دراسة حول قانون حماية وتحسين البيئة العراقية
توطئة :
مما لاشك فيه أن تلوث البيئة العراقية لا يمثل الخطر الوحيد الذي يهدد البيئة الإنسانية في العراق ، إلا أنه يشكل الخطر الأهم على وجه العموم ، ولاسيما إن العراق عانى من كوارث بيئية عديدة والتي نجمت عن الحروب التي تعرض العراق فضلا عن ان الحصار الاقتصادي والاحتلال أدى إلى حدوث تلوث كبير بالبيئة العراقية ، وهذا ما انعكس على رؤية المشرع العراقي وانطلاقا من وجود هذه الحقيقة التي تمثل واقعاً نعيشه ولا يمكن لأي كان إن يغفله ولاسيما بعد تفاقم المشكلة وزيادة تعقيداتها فالعراق بلد يعاني من كارثة بيئية ، وعليه فان مسألة تحديد فكرة تلوث البيئة تعد ضرورية نظراً لكونها تمثل جوهر المشكلة ونقطة مهمة يتم من خلالها الانطلاق بتحديد مفهوم “العمل الملوث” “Act of pollution” والذي يعتبر مفتاح التشريعات البيئية التي سيتم من خلالها تحديد الأدوات القانونية المناسبة لمكافحة التلوث وترتيب المسؤولية القانونية على محدث الضرر البيئي سواء تمثل بشخص عام أو خاص.
وانطلاقاً مما تم ذكره فقد تم تشريع قانون حماية وتحسين البيئة العراقية المرقم 27 لسنة 2009 من اجل حماية البيئة العراقية وتحسينها والحد من التلوث وتأثيراته الضارة على الصحة والبيئة والموارد الطبيعية وذلك من خلال إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها أو الذي يطرأ عليها كما يسعى هذا القانون نحو الحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي وذلك من خلال التعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال ، من ناحية اخرى تضمن هذا القانون (39) مادة موزعة من خلال عشرة فصول تناولت تلك الفصول مواضيع عدة تتعلق بشؤون البيئة.
أولاً : الفصل الاول من هذا القانون خصص لتحديد الاهداف والتعاريف ، حيث حدد المشرع العراقي الاهداف التي من اجلها تم تشريع هذا القانون والتي حددت بإزالة ومعالجة الضرر الموجود في البيئة أو الذي يطرأ عليها والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال وذلك سيتم من خلال الاتفاقيات والمعاهدات .
كما تناول هذا الفصل التعاريف ذات العلاقة بموضوع البيئة وذلك من خلال عشرين فقرة حيث تم من خلالها تحديد مدلول اهم الالفاظ وذلك لكي يتمكن ذوي العلاقة القانونية من وضعها في أصل مدلولها ولاسيما ان مسألة تحديد أصل الشيء وسيلة فضلى يتم من خلالها إعطاء مساحة أكبر للتعامل مع هذا الشيء وذلك للوصول إلى تحديد طبيعته ومواصفاته ، وهذا ما سيتم توضيحه في السطور الاتية .
لقد عرف المشرع العراقي البيئة بأغلب التشريعات التي عالجت موضوع البيئة فقد وردت ، البيئة بالفقرة (4) من المادة (2) من قانون حماية البيئة العراقية رقم3 لسنة 1997 حيث أشارت إلى أنها: “المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية “.
كما عرفت المادة (1) من قانون وزارة البيئة العراقية رقم (37) لسنة 2008( )، البيئة، حيث نصت على أنها : “المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ” .
والباحث يرى أن هذا التعريف قد استوعب كل ما في البيئة من عناصر ، حتى تكون محلاً للحماية القانونية، وهو بذلك لم يقم بحصر مكونات هذا المحيط ، وذلك لكي ينسجم مع التطورات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم.
فضلاً عن ذلك فإنه اعتبر من ضمن البيئة أيضًا التأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبذلك فقد وسع من نطاق الحماية القانونية لتشمل البيئة الطبيعية والبيئة الصناعية الناجمة عن نشاط الإنسان ، سواء تمثل بالنشاطات (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ، إلا أننا نعتقد أن المشرع كان لابد له من تخصيص (التأثيرات) الناجمة عن نشاط الإنسان، بالتأثيرات السلبية التي تعمل على الإخلال بالتوازن البيئي .
اما الفقرة (5) من المادة (2) من قانون حماية وتحسين البيئة العراقية رقم (27) لسنة 2009 فإنها قد عَرفت البيئة على إنها : ( المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ).
في الواقع ان المشرع العراقي حينما شرع قانون حماية البيئة رقم 27 لسنة 2009 استوعب كل ما في البيئة من عناصر حتى تكون محل للحماية القانونية ، وهو بذلك لم يقم بحصر مكونات هذا المحيط وذلك لكي ينسجم مع التطورات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم ، كما انه اعتبر التأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ضمن مكونات البيئة . وبذلك فقد وسع من نطاق الحماية القانونية لتشمل البيئة الطبيعية والبيئة الصناعية الناجمة عن نشاط الإنسان سواء تمثل بالنشاطات (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ؛ إلا أننا نعتقد أن المشرع كان لابد له من تخصيص (التأثيرات) الناجمة عن نشاط الإنسان ، بالتأثيرات السلبية التي تعمل على الإخلال بالتوازن البيئي .
اما الفقرة (6) من المادة (2) من قانون حماية البيئة العراقية رقم (27) لسنة 2009 فقد تم من خلالها تحديد عناصر البيئة حيث نصت على أنها ( الماء والهواء والتربة والكائنات الحية) .
وهذا ما يقودنا إلى القول : إن البيئة وفق مدلولها العام تتكون من عناصر تندرج ضمن مجموعتين أساسيتين والتي تتمثل بما يلي :
العناصر الطبيعية المادية : والتي تتكون من هبة الله الطبيعية كالماء والهواء والتربة والثروات الطبيعية الأخرى فضلاً عن مختلف المخلوقات الحية الأخرى من إنسان وحيوان ونبات ، وهي في الواقع تتفاعل مع بعضها البعض ضمن دورة متكاملة ومنظمة وموزونة .
العناصر غير الطبيعية (المصنوعة) : والتي ابتكرها الإنسان وسخرها لخدمته وذلك من خلال تغييره للعناصر المادية الطبيعية كالأبنية والجسور والطرق والسدود وغيرها.
عليه نصل بعد هذا الاستعراض السريع لمفهوم البيئة إلى القول : أن هنالك علاقة وثيقة مابين البيئة والحياة ، فالبيئة في حقيقة الأمر لا تعني مجرد العالم الخارجي الذي يحيط بنا ويلتف حولنا فقط أي أنها ليست شيء مفردا ولكنها في حقيقة الأمر أشياء عديدة لانهاية لها-(الأرض ، الهواء ، الماء ، الغذاء ، الحيوان ، النبات…الخ)- بعبارة أخرى البيئة تتمثل بكل شيء يحيط بالإنسان فيؤثر فيه ويتأثر به .
اما التلوث مدار التجريم فقد عرفُ من خلال اغلب التشريعات البيئية – على سبيل المثال ذهب المشرع العراقي من خلال الفقرة (6) من المادة (2) قانون حماية البيئة العراقية رقم (3) لسنة 1997 ، حيث نص على ما يلي” وجود أي من الملوثات المؤثرة في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو البيئة التي توجد فيها ، ” هذا وقد حدد المشرع بالفقرة الخامسة من القانون ذاته ماهية ملوثات البيئة حيث نص على أنها : ” أية مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو ضوضاء أو إشعاعات أو حرارة أو وهج أو أي اهتزازات وما شابهها ، أو عوامل إحيائية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى تلوث البيئة ” .
اما قانون البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 فقد عالج التلوث وذلك من خلال الفقرة ( 8 ) من المادة (2) حيث أشارت إلى أنه : ” وجود أي من الملوثات المؤثرة في البيئة بكمية أو تركيز أو صفة غير طبيعية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالإنسان أو الكائنات الحية الأخرى أو المكونات اللا حياتية التي توجد فيها” .
هذا وقد حدد المشرع بالفقرة الخامسة من نفس القانون ماهية ملوثات البيئة حيث نص على أنها ” أية مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو ضوضاء أو إشعاعات أو حرارة أو وهج أو أي اهتزازات وما شابهها ، أو عوامل إحيائية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى تلوث البيئة ” .
إن مدلول التلوث حسب ما نعتقد يجب ان يتسع ليشمل إدخال الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مادة تؤثر في الخواص الطبيعية للبيئة ، وعليه فالطريقة غير المباشرة تتمثل بوجود عنصر وسيط ما بين الأعمال ذات المصدر الإنساني وحدوث التلوث بواسطة الطبيعة نفسها .
يؤخذ على التعريفات السابقة قصورها على مصادر تلوث ناجمة عن فعل الإنسان في حين يمكن أن يحدث التلوث بفعل عوامل طبيعية لأدخل للإنسان في وقوعها كالفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية والزلازل وغيرها وهو ما يستوجب استظهار إجراءات وتدابير وقائية بدلا من انتظار وقوعها لكي يتم بعد ذلك البحث عن إجراءات وتدابير علاجية فالوقاية في حقيقة الأمر خير من العلاج .
كما وتجدر الإشارة إلى إن التلوث مدار التجريم ينسجم مع معنى حدوث التغيير بالشيء وهذا ما يقودنا إلى القول : إن لهذا المدلول معنيان في اللغة : معنى أول ( مادي ) موضوعي يراد به اختلاط أي شيء غريب عن مكونات المادة بالمادة ، مما يؤثر فيها ويفسدها ويغير من خصائصها كتلوث التربة إشعاعياً أو تلوث المياه حرارياً أو تلوث الهواء بعوادم السيارات او تلوث الاثار ؛ أما المعنى الثاني للتلوث فهو ( معنوي ) ويعني ذلك التغيير الذي ينتاب النفس فيكدرها ، أو الفكر فيفسده ، أو الروح فيضرها وهذا التغيير كما يتضح يكون دائماً إلى ما هو أسوء( ) على سبيل المثال: التلوث الفكري الذي يدعوا إلى نبذ الأخلاق الحميدة والعادات الفاضلة والتحرر الجنسي وغيرها من الإعمال المنافية للقيم والأخلاق ، لذا فإن جميع تلك الصور تُعد أفعال ضارة تستوجب التعويض نظراً لما ينجم عنها من أضرار بيئية بمدلولها الواسع.
من ناحية اخرى كان لابد للمشرع العراقي ان يحدد مفهوم تدهور البيئية ولاسيما ان العراق اليوم يواجه كارثة بيئية على درجة عالية من الخطورة ولا يقتصر في تحديد تدهور التربة فحسب!
ثانياً : اما الفصل الثاني من هذا القانون فقد وضع آلية لتكوين وعمل مجلس لحماية البيئة والذي يكون مرتبط بوزارة البيئة ويرأسه وزير البيئة ويضمن أعضاء ممثلين من جميع دوائر الدولة ، وهنا لابد ان نفرض على دوائر الدولة ترشيح اعضاء ذا خبرة عالية ومستوى علمي رفيع بمجال البيئة ولذلك لكي يتسنى لهؤلاء الاشراف ومتابعة الية حماية البيئة وفقا للدوائر التابعين لها ولاسيما ان هذا المجلس تم تحديد العديد من المناط الموكلة اليه وفقا للقانون .
ثالثاً : الفصل الثالث من هذا القانون فقد تناول نظام تشكيل دائرة حماية وتحسين البيئة في المحافظات ، وعليه فإننا نرى ضرورة ان تكون هذه الدائرة عبارة عن بنك كامل للمعلومات البيئية على مستوى المحافظة .
رابعاً : اما الفصل الرابع فقد كان لابد من وقفة لإعادة الانضباط في التعامل مع مكونات البيئة الطبيعية لذلك فقد ارتأى المشرع ان يضفي عليه عنوان احكام حماية البيئة وقد تم تقسيمه الى سبعة فروع ، الفرع الاول تضمن احكام عامة تتعلق بحماية البيئة ومكافحة التلوث والاستهلاك الرشيد للموارد الطبيعية كما تطرق الى قضية التنمية المستدامة وذلك في خطط المشروعات التنموية في المجتمع العراقي ، كماعالج هذا الفرع في المادة (10) منه موضوع التزام الجهات التي ينتج عن نشاطها تلوث بيئي حيث نص على جملة الالتزامات قانونية يتوجب عدم الاخلال بها والا تعرض المخالف الى المسألة القانونية ، هذا ولا يفوتنا ان ننوه : الى ان المشرع قد منح الضبطية الادارية لوزارة البيئة وذلك من خلال قيامها بمنع الجهات ذات النشاطات المؤثرة على البيئة من ممارسة عملها دون استحصال موافقة الوزارة .
وسعيا من المشرع العراقي في نشر التوعية البيئية داخل المجتمع فقد نص في المادة (13) من هذا الفرع على ضرورة تفعيل دور المؤسسات التربوية ولاسيما ان تلك المؤسسات لها دور كبير ومؤثر في المجتمع ، ولكن يبقى السؤال الذي يبحث عن الاجابة : هل يا ترى تم تفعيل هذه المادة في تلك المؤسسات ؟
في الحقيقة تفتقر مؤسساتنا التعليمية الى ابسط ابجديات التربية البيئية فضلاً عن ان هذا الموضوع لم يحظِ بأهمية من قبل تلك الجهات فهنالك ضعف بالوعي الجماهيري بمدى خطورة مشكلة تلوث مكونات البيئة الطبيعية وانعكاسها على الصحة العامة.
اما الفرع الثاني من هذا الفصل فقد تناول موضوع حماية المياه من التلوث وذلك من خلال المادة (14 ) حيث ما يلاحظ على هذه المادة أنها قد أوردت جملة من الافعال الضارة بالبيئة المائية يتوجب عدم القيام بها وقد تم ادراجها في سبعة فقرات ، وعليه فإن أي اخلال لما ورد في تلك الفقرات يمثل خطأ قانوني موجب للمسألة القانونية .
وبنفس نهج الفرع الاول عالج المشرع العراقي موضوع حماية بعض عناصر البيئة ، فالفرع الثاني عالج موضوع حماية الهواء من التلوث والحد من الضوضاء مع التحفظ على خصوصية هذا العنصر وقد تم ذلك من خلال المادتين (16،15) . اما الفرع الرابع فقد خصص لموضوع حماية الارض من التلوث واستنزاف الموارد وذلك وفق ما جاء في المادة (17) ، اما الفرع الخامس فقد عالج موضوع حماية التنوع الاحيائي وذلك في المادة (18) ؛ اما الفرع السادس والذي خصص لإدارة المواد والنفايات الخطرة وذلك في المادة (19) حيث تنظم الوزارة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة سجلا وطنيا بالمواد الكيمياوية الخطرة المتداولة في جمهورية العراق وآخر للنفايات الخطرة ، وذلك لكي تتمكن الدولة من السيطرة على تلك المواد ، اما المادة (20) في هذا الفصل فقد منعت القيام بجملة من الافعال والا سيرتب القانون عندئذ جزاءات قانونية على كل من يخالف هذه الالتزامات والتي تم النص عليها في هذا القانون .
اما الفرع السابع فقد عالج موضوع في غاية الاهمية للبيئة العراقية والدخل القومي و المتمثلة بحماية البيئة من التلوث الناجم عن استكشاف واستخراج الثروة النفطية والغاز الطبيعي .
من المسلم به ان العراق بلد غني بالثروات الطبيعية النابضة مثل النفط والغاز الطبيعي ، الا ان المشرع لم يوفق في حماية تلك الثروات فبالرغم من اهميتها للدخل القومي العراقي الا ان المشرع افرد لها مادة واحدة والمتمثلة بالمادة (21) من هذا القانون ، وكذلك الحال في قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام ذي الرقم (64) لسنة 2008 فإنه جاء قاصرا عن حماية البيئة العراقية من التلوث الناجم عن استكشاف واستخراج الثروة النفطية والغاز الطبيعي فالمادة (15) منه نصت على ما يلي :” تلتزم الشركة المستثمرة بمراعاة القوانين والضوابط البيئية والسلامة الصناعية “( ).
ولو عدنا الى الضوابط البيئية النافذة في العراق لوجدنا انها تقف عاجزة امام صور التلوث البيئي الناجم عن استخراج واستكشاف النفط ، فهنالك غياب تام في الخطط الاستراتيجية -( تخطيط مستقبلي ) – فيما يتعلق بهذه القضية وقضايا الموارد الطبيعية وسبل حمايتها من حيث استنزافها وتلويثها وسبل الحد من ذلك .
وهذا ما يقودنا الى القول : ان المقياس الحقيقي للتقدم لا يتمثل في وفرة الموارد المتاحة بل يتمثل في مدى امكانية تحقيق افضل استخدام لها بما يخدم الاهداف القومية .
خامساً : اما الفصل الخامس فقد عالج موضوع في غاية الاهمية والمتمثل بـ( الرقابة البيئية ) وفي الحقيقة تعُد هذه الجزئية في غاية الاهمية فيما لو تم وضعها موضع التطبيق العملي الصحيح السليم ، وذلك من خلال توفير الامكانيات المادية الضرورية للكشف عن التلوث وكذلك توفير الكوادر المتمتعة بالخبرة والدراية والسلطة وذلك من اجل متابعة المشاكل البيئية حيث ستؤدي
الى نتائج ايجابية في الحد والسيطرة على التلوث البيئي.
الا ان الحقيقة التي يتوجب الاشارة اليها تتمثل : ان هنالك ضعف بالرقابة والمتابعة ويعزى هذا القصور الى الجهات المعنية بحماية البيئة العراقية فهذا الملف الهام ذي التأثير الشديد على الامن القومي العراقي لم يحظ بعد بالأهمية .
سادساً : اما الفصل السادس من هذا القانون فقد تم من خلاله استحداث صندوق خاص لحماية البيئة من التلوث ، وفي الواقع يتم انشأ هذه الصناديق إجباريا في بعض الدول واختياريا في دول اخرى ، فضلاً عن ان هذا الصندوق يمتلك شخصية معنوية فله أن يقاضي كما يمكن أن ترفع عليه الدعاوى من قبل المتضررين من جراء التلوث البيئي وهذا ما نصت عليه المادة (26) من هذا القانون ، اما تمويل هذا الصندوق فقد تم تحديده من قبل المشرع العراقي وذلك من خلال المادة (28) من هذا القانون .
كما وتجدر الاشارة الى ان دور هذه الصناديق يختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب النظام السياسي الموجود ففي بعض الدول يقتصر دور الصندوق على تعويض المضرورين ، وقد يقتصر على تغطية مسئولية الملوثين أو قد يجمع أحيانا بين الدوريين، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يكون للمضرور الحق بالخيار ، أما بالرجوع على محدث الضرر البيئي بالتعويض أو يتجه إلى الصندوق لتحصيل التعويض عن الضرر الذي تعرض له ، ويكون بذلك حق للصندوق بالرجوع على المتسببين بالتلوث ، أما في اليابان فإن وظيفة الصندوق تقتصر على تغطية المسئولية ، وبذلك تكون المشروعات الصناعية معفية من المسئولية قبل المضرور ( ) ، اما المشرع العراقي فقد حدد المجالات التي يتم الانفاق من الصندوق وهذا مانصت عليه المادة (29) من هذا القانون . ثم عادت المادة (30) لتحدد ان أوجه الصرف من الصندوق تتم بموجب تعليمات يصدرها الوزير بالتنسيق مع وزير المالية .
وهذا ما يقودنا الى القول : ان الوزير يتوجب عليه الاخذ بعين الاعتبار إن لصناديق التعويضات مميزات خاصة بها تتمثل بكونها تجنب المضرور بطيء التقاضي ، أو الدفع بكون الضرر البيئي غير قابل للتأمين بسبب عدم توفر الشروط الواجبة للتأمين ضد أخطار التلوث ، ولهذا فإن صناديق حماية البيئة تُعد الوسيلة الفضلى فهي في جوهرها يراد منها تكوين رصيد مالي احتياطي أو تكميلي لتعويض المتضررين من جراء تلوث البيئة كما أن أهم ميزة نجدها بكونها تعوض المضرور تعويضاً كاملاً( ).
سابعاً : الفصل السابع من هذا القانون فقد تم تخصيصه لموضوع المكافأت وذلك من خلال المادة (31) ، حيث هنالك رغبة من قبل الدولة بمنح الأشخاص الطبيعية والمعنوية من الذين يقومون بأعمال أو مشروعات من شأنها حماية البيئة وتحسينها مكافآت يحدد مقدارها وكيفية صرفها بتعليمات خاصة لذلك .
ثامناً : الفصل الثامن من هذا القانون فقد اقتصر على تعويض الاضرار البيئية حيث نصت المادة (32) من قانون حماية البيئة العراقية على ما يلي (أولاً : يُعد مسؤولاً كل من سبب بفعله الشخصي أو إهماله أو تقصيره أو بفعل من هم تحت رعايته أو رقابته أو سيطرته من الأشخاص أو الأتباع أو مخالفته القوانين والأنظمة والتعليمات ضررا بالبيئة ويلزم بالتعويض وإزالة الضرر خلال مدة مناسبة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حدوث الضرر وذلك بوسائله الخاصة وضمن المدة المحددة من الوزارة وبالشروط الموضوعة منها .
ثانياً : في حالة إهماله أو تقصيره أو امتناعه عن القيام بما هو منصوص عليه في البند (أولاً) من هذه المادة فللوزارة بعد إخطاره اتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بإزالة الضرر والعودة على المسبب بجميع ). اتخذ المشرع من فكرة الخطأ المفترض الاساس لتعويض الاضرار البيئية وعليه سنحاول اعطاء فكرة موجزة عن هذه النظرية .
الجدير بالذكر ان الفكر القانوني تحول من نظام المسؤولية الشخصية القائمة على الخطأ الواجب الاثبات ، الى فكرة الخطأ المفترض من القانون فرضاً (قابلاً لإثبات العكس) أو لا يقبل اثبات العكس ، وبعبارة اخرى أن الخطأ يفترض وجوده بنص القانون في جانب المسؤول واعفاء المضرور بهذه الحالة من عبء اثبات الخطأ ، أن هذه المسألة سوف تفيد المضرور حيث تمنحه نوعاً من الضمان لحصوله على التعويض المناسب لجبر الضرر الذي وقع عليه من جراء تلوث البيئة دون حاجة الى قيامه بإثبات أي خطأ ( ).
وقد عرفت التشريعات الحديثة هذا النوع من المسؤولية ، ومن خلال تتبع فكرة المسؤولية القائمة على افتراض الخطأ فأننا نجد أن أعمال هذا النوع من المسؤولية في القانون المدني العراقي في
حالتين :
اولاً: المسؤولية عن عمل الغير وتكون هذه المسؤولية في حالتين هما :
1. مسؤولية من تجب عليه الرقابة عمن هم في رقابته .
2. مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه ( ) .
ثانياً : المسؤولية عن الأشياء
جاء في المادة 231 مدني عراقي ” كل من كان تحت تصرفه آلات ميكانيكية أو أشياء أخرى تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها يكون مسؤولاً عما تحدثه من ضرر ما لم يثبت أنه أتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع الضرر . هذا مع عدم الاخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة” .
من خلال ما تقدم يتضح لنا أن موقف القانون المدني العراقي قد اخذ في نص المادة (231) المذكورة آنفاً بالقرينة البسيطة التي تفترض خطأ حارس المواد الملوثة وهذا ما يعطيه الحق بإقامة الدليل على عكسها . أي ان التزام الحارس بموجب القانون المدني التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية ( ) .
بما ان المشرع العراقي اعتبر ان مسؤولية محدث الضرر البيئي تُعد مسؤولية مفترضة تقوم على اساس الخطأ المفترض لذا لابد لنا من تعريف الخطأ الموجب للمسئولية القانونية الناجمة عن تلوث البيئة .
في الواقع يثير هذا الفرض صعوبات , ولاسيما من حيث التطبيق, ويعزى السبب من وراء ذلك إلى عدم وضع تعريف تشريعي محدد له ، ومن ناحية أخرى هنالك مسألة تزيد الأمر صعوبة أكثر, حيث إن الفقه والقضاء بشكل عام لم يستقر بعد ، بشأن ما إذا كان وصف الفعل الموجب للمسئولية من عدمه ، من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع ، أم إنها من المسائل القانونية التي تخضع فيها لرقابة محكمة التميّز.
وعليه لو عدنا الى المادة المذكورة انفاً والتي نصت ( كل من كان تحت تصرفه 000 ما لم يثبت انه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع هذا الضرر 000 ) مما يعني ان هنالك حارس للمواد الملوثة سواء تمثل بشخص طبيعي او معنوي حيث يستطيع هذا الشخص دفع المسؤولية عن الاضرار الناجمة عن المواد التي تحت تصرفه اذا اثبت انه اتخذ كل التدابير الوقائية اللازمة لمنع وقوع الضرر وهو بذلك ينفي قرينه الخطأ ، واما ان يثبت ان الضرر قد نجم عن قوة قاهرة او حادث فجائي او خطأ المضرور نفسه أي بمعنى ان يقيم الدليل على وجود السبب الاجنبي ( ) .
من ناحية اخرى ان الاضرار البيئية تعد اضرار ذي طبيعة خاصة لذا فإننا نجد ان المشرع العراقي كان من الافضل عدم التقيد بالمسؤولية المفترضة فحسب بل من الممكن الاخذ ايضاً بنظرية تحمل التبعة والتي تؤسس المسؤولية على اساس عنصر الضرر وهذا ما يتوافق مع التقدم العلمي الذي يشهده العالم .
تاسعاً : تناول الفصل التاسع من هذا التشريع السياسة العقابية أي نظام الجزاءات وسبل تنفيذها وذلك لمنع والحد من الافعال الضارة بمكونات البيئة ، ولذلك فقد منح هذا الفصل عنوان احكام عقابية والتي عالجت هذا الموضوع من خلال المواد (35،34،33) منه حيث تدرج هذا الفصل بالإحكام العقابية من حيث التدابير الادارية والجنائية والمدنية وذلك على النحو الاتي :
– فالمادة (33) من هذا القانون خصصت بــــــــــ:
1. منح الوزير أو من يخوله
أولاً : ( إنذار ) أية منشأة أو معمل أو أي جهة أو مصدر ملوث للبيئة لإزالة العامل المؤثر خلال (10) عشرة أيام من تاريخ التبليغ بالإنذار .
ثانياً : وفي حالة عدم الامتثال فللوزير ( إيقاف العمل أو الغلق المؤقت ) مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما قابلة للتمديد حتى إزالة المخالفة .
2. منح الوزير أو من يخوله ممن لا تقل وظيفته عن مدير عام: فرض غرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (10000000) عشرة مليون دينار تكرر شهرياً حتى إزالة المخالفة على كل من خالف أحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في البند (1) من هذه المادة.
– اما المادة (34)
أولاً : مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها القانون يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه بالحبس لمدة لا تقل عن (3) ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على (20000000) عشرين مليون دينار أو بكلتا العقوبتين.
ثانياً : تضاعف العقوبة في كل مرة يتكرر فيها ارتكاب المخالفة .
– اما المادة (35) فقد نصت على مايلي : “يعاقب المخالف لأحكام البنود (ثانيا) و (ثالثا) و (رابعا) من المادة (20) من هذا القانون بالسجن ويلزم بإعادة المواد أو النفايات الخطرة أو الإشعاعية إلى منشئها أو التخلص منها بطريقة آمنة مع التعويض” .
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا خصص المشرع العراقي حماية خاصة لأحكام البنود (ثانيا) و (ثالثا) و (رابعا) من المادة (20) في حين نجد ان هذه المادة كان لابد لها ان توفر الحماية القانونية لكل الاوضاع التي يراها النظام القانوني ضارة بالبيئة ، ولاسيما انه وسيلة فعالة تستخدم لحماية البيئة واصلاحها لذا يتوجب ان تقوم السياسة العقابية على التسريع والتجريم وتطبيق القواعد الجنائية للحد من التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية حيث تتطلب هذه الجزئية فرض عقوبات وغرامات عالية بحيث تتناسب مع خطورة مشكلة تلوث البيئة العراقية ولا سيما لو كانت الاضرار الحاصلة للموارد الطبيعية ناجمة عن انشطة عدد من الوزارات كوزارة الكهرباء والصحة ، وعليه فإن العقوبات المفروضة لا تعطى حلاً جذرياً للحد من تفاقم المشكلة مالم تقترن بضرورة إعادة تأهيل البيئة.
عاشراً : لقد خصص الفصل العاشر من هذا القانون ليتناول الاحكام الختامية ، منها المادة (36) والتي تم من خلالها منح المنشآت القائمة قبل نفاذ هذا القانون مهله (3) ثلاثة سنوات وذلك اعتبارا من تاريخ نفاذه وذلك ليتسنى لها ترتيب أوضاعها وفقا لأحكامه , ويجوز للوزير تمديدها سنة أخرى عند الضرورة بعد ملاحظة جدية الإجراءات المتخذة لتنفيذ هذا القانون .
وحسب اعتقادنا المتواضع نعتقد ان المشرع كان لابد له ان يفرض على الجهات المعنية ، ضرورة ان تعمل على إصدار تعليمات تتضمن أحكام مفصلة لكيفية ومحتوى دراسة تقويم الأثر البيئي للمشاريع وبتركيز واضح على المشروعات التي يمكن ان تحدث من خلالها أثار بيئية خطيرة على مكونات البيئة مع مراعاة التطور الذي يشهده العالم في استخدام تكنولوجيا صديقة للبيئة مع مراعاة الحالة الاستثنائية التي يحي فيها العراق.
اما بخصوص المادتين ( 37، 38 ) فقد نصت على مايلي :” يُلغى قانون حماية وتحسين البيئة رقم (3) لسنة 1997 وتبقى الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه نافذة بما لا يتعارض وأحكام هذا القانون حتى صدور ما يحل محلها أو يلغيها ” .
لقد مر العراق بظروف استثنائية تعرضت من خلالها البيئة الى اخطر صور التلوث ، ولذلك حينما يتم إجراء مقارنة ما بين المواصفات القياسية العراقية والمواصفات القياسية العالمية فإننا نعتقد : ان العراق اليوم يتطلب نوعاً من التشديد والصرامة بالمواصفات بحيث تتلاءم مع طبيعة الملوثات التي تعرضت لها البيئة .
وكذلك الحال ازاء المادة (38) ” أولاً : يجوز إصدار أنظمة لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون .
ثانياً : للوزير إصدار تعليمات وأنظمة داخلية لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون “.
منح الوزير من خلال هذه المادة اصدار انظمة وتعليمات وفي هذه الحالة يتوجب مراعاة خطورة المشاكل البيئية التي تواجه العراق ، وهنا يتوجب الاستعانة بذوي الخبرة والفنيين في مجال البيئة .
الخاتمة :
وفي الختام يمكننا القول : ان هذا التشريع يفتقر الى التفصيلات الفنية والعملية اللازمة لضمان دقة تنفيذ الالتزامات الواجبة لحماية عناصر البيئة الطبيعية ، فضلاً عن ان هذا التشريع يتسم بكونه مصاغ بأسلوب عام يفتقر إلى العمق والبعد العلمي وكذلك التخصص الدقيق الذي يعالج المشكلة بكل أبعادها ، بعبارة اخرى ان هذا التشريع لم يقمْ بمكافحة ومعالجة كل مصادر تلوث البيئة .
كما اننا نجد ان هنالك التزام قانوني واخلاقي يقع على عاتق الجهات المعنية بالشأن البيئي العراقي ، حيث يتوجب عليها توضيح حالة البيئة العراقية وعلى مستوى كل قرية ، قضاء ، محافظة وعلى مستوى العراق بأكمله ، كما يتوجب على وزارة البيئة وضع استراتيجية قومية تكون قصيرة المدى ، وأخرى طويلة الأمد يراعي فيها وضع البيئة العراقية وسبل الحد من تلوثها.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
قائمة المصادر :
أ. الكتب
1. احمد عبد التواب محمد بهجت ، المسئولية المدنية عن الفعل الضار بالبيئة ، دار النهضة العربية ،القاهرة ، ط1، 2008.
2. د. حسن علي الذنون ،اصول الالتزام ، مطبعة المعارف ، بغداد ،1970 .
3. حسين عامر وعبد الرحيم عامر ، المسؤولية المدنية، ط1، دار المعارف ، مصر ، 1979.
4. د. محمد شكري سرور ، التأمين ضد الأخطار التكنولوجية ، دار الفكر العربي ، 1986.
ب. القوانين
1. قانون وزارة البيئة رقم (37) لسنة 2008، المنشور بالوقائع العراقية ، العدد4092، 20/10/2008.
2. قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام ذي الرقم (64) لسنة 2008 ، منشور بالوقائع العراقية بالعدد (4062) في 18/2/2008.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً