قراءة تحليلية مقارنة في التعديل الدستوري الجزائري لـ: 06 مارس 2016
” إصلاح واقعي أم تكيّف استراتيجي مع التغيرات الدولية المعاصرة”
الدكتور: ابرادشة فريد، أستاذ محاضر ـ أ ـ بجامعة محمد بوضياف المسيلة
ملخص الدراسة:
سنتطرق من خلال هذه الدراسة إلى مسألة في غاية من الأهمية، والمتمثلة في نص تعديل الدستور والتكيّف التشريعي الجزائري مع مختلف المستجدات الدولية والإقليمية والمحلية في الأساس، وذلك من خلال إجراء دراسة تحليلية مقارنة بين دستور 28 نوفمبر 1996 و التعديل الدستوري 6 مارس2016، هذا التعديل الذي حمل الكثير من الإضافات وفق ما يتماشى مع جملة التطلعات والمطالب الجماهيرية المتزايدة، و كما هو معروف فإنّ موجة ما اصطلح عليه بالربيع العربي قد أرست لقواعد نظام عالمي وإقليمي غير مسبوق سواء في سياسات الدول الداخلية أو الخارجية، ليست الدول العربية وحسب، وإنما قد مست هذه الموجة العديد من دول العالم الثالث، ووصل الحد إلى درجة أن طرقت أبواب الدول المتقدمة في كل من أوربا وأمريكا، خاصة دول أوربا الشرقية، وتبقى مسألة التطبيق من عدمه كفيلة بتضافر جميع مؤسسات الدولة، وخضوعها لهذا الدستور.
الكلمات المفتاحية: الإصلاح الدستوري، التعديل الدستوري، تكييف الدستور، دولة الحق والقانون.
Résumé
Dans cette étude, nous examinerons une question très importante qui représentée dans le texte de la nouvelle révision Constitutionnelle et de l’adaptation législative algérienne comparativement aux déférents développements internationaux, régionaux et même locaux .Cette étude analytique – comparative entre les deux constitutions de 1996 et 2016.
Dernièrement de nombreux pays (forcément et non volontairement) ont été obligées de s’adapter à cette vague de démocratisation et de réforme notamment les réformes Constitutionnelles, et pour éviter toutes glissements dans la région. Mais tous jours le problème est n’pas Dans les textes constitutionnels, ou dans la qualité des amendements soutenu, mais à la manière applicatifs.
Mot clé : Réforme constitutionnelle, Amendement constitutionnelle, adaptation du constitutionnelle. L Etat des droits et Lois.
مقدمة:
يعتبر الدستور في أي دولة من دول العالم العمود الفقري الذي تسير عليه الحياة العامة، و الذي تنتظم في فلكه كل التنظيمات والمؤسسات، بداية من الفرد والأسرة إلى غاية أكبر هيئة في الدولة وهي مؤسسة الرئاسة، ولهذا فلا يكاد يخلو نظام دولة من منهج دستوري أو سند قانوني يوجهه وينير مساره، ويحدد طريقه ويضبط جميع تعاملاته، هذا الدستور سواء كان سماويا أو وضعيا، مكتوبا أم عرفيا، ديمقراطيا أو ديكتاتوريا ما يهم في المسألة برمتها أنه يعتبر الضابط والمقاس الذي ينظم قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في تلك الدول والمجتمعات، ولهذا فعادة ما يستند جميع المعارضين و المطالبون بالحقوق في العالم إلى فكرة الخروقات الدستورية والقانونية و ينادون من خلال ذلك إلى ضرورة إصلاح وتعديل تلك القوانين، بل و قد تصل الأمور في بعض الحالات إلى حد المطالبة بإلغائه وإصدار دستور جديد،كونه سيكون سندهم القانوني المقدس ووثيقة هويتهم التعريفية التي يتفاوضون بها .
إنّ الدولة الحديثة التي نشأت بعد معاهدة وستفاليا التاريخية1648 قد أكدت على أنّ عماد الدولة الأساسي هو الدستور المكتوب، ولهذا فقد كانت معظم دساتير الدول دساتير وضعية ومكتوبة، لكن في المقابل هناك دساتير دول أخرى ( عريقة ) هي عبارة عن أعراف كما هو الحال في المملكة البريطانية المتحدة. ولم يتوقف الأمر عند هذين النوعين من الدساتير،لأنّ هناك نوع ثالث من الدساتير وهو الأصل في تشريعات تلك الدول، إنه الدستور السماوي ( ما جاءت به الكتب السماوية والأنبياء من تعاليم ونصوص لضبط مجتمعاتهم وأممهم) وهو ما تسميه الغرب كذلك بالدولة التيوقراطية، ولكن عموما مهما كانت طبيعة ومصدر ذلك الدستور فإنّ الممارسة الميدانية هي التي تبين طبيعة ما نحن بصدد دراسته، وذلك للفرق الشاسع بين النص والواقع.[1]
وكغيرها من دول العالم اعتمدت الجزائر منذ إعلان استقلالها الرسمي في 5 / 7 / 1962 على مجموعة من الدساتير الوضعية المكتوبة والمقتبسة من بعض التشريعات الدستورية، ومن بين الدساتير الجزائرية في الفترة ما بين 1962 و 1996ما يلي:
1 ـ دستور 1963 وهو أول دستور للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
2ـ دستور 1965 ويسمى بالدستور الصغير نظرا للتعديلات الطفيفة التي مسته.
3 ـ دستور 1976.
4 ــ دستور 1989 وهو أول دستور تعددي والذي من خلاله تم إلغاء الأحادية الحزبية و ولوج مرحلة التعددية السياسية والحزبية.
5 ـ دستور 1996، تعرض هذا الأخير للعديد من التعديلات؛في 2002، 2008، 2016. ومايزال الدستور الجزائري كغيره من دساتير العالم قابلا للتعديل و التحيين حسب طبيعة المعطيات والمستجدات ( الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية ) التي قد تطرأ بين الحين و الآخر، وهذا أمر طبيعي جدا لكون واضع الدستور من البشر،وإذا كان مهندس الدستور من البشر فالخطأ فيه يبقى واردا لا محالة، وبالتالي فباب الإصلاح والتعديل كذلك لابد أن يبقى مفتوحا.
لقد اضطرت العديد من الدول إلى ضرورة التكيّف مع هذه الموجة تفاديا لأي انزلاقات قد تشهدها دول المنطقة، فبدأت سلسلة التنازلات شيئا فشيئا وفي مقدمتها التعديل في النصوص الدستورية، ولكن المشكل الذي ظهر إلى الوجود، ليس في نوعية تلك التعديلات والإصلاحات ولكن في كيفية تطبيقها، لأنّه وفي حال تزايد عدد الطلبات الجماهيرية قد تؤول الأمور إلى الطرق المسدودة، وهو ما يتمثل في حالة عدم قدرة الدولة على التعامل مع كل تلك المطالب، نظرا لعدم وفرة الإمكانيات مما قد يدفع بالأمور إلى أسوء السيناريوهات غير المتوقعة .
أهداف و أهمية الدراسة:
سوف يتم التطرق لهذا الموضوع في خطة متوازنة تنطلق من الإطار المفاهيمي ليليها إطارا تحليليا لأهم المواد الدستورية الجديدة التي وردت في التعديل مع الإشارة إلى بعض النصوص الدستورية العالمية، وفي الختام سوف نتطرق إلى العبرة من التعديل الدستوري الأخير الذي أصدره المشرع الجزائري، وسيتم هذا مع عقد بعض المقارنات بين التعديل الدستوري الجديد 6 مارس 2016 و الدستور الأصل لـ : 28 نوفمبر 1996. باعتبار أنّ المقارنة كمنهج ستقدم أحسن التفسيرات وأدّق الحلول، كما أنّ حجم أو قوة أو حتى مكانة أي دولة لا يمكن إدراكها إلاّ بمقارنتها مع دول أخرى، وليس بدراستها منفردة.
كما سينصب تركيزنا في هذه الدراسة على أهم المواد والإضافات التي وردت في التعديل الدستوري الجديد، وبالتحديد المواد التي تطرقت إلى مختلف الاصلاحات السياسية و التشريعية و القضائية ودعم الاستثمار والشباب والتجارة وتنظيم الجباية المحلية وكذلك مسائل تدعيم خلق الثروة محليا…الخ، ومهما يقال عن التعديل الدستوري الجديد 2016 فإن دستور 1996 يبقى الأصل والمرجعية الأساسية لأي قانون أو تعديل، مقارنة بالتعديلات التي جاءت بعده، وذلك لأنها كانت في الأساس تعديلات طفيفة و لمواد محددة و خاصة، كفتح مدة العهدة الرئاسية أو حتى العودة إلى غلقها، إضافة إلى ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ثم رسمية ثانية إلى جانب العربية، كما ورد ذلك في التعديل الدستور لعام 2002. [2]
إشكالية الدراسة:
من المفترض في كل تعديل دستوري أن يقدم جديدا، أو يعالج خللا، أو يكمل نقصا، أو يسد فراغا…الخ، ولهذا فإنّنا حينما أردنا معالجة هذا الموضوع انطلقنا من الإشكالية التالية: هل أضاف التعديل الدستوري لـ: 6 مارس 2016 جديدا إلى الساحة السياسية الجزائرية؟ أم أنّه مجرد تكيّف مؤقت في الوقت الراهن بقوانين جديدة تم استحداثها من أجل معالجة ثغرات القوانين الدستورية القديمة.؟
أولا: تحديد مفهوم مصطلحي الدستور والتعديل الدستوري
أـ تعريف الدستور: دستور جمع دساتير و يُعرف في اللغة العربية بأنّه الميثاق أو العهد، فهو القاعدة التي بمقتضاها يتم الاستناد إليها لتنظيم أمور الدولة، وقديما هو الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجنود ومرتباتهم، لاسيما في أعمال الدول التاريخية التي كانت المكانة والخصوصية فيها للجند وأعمالهم، أما اصطلاحا وبالتحديد في عالمنا المعاصر فتعني مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد وترسم وتبين شكل الدولة ونظام حكمها وطبيعة عمل كل سلطة من سلطاتها والعلاقة فيما بينها.[3]
أما بالفرنسية فإنّ مصطلح دستور Constitution يعني الفعل الذي بواسطته نشكل أو نؤسس لهيئة ما، لأنّ الفعل اشتقت منه كلمة دستور Constituer بمعنى تشكيل أو تأسيس على غرار مصطلح Construire من بناء وتأسيس، ويقال أيضا بناء مجتمع. كما أنه مجموع العناصر الهامة التي يسير عليها المجتمع، واصطلاحا تعرف في الفقه الدستوري الفرنسي على أنها القانون الأساسي للأمة Loi Fondamental d’une nation.[4]
يرى الأستاذ نعمان أحمد الخطيب بأنّ الدستور هو القانون الأعلى في الدولة والذي يضبط كل علاقات وأعمال ومهام الدولة وكل مؤسساتها المركزية واللامركزية، ولا توصف الدولة بأنها دولة قانونية إلاّ إذا ساد جميع أعمالها وممارساتها حكم القانون، هذا الحكم الذي يخضع له الجميع دون استثناء الحاكم قبل المحكوم.[5]
وفي هذا الشأن هناك اتفاق بين فقهاء القانون والسياسة على سمو القواعد الدستورية على باقي القوانين في الدولة مهما كانت قيمتها أو أهميتها، خاصة وأن أساس هذه الفكرة يرجع إلى فلاسفة القانون الطبيعي الذين امنوا بوجود العقد الاجتماعي الممثل في الدستور قبل كيان الدولة، فالدستور هو الذي ينشأ الدولة وهو الذي يسهر على تنظيم السلطات والمؤسسات فيها.[6]
بينما عرّف الأستاذ عبد الوهاب الكيالي مصطلح الدستور على أنّه ” أهم وثيقة في الحياة السياسية للمجتمع وفي بنيان الدولة، وهو مجموع القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم وشكل الحكم في الدولة، … ويبين الدستور طبيعة النظام السياسي وهيئات الدولة وسلطاتها ووظائفها وكيفية انبثاقها وحركية تغيرها وعلاقاتها واختصاصاتها فيما بينها ثم علاقاتها مع المواطنين وحقوق المواطنين وواجباتهم وهو ضمانة لحريات الأفراد وحقوق الجماعات ويفترض أن تقوم الهيئة القضائية بحمايته من أي عبث من قبل الهيئات الأخرى ومن هنا كان استقلال القضاء في الدولة أمرا حيويا. “.[7]
في الحقيقة إنّ أي نظام سياسي في العالم إذا التزم بكل هذه الشروط التي تحددت في التعريف السابق، سوف لن تواجه هذه الدولة أي صعوبات أو عراقيل في دفع عملية الانتقال الديمقراطي، وسوف ينعم مواطنوها بما ينعم به مواطنو الدول المتطورة، في إطار ما يصطلح عليه بدولة الحق والقانون دولة المواطن الصالح، التي تكون فيها الحقوق موازية للواجبات.
ب ـ تعريف مصطلح تعديل الدستور: يمكن تحديد مفهوم التعديل الدستوري بأنه تلك القواعد والإجراءات الإضافية الجديدة التي يتم إدخالها على الدستور القديم، لتلافي مختلف الثغرات والنقائص التي حدثت عبر الزمن سواء من خلال تحولات خارجية دولية أو داخلية محلية.ومعلوم بالضرورة أنّ الوحدات الدولية تعيش في عالم متحول الملامح، وغير محدد الهوية ولا الوجهة، ولذلك فإنّ النظم السياسية في العالم أصبحت مضطرة بل ملزمة على مواكبة مختلف التطورات الحاصلة في نسقه، وبالتحديد حينما انتشرت الموجة الجديدة التي اجتاحت مجتمعات العالم في إطار ما سمي بمجتمعات ما بعد الحداثة، هذه المجتمعات ال%D