دراسة حول الإعلان السياسي للمؤتمر الدولي للتعاون حول المياه
اعتبرت اقامة مؤتمر التعاون الدولي المائي الذي عقد في العاصمة الطاجيكية دوشنبه للفترة20-22/8/2013 خطوة كبيرة ومهمة على الطريق الصحيح الذي اختطه المجتمع الدولي في سبيل الوصول الى آليات فعالة وناجعة تسهم في تحسين التعاون في مجال المياه ولاسيما على مستوى المياه العابرة للحدود، من خلال الدعوة إلى السياسات الناجحة وأفضل الممارسات ومشاركة الجمهور على نطاق أوسع وتشجيع صانعي السياسات لتعزيز التعاون في مجال المياه على جميع المستويات للمساهمة في تحقيق الأهداف المتفق عليها دوليا بشأن المياه ، حيث وفر المؤتمر فرصة للجميع لمناقشة ووضع تدابير جديدة تهدف إلى تسريع الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية واصدار القرارات والتوصيات لاتخاذ مزيد من الإجراءات المستقبلية .
ان اقامة هذا المؤتمر جاء بناءً على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 65/154 والذي اقر بالإجماع في 20 ديسمبر 2010 والخاص باعتماد تنفيذ السنة الدولية للتعاون حول المياه عام 2013 من أجل التصدي بفعالية لمشاكل قضايا المياه العذبة والاعتراف بالتعاون باعتباره عاملاً أساسياً في منع نشوب الصراعات على تقاسم موارد المياه المشتركة وتكريس الاستفادة من المياه في دعم التطور الاجتماعي والاقتصادي لدول العالم وخاصة الدول النامية ، حيث نص القرار على :
– تقرر إعلان عام 2013 سنة دولية للتعاون حول المياه .
– يدعو الأمين العام وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية ان تضع في اعتبارها أحكام مرفق قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1980/67 لاتخاذ الخطوات المناسبة لتنظيم أنشطة السنة الدولية للتعاون حول المياه وإلى تطوير المقترحات اللازمة بشأن الأنشطة على جميع المستويات لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ الفعاليات المطلوبة.
– تشجع جميع الدول الأعضاء ومنظمات الأمم المتحدة وسائر الجهات الفاعلة للاستفادة من السنة الدولية للتعاون حول المياه لتعزيز جميع التدابير والأنشطة التي يضطلع بها جميع أصحاب المصالح على جميع المستويات للتنفيذ الناجح لهذا الحدث ، ويدعو الدول الاعضاء والمنظمات التابعة لمنظومة الأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة الأخرى على مواصلة تعزيز الإجراءات من خلال التعاون الدولي، حسب الاقتضاء والرامية إلى تحقيق اهداف الالفية الانمائية المتعلقة بالمياه المتفق عليها دوليا.
– عقد المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن التعاون في مجال المياه.( )
استنادأ الى القرار اعلاه استضافت حكومة جمهورية طاجيكستان المؤتمر الدولي عالي المستوى للتعاون حول المياه بمشاركة (8) من روساء الدول ورؤساء الوزراء و(20 ) من وزراء المياه ووفود لاكثر من (80) دولة من دول العالم وعدد كبير من المنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بمجالات المياه المختلفة ، حيث افتتح الرئيس الطاجيكي امام علي رحمانوف فعاليات هذا المؤتمر بكلمة ركز فيها على الخصوصية التي تتمتع بها بلاده فيما يتعلق بالموارد المائية حيث ان طاجيكستان تعتبر بلد المياه في منطقة اسيا الوسطى بفضل ما يتوفر لديها من موارد مائية ضخمة اذ تحتل البلاد من حيث مخزوناتها من المياه المركز الثامن على مستوى العالم والمركز الأول على مستوى دول آسيا الوسطى وتمر عبر أراضيها 65% من موارد المياه في هذه المنطقة بالاضافة الى رغبة بلاده في تعزيز التعاون والتفاهم مع جيرانها لحل مشاكل المياه ، ورغم كل هذه المميزات التي تتمتع بها منطقة اسيا الوسطى الا ان المشاكل واختلاف وجهات النظر وتفاوت الاولويات الاقتصادية بين دول هذه المنطقة لازالت تعيق التعاون بين دولها الامر الذي يؤدي الى عدم تحقيق الاستفادة القصوى من فوائد المياه ” ان دول هذه المنطقة فشلت في التوصل إلى توافق لاعتماد آلية مشتركة لإدارة موارد المياه بشكل يحقق مكاسب سياسية واقتصادية وبيئية للجميع ، فالكل يسعى إلى حل المشكلة من جانب واحد بطريقة غير مناسبة للبقية، اما المشكلة الأساسية هي أن أغراض واستخدام الدول للمياه غير متطابقة ،حيث تقع كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان على مصب النهر وتستفيد من المياه لأغراض الزراعة والري وفي بالمقابل تقع طاجيكستان وقرغيزستان في المرتفعات وتعاني من نقص في النفط والغاز والموارد الطبيعية الأمر الذي يجعلها حريصة على استخدام الأنهار في المنطقة لتوليد الطاقة الكهرومائية “( )
ورغم هذا الفشل الا ان المسؤولين الطاجيكون يؤكدون ان بلادهم تسعى الى التوصل الى تفاهمات ثنائية ومتعددة الاطراف لحل الخلافات والمشاكل المتعلقة بالمياه، حيث ترى طاجيكستان البلد الفقير بالموارد الطبيعية ان هذه المنطقة تتكامل فيها كل عناصر الثروة حيث ان لكل دولة ميزة اقتصادية يمكن للدول الاخرى ان تستفيد منها في اطار منظومة اقتصادية تهدف الى تكامل قطاعات الطاقة والاقتصاد ويجنب المنطقة المشاكل المتعلقة بالمياه .
استمرت جلسات المؤتمر يومين للفترة 20-21/8/2013 وصدر بختامها اعلان سياسي سمي بـ (اعلان دوشبنه) تضمن عددأ من المبادىء العامة تؤكد فيها الامم المتحدة على اهمية العمل بها لتحقيق الهدف الاساسي لانشائها وهو (عالم خالي من الحروب وسيادة الامن والسلام في ربوع المعمورة )، ومن اهم ما جاء في الاعلان( ) :-
– الادراك في إن التنمية التعاونية وإدارة الموارد المائية العابرة للحدود على مستوى حوض النهر امر ضروري لنمو القاعدة العريضة الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة والبشرية الشاملة ، للقضاء على الفقر والجوع والحفاظ على الصحة ، وتوفير الأمن الغذائي وامن الطاقة والحماية البيئية والوقاية من الكوارث والتكيف مع التغير المناخي ، وبصورة أهم الحفاظ على السلام والاستقرار والتأكيد من جديد على إن المياه محرك التنمية ووسيلة للثقة والتعاون .
– الاعتراف بأن الحكومات تلعب الدور الرئيس في إدارة المياه خلال ادارة التنافس وتشجيع الحوار الرصين على المستوى المحلي والوطني والإقليمي لتشجيع وتطوير التعاون وإدارة المياه عبر الحدود والقطاعات لصالح كل أصحاب المصالح بما يتفق مع قواعد القانون الدولي .
– تشجيع الحكومات والمجتمعات التي تتشارك بموارد المياه السطحية والجوفية للأخذ بنتائج نقاش اللجنة العليا والجلسات الفنية بما في ذلك الخطوات المحددة لإدارة الموارد تعاونياً مثل الترتيبات المؤسسية و التقييم والتخطيط والمراقبة والية تبادل المعلومات والإطار القانوني ، ومنظمات أحواض الأنهر ، والوساطة وحل النزاعات اضافة الى خلق حوافز التعاون بما في ذلك الحوافز المالية كالاستثمارات ، ومشاركة التكاليف والإرباح ، وبناء القدرات مثل تعزيز الفهم العلمي لدورة المياه من خلال التعاون.
– تسليط الضوء على أهمية تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وغيرها من الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا وخاصة العقد الدولي ” الماء من اجل الحياة “2005-2015 وندعو إلى تسريع وتركيز التعاون والجهود للتنمية في المناطق والبلدان التي تواجه تحديات في سبيل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية .
– الاشارة إلى المناقشات والتوصيات لمواضيع الاستشارة العالمية حول المياه بعد 2015 في جدول إعمال التنمية والتعرف على أهمية الاستخدامات المتعددة للموارد المائية للوجود الإنساني والتنمية المستدامة الاجتماعية الاقتصادية وزيادة المرونة والقدرة على مواجهة التغيرات المناخية المتقلبة.
– ادراك أهمية الحصول المستمر لامدادات المياه ذات النوعية المقبولة وخدمات الصرف الصحي اللازمة لاستدامة سبل العيش لجميع البشر.
– ملاحظة ان الالتزامات التي طرحت في المؤتمر هي التزامات طوعية لتعزيز التعاون في مجال المياه ، وتشجيع أصحاب المصالح وعلى جميع المستويات من اجل النظر في اتخاذ خطوات إضافية لضمان الاستفادة من المياه بشكل كامل من قبل الجميع وبطريقة منصفة وتعاونية ومستدامة ، وتشجيع منظمي المؤتمر لتصنيف النتائج المتمخضة عن اللجان والجلسات وجعلها في متناول الجميع .
ان ما طرح من توصيات خلال اعلان دوشنبه يأتي مكملاً لما طرح سابقاً في عدد من المؤتمرات والمنتديات العالمية واهمها ما طرح في البيان الوزاري للمنتدى العالمي السادس للمياه الذي عقد في مرسيليا – فرنسا اذار 2012 والذي مثل نقطة تحول في عقد المنتديات من خلال شعار( الوقت للحلول ) الذي اختير كشعار للمنتدى حيث تم من خلاله التركيز على الابداع والابتكار في ايجاد الحلول لمشاكل المياه وقرع جرس الانذار والتحدي بأن ازمة المياه في العالم لا تحل الا بالحلول المبتكرة وان الأوان قد حان للتخلي عن الاساليب التي اعتمدت سابقاً في مناقشة قضايا المياه في المنتديات السابقة والتي كانت من خلالها يتم التركيز على المواقف والاجندات التي تحملها الدول معها الى هكذا محافل دولية الامر الذي يؤدي بشكل وباخر الى عدم تفعيل المقررات التي تصدر عنها ، حيث اكد الاعلان الوزاري للمنتدى السادس على اهمية توحيد الجهود لايجاد الحلول لحل مشكلة المياه واهمها التعاون كأحد الحلول المبتكرة والمقترحة لحل مشاكل المياه المختلفة حيث اكد الاعلان الوزاري الصادر عن المنتدى عدداَ من المحاور الرئيسية ضمت بين جنباتها تفاصيل كثيرة وخطط عمل للوصول الى تحقيق اهداف المنتدى :
– تأمين الرخاء للجميع : تسريع عملية الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي لجميع سكان الارض.
– المساهمة في التنمية الاقتصادية : المياه والاقتصاد الاخضر والامن الغذائي وامن الطاقة .
– الحفاظ على كوكب الارض ازرقاً : المياه في اتفاقيات ريو للمناخ. ( )
– شروط النجاح : الحوكمة والتعاون والتمويل .
كما ان التقارير الدولية سبق وان سلطت الضوء على اهمية التعاون بين الدول حول المياه وخاصة فيما يتعلق بالمياه المشتركة من خلال التركيز على العائدات والفوائد التي نجمت عن التعاون بين عدد من الدول “ويمكن أن تؤدي نُهج التعاون في إدارة المياه العابرة للحدود إلى تحقيق مكاسب حقيقية لصالح التنمية البشرية ، حيث يمكنها أن تعمل على دعم أمن المياه للفئات الضعيفة القاطنة على جانبي الحدود، مما يعزِّز نوعية المياه التي تتدفق فيما بين البلدان فضلاً عن تعزيز كميتها ودقة التنبؤ بها، وعلاوةً على ذلك فإن المشاركة في المياه لا تشبه لعبة المجموع الصفري ، إذ أن مكسب إحدى البلدان لا يستلزم خسارة موازية من بلد آخر ، ومن ثم فإن الترابط التعاوني في مجال المياه يمكن أن يعمل على توسيع نطاق الفوائد الاقتصادية لتشمل جميع الأطراف، مثلما هو الحال مع الترابط في مجال التجارة، وينسحب هذا الأمر على العديد من الميادين الأخرى، وليس فقط في الميدان الاقتصادي حيث يمكن أن تحقق التجارة في الطاقة الكهرمائية أو الخدمات البيئية مبدأ المكسب لجميع الأطراف، بل وينطبق كذلك في السياسات الكبرى سواء السياسية منها أو الاجتماعية أو البيئية”( ).
هذا بالاضافة الى التنبيه بأن مشاكل المياه الاساسية تكمن في تناقص كميات المياه مقابل الزيادة في عدد سكان العالم وزيادة الاستخدامات وتعدد اوجهها اذ لن تلبي المياه العذبة المتوفرة كامل الطلب عليها في غياب إدارة أكثر فعالية للموارد المائية ، كما أن مشاكل المياه سوف تحدّ من قدرة بلدان رئيسية في إنتاج الأغذية وتوليد الطاقة مما يطرح خطرًا على أسواق الأغذية العالمية ويعيق النمو الاقتصادي، وعلى الرغم من عدم احتمال اندلاع حروب حول المياه في غضون السنوات العشر القادمة، غير أنه من المرجح أن التحديات التي تطرحها المياه واهمها نقص المياه وسوء نوعيتها والفيضانات وعدم التوصل الى اتفاقيات تضمن التقاسم العادل والمنصف للمياه المشتركة ستزيد من مخاطر عدم الاستقرار وفشل الدول، وبالتالي إلى تفاقم التوترات الإقليمية .( )
ان اهمية هذه المؤتمرات والمنتديات والتقارير يتأتى من خلال دورها في التعريف بمشاكل نقص المياه والتوعية بأخطار هذه الظاهرة ومحاولة وضع اسس فعالة وحديثة لمواجهة هذه الظاهرة و تفعيل التعاون الدولي والثنائي ما بين الدول للحد من نقص المياه و التنافس عليها وتغليب لغة الحوار والتعاون في حل المشكلات الناجمة عن نقص المياه الراهنة والمستقبلية، هذا الحوار والتعاون الذي يأخذ اشكال عديدة اهمها :-
– الاتفاقيات والمعاهدات حول تقاسم مياه الانهار المشتركة لتنظيم استخدامات مياه الانهار للري والطاقة الكهرمائية والملاحة والصيد ( ثنائية ، متعددة الاطراف ، سواء دولية او اقليمية ) حيث يوجد عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الاطراف الناجحة في ادارة الموارد المائية ( اتفاقية نهر الاندوس عام 1960 بين الهند والباكستان ، اتفاقية تقاسم مياه نهر الغانغا / الكنج بين الهند وبنغلاديش لعام 1994 ، واتفاقية ادارة نهر السنغال بين دول حوض النهر غينيا و مالي والسنغال و موريتانيا ، اضافة الى اهمية الترتيبات الدولية واهمها اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاستخدامات غير الملاحية لعام 1997 والتي لم تدخل حيز النفاذ لحد الان والاتفاقية الاهم وهي اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية – هلسنكي لعام 1992 حيث كانت اتفاقية اقليمية وبعد النجاح الذي صادفته عند تطبيقها في منطقة اللجنة الاقتصادية لاوربا تم تعديلها بحيث يفتح باب الانضمام لجميع دول العالم عام 2013 .
– الاتفاق على ان تكون المياه المحور الاساس في منظومات التكامل الاقتصادي بين الدول التي تشترك في مصدر مائي واحد ، ورغم ان الفكرة طموحة الان انها ربما تعتبر الحل المناسب لحل الخلافات حول هذه المياه وربما اكثر منطقة مرشحة لهذا الشكل من التعاون هي منطقة اسيا الوسطى ولذلك بسبب ما ذكرنا في اعلاه من تباين في حاجات واستخدامات المياه بين دول المنطقة ، والحاجة اليها في ان تكون محور التعاون والتكامل الاقتصادي فيما يتعلق بتبادل السلع والخدمات بين دول المنطقة.
– تطوير آليات التعاون الفني والتقني حول عدد من القضايا والقطاعات التي ترتبط بالمياه واهمها التكيف مع التغيرات المناخية على قطاع المياه والحماية من التلوث و مكافحة التصحر وحماية الاراضي الرطبة والمحميات الطبيعية ، وانشاء آليات للانذار المبكر والتنبؤ بالكوارث كالفيضانات والجفاف.
المصادر :
1. اعلان دوشنبه الصادر عن المؤتمر عالي المستوى للتعاون حول المياه ، دوشنبه – طاجيكستان 20-22/8/2013.
2. وثائق الامم المتحدة ، قرار الجمعية العامة رقم 65/154.
3. البيان الوزاري الصادر عن المنتدى العالمي السادس للمياه ، مرسيليا – فرنسا ،12-17/3/2013 .
4. كارينا فايزولينا،طاجيكستان: قوة مؤثرة أم متأثرة بلعبة النفوذ الإقليمية؟، موقع مركز الجزيرة للدراسات على شبكة المعلومات العالمية ، تاريخ الزيارة 27/8/2013.
5. تقرير التنمية البشرية لعام 2006.
6. شبكة المعلومات العالمية الانترنت:رابط الموقع http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/03/20130311143928.html#axzz2eDEhqwtd.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً