بحق المؤلف.
ومعنى هذا أن المنطق يقتضي عدم الفصل بين عناصر الملكية الفكرية بجناحيها الأدبي والفني من ناحية والصناعي من ناحية أخرى. ولهذا السبب فقد جمعت بعض الدول العربية والأجنبية عناصر الملكية الفكرية كلها في قانون واحد بهدف التيسير على المتعاملين من مواطنين وأجانب, بحيث يستفيدون جميعاً من نظام مرن يُمكنهم من حماية منتجاتهم بكل عناصر الملكية الفكرية المتداخلة في مكان واحد, وهذا يكفل توحيد الجهات التي يتعامل معها ذوو الشأن, ومما لا شك فيه أن هذا من شأنه تحقيق غايات اقتصادية مهمة لهم تتمثل في اختصار الإجراءات والسرعة وقلة التكلفة الاقتصادية وتركيز الإجراءات أمام جهة واحدة تكون أقدر على الإلمام بجميع جوانب الموضوع. والحقيقة أن اتفاقية برن أحالت صراحة إلى القوانين الوطنية للدول الأطراف فيها, وتركت لها حرية واسعة في اتخاذ إجراءات الحماية اللازمة, بحيث إن الحماية في بلد المنشأ يحكمها القانون الوطني, ومن ثم فإذا كان صاحب المصنف يقيم في بلد المنشأ فإنه يتمتع بالحماية نفسها التي يتمتع بها المواطنون.
ولكن تبدو أهمية الانضمام إلى هذه الاتفاقية في أنها تؤدي إلى تدويل internationalization الحماية القانونية لحقوق المؤلف في كل دول الاتحاد, فيحق لأي مواطن من مواطني هذه الدول أو أي شخص آخر ممن تنطبق عليهم أحكام هذه الاتفاقية اتخاذ إجراءات الحماية لمصنفه في أية دولة من هذه الدول. وقد أخذت اتفاقية باريس كذلك بفكرة تدويل الحماية, فمنحت لرعايا كل دولة من دول الاتحاد الحق في التمتع بجميع المزايا التي تمنحها حالياً أو قد تمنحها مستقبلاً قوانين تلك الدول للمواطنين فيما يتعلق بالملكية الصناعية, وكذا الحق في استعمال وسائل الطعن القانونية المقررة ضد الإخلال بحقوقهم كالمواطنين تماماً, بل إنها قررت عدم جواز فرض أي شرط خاص بالإقامة أو بوجود منشأة في الدولة التي تطلب فيها الحماية للتمتع بأي حق من حقوق الملكية الصناعية.
كما يتمتع بمعاملة رعايا دول الاتحاد نفسها رعايا الدول غير الأعضاء في الاتحاد المقيمين في إقليم إحدى دول الاتحاد أو الذين لهم عليها منشآت صناعية أو تجارية حقيقية وفعالة. وهذا يعنى أن أي مواطن سعودي وأي مؤسسة سعودية أو أي مواطن أو شركة أجنبية تقيم في السعودية يتمتع بالحماية القانونية التي قررتها الاتفاقية, حتى ولو كان هذا المواطن الأجنبي أو هذه الشركة الأجنبية ينتمي إلى دولة غير طرف في اتفاقية باريس وغير عضو في الاتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية, وهذا من شأنه تقرير ميزة مهمة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المقيمين في السعودية, تتمثل في امتداد أحكام الاتفاقية إليهم, ومن ثم يحقق الانضمام إلى الاتفاقية ميزة للشركات الأجنبية التي تستثمر أموالها في السعودية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً