مؤسسة البطلان
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بقلم ذ نجيب بُحاجة
حاصل على الاجازه في القانون الخاص
مما لا شك فيه أن البطلان يعتبرمن أهم المؤسسات القانونية الجديرة بالبحث والدراسة، نظرا لما له من دور في حماية الأمن التعاقدي بصفة عامة والأطراف المتعاقدة بصفة خاصة، وأمام إعراض المشرع المغربي عن إيراد تعريف دقيق لهذه المؤسسة، افتُتح الباب على مصراعيه للفقه والاجتهاد القضائي لإعطاء تعريف للبطلان، فتباينت واختلفت هذه التعاريف، نذكر منها ” هو وصف يلحق تصرفاً قانونياً معيناً لنشأته مخالفا لقاعدة قانونية يؤدي إلى عدم نفاذه “
والعقد الباطل بهذا المعني يتساوى والعدم، كما عرفه أيضا الأستاذ الفقيه السنهوري بأنه ” الجزاء القانوني على عدم “استجماع العقد لأركانه كاملة مسوفية لشروطها
و السبب في استبدال كلمة جزاء بكلمة وصف هو دقة المعنى ، فكلمة الجزاء تفيد فكرة العقاب و هذه الفكرة مستبعدة تماما في القانون المدني، و استبعاد فكرة العقاب فهذا لا يعني إن المشرع لا يقيم لها وزنا على الإطلاق فبطلان العقد كون سببه أو محله غير مشروع هو فعلا عقاب للمتعاقدين، على عكس إبطال العقد بسبب التدليس الذي يرمي قبل كل شيء إلى حماية رضا المدلس عليه من دون أن نتجاهل سلوك المدلس الذي يعاقب عن طريق إبطال العقد هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن كلمة الجزاء لا تعني حتما ردعا و العقاب المسلط على الفرد، بل يقصد به النتائج القانونية المترتبة على التصرفات إذا تمت مخالفة للقانون
ولدراسة موضوع البطلان سنعمل على تقسيمه إلى فقرتين، نتناول في الأولى الأحكام العامة للبطلان، على أن ندرس أثاره في الفقرة الثانية
الفقرة الأولى : الأحكام العامة للبطلان
يقسم الفقه الحديث البطلان إلى قسمين، البطلان المطلق والبطلان النسبي، وأساس هذا التقسيم هو أن للعقد أركان عامة لابد من قيامها ومراعاة شروطها حتى يتكون العقد، وهي الرضا والسبب والمحل وشرط المشروعية والوجود والتعيين في المحل وشرط المشروعية في السبب، فإذا تخلف ركن من هذه الأركان أو شرط
) كما أن الرضا لابد أن يصدر عن شخص كامل الأهلية وألا يكون مشوبا بعيب من عيوب الإرادة حتى يكون صحيحاً سليما، فإذا تخلف شرط من شروط الصحة هذه كان الجزاء هو البطلان النسبي ( الإبطال )، لهذا نجد أن المشرع المغربي ك يحرص على التمييز بين نوعي البطلان، فيستعمل لفظ العقد الباطل للدلالة على البطلان واستخدم لفظ العقد القابل للإبطال للإشارة إلى الإبطال
وعلى هذا الأساس سنحاول دراسة أحكام كل نوع على حدة. أولاً : البطلان المطلق (البطلان)
إن منطلقنا في هذا الصدد هو الفصل 306 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي “… يكون الالتزام باطلا بقوة :القانون
1- إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه
2- “إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه
نستشف إذن من خلال هذا الفصل أن البطلان لا يخرج عن حالتين
الحالة الأولى : انتفاء أحد أركان العقد
أركان العقد الأساسية هي الرضا والسبب والمحل، ويعتبر العقد باطلا إذا كان أحد طرفي العقد عديم الأهلية، أو جاءت إرادة الطرفين غير متطابقة حول العناصر الأساسية للالتزام، كما يعتبر باطلا إذا كان محل الالتزام مستحيلاً أو غير مشروع أو غير محدد أو كان الدافع إلى التعاقد بالنسبة لأحد الطرفين أو كليهما غير مشروع أو غير حقيقي
الحالة الثانية : وجود نص قانوني يقرر البطلان
هناك مجموعة من الحالات التي يتدخل فيها القانون ويقرر بطلان العقد، وذلك لاعتبارات تتعلق بالنظام العام بالدرجة الأولى على اعتبار أن الهدف من تقرير البطلان هو حماية النظام العام، من بين هذه الحالات
الفصل 728 ق ل ع ” يبطل كل اتفاق يلتزم بقتضاه شخص بتقديم خدماته طوال حياته، أو لمدة تبلغ من الطول “حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته
الفصل 870 ق ل ع ” اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحاً او اتخذ ” شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له
: الفصل 729 ق ل ع” يبطل كل اتفاق يكون موضوعه
أ- تعليم أو أداء أعمال السحر والشعوذة، أو القيام بأعمال مخالفة للقانون أو للأخلاق الحميدة أو للنظام العام
” ب- القيام بأعمال مستحيلة مادياً
نص الفصل 311 ق ل ع على ما يلي ” يكون لدعوى البطلان محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و 39 و55 و56 من هذا الظهير، وفي الحالات الأخرى التي يحددها القانون باستقرائنا لهذا الفصل يمكن تقسيم الحالات التي يتقرر فيها الإبطال إلى ثلاث حالات أ- حالات القاصر وناقص الأهلية
وهي التي نص عليها المشرع في الفصل 4 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي ” اذا تعاقد القار أو ناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم فإنهما يلزمنا بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها وفقاً للشىوط المقررة “…بمقتضى هذا الظهير
وباعتبار أن الأهلية المدنية للشخص تخضع لقانون أحواله الشخصية فإن القاصر او ناقص الأهلية وفقا لمدونة الأسرة يشمل كل من الصغير المميز، أي الصغير الذي بلغ سن إثنتي عشر سنة شمسية كاملة ولكن لم يصل إلى سن الرشد القانوني الذي هو ثماني عشرة سنة شمسية كاملة، ينضاف إليهما السفيه والمعتوه
ب- حالة وجود عيب من عيوب الرضا
فلا يكفي لقيام العقد وإنتاجه لأثاره القانونية وجود الرضا ، وانما يجب أن يكون هذا الرضا سليماً بأن يكون صادر عن شخص كامل الأهلية وان يكون خالياً من عيوب الإرادة وعيوب الإرادة على نوعين عيوب عامة تؤثر في العقد على اختلاف أنواعه متى توافرت شروطها وهي الغلط والتدليس والإكرام ( المادة 39 ق ل ع ) وعيب لا يعتد به إلا وفق حالات استثنائية ضيثة ومحددة قانوناً وهو الغبن ( الفصلين 55 و 56 ق ل ع، إضافة إلى الغبن الاستغلالي الذي يحد نسده في الفصل 54 ق ل ع ) إذن فالحالات المشار إليها أعلاه تجعل من العقد قابلاً للإبطال
ج- حالة وجود نص قانوني
خارج الحالا الاولى والثانية يمكن إبطال العقد في حالة وجود نص قانوني يثضي بذلك، ونجد العديد من التطبيقات لهذه الحالة في التشريع المدني المغربي أهمها حالة بيع ملك العير المنصوص عليها في الفصل 485 ق ل ع وكذا أيضا بالنسبة لتصرفات التي يتجاوز فيها الوكيل حدود وكالته المسطرة في عقد الوكالة، فكل تجاوز لا يلزم الشخص الأصيل ( الموكل ) إلا إذا أقره، ويمكن طلب إبطال التصرف من طرف صاحب المصلحة
الفقرة الثانية : أثار البطلان ونتائجه
كما سبق وأشرنا فإن مصطلح البطلان يراد به كل من البطلان المطلق (البطلان) والنسبي (الإبطال)، ولكل من هذين النوعين نتائج مشتركة وأخرى تختلف نظرا لخصوصية كل نوع منهما وتفرده بأحكام خاصة، كما أن لهما أثار على مستوى كل من المتعافدين والغير وعلى هذا الأساس سنعمل على إيراد نتائج تقرير البطلان ( أولاً ) ثم نتائجه ( ثانياً )
أولا : نتائج تقرير البطلان
يتشارك كل من العقد الباطل والعقد القابل للإبطال في نتيجة مهمة وهي الحق في التمسك بهما، فإذا توافرت حالات البطلان جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، سواء كان طرفاً في العقد أو أجنبيا عنه فصاحب المصلحة يجب أن يتمسك بالبطلان على آساس تضرر حقه بسبب هذا العقد، وعلى اعتبار أن البطلان يعتبر من صلب النظام العام وهو بذلك يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة فإن للمحكة أن تثيره تلقائية وتقرر بذلك ما إذا كان العقد باطلا، وذلك على عكس الإبطال الذي لا يعتبر من النظام العام وإنما أقره المشرع لحماية مصلحة خاصة، هي مصلحة الشخص المتضرر من عدم صحة العقد وهذا ما يفسر غياب كل من المحكمة والغير كجهات يمكنها طلب إبطال العقد، لذلك لا يتم إبطال العقد الا بناء على طلب ممن له المصلحة في ذلك وفقاً للحالات المنصوص عليها في القانون والتي سبق وأشرنا إليها
إذا كان يحق لكل من أطراف العقد طلب بطلانه أو إبطاله حسب الحالات، فإن الأمر يختلف بينهما في مجموعة من ، الحالات، فمن نتائج تقرير البطلان نجد
-بطلان الالتزام الأصلي يؤدي إلى بطلان الالتزام التبعي فما بني على باطل فهو باطل
كذلك يختلفان من حيث أن العقد القابل للإبطال يُصحح بالإجازة والتقادم، على العكس العقد ااباطل الذي لا يمكن تصحيحه لا بالإجازة ولا بالتقادم وهو ما نص عليه المشرع في كل من الفصلين 310 و387
ثانياً : آثار تقرير البطلان
من خلال عملية الربط بين الفصلين 306 و 316 من قانون الالتزامات والعقود يتبين لنا أن كلا من العقد الباطل والعقد القابل للإبطال لا ينتجان أي أثر قانوني إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا لهذين العقدين ,غير أن هذا المبدأ قد تعترضه بعض الصعوبات المادية والقانونية التي تحول دون إرجاع الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد. ولهذا ارتأيت أن أقسم هذا الفقرة إلى قسمين أخصص القسم الأول لآثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين القسم الثاني لأثار البطلان بالنسبة للأغيار
أ- أثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين
إن العقد الباطل لا ينتج أثارا بين المتعاقدين,وليس بإمكان أحد المتعاقدين إلزام المتعاقد الأخر على تنفيذ عقد باطل.وبالبطلان يعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد ويسترد كل متعاقد ما دفعه تنفيذا لعقد باطل “,وهذا ماقضى به الفصل 306 من ق ل ع الذي أوجب “استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا للعقد الباطل
وإذا كانت إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد مستحيلا فيجوز للمحكمة أن تقضي للمتضرر من هذه الاستحالة بتعويض يعادل الضرر الذي لحق به
ويستثنى من مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة السابقة للتعاقد الباطل ,العقد الذي يبرمه شخص فاقد الأهلية.فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 6 من هذا القانون “يبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام “وذلك بمقتضى الشروط المقررة في هذا المرسوم الملكي
فهذا القاصر لا يلزم برد سوى ما كان عليه من نفع بسبب تنفيذ العقد كمصروفات ضرورية أو نافعة مثل شراء كتب أو وفاء بدين أو تعلم حرفة.أما المصروفات الضارة كالمقامرة أو المراهنة فلا تعتبر مصروفات نافعة ولا يردها الطرف الأخر في العقد ,وإذا كان الشيء الذي حصل عليه من العقد لازال موجودا في حوزته ,فانه يعتبر من قبل النفع وذل بموجب الفصل 9 من قانون الالتزامات والعقود المغربي
ب- آثار البطلان بالنسبة للغير
إن المقصود بالغير كل الأشخاص الذين هم يكونون طرفا في العقد الباطل, واكتسبوا حقوقا على الشيء محل العقد الباطل.فأثر البطلان بالنسبة لهذا الغير هو نفسه بالنسبة للمتعاقدين, فلو أن شخصا اشترى عينا بعقد باطل ثم باعها وتقرر بعد ذلك بطلان البيع الأول فان البائع في العقد الباطل يسترد العين من المشتري
وإذا كان هذا المشتري الثاني قد رتب على العين حقوقا فان البائع يسترد العين خالية من هذه الحقوق
لكن القول بأن العقد الباطل لا ينتج أي آثار ليس على مطلقه بل ترد عليه مجموعة من الاستثناءات خصوصا فيما …يتعلق بحالة عقد الزواج وحالة اكتساب الغير حقا عينيا عاى منقول أو عقار محفظ كام محل عقد باطل
بقلم ذ نجيب بُحاجة
حاصل على الاجازه في القانون الخاص
اترك تعليقاً