التزامات الدول في مجال الترقية العقارية من أجل تعزيز الحق في سكن لائق/ سرور طالبـي
يعتبر الحق في سكن لائق حق أساسي من مجموعة حقوق الإنسان. لذا أولت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اهتماماً كبيراً بهذا الحق لما لديه من ارتباط وثيقا بالحقوق الاجتماعية الأخرى، لاسيما الحق في الشغل، وفي الصحة، وفي الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وانطلاقا من هذا فإنه يقع على عاتق الدول الالتزام باتخاذ بعض الإجراءات والتدابير القانونية والميدانية لاسيما في مجال الترقية العقارية، من أجل كفالة حماية المواطنين الخاضعين لولايتها القانونية أو لسيطرتها الفعلية من التشرد أو من التشريد التعسفي من مسكنهم أو أرضهم أو مكان إقامتهم المعتاد، وكدا القيام بكل ما في وسعها لبناء سكنات اجتماعية وكل مرافقها الضرورية تكفل من خلالها الحق في سكن لائق ومستقر وفقاً لمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان .
نريد من خلال هدا المقال التوسع في مفهوم هذا الحق الأساسي والحماية القانونية والدولية المقررة له والتوقف كذلك عند الالتزامات التي تقع على عاتق الدول ومؤسساتها الداخلية في مجال الترقية العقارية من أجل التكفل بضمان التمتع بهذا الحق.
كما نسعى إلى تطوير أو تجديد المعارف السابقة للكثيرين حول هذا الحق، سواء كانوا باحثين أكاديميين أو عاملين في القطاعات الحكومية والهيئات المحلية والأهلية، خاصة العاملين في مجال الإسكان والتنمية وهذا بالتأكيد سيساعدهم في إدماج هذا الحق في خطط عملهم ومشاريعهم القادمة.
1/ مفهوم الحق في سكن ملائم:
يعتبر الحق في سكن ملائم أحد أهم الركائز الأساسية لحياة الإنسان وإحساسه بكرامته المتأصلة فيه. وهو في حد ذاته حق أساسي من حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت أداة هامة لإعمال حقوق الإنسان الأخرى المدنية والسياسية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويحظى الحق في سكن ملائم باهتمام خاص على المستوى الدولي واعتراف واضح من قبل القانون الدولي، وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، لارتباطه الوثيق بالحياة اليومية للأفراد وكرامتهم.
وعليه، تحتوي غالبية المواثيق الدولية، سواء كانت إعلانات أو اتفاقيات دولية أو الأعمال الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان، على نصوص واضحة خاصة بالحق في السكن الملائم. ولقد تعزز الاعتراف بالحق في السكن الملائم على الصعيد الوطني على مستوى واسع، حيث أصبحت تنص عليه العديد من الدساتير الوطنية للدول، وبحيث أصبح السكن بموجب القوانين الوطنية للدول حقا للمواطن وواجبا على الدولة أن تعمل على توفيره لمواطنيها.
وفيما يلي استعراضا لأهم النصوص التي ترد في سياق التطرق للحق في السكن الملائم، والتي تشكل الأساس القانوني لهذا الحق، وبالتالي للالتزامات القانونية الناشئة على الدول من أجل ضمان التمتع الفعلي به:
تنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك …المسكن…”
وتؤكد على هذا النص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : ” تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في مستوى معيشي مناسب لنفسه ولعائلته، بما في ذلك …المسكن…”. [1]
وتنص المادة 10 حرف (و) من إعلان التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي على ضرورة “تزويد الجميع، ولاسيما دوي الدخل الصغير والأسر الكثيرة الأفراد، بالمساكن وبالخدمات المجتمعية الكافية.”[2]
ووفقا للمادة 8 من إعلان الحق في التنمية فإنه: ” ينبغي للدول أن تتخذ، على الصعيد الوطني، جميع التدابير اللازمة لإعمال الحق في التنمية ويجب أن تضمن، في جملة أمور، تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية وصولهم إلى الموارد لأساسية … كالإسكان…”.[3]
أما الإستراتجية العالمية للمأوى حتى عام 2000، فلقد ورد في البند 13 منها على أن ” الحق في السكن الملائم حق معترف به دوليا من قبل مجتمع الدول… إن كل الدول بلا استثناء عليها التزام نحو قطاع الإسكان، ويتمثل ذلك في إنشاء وكالات أو وزارات إسكان، تخصيص التمويل لقطاع الإسكان والسياسات، البرامج والمشروعات الخاصة به. إن لكل المواطنين في كافة الدول أيا كانت درجة فقرهم الحق في الحصول على الاهتمام المطلوب من الحكومات فيما يتعلق بحاجاتهم السكنية كما أن عليهم تقبل الالتزام الأساسي في حماية وتحسين المنازل والمناطق المحيطة بها بدلا من إتلافها أو تدميرها.[4]
وانطلاقا من هذه المواثيق الدولية، يجب وضع الحق في السكن الملائم في إطاره الصحيح، على أساس أنه حق عالمي وجزء أساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولقد تم تفسيره وتحديد أبعاده من خلال اعتباره حق كل إنسان في مكان يضمن له العيش بكرامة وأمان، وبما يضمن له خصوصيته وبناء علاقات عائلية واجتماعية، والتأثير على ما حوله اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وهو المكان الذي يعطي الفرصة لقاطنيه للمساهمة النشطة والواعية والخلق والإبداع في إطار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعيشونها.
وعليه فإن الحق في السكن الملائم يتعدى شكل المبنى المادي، ليشمل علاقة الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه فهو مرتبط أساسا بالكائن البشري باعتباره أحد العناصر الرئيسية للأسرة البشرية.[5] وهو ذو أبعاد وارتباطات مختلفة ومتعددة يصعب تحديدها كالعمل، الوصول إلى الخدمات، مستويات الصحة، الأمن، الهوية الشخصية، واحترام الذات.
ومن هذا المنطلق يتجاوز مفهوم الحق في السكن الملائم الغرفة ذات الجدران الأربعة والسقف الذي يغطيها لحماية سكانها، إلى مضمون أوسع وأشمل، لأن المسكن هو المكان الذي يقضي فيه الإنسان معظم وقته.
ويرتبط بهذا الحق كذلك، أمور أخرى متعلقة بالخدمات الخارجية ومنها سهولة الوصول للطرق المعبدة، والمحلات التجارية والأسواق والنقل ومكان العمل والجيران والمجتمع المحلي والصحة والتعليم والمواصلات ووسائل الاتصالات وغير ذلك من الخدمات.
إذن فالحق في السكن لا يمكن بأي حال أن يعني حدا أدنى يمكن من خلاله ضمان البقاء، بل هو شرط أساسي للحريات المختلفة بالانتماء لجماعة ما وإقامة الصلات والعلاقات معها في إطار من الخصوصية بما يضمن ويحمي تلك العلاقات مع المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد.
وإن انتهاك الحق في السكن ينجم عنه انتهاك لحقوق أخرى كثيرة مدنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية وانتهاك الحق في السكن يتولد عنه انتهاك الحق في الحياة العائلية والخصوصية والحق في حرية التنقل والذي يشمل حق الشخص في اختيار مكان إقامته وألا يتم إخلاؤه بالإكراه.
وبالنظر إلى المسكن كمكان يوفر الأمان لقاطنيه، فإن انتهاكه يعني انتهاكا للحق في الحياة إضافة لذلك فان حقوقا أخرى كالحق في الصحة والبيئة السليمة والضمان الاجتماعي والحياة العائلية وغيرها من الحقوق يجري انتهاكها.
وعلى هذا الأساس، فإن الحق في السكن الملائم يفرض على الدولة مجموعة من الالتزامات القانونية والميدانية تتعدى كثيرا الجوانب المالية ، لتشمل جملة من الخطوات الأخرى، ذات أهمية بالغة لأنها تؤدي في المحصلة النهائية بإحقاق هذا الحق[6]، نتوسع فيها فيما يلي:
2/ التزامات الدول في مجال الترقية العقارية:
يقع على عاتق الدول والحكومات بموجب مختلف الوثائق الدولية لحقوق الإنسان التي استعرضناها وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مجموعة من الالتزامات القانونية المتمثلة في اتخاذ بعض الخطوات والتدابير التشريعية والميدانية لاسيما فيما يخص نظام الترقية العقارية والتخطيط العمراني بهدف تعزيز احترام وحماية حق المواطنين في مسكن لائق على أساس المساواة في الكرامة والحقوق دون أي شكل من أشكال التمييز المعروفة. [7]
وتتمثل التزامات الدول في مجال الترقية العقارية وفقا لتعليق لجنة الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية وكذلك وفقا لما أوضحه المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن الحق في السكن الملائم، عند تفسيره للمادة 11 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية فيما يلي:[8]
وعليه تلتزم الدول في مجال الترقية العقارية بمجموعة من الالتزامات نلخصها فيما يلي[9]:
ا/ الالتزام بالاحترام:
على الدول أن تلتزم باحترام الحقوق الآتية:
-حق كافة الأشخاص في المشاركة الفاعلة في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات والخطط المتعلقة بمجال الإسكان والتعمير، وبما تؤدي إلى التمتع بالحق في السكن الملائم؛
-الحق في تكوين المنظمات المجتمعة والتعاونيات الإسكانية والمشاركة فيها، وخاصة جمعيات المستأجرين؛
-الحماية القانونية من إخلاء المنازل بالإكراه؛
-الحق في المساواة فيما يتعلق بتوزيع مصادر الإسكان، وحرية الحصول على الدعم المالي الخاص بالسكن؛
-الحق في الخصوصية، بما في ذلك الحماية من التفتيش التعسفي لأماكن السكن؛
-احترام الخصوصية الثقافية للبناء التقليدي وضمان حماية السكن ذو البعد التاريخي؛
ب/ الالتزام بالحماية:
على الدول أن تلتزم بحماية الحقوق الآتية:
-على الدول أن تضمن، عند الاقتضاء، أن أنظمة التسجيل المعمول بها أو المعترف بها للجماعات التقليدية والمواطنين من حقوق في حيازة الأراضي الجماعية؛
-على الدول ألا تعترف بصحة أي معاملة تخص مساكن أو أراضي أو ممتلكات، بما فيها أي نقل لملكيتها، تمت بالإكراه، أو بأي شكل من أشكال القسر أو الإرغام، سواء مباشر أو غير مباشر، على نحو يتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان؛
-على الدول كذلك أن تضمن أن يكون أي حكم قضائي أو شبه قضائي أو إداري أو عرفي يتعلق بالملكية المشروعة أو الحق في السكن أو الأراضي أو الممتلكات مشفوعاً بتدابير تضمن تسجيل المسكن أو الأرض أو الممتلكات المعنية أو تحديد نطاقها على نحو يكفل الضمان القانوني للحيازة، كما ينبغي أن تمتثل هذه القرارات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير ذات الصلة، بما فيها الحق في الحماية من التمييز؛
-على الدول ومؤسساتها الداخلية تزويد صاحب مطالبة ما أو وكيله، بناء على طلبه، بنسخ مما قد يكون في حوزتها من أدلة ومستندات يقتضيها تقديم المطالبة بالملكية أو دعمها، وينبغي توفير مثل هذه الأدلة مجاناً أو لقاء رسم رمزي؛
-يجوز للدول، في حالات التشريد الجماعي حيث لا توجد أدلة ومستندات كافية فيما يتعلق بالحيازة أو حقوق الملكية، أن تفترض افتراضاً جازماً بأن الأشخاص الذين يفرون من مساكنهم أثناء وقوع كوارث طبيعية قد فعلوا ذلك لأسباب تتعلق بهذه الكوارث ويحق لهم بالتالي استرداد مساكنهم و أراضيهم وممتلكاتهم. وفي هذه الحالات، يجوز للسلطات الإدارية والقضائية أن تعمل بشكل مستقل على إثبات الوقائع المتصلة بمطالبات الاسترداد غير الموثقة.
-اتخاذ الدول خطوات فورية تضمن، قدر المكان، ألا تنتهك معايير الحق في السكن الملائم من قبل الدولة أو عملائها.
-اتخاذ خطوات أخرى إضافية تضمن ألا تنتهك حقوق السكن من قبل طرف ثالث ويشمل ذلك الحماية من الاستغلال الذي يمارسه مالكي السكن؛
-شمولية مبدأ حماية المستأجر في كل قطاعات الإسكان، وأن يطبق على جميع المواطنين؛
-ضمان توفير السكن لمختلف جماعات الدخل في المجتمع بما فيها منع ارتفاع تكاليف السكن إلى مستويات تحرم شاغلي المساكن من التمتع بالحصول على الحاجيات الأخرى الأساسية وتلبيتها؛
-أن تنظم مستويات إيجار الإسكان والمساعدات الحكومية في مجال الإسكان بما يتطابق مع مبدأ وفرتها والقدرة على الحصول عليها؛
-ضمان الحماية والأمان الكلي الخاص بشاغلي المساكن من حيث صلاحية السكن، وسلامتهم الجسدية، وخصوصا حمايتهم من العوامل البيئية كالبرد، الرطوبة، الحر، المطر، الرياح… وغير ذلك مما يهدد الصحة كمخاطر البناء ونقل الأمراض؛
ج/ الالتزام بالتعزيز:
على الدول أن تقوم بتعزيز الحقوق الآتية:
يجب القيام بمراجعة شاملة تشريعية للقوانين وللسياسات أو غيرها من التوجيهات، والتي يكون لها تأثير سلبي على إحقاق الحق في السكن الملائم؛
يجب ترسيخ الاعتراف بالتشريعات والسياسات المتعلقة بالحق في السكن الملائم وخاصة تنفيذها؛
د/ الالتزام بالتنفيذ:
على الدول أن تلتزم بتنفيذ ما يلي:
-اعتماد إستراتجية وطنية للإسكان تحدد أهداف تطوير الظروف الإيوائية وتعيين الموارد المتاحة لتحقيق هذه الأهداف؛
-ينبغي لهذه الاستراتيجيات أن تعكس تشاورا واسعا وحقيقيا مع كافة القطاعات الاجتماعية، بما فيها المشردين والذين لا يسكنون في مسكن لائق وممثليهم ومنظماتهم، ومشاركة واسعة وحقيقية منها؛
-إنشاء أو إعادة إنشاء نظم مسح عقاري وطنية متعددة الأغراض أو غيرها من النظم المناسبة لتسجيل حقوق السكن و الأراضي والملكية كعنصر أساسي؛
-تخصيص جزء ملائم من الميزانية للإسكان بما يتناسب مع متطلبات الإسكان الاجتماعية؛
-بناء وصيانة مصادر الإسكان العامة بواسطة الوكالات العامة بالإضافة لتمويل الدولة لمثل تلك النشاطات؛
-ضرورة توفير الخدمات والموارد والمرافق والهياكل الأساسية للصحة والأمن والراحة والتغذية التي تشمل البنية التحتية، كما يجب أن تتاح للمنتفعين بالحق في السكن وبشكل مستمر إمكانية الحصول على الموارد الطبيعية والعامة وعلى المياه النظيفة والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والكهرباء وكذلك المرافق المتعلقة بتعزيز الصحة العامة والغسيل وتخزين الأغذية والتخلص من النفايات وتصريف المياه وخدمات الطوارئ؛
-تعزيز استخدام مواد البناء الطبيعية والأصلية في عملية بناء المساكن من أجل أن يكون المسكن صالحا للسكن، بحيث على الدول تطبيق المبادئ الصحية للسكن والتي أعدتها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في عام 1990.
3/ وضعية الترقية العقارية في الجزائر:
كما هو الشأن بالنسبة للحقوق المدنية والسياسية، حققت الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، مكاسب مهمة على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لاسيما في مجال الترقية العقارية من أجل ضمان تمتع كافة المواطنين بالحق في سكن لائق.
فلقد أولى المشرع الجزائري الحق في سكن ملائم ولائق ما يستحق من اهتمام، من خلال تبني قوانين مختلفة تكفل ممارسته وتحدد مداه وقيوده، ومن خلال تحسين تلك القوانين وتعزيزها بمقتضيات جديدة.[10]
كما أن البرنامج الحكومي الحالي قد أولى أهمية بالغة لقطاع الإسكان والتعمير، اعتبارا لمكانته في الاقتصاد الوطني ونظرا لحجم الاختلال الذي يعاني منه والذي أدى إلى عدم مواكبة العرض للطلب، واستفحال السكن العشوائي.
إلا أن المسائل العقارية في الجزائر يحيط بها إشكاليات معقدة ومتداخلة في الكثير من الأحوال لاسيما ما يتعلق بالهيئات المعنية بهذه العملية وبالثقة والاطمئنان للاستثمار في هذا المجال. [11]
ومن جهة أخرى تواجه الجهات القضائية الجزائرية المختصة إشكالات قانونية وصعوبات جمة عند فصلها في المنازعات التي يثيرها النظام القانوني الجاري به العمل سواء تعلق الأمر بتطبيق أحكام المرسوم التشريعي رقم 93/03 المتعلق بالنشاط العقاري أو تلك التي جاءت بها التعديلات المتضمنة في القانون رقم 05/02 المعدل والمتمم للأمر للقانون التجاري الجزائري.[12]
وبعد الزلزال العنيف الذي ضرب الساحل الجزائري بتاريخ 21 أيار/مايو 2003، وما رتبه من خسائر مادية سواء على مستوى البنايات أو خزينة الدولة فيما يخص التعويضات التي التزمت الحكومة الجزائرية بمنحها إلى المتضررين، صادق أعضاء المجلس الشعبي الوطني في 07 /أكتوبر/تشرين أول /2003 بالأغلبية على الأمر رقم 10 /03 المؤرخ في 26 أوت 2003 المتعلق بإلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وتعويض الضحايا.
ويرجع بالدرجة الأولى سبب جعل هذا النوع من التأمين إلزاميا إلى الانعكاسات الكبيرة التي أحدثها العزوف عن التأمين ضد الكوارث الطبيعية على ميزانية الدولة فوضع هذا الأمر بعض التدابير، ومنها إلزام ملاك العمارات والبنايات التجارية والصناعية بالتأمين وإلزامية وجود عقد التأمين في أي عملية لبيع أو كراء العقارات.
ومن جهة أخرى، سخرت الحكومة الجزائرية إمكانيات مادية وبشرية كبيرة منذ وقوع هذا الزلزال من أجل ضمان الإيواء التدريجي المؤقت لكل العائلات المنكوبة التي لا تتمتع بأي وسيلة أو موارد مادية، وترميم أكثر من 65 ألف سكن بصفة نهائية بولايتي بومرداس والجزائر العاصمة. أضف إلى ذلك فلقد تم انجاز حوالي 20 ألف سكن جاهز
ومما لا شك فيه، أن التقدم في مجال الترقية العقارية في الجزائر مازال يتطلب تكريس المزيد من المكتسبات، ومضاعفة الجهود والإمكانات، علما أن ضمان ممارسة الحق في مسكن لائق على المدى المتوسط والطويل، يبقى رهن عوامل شتى أهمها تأهيل الاقتصاد، وحفز الاستثمار، وإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، والنهوض بالعالم القروي، وعقلنة تدبير الكفاءات البشرية والموارد المالية…
ومن هذا المنطلق، لا يخفى أن هناك صعوبات مختلفة مازالت تعيق استفادة شرائح عريضة من المواطنين من حقوق أساسية كالحق في سكن لائق، ولعل أهمها الفقر وقلة المشاريع العقارية الاجتماعية.
توصيات:
-الاهتمام وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة المتخصصة بالترقية العقارية؛
-تعبئة الأرصدة العقارية التابعة للدولة أو التي تسهر على تدبيرها وتفويتها بشروط تفضيلية لفائدة المنعشين العقاريين من خلال الترشيح المفتوح لإنجاز السكن الاجتماعي، اعتبارا لما يمثله رصد العقار العمومي لفائدة السكن الاجتماعي من انعكاسات إيجابية على كلفة الإنتاج؛
-وضع مقاييس ومواصفات تقنية وتعميرية جديدة، تنسجم مع المفهوم الجديد للسكن الاجتماعي؛
-تشديد الرقابة في عمليات البناء والترميم واحترام تطبيق مقاييس البناء المضادة لزلازل؛
-بخصوص تيسير استفادة ذوي الدخل الضعيف والمحدود من برامج السكن، يجب تشجيع البنوك على منح القروض لصالح هذه الفئات؛
-الاهتمام بالمجال القروي من خلال تبسيط مساطر الترخيص، ووضع تصاميم نموذجية للبناء، تمنح مجانا للراغبين في بناء مساكنهم مع توفير المساعدة التقنية للوكالات الحضارية؛
-رفع العراقيل وفك القيود عن العديد من المشاريع، وانطلاقة العديد من ورش السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق،
تقوية الإمكانات والوسائل المعبأة في إطار البرنامج الحكومي في هذا المجال، ومضاعفة جهود كل الفرقاء والفاعلين،
-وفي الختام من الضروري التأكيد على ضرورة مواصلة الإصلاحات القانونية والإدارية وغيرها باعتبارها الأرضية الأولية من أجل النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، بحيث لا جدال في أهمية هذه الإجراءات والتدابير وإسهامها في معالجة بعض مظاهر الاختلال التي يعاني منها قطاع السكن في بلادنا .
الهوامش والمراجع:
[1] لقد صدر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة رقم 2200 ألف (د – 21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966، والذي دخل حيز التنفيذ بعد عشر سنوات في 3 كانون الثاني/ يناير 1976. وهو يحتوي على الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأطراف فيه من أجل ضمان التمتع الفعلي والتدريجي بالحقوق الواردة فيه، كما يحتوى على آليات لحماية هذه الحقوق.
[2] إعلان التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة 2542 (د-24)، المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر من العام 1969.
[3] إعلان الحق في التنمية المعتمد من قبل الجمعية العامة بموجب قرارها 41/128، والمؤرخ في 4 كانون الأول/ديسمبر 1986.
[4] أنظر الإستراتجية العالمية للمأوى حتى عام 2000 المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 43/181 المؤرخ في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1988.
[5] للمزيد من المعلومات أنظر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الحق في السكن الملائم في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، سلسلة التثقيف في ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( 2 ):
http://www.pchrgaza.org/arabic/studies/house2.pdf
[6] Nations Unies, UN.DOC.E/CN.4/Sub.2/1993/15.P.45
[7] voir à ce sujet, les documents des Nations Unies, le Conseil économique et social, E/CN.4/sub.2/2005/17, voir également : http://badil.org/arabic-web/e-library/pinheiro-principes.pdf
[8] أنظر التعليق العام رقم 4(1991): الحق في السكن الملائم المادة 11 فقرة 1 من العهد، المؤرخ في 12 كانون أول/ديسمبر 1991: UN.Doc.E/1992/23. pp. 143-150.
[9] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق، الحق في السكن في قطاع غزة، دراسة مشتركة، الطبعة الاولى، ابريل/نيسان 1997، ص 127.
[10] أنظر تصريحات وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد نور الدين يزيد زرهوني أمام المجلس الشعبي الوطني، عن المجلس الشعبي الوطني ملخص محضر الجلسة العلنية المنعقدة يوم الاثنين 20 أكتوبر 2003 .
[11] أنظر اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس قضاء ولاية غرداية حول المعاملات العقارية والإيجارات التجارية في 24 أيار/مايو 2005.
[12] أنظر المرسوم رقم 93/03 الصادر في تاريخ 1/3/1993 والمتعلق بالنشاط العقاري والقانون رقم 05/02 المؤرخ في 8/2/2005 المعدل والمتمم للأمر رقم75/59 المتضمن القانون التجاري.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً