التعريف بالعقد الإلكتروني و خصائصه
إن تطور الحياة في شتى مناحيها طبع معاملات الناس فيما بينهم وبين بعضهم بهذا الطابع من السرعة والتعامل عبر الوسائط الإلكترونية، فبعد أن كانت العقود تتم بالطريقة التقليدية؛ بجلوس المتعاقدين في مجلس واحد وتبادل الألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول قولاً أو كتابةً، أصبح الناس يتعاملون بالتعاقد دون انتقال أحدهما إلى الآخر، بل عبر الوسائط الإلكترونية أو الهاتف أو الإنترنت أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة، مما أثار إشكالية مدى حجية هذا التعاقد؟ وهل يؤخذ به كالعقد التقليدي فيكون حجة أم لا؟
ولبحث هذه النقطة لابد من الرجوع إلى الكتب الأصيلة في الفقه الإسلامي؛ حتى وإن كانت قد خلت عن بحث هذه المسألة بذاتها؛ إلا أنها لم تخْلُ عن الدلائل التي يمكن أن تقودنا إلى جواب شافٍ لما يثار حولها من إشكاليات، وكذلك الاسترشاد بكتب القواعد والأصول للاهتداء بالقواعد العامة والتي يمكن أن تقودنا إلى حل يرضي، وفي إطار البحث لا يمكن إغفال دور مجمع الفقه الإسلامي في بحث مستجدات العصر بطريقة فقهية تناسب الزمان والوقت الذي نحن فيه، وكذلك الاهتداء بما كتبه فقهاء القانون في هذه المسألة المهمة لتسهيل سبل التجارة الحديثة التي تستدعي سرعة التعامل والإنجاز.
وتبدو أهمية الموضوع جد كبيرة للتطور المذهل في الوسائل التي يتم بها التعاقد بين الناس والتي لم تكن معروفة من قبل؛ مما يستوجب إيجاد الحكم الشرعي للمعاملة والحكم عليها حتى يطمئن الناس إلى تمييز جانب الحلال وتحري الدقة فيه والأخذ به، أو معرفة الحرام واجتنابه.
تعريف العقد الإلكتروني وخصائصه
أولاً – تعريف العقد الإلكتروني:
العقد الإلكتروني: العقد الإلكتروني عرف بتعريفات عدة، ومن هذه التعريفات أنه «عقد متعلق بالسلع والخدمات يتم بين مورد ومستهلك من خلال الإطار التنظيمي الخاص بالبيع عن بعد أو تقديم الخدمات التي ينظمها المورد والذي يتم باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل الاتصال الإلكترونية حتى إتمام العقد»(1).
وعُرِّف أيضاً بأنه «الاتفاق الذي يتم إبرامه بوسائل إلكترونية كلياً أو جزئياً»(2)، وقد عرفته المادة الأولى من قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الإماراتي رقم 1 لسنة 2006م بأنه «أي تعامل أو عقد أو اتفاقية يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة المراسلات الإلكترونية»(3)، وتم تعريفه أيضاً بأنه «ارتباط إيجاب وقبول على درجة يظهر أثره في المعقود عليه دون حضور مادي لطرفيه وذلك باستخدام وسائل إلكترونية للاتصال عن بعد كلياً أو جزئياً»(4).
العقد الإلكتروني سهل إبرام التعاملات التجارية وإبرام الصفقات رغم تباعد الأماكن
وبالنظر إلى التعريفات السابقة نجد أنها اتفقت على وجود وسيلة إلكترونية أو أكثر تم من خلالها الاتفاق أو التعاقد، لكن التعريف الأول قصر العقد الإلكتروني على ما يتعلق بالسلع والخدمات التي تتم بين مورد ومستهلك، فلا يدخل فيها بيع العقارات مثلاً، فهو من هذه الناحية غير جامع لأفراد المعرف، كما عرف العقد بأنه عقد، وهذا دور إذ إنه عرف الشيء بنفسه وهذا عيب في التعريف، والتعريف الثالث جعل التعريف متسعاً بحيث شمل أي تعامل أو اتفاقية وشأن العقود الإلزام، لكن الاتفاقية لا تعطي هذا المعنى، ومثلها ينطبق على التعريف الثاني أيضاً، والتعريف الرابع كان أكثر تحديداً لما ينطبق عليه العقد وأخذ الوسيلة الإلكترونية فبين ارتباط الإيجاب بالقبول مع وجود أثر للعقد كما بين أن سبب اللجوء للوسيلة الإلكترونية غالباً ما يكون البعد المكاني بين الطرفين لذلك أرى أنه أفضل التعريفات.
ومتطلبات صحة التعاقد في العقد الإلكتروني هي بذاتها الموجودة في العقود الورقية العادية؛ حيث لابد من توفر الرضا بين الطرفين ومحل العقد والسبب، لكن لما كان التعاقد عن بعد أثير حوله العديد من المسائل في مثل هذه التعاقدات؛ ككيفية التحقق من أشخاص المتعاقدين، ونسبة التراضي بالإيجاب والقبول إليهما وكذلك يثير صعوبة في تحديد المكان الذي تم فيه إبرام العقد وكذلك زمان حدوثه، وكذلك الكيفية التي يتم بها التعبير عن الإرادة، فالتعاقد الإلكتروني يشمل كل ما يدخل في عملية التعاقد عن بُعد كالإعلان عن السلع والخدمات والعروض المقدمة في هذا الصدد، وكذلك الوعد بالتعاقد والإيجاب والقبول، وجميع الاتصالات والبيانات والرسائل الإلكترونية، وأوامر الدفع والفواتير الإلكترونية، وكل ما يجري من وسائل تواصل بين منشأة ومنشأة أخرى تجارية، ولا يسري على ما يتم من اتصال داخل المنشأة الواحدة(5).
ثانياً : خصائص العقد الإلكتروني:
يتميز العقد الإلكتروني بعدة خصائص تتمثل في الآتي:
1- سهولة إبرام التعاملات التجارية وإبرام الصفقات رغم تباعد الأماكن، حيث تعتمد على الوسائط المتعددة مثل الفاكس والبريد الإلكتروني وغيرها من الوسائط الإلكترونية مبتعدة عن الوسائط الأخرى مثل الشركات والأشخاص الذين بإمكانهم عرقلة الصفقة(6)، وساعد على وجود الوسيط الإلكتروني وجود شركات متخصصة في إعداد البرامج التي تتفق مع أجهزة الوسائط الإلكترونية في مجالات الدعاية والإعلان والمحاسبة، وخدمات البيع والتسوق وغيرها مما ساعد على التحول من النظام المكتبي الورقي إلى النظام الإلكتروني بأقل التكاليف مع اختصار الوقت(7).
2- العقد الإلكتروني عقد حكمي: حيث يتم التعاقد بين طرفين غائبين عن مجلس العقد أو أحدهما، بل يمكن أن يتم التعاقد – مع اختلاف التوقيت – بين الطرفين كأن يكون أحدهما في الصباح والآخر في بلده المساء(8).
3- عدم وجود المستندات الورقية التي تكون حجة على الكافة – إن كانت في أوراق رسمية – وحجة على طرفيها إن كانت في محررات عرفية، لكن هنا حلت الشرائح الإلكترونية مكانها، وهذا بدوره يدفعنا للبحث عن مدى حجية المستند الإلكتروني من حيث وجود وجهات معتمدة تعطي هذا المستند صفة الرسمية فيكون حجة على الكافة أو يكون قاصراً على طرفي العلاقة كالمحررات العرفية، وكذلك لابد من التثبت من الموقع الإلكتروني هل هو لذات الشخص أم أنه صدر عن آخر لا علاقة له بالتعاقد، فيشبه حينئذ تصرفات الشخص الفضولي(9).
4- الطابع الدولي للعقد الإلكتروني: فقد قربت الوسائط الإلكترونية المسافات واقتصدت في النفقات بالاستغناء عن التنقل بين مختلف البلدان، فلا يتطلب الأمر أكثر من إنشاء موقع إلكتروني للوصول للأسواق في أي مكان بالعالم، بل وبما يتيح التواجد على مدار العام(10).
التعبير عن الإرادة في العقد الإلكتروني
لا يختلف العقد الإلكتروني عن العقود المعتادة التي تنشأ مشافهة أو كتابة؛ حيث يتطلب كل منها صيغة تتضمن تعبير أحد الطرفين بغرض ما يريد إتمام التعاقد عليه وقبول الطرف الآخر بذلك وهو المعروف بالإيجاب والقبول وما يتضمنها من وجود عاقد ووجود محل للعقد، لكن الخلاف بين الفقهاء نشأ على: هل تعد كل هذه أركاناً للعقد أم يقتصر على بعضها فقط؟
اتجه الفقهاء في ذلك إلى اتجاهين أحدهما للحنفية الذين يرون أن الصيغة هي الركن الوحيد للعقد، وعللوا ذلك بأن وجود العاقدين من لوازم العقد، لأن الإيجاب لابد له من موجب والقبول لابد له من قابل، ووجود الإيجاب والقبول يقتضي محلاً يظهر فيه هذا الارتباط(11)، بينما اتجه جمهور الفقهاء إلى أن للعقد أركاناً ثلاثة على سبيل الإجمال وستة على سبيل التفصيل هي: الصيغة المتمثلة في الإيجاب والقبول والعاقدين ومحل العقد(12)، فإذا فقد واحد منها بطل العقد لاختلال أحد هذه الأركان.
رأي الباحث: أرى أن الخلاف بين الحنفية والجمهور خلاف لفظي، حيث عد الحنفية الصيغة ركناً وحيداً وأخرجوا باقي الأركان إلى ما يسمى عندهم بشروط الانعقاد وشروط الصحة والتي يترتب عليها نفس النتيجة عند فقد أي منها عند الجمهور وهو بطلان العقد، لهذا أرى لفظية الخلاف، وقد سار على منهج الجمهور صاحب مرشد الحيران – وهو فقيه حنفي – فنص على أنه «يشترط لتحقق كل عقد توافر ثلاثة أشياء وهي: العاقدان وصيغة العقد ومحل يضاف إليه»(13) وهذا المبحث سنقسمه لمطلبين أحدهما للتعبير عن الإرادة في العقود العادية والثاني للتعبير عن الإرادة في العقود الإلكترونية.
أولاً – التعبير عن الإرادة في العقود العادية:
كما قدمنا الصيغة هي الركن المتفق عليه من الجميع لأنه لا يمكن معرفة الرضا الصادر من كلا العاقدين إلا بها، وتبرز الصيغة إما في شكل ألفاظ أو مكاتبات أو إشارات أو معاطاة على التفصيل الآتي:
(أ) التعبير اللفظي: أقوى وسائل التعبير هو التعبير باللفظ، وهو أقدم شيء عرفه البشر للتعبير عن إرادتهم، ويحمل في طياته الدلالة على الشخص المتكلم والاستيثاق من صلاحيته لإبرام العقود أم لا، والأصل في التعبير ليس اللفظ المحدد المعين بل كل لفظ يدل على الرضا بإبرام العقد أياً كان، فهذا هو المفهوم من لغة الفقهاء، ؤقال المحلى: «فلا يصح البيع بدونهما (الإيجاب والقبول) لأنه منوط بالرضا.. والرضا خفي فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ»(14)، ولم يحدد أي لفظ. كما ذكروا أن العقد بألفاظ الكناية، وهي تحتمل العقد وغيره مع النية، حيث ذكروا أنه عند توفر القرائن على العقد المراد فالظاهر الانعقاد(15)، وذكر العلامة الدردير قوله: «وحاصله أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا عرفاً وإن كان محتملاً لذلك لغةً(16)، وذكر ابن تيمية في ذلك أنه «تنعقد العقود بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، فكل ما عدَّه الناس بيعاً وإجارةً فهو بيع وإجارة وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر لا في شرع ولا في لغة بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس كما تتنوع لغاتهم(17)، فالواضح من كلام الأئمة الفقهاء أن التعبير اللفظي ثمة سفير ومعبر حتى نصل إلى الرضا بين الطرفين على انعقاد العقد أياً كان مادامت قد التقت الإرادتان على ذلك، وأنه يرجع إلى عرف العصر والمصر في ذلك مهما اختلف الزمان والمكان، وهذا فيه من السعة ما يشمل مستجدات كل عصر، خصوصاً مع انتشار العقود الدولية التي تتعدد فيها جنسيات الأفراد المتعاملين بها أو العقود التي تنشئها الحكومات بينها وبين غيرها، وكذلك تغير الوسائل التي يتم بها إبرام العقود في وسائل الاتصال الحديثة.
العقد الإلكتروني عقد حكمي حيث يتم التعاقد بين طرفين غائبين عن مجلس العقد أو أحدهما
(ب) التعبير بالكتابة: التعبير بالكتابة يأتي في المرتبة التالية للتعبير اللفظي؛ فالأول متفق عليه بين الجميع بخلاف الكتابة التي اختلف الفقهاء في حجية التعبير بها إلى اتجاهات ثلاثة:
– الاتجاه الأول: وهو لجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ حيث يرون جواز التعبير بالكتابة في العقود مطلقاً سواء أكان المتعاقدان يجيدان اللفظ أم لا، وسواء أكانا حاضرين أم غائبين(18).
– الاتجاه الثاني: وهو الأصح عند الشافعية ويرى جواز التعبير بالكتابة عند العجز عن اللفظ، فهو وسيلة بدلية لا تصح عند وجود اللفظ(19).
– الاتجاه الثالث: يرى جواز التعبير بالكتابة بين الغائبين فقط دون الحاضرين(20).
وقد استدل كل فريق على ماذهب إليه بالآتي:
دليل أصحاب الاتجاه الأول: استدل الجمهور على صحة التعبير بالكتابة مطلقاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الدعوة تارة بالخطاب وتارة بالكتاب كإرساله الكتب للملوك والأمراء وأمر الدعوة، وتبليغها أشد خطراً من أمر العقود، فإذا جاز في الدعوة جاز في العقود من باب أولى(21).
دليل الاتجاه الثاني: استدل أصحاب الاتجاه الثاني بأن الكتابة لم تشتهر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم في إنشاء العقود، وغياب أحد الطرفين لا يتيح له الكتابة لأنه يمكن أن يوكل عنه من يعقد له باللفظ(22).
دليل أصحاب الاتجاه الثالث: استدلوا بأن الغائب يحتاج للكتابة لانعقاد العقد نظراً لحالة الضرورة لعدم وجوده(23).
رأي الباحث: أرى أن رأي الجمهور هو الأولى بالأخذ به للدليل الذي ساقه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب للملوك والرؤساء بأمر الدعوة الأهم من العقود، ويرد على أصحاب الاتجاه الثاني من الشافعية بأن النووي رجح رأي أصحاب الاتجاه الأول من العمل بالكتابة، كما أن القول الثالث المفرق للضرورة عند الغياب وعدمها لا دليل عليه؛ إذ الدليل قام على خلاف ذلك، وأضيف إلى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد العقود كتابة؛ حيث عقد صلحاً بين المسلمين والمشركين يعرف بصلح الحديبية كتابة، وكان كاتبه علي بن أبي طالب، وكتب كتاباً بينه وبين اليهود في المدينة على التعايش المشترك والدفاع عنها، ويمكن أن نقول – كما قال المالكية – إن العرف حاكم في مثل هذه المسائل، فكلما جد جديد تطور الفقه مع الجديد مادام لم يناقض أصلاً من أصول الشرع، كما حدث في عقد الزواج الذي لا يعتد به أمام المحاكم إلا أن يكون مسجلاً في وثائق رسمية كتابة، بل تطور العرف حينما وجد من يدلس عقوداً للزواج بأسماء آخرين اعتماداً على وثائق مزورة؛ فجدَّ على العرف جديد بوضع صورة العقد لكلا الزوجين ومعها بصمة الإبهام من اليد اليمنى لتلافي أمر التلبيس والتغرير في زمن تغيرت فيه الذمم وتنصل الناس من كلامهم ولا يرون في ذلك بأساً.
ومن هنا أرى أن الكتابة وسيلة معبرة قوية شأنها شأن اللفظ بل أولى، ولهذا قيل: القلم أحد اللسانين والكتابة ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا، وكل كتاب يحرر على الوجه المتعارف عليه بين الناس يكون حجة على كاتبه كالنطق باللسان(24).
(ج) التعبير بالإشارة: الإشارة إما أن تكون من مضطر إليها كالأخرس ومعتقل اللسان فهذه لا خلاف عليها بين الفقهاء(25)، لأنها الوسيلة المقدورة في حقه «ومن الدلائل على اعتبار إشارة الأخرس والاعتداد بها أن الكتاب من الغائب معتبر كالخطاب – مع أنه قادر على الحضور – فأولى منه اعتبار إشارة الأخرس لعجزه وعدم قدرته على الكلام، فكانت إشارته كالبيان من الناطق»(26).
وأما بالنسبة لإشارة الناطق أو الكاتب فقد اختلف فيها الفقهاء؛ حيث يرى الشافعية والحنابلة عدم الاعتداد بها مطلقاً في أي عقد من العقود، سواء أكانت عقود معاملة أو عقود شخصية كالنكاح(27).
والحنفية منعوا الإشارة أيضاً من غير الأخرس كالممنوع من الكلام أو معتقل اللسان إلا عند اليأس من كلامه فأجازوها للضرورة(28)، والمالكية اختاروا التعاقد بالإشارة حتى وإن كان صاحبها ناطقاً(29).
رأي الباحث: أرى – والله أعلم – أن ماذهب إليه المالكية من تحكيم العرف والأخذ بالإشارة والاعتداد بها في العقود ظهر وقته بعد تطور وسائل الاتصال، وبعد أن صار العقد على هذه الوسائل كثير منها بالاختيار أو بوضع علامة تدل على الموافقة أو الرفض، أو في انتشار من لا نفهم لغته في مراكز التسوق في بلاد المسلمين على الحسابات فتنظر المطلوب منك وتقوم بدفعه دون علم بلغة المحاسب ودون أن يعلم هو لغتك، ويستأنس لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم عبَّر عن بعض الأحكام بالإشارة، وفهم أصحابه مقصده، كما قال صلى الله عليه سلم: «الشهر هكذا وهكذا وقبض بإبهامه في الثالثة»(30)، وأشار إلى أحد أصحابه بقضاء نصف الدين(31)، وإذا صلحت الإشارة في تبليغ الأحكام فتصح في العقود من باب أولى.
(د) التعاقد بالمعاطاة: هو التعاقد بالتعاطي دون وجود صيغة لفظية، وقد انتشر التعامل بهذه الطريقة خاصة في مراكز التسوق؛ حيث يوجد الثمن على السلعة فيأخذها من يريدها ويقوم بدفع القيمة المدونة عليها دون لفظ يصدر منه أو من البائع، وقد اختلف الفقهاء في التعاقد بالمعاطاة على اتجاهات ثلاثة.
الاتجاه الأول: يرى جواز البيع بالمعاطاة مطلقاً وهذا هو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة(32).
الاتجاه الثاني: يرى عدم صحة التعاقد بالمعاطاة مطلقاً، وهو ما عليه فقهاء الشافعية(33).
الاتجاه الثالث: وهو لبعض فقهاء الشافعية والكرخي من الحنفية وأبو يعلى من الحنابلة، بجواز المعاطاة في الأشياء قليلة القيمة(34).
الأدلة: استدل أصحاب الاتجاه الأول بأن الأصل في البيع الحِل ولم تأتِ كيفيته فينبغي بيان ذلك عن طريق العرف، والتراضي في العرف سيان إن كان بلفظ أو بفعل، فيجب التسوية بينهما في الحكم.
واستدلوا أيضاً بأن لفظ الإيجاب والقبول غير متعبد به، وقد جُعلا للدلالة على الرضا، فإذا وجد ما يقوم مقامهما ويؤدي نفس المؤدى فينبغي أن يأخذ حكمهما.
واستدلوا أيضاً بأن البيع والشراء أمر لا يستغنى عنه، وقد تم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولم ينقل عنهم ألفاظ بالإيجاب والقبول وإلا لاشتهر بين الناس، وبيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم حكمه لعدم عموم البلوى به، ولكن ذلك لم يحدث، فدل على أن كل ما يؤدي للرضا من قول أو فعل أو غيرهما محل قبول(35) لعدم فساد أمور الناس.
دليل الاتجاه الثاني: استدل فقهاء الشافعية لما ذهبوا إليه فقالوا: إن الرضا مطلب شرعي، وهو خفي في مكنون النفس فدل عليه الإيجاب والقبول بالقول جزماً بخلاف التعاطي الذي يبقى الاحتمال معه قائماً في عدم دلالته على الرضا، بل للخوف من المشتري أو غيره فلا يصلح للتعبير عن الرضا، إضافةً إلى أن إطلاق اسم البيع لا يقع على المعاطاة(36).
العقد الإلكتروني لا يختلف عن العقود المعتادة التي تنشأ مشافهة أو كتابة
دليل الاتجاه الثالث: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن البيع بالمعاطاة صحيح في الأشياء قليلة القيمة، حيث جرى العرف بذلك، وقد حاولوا تقديرها؛ فتارة قدروها بالمثال كرطل خبز وحزمة بقل، وأخرى بالرجوع إلى العرف للحكم عليها هل هي من الأشياء قليلة القيمة أم لا؟ وذكروا أيضاً أن القليل القيمة هو ما لا تقطع فيه اليد في حد السرقة(37).
رأي الباحث: بعد ذكر آراء الفقهاء وأدلتهم أرى أن رأي جمهور الفقهاء هو الأولى بالقبول؛ حيث إن جميع الأدلة التي سيقت كلها عقلية ولا يوجد فيها نص يقطع النزاع، وقد تمسك الجمهور بالأصل العام في التعبير عن الرضا ولم يرد عليه حجر وإلا لشاع بين الناس لأنه مما تعم به البلوى، كما أن الأصل العام في المعاملات الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه، ولم يرد، والعقود تأتي تحت المعاملات، كما أن فقهاء الشافعية اختلفوا؛ فأخذ فريق منهم بالبيع بالمعاطاة في كل مايعده الناس بيعاً(38)، أي أنهم رجعوا للعرف كجمهور الفقهاء، واختار النووي هذا الوجه، كما أن المصلحة في تعاملات الناس اليوم تفترض ذلك، فكثيراً ما يحدث أن تدخل متجراً للشراء فتجد السلعة مدون عليها الثمن؛ فتأخذها ثم تذهب للحساب فتجد من يأخذ الثمن منك لا تجيد لسانه ولا يجيد لغتك، ولكن يظهر المطلوب على الآلة المعدة لذلك دون لفظ من الطرفين فصح التراضي بذلك حرصاً على المصلحة العامة للناس، إلا أن العرف لا يجري على الأمور ذات الشأن كالعقارات فوجب الاحتياط عند ذلك.
ثانياً – التعبير عن الإرادة في العقود الإلكترونية:
يمكن أن يتم التعبير عن الإرادة بالوسائط الإلكترونية كوسائل التخاطب والمشاهدة، أو عن طريق شبكة المواقع أو عن طريق البريد الإلكتروني ونبين كل واحدة منها على التفصيل الآتي:
(أ) التعبير عن الإرادة باستخدام وسائل التخاطب أو المشاهدة:
المقصود بالتخاطب هو النظام الذي يتيح إمكانية التحدث إلى الآخرين شفاهة بصوت مسموع أو كتابة عبر الإنترنت أو شبكات الخدمة المباشرة(39)، حيث يقوم المخاطب بكتابة رسالته لآخر أو مجموعة من الناس، وفي أثناء الجلسة تأتي الردود مباشرة(40)، وهنا يختلف البريد الإلكتروني عن رسائل التخاطب، حيث إن البريد الإلكتروني ليس شرطاً أن يأتي الرد في نفس الجلسة أو اليوم بل حينما يفحص الصندوق يمكن أن يجد الرد بخلاف رسائل التخاطب التي تجد فيها الرد الفوري، ووسائل التخاطب قد تكون فردية من شخصٍ إلى آخر، وقد تكون جماعية بانضمام الشخص إلى غرفة التخاطب مع جمع من الناس مشافهة أو كتابة، وفي كلا الحالين يمكن أن يتم التعاقد على سلعة ما بين المتخاطبين.
حكم التعاقد بوسائل التخاطب والمشاهدة الإلكترونية:
يتضح مما سبق أن الحديث بين طرفين في وقت واحد والإيجاب ينتقل من أي منهما إلى الطرف الآخر ويأتيه الجواب مباشرة، وكما قدمنا سابقاً أنه يجوز التعبير عن الرضا بأي من الوسائل المؤدية إلى ذلك، وغاية ما هنالك في وسائل التخاطب الإلكترونية هو اختصار الوقت وتقريب المسافات، وهذا لا حرج في الانتفاع به فيجوز التعاقد بهذه الوسائل خصوصاً إذا علمنا أن الفقهاء أجازوا التعاقد بالوسائل الكتابية وحدها كالفاكس وبالوسائل السمعية وحدها فجاز الانعقاد من باب أولى من يجمع بين الوسيلتين معاً، وقد يضم لها الوسائل البصرية حسب التقنية المستخدمة.
الموقف القانوني من التعاقد برسائل التخاطب والمشاهدة الإلكترونية:
نص قانون المعاملات الإلكترونية الأردني على أنه «تعتبر رسالة المعلومات وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة المقبولة لإبداء الإيجاب والقبول بقصد إنشاء التزام تعاقدي»(41)، كما نص قانون حكومة دبي رقم 2 لسنة 2002م بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية في المادة 7 منه، والقانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2006م أيضاً في شأن المعاملات والتجارة الإلكترونية في المادة 4:
«1- لا تفقد الرسالة الإلكترونية أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت في شكل إلكتروني.
2- لا تفقد المعلومات التي تشير إليها الرسالة الإلكترونية دون تفصيل أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحاً ضمن النظام الإلكتروني الخاص بمرسلها وتمت الإشارة إلى كيفية الاطلاع عليها»(42).
بل ذهب القانون الاتحادي ومعه قانون حكومة دبي لأبعد من ذلك حين جعلا الرسالة الصادرة عن نظام إلكتروني ولم يتدخل فيها شخص طبيعي نوع من أنواع التعاقدات الصحيحة كما لو كانت صادرة من شخص طبيعي فنصت على أنه «يجوز أن يتم التعاقد بين وسائط إلكترونية مؤتمتة(43) متضمنة نظام معلومات إلكترونية أو أكثر تكون معدة أو مبرمجة مسبقاً للقيام بمثل هذه المهمات، ويتم التعاقد صحيحاً ونافذاً ومنتجاً آثاره القانونية على الرغم من عدم التدخل الشخصي أو المباشر لأي شخص طبيعي إذا كان الأخير يعلم أو من المفترض أن يعلم أن ذلك النظام سيتولى مهمة إبرام العقد أو تنفيذه(44).
(ب) التعبير عن الإرادة عبر شبكة المواقع:
شبكة المواقع هي «الويب» وهي عبارة عن «نظام أو شبكة ضخمة من النصوص الحية والمتشعبة الموضوعة في ملايين المستندات المرتبطة فيما بينها وتستطيع مشاهدة المستند بواسطة برنامج لتصفح الويب، وعن طريق النقر على كلمة أو صورة مرتبطة يقوم برنامج التصفح بعرض مستند آخر، وهكذا يمكنك الاستمرار على هذا النحو إلى ما لا نهاية(45)، وبإمكان أي شخص تصفح الويب والمشاركة فيها لما يملكه من تقنيات فائقة ووسائط متعددة تجعل من استخدام الإنترنت متعة وميسور الاستخدام، ويعتبر من أكثر الطرق التجارية الحديثة الآن لإتاحته للمستخدم الحصول على معلومات كتابية وسمعية وبصرية عن السلعة المعروضة، لذلك تقوم الكثير من الشركات الكبرى والعالمية بعرض صفحات إعلانية بطريقة مفصلة عن منتجاتها ومزاياها والأسعار الخاصة، ولكل شركة عنوان خاص يستخدمه الجمهور ويرتادونه في أي وقت لاستعراض السلعة، وإبداء موافقته على التعاقد عليها؛ فيضع المعلومات الخاصة به؛ كالبريد الإلكتروني والاسم والعنوان، وبملء هذه البيانات مع تحديد السلعة المراد التعاقد عليها يكون ذلك إيجاباً من هذا المتعاقد ينتظر قبولاً من صاحب السلعة حتى ينعقد العقد(46).
حكم التعبير عن الإرادة عبر شبكة المواقع:
عادة ما يتم التعبير عن الإرادة عبر شبكة المواقع عن طريق الكتابة، وهي المعروفة في الفقه الإسلامي بالتعاقد عبر إرسال رسالة، وقد وصلت الرسالة إلى صاحب السلعة فبموافقته عليها يكون القبول قد التقى بالإيجاب ويصبح مجلس العقد هو المجلس الذي يتم فيه القبول، وقد أسلفنا حكم إرسال رسالة للتعاقد، ورجحنا رأي جمهور الفقهاء من جواز التعاقد بإرسال رسالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرسالة تارة بالخطاب وتارة بالكتاب كإرساله للملوك والرؤساء كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام؛ وأمر الدعوة أهم من أمر التعاقد على سلعة فإذا جاز في الأهم جاز فيما هو أدنى منه من باب أولى، وقد لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكتابة في توثيق العهود والشروط؛ كوثيقة المدينة للتعايش في وطن واحد مع اليهود الذين يقطنون فيها، وتوثيقه الصلح بينه وبين أهل مكة في صلح الحديبية، وهي معروفة عند غير المسلمين كما فعل كفار قريش في الصحيفة التي علقوها في الكعبة بعدم البيع والشراء والزواج والتعامل مع بني هاشم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا نفس الصورة، لكن في الصورة الأخيرة لا أتكلم عن الإيجاب والقبول فهو منتف هنا، لكن أتكلم عن صورة الرسالة التي كانت متداولة معلومة آنذاك وإن اختلفت الوسيلة؛ فاختلاف الوسائل لا يؤثر.
الإشارة تكون من مضطر إليها كالأخرس ومعتقل اللسان فهذه لا خلاف عليها بين الفقهاء
(ج) التعبير عن الإرادة عبر البريد الإلكتروني:
تتم الرسالة إلكترونياً بدخول المشترك إلى بريده ثم يقوم بإنشاء رسالة بنقره على أزرار بذاتها، ثم يسجل كتابة عنوان المرسل إليه، أما عنوان المرسل وتاريخ كتابة الرسالة وتوقيتها فيكون مخزناً بصورة تلقائية، ثم يكتب رسالته إلى المرسل إليه أو إليهم، ويمكن أن يلحق بها أحد الملفات المخزنة في نظامه قبل ذلك، ويمكن أن يضمنها صورة أو برنامجاً صوتياً أو مشاهداً، ويصدر أمر الإرسال وتنتقل الرسالة مباشرة إلى نظام الشركة التي يتبعها المرسل إليه، وتنتقل مباشرةً إلى العنوان المحدد، وعند قيام المرسل إليه بفتح بريده تظهر الرسالة وتاريخها والموضوع والملفات الملحقة – إن وجدت -، ويمكن للمرسل إليه تخزين الرسالة في ملف معين أو طباعتها أو إلغائها(47)، والرسالة في شكلها الأولي يمكن أن يرسل الشخص بياناته أو بيانات شخص آخر أو يكتبها باسم مستعار، لكن الوسائل التقنية أوجدت وسائل للتوقيع الإلكتروني لكي لا يتم انتحال أسماء الآخرين بإرسال رسائل لم يقوموا بإرسالها(48).
حكم التعبير عن الإرادة بالبريد الإلكتروني:
من الواضح من خلال ما سبق أن البريد الإلكتروني يبعث برسالة كتابية نصية يتلقاها المرسل إليه أو المرسل إليهم ويقرأها جيداً ثم يقوم بالرد إن وافقت رغبة عنده، غاية ما هنالك أن الوسيلة في الكتابة اختلفت؛ فبدلاً من أن تكون على ورق توجد على أجهزة الكمبيوتر ويمكن قراءتها والاحتفاظ بها، بل يمكن التثبت من نسبتها إلى الموجب بوسائل تمنع الشك في نسبتها إلى صاحبها كالتوقيع الإلكتروني، وبذلك نكون أمام إيجاب وقبول كتابي بكتابة مستبينة، وهي تشبه إلى حد كبير رسائل الفاكس وغيرها بوصول الرسالة في وقت والرد عليها بعد الاطلاع، وانطلاقاً من ذلك يتبين لنا أن جواز التعامل بالرسائل الواردة عبر البريد الإلكتروني إلحاقاً لها برسائل الفاكس التي أجاز الفقهاء التعامل بها، وإذا أجزنا الرسائل الشفهية التي يحملها شخص إلى آخر وأجزنا الرسائل الكتابية التي يحملها البريد أو شخص فإنه من باب أولى يجوز التعامل والتعاقد بالرسائل المرسلة عبر البريد الإلكتروني، لأن المقصد إرسال الرسالة بحروفها دون نقص أو زيادة؛ وقد تم(49).
صور الإيجاب والقبول عبر الإنترنت:
1- الإيجاب عبر الإعلان الموجه للجمهور: كثيراً ما يقوم التجار بعرض السلع الخاصة بهم عن طريق الدعاية والإعلان، وتحمل صيغة الإيجاب وطريقتها ما إذا كان المقصود من هذا الإعلان التعريف بالسلعة تعريفاً تاماً نافياً للجهالة مع وضع الشروط والمواصفات المطلوبة وتمت الموافقة فإن هذا الإيجاب يدل دلالة صريحة في اختيار الالتزام بالتعاقد، وعليه فصدور القبول من أي من الجمهور يجعلنا أمام عقد صحيح مكتمل، ويمكن أن يكون الإعلان للتعريف بالسلعة حتى يراها الناس، لكن هذا التعريف لا يشمل كل بياناتها وأوصافها، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا الإعلان إيجاباً؛ بل هو دعوة للتعرف على السلعة، بل من الممكن أن ينص المعلن على عدم اعتبار الإعلان إيجاباً، بل يكون قبول الطرف الآخر لهذا الإعلان إنما هو بمثابة إيجاب يحتاج قبولاً من المعلن حتى يتم العقد(50).
التخاطب هو النظام الذي يتيح إمكانية التحدث إلى الآخرين شفاهة بصوت مسموع أو كتابة عبر الإنترنت أو شبكات الخدمة المباشرة
2- القبول بالضغط على أيقونة القبول: كثيراً ما يكون القبول معبراً عنه بالضغط على أيقونة القبول عبر الإنترنت، والضغط على الأيقونة ليس من قبيل الكلام أو الكتابة، فهل يعتبر دليلاً على الرضا وينعقد به العقد؟
وفقاً لما رجحناه من اتجاه جمهور الفقهاء بأن العرف حاكم في مثل هذه الأمور، ويؤيده ما ذكره الصاوي في حاشيته بقوله: «وما دل على الرضا أي عرفاً سواء دل عليه لغة أيضاً أو لا، فالأول كبِعْت واشتريت وغيره من الأقوال، والثاني كالإشارة والمعاطاة»(51)، والضغط على الأيقونة من الثاني، وما ذكره ابن قدامة «أن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف»(52)، وإن هذه الطرق مما تعارف عليها الناس اليوم بعد سهولة الاتصال والانتقال والخلطة بين الناس ومع وجود أناس لا تعرف لسانهم ولا يعرفون لغتنا ونضطر للتعامل معهم بيعاً وشراءً فكذلك مع انتشار التجارة الإلكترونية، إلا أنه ينبغي النظر بعين الاعتبار إلى إمكانية وقوع الخطأ بالضغط على الأيقونة دون قصد، وهذا لا يمكن إلحاقه بالصورة السابقة في انعقاد العقد وتأكده بذلك، بل لكي نخرج من شبهة الخطأ أو عدم القصد فإنه يمكن الضغط على أيقونة القبول مرتين حتى يتسنى للطرف الآخر معرفة مدى جدية القابل، أو إرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني أو بتعبئة طلب يتضمن بيانات تفصيلية كاسمه وعنوانه وإجابته عن بعض الأسئلة المطروحة عليه بالقبول أو الرفض، مع التأكيد بالضغط على الأيقونة(53).
3- السكوت دون إبداء قبول أو رفض: إذا قام شخص بتوجيه إيجاب لآخر على بريده الإلكتروني بشأن سلعة ما أو تعاقد ما فالتزم الطرف الآخر الصمت، والأصل في ذلك أنه لا ينسب لساكت قول، فلا يمكن أن يكون ذلك دليلاً على الرضا إلا إذا كانت هناك قرائن تدل على ذلك، ومما ذكره الفقهاء في هذا الشأن القاعدة الفقهية «السكوت في معرض الحاجة بيان»، ومن أمثلته سكوت البكر عند استئمار وليها لها قبل التزويج، وأيضاً سكوتها إذا بلغها النكاح بعدما زوجها، وسكوتها عند بلوغها بكراً عالمة بتزويجه لها فإن سكوتها في كل ذلك كصريح القول(54)، وكذا لو اشترى سلعة من فضولي وقبض المشتري المبيع بحضرة صاحب السلعة يكون رضا(55)، وعليه يمكن القول إنه إذا دلت القرائن بتعامل سابق بين المتعاقدين على ذلك يعتبر السكوت قبولاً، وكذلك اعتياد التاجر إرسال إيجابه إلى المشتري عبر البريد الإلكتروني يعرض عليه بضاعته مع تحديد الثمن وتوضيح الأوصاف وقام بإرسال البضاعة بناءً على الإيجاب السابق ومضى على استلام البضاعة فترة معقولة من الزمن وحدد مدة للرد ولم يفعل المشتري فإن ذلك يعد قبولاً(56).
المراجع
(1) د. عادل علي المقدادي، إبرام العقد الإلكتروني وفقاً لقانون المعاملات الإلكترونية الأردني، دراسة مقارنة ص207 دون دار نشر أو تاريخ.
(2) القاضي حسين بن محمد المهدي، القوة الثبوتية للمعاملات الإلكترونية ص21، بحث منشور بمجلة البحوث القضائية باليمن، العدد السابع يونيو 2007م، والتعريف مأخوذ من المادة 2 من القانون رقم 40 لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع والمعلومات المالية والمصرفية الإلكترونية اليمني، وكذلك المادة 2 من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني.
(3) راجع القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2006م بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية لدولة الإمارات العربية المتحدة الصادر في 30 ذي الحجة 1426هـ (30 يناير 2006م) ص4 المادة رقم 1.
(4) علي محمد أبو العز، التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي ص130 ط. دار النفائس، طـ. أولى 1428هـ /2008م.
(5) د. خالد ممدوح إبراهيم، إبرام العقد الإلكتروني ص73 وما بعدها، دار نشر الثقافة بالأسكندرية، ط. أولى 2007م.
(6) يراجع في ذلك فؤاد العلواني وعيد جمعة موسى، الأحكام العامة في التفاوض والتعاقد عبر الإنترنت – عقود البيع التجارية، ص70 وما بعدها، ط. بيت الحكمة، بغداد 2003م.
(7) علي محمد أبو العز، التجارة الإلكترونية وأحكامها، مرجع سابق ص57.
(8)د. جابر عبدالهادي سالم الشافعي، مجلس العقد في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ص238، ط. دار الجامعة الجديدة بالأسكندرية 2001م.
(9) يراجع في هذا المعنى د. مصطفى أبو مندور موسى، دور العلم بالبيانات عند تكوين العلاقة العقدية، ص29، ط. دار النهضة العربية 2000م، د. محمد حسين منصور، المسئولية التقصيرية الإلكترونية ص19، ط. دار الجامعة الجديدة بالأسكندرية، بدون تاريخ.
(10) يراجع في هذا المعنى: علي محمد أبو العز، مرجع سابق ص58.
(11) راجع في هذا المعنى: علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5/123، ط. دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1986م. الكمال بن الهمام، شرح فتح القدير 6/230، ط. دار الكتب العلمية أولى 2003م.
(12) راجع: أحمد بن محمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك 3/315، طبع على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – دون تاريخ. محمد بن عبدالله الخرشي، شرح الخرشي على متن خليل 5/5، ط. دار صادر بيروت. جلال الدين المحلي، كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين 2/198، دار الكتب العلمية، بيروت، ط. أولى 2010م. محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 2/3، ط. مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة 1958م. منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع 2/1377، ط. عالم الكتب، السعودية 1423هـ/ 2003م.
(13) محمد قدري باشا، مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان، ص50، ط. دار الفرجاني، القاهرة، ط. ثانية 1983م/ 1403هـ.
(14) راجع: جلال الدين المحلي، كنز الراغبين،مرجع سابق 2/198 وما بعدها.
(15) المرجع السابق 2/199.
(16) الدردير، الشرح الصغير، مرجع سابق 3/317.
(17) ابن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى 29/7، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1416هـ/1995م.
(18) بدر الدين العيني، البناية على الهداية 7/16، ط. دار الفكر، بيروت، ط. أولى 1411هـ/ 1990م. ابن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الصغير 3/3، ط. دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي. منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع 2/1378.
(19) أبو إسحاق الشيرازي، المهذب مع المجموع 9/190، ط. مكتبة الإرشاد، جدة، دون تاريخ.
(20) محمد أمين الشهير بابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار 7/26، ط. دار عالم الكتب 2003م.
(21) العيني، البناية، مرجع سابق 7/16، وأما الحديث فهو جزء من حديث هرقل الطويل عن ابن عباس عن أبي سفيان صخر بن حرب. البخاري، الصحيح 1/8، كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 7، ط. دار طوق النجاة، ط. أولى 1422هـ، تحقيق محمد زهير ناصر الناصر، مسلم، صحيح مسلم 3/1393، كتاب: الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، رقم الحديث 1773، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، دون تاريخ. قال ابن حجر: «حديث ابن عباس في بعثه عليه الصلاة والسلام كتابه إلى كسرى بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق» فتح الباري 6/109، ط. دار المعرفة، بيروت 1379هـ.
(22) راجع: محيي الدين النووي، المجموع شرح المهذب 9/190.
(23) راجع: ابن عابدين، حاشية رد المحتار 7/26.
(24) راجع: الأستاذ الدكتور عبدالعزيز عزام، القواعد الفقهية ص192، ط. دار الحديث 2005م.
(25) راجع: ابن نجيم، الأشباه والنظائر ص379، ط. المكتبة العصرية، بيروت، ط. أولى 1998م. الدردير، الشرح الصغير 3/315. جلال الدين المحلي، كنز الراغبين 2/199، ط. دار الكتب العلمية أولى 2010م. ابن قدامة، المغني مع الشرح الكبير 4/11،ط. دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
(26) راجع: د. عبدالعزيز عزام، القواعد الفقهية، مرجع سابق، ص194.
(27) راجع: السيوطي، الأشباه والنظائر ص392، ط. دار الكتب العلمية 1982م.
(28) راجع: ابن نجيم، مرجع سابق، ص379.
(29) الدردير، الشرح الصغير، مرجع سابق 3/315.
(30) البخاري، صحيح البخاري 3/27 كتاب الصوم، باب: إذا رأيتم الهلال، رقم الحديث 1908، ط. دار طوق النجاة. مسلم، صحيح مسلم 3/759 كتاب الصوم، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال رقم 1080، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا – ثم عقد إبهامه في الثالثة – فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين» ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.
(31) البخاري،صحيح البخاري 5/77 كتاب الصلاة، باب: في التقاضي والملازمة في المسجد، والحديث عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه كان له على عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي دَين فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال «ياكعب .. وأشار بيده كأنه يقول النصف فأخذ نصف ما عليه وترك نصفاً»، ط. دار المعرفة بيروت 1379هـ، وأيضاً 1/99، رقم الحديث 457، ط. دار طوق النجاة، مسلم 3/1191 كتاب المساقاة، باب: استحباب الوضع من الدين، رقم الحديث 1558، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ.
(32) راجع: الكمال بن الهمام، شرح فتح القدير 6/234. الحطاب، مواهب الجليل 6/13، الدردير، الشرح الصغير 3/315. ابن قدامة، المغني والشرح الكبير 4/5.
(33) راجع الشربيني الخطيب، مغني المحتاج 2/3.
(34) المرجع السابق 2/4. ابن قدامة 4/5. ابن عابدين، الحاشية 7/ 27.
(35) ابن قدامة 4/5، ابن تيمية، مجموع الفتاوى 15/7، 14، ط. العبيكان، ط. ثانية 1419/1989م.
(36) راجع: النووي، المجموع 9/190. الشربيني، الخطيب، مغني المحتاج 2/3.
(37) المرجع السابق 2/4، ابن قدامة 4/5. ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار7/27، النووي، المجموع 9/102.
(38) جلال الدين المحلي، كنز الراغبين 2/198، ط. دار الكتب العلمية، ط. أولى 2010م.
(39) راجع في هذا المعنى: بيتر كنت، الدليل الكامل إلى الإنترنت، ط. الدار العربية للعلوم أولى 1418/1998م، ترجمة مركز التعريب والترجمة.
(40) راجع: آلان سيمبسون، الإنترنت استعد انطلق، ط. الدار العربية للعلوم أولى 1420هـ/ 1999م، ترجمة مركز التعريب والترجمة
(41) راجع: المادة 13 من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 58 لسنة 2001م، ط. الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، ودار الثقافة للنشر والتوزيع 2003م.
(42) راجع: قانون إمارة دبي الخاص بالمعاملات التجارية والإلكترونية رقم 2 لسنة 2002م المادة رقم 7 فقرة 1،2. وراجع القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2006م في شأن المعاملات التجارية والإلكترونية الصادر في 30 ذي الحجة 1426هـ/ الذي يوافقه 30 يناير 2006م، المادة رقم 4 فقرة 1، 2.
(43) الوسيط الإلكتروني المؤتمت: هو برنامج أو نظام إلكتروني لحاسب آلي يمكن أن يتصرف أو يستجيب لتصرف بشكل مستقل كلياً أو جزئياً دون إشراف أي شخص طبيعي في الوقت الذي يتم التصرف فيه والاستجابة له، والمعاملات الإلكترونية المؤتمتة هي معاملات يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل كلي أو جزئي بواسطة وسائل أو سجلات إلكترونية والتي لا تكون فيها هذه الأعمال أو السجلات خاضعة لأي متابعة أو مراجعة من قبل شخص طبيعي كما في السياق العادي لإنشاء وتنفيذ العقود والمعاملات» راجع: المادة الثانية من قانون إمارة دبي السابق الإشارة إليه.
(44) راجع: المادة 14 من قانون إمارة دبي السابق، والمادة 12 من القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2006م السابق.
(45) راجع: بيتر كنت، الدليل الكامل إلى الإنترنت، مرجع سابق ص10.
(46) راجع: د. علي محمد أبو العز، التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي، ص153 وما بعدها، ط. دار النفائس، الأردن، ط. أولى 2008م، وفي نفس المعنى د. محمد نذير السقا، التسويق عبر شبكة الإنترنت في سوريا، رسالة ماجستير في إدارة الأعمال سنة 2000م بدون دار نشر.
(47) راجع في هذا المعنى: منير وممدوح محمد الجنبيهي، التبادل الإلكتروني للبيانات، ص17، ط. دار الفكر الجامعي بالأسكندرية سنة 2004م، يونس عرب، قانون الكمبيوتر، ص83، ط. منشورات اتحاد المصارف العربية، ط. أولى 2001م.
(48) راجع في نفس المعنى: علي محمد أبو العز، التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي، مرجع سابق ص151. أحمد خالد العجلوني، التعاقد عن طريق الإنترنت ص46، ط. دار الثقافة بالأردن، ط. أولى 2002م.
(49) راجع: د. محمد رواس قلعجي، التعاقد بالوسائل المستحدثة في ضوء الفقه الإسلامي، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي وتم نشره في كتاب «بحوث فقهية من الهند» إعداد: القاضي مجاهد الإسلام القاسمي ص336، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 2003م/ 1424هـ، وأيضاً علي محمد أبو العز، مرجع سابق ص152.
(50) راجع في هذا المعنى: د. علي القرة داغي، حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، بحث منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس 2/940. إبراهيم كافي، حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، بحث منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/980. أسامة أبو الحسن مجاهد، التعاقد عبر الإنترنت ص73، ط. دار الكتب القانونية مصر 2002م.
(51) أحمد الصاوي، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 3/315 مطبوع على نفقة الشيخ زايد بن سلطان – رحمه الله – بدون تاريخ.
(52) ابن قدامة، المغني 4/5.
(53) د. أسامة أبو الحسن مجاهد، التعاقد عبر الإنترنت، مرجع سابق ص84.
(54) راجع: د. عبدالعزيز عزام، القواعد الفقهية، مرجع سابق ص532.
(55) راجع ابن عابدين، الدر المختار على حاشية رد المحتار 6/744، ط. دار الفكر، بيروت، ط. ثانية 1992/ 1412هـ.
(56) راجع: علي محمد أبو العز، التجارة الإلكترونية.مرجع سابق ص166.
اترك تعليقاً