أثر قروض البنك الدولي على التنمية في المغرب
مريم الخياري
باحثة في القانون الدولي والعلاقات الدولية
انبثقت فكرة إنشاء البنك الدولي من تطلع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية لوضع الترتيبات اللازمة لبناء وضبط النظام الاقتصادي الدولي لما بعد الحرب العالمية، لقد كان الهدف الرئيسي من وراء إنشائه المساهمة في إعادة إعمار البلدان التي خربتها الحرب في أوربا الغربية، وهو ما يعني أن البلدان النامية وقضيتهم الأساسية المتمثلة في التنمية لم تكن تدخل ضمن اهتمامات البنك الدولي.
غير أنه حدث متغيرين اثنين جعلا البنك الدولي يصب جزءا كبيرا من اهتماماته على هذه القضية والمساهمة في تمويلها، الأول : تمثل في استقلال البلدان النامية وتزايد الاهتمام بقضية التنمية وتحولها إلى مشكلة أساسية تستقطب اهتمام المجتمع الدولي برمته، والثاني : الإعلان عن مشروع مارشال الذي اعتبر بمثابة تجريد للبنك الدولي من وظيفته الأساسية المتمثلة في تعمير أوربا وإعادة ما دمرته الحرب.
وكسائر الدول النامية فقد عانى المغرب منذ استقلاله، من فجوة في الادخار ناتجة عن نقص الموارد الداخلية وعن العجز الدائم في ميزان المدفوعات، الأمر الذي دفعه للبحث عن مصادر تمويل أجنبية، فوجد في البنك الدولي خير معين على هذا الأمر، إذ تجاوزت قروضه بكثير تلك التي حصل عليها في إطار المساعدات الثنائية أو المتعددة الأطراف.
أمام هذا الحجم الكبير من التدفقات والتي امتدت منذ الاستقلال ولا زالت تزود خزينة الدولة لتغطية العجز الذي تعرفه، يجدر التساؤل عن جدوى هذه القروض أولا؟ وعن مدى مساهمتها في تحقيق التنمية التي تطلع إليها المغرب؟ خاصة وأن هذه القروض لا تخلوا في الغالب الأعم من سياسات وتوصيات ترافقها.
المبحث الأول : نشأة وتطور مسلسل التعاون بين المغرب والبنك الدولي
مرت علاقة التعاون بين المغرب والبنك الدولي منذ نشأتها وإلى اليوم بمراحل مختلفة، كما عرفت تغييرا يتماشى مع تطور نظرة البنك الدولي لمفهوم النمو والتنمية بشكل عام، فقبل 1970 كان التعاون محتشما، سواء على مستوى حجم القروض التي كانت ضعيفة، أو على مستوى عدد القطاعات التي كانت قليلة. ومع مطلع السبعينات سيعرف تدخل البنك الدولي تحولا نوعيا، انعكس على حجم القروض التي ارتفعت، وكذا القطاعات المستفيدة التي تنوعت وتزايدت، وقد جاء هذا التغيير انسجاما مع إعلان الأمم المتحدة للعشرية الثانية للتنمية، وسيزداد هذا التدخل حدة مع مطلع الثمانينات وبداية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي خلف آثارا اجتماعية واقتصادية سلبية، دفعت بالبنك الدولي منذ سنة 1997 إلى إعادة النظر في سياسة تعامله مع المغرب، حيث سيعمد إلى اعتماد استراتيجية جديدة أطلق عليها استراتيجية المساعدة القطرية الممتدة إلى غاية سنة 2009، والتي تم تجاوزها باعتماد مقاربة جديدة انتقلت بالعلاقة بين الطرفين من مجرد تعاون إلى شراكة استراتيجية.
المطلب الأول : من التعاون التقني إلى المساعدة القطرية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فقد عرف مسلسل التعاون بين المغرب والبنك الدولي تطورا وتحولا كبيرين، إن على مستوى حجم القروض التي تلقاها المغرب أو على مستوى السياسات التي نهجها البنك لتوجيه السياسة المغربية نحو تحقيق الأهداف التي يراها كفيلة بتحقيق التنمية المنشودة.
الفقرة الأولى : تطور حجم وسياسة البنك الدولي خلال فترة التعاون
يرجع تاريخ أول قرض للبنك الدولي للمغرب إلى سنة 1962، عندما أبرم البنك الوطني للتنمية الاقتصادية المعروف اختصارا ب (BNDE) أول خط ائتماني له، وقد بلغ القرض 15 مليون دولار خصصت لإنجاز أول مشروع صناعي للبنك. وقد استفادت مؤسسات تمويل الصناعة في المغرب (البنك الوطني للتنمية الاقتصادية)، (القرض العقاري والسياحي)، والفلاحة ب 37% من حجم القرض الذي منحه البنك للمغرب.[1]
وقد لوحظ خلال هذه الفترة ضعف حجم القروض التي تلقاها المغرب، إذ لم تتجاوز 320 مليون دولار، ويفسر ذلك بالسياسة المالية التي نهجتها الحكومة المغربية خلال هذه الفترة والتي تميزت بضعف الاستثمار وبالتالي ضعف معدلات النمو، كما تميزت الحياة السياسية خلال هذه الفترة بعدم الاستقرار، حيث تم حل البرلمان وإعلان حالة الاستثناء سنة 1965.[2]
وخلال المرحلة الثانية التي امتدت ما بين (1973-1982) فقد تميزت بارتفاع حجم القروض التي منحها البنك الدولي لتمويل الاقتصاد المغربي، إذ بلغت 1559 مليون دولار، وسجلت أعلى نسبة سنة 1981 حيث بلغت 293 مليون دولار. وتركزت هذه القروض على ثلاث قطاعات وهي : تمويل ميزانية الدولة ومؤسسات التمويل الخاصة، وبعض المشاريع المرتبطة بالفوسفاط والإسمنت وبعض المشاريع الصناعية الميكانيكية.
ويفسر ارتفاع حجم القروض الموجهة للمشاريع الثقيلة كالصناعة والبنية التحتية بارتفاع ميزانية الاستثمار التي نهجتها الدولة خلال هذه الفترة نتيجة ارتفاع أسعار الفوسفاط في السوق الدولية والتي تضاعفت ابتداء من سنة 1973، غير أن انخفاض هذه الأسعار ابتداء من سنة 1975 جعل الدولة تلجأ بشكل مكثف للقروض الخارجية لإنجاز الاستثمارات التي أطلقتها والتي لم تستطع ميزانية الدولة – التي راهنت على عائدات الفوسفاط، تغطيتها- وكذا تغطية العجز الذي عرفه ميزان الأداءات بسبب ارتفاع أسعار البترول في السوق الدولية، إذ أن المغرب يستورد 98% من حاجياته الطاقية من الخارج.
أما المرحلة الثالثة والتي دشنت بتطبيق قروض التقويم الهيكلي، فتميزت بصفة عامة بإعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية، وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص،[3] وكذا التخفيف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة دعمها للمنشآت الاقتصادية الخاسرة، وتكريس مواردها لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة، والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية، إضافة إلى تطوير السوق المالية وتنشيطها وإدخال الحركية على رأسمال الشركات بقصد تطويرها وتنمية قدرتها الإنتاجية، وأخيرا، خلق مناخ الاستثمار المناسب، وتشجيع الاستثمار المحلي لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية.[4]
وقد تضمن تطبيق هذه السياسة في المغرب مجموعة من الإجراءات يمكن تقسيمها إلى نوعين :
– إجراءات التثبيت (التحكم في الطلب)
استهدفت هذه الإجراءات خفض الدعم على السلع الغذائية والتموينية، وخفض معدلات نمو الائتمان المحلي (14,8% بدلا من 20,1%)، إضافة إلى خفض سعر الصرف الخارجي للدرهم (بمعدل 7% بين فبراير وأبريل 1984)، وخفض كبير في حجم الإنفاق الاستثماري، زيادة على إبطاء معدل نمو التوظيف في القطاع العام.[5]
– إجراءات الإصلاح الهيكلي (التأثير في جانب العرض)
في هذا الإطار شمل الإصلاح مجموعة من القطاعات المالية والتجارة الخارجية، كما هم سياسة الأسعار والسياسة النقدية. ففي مجال الإصلاح المالي، تم اعتماد إجرائين اثنين، هم الأول استحداث الضريبة على القيمة المضافة (TVA) في أبريل 1986، والثاني تمثل في خفض الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية.[6]
أما في مجال تحرير الأسعار، فشمل الإصلاح مجموعة من التدابير تمثلت في خفض الإعانة لمستلزمات الإنتاج الزراعية، ورفع أسعار المنتج للسلع الزراعية، وكذا تصفية احتكار الدولة لعمليات بيع الأسمدة والبذور، إضافة إلى تصفية احتكار الدولة في مجال تسويق السلع الزراعية، وأخيرا، إلغاء الرقابة على الأسعار والتسعير الإداري ل 60 مجموعة من السلع الصناعية.
أما فيما يخص تحرير التجارة الخارجية، فالتدابير المتخذة في هذا المجال انصبت على إلغاء الضريبة على الصادرات، وتصفية نظام القيود الكمية على الواردات، إضافة إلى خفض معدلات التعريفة الجمركية على الواردات، وتبسيط إجراءات الجمارك.
وأخيرا أدخلت إصلاحات همت السياسة النقدية تمثلت في رفع أسعار الفائدة على الودائع والمدخرات، وخفض الإعانات للسلع الاستهلاكية (الصريحة والضمنية)، إضافة إلى الأخذ بنظام الضريبة على القيمة المضافة، وخفض حجم الإنفاق الاستثماري.
الفقرة الثانية : استراتيجيات المساعدة القطرية (1997-2009)
نظرا للآثار الاجتماعية السلبية التي تسببت فيها سياسة التقويم الهيكلي لمؤسستي بريتون وودز، فقد عمد البنك الدولي إلى تبني استراتيجيات تنموية جديدة للمساعدات التي يقدمها للمغرب، تميزت بالاهتمام بالقطاع الاجتماعي وتحقيق التوازن، إضافة إلى معالجتها لإشكاليات النمو الاقتصادي،[7] في هذا الإطار وقع الطرفان منذ منتصف التسعينات على عقود جديدة، أطلق عليها استراتيجيات المساعدة القطرية، غطت الأولى الفترة الممتدة ما بين 1997 إلى غاية سنة 2000، والثانية من سنة 2001 إلى 2004، أما الثالثة فستغطي الفترة الممتدة ما بين سنة 2005 إلى غاية سنة 2009.
أولا :استراتيجية المساعدة القطرية الأولى 1997- 2000
تزامنت هذه الاستراتيجية ووصول حكومة التناوب بزعامة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للسلطة في المغرب، مدشنا بذلك تغييرا سياسيا بالبلاد رافقه إدخال إصلاحات اقتصادية واجتماعية.
وقد عمد البنك الدولي إلى دعم هذا البرنامج الذي جاء منسجما مع ما نصت عليه استراتيجة التعاون الجديدة، والتي ركزت على مختلف القطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم والسكن، ومعالجة مشكلة البطالة، ومحاربة الفقر وفك العزلة عن العالم القروي، كما اهتمت بتحديث القطاع العمومي من خلال استكمال برنامج الخوصصة الذي كان قد بدأ العمل به مع برنامج التقويم الهيكلي، وكذا الاهتمام بالقطاع الخاص وإعطائه الأهمية اللازمة للرفع من النمو الاقتصادي، إضافة إلى العمل على إصلاح القضاء والمؤسسات العمومية وتطوير فعالية المرفق العام من خلال إعادة النظر في هياكل الإدارة وشروط التوظيف وكتلة الأجور ونظام التقاعد …إلخ.
فقد خصص البنك الدولي للمغرب مبلغ حوالي 657 مليون دولار على شكل قروض لدعم هذه الاستراتيجية، مقسمة بين قروض للاستثمار وقروض للإصلاح، حيث تم تخصيص قروض الاستثمار للبرامج الاجتماعية والنهوض بالعالم القروي، غير أنه وبالرغم من تجاوز المبلغ المخصص للاستثمار لما هو محدد في الاستراتيجية أي الثلث، فقد ظل أداء برنامج الاستثمار دون مستوى النتائج المرجوة، أما فيما يخص قروض الإصلاح فلم تكن نتائجها أفضل من سابقتها،[8] فإذا كان القرض المخصص لقطاع الاتصالات والقرض المخصص للادخار قد حققا نتائج حسنة، فإن أهداف القرض المخصص للإصلاحات الاقتصادية والإدارية وأيضا الاجتماعية كانت دون المستوى المطلوب، نظرا لضعف النمو الاقتصادي وبطء تقدم الإصلاح الإداري.
وحسب البنك الدولي فإن الفقر لا زال في تزايد، رغم كثافة برامج التنمية الاجتماعية والتحسن المسجل في الخدمات الاجتماعية الأساسية، الأمر الذي سيدفعه إلى تبني استراتيجية المساعدة الثانية.
ثانيا : استراتيجية المساعدة القطرية الثانية (2001 – 2004)
ارتكزت هذه الاستراتيجية على أربعة أهداف أساسية وهي :
تأهيل سياسة التنمية البشرية وإنعاش العالم القروي، وذلك من خلال إصلاح التعليم والصحة والمساواة بين الجنسين وفك العزلة عن العالم القروي، وهو ما يعد امتدادا لاستراتيجية التعاون السابقة.
تسريع وتيرة النمو الاقتصادي عن طريق دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة لتشجيع خلق فرص الشغل سواء للسكان الحضريين أو المهاجرين القرويين، قصد تحقيق نتائج مهمة في مجال محاربة الفقر. ولتفعيل ذلك سيقدم البنك ضمانا لمؤسسة التمويل الدولية SFI للقيام بمشاريع واستثمارات ذات تأثير كبير على التنمية.
3- المساعدة على تقليص حاجة الفقراء خاصة في المناطق القروية وذلك بمساندة الحكومة للتخفيف من آثار الجفاف الذي تعرفه البلاد من خلال وضع برنامج قصير الأمد ووضع نظام محفز للقطاع الفلاحي على المدى الطويل.
4- تطوير المؤسسات العامة لتحقيق النتائج المرجوة في المجالات الثلاثة السابقة، وذلك بالعمل على ترسيخ اللامركزية، وتدبير الميزانية، وإصلاح الوظيفة العمومية وتطوير وإشراك المجتمع المدني.
ثالثا : استراتيجية المساعدة القطرية الثالثة (2005 – 2009)
لاستكمال استراتيجياته التنموية التي بدأها، أعلن البنك الدولي عن الاستراتيجية الثالثة للمساعدة القطرية برسم سنة 2005-2009، مستهدفة مساعدة المغرب في رفع التحديات التنموية الكبرى، ولا سيما الرفع من وتيرة النمو الموفر لفرص الشغل وتقليص الفقر والتهميش.
وتختلف هذه الاستراتيجية عن مثيلاتها السابقة خاصة 2001 – 2004 في كون الهدف العام المتمثل في تقليص الفقر والهدف المتمثل في الحكم الجيد أصبحا مندمجين، كما أن المحيط والبيئة السياسيين أصبحا حسب البنك الدولي مواتيين لإدخال الإصلاحات المطلوبة.[9]
فخلال السنوات الأخيرة التي سبقت اعتماد الاستراتيجية الجديدة تبنى المغرب نظرة جديدة للتنمية بالمغرب ترتكز على إيلاء الاهتمام لتحسين الشروط الاجتماعية لمجموع السكان. هذه الرؤية التي ترجمت بإعلان مجموعة من البرامج والمبادرات المندمجة، خاصة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 18 ماي 2005.
وقد جاءت استراتيجية التعاون منسجمة مع الأهداف والأولويات الاستراتيجية التي رسمتها المبادرة والتي كانت محط مشاورات بين مختلف الفاعلين والمهتمين بحقل التنمية في المغرب.[10] كما شمل دعم البنك الدولي للمغرب وفق هذه الاستراتيجية 13 عملية بغلاف مالي تراوح بين 1,4 مليار دولار. شملت إصلاح القطاع المالي، السكن، الماء، الطاقة، الإدارة العمومية وكذا مشاريع الاستثمار المتعلقة بالماء والتطهير بالعالم القروي، التعليم، الطرق والتنمية البشرية.
إن ما يسجل على القروض التي قدمت في إطار استراتيجية المساعدة القطرية هو عدم خضوعها للتقييم، سواء أثناء إنجاز المشروع أو بعد الانتهاء منه، للوقوف على نسبة الإنجاز ومدى تحقيق الأهداف المسطرة وكذا المشاكل التي تواجه بعض المشاريع، وكلها عناصر تدخل في صلب الحكامة. فالحكومة لا تتوفر على تقارير حول مدى تقدم المشاريع الممولة من طرف البنك الدولي، فوحده البنك الدولي من يتوفر على هذه التقارير، إذ يقوم بإرسال لجانه الخاصة للوقوف على وضعية إنجاز المشاريع التي يساهم في تمويلها، حيث تقوم هذه اللجان بإعداد تقارير خاصة تبقى رهن إشارة البنك الدولي ولا يتم تسليمها للسلطات العمومية المغربية حتى للاطلاع عليها، وتشكل استنتاجات وخلاصات تلك اللجان أرضية لإصدار تقارير هذه المؤسسة الدورية والسنوية، والتي تعطي تشخيصا لمختلف القطاعات المغربية، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، أو المالية، إذ يلاحظ أن البنك الدولي لا يكتفي في إنجاز تقاريره حول المغرب بما تمده به السلطات العمومية المغربية من إحصائيات ومعطيات، بل يرسل لجانه الخاصة للتأكد من مدى مصداقية تلك المعطيات.
المطلب الثاني : مضمون وآليات تفعيل استراتيجية الشراكة الاستراتيجية
يتمثل هدف عمليات البنك الدولي في المغرب للأعوام الأربعة 2010-2013 في مساندة الحكومة في تنفيذ برنامجها الإصلاحي. وكما اتضح أعلاه، فإن برنامج الحكومة يواجه تحديات التنفيذ التي تتسم بها إصلاحات الجيل الثاني. وهذا هو المجال الذي طلب من البنك الدولي خصيصا المساعدة فيه. أولا، سيركز البنك الدولي على “كيفية” التنفيذ من خلال تسهيل الإصلاح المؤسساتي والتنسيق، وهو مجال اكتسبت فيه قروض البنك لأغراض التنمية سمعة طيبة لدى البلدان المتعاملة معه. ثانيا، سيسعى البنك إلى الحفاظ على دوره في تجميع وتسهيل التنسيق بين المؤسسات من خلال دعم تنفيذ الإصلاحات في مجالات قطاعية مشتركة، عن طريق قروض استثمارية محددة وقروض لأغراض سياسات التنمية. وأخيرا، ستسعى أنشطة إطار الشراكة الاستراتيجية إلى إعطاء اهتمام خاص لزيادة توجيه نتائج البرامج الحكومية تماشيا مع النتائج التي خلص إليها تقرير إنجاز استراتيجية المساعدة القطرية واستجابة لطلبات معينة للحكومة.
الفقرة الأولى : مضمون استراتيجية الشراكة
تتضمن استراتيجية الشراكة برنامجا يتسم بالمرونة والتطور للاستجابة للظروف المتغيرة في السياق القطري. وتستند هذه الاستراتيجية إلى 19 مجالا للبرنامج تنتظم تحت ثلاثة ركائز موضوعية (الأولى : النمو والتنافسية والتشغيل، والثانية : تقديم الخدمات للمواطنين، والثالثة : التنمية المستدامة في مناخ متغير).
حسب التقرير غير المنشور الذي أعده البنك الدولي حول التقدم المحرز في تنفيذ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، فقد تم تحقيق الأهداف المحددة حتى الآن، ويوضح التقرير أن العوامل التي مكنت من بلوغ تلك الأهداف تكمن في طابع المرونة الذي ميز الاتفاقية والذي سمح بملاءمتها مع برنامج الحكومة والظروف المتغيرة. كما يضيف التقرير أن حصيلة النتائج المحرزة حتى الآن تبرهن عن التقدم المحرز لبلوغ الأهداف المرسومة.[11]
كما أوضح التقرير أن المبالغ التي تم تحريرها تجاوزت المبلغ الذي التزم به البنك بموجب الاتفاقية، فإذا كان المبلغ السنوي المحدد بموجب الاتفاقية هو 600 مليون دولار في السنة، فقد وصلت خلال السنة المالية 2010 – 2011، 642 مليون دولار في السنة. حيث بلغت سنة 2010، 730 مليون دولار، و سنة 2011، 486 مليون دولار ، لترتفع بعد ذلك وتسجل سنة 2012، 669 مليون دولار، ثم 605 مليون دولار سنة 2013. حيث بلغ الحجم الإجمالي للقروض التي حصل عليها المغرب خلال فترة الاتفاقية 2625 مليون دولار مع استثناء المنح.
الفقرة الثانية : آليات تفعيل استراتيجية الشراكة
اعتمدت استراتيجية الشراكة بين المغرب والبنك الدولي على دعامتين أفقيتين : الحكامة والإدارة الترابية. إذ يلتزم البنك الدولي بدعم مسعى الحكومة إلى تشجيع التنمية المجالية المندمجة، وتعزيز دور الجماعات المحلية ونجاعتها، وتحمل المسؤولية وتنافسيتها، كما يدعم مقاربة الحكومة وبرنامجها في الحكامة ودعم التنمية المؤسساتية على المستوى الوطني والمحلي.
أولا : الحكــــــــــامة
غدا مفهوم الحكامة من أكثر المفاهيم الجديدة المتداولة اليوم في مختلف النقاشات الدائرة بخصوص إصلاح الدولة والمجتمع. وهو يرتبط بمجموعة من المفاهيم من قبيل (التنمية، المجتمع المدني، المواطنة، دولة الحق والقانون …)، كما يأتي في إطار سيرورة تاريخية، حيث ارتبط ظهوره وتطوره بكيفية إدارة الدولة والحكومات للشأن العام.[12]
فيما يخص أهميتها المرحلية فهي تكتسبها من خلال حضورها القوي في تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي[13] وغيرها من المؤسسات الدولية التي جعلت منها مفهوما مشدودا بقوة إلى مفهوم التنمية المستدامة. وهي تفيد الرقابة والتوصية والتدبير الرشيد للمدخلات المجالية والطبيعية البشرية كمدخل لتحقيق التوازن والاستدامة في السيرورة التنموية.
جاء مفهوم الحكامة إذن، كدعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص الى البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية.
إن مساندة البنك الدولي للمغرب تشمل التطوير المؤسساتي على المستوى الوطني والمستويات الداخلية، فقرض سياسات التنمية لإصلاح الإدارة العمومية يتوخى تحقيق الكفاءة في وضع الميزانية وتدبير الموارد البشرية. كما تهدف قروض سياسات التنمية لأغراض تدبير النفايات الصلبة والنقل الحضري إلى مساندة القواعد الرقابية الأكثر فعالية، مثلما تهدف المشاركات في قطاعي الماء والطاقة. وسيساعد البنك في تدعيم اللجنة الوطنية الجديدة المكلفة بإصلاح مناخ الأعمال. ويهدف الحوار بشأن النمو الحضري إلى تحسين الانسجام المؤسساتي للمشاريع البلدية والملاءمة بينها وبين الاستراتيجية الوطنية لتهيئة الأراضي.[14]
الفقرة الثانية : الجهــــــــــــوية
تعتبر الجهة إطارا لتنفيذ توجهات الدولة اقتصاديا واجتماعيا، فبحكم شساعة المجال المغربي 710.850 كلم2 تم اعتماد التنظيم الجهوي والجماعي الذي يعتبر الوجه الأبرز للامركزية، كخيار دخلته الدولة منذ استقلالها، باعترافها القانوني وتكريسها الدستوري لهذه الوحدات الترابية ذات الشخصية المعنوية، المتوفرة على صلاحية تدبير مصالحها الخاصة عن طريق أعضائها المنتخبين بشكل حر وديمقراطي.[15] غير أن تحقيق الحكامة الترابية يتطلب تجاوز واقع التنظيم الجماعي والجهوي القائم، والذي أبان عن محدودية تدخله في المجال التنموي.
ومما لا شك فيه أن المغرب أصبح مقتنعا بحتمية تحقيق إصلاح جهوي فعلي يستجيب لتطلعات المجتمع المدني بمختلف مكوناته الثقافية واللغوية. فالجهة ستشكل مستقبلا إطارا لإنعاش وتنمية وسائل وآليات جديدة بل وإتاحة استعمال أفضل للموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية.
يتمثل دعم البنك الدولي على هذا المستوى في مساندة الحكومة المغربية في تحقيق هدفها المتمثل في تعزيز التنمية المجالية الشاملة وزيادة دور أجهزة الحكم المحلي وأدائها ومحاسبتها وتمكينها من أسباب القوة. وحسب البنك الدولي دائما فإن برامج التنمية المجالية الشاملة الفعالة مثل البرامج التي تهدف إلى تسهيل اندماج مناطق متخلفة مع مناطق تشكل أقطاب النمو، تتطلب أولا إنشاء وتطوير مؤسسات وسياسات تستجيب للاحتياجات والمطالب المحلية.
المبحث الثاني : مستوى التنمية في المغرب على ضوء قروض البنك الدولي
لقد حملت سياسة اللجوء المكثف للمغرب للتمويل الأجنبي خاصة من مؤسسة البنك الدولي، آثارا وخيمة على مستوى التنمية الذي لم يراوح مكانه، خاصة وأن قروض البنك الدولي عادة ما تكون مصحوبة أو مشروطة باتباع سياسات تتماشى والفكر السياسي لواضعي ميثاق مؤسستي بريتون وودز، وأبرزها سياسة الخوصصة وما نتج عنها من تفويت منشآت القطاع العام للقطاع الخاص، وبالتالي فقدان الدولة لمصادر التمويل الذاتية وتبعات ذلك الاجتماعية.
المطلب الأول : دور المديونية في استمرار وضعية التخلف التي يعيشها المغرب
دون البحث في الأسئلة الكثيرة المرتبطة بمشكل المديونية، سوف أركز الحديث في هذا المقام على حجم مديونية المغرب وتأثيرها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
الفقرة الأولى : تطور حجم الدين الخارجي
إن نمط تطور المديونية الخارجية للمغرب يكشف عمق الأزمة التي يعاني منها اقتصادنا، الذي أصبح تحت رعاية ورقابة المؤسسات المالية الدولية، إذ أن مؤشرات المديونية الخارجية للفترة 1973 – 2013، تبين أن المغرب أصبح من المناطق ذات المديونية الثقيلة، إذ يحتل الرتبة الثالثة بعد الجزائر ومصر، حيث بلغت نسبة ديون هذه الدول الثلاثة إلى إجمالي المديونية العربية بين عامي 1996 و1997 نحو 20,2% لمصر، و20% للجزائر، ثم 13,8% للمغرب.[16] كما تزايدت نسبة الديون الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ على الرغم من الانخفاض الذي تم تسجيله ابتداء من سنة 1997 مقارنة بالثمانينات وبداية التسعينات، إلا أن ذلك لا يعني انخفاض المديونية الخارجية، وإنما يرجع لمجموعة عوامل يمكن تلخيصها في السداد المسبق للديون ابتداء من سنة 1993، والتدبير النشيط للديون الخارجية، إضافة إلى اللجوء للمديونية الداخلية.[17]
الفقرة الثانية : آثار المديونية الخارجية على القدرة الاقتصادية للبلاد
نظرا للفروق القائمة بين القروض الخارجية والقروض الداخلية، فإن الخبراء في المنظمات الدولية يستخدمون مؤشرات لقياس العبء الذي يتحمله الاقتصاد المدين. وهذا المؤشر هو معدل خدمة الدين، الذي يقيس نسبة ما تستنزفه مدفوعات خدمة الديون الخارجية من إجمالي حصيلة صادرات السلع والخدمات وهو يأخذ الصيغة التالية[18] :
معدل خدمة الدين = الفوائد + الأقساط x 100
حصيلة الصادرات
ودلالة هذا المؤشر واضحة وبسيطة، فهي تدل على أنه كلما ارتفع هذا المعدل كلما دل ذلك على ثقل عبء الديون الخارجية على الاقتصاد المدين، حيث يصبح الحجم المتبقي من حصيلة الصادرات قليلا، وربما لا يكفي لتمويل الواردات الضرورية.[19] والعكس صحيح. من هنا فإن هذا المؤشر يصور مشكلة عبء الديون الخارجية على أنها انعكاس لمشكلة السيولة الدولية للبلد المدين. ولهذا تهتم الجهات الدائنة دائما بحساب هذا المؤشر للاطمئنان على قدرة البلاد التي تتعامل معها على سداد أعباء ديونها، على اعتبار أن أهم مصدر تملكه هذه الدول لتسوية التزامات ديونها إنما يتمثل في حصيلة صادراتها من السلع والخدمات. كما أن ميزة هذا المؤشر، هو أنه يتسم بالبساطة. فهو يعتمد فقط على أسس إحصائية ليست معقدة، ولا يحتاج إلى استخدام الحسابات القومية والاقتصادية. وكل ما يحتاج إليه المرء للوصول إلى هذا المؤشر هو توفر بيانات حول مبالغ خدمة الديون – وهي موجودة في شروط عقد القروض – وأرقام الصادرات، وهذه متوفرة في إحصاءات التجارة الخارجية للدولة.
وقد لوحظ من خلال تتبع اتجاهات أعباء خدمة الدين (الأقساط + الفوائد) أنها عرفت تطورا ملفتا، ومن الطبيعي أنه مع النمو في أعباء الدين أن ترهق الدولة، في ظل تراجع أو جمود أو عدم تناسب حصيلة الصادرات للمغرب مع هذه الأعباء. فالنتيجة هي أن الموارد الصافية للبلاد يتم تحويلها للخارج. وبتعبير آخر، يمكن القول أنه ومنذ اشتعال أزمة المديونية سنة 1982، فإن التدفقات أصبحت تتجه من الأطراف إلى المركز، وليس العكس. ويمكن التدليل على ذلك أنه ما بين اللحظة التي اندلعت فيها الأزمة سنة 1982 و 1992 دفع المغرب إلى جانب الدول النامية أربعة أضعاف ما هو متوجب عليه.[20] وبالمقابل فإن ديونه الخارجية لم تنخفض بل على العكس فإنها كانت في 2013 ضعفي ما كانت عليه خلال 1982 إذ بلغت سنة 2013، 28801 مليون دولار مقابل 13600 مليون دولار سنة 1982.
المطلب الثاني : التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لبرامج الإصلاح الاقتصادي الليبرالي بالمغرب
تعد قروض التكييف الهيكلي وسيلة أساسية لتطويع وتكييف البلاد المدينة ذات الأوضاع الحرجة لضمان انفتاحها على الاقتصاد الرأسمالي العالمي وخلق بيئة استثمارية مناسبة تؤدي إلى زيادة معدل الربح للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالشروط التي يضعها الرأسمال العالمي.
الفقرة الأولى : الخوصصة إحدى سياسات التصحيح وإعادة الهيكلة
لقد فتح باب الإسهام في رأسمال المؤسسات المعروضة للتخصيص أمام المستثمرين المغاربة والأجانب منذ سنة 1992 واستمرت حتى نهاية 1998، وكان الاهتمام الذي أظهرته المجموعات الدولية الكبرى تجاه الشركات الأولى التي تم تخصيصها أثره المشجع.
وقد استمرت وتيرة الخوصصة في المغرب إلى الآن، حيث تم طرح شركات مهمة للبيع عن طريق نظام “المزاد العلني” وفتحت هذه العملية أمام رجال الأعمال المحليين والشركات الأجنبية التي اشترط فيها أن تعمل على فتح آفاق جديدة لتنمية صادرات الشركات التي تم تخصيصها.
وبخصوص الحصيلة المالية للخوصصة، فما بين 1993 و2007 فقد حصلت خزينة الدولة على 83 مليار درهم عن بيع 73 وحدة. وقد أفضت هذه العمليات إلى تناقص نسبة مساهمة المقاولات العمومية في الناتج الداخلي الخام الذي انتقل من 18% سنة 1980 إلى 10% سنة 2002 ثم إلى 5,7% في سنة 2006.[21]
إن الخوصصة التي جعلت من أهدافها تنويع المشهد الاقتصادي أنتجت التمركز، أو بالأحرى أعادت إنتاجه على مستوى الواقع. وحسب ما يرى الكثير من الاقتصاديين والعديد من المحللين فإعادة هيكلة القطاع الصناعي والمالي ومسلسل الخوصصة واكبا دينامية جديدة لإعادة تشكيل الأسس الاقتصادية للرأسمال المغربي الخاص. لهذا تم الدفع بتمركز الثروات إلى مستوياته العليا بدعم المواقع الاحتكارية للرأسمال في الاقتصاد على حساب الرأسمال الصغير والمتوسط.
الفقرة الثانية : وقع سياسة التصحيح الاقتصادي الليبرالي على القطاعات الاجتماعية
كانت لسياسات التقويم الهيكلي منذ السنوات الأولى لتطبيقها آثارا سلبية مباشرة على المستوى الاجتماعي من خلال تجميد الأجور، وضع سقف للتوظيفات في الإدارات العمومية، ارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية، إلخ، لقد أتاح التقويم الهيكلي بدون شك تحسين التوازنات المالية وتحسين الاقتصاد ولكنه لم يتح الحد من استفحال البطالة ولا من تفاحش الفوارق الاجتماعية ولا من تفاقم الفقر.
فعلى مستوى التشغيل، لم يكن برنامج الإصلاح الاقتصادي في المغرب ملهما بالذات خلال تسعينيات القرن العشرين، فقد ارتفع معدل البطالة من 10% عام 1983، إلى 20,6% عام 1991 في نهاية المرحلة الأولى من الإصلاح الاقتصادي التي امتدت من سنة 1983 إلى غاية سنة 1991،[22] ويلاحظ أن نصف أعداد العاطلين عن العمل في المناطق الحضرية عام 1986 كان من الشبان الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، ويدخلون سوق العمل لأول مرة، ونصف هؤلاء (نحو 125 ألف شخص) يحملون شهادة جامعية أو دبلوم تعليم عالي. كما بلغت نسبة البطالة في صفوف الرجال البالغين في المناطق الحضرية 13,4% عام 1987.[23] وهكذا فإن كل هذه المؤشرات تشير إلى “عملية إفقار” واسعة للشرائح الداخلية الدنيا في المدن المغربية، عقب تطبيق برنامج “الإصلاح الهيكلي”.
وفي المرحلة الثانية من عام 1992 حتى عام 2001 والتي شهدت حالة من التباطؤ الشديد للاقتصاد المغربي، ارتفع معدل البطالة إلى 22,9% عام 1995، وتراجع إلى 18,1% عام 1996، وواصل التراجع ليبلغ نحو 16,9% عام 1997، ثم عاد للارتفاع ليبلغ 19,1% عام 1998، وواصل الارتفاع ليبلغ نحو 22% عام 1999،[24] وبعد ذلك بدأت البيانات التي تنشرها المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى تراجع معدل البطالة إلى 11,3% سنة 2002، واستمراره في التراجع بعد ذلك إلى أن بلغ نحو 9,2% عام 2013[25]. لكن هناك ملاحظات عدة تدعو للشك في دقة هذه البيانات، فقد زاد تعداد قوة العمل في المغرب بمقدار 400 ألف شخص عام 2003، بالمقارنة مع 2002، ثم زاد 100 ألف فقط عام 2004، مقارنة بعام 2003، ثم ثبت بلا زيادة أو نقصان عام 2005، مقارنة بعام 2004 عند مستوى 10,8% مليون عامل،[26] وكأن البلد تخلى في ذلك العام عن إدخال أي زيادة صافية إلى سوق العمل، وهو أمر مستحيل في بلد يشكل السكان في الفئة العمرية من 15 إلى 64 سنة نحو 48,3%[27] من سكانه الذين تزايدوا بمعدل 1,3% سنويا في المتوسط خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 2013.
وعلى أي حال، تبقى مشكلة البطالة في المغرب، أزمة حقيقية تعني (وفقا للبيانات الرسمية المغربية) حرمان أكثر من مليون شخص من حقهم في العمل وكسب عيشهم بكرامة.
أما فيما يخص تقويم قطاعي التعليم والصحة فقد باتت آثار سياسة الخضوع لشروط وتوجيهات البنك الدولي في مجالي التعليم والصحة جلية إلى اليوم، ويمكن الرجوع إلى تقارير هذه المؤسسة الصادرة في هذا الموضوع للتدليل على حجم الكارثة التي تكبدها المغرب نتيجة سياسة البنك الدولي، فإذا كانت هذه التقارير لا تعترف صراحة بفشل سياسات هذه المؤسسة المالية في توجيه الحكومات في سياساتها الاجتماعية، إلا أنها تعترف ضمنيا من خلال الملاحظات التي تضمنها في هذه التقارير.
ففي تقرير للبنك الدولي صادر في 11 شتنبر 2013، أكد على الضعف الذي لا زال يعتري قطاع التعليم رغم كل المجهودات التي بذلت إلى اليوم بدعم من هذه المؤسسة. وفيما يخص الصحة، فالتقارير الصادرة عن البنك الدولي تكشف الآثار التي تحملتها ولا زالت تتحملها القطاعات الاجتماعية في المغرب نتيجة اتباع السياسة الليبرالية في هذا المجال، وما إحالتنا على هذه التقارير إلا لسببين رئيسيين، أولهما : أن هذه التقارير تتسم بقدر كبير من المصداقية، وثانيهما أنها تصدر من مؤسسة طبعت هذه القطاعات بسياساتها المختلفة وذلك منذ الثمانينات.
ففي تقريره الأخير حول الصحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كشف البنك الدولي عن التدهور الكبير للخدمات الصحية العلاجية في المغرب رغم احتلالها للأولوية في السياسة العامة، مؤكدا أن المستشفيات تستهلك أزيد من 70% من الميزانية المخصصة لوزارة الصحة دون جدوى علما أن الميزانية المخصصة لقطاع الصحة من الميزانية العامة للدولة لا تتعدى 5%، وتظل مساهمة الأسر في تغطية النفقات الصحية بنسبة 54%.[28]
إضافة إلى هذه الأرقام التي يدق من خلالها هذا التقرير ناقوس الخطر، تضاف أرقام أخرى تكشف عنها منظمة الصحة العالمية من حين إلى آخر والتي تخص الصحة الإنجابية بالمغرب التي تعاني شأنها في ذلك شأن القطاع ككل.
ختاما، ومن خلال تتبع مسلسل التعاون بين المغرب والبنك الدولي، وحجم التأثير الذي مارسته هذه المؤسسة المالية الدولية على المغرب، يتضح حجم النتائج الكارثية على المغرب كما هو شأن دول العالم الثالث. ويكفي الرجوع إلى المؤشرات الإحصائية الاقتصادية الصادرة عن هذه المؤسسة نفسها لمعرفة حجم الآثار السلبية التي خلفتها.
إن السياسات الاقتصادية في البلدان التابعة ومنها المغرب كسياسات الخوصصة وتدابير إلغاء الدعم وفتح الأسواق والمراهنة على الرأسمال الخارجي والاستثمارات المباشرة الأجنبية في ظل الليبرالية الاقتصادية الجديدة وما رافقها من تحرير التجارة وفتح المجال للمنتجات الأجنبية لتنافس المنتجات الوطنية كخيار لتنشيط قوى الإنتاج والنمو الاقتصادي في المجتمع، قبل أن يتقوى واقع الصناعة الوطنية، هذه السياسات أسهمت في تكريس تبعية الاقتصاد الوطني للرأسمالية العالمية وإجهاض فرص التنمية المستقلة القائمة على قاعدة الاعتماد على الذات.
فلمواجهة التحديات المتلاحقة ولكسب رهانات التنمية الشاملة يكتسي تأهيل العنصر البشري وتثمين الموارد البشرية والاستثمار في الطاقات والمهارات المبدعة والخلاقة أهمية بالغة ومكانة متميزة في مسلسل التحديث المؤسساتي والتنمية. إن الاستثمار في الموارد البشرية هو الرافعة القوية للتقدم والتنمية وتدبير الثروات والخيرات ومصادر العيش والحياة.
[1]- M.Abdessalam OUHAJJOU, Intervention des institutions financières intérnationales et réforme internes : Le cas du Maroc, Thèse pour l’obtention du doctorat en droit public . Université sidi Mohammed ben Abdelleh. Faculté des sciences juridiques, economiques et sociales, Fès. 11 septembre 2004. (p, 126).
[2]- M. Abdessalam OUHAJJOU, Intervention des institutions financieres et réformes internes. Le cas du Maroc. ibid. (p, 128).
[3]- المصطفى معمر، السياسة المالية ونظام التمويل العمومي في ظرفية التقويم الهيكلي (1983-1993) : محاولة في التحليل. أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، شعبة العلوم السياسية. جامعة الحسن الثاني – عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء. السنة الجامعية 1998-1999. (ص، 30).
[4]- مصطفى محمد العبد الله، الإصلاحات الاقتصادية وسياسات الخوصصة في البلدان العربية. مركز دراسات الوحدة العربية، المركز الوطني للدراسات والتحاليل الخاصة بالتخطيط. الطبعة الثانية : 2005. (ص، 37).
[5]- محمود عبد الفضيل، برامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي في مصر والمغرب بين المأمول والمتوقع. مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، طبعة 1994. (ص، 37).
– مولاي أحمد العمراني، اقتصاد المغرب من خلال برنامج التقويم الهيكلي. مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2001. (ص، 50).[6]
[7]- محمد الأمين السطي، الحق في التنمية من منظور دولي. أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانونالعام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس. السنة الجامعية 2011-2012. (ص، 312).
[8]- محمد الأمين السطي، الحق في التنمية من منظور دولي. مرجع سابق، (ص، 313).
[9]- مجموعة البنك الدولي، استراتيجية التعاون مع المملكة المغربية 2005-2009. ملخص تحليلي. مديرية المغرب وشمال إفريقيا. المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
[10]- Présentation de la stratégie de coopération de la Banque Mondiale avec le Royaume du Maroc (CAS 2005-2009). Nawafid : Nouvelle du groupe de la Banque Mondiale au Maroc. Décembre 2005, n°7. (p, 15).
[11]- تقرير غير منشور للبنك الدولي حول حالة تقدم الإنجاز في اتفاقية الشراكة 2010 – 2013. 15 ماي 2010. (ص– ص، 7- 8).
[12]- الحكامة الجيدة بالمغرب، مؤلف جماعي. سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية. عدد 20، 2012. طوب بريس، الرباط الطبعة الأولى 2013. (ص، 5).
[13]- تبنى تقرير الحكم الجيد لأجل التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2003) الذي وضعه قسم البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصطلحان هما إدارة الحكم والحكم الجيدللإشارة إلى مفهومي “governance” و”good governance” على التوالي. – تقري البنك الدولي 2007.
[14]- مجموعة البنك الدولي، إطار الشراكة الاستراتيجية 2010-2013. 10 دجنبر 2099. مرجع سابق. (ص، 41).
[15]- هشام مليح، سؤال الحكامة الترابية بالمغرب. مسالك، العدد 21/22 – 2012. (ص،87).
[16]- خضير حسن خضير، أزمة الديون الخارجية في الدول العربية والإفريقية. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. الطبعة الأولى، 2002. (ص، 13).
[17]- ميمون الرحماني، تطور ديون العالم الثالث. http://mimounrahmani.wordpress.com
[18]- رمزي زكي، الديون والتنمية : القروض الخارجية وآثارها على البلاد العربية. دار المستقبل العربي، القاهرة الطبعة الأولى 1985، (ص، 117).
[19]- خضير حسن خضير، أزمة الديون الخارجية في الدول العربية والإفريقية. مرجع سابق، (ص، 37).
[20]- إيمان خزعل، الإدارة الدولية للديون الخارجية. دار المحجة البيضاء، الطبعة الأولى 2010. (ص، 242).
[21]- محمد كولفرني ، سياسة الخوصصة بالمغرب : المرجعية، المحددات، المضمون والآثار السياسية. المجلة المغربية للسياسات العمومية – عدد مزدوج 2/3-/ 2008. (ص، 100).
[22]- محمد بنلحسن التلمساني، حصيلة التقويم الهيكلي وتأثيرها على المجالات الاجتماعية وعلى التشغيل بالمغرب. الحوليات المغربية للاقتصاد، عدد 16، صيف 1996. (ص، 40).
[23]- محمود عبد الفضيل، برامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي في مصر والمغرب بين المأمول والمتوقع. مرجع سابق، (ص، 49).
[24]- أحمد السيد النجار، الإصلاح الاقتصادي الليبرالي : مخرج أم مأزق. دراسة مقارنة لتجارب مصر والمغرب وتركيا والهند وتشيكيا. مرجع سابق، (ص، 137).
[25] – المندوبية السامية للتخطيط www.hcp.gov.ma
[26]- أحمد السيد النجار، الإصلاح الاقتصادي الليبرالي : مخرج أم مأزق. دراسة مقارنة لتجارب مصر والمغرب وتركيا والهند وتشيكيا. مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، 2011. (ص، 138).
[27] – المندوبية السامية للتخطيط www.hcp.gov.ma
[28]- تردي قطاع الصحة في المغرب تقرير دولي صادم. www.soussplus.com
اترك تعليقاً