دراسة بعنوان قيود الملكية العقارية المقررة للمصلحة العامة في الفقه المالكي والقانون المغربي

تقديم :

لم يعد حق الملكية حقا مطلقا كمبدأ عام ، أي يمنح سلطات غير محددة للمالك على محل ملكيته ، بل يجب أن يتدخل المشرع لتحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية وذلك دون تفريغها من محتواها أو تعطيلها عن أداء وظائفها، هذا التدخل التشريعي يسمى في الفقه القانوني قيودا قانونية ،وهي التي يفرضها القانون على الملكية العقارية الخاصة لتحقيق المصلحة العامة .

و تنقسم إلى :

– قيود مقررة للمصلحة العامة تهدف إلى تحقيق النفع العام إلى جانب تحقيقها لمصلحة صاحب الحق، وقيود مقررة لمصلحة خاصة تخول للمالك حق التصرف في ملكه بكل أنواع التصرف شريطة ألا يترتب عن ذلك ضرر بالجار

وسأقتصر في هذا الموضوع على مناقشة القيود المقررة للمصلحة العامة

نظرا لما لها من دور فعال في تحقيق المصلحة العامة على الخاصة

وعلى هذا الأساس سأقسم هذا الموضوع الى مطلبين .

– القيود المقررة منعا لإساءة استعمال الحق (مطلب أول)

– القيود المقررة في سبيل تحقيق النفع العام (مطلب ثان)

المطلب الأول : القيود المقررة منعا لإساءة استعمال حق الملكية
إن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ منع المالك من التعسف في استعمال حقه، وهذا المبدأ يقتضي أنه لا يجوز لمالك العقار أن يستعمل ملكه استعمالا مضرا بغيره ولو لم تتجه نيته إلى إحداث ذلك الضرر.

وعلى هذا الأساس سأقسم هذا المطلب إلى :

فرعين،معنى التعسف لغة واصطلاحا (فرع أول ) وشروط قيام التعسف

(فرع ثان)

الفرع الأول : معنى التعسف لغة واصطلاحا
أولا : في اللغة

– جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس .

العين والسين والفاء (عسف) كلمات تتقارب ليست تدل على خير إنما هي كالحيرة وقلة البصيرة [1]

وجاء في لسان العرب : العسف هو السير بغير هداية والأخذ على غير الطريق. يقال : اعتسف الطريق اعتسافا ، إذا قطعه دون صوب توخاه فأصابه.

وعسف في الأمر فعله من غيرروية ولا تدبير. ومنه قيل : رجل عسيف ، إذا لم يقصد الحق ، وعسف فلان فلانا عسفا ، ظلم، وعسف السلطان يعسف واعتسف وتعسف ، ظلم .

والعسف في الأصل أن يأخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم فنقل من معناه اللغوي إلى معنى آخر ليدل على الظلم والجور.[2]

فالتعسف إذن حسب المدلول اللغوي دال على الحيرة والاضطراب ، ولا يدل على ما فيه خير، بل إن المتعسف حين يقوم بعمله يكون غير متمتع بالبصيرة النافذة والتدبر المحكم ، ولاشك أن من تجاوز حدود الحق أو غالى في استعماله يبعد عن الصواب .

ثانيا : في الاصطلاح

عرف التعسف في الاصطلاح بعدة تعاريف نورد منها التعاريف التالية

– عرفه وهبة الزحيلي بقوله : التعسف هو أن يترتب على تصرف المالك في ملكه ضرر مؤكد بغيره عند استعمال حقه المأذون فيه .[3]

– وعرفه فتحي الدريني بقوله : التعسف هو مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا بحسب الأصل .[4]

– أما الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، فقد اقتصر على ذكر صورالتعسف وحصرها في ثلاث صور حيث قال : يتحقق التعسف في استعمال حق الملكية كالتعسف في استعمال أي حق آخر في صور ثلاث :

– إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير

– إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها

– إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة [5].

ويستخلص من هذه التعاريف أن التعسف في الاصطلاح عبارة عن ممارسة حق من الحقوق التي تخالف مقاصد الشرع في فعل مباح .

الفرع الثاني : شروط قيام التعسف في استعمال الملكية
انطلاقا مما سبق ذكره ودفعا للتوهم الذي قد يحصل ، فإنني أورد الشروط التي يجب توفرها في التعسف الحقيقي .

لقد اشترط فقهاء الملكية مجموعة من الشروط لمنع المالك من استعمال ملكه استعمالا يضر بغيره ، وهي كالتالي :

1) أن يكون الضرر حاصلا فعلا ، ولا يكفي أن يكون الضرر متوقعا .

2) أن يكون الضرر كبيرا .

3) أن يكون الضرر غير مادي فان كان الضرر ماديا فلا يمنع.[6]

وقد مثل الفقهاء لهذه الشروط بأمثلة كثيرة نسوق منها مايلي :

سئل مطرف عن النحل يتخذها الرجل وهي تضر بشجر الناس إذا نورت أو يتخذ برجا في القرية للعصافير ليصيب من فراخها .

فقال : أرى أن يمنع من اتخاذ مايضر بالناس في زرعهم وشجرهم .[7]

– جاء في المعيار :

من غرس شجرة في داره فطالت وأشرفت على جاره يقطع من ذلك مايضر بالجار فوق وتحت الأرض إذا انتشرت وأضرت بجاره .[8]

يتبين من هذين المثالين أن فقهاء المالكية يرون أن مالك العقار يمنع من استعمال ملكه في ما يلحق ضررا بملك جاره بشرط أن يكون هذا الضرر كبيرا، وهذا ما أكدت عليه المادة 20 من ،م،ح ،ع ، حينما نصت على أنه : (لا يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعمالا مضرا بجاره ضررا بليغاوالضرر البليغ يزال) .

وفي نفس السياق أعطت المادة 71 من ،م ،ح ،ع ، ( للجيران الحق في أن يطالبوا بإزالة المضار التي تتجاوز الحد المألوف ).

كما نجد الفصل 91 من ، ق ،ل ،ع ، ينص على ما يلي : ( للجيران الحق في إقامة الدعاوى على أصحاب المحلات المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة بطلب إما إزالة هذه المحلات وإما إجراء ما يلزم فيها من التغيير لرفع الأضرارالتي يتظلمون منها ).

من كل هذا نستنتج أن الضررالذي يحق للشخص أن يطالب برفعه هو الضرر المحقق . وهو ما أكد عليه المجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا) بقوله : ( إن الضرر الذي يحق للشخص أن يطالب برفعه إذا توافرت إحدى حالات التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها في الفصول 91 و 92 من ، ق ، ل ، ع ، هو الضرر المحقق بأن يكون قد وقع فعلا أو وقعت أسبابه وتراخت آثاره إلى المستقبل ولا عبرة لدى القاضي بالضرر الاحتمالي المبني على الوقائع التي قد لا تقع ).[9]

والتعسف في استعمال حق الملكية يكون في الحالات التالية :

– إذا كانت المصلحة المرجوة لا تناسب البتة مع ما قد يصيب الجار من ضرر .

– إذا كان الهدف من استعمال الحق يحقق غاية غير مشروعة .

– إذا توافرت لدى المالك نية مبيتة للإضرار بالجار.

وتحقق التعسف في استعمال الحق من غيره يبقى متروكا لتقدير القضاة

أما إذا كان الضرر يسيرا ، فإن المالك لا يمنع من استعمال ملكه حينئذ

لمجرد ذلك . ومن تم لا يمنع ما يلي :

دخان المطابخ ونحوه ، مما لايستغنى عنه في المعاش ولا يستدام أمره .

وهذا ماذهبت إليه المادة 71 من مدونة الحقوق العينية ، حيث منعت الجيران من المطالبة بإزالة مضار الجوار المألوفة التي لايمكن تجنبها . نفس الشيء تحدث عنه الفصل 92 من ،ق ،ل ، ق ، حيث لا يحق للجيران أن يطلبوا إزالة الأضرار الناشئة عن الالتزامات العادية للجوار كالدخان الذي يتسرب من المداخن وغيره من المضار التي لا يمكن تجنها والتي لا تتجاوز الحد المألوف .

كما يشترط أن يكون الضرر الذي يراد منعه غير مادي أما إذا كان الضرر ماديا فقط ، وذلك مثل أن يحدث شخص فرنا قريبا من فرن آخر أو رحى قرب رحى أخرى أو حماما قرب حمام آخر فتقل بذلك غلة الأول أو تنقطع بالكلية أو ينقص من قيمته أو يقل الإقبال عليه فان ذلك لايمنع .[10]

انطلاقا من هذه النصوص سواء الواردة في مدونة الحقوق العينية أو قانون الالتزامات والعقود يتبين أن المشرع المغربي أخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق وطبقها على الملكية العقارية ، وكذا الشريعة الإسلامية التي كانت سباقة إلى الأخذ بهذه النظرية .
ومن بين القيود التي وضعها المشرع على صاحب الملكية العقارية ، القيود المقررة في سبيل تحقيق النفع العام وهذا ما سنعالجه في المطلب الثاني .

المطلب الثاني : القيود المقررة في سبيل تحقيق النفع العام
بما أن القوانين الحديثة تعتبر الملكية نظاما اجتماعيا ، يجب أن يحقق النفع العام إلى جانب تحقيقه لمصلحة صاحب الحق ، فان المشرع فرض عدة قيود على حق الملكية لتحد من سلطة المالك على ملكه وتمنعه من استعمال ملكه لما فيه مصلحته الخاصة عندما تتعارض مع المصلحة العامة .

والملاحظ أن هذه القيود عديدة ومعظمها يرد في قوانين خاصة .

ومن أهم هذه القيود التي ترد على حق الملكية تحقيقا للمصلحة العامة ، نجدالقيود التي تحد من سلطة الملك على علو أرضه (فرع أول ) ، ثم القيود التي تحد من سلطة المالك على عمق أرضه (فرع ثان) .

الفرع الأول : القيود التي تحد من سلطة المالك على علو أرضه .
سنتطرق في هذا الفرع إلى القوانين والضوابط التي تتعلق بتنظيم المناطق المتعلقة بالطيران والملاحة الجوية ، وكذا القوانين التي تنظم المدن ، والقوانين التي تنظم حقوق الارتفاق المقررة للأملاك الخاصة بالإضافة إلى القوانين التي تمنع المالك من البناء قرب الأماكن الحربية ، والقيود المتعلقة بالمباني التاريخية ، والقيود المتعلقة بنزع الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة وفق الإجراءات التي ينص عليها القانون .(لقد عدلتها استاذي الفاضل لانها مرتبطة بالفرع الثاني قيود تحد من سلطة المالك على عمق ارضه)

وسأقوم بدراسة هذه القيود بنوع من التفصيل تبعا لنوعيتها وارتباطا بالملكية العقارية

أولا : القيود المتعلقة بالمناطق المخصصة للطيران والملاحة الجوية

بالرجوع إلى ظهير 26/4/1938 نجده يمنع على أصحاب الأراضي المجاورة للمطارات أو قواعد الطيران وحتى مسافة معينة وفقا للأنظمة الدولية الجاري بها العمل ، إقامة أية منشآت أو بنايات على عقاراتهم أو رفع هاته البناءات أكثر من علو معين وذلك لتوفير الرؤيا ودرء المخاطر ورفع الإشارات للطائرات قصد ضمان هبوطها بسلام .

وينص الفصل 49 من مرسوم 10 يوليوز 1962 على حق مالكي العقارات في التعويض عن جميع الأضرار الناتجة لهم من جراء الارتفاق المذكور. ويحدد التعويض طبقا للقواعد المنصوص عليها في قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت.[11]

حيث ورد في المادة 56 من قانون نزع الملكية على أنه : ( يجب خلال الشهر التالي لانتهاء الاحتلال المؤقت أو خلال الشهر الأخير من كل سنة للاحتلال إذا كانت الأشغال تستغرق عدة سنوات ، وفي حالة عدم حصول اتفاق بشأن مبلغ التعويض أن يعرض الطرف المستعجل القضية على قاض نزع الملكية الذي يحدد مبلغ التعويض بالاستناد عند الاقتضاء إلى :

1) الضرر اللاحق بسطح الأرض .

2) قيمة المواد المستخرجة .

3)زائد القيمة التي يطرأ عليها بفضل إنجاز الأشغال ،أما البناءات والأغراس والتحسينات المختلفة التي قد تكون موجودة في الأرض المحتلة فلا يدفع عنها أي تعويض إذا ثبت نظرا لتاريخ انجازها أو لأي وجه من الوجوه أنها أنجزت لأجل الحصول على تعويض أكثر ارتفاعا ).

ويستنتج من خلال هذه المادة أن المشرع منح السلطة لقاضي نزع الملكية في تقدير قيمة التعويض بشأن الأضرار الناتجة لهم من جراء الارتفاق المذكور.

غير أن التعويض الذي يكون ممنوحا من طرف قاضي نزع الملكية ، لا يرقى إلى مستوى قيمة الأضرار التي يتسبب فيها الطرف المحتل مؤقتا للعقار مقارنة مع ما يحققه العقار من أرباح خلال تلك الفترة التي نشأ فيها الاحتلال المؤقت .

ويهدف هذا القانون إلى مايلي

1 ) تسهيل سير الطيران .

2) يمنع أن تحدث بداخل هذه المناطق الأشغال التالية إلا برخصة من طرف الأشغال العمومية .

أ) إحداث أو صيانة أو الاحتفاظ بأغراس أو حواجز ثابتة يتجاوز علوها ستين سنتيمترا في منطقة عرضها عشرون مترا تحسب ابتداء من الحدود الخارجية لميدان الطيران .

ب) إحداث أو صيانة أو الاحتفاظ بحواجز ثابتة أو أغراس يتعدى علوها مترين في منطقة ذات 480 مترا تبتدىء من الحد الخارجي للمنطقة المذكورة أعلاه .

ج) إحداث حواجز ثابتة أو أغراس يتجاوز علوها 20 مترا في المنطقة الموالية للمذكورة أعلاه إلى غاية 100 مترا أخرى .

د) إحداث حواجز أو أغراس يتجاوز علوها 16 مترا في منطقة ذات 100 مترا تبتدىء من الحد الخارجي للمنطقة المذكورة أعلاه .

ه) إحداث حواجز أو أغراس يتجاوز علوها 22 مترا في المنطقة الموالية إلى غاية مائة متر أخرى .

و) إحداث حواجز أو أغراس يتجاوز علوها 24 مترا في المنطقة إلى غاية مائة متر أخرى .

ز ) يمكن أن يؤمر بإسقاط أو تغيير البناءات التي أقيمت داخل المناطق المذكورة قبل إحداث ميدان الطيران إن كانت تتجاوز العلو المشار إليه في المسافات السابقة وذلك مقابل تعويض مناسب . ويحدد هذا التعويض طبقا للقواعد المنصوص عليها بالاحتلال المؤقت بقانون نزع الملكية طبقا للمادة ( 56 ) منه .

ح) إذا تسببت الملاحة الجوية في ضرر بالأملاك التي فرضت عليها فيحق لأصحابها ولجميع المستفدين منها المطالبة بتعويض مناسب عن هذه الأضرار .

ويمكن للمتضرر أن يطالب بالتعويض المذكور داخل سنة من تاريخ نشر القرار الوزاري بالمصادقة على الخريطة التي تحدد هذه المناطق . وإن مضت سنة من غير أن يتوصل مالك الميدان أو المركز بهذا الطلب سقط حقه فيه .[12]

ثانيا : القيود التي تمنع المالك من البناء قرب الأماكن الحربية

من أجل ضمان سلامة المناطق العسكرية من كل تعد مادي أو معنوي ، منعت المادة السادسة من ظهير 7 غشت 1934 المتعلق بالحرمات العسكرية البناء أو الزراعة بالمناطق المحيطة بالمنشآت العسكرية . وفي حالة مخالفة هذا المنع يحق للسلطة العسكرية إيقاف الأشغال الجارية حتى ولو توفر المالك على رخصة إدارية بالبناء من الجماعة الترابية المختصة[13].

وهذا ما قررته المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الذي ورد فيه ما يلي:

(( قرار منع البناء الصادر عن سلطة عسكرية تطبيقا لظهير 7/8/1934 المتعلق بالحرمات الدفاعية يعتبر قرارا قابلا للطعن بالإلغاء – نعم – رخصة البناء المسلمة من المجلس البلدي لا تحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة ومنها ظهير 7/8/1934 المتعلق بالحرمات العسكرية .[14]

ويستنتج من ذلك أن الارتفاقات المتعلقة بالمناطق العسكرية تحدد مساحتها إما بقانون أو بقرار إداري ولا يعوض المتضررون من حق الارتفاق إلا في حالة ماذا كان الضرر حالا ومؤكدا .

وإذا كان يمنع البناء أو إقامة التجزئات المستغلة بحق الارتفاق المذكور فإنه يكون من حق السلطات العسكرية منع ذلك أو إيقافه حتى ولو حصل المعني بالأمر على ترخيص قانوني بالقيام بالبناء ، أو التجزئة .

ثالثا : القيود الواردة على الأملاك العقارية الفلاحية

بغية الحد من استعمال الأملاك العقارية الفلاحية بالطريقة العشوائية التي من شأنها المساس بالاقتصاد الوطني والاستغلال العقلاني للأراضي الفلاحية ولاسيما تلك المتواجدة بمناطق الري ودوائر الاستثمار بالأراضي الفلاحية غير المسقية ، صدر القانون رقم 94 .34 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل هذه المناطق والصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 11 غشت 1995 حيث يمنع بشكل قاطع إبرام عقود البيع أو القسمة أو الانتفاع أو أي عقد كراء إذا ترتب عن هذه التصرفات العقارية إحداث وحدات فلاحية تقل مساحتها عن 5 هكتارات .

وباعتبار أن هذه المقتضيات من النظام العام . أضافت المادة 9 من نفس القانون على أن كل العقود المبرمة خلافا لما ذكر باطلة بقوة القانون ، ويمكن مساءلة محرر هذه العقود مسؤولية شخصية .[15]

رابعا : الارتفاقات المتعلقة بمصلحة الخطوط الهاتفية والبرقية

بالرجوع إلى ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالملك العمومي وبمقتضاه يتحمل أصحاب الأملاك الخاصة المجاورة للملك العام ارتفاق وضع وتمرير الآلات اللازمة لإحداث الأسلاك التلغرافية والتليفونية والأبنية المعدة للتلفون اللاسلكي[16].

وإذا كان تمرير الخيوط البرقية والهاتفية مضمون قانونا ، فإن الملاك المجاورين للملك العمومي المتحملين للإرفاق المذكور لا يملكون الحق في (( المطالبة بإزالتها)) ، ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة في قضية لبيض جاء فيه : (المطالبة بإزالة خط هاتفي ملصق بحائط منزل الطالب يتنافى وحق الارتفاق المقرر لمصلحة الخطوط البرقية والهاتفية بمقتضى القانون) . وقد تم تأييد هذا الحكم من طرف الغرفة الإدارية ، جاء فيه جوابا على الطلب المتعلق بإزالة الخط الهاتفي[17]. لكنه بالرجوع إلى مقتضيات الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 5 من ظهير 1914 حول تركيب وصيانة خطوط الهاتف نجده ينص على أن للإدارة حق تركيب الخيوط إما على حاملات تركز في الجدران أو الواجهات باستثناء البنايات الدينية وإما على أعمدة فوق الأراضي غير المبنية والتي لايحيط بها أي جدار أو تحت تلك الأراضي فكان الحكم المستأنف على صواب عندما أورد في تعليله إن طلب المدعي الرامي إلى إزالة الخيوط الهاتفية الملصقة بجدار منزله تتنافى مع طبيعة الارتفاق القانوني المقرر لإدارة البريد حسب تعليل المحكمة ويكون للمتضرر في مثل هذه الحالة المعروضة الحق في طلب التعويض المنصوص عليه بظهير1914 ومن هنا إذا كان المالك المجاور المتحمل لارتفاق مرور الخيوط البرقية والهاتفية لايملك الحق في المطالبة بإزالتها فهو يملك الحق في المطالبة بتعويضه عن جميع الأضرار الناتجة له من جراء ذلك ، وحقه في المطالبة بتلك التعويضات مقرر بظهير 1914،المذكور وإذا كان حق الارتفاق أعلاه مقرر لفائدة الملك العام والمنفعة العامة وأشخاص القانون العام ، فالشركات التي تعتبر من أشخاص القانون الخاص كشركة اتصالات المغرب حاليا لاتتمتع بحق الارتفاق المقرر بظهير 1914 ،وبالتالي لا تملك الحق في تمرير خيوطها الهاتفية إلا برضا المالك المجاور عن طريق إبرام اتفاق رضائي معه ويملك هذا الأخير الحق من المطالبة بإزالتها أو التعويض عن جميع الأضرار الناتجة له من جراء ذلك . [18]

خامسا : الارتفاقات القانونية في مجال التعمير

ارتفاقات التعمير هي تلك التكاليف المقيدة لحقوق الأملاك الموضوعة لتحقيق المنفعة العامة وتتحملها الأراضي حسب موقعها داخل مختلف مناطق المدينة وهدفها تخطيط وتنظيم هذه الأخيرة[19].

والمصدر الأساسي لارتفاقات التعمير هي وثائق التعمير نفسها لكنها ليست مصدرها الوحيد، بل يمكن أن تنشئها مصادر خاصة مثل الاحكام القضائية التي تؤدي الى احداث تغيرات على مستوى الاحياء الشعبية كما هو الشأن لحي “درسة سامسا في مدينة تطوان مع الشركة العقارية التشارك“)، غير أن وثائق التخطيط العمراني عندنا تضم الارتفاقات المحدثة عند إعدادها كمنع البناء في بعض الأراضي المخصصة لإحداث الساحات العمومية أو منع البناء في منطقة غير قابلة للبناء ، واحترام العلو الذي حدده المخطط أو الأحجام والمواقع أو المساحة المباح بناؤها.[20] ومنها أيضا احترام نوع الاستعمال المنصوص عليه فيه ، وذلك حسب كل منطقة على حدة فهناك المخصصة للسكن الاقتصادي أو الفلاحي …..[21]) ، هذه الارتفاقات الأخيرة عبارة عن تصميم التنطيق مما يجعل هذا الأخير جزءا من ارتفاقات التعمير كما سبقت الإشارة إلى ذلك .ويجب التذكير أن وثائق التعمير وأساسا تصميم التهيئة قد ترتب أحكاما دائمة النفاذ بحكم القانون رغم نص هذا الأخير على آجال محددة لهذه الوثائق.

وتتعلق بالارتفاقات المحدثة من قبل تصميم التنطيق المتبع لتنظيم كل منطقة على حدة. [22]،لأنها تتعلق باستقرار المعاملات والحفاظ على الوضعية التنظيمية للعقارات أو الأراضي [23].

عكس المقتضيات الأخرى التي يقترن اجلها بأجل التصميم المحدد في عشر سنوات حسب المادة 28 من نفس القانون المشار إليه أعلاه .

وعدم احترام أصناف تصميم التنطيق التي هي ثلاثة انواع : تنطيق لاستعمال آني , وتنطيق لاستعمال مستقبلي وتنطيق يخضع لنظام خاص)

وارتفاقات التعمير المذكورة تجعل منه مخالفة لأحكام وضوابط التعمير الناشئة عن وثائق التعمير[24]

وفي حالة مخالفة البناء في ملك عمومي نصت المادة 80 من القانون المذكور أعلاه على أنه : ( إذا أقيم بناء على ملك من الأملاك العامة جاز للسلطة المحلية بالرغم من القواعد الإجرائية المقررة في هذا الباب أن تقوم تلقائيا بهدمه على نفقة مرتكب المخالفة وذلك دون إخلال بتطبيق العقوبة المقررة على المخالفة المرتكبة ).

وتتحدد هذه المخالفة بالنظر للبناءات المنجزة خلافا للتصاميم المعمارية بعد المصادقة عليها ، أما البناءات التي كانت قائمة قبل المصادقة على هذه التصاميم والتي لانزاع في كون بنائها ثم على رخصة قانونية والتي أصبحت بحكم التصميم اللاحق لبنائها متصلة بإحدى الارتفاقات التعميرية كتخصيصها لشارع عمومي لايجعلها موسومة بالبناء المخالف لقانون التعمير ، حيث ورد في قرار عدد 1295 المؤرخ في 29/12/2004 : ( إذا كان للعامل الأمر بهدم البناءات المخالفة للقانون طبقا للمادة 63 من القانون المتعلق بالتعمير فان ممارسة هذه الصلاحية مشروط بوجود مخالفة للضوابط التعميرية وتتحدد هذه المخالفة بالنظر للبناءات المنجزة خلافا للتصاميم التعميرية بعد المصادقة عليها، أما البناءات التي كانت قائمة قبل المصادقة على هذه التصاميم والتي لانزاع في كون بنائها ثم على رخصة قانونية والتي أصبحت بحكم التصميم اللاحق لبنائها متصلة بإحدى الارتفاقات التعميرية كتخصيصها لشارع عمومي فان ذلك لا يجعلها موسوعة بالبناء المخالف لضوابط التعمير[25].

إذن البناء في ملك عمومي يعتبر مخالفة من الدرجة الأولى ويتم إصلاحها بشكل جدري من خلال الهدم التلقائي الذي أعفاه المشرع من إتباع الإجراءات المعمول بها عادة في هذه البنايات موضوع المخالفات الخطيرة .

فالرخصة بالبناء في ملك مخصص لشارع عمومي بعد المصادقة على التصاميم التعميرية يعد إشكالا حقيقا يخالف قانون التعمير مع العلم أن الجهة التي منحت الرخصة هي إدارة عمومية تتمتع بالسلطة التقديرية . وهل للمستفيد في هذه الحالة من الرخصة من حقه المطالبة بالتعويض من جراء الأضرار الناتجة عن الهدم ؟

إن الإدارة التي منحت الرخصة تبقى مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن الهدم ، وبالتالي من حق المتضرر مطالبتها بالتعويض .

فإذا كانت هذه بعض القيود التي تحد من سلطة المالك على علو أرضه فإن هناك قيودا أخرى تحد من سلطة المالك في عمق أرضه وهذا ما سنوضحه من خلال الفرع الثاني .

الفرع الثاني : القيود التي تحد من سلطة المالك على عمق أرضه .
القيود التي تحد من سلطة المالك في عمق أرضه تتضمن مايلي :

– القيود المتعلقة بالمقالع والمناجم

– القيود المتعلقة بالمحافظة على المباني التاريخية .

– جواز نزع الملكية الخاصة والاحتلال المؤقت من اجل المنفعة العامة .

وفيما يلي نعرض لهذه القيود كالتالي :

أولا : القيود المتعلقة بالمناجم والمقالع :

أ) المناجم

المرد بالمناجم الأماكن التي اعتبرها القانون مواد منجمية ، وهي واردة على سبيل الحصر منها :

1 ) الفحم الحجري

2) المعادن من حديد ونحاس وزنك وذهب وغيرها

3) المواد الوقودية سائلة كانت أو غازية

4) الفوسفاط

5) الاسفلت [26]

وهي التي ورد تعدادها في الفصل الثاني من ظهير 16 ابريل 1951 م

وبالرجوع إلى الفصل السادس من الظهير المذكور، فالدولة وحدها هي التي لها الحق في التنقيب على مادة الفوسفاط واستثمارها ، أما المواد المنجمية الأخرى فلا يمكن لأي شخص التنقيب عليها إلا بعد الحصول على إجازة تخوله التنقيب ، وهذه الإجازة تعطى بناء على طلب يقدم لدائرة المناجم أي القطاع المكلف بذلك ، ويؤدى عنها رسم قانوني . وبالتالي يحق للمأذون له بالتنقيب شريطة حصوله على إذن بذلك . ويمكنه أن يقوم بكل عملية يراها مفيدة لقيام بعملية التنقيب المنجمية مثل الحديد, الفحم الحجري ,الاسفل….) وهي واردة على سبيل الحصر التي يحق له التنقيب عنها إلا إذا حصل على ما يسمى بإجازة الاستثمار أو ما يسمى بامتياز الاستثمار.

وإجازة الاستثمار أربع سنوات قابلة للتجديد ثلاث مرات متوالية ومدة كل فترة أربع سنوات. وعند انتهاء فترات التجديد يمكن تمديدها لمدة لا تزيد عن 12 سنة حسب الفصل 55 و 56 و61 من الظهير المذكور أعلاه .

وهناك أيضا قيود خاصة بالمواد الهيدروكاربونية[27].

هذه الأخيرة تكون إما طبيعية سائلة أو غازية أو صلبة باستثناء الصخور النفطية [28].

وتعتبر ملكية الحقول الهيدروكاربونية حقولا مستقلة عن ملكية صاحب الأرض إذ تعتبر ملكا للدولة ، وتمنح امتياز الاستثمار لصاحب التنقيب أو لصاحب إجازة الاستثمار بمرسوم ملكي ينشر في الجريدة الرسمية مدته 50 سنة للمواد الهيدروكاربونية السائلة ، وخمس وسبعون سنة لباقي المواد، ويمكن تجديد المدة إلى خمس عشرة سنة أخرى مقابل دفع عائد سنوي للدولة [29].

ب) المقالع

بالرجوع الى القانون رقم 81 .01 الصادر سنة 1423 ه الموافق ل19 أغسطس 2002 م ، المتعلق باستغلال المقالع نجد المادة الأولى منه تنص على أنه يراد بالمقالع : ( مكمن طبيعي لمواد معدنية غير مدرجة في صنف المعادن بمقتضى نظام المناجم الجاري بها العمل ) .

وتعتبر المقالع تابعة لسطح الأرض وتابعة لملكية صاحب هذه الأرض إلا أن استغلالها يخضع لنظام خاص بمقتضى الحصول على ترخيص تحدد فيه مدة الاستثمار، تؤدى عنها رسوم قانونية يجري في تحديدها كلما انتهت المدة لثلاث فترات من قبل إدارة المناجم .[30]

وتجدر الإشارة إلى أنه يجب التمييز بين نوعين من المقالع :

– مقالع باطنية ، وهي التي يستوجب استغلالها القيام بأشغال باطنية مثل حفر الآبار أو الدهاليز .

– مقالع مكشوفة : وهي التي يباشر استغلالها دون القيام بأشغال باطنية، إما في الهواء الطلق وإما بمسيل مجرى مياه أو بحيرة وإما في قعر البحر أو في الشاطئ[31]

وقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 08. 01 على نطاق تطبيق هذا القانون حيث جاء فيه أنه : (يخضع لأحكام هذا القانون كل استغلال للمقالع يباشر لغرض تجاري أو لأجل استعمال المواد المعدنية المستخرجة لأغراض غير انجاز المنشآت التي تستخرج من محرمها .لاتطبق أحكام هذا القانون على عمليات الجرف من اجل تعهد أراض الموانئ والمداخل المؤدية إليها وكذا حقينات ومجاري المياه إن كانت ذات أغراض غير تجارية ) .

لقد أثار موضوع استغلال المقالع نقاشا وطنيا في الآونة الأخيرة ، وذلك راجع بالأساس لعدم احترام المساطر المنظمة لهذا الاستغلال ، بحيث نجد هناك مقالع تستغل خارج القانون ، وبدون الحصول على ترخيص رغم صراحة المادة 11 من القانون رقم 08 . 01 في هذا الإطار إذ نجد ها تنص على أنه: (يتوقف استغلال المقالع على الحصول على رخصة استغلال تسلمها الإدارة). وبالتالي فعلى الراغب في استغلال مقلع أن يبادر أولا لتقديم طلب التصريح بالاستغلال يودع لدى المديرية الجهوية أو الإقليمية للتجهيز والنقل .

ثانيا القيود المتعلقة بالمحافظة على المباني التاريخية.

استنادا إلى الفصل 23 من القانون رقم 80.22 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات،الصادر بشان تنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 25 دجنبر 1980 يمنع إدخال أي تغيير كيفما كانت طبيعته أو مداه ، وخاصة عمليات التغييرات على مظهر الأماكن الواقعة داخل العقارات المرتبة [32] ، إلا بعد الحصول على رخصة إدارية مسبقة.[33]

ومما تجب الإشارة إليه فإن المباني التاريخية لايجوز نزع ملكيتها ، ومما يؤكد ذلك ماذهبت إليه المادة الرابعة من قانون نزع الملكية حيث ورد فيها مايلي: (لايجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر وكذا المقابر والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية ) .

والغاية من هذا المقتضى هو الحفاظ على المعالم التاريخية التي تشهد على ما يزخر به المغرب من حضارات مختلفة ومتنوعة المشرب والمنبع .

ثالثا : القيود المتعلقة بنزع الملكية الخاصة من اجل المنفعة العامة

لم يعرف المشرع المغربي المنفعة العامة في مجال نزع الملكية ، وإنما ترك هذا الاختصاص للفقه والقضاء مخافة إعطاء تعريف جامد قد يصبح متجاوزا بعد فترة وجيزة من إصدار القانون ، ويضطر إلى التدخل من جديد من أجل ذلك لتصحيح المفهوم ، وفي المقابل أعطى أمثلة لبعض العمليات التي يمكن اعتبارها تكتسي المنفعة العامة ، وذلك من خلال ظهير 1914 و1951 المتعلقين بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة كإحداث الموانئ والمطارات والطرق والسكك الحديدية إلا أنه تجاوز هذه المنهجية في ظل القانون رقم 81 .7 الصادر في 6 مايو 1982 الجاري به العمل حيث اقتصر على التأكيد في الفصل الأول على أن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية لايجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة .ومما يؤكد ذلك ورود قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا بتاريخ 23 غشت 1990 مايلي : ( القرار الصادر عن المجلس البلدي القاضي بنزع الملكية دون التصريح بالمصلحة العامة يكون قد جاء خارقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون 6 مايو 1982 ).[34]

وأضاف الفصل 6 من نفس القانون على أن المنفعة العامة تعلن بمقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها . الشيء الذي يفيد أنه يبقى من حق المتضرر الطعن في هذا القرار الإداري أمام الجهة الإدارية المختصة .[35]

وهو ما أكد عليه المجلس الأعلى في قرار صادر عن الغرفة الإدارية حيث ورد فيه مايلي : ( لكن حيث إنه بالرجوع إلى الفصل السادس من القانون رقم 81 .7 حول نزع الملكية للمنفعة العامة يتبين أن الإعلان عن المنفعة العامة يتم بموجب مقرر إداري . وبمقتضى الفصل السابع يمكن للمقرر المذكور أن يعين مباشرة الأملاك التي يشملها نزع الملكية، وبعد ذلك يمكن لنازع الملكية أن يقدم إلى المحكمة الإدارية مقالين الأول من اجل الإذن بالحيازة (الفصل 18 من نفس القانون)، والثاني من أجل المنفعة العامة وتحديد التعويض[36].

والتساؤل المطروح هل هذه السلطة التقديرية التي تصدرها الإدارة تبقى مطلقة أم أنها في جميع الأحوال تمارس تحت أعين القضاء الإداري ورقابته ؟

تعتبر مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة مسطرة استثنائية تشد عن القاعدة العامة الواردة في القانون رقم 08 .39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية من خلال المادة 23 التي تنص على مايلي : ( لايحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون . ولا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون ومقابل تعويض مناسب ) . وهو مانص عليه الفصل 35 من الدستور بصفة استثنائية يمكن أن يتحقق الإجبار، أي الإكراه على التنازل عن الملكية إذا كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك .

والنتيجة أن نزع الملكية لا تكون مشروعة إلا إذا رامت تحقيق المنفعة العامة.

وقد قضت الغرفة الإدارية با 🙁 بان القرار الصادر عن المجلس البلدي القاضي بنزع الملكية دون التصريح بالمصلحة العامة يكون قد جاء خارقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون 6 مايو 1982 المتعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت) [37].

لذلك نصت الفقرة الأولى من الفصل 6 في القانون رقم 81.7 المشار إليه أعلاه على أنه تعلن المنفعة العامة بقرار إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها .

كما يتعين من باب أولى تحديد الغرض من اللجوء إلى هذه المسطرة بحيث لامحيد عن ذكر طبيعة المشروع (مدرسة ، سجن ، منطقة صناعية ، مدينة جديدة ،الطريق السيار ….) ولايحق للسلطة نازعة الملكية تغيير الغرض من نزع الملكية إلا باتباع نفس المسطرة التي سلكتها بداية .

وقد قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء على أنه : ( يمكن الحكم بنقل ملكية العقارات والحقوق العينية العقارية إذا أعلنت المنفعة العامة وأجريت المسطرة طبق الكيفيات المنصوص عليها في القانون رقم 81.7 وتاريخ 6 مايو 1982 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت [38].

والحاصل أن القاعدة العامة أن إعلان المنفعة العامة يتم بواسطة مقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها (الفصل 6) ، ويقصد بالمقرر الإداري في مفهوم الفصل الأول من المرسوم التطبيقي رقم 382 .82 .2 بتاريخ 16 ابريل 1983 .المرسوم الذي يتخذ باقتراح من الوزير المعني .

وقد قضى المجلس الأعلى( محكمة النقض حاليا) في قرار : ( إن المقرر المطعون فيه وان جاء باعتباره مشروع مرسوم لنزع الملكية للمنفعة العامة خاليا من إجراء جوهري كان يجب تضمينه ، كونه اتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر إلا انه لايوجدمايمنع الإدارة من تلافي الخلل الذي وقع في المقرر الذي ألغاه المجلس الأعلى لعيب في الشكل وإصدار مقرر جديد تتوفر فيه الشروط المحددة قانونا )[39]

وبالإضافة إلى ماسبق هناك نصوص تشريعية وتنظيمية تعلن المنفعة العامة بمجرد نشرها .

نذكر على الخصوص القانون رقم 90 .12 المتعلق بالتعمير الذي نص في المادة 28 على انه يعتبر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة بمثابة إعلان عن المنفعة العامة .كما نصت (المادة 29) من نفس القانون على انه يمكن أن يكون تصميم التهيئة بمثابة قرار تعين فيه الأراضي المراد نزع ملكيتها . وكذلك (المادة 34) : بأنه تعتبر قرارات تخطيط حدود الطرق العامة بمثابة إعلان المنفعة العامة تقضي بانجاز العمليات المنصوص عليها فيها .

والتعويض عن نزع الملكية يجب أن يكون حقيقيا وعادلا . ولتقدير قيمة التعويض يجب الاعتداد بالقواعد التالية :

1) يجب ألا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية .

2) يحدد التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها .ويجب ألا يتجاوز التعويض المقدر بهذه الكيفية قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة للأملاك التي ستنزع ملكيتها ، ولا تراعى في تحديد هذه القيمة عناصر الزيادات بسبب المضاربات التي صدرت منذ صدور مقرر التصريح بالمنفعة العامة غير أنه في حالة ما إذا لم يودع نازع الملكية في ظرف أجل ستة أشهر ابتداء من نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للعقارات التي ستنزع ملكيتها المقال الرامي إلى الحكم بالحيازة ، فإن القيمة التي يجب دفعها تعويضا عن نزع الملكية هي قيمة العقار يوم إيداع المقال بكتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية .

ويعتبر التعويض عند الاقتضاء باعتبار ما يحدثه الإعلان عن الأشغال أو العملية المزمع إنجازها من فائض القيمة أو ناقصها بالنسبة لجزء العقار الذي لم تنزع ملكيته .(الفصل 20 من قانون نزع الملكية ) ، غير أن التعويض في إطار نزع الملكية يثير إشكالا حقيقيا على مستوى القضاء . لأن غالبية الأشخاص المنزوعة ملكيتهم لايتوصلون بقيمة التعويض . وهذا يثير إشكالا حقيقيا على المستوى الواقعي .

الخلاصة :

إن حق الملكية هو حق عيني على شيء معين يخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة استعمال هذا الشيء واستغلاله والتصرف فيه ،وذلك في حدود القانون والنظام العام ودون تعسف .وقد جاء في مدونة الحقوق العينية مايلي: يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق .إلا أن ممارسة هذا الحق يجب أن ألا يتعارض مع المصلحة العامة أو أن تكون عائقا في تطور المجتمع .

وينتج عن هذا المبدأ انه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة ، تعين التضحية بهذه الأخيرة ، وهذا الأمر من مستلزمات الحفاظ على المصلحة العامة لأنها جديرة بالتقديم ،لذلك لاينبغي الاعتراف بالحق في التملك بشكل مطلق وبدون قيود، والهدف من ذلك خلق توازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.

[1] معجم مقايسس اللغة :(لأبي الحسين أحمد بن فارس)، تحقيق :عبد السلام محمد هارون .الطبعة الثانية عام 1381 – 1971 مطبعة اللبناني الحلبي مصر مادة (عسف). الجزء الرابع ص 311

[2] لسان العرب لابن منظور , طبعة جديدة محققة . دار المعارف كرنيش النيل القاهرة مادة (عسف).الجزء الرابع . ص 2943

[3] الفقه الإسلامي وأدلته ,للدكتور وهبة الزحيلي – الطبعة الثانية – 1405 -1985 – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق – الجزء الخامس ((تتمة العقود والملكية وتوابعها)) ص 521

[4] نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي لفتحي الدريني – مؤسسة الرسالة بيروت – الطبعة -1434 -2013 م ص 91

[5] الوسيط في شرح القانون المدني الجديد :(عبد الرزاق احمد السنهوري) – الطبعة الثالثة الجديدة – منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان الجزء الثامن – ص 689

[6] محاضرات في الحقوق العينية :(للدكتور عبد القادر بوعصيبة ) ،الفصل الثالث مسلك الشريعة والقانون ص 17

[7] تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الإحكام :(لإبراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون ) ،مكتبة الكليات الأزهرية الطبعة الأولى 1406 ه 1986 م الجزء الثاني ص 559

[8] المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل افريقية والأندلس والمغرب (لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي )– دار النشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية 1401 ه 1981 م الجزء التاسع ص 47

قرار المجلس الأعلى عدد 21 بتاريخ 21/1/1976 ، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 127 ص 71 [9]

[10] الحقوق العينية في الفقه الإسلامي :(لابن معجوز ) ،الطبعة الثانية – مطبعة النجاح 1419 ه- 1999 م الدار البيضاء ص 77

[11]الارتفاقات القانونية في مجال التعمير، للأستاذ :(محمد قصري) المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج 54 -55 ابريل 2004 ص 51

الحقوق العينية في الفقه الإسلامي :(لابن معجوز) ط2 ص 84[12]

[13] القيود الواردة على حق الملكية للدكتور:( العربي محمد مياد )، المنبر القانوني : مجلة نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات والأبحاث القانونية والقضائية – العدد 4 – ابريل 2013 ص27

[14] حكم إدارية وجدة الصادر تاريخ 13/3/96 بالملف الإداري عدد 10/95 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 54-55 ابريل 2004

[15] القيود الواردة على حق الملكية للدكتور:( محمد العربي مياد) ، المنبر القانوني ، مرجع سابق ، ص 27

[16]ينص الفصل 3 من ظهير فاتح يوليوز 1914 (( يجب على من له ملك خاص أن يتحمل الواجبات المتعلقة بالمرور والجولان في ملكه ويجعل جميع أنواع الحالات اللازمة لإحداث الأسلاك التلغرافية والتليفونية والأبنية الحديدية المعدة للتغراف اللاسلكي والمواصلات القوة الكهربائية الداخلة في عداد الأسلاك العمومية))

[17]الارتفاقات القانونية في مجال التعمير للأستاذ:( محمد قصري )، قرار عدد 1206 الصادر بتاريخ 31/12/1997 بالملف الاداري 653/96 منشور بالمجلة المغربية عدد مزدوج54/55 أبريل 2004 م ، ص 53

[18]الارتفاقات القانونية في مجال التعمير للأستاذ قصري محمد ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، مرجع سابق ، ص 50

[19] ، التعمير بين المركزية واللا مركزية ، للدكتور عبد الرحمان البكريوي ، الطبعة الأولى : 1993 .مطبعة النجاح – الدار البيضاء ,ص114

المادة 68 من القانون رقم (12 -90 [20]

المادة 19 من القانون رقم 12-90 )[21]

[23] التعمير بين المركزية واللامركزية للدكتور :(عبد الرحمان البكروي) ، مرجع ،سابق ص 123

[24].الرقابة البعدية للبناء والتجزيء دراسة قانونية ، للدكتور:( بناصر المصطفى ):. الطبعة الأولى يناير 2008 ص65

[25]قرار عدد 1295 المؤرخ في 29 /12 /2004 الملف الإداري عدد 3312 /1/2003 الإصدار الرقمي دجنبر 2006 العدد 64-65 مجلة قضاء المجلس الأعلى – ص237

الحقوق العينية لابن معجوز ،مرجع سابق ، ص85[26]

[27] ظهير شريف رقم 118 . 91 . 1 صادر في 27 رمضان 1412 ه الموافق لفاتح ابريل 1992 بتنفيذ القانون رقم 90 – 12 المتعلق بالبحث عن حقول الهيدروكاربونات واستغلالها

[28] الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 130 -02 -1 صادر في فاتح ربيع الثاني 1423 ه الموافق ل 13 يونيو 2002 بتنفيذ القانون رقم 01-08 المتعلق باستغلال المقالع والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1423 ه الموافق ل 19 أغسطس 2002 م ص2355

[29] العقوق العينية ،للدكتور الفاخوري ، دار النشر المعرفة ، الطبعة 2013 ، ص 74 و 75

[30]المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء ، الأستاذ محمد المعكشاوي مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 1413 ه – 2013 م ، ص37

الحقوق العينة للفاخوري مرجع سابق ص76[31]

يقصد بالعقارات المرتبة كل العقارات التي خضعت لبحث بغية ترتيبها ضمن المباني التاريخية[32]

القيود الواردة على حق الملكية العقارية ، للدكتور محمد العربي مياد ، المنبر القانوني مرجع سابق ، ص 26[33]

[34] قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 23 غشت 1990 في الملف رقم 8171/90 منشور بمجلة الإشعاع عدد 38 – ص94

القيود الواردة على حق الملكية العقارية ،للدكتور العربي محمد مياد ، المنبر القانوني ، مرجع ، سابق ، ص 22[35]

[36] قرار المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا ) عدد 215 بتاريخ 28 مارس 2002 ملفان إداريان مضمومان عدد 1090 /2001 منشور بمجلة القضاء ،عدد 35 ص 45

[37] قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 23 غشت 1990 في الملف رقم 8171 /90 منشور بمجلة الإشعاع عدد 8 – ص94

[38]حكم رقم 03 في الملف رقم 97.18 بتاريخ 22 يونيو 1988 منشور على الموقع الالكتروني للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء

[39] القرار رقم 458 بتاريخ نونبر 1995 ملف إداري عدد 95 .12 منشور في قرارات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين سنة 1995 ص 333.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت