دراسة حول نزاعات التحصيل في المواد الضريبية
مقدمة:
تعتبر المداخيل الضريبية في الدول المعصرة مصدرا مهما لتمويل ميزانية الدولة وأداة لتنفيذ سياستها الاقتصادية والاجتماعية لذلك أحاطتها مختلف التشريعات الحديثة باهتمام وعناية كبيرين تجسدا بشكل واضح في إصدار النصوص القانونية والتنظيمية الخاصة بها والعمل على تعديلها كلما تبين عدم مسايرتها لتحديات ورهانات الواقع العملي ،وذلك قصد ضمان تحمل الأعباء والتكاليف بصورة تأخذ بعين الاعتبار القدرة الجبائية للملزم .
لقد أصبح استعمال الضرائب كوسيلة اقتصادية في أيدي السلطة العمومية بمثابة مفتاح عمومي ومواجهة الضغط الخارجي أو الداخلي وحل المشاكل أيا كان نوعها ،حيث كثيرا ما تلجأ الدول إلى توظيف مداخيل الديون الضريبية في خدمة السياسة الاقتصادية والمالية وذلك من خلال إحداث ضرائب ورسوم أخرى يكون الهدف منها تخفيض عجز الميزانية العامة للدولة .
وقد صاحب هذا الوضع إقرار مساطر جبائية أعطت للدولة سلطة مفرطة أدنت إلى خرق معظم المقتضيات المتعلقة بحقوق المكلفين وبالتالي خرق مبدأ مساواتهم أمام التكاليف العمومية، ترتيبا عليه أصبح المكلف في وضعية قانونية غير قارة حيث أدى مستوى الضغط الجبائي وأسلوب مطالبة الدولة بالدين الضريبي إلى رفضه الانخراط في الالتزام الضريبي ،بمعنى أن قيام الإدارة بتنفيذ السياسة الجبائية للدولة لا يتم دائما وفقا للمراسيم والقوانين الجاري بها العمل، فكثيرا ما تخطأ الإدارة في تقدير وقائع مالية جبائية التي من خلالها يتم تحديد التزام المكلف.
ولما كان موضوعنا هو منازعات التحصيل الضريبي ،فإنه بالضرورة يندرج ضمن إطار قانون يتمثل في المدونة العامة للضرائب( ظهير شريف رقم 175-00-1 صادر في 28 محرم 1421 /03 مايو 2003 بتنفيذ القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ).والتي نستشف من خلالها أهم الضمانات التي تم إقرارها لفائدة الملزم والتي تتمثل في إمكانية المنازعة في إجراءات تحصيل الدين الضريبي.
وتعتبر المنازعات الضريبية في مجال التحصيل الضريبي ضمانة أساسية يخولها المشرع في المجال الضريبي للملزم للدفاع عن حقوقه أمام إدارة ضريبية تتوفر على السلطة والامتياز العموميين ،فالملزم الضريبي ينازع أمام الإدارة الضريبية أولا ثم أمام القضاء في مرحلة ثانية من أجل إقامة توازن نسبي بين ما عليه من التزامات وما له من حقوق .
وتكمن أهمية الموضوع (المنازعات المتعلقة بالتحصيل الضريبي) فيما هو قانوني واقتصادي وكذا اجتماعي تتمثل في الشكل التالي :
الأهمية القانونية : يفرض مبدأ قانونية الضريبية ومبدأ المساواة ،على الإدارة الضريبية وأثناء ممارستها لحق تحصيل الديون الضريبية وفق الإجراءات القانونية المقرر لذلك احترام الحقوق الأساسية المقررة لفائدة الملزم باعتباره الطرف الضعيف في المعادلة ،وبالتالي التأكيد على حقوق وواجبات كل طرف في العلاقة الضريبية .
الأهمية الاقتصادية : يعتبر موضوع المنازعات الضريبية ذا أهمية بالغة على المستوى الاقتصادي ،على اعتبار أن المداخيل الضريبية تشكل جزءا كبيرا من مداخيل الدولة المالية وبالتالي فإن النزاع حول التحصيل الضريبي قد يكون حاجزا أمام هذه المداخيل وبالتالي وجب على الإدارة الضريبية احترام المساطر القانونية أثناء مرحلة التحصيل .
الأهمية الاجتماعية : أن المنازعة في التحصيل تحقق الأمن والاستقرار الاجتماعيين ،لكونها تضمن احترام مبادئ العدالة الضريبية و المساواة أمام الأعباء العامة وكذا الحيلولة دون المساس بالحقوق والحريات الفرضية ،من خلال ضبط رد فعل الملزمين اتجاه الضريبة .
وتكمن دوافع تطرقنا لهذا الموضوع في محاولتنا معرفة حدود حقوق والتزامات الإدارة الضريبية من جهة والملزم من جهة أخرى لمعرفة مدى نجاح المشرع في إقامة التوازن المنشود بين المصالح المتضاربة بين طرفي المنازعة الضريبية .
وسنتناول هذا الموضوع محاولين الإجابة عن هذه الإشكالية المتمثلة في الآتي ذكره ،إلى أي حد استطاعت مسطرة المنازعة في التحصيل الضريبي ضمان حقوق الملزمين في مواجهة الإدارة الضريبية وما يصدر عنها من تجاوزات أثناء مسطرة التحصيل ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية سنتخذ من المنهج التحليلي سبيلا لذلك مقسمين الموضوع إلى مبحثين :
_المبحث الأول :مفهوم منازعات التحصيل الضريبي ونطاق تطبيقها .
_المبحث الثاني :مساطر منازعات التحصيل الضريبي.
المبحث الأول : مفهوم منازعات التحصيل الضريبي ونطاق تطبيقها
للإلمام بمفهوم المنازعات المتعلقة بالتحصيل الضريبي ونطاق تطبيقها سنعمل على استعراض مفهوم منازعات التحصيل الضريبي في (المطلب الأول) على أن نتطرق لنطاق تطبيقها في (المطلب الثاني).
المطلب الأول : مفهوم منازعات التحصيل الضريبي.
سوف نعمل على تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين : نتطرق في (الأولى) لماهية منازعات التحصيل الضريبية ونعرج في (الثانية) على الطبيعة القانونية لهذه المنازعة.
الفقرة الأولى : ماهية منازعات التحصيل الضريبي
لتحديد ماهية منازعات التحصيل الضريبي ينبغي أولا تحديد المقصود بالتحصيل الضريبي ثم تحديد المقصود بالمنازعات المرتبطة به.
أولا: تعريف التحصيل الضريبي
لم يعرف المشرع المغربي هذا المصطلح ولا مساطره في ظل النظام القديم للمتابعات[1]. ولم يعمد أي أحد من المهتمين بهذا الميدان بإعطاء تعريف له.
فقد كان البعض يعتبر التحصيل مجرد إجراءات ترافعية Procédures Procédurièes من إنذارات وحجوزات وبيوعات وغيرها من مساطر التنفيذ، التي لا تسعف الاجتهاد الفقهي فلا يتطرق لها بالتحليل، لأن التشريع الضريبي ليس مجالها. وأن تحديد مدلول المصطلح لم يكن قط مثيرا للنقاش كغيره من المفاهيم والمضامين الضريبية نظرا لعدم تعلقه بما يصطلح عليه “العدالة الضريبية” التي لا يكاد يخلو منها أي مرجع يهتم بالمجال الضريبي[2].
وقد تولى المشرع المغربي ولأول مرة في تاريخ التشريع المطبق في ميدان التحصيل هذا الأمر بإعطاء تعريف للتحصيل في المادة الأولى من قانون رقم 97-15[3] على أنه ” مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أو عن الاتفاقات”.
وقد يعبر عن التحصيل الضريبي بعبارات متعمدة كالاستيفاء، الاستخلاص، الأداء والاستحقاق وهي كلها تعني عملية نقل الأموال من المنتج الجبائي إلى صندوق الإدارة الجبائية، وحسب الأستاذ “أحمد الحضراني” فالتحصيل يعني طريقة إخراج الأموال الضريبية من جيب الملزم إلى صندوق الإدارة المالية. كما يقصد بالتحصيل مجموعة من العمليات المالية التي تسمح للقابض أو الشخص المكلف بالتحصيل بجباية الموارد الضريبية عن طريق سلوك مجموعة من المساطر التي تنتهي بالإكراه البدني عندما يستنفذ القابض مختلف إجراءات التحصيل الجبري التي يسمح بها القانون[4].
وما نلاحظه على المادة الأولى من قانون رقم 97-15 هو انها سجلت في هذا الإطار تعريفا واضحا ودقيقا لمفهوم التحصيل الضريبي وهو عمل إيجابي حيث كان ذلك مغيبا في إطار ظهير 21 غشت 1935.
هذا فيما يخص تعريف التحصيل الضريبي. فماذا نقصد بمنازعات التحصيل الضريبي؟
ثانيا : تعريف منازعات التحصيل الضريبي
لم يرد في التشريع المغربي أو التشريعات المقارنة أي تعريف لمصطلح المنازعة، وقد تولى الفقه محاولة تحديد مفهوم المنازعة الجبائية، حيث عرفها الأستاذ “عبد الله بودرهين” على أنها مجموعة من القواعد المطبقة على المنازعات التي يمكن أن تنشأ بمناسبة تحديد وعاء الضريبة على مختلف أنواعها أو تصفيتها أو تحصيلها[5].
أما أستاذنا “عبد القادر التيعلاتي” فقد اعتبرها النزاع الذي يخول للجهة التي تبت فيه صلاحية البحث فيها إذا كانت الضريبة قد تأسست مطابقة للمقتضيات التشريعية والتنظيمية وفي حالة ما إذا تبين لها العكس، فمن سلطتها أن تقرر إسقاطا جزئيا أو كليا لهذه الضريبة[6].
وقد عرفها الأستاذ “عبد الرحمان أمليك ” بكونها الحالة القانونية الناشئة عن وجود خلاف بين الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية بمناسبة قيام هذه الأخيرة بتحديد وعاء الضريبة على مختلف أنواعها أو تصفيتها ومن جهة أخرى تعني المسطرة الإدارية والقضائية المقررة قانونا والتي يمكن اللجوء إليها لتسوية هذا الخلاف[7].
أما بخصوص الفقه الفرنسي فقد اعتبر “كودميت” بأن الغاية من المنازعة مراقبة الإدارة واحترام الشرعية الضريبية ، بينما عرفها “فيليب برت” بأنها مجموعة القواعد المطبقة على النزاع الذي يطرأ بمناسبة تحديد وعاء الضريبة أو تصفيتها أو تحصيلها، وهذا النوع يقع بصفة عامة بين إدارة الضرائب والخزينة من جهة والملزم من جهة أخرى[8].
وقد تثور المنازعة بين المكلف وبين الإدارة الجبائية بمناسبة قيام هذه الأخيرة بإحدى العمليات المتعاقبة التي تشارك في ربط الضريبة أو جبايتها، فمن المعروف أنه للوصول إلى ربط الضريبة ينبغي توافر الواقعة المنشئة لها، وتقدير وعائها وتطبيق السعر المناسب المنصوص عليه قانونا، وبعد الانتهاء من إجراءات ربط الضريبة تعمد الإدارة الجبائية إلى تحصيلها، وفي حالة تخلف المكلف عن أداء الضريبة المستحقة تقوم الإدارة الجبائية باتباع إجراءات المتابعة والتنفيذ على أموال المتعلقين بمقتضى طرق خاصة منصوص عليها، وبالتالي، فإن تنفيذ أعوان الإدارة الضريبية لمهامهم المختلفة قد يؤدي إلى خلق منازعات تكون أطرافها الغدارة من جهة والمكلفين من جهة أخرى.
والإدارة الجبائية تختلف باختلاف الاختصاص أو الوظيفة التي تقوم بها، فقد تعني مديرية الضرائب فيما يتعلق بعمليات تحديد وعاء الضرائب وتصفيتها، والخزينة العامة فيما يتعلق بعملية تحصي الضرائب، كما قد تعني إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فيما يرتبط بالمنازعات التي تنشأ عند ارتكاب المكلفين مخالفات للمقتضيات القانونية او التنظيمية المنصوص عليها في التشريع الجمركي.
وبفضل ما تتميزبه الإدارة الضريبية من امتيازات وسلطات، فإنها تكون في غالب الأحيان في موقف المدعى عليه القوي، بينما يقف المكلف في موقف المدني الضعيف[9].
هذا بخصوص تعريف المقصود بالمنازعات المتعلقة بالتحصيل الضريبي، بقي أن نحدد الطبيعة القانونية لهذه المنازعات وهذا ما سنحاول التطرق له من خلال الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية لمنازعات التحصيل الضريبي
إن منازعات التحصيل الضريبي ظلت مدار جدل فقهي فيما يتعلق بطبيعتها القانونية إذ هناك من اعتبر أن منازعات التحصيل الضريبي تدخل في صميم دعوى القضاء الشامل، لكن في المقابل هناك رأي من الفقه خالف الرأي الأول معتبرا الإنذار القانوني الذي يعد إجراءات التحصيل الجبري قرارا إداريا يجوز الطعن فيه بالإلغاء[10].
لذلك وقل أن نتطرق إلى تبيان موضوع طبيعة الدعوى القضائية في ميدان المنازعات المتعلقة بالتحصيل سنميز في البداية بين المنازعة في الوعاء والمنازعة في التحصيل.
أولا : التمييز بين المنازعة في الوعاء الضريبي والمنازعة في التحصيل
بادئ ذي بدء يجب التمييز بين نوعين من المنازعات الجبائية حسب المراحل التي ينص عليها، وسند هذا التمييز يعود إلى طبيعة العملية الضريبية التي تبدأ من مرحلة الوعاء – الأساس الضريبي – ثم التصفية – احتباسها إلى التحصيل – استخلاصها، وتنقسم هذه المراحل الثلاث على جهتين إداريتين، تختص كل جهة في عمليات جبائية محددة ويرتكز هذا التقسيم على مبدأ هام في تنفيذ ميزانية الدولة وهو الفصل بين سلطتين هما الأمر بالصرف أو بالاستخلاص من جهة والمحاسب من جهة أخرى فيسري هذا المبدأ في ميدان الضرائب حيث تختص إدارة في تحديد الوعاء ومبلغ الضريبة وتختص إدارة أخرى في تحصيل الضريبة التي حددتها الإدارة الأولى[11].
ويعتبر النزاع في الوعاء الضريبي نزاعا في أساس الضريبة، لكن في بعض الأحيان لا ينازع الملزم الإدارة في عمليات الوعاء بمفهومها الدقيق فقط بل يشمل نزاهة كذلك عمليات تصفية الضريبة أي احتسابها، لذلك يبدو أن التسمية الدقيقة والأصلح هي النزاعات في أساس الضريبة واحتسابها عوضا عن النزاعات في الوعاء.
فالمنازعات في الوعاء شارع فيها الملزم أساس الضريبة ومبلغها ويستهدف من وراء مطالبته أو طعنه إما الحصول على تصحيح الخطأ أو الأخطاء المرتبطة في حقه في مرحلة الوعاء والتصفية، إما الانتفاع بحق ناتج عن نص قانوني وإما استرداد ضريبة تم تحصيلها وهي غير مطابقة لقاعدة قانونية أسمى كمعاهدة جبائية.
فهدف موضوع المنازعة في الوعاء إذن لا يخلو من أحد الاحتمالين : إما أنه يستهدف إسقاطا كاملا للضريبة وإما إسقاطا جزئيا لها[12].
وعلى اعتبار أن الأصل في تحديد المادة الضريبية في جل القطاعات انها تعرف انطلاقتها من تصريح تلقائي تصدر عن الخاضعين للضريبة داخل آجال قانونية محددة، حيث يتم ربط الضريبة من العناصر التي توفرها هذه الإقرارات.
ويكتسي تقديم التصريح أهمية بالغة، إذ يعبر عن رغبة المكلف في المساهمة في تحمل الأعباء العامة كواجب وطني، كما أنه يعبر عن حسن نيته، هكذا فإن وجود التصريح بالضريبة يحد من تدخل الإدارة في تحديد الأساس الضريبي، لما يفترض فيه من وقوعه صحيحا، لكن إذا تبين للإدارة من خلال البيانات المقيدة فيه ومقارنتها بالمعطيات المتوفرة لديها التدخل لتغيير الأساس الضريبي، فإن المشرع قد ألزمها بإتباع مساطر قانونية. ويمكن الجزم بأن رغبة المشرع هي أن تكون مساهمة المواطنين في تحمل الأعباء العامة ذات بعد سامي تنموي وبذلك فإن تدخل الإدارة في تحديد الأساس الضريبي يظل محددا، وذلك بغاية محاربة ظاهرة التهرب الضريبي التي تلازم الأنظمة الجبائية مهما بلغت درجة سموها أو كمالها التشريعي[13].
أما بخصوص المنازعات في التحصيل وإن كانت ترتبط بالنزاع الجبائي في مفهومه الواسع فهي تنصب في حقيقة الأمر على إجراءات التحصيل فقط، فالملزم في إطار هذه المنازعات لا ينازع أساس الضريبة أو احتسابها بل ينازع فقط الشرعية الشكلية للقرار المتعلق بالتحصيل فهو يعترض قانونا على إلزامية الضريبة ويعترض على أداها.
لذلك، وعند الطعن أمام القضاء يتعين التمييز بين اختصاصات مديرية الضرائب المتمثلة في فرض الضريبة واحتسابها ومراجعتها وإلغائها وإصدار الجداول المتعلقة بها والخزينة العامة التي يرجع إليها الاختصاص في كل ما يتعلق بتحمل هذه الجداول وتحصيلها[14].
ثانيا : المنازعة في التحصيل بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل
يثار التساؤل حول تحديد طبيعة المنازعة القضائية في ميدان التحصيل ، هل هي دعوى القضاء الشامل أم دعوى قضاء الإلغاء؟ وقبل محاولتنا الإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نتطرق أولا لتعريف موجز للدعويين، فدعوى القضاء الشامل هي المنازعة التي يفصل فيها القاضي الإداري بين طرفين متساويين يكون أحدهما شخصا عاما أو ذا نفع عام يساهم في سير مرفق عام أو سلطة إدارية مستقلة سواء كانت الدعوى ترمي إلى حماية حق شخصي أم إلى إقرار المشروعية أم إلى الأمرين معا أم إلى أي هدف آخر من المصلحة العامة، بشكل يتطلب من القاضي القيام بعمليتين على الأقل أو بعملية واحدة تقتضي سلطات أوسع، ودورا إيجابيا في توجيه إجراءات الدعوى.
أما بخصوص دعوى الإلغاء فتعتبر الآلية العادية للمنازعة في قانونية جميع القرارات الإدارية بهدف الحصول على إعدامها من طرف القاضي الإداري[15].
أ) دعوى القضاء الشامل
تعرف دعوى القضاء الشامل باعتبارها المنازعة التي يفصل فيها القاضي الإداري بين طرفين غير متساويين، يكون أحدهما شخص عاما أو ذا نفع عام يساهم في سير مفق عام أو سلطة إدارية مستقلة، سواء كانت الدعوى ترمي إلى حماية حق شخصي أو إقراتر المشروعية أو إلى الأمرين معا، أو على أي هدف آخر من المصلحة العامة بشكل يتطلب قيام القاضي بعمليتين على الأقل أو بعملية واحدة تقتضي سلطات واسعة، في توجيه إجراءات الدعوى.
وقد ميز الفقيه الفرنسي “CHAPUS” من داخل القضاء الشامل بين دعاوى القضاء الشامل العادي، ودعاوي القضاء الموضوعي معتبرا أن القضاء الشامل العادي “Recours ordinaire de plein contentieux” يشمل بالأساس المنازعات المتعلقة بالمؤولية العقدية والغير العقدية للإدارة، بينما يشمل القضاء الموضوعي “Recours objectif de plein contentieux” المنازعات التي تطرح في العمق مسألة المشروعية، إلا أنها بحكم مضمونها المادي أو بحكم القانون أو لسبب ما تم إدماجها ضمن القضاء الشامل، ويشمل هذا النوع من العقود دعوى الإلغاء المشفوعة بمديونية الإدارة والمنازعات الانتخابية والضريبية وغيرها من المنازعات التي ينص التشريع بشكل صريح على أنها ضمن دعاوى القضاء الشامل.
ويتمتع القاضي الإداري في إطار منازعات القضاء الشامل بسلطات تقديرية واسعة في مجال الواقع كما في مجال القانون، فالقاضي الضريبي حينما يبت في النزاع الضريبي باعتباره جزء من القضاء الشامل، فإنه ينظر في مشروعية القرار الإداري المؤسس عليه الضريبة لا لإلغائه فقط، ولكن لترتيب الآثار القانونية الناتجة عن عدم مشروعية القرار، فهو هنا يتجاوز مسألة إلغاء القرار الإداري الذي فرض الضريبة لكونه غير مشروع، وإحلال قرار آخر محله يتضمن المبلغ الضريبي المعدل، أو إعطاء الأمر للإدارة بإرجاع المبلغ الضريبي المعدل، أو إعطاء أمر للإدارة بإرجاع المبلغ الذي تم تحصيله بغير حق من طرف الطاعن وذلك بعد إلغائه[16].
والملاحظ مما سبق ذكره أن القاضي الإداري عندما يعرض عليه نزاع ضريبي في إطار القضاء الشامل فإنه يتحرك في مساحة كبيرة أثناء فصله في المنازعة الضريبية، بحيث يمكن له أن يحل محل الإدارة الضريبية عن طريق إعادة تقدير المبلغ الضريبي المستحق على الملزم، أو مطالبتها بإرجاع المبالغ الضريبية التي تم تحصيلها بدون حق لفائدة الملزم.
وفيما يتعلق بالتصدي القضائي لتحديد طبيعة الدعوى في المنازعة الضريبية فإن العمل القضائي الفرنسي اعتبر بأن المنازعة الضريبية منازعة قضاء شامل من حيث المبدأ، ومع ذلك فإن هذا المبدأ لا يحضر على قاضي الضريبة النظر في مشروعية القرارات الضريبية المؤسسة بموجبها الضريبة، ولكن دائما كجهة قضاء شامل أي ليس بقضاء إلغاء القرارات غير المشروعة، وإنما فقط لترتيب الآثار القانونية لعدم مشروعية القرار بتقرير عدم مشروعية الضريبة المؤسسة بموجبه، وهو توجه أكده مجلس الدولة الفرنسي، عندما اعتبرت المحكمة الإدارية وهي تنظر في منازعة ضريبية باعتبارها جهة الولاية العامة بالنسبة للضرائب المباشرة مختصة مع حفظ الاستئناف أمام مجلس الدولة، بفحص مشروعية القرارات الإدارية بموجبها هذه الضرائب.
وإن كنا فينا سبق تحدثنا عن المنازعة الضريبية في شموليتها، فإن المنازعة في التحصيل تخضع لمقتضيات المواد 28-29-30 من القانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية[17].
وبخصوص طبيعة منازعات التحصيل هل تدخل ضمن دعوى القضاء الشامل أم الإلغاء؟ فهناك من اعتبر أن الأمر يتعلق بمنازعات من صميم القضاء الشامل، إذ أن الأمر هنا يتعلق في أمر إجراءات تنفيذية “Mesures d’exécution” ليست لها صبغة قرارات إدارية “actes non décisoires” وهي بهذه الصفة غير قابلة للطعن عن طريق دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، التي تتطلب بالضرورة وجود قرار إداري، ومن ثمة فإن التعرض على الأمر بالتحصيل أو إجراءات الحجز أو البيع وهو تعرض على إجراءات تنفيذية، يملك القاضي إزاءها سلطة واسعة تمتد إلى التصريح ببطلان الإجراء والأمر بعدم متابعته بل أحيانا إرجاع الأمر إلى ما كان عليه. لكن في المقابل هناك من أضفى صبغة القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء على الإنذار القانوني باعتباره إجراءا من إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية.
ب) دعوى الإلغاء
إن الغاية من دعوى الإلغاء هي المطالبة بإلغاء قرار إداري صدر معيبا بإحدى عيوب المشروعية المنصوص عليها في المادة 20 من القانون 41/90، كأن يصدر القرار الإداري من جهة غير مختصة، أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون[18] ومن هنا فدعوى الإلغاء لا توجه ضد الأشخاص وإنما توجه ضد قرار إداري صدر معيبا بإحدى عيوب المشروعية.
ورغم أهمية دعوى الإلغاء في المنازعات الضريبية، إلا أن سلطات القاضي الإداري في هذا الإطار تظل محدودة، بحيث يكتفي فيها بالإلغاء ولا يستطيع أن يحكم بتخفيض كلي أو جزئي للضريبة، وهي دعوى توجه ضد القرارات الإدارية الضريبية ومعفاة من الرسوم القضائية.
المطلب الثاني: نطاق المنازعات في التحصيل الضريبي
عملت مدونة تحصيل الديون العمومية على تحديد مجالات المنازعة المتعلقة بالتحصيل من أجل ضبط تدخل القاضي في المجال الجبائي و تفعيل التخصص داخل العمل القضائي، بحيث نصت المادة 119 من المدونة على أنه:” يمكن لأي مدين يكون محل إجراء من إجراءات التحصيل الجبري أن يتعرض عليه إذا تعلقت مطالبته بما يلي:
قانونية الإجراء المتخذ من حيث الشكل.
عدم اعتبار أداءات يكون قد قام بها”.
لكن و بالرغم من ذلك فإننا نلاحظ من خلال مواد أخرى من نفس المدونة، و من خلال تجربة تطبيق هذه المدونة و كذا إفرازات العمل القضائي المتعلق بالتحصيل أن مجالات المنازعة متعددة و متنوعة تتعدى ما نصت عليه المادة 119 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
و للوقوف على الإطار العام لنطاق المنازعات المتعلقة بالتحصيل سنتطرق للمنازعات ضد أعمال المتابعة (فقرة أولى) و المنازعات في وجود الالتزام بالأداء و حول الإمتياز (فقرة ثانية)
الفقرة الأولى: المنازعات ضد أعمال المتابعة
تأخذ هذه المنازعة حيزا هاما في المنازعات المرتبطة بالتحصيل، حيث تهم الطعن في إجراء من إجراءات التحصيل الجبري كالطعن في الإنذار القانوني، الحجز[19]، البيع[20]، الإكراه البدني، الإشعار للغير الحائز[21] و غيرها من الإجراءات التي يباشرها القابض ضد المدنيين من أجل استخلاص الديون الضريبية المترتبة في ذمتهم، و تنشأ معظم النزاعات المتعلقة بهذا الباب، إما في حالة عدم احترام القابض للترتيب الوارد في المدونة أثناء مباشرته لهذه الإجراءات[22]، كتبليغ الإنذار القانوني قبل إرسال آخر إشعار بدون صائر مثلا[23] أو الانتقال مباشرة إلى مسطرة الحجز على مال المدين قبل تبليغ الإنذار القانوني،أو دون الحصول على ترخيص مسبق من لدن الرئيس الذي ينتمي إليه المحاسب المكلف بالتحصيل، أو عدم احترام الآجال و الشكليات المسطرية الواجب تطبيقها أثناء مباشرة كل إجراء، كتبليغ الإنذار القانوني قبل انصرام أجل 30 يوما من تاريخ الاستحقاق و 20 يوما على الأقل بعد إرسال آخر إشعار بدون صائر[24] أو مباشرة الحجز قبل انصرام أجل 30 يوما من تبليغ الإنذار[25]، إلى غيرها من الإجراءات التي يباشرها القابض دون احترام الشكليات و الآجال المنصوص عليها في القانون رقم 15_97 .
إن عدم قانونية أي إجراء من إجراءات التحصيل إذن يفضي إلى إلغاء هذا الإجراء و الإجراءات اللاحقة له، دون إلغاء الإجراءات السابقة متى كانت صحيحة و قانونية فما بني على باطل فهو باطل، و ذلك نظرا للترابط المنطقي و الزمني بين مختلف إجراءات التحصيل إلا أن إلغاء المحكمة للإجراء المطعون فيه، لا يمنع المحاسب المكلف بالتحصيل من إعادته و تصحيحه داخل الآجال القانونية و فق الشكليات المتطلبة قانونا[26].
لذلك تبقى الدعاوى الرامية إلى إبطال إجراءات التحصيل هي الأهم من خلال وجود جميع الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم، و القصد منها الطعن في صحة الإجراءات التي يقوم بها القابض من أجل استخلاص الديون الضريبية و ذلك بسبب الخروقات المسطرية التي قد تشوبها و تعتبر هذه الدعاوى الموجهة ضد القابض من أجل بطلان إجراءات التحصيل بسبب هذه الخروقات دعاوى صعبة و معقدة سواء بالنسبة للمدين المنازع أو الإدارة، لأنها تتطلب إثباتات مختلفة.
و نظرا لأن الإدارة المكلفة بالتحصيل لم تكن تعير اهتماما أكبر لمسألة إخطار المدينين و احترام حقوقهم في الدفاع، فإن التحقيق في ادعاءات الملزمين بالخروقات التي تشوب مسطرة التحصيل غالبا ما يدفع القضاء إلى مطالبة القباض المكلفين بالتحصيل بإحضار الملف الجبائي للملزم، قصد التأكد من صحة او عدم صحة ادعاءات الملزم، الشيء الذي يجعل مصير هذا الأخير بيد القابض المتوفر على الوثائق التي تؤكد صحة الإجراءات موضوع النزاع.
الفقرة الثانية: المنازعات في وجود الالتزام بالأداء و حول الإمتياز
كما سبقت الإشارة يمكن للمدين المتضرر من سلطة الإدارة في مجال التحصيل أن ينازع في إجراءات التحصيل المتخذة في حقه، وفي هذه الفقرة سنتناول المنازعات في وجود الالتزام بالأداء (أولا) ثم النزاع حول الإمتياز (ثانيا).
أولا: المنازعات في وجود الالتزام بالأداء
قد لا ينازع المكلف في أصل و أساس الضريبة و لا في صحة الإعلام بها، و إنما يدعي أن الإدارة لا حق لها في تنفيذ الجدول الضريبي أي سند الدين لسبب حدث بعد الإعلام به، كأن يدعي أنه دفع ما عليه و أن حق الإدارة في الاستخلاص قد انقضى بأحد الأسباب القانونية التي ينقضي بها الحق في المادة الجبائية كالتقادم، أو الإبراء الكلي أو الجزئي من الدين الضريبي المتضمنة لأسباب انقضاء الدين الضريبي، و في هذا الإطار ينص الفصل 319 من ق ل ع على أنه: ” تنقضي الالتزامات بما يلي:
◦ الوفاء
◦ استحالة التنفيذ
◦ الإبراء الإختياري
◦ التجديد
◦ المقاصد
◦ اتحاد الذمة
◦ التقادم
◦ الإقالة الإختيارية”.
و الملاحظ أن أسباب انتهاء الالتزام بالأداء الأكثر إثارة من طرف الملزمين تتعلق بتقادم الدين الضريبي بحيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية “تتقادم إجراءات تحصيل الضرائب و الرسوم و الحقوق الجمركية و حقوق التسجيل و التمبر بمضي أربع سنوات من تاريخ الشروع في تحصيلها”.
و هذا يطرح تساؤلات حول كفاءة الجهاز القائم على عمليات الاستخلاص و مدى حرصه على صيانة حقوق الخزينة[27].
و تتعلق هذه الحالة بوجود الالتزام بالأداء من عدمه، ذلك أنه قد يحدث أن يقوم المدين بأداء نفس الدين، إما جزئيا أو كليا مع ذلك يقوم المحاسب المكلف بالتحصيل بمطالبته بنفس الدين المؤدى، لأجل ذلك سمح المشرع لهذا المدين أن ينازع المحاسب من أجل ما سبق أم أداه من واجبات، شريطة توافر ما يثبت واقعة الأداء، لذلك فإن المنازعة في هذا الإطار لا تنصب على صحة إجراءات التحصيل و لكنها تتعلق بعدم أحقية المحاسب في المطالبة بدين ضريبي سبق أداؤه[28].
ثانيا: النزاع حول الإمتياز
الامتياز هو حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين حسب الفصل 1243 من ق ل ع، و يقتضي أن ينشأ بواسطة المشرع حيث لا يوجد بدون نص، حيث أن القواعد العامة المعمول بها في القانون المدني نجد أنه ينص على أنه “لا امتياز بدون نص قانوني” إذا حيث لا يوجد نص لا يوجد امتياز، و هو حق يعطي صاحبه الأولوية على باقي الدائنين في استيفاء دينه، و قد جاء الفصل 1244 من ق ل ع ينص على أن “الدين الممتاز مقدم على كافة الديون الأخرى و لو كانت مضمونة برهون رسمية”.
و سبب منح الامتياز لديون دون أخرى يرجع إلى صفة الدين و أسبابه، فديون الدولة اعتبرت ممتازة نظرا للفائدة التي يجنيها الجميع من تغذية خزينة الدولة، كما أن بعض الديون جعلت ممتازة نظرا لاعتبارات إنسانية كما هو الحال بالنسبة للمبالغ المستحقة للخدم و العمال لأنها لازمة لمعيشتهم[29].
و قد جاءت الامتيازات المخولة للخزينة في الباب السادس تحت عنوان الضمانات و الامتيازات، و ذلك في المواد من 105 إلى 112، و انطلاقا من هذه الفصول و في إطار تحصيل الديون العمومية و الضرائب و الرسوم تتمتع الخزينة ابتداءا من تاريخ الشروع في التحصيل بامتياز على الأمتعة و غيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، و كذا المعدات و السلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة و المخصصة لاستغلالها، كما تتمتع الخزينة علاوة على ذلك بامتياز خاص يمارس على المحاصيل و الثمار و الأكرية و عائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها.
و يمارس امتياز الخزينة بالنسبة للضرائب و الرسوم قبل جميع الامتيازات العامة أو الخاصة الأخرى باستثناء:
• الامتيازات الأربعة الأولى المنصوص عليها في الفصل 1248 من ق ل ع و هي كالتالي :
مصروفات الجنازة أي نفقات غسل الجثة و تكفينها و نقلها و دفنها مع مراعاة المركز المالي للمدين.
الديون الناشئة عن مصروفات مرض الموت.
الديون الناشئة عن مهر الزوجة و متعتها.
المصروفات القضائية كمصروفات وضع الأختام و إجراء الإحصاء و البيع و غيرها.
• الامتياز المخول للمأجورين بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 1248من ق ل ع.
• الامتياز الناجم عن المادة 490 لفائدة عمال و موردي الأشغال العمومية من قانون المسطرة المدنية.
• الامتياز المخول لحامل سند التخزين بموجب المادة 349من مدونة التجارة.
و هكذا و في حالة تزاحم امتياز الخزينة لتحصيل الضرائب و الرسوم مع امتيازات أخرى تعطى الأسبقية لامتياز الخزينة على جميع تلك الامتيازات ما عدا الاستثناءات التي سبق الإشارة إليها أعلاه.
غير أنه غالبا ما تحدث منازعات حول ترتيب الامتيازات المنصوص عليها في المادة 107 من مدونة التحصيل، بحيث لا يكون النزاع بين الإدارة المكلفة بالتحصيل و الملزم و إنما ينتقل بين دائني هذا الملزم، حينما يتدخلون بواسطة التعرض على أمواله، لذلك فغالبا ما يثور النزاع حول من له الأسبقية في استيفاء ديونه هل الخزينة العامة للمملكة أم باقي الدائنين؟
و إذا كان هذا الأمر لا يطرح أي إشكال بالنسبة للخزينة فيما يتعلق بقواعد الامتياز المطبقة على المنقولات، مادام أن المشرع كان واضحا بخصوص هذه المسالة[30] فإن الإشكال الذي يظل عالقا هو مصير الديون الضريبية المترتبة على عقار مملوك لمدين بضرائب لفائدة الخزينة.
متع المشرع في مدونة تحصيل الديون العمومية، الخزينة العامة بحق الامتياز في استيفاء ديونها بالنسبة للمنقولات دون العقارات وهو الأمر الذي أكده الاجتهاد القضائي في عدة مناسبات[31].
المبحث الثاني: مساطر منازعات التحصيل الضريبي .
إن المنازعة في عملية التحصيل هي المنازعات في المسطرة المتبعة قصد استخلاص الدين، ولضمان حق الملزم اتجاه ما قد يتعرض له من جراء أخطاء إدارية إثر مرحلة الاستخلاص فقد منحه المشرع حق التعرض، أي حق الطعن في القرارات الصادرة عن المصلحة المختصة.
ويمكن ممارسة هذه الطعون إما عن طريق المسطرة الإدارية (المطلب الأول) أو عن طريق المسطرة القضائية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المسطرة الإدارية في منازعات التحصيل الضريبي وأثارها.
أكدت مدونة تحصيل الديون العمومية في المادة 120 [32]على أن المنازعات المتعلقة بإجراءات التحصيل الجبري يجب أن تمر أمام الجهة الإدارية المختصة في إطار طعن إداري أولي، وذلك لما لهذه المسطرة من اقتصاد في التكاليف التي يستلزمها الطريق القضائي ومن فائدة في إنهاء تلك المنازعات في مرحلها الأولى إن رأت الجهة الإدارية أن المتظلم على حق في تظلمه.
وفي نفس السياق نجد أن بعض الفقه يتساءل حول مدى إلزامية تقديم الشكاية لدى الإدارة الجبائية قبل اللجوء إلى القضاء، بمعنى أخر مدى اشتراط المشرع للطعن الإداري الأولي قبل أي مطالبة قضائية؟ وما هي الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب عن هذا الإجراء؟
وسعيا منا الإجابة عن هذه الإشكالات ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الأول: مسطرة الطعن الإداري وآثارها وفي الثاني: الآثار القانونية لمسطرة الطعن الإداري الأولي.
الفقرة الأولى: مسطرة الطعن الإداري وشروطها
سنتطرق في هذه الفقرة إلى مسطرة الطعن (أولا) وشروطها (ثانيا)
أولا- مسطرة الطعن:
يقصد بالطعن الإداري عموما تلك الشكوى التي يتقدم بها الفرد إلى الإدارة مستهدفا إلغاء قرار إداري أو تعديله أو سحبه، ويقصد به في الميدان الإداري الجبائي ذلك الطلب الذي يتقدم به الملزم مستهدفا فيه استعطاف الإدارة لتخفيف مبلغ الضريبة، أو الإغفاء منها كليا أو جزئيا نتيجة لظروفه المعسرة.
لقد عرف الطعن الإداري الجبائي تطورات متتالية منذ صدور ظهير 21 غشت 1935 إلى غاية صدور مدونة تحصيل الدين العمومية، إذا لم يكن الملزم الذي ينازع في إجراءات التحصيل في ظل ظهير 21 غشت 1935 ملزما بسلوك مسطرة الطعن الإداري الأولي، بل كانت المنازعات المتعلقة بالإجراءات التحصيل ترفع مباشرة إلى القضاء عكس ما كان يأخذ التشريع الفرنسي، وقد كان ذلك من أهم العيوب الموجهة إلى هذا القانون في تنظيمه لمسطرة المنازعات[33]، لذلك كان طبيعيا أن يرى المشرع هذا الجانب في المدونة الجديدة ويأخذ بعين الاعتبار المزايا التي تحققها مسطرة الطعن الإداري لذلك ألزم المشرع المغربي في مدونة تحصيل الديون العمومية الملزم الذي ينازع في إجراء من إجراءات التحصيل سلوك مسطرة التظلم الإداري قبل عرض النزاع أمام القضاء حيث جاء في المادة 120 من المدونة ما يلي: ” ترفع المطالبات المتعلقة بإجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة عدم القبول، إلى رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل المعني أوالى من يمثله داخل أجل ستين يوما(60) الموالي لتاريخ تبليغ الإجراء مدعمه بالمستندات التي تثبت تكوين[34] الضمانات، طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 118 عند عدم رد الإدارة داخل أجل ستين يوما (60) الموالي لتاريخ توصلها بالمطالبة، كما في الحالة التي يكون القرار في غير صالح المدين، يمكن لهذا الأخير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة.
إن ما يثير الانتباه في المادة هو أنه بالإضافة إلى تقرير المشرع لإلزامية الطعن الإداري الأولى أمام الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل المعني أو من ينوب عنه، فإنه رتب أثر قانونيا على مخالفة هذه القاعدة، ويتمثل في عدم قبول المنازعة المثارة قبل الملزم ينازع في إجراءات التحصيل.
لقد أحسن المشرع المغربي صنعا حين رتب عن إغفال إلزامية الطعن الإداري في ظهير 21 غشت، إقرار صراحة عدم قبول المنازعة أمام القضاء وذلك في حالة عدم احترام المسطرة الإدارية الإجبارية المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، لكن وبالرغم من ذلك اكتنف مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 120 بعض الغموض، حيث إن المشرع المغربي في المجال الجبائي لم يبين المقصود من الرئيس الذي ينتمي إليه المحاسب، هل هو رئيس الإدارة في الخازن العام أو الرئيس المباشر أي الخازن الجهوي أو الإقليمي؟وترتيبا عليه يقضي المنطق السليم توجيه الطعن الإداري كتابة إلى الخازن العام على غرار المشرع الفرنسي الذي ألزم المتعرض بتحرير كتابي يوجه للخازن العام في حالة ما إذا كانت الضريبة المتنازع بشأنها قد تم تحصيلها قبل المحاسب العمومي للخزينة، ونفس النهج سار عليه المشرع المغربي بخصوص الكتابة حيث يتبن من خلال المادة 120 و211 من المدونة على أن الطعن الإداري الأولى يتم في شكل طلب أو مذكرة يوجه غالبا إلى مصلحة الاستخلاص بل أكثر مكن ذلك أكد المشرع المغربي في المجال الجبائي على مجموعة من الضوابط التي يجب احترامها عند تقديم الطعن الإداري التمهيدي، فالمطالبة الأولية يجب أن تكون فردية أي تخص كل ملزم فرد على حدى ولا تقبل الطلبات الجماعية إلا في حالة في حالات استثنائية كما هو الشأن في حالة صدور جدول ضريبي واحد يحمل أسماء مجموعة من الملزمين إضافة إلى ضرورة حملها لتوقيع المعني بالمعني بالأمر أو من ينوب عنه.
كما يجب أن يتضمن الطلب الإشارة إلى نوع الضريبة، مرجعها وتاريخ الأمر بالتحصيل والإدلاء بنسخة من الجدول الضريبي وكذا الإعلام الضريبي الذي توصل به الملزم إلى المرحلة الودية للتحصيل، إضافة إلى توضيح بعض البيانات الازمة في الطلب كاسم الملزم، هويته وعنوانه الكامل وغيرها من البيانات.
أما من حيث موضوع المطالبة، فيجب أن يتضمن تلخيصا دقيقا للوقائع والوسائل القانونية التي يعتمدها كي يتيح للإدارة إمكانية الاستجابة لمطالبته جزئيا أو كليا بالقبول أو بالتخفيض، لذلك على الملزم إرفاق طلبه بجميع وسائل الإثبات التي تدعم طلبة عملا بمقتضيات المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
تدخل المشرع المغربي في المجال الجنائي ببذل جهود حقيقة لتقرير إلزامية مسطرة الطعن الإداري في مدونة التحصيل نظرا لما تحققه من مزايا متعددة نذكر منها.
توفير فرص أخرى أمام المدين لتسوية المنازعة،
تمكين الإدارة المسؤولة من إصلاح الأخطاء والإغفالات التي تكون قد ارتكبتها.
تسوية نسبه مهمة من المنازعات على المستوى الإداري والتي لا حاجة لطرحها أمام القضاء
طرح المنازعة على جهة تتوفر أكبر من غيرها على جميع المعطيات الواقعية والبيانات الازمة وعلى اصل الملف الخاص بالمشتكي.
ثانيا– شروط مسطرة الطعن:
بالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية يتبين بأن المشرع المغربي اشترط ثلاث شروط يجب توفرها في الشكليات أو الطعون المقدمة بشأن إجراءات التحصيل الجبري.
وترتيب عليه: يتعلق الشرط الأول
بأجل الطعن الإداري:
حدد المشرع المغربي أجل تقديم الطعن الإداري في المنازعات المتعلقة بالتحصيل في المادة 120 من قانون 97 – 15 بمثابة مدونة لتحصيل الديون العمومية في ستين يوما الموالية لتاريخ تبليغ الإجراء موضوع المنازعة سواء تعلق الأمر بالإنذار أم الحجز، بالبيع أم بالإكراه البدني، هنا تظهر أهمية احتراز المحاسب وحرصه على ضرورة مباشرة مسطرة التبليغ على وجهها القانون المحدد كما تظهر أهمية ضبط تاريخ تبليغ أي عمل من أعمال المتابعة لما له من فائدة في بداية احتساب تاريخ توجيه الطعن ضده، فالمدين ملزم بإثبات أن الطعن قدم داخل أجل ستين يوما المذكورة[35].
ويعتبر أجل تقديم الطعن الإداري الأولي أمام المحاسب المكلف بالتحصيل أو من يمثله أجل سقوط متعلق بالنظام العام، حيث ينتج عن عدم احترامه سقوط الحق في رفع النزاع أمام القضاء إن التزام المدين بأجل تقديم المطالبة الإدارية يقابله من جهة أخرى التزام الإدارة كذلك بأجل للرد وهو ستون يوما (60) الموالية لتاريخ تبليغ المطالبة أو تاريخ التوصل بالمذكرة، فانصرام هذا الأجل هو الذي يفتح في وجه المتظلم إمكانية إقامة الدعوى داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبليغ قرار الإدارة أو انصرام أجل الرد[36].
أما في حالة مباشرة الحجز على أموال في حوزة المدين والحالة أنها مملوكة للغير فإن ذلك يترتب عنه قيام هذا الغير بالمطالبة بإخراج أمواله من الحجز أو باسترداد الأموال التي لا تقبل الحجز قانونا[37]، ” إذ يجب على المطالب أو يوجه مذكرة إلى رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل مرفقة بجميع الوثائق والحجج اللازمة، بواسطة البريد المضمون مع الإشارة بالتوصل يمكن أنداك اثاره النزاع أمام القضاء.
ويجب أن ترفع الدعوى أمام القضاء، تجف طائلة عدم القبول، داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبليغ قرار الإدارة أو انقضاء أجل الرد الممنوح لها في إطار ما:
دعوى الاستحقاق الفرعية
دعوى رفع اليد عما لا يجوز قانونا
دعوى الحكم ببطلان مسطرة التحصيل[38].
إذا كان لا بد من إعداد المذكرة التمهيدية في طلبات استرداد أموال الغير أو رفع الحجز عن ذلك التي لا تقبل الحجز، والكتابة بالبريد المضمون مع الإشعار بالتسليم وانتظار أجل ستين يوما(60) لجواب الإدارة فهل يملك المحاسب المكلف بالتحصيل الاستمرار في عمليات التنفيذ بعد الحجز رغم التعرض عليه بالمذكرة التمهيدية؟
يرتب القانون الفرنسي في هذه المسألة آثار قانونية مفادها إيقاف التنفيذ بقوة القانون لمجرد تقديم التظلم التمهيدي الهادف إلى رفع الحجز عن الأموال المطالب بها وذلك بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 283 من القانون الفرنسي لمسطرة المنازعة الجبائية، أما بخصوص المشرع المغربي فقد اكتفى في الفقرة الأخيرة من المادة 121 من مدونة تحصيل الديون العمومية بالإشارة إلى إمكانية إيقاف تنفيذ بيع المحجوز حيث جاء فيها “يمكن إيقاف تنفيذ بيع الأثاث المطالب بها إلى حين البث النهائي في المطالبة أو طلب الفصل” ولم يقم بتحديد الجهة التي تعود لها صلاحية هذا الإيقاف ولا الضمانات التي يجب دفعها، ونتيجة لذلك، فإن ما تضمنته المادة 121 من نفس المدونة يتعلق ببيع الأشياء المحجوزة مع إستمرار الحجز عليها وتبقى صلاحية الترخيص بالإيقاف من اختصاص الجهة التي تولت إيقاع الحجز، أي القابض المكلف بالتحصيل، إلى حين البث نهائيا في المطالبة أو الفصل من طرف الإدارة المتظلم لديها”.
أما الشرط الثاني فيتعلق بشرط توجيه الطعن للجهة المختصة إن تمييز بين مختلف المراحل التي تمر منها عملية تحصيل الضريبة جعل المشرع المغربي يحدد الجهات المؤهلة لنظر المنازعات المشار بخصوص كل مرحلة على حدة ترتيبا عليه فإن كانت الإدارة الضريبية هي الجهة المختصة في نظر الطعون المتعلقة بتحديد الوعاء الضريبي، فإن رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل هو المختص بنظر الطعون المرفوعة في المنازعات المثارة بشأن التحصيل الجبري.
وهكذا نصت المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه:
“يوجه الطعن إلى رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل”.
لقد حددت المدونة المراد برئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل كما يلي:
الخازن العام بالنسبة للديون التي تقوم باستخلاصها الخزينة العامة للمملكة.
مدير الضرائب بالنسبة للديون التي تقوم باستخلاصها إدارة الضرائب (رسوم التسجيل)
وزير الداخلية بالنسبة للضرائب والرسوم المحلية.
شرط تقديم الضمانات:
لقد اشترط المشرع المغربي في المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية لقبول الطعن الإداري الأولى ضرورة تقديمه بالمستندات التي تثبت تكوين الضمانات طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 118 من نفس المدونة والتي جاء فيها ذكر هذه الضمانات على سبيل المثال[39] لا الحصر.
الفقرة الثانية: الآثار القانونية لمسطرة الطعن الإداري الأولي
سنتناول في هذه الفقرة الآثار القانونية المترتبة عن تقديم الطعن الإداري.
أولا- الآثار القانونية المترتبة عن تقديم الطعن الإداري:
لم يرد المشرع المغربي في مدونة تحصيل الديون العمومية أي تفاصيل أو شروحات حول كيفية ومضمون الطعن الإداري الأولي ما يبعث على التساؤل حول ما إذا كانت العبرة بمبدأ تقديم الطعن الإداري فقط أم بمضمون هذا الطعن؟
لاشك أن الأمر يبقى متروكا للسلطة التقديرية للإدارة التي يتحتم عليها التصرف بنوع من المرونة مع المدينين، فيمكنها استدعاؤهم لاستكمال شروط وبيانات شكايتهم ولا يمكنها رفض الشكليات والمطالبات الواردة عليها إلا إذا تبين استحالة الوقوف على نية المدين المتظلم وملتمساته.
إلا أن أثر القانون العام المترتب عن تقديم الطعن الإداري الأولي، هو الذي تم التنصيص عليه من طرف المشرع في الفقرة الأولى من المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية والتي جاء فيها ” ترفع الطلبات المتعلقة بإجراءات التحصيل تحت طائلة عدم القبول, نص المشرع المغربي صراحة على أن الأثر القانوني المترتب عن إغفال تقديم الطعن الإداري الأولي هو عدم قبول المنازعة أمام القضاء.
وتكريسا لتوجه المشرع الصريح فقد سار العمل القضائي في مجموعة من الأحكام والقرارات على عدم قبول دعوى الملزم الذي أثار النزاع أمام القضاء دون سلوكه مسطرة الطعن الإداري الأولي معتبرا أن مقتضيات المادة 120 من النظام العام[40].
ثانيا- الآثار القانونية المترتبة عن تقديم الطعن الإداري الأولي
إن سلوك الطاعن مسطرة التظلم الإداري الأولي تترتب عنه نتيجتان: أما إيجاد تسوية نهائية للمنازعة على المستوى الإداري وأما اللجوء إلى القضاء.
إيجاد تسوية للفراغ على مستوى الإداري:
لقد أبان سلوك مسطرة الطعن الإداري الأولي عن تسوية نسبة مهمة من المنازعات المتعلقة بإجراء التحصيل خلال المرحلة الإدارية بحيث لا تعرض أمام القضاء إلا القضايا المستعصية والتي استمر الخلاف بشأنها، لكن رغم ذلك تظل المرحلة القضائية للمنازعات المتعلقة بالتحصيل المرحلة الحاسمة نظرا لما يوفروه القضاء من حياد واستقلالية.
اللجوء إلى القضاء:
لقد جاء المشرع من خلال الفقرة الثانية من المادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية بحالتين يمكن اللجوء فيهما إلى القضاء للمنازعة في إجراءات التحصيل أولاهما، حالة عدم ردا الإدارة داخل أجل ستون يوما (الحالة الأولى) وثانيهما، الحالة التي يكون فيها القرار المتخذ في غير صالح المدين(الحالة الثاني).
الحالة الأولى: حالة عدم رد الإدارة داخل أجل ستين يوما نص المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من الفصل 120 على ما يلي عند عدم رد الإدارة داخل أجل ستين يوما الموالي لتاريخ توصلها بالمطالبة… يمكن لهذا الأخير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة يعتبر عدم رد الإدارة على تظلم الملزم المدين من خلال لأجل المذكور بمثابة رفض ضمني لتطلعه الشيء الذي يفتح أمامه باب اللجوء إلى القضاء المختص.
الحالة الثانية: عندما يكون القرار المتخذ في غير صالح المدين
وهي الحالة التي لا تستجيب فيها الإدارة جزئيا أو كليا لملتمسات المدعي الواردة في شكايته’وهو ما يتطلب من المدين أن تكون ملتمساته واضحة ومحددة بالشكل الذي يجعل الإدارة تستوعبها وتبين منها
المطلب الثاني : المسطرة القضائية في منازعات التحصيل الضريبي والتعرض على المتابعات.
لقد أعطى المشرع للملزم الحق في منازعة الإدارة الجبائية وأحاطه بكل الضمانات حتى لا يلحقه ضرر أو تجاوز في استعمال السلطة لكن هذا لا يعني حرمان الإدارة الضريبية من الوسائل القضائية التي تسلكها لحماية حقوقها .
وإذا كانت النصوص الموضوعية المتعلقة بالقوانين الجبائية لا تقبل أي توسع في الفهم أو التفسير بما لا تحتمله .فإن الإجراءات المسطرية للتقاضي على العكس من ذلك تقبل التوسع في التفسير بما يحقق العدالة ويحقق المصلحة للملزم والإدارة على حد السواء ولفهم هذه المسطرة _القضائية _ لا بد من التطرق إلى خصائصها و التي من خلالها تتم حماية الحقوق المخولة للمتقاضين سواء الملزم أم الإدارة الضريبية (الفقرة الأولى ) ،وكذا الإمكانات التي تتاح للملزم في حالة إخلال الإدارة بالإجراءات الشكلية المتعلقة بكل متابعة (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : خصائص المسطرة القضائية في منازعات التحصيل الضريبي .
بالرغم من كون قواعد المسطرة المدنية هي المطبقة أمام المحاكم الإدارية إلا أن هذا لا يمنع من وجود خصائص معينة تمتاز بها مسطرة التقاضي في دعوى منازعات التحصيل الضريبي عن دعوى المنازعة في القضايا المدنية . ومرد هذا التمييز راجع إلى عدة عوامل لها صلة بطبيعة هذه الدعوى المشار إليها في المبحث الأول أعلاه ،وكذا طرفي الدعوى .ذلك أن أحدهما هو الإدارة الضريبية التي لها امتياز السلطة العمومية ،وتحقيقا للعدالة وجب لهذه المسطرة أن تكون كتابية تواجهية (أولا) ،وأن تكون تنقيبية تحقيقية (ثانيا) .
أولا : الطابع الكتابي والتواجهي للمسطرة القضائية .
أ)الطابع الكتابي .
لا يمكن تصور المنازعات بطريقة شفوية في مجال لا يعرف سوى المستندات والحسابات والأرقام ،لذلك استقرت إجراءات التقاضي في منازعات التحصيل الضريبي على الطابع الكتابي وقد تم تكريس هذا المبدأ بموجب المادة الثالثة من قانون المحاكم الإدارية الذي ينص على أن القضايا ترفع أمام المحكمة الإدارية بعريضة مكتوبة.
كما أنه وبعد اعتماد الطابع الكتابي لمسطرة التقاضي الجبائية أصبحت المستندات والدفاتر الحسابية هي وسيلة الإثبات في المادة الضريبية عوضا عن الشهود أو اليمين[41].
وترجع خصيصة الكتابة هذه في رفع دعوى منازعة التحصيل الضريبي أمام المحاكم الإدارية إلى :
1 دور القاضي في هذه الدعوى الذي يتمتع بسلطات إيجابية على مستوى سير الدعوى لا سيما في توجيه إجراءاتها .وهو توجه أكدته المادة 4 من قانون 90_41[42] .
2 الأصل الإداري للمنازعة الضريبية في التحصيل ،فالكتابة عي وسيلة التعبير العادية للإدارة عموما والإدارة الضريبية على وجه الخصوص .
وتخدم خاصية الكتابة بشكل كبير الملزم في مصالحه ،حيث أنها تتيح للقاضي الإداري دراسة كل الطلبات بتمعن واضطلاعة على وسائل الإثبات التي يدلي بها الأطراف إضافة إلى إثاحتها الفرصة أمام الملزم لعرض وجهة نظره بشكل دقيق ومفصل قد لا يبلغة لو كانت المسطرة شفويا لذك فإنه يفضل دائما الإكتفاء بالمذكرات المكتوبة[43] .
ب) الطابع التواجهي
تتجسد المسطرة التواجهية في تبادل المذكرات والتعقيب عليها بين أطراف الدعوى في مختلف المحاكم المغربية حيث نجد في حيثيات بعض أحكامها إلزامها بهذه المسطرة أي المسطرة التواجهية .
ذلك أن دعوى المنازعات الضريبية تجمع بين طرفين غير متكافئين ، فمن جهة الإدارة الضريبية التي تتوفر بحكم القانون على عدة إمتيازات ،ومن جهة أخرى الملزم الذي يمثل الطرف الضعيف في هذه المنازعة .ولحماية هذا الطرف وحماية التعامل معه على قدم المساواة مع الإدارة الضريبية أضيف الطابع التواجهي إلى مسطرة المنازعة الضريبية حتى يتمكن من عرض وجهة نظره والدفاع عن مواقفه والجواب على دفوعات الإدارة الضريبية.
وما يؤكد التوجه السالف الذكر الإمكانات التي منحها المشرع المغربي للملزم من خلال العديد من المقتضيات القانونية التي نجد على رأسها :
_الفصل 331 من قانون المسطرة المدنية الذي يمنح للأطراف ووكلائهم الإضطلاع على مستندات القضية في كتابة الضبط دون نقها.
_الفصل 332 من القانون نفسه الذي يلزم بإيداع مذكرات الدفاع وكذلك الردود ولك المذكرات والمستنتجات الأخرى في كتابة الضبط أن يكون عدد نسخها مساويا لعدد الأطراف ، وإلا تم التشطيب على الدعوى بعد إخبار المعني بالأمر بضرورة الإدلاء بالعدد الكافي من النسخ في ظرف 10 أيام .
وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الضريبية يمكن أن تمنع الملزم من الضطلاع على الوثائق والمستندات التي تعزز موقفه تحت ذريعة المحافظة على السر المهني ولو تعلق الأمر بمعلومات تخص الأغيار[44] .
وتجدر الإشارة إلى أن المسطرة حضورية هنا إذ لا يجوز إعمال الأثر الذي رتبه المشرع على عدم حضور الأطراف أمام المحاكم العادية _الشطب_ في الدعوى الجبائية ، لأن نظام التقاضي الإداري يقوم على أساس تحضير الدعوى وتهيئتها للفصل فيها .إذ لا يتصور صدور حكم بدون تمكين الخصوم من إبداء دفوعاتهم والرد على جميع المسائل التي أثيرت في المقال الإفتتاحي في جميع أطوار المحاكمة حتى يصدر الأمر بالتخلي من المستشار المقرر .
وفي حال تخلف أحد أظراف الدعوى عن تقديم مستنتجاته داخل الأجل الأول أو الثاني بت في القضية بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الأطراف[45] .
ثانيا : الطابع التنقيبي والتحقيقي للمسطرة القضائية .
ويتجلى ذلك من خلال الدور الموكول إلى القاضي المقرر الذي يتولى تعيينه رئيس المحكمة الإدارية بعد إحالة الملف علية وذلك بحضور المفوض الملكي ،فهو يتدخل في تنظيم المسطرة.وذلك باستدعاء الأطراف للإجابة على المذكرات والدفوعات في الوقت الذي يراه مناسبا لذلك ، كما يمكنه تقديم مساعدة للمتقاضين عن طريق استدعائهم لاستكمال شكليات مذكراتهم كما يمكن له الأمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة ومعاينة متى ما رأى أن ذلك ضروريا .
ويقوم القاضي المقرر بتبليغ المقال الإفتتاحي للطرف الآخر ،مع إعلامه بوجوب تقديم مذذكراته الدفاعية والمستندات التي يود الإستناد عليها وذلك قبل الجلسة المقبلة التي يعين تاريخ إنعقادها ،ويمكن للقاضي المقرر ان يأمر سواء من تلقاء نفسه أم بناء على طلب الأطراف باي إجراء من إجراءات التحقيق من بحث وخبرة وحضور شخصي دون أن تشكل هذه الأوامر مساسا بالدعوى الأصلية [46].
الفقرة الثانية :التعرض على نتابعات التحصيل الضريبي .
تأخذ هذه المنازعات حيزا هاما في المنازعات المرتبطة بتحصيل الديون العمومية .إذ أن الإدارة الضريبية تكون مضطرة إلى إتباع طرق عادية واستثنائية بقصد إرغام المدين على الوفاء بالتزامه تجاهها .هذه الطرق لابد لها أن تتم وفق إجراءات شكلية مسطرية قبل القيام بأي متابعة وإلا ترتب عن ذلك إمكانية المنازعة في صحتها وفق ما تضمنه القانون 97_[47]15 .
وبالرجوع إلى الفصول المنظمة لمختلف هذه المتابعات نجد المشرع قد أعطى للمحاسب مجموعة من السلطات إلا أنه لم يحرم الملزم من وسائل الدفاع إزاء هذه التدخلات حيث يحق له أن ينازع في مسطرة التحصيل ويكون هذا التعرض في شكل دعوى يقدمها الملزم أمام المحاكم المختصة في حالة إخلال الإدارة الضريبية بالإجراءات الشكلية المتعلقة بكل متابعة وتكون هذه المنازعات على شكل تعرض على قرار المتابعة .فيكون هذا التعرض إما على الإنذار أو على الحجز(أولا) ،أو يكون على البيع أو الإكراه البدني (ثانيا)
أولا :التعرض على المتابعة أوالحجز .
أ)التعرض على الإنذار .
نصت المادة 39 من قانون 97-15 على درجات التحصيل الجبري للديون العمومية فقالت :
“تباشر إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية حسب الترتيب التالي
_الإنذار .
_الحجز .
_البيع .
ويمكن أيضا اللجوء إلى الاكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى وفق الشروط المنصوص عليها في المواد من 76 إلى 83 أدناه.
كما سبق تحديده في النص أعلاه أن هذه الإجراءات لا بد لها من أن تبتدئ بالإنذار والذي لا يمكن أن يكون إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر وهو ما نصت عليه المادة 36 من القانون نفسه .
ويرسل هذا الإشعار بعد مضي أجل 30 يوما إبتداء من تاريخ الإستحقاق و عسرين يوما على الأقل بعد إرسال آخر إشعار دون صوائر وهذا ما قالت به المادة 41 من قانون 97-15 [48].
وقد أعطى المشرع للملزم ضمانات قوية فيما يتعلق بالإنذار الذي يجب تسليمه بطرق التبليغ المنصوص عليها في المادة 42 والتي تتمثل في :
_التبليغ بالطرق الادارية .
_التبليغ عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصل .
والملزم في حالة عدم إحترام هذه الشكليات المتعلقة بتبليغ الإنذار من طرف الإدارة الضريبية يصبح من حقه التمسك في مواجهتها بعدم سلامة الإجراءات المنصوص عليها قانونا وهو ما يميز المنازعة في التحصيل عن المنازعة في الوعاء أو ما يسمى بالمنازعة الضريبية نفسها[49] .
وقد صدر حكم في هذا الإطار عن المحكمة الإدارية بالرباط حيث صرحت فيه ببطلان الإنذار القانوني بموضوع النزاع معللة ذلك بقولها :”حيث إنه ليس بالملف ما يفيد توصل الطاعن بأي إشعار قبل توصله بالإنذار الضريبي المطعون فيه طبقا للمسطرة المقررة لذلك “[50].
كما يمكنه كذلك أن يعترض على الإنذار الذي لا يتضمن البيانات التي قد تدله على طبيعة الدين المطالب به ومكان الآداء ، وغيرها من البيانات . وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بالرباط ببطلان الإنذار ،وذلك حكم لها بتاريخ 2000-01-20 :”وحيث أن الإنذار لا يتضمن نوع الضريبة والرسوم المطلوب إستخلاصها مما يجعله خاليا من البيانات الأساسية …وحيث والحالة هذه تكون الوسيلة المعتمدة من طرف المدعي مرتكزة على أساس وبالتالي يتعين إعتمادها والتصريح لذلك ببطلان الإنذار المتعرض عليه[51] .
إلا أنه وبالرغم من ذلك تجدر الإشارة إلى أن الملزم قد يحرم من هذا الترتيب ،بل الأكثر من ذلك قد يحرم من المرحلة الرضائية للتحصيل وذلك في حالة من إذا قام الملزم بتصرفات قد تترتب عليها عدم إمكانية حفظ حق الخزينة المتمثل في استخلاص الدين الضريبي .
وفي هذا الصدد نصت المدونة على إجراء متميز يتمثل في الإنذار بمثابة حجز تحفظي وذلك في حالة إخبار المحاسب المكلف بالتحصيل ببداية أخد الأثاث أو الثمار خفية و يخشى من جراء ذلك ضياع ضمان الخزينة .كما يمكن توجيه إنذار إلى المدين في حالة ما تعذرت مسطرة التبليغ[52] .
ب)التعرض على الحجز :
نصت المادة 37 من قانون 97-15 على أنه باستثناء الإنذار لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري ،إلا بموجب قائمة إسمية بمثابة ترخيص تبين المدين أو المدينين المشار إليهم في المادة 29 ،ويصدر هذا الترخيص عن رئيس الإدارة التي ينتمي لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو من الشخص المفوض من طرفه لذلك .
كما تنص المادة 41 من القانون نفسه على أنه لا يمكن تبليغ الإنذار إلا بعض مضي أجل ثلاثسن يوما إبتداء من تاريخ الإستحقاق وعشرين يوما على الأقل بعد إرسال آخر إشعار المنصوص عليه في المادة 36 أعلاه.
وعلى هذا الأساس إذا لم يؤدي الملزم ما بذمته داخل الأجل المنصوص عليه قانونا والمحدد في 20 يوما من تاريخ تبليغ الإنذار فمن حق الخزينة أن تنتقل إلى الدرجة الثانية من درجات المتابعة المنصوص عليه في المادة 39 من قانون 97-15 والمتمثل في الحجز على أموال المدين الممتنع عن الآداء من طرف المحاسب ،إلا أنا لمشرع يتطلب بالإضافة إلى ذلك ،ضرورة الحصول على ترخيص من رئيس الإدارة التي ينتمي إليه المحاسب.
وتوافر هذه الشروط يجعل الخزينة محقة في الحجز على أموال الملزم المنقولة[53] ، باستثناء المنقولات المنصوص عليها في المادة [54]46 من القانون نفسه وكذا إمكانية الإنتقال إلى حجز العقارات في خالة عدم كفاية المنقولات.
ومع كل هذا فيمكن الإدارة الضريبية وفي إطار القيام بالمهام المنوطة بها والمتمثلة في إمكانية الحجز على أموال المدين بدين ضريبي قد تخل ببعض الإجراءات الشكلية المنصوص عليها قانونا لصحة المتابعة ،مما يجل الملزم محقا في التعرض على هذه الإخلالات الشكلية والتي قد تكون لها انعكاس على وضعه الاقتصادي .
فقد تخل الخزينة بالإجراء المتعلق بأجل الإنذار للمرور إلى مرحلة الحجز ،وقد تعمد إلى الحجز على أموال مستثناة من الحجز [55].
الخزينة أثناء القيام بعملية الحجز قد تعمل إلى حجز أموال منقولة تعود للغير وليست مملوكة للمدين بالرغم من وجودها في حوزته ،مما يثير العديد من الإشكالات خصوصا إذا كانت هناك حجة قاطعة بأنها ليست في ملك المدين[56] .
وبالفعل فإن رئيس المحكمة الإدارية باعتباره قاضيا للمستعجلات وفي إطار بعض الأوامر التي صدرت في هذا الإطار يطبق المادة 468 من قانون المسطرة المدنية ،حيث يأمر بتأجيل البيع إلى حين البت في دعوى الإستحقاق من طرف قضاء الموضوع إذا ما تبين له وجاهة الطلب وجديته [57]،وكل هذا تفاديا لتعذر إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة ما إذا إستجابت المحكمة للطلب الرامي إلى استحقاق المنقولات المحجوزة .
ثانيا : التعرض على إجراءات البيع .
تنص المادة 58 من قانون 97-15 على الآتي ذكره :
لا يمكن القيام بأي بيع إلا بموجب الترخيص المنصوص عليه في المادة 37 أعلاه الذي يعطي للمحاسب المكلف بالتحصيل من كرف رئيس الإدارة التي ينتمي إلها المحاسب المذكور .
ومن خلال المادة أعلاه يتبين لنا أن المحاسب لا يمكنه القيام بعملية البيع –بيع الأشياء المحجوزة -إلا بموجب قائمة إسمية بمثابة ترخيص تبين المدين أو المدينين يصدره رئيس الإدارة الضريبية التي ينتمي إليها المكلف بالتحصيل أو من ينوب عنه .
كما أن المادة 59 لم تحدد أي أجل بالنسبة لإجراء البيع ،باستثناء بيع الأثاث والأمتعة المحجوزة والثمار التي أوشكت على النضج بعد ثمانية أيام إبتداء من تاريخ الحجز. كما يمكن تقصير هذا الأجل بالإتفاق مع المدين لاسيما خين يخشى تلف المحجوزات أو إذا كانت صوائر الحراسة غير متناسبة مع قيمتها .
وهكذا يتم بيع المحجوزات إما من قبل المحاسب المكلف بالتحصيل أو لحسابه من كرف مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة ،وإما من كرف مأموري كتبات الضبط أو المفوضين القضائيين ،وذلك بطلب من المحاسب المذكور بحضور السلطة الإدارية أو من يمثلها ،كما يمكن للمدين المحجوز عليه بطلب منه وبترخيص من رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل أن يبيع الأنتعة المحجوزة بنفسه ،ويخول له القيام بذلك في أجل ثلاثين يوما من تاريخ الترخيص الممنوح له وفق هذه الحالة ،ويتم البيع بحضور مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة وذلك لحساب المحاسب المكلف بالتحصيل [58].
وفي إطار قيام المحاسب المكلف بالتحصيل بيع المحجوزات المضمنة بمحضر الحجز التنفيذي فرض عليه المشرع مجموعة من الالتزامات وهي :
1 إيقاف البيع بمجرد ما يكون محصوله كافيا لتسديد مجموع المبالغ الواجبة .
2 يمنع من المشاركة في عملية المزايدة التي قد تتم بمبادرة منه أو بمبادرة من المدين [59].
وفي حال الإخلال بأحد الإجراءات الشكلية أو المسطرية السابق الإشارة إليها والمتعلقة بالبيع من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل أو مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة فمن حق المدين المحجوز عليه التعرض على إجراءات البيع التي تتم دون استصدار إذن من طرف رئيس الإدارة التي ينتمي المكلف بالتحصيل ،و الذي يكون إما :
الخازن العام للممكلة .
المدير العام لإدارة الجمارك.
مدير الضرائب .
المدير العام في المؤسسة العمومية .
كما يمكن للغير التعرض على البيع إذا كانت المنقولات المحجوزة ليست في ملكية المحجوز عليه .
وفي هذا الباب صدر أمر عن قاضي المستعجلات بالحكمة الإدارية بمكناس جاء فيه :
“بعد الإضطلاع على الوثائق المدلى بها وخاصة القانون الأساسي للشركة وبيانات الملكية للمنقولات المتعلقة بالتصريح والتسجيل ودفع لجميع المساهمين ومحضر الحجز المشار إلى مراجعها أعلاه تبين أن المنقولات المحجوزة ليست في ملك المنفذ عليهم وإنما في ملك المدعي مما تكون معه مقتضيات الفصل 468 من قانون المسطرة المدنية منطبقة على النازلة وبالتالي يتعين الإستجابة للطلب ونأمر بإيقاف إجراءات البيع وعلى المدعية أن تتقدم بطلب إستحقاق إلى المحكمة الإبتدائية داخل ثمانية أيام من تاريخ صدور هذا الأمر تحت طائلة مواصلة الإجراءات “[60].
وفقي الإطار نفسه صدر أمر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بإيقاف البيع المنصب على المنقولات المدعية موضوع المحضر عدد 98/97/2295 وذلك إلى غاية البت في طلب الإستحقاق الذي تتقدم به المدعية أمام المحكمة .
خاتـــمـــــــــــة :
لقد تبين لنا من خلال ما سلف مناقشته أعلاه أن المشرع الضريبي عبر عن نية صادقة في تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية والمتوخاة بشكل يهدف إلى تحقيق التوازن الأمثل بين حقوق الإدارة في عمليات التحصيل الضريبي وحقوق الملزم ،وذلك من خلال إعطائه مكنة المنازعة في مساطر التحصيل سواء من خلال المسطرة الإدارية أم القضائية التي تمكن الملزم من التقدم بمجموعة من التعرضات .
ونشير إلى أن المشرع ألزم الإدارة الضريبية بإتباع مجموعة من المراحل خلال عملية التحصيل –الإنذار ،الحجز التنفيذي-البيع ،وفي هذا الأمر تقليص للسلطات الواسعة التي كانت متوفرة لها وتوسيع للضمانات الممنوحة للمدين بدين ضريبي من أجل التعرض على المتابعات في حالة وجود خرقات شكلية ويبقى هنا الدور الرئيس للقضاء الإداري لتطبيق هذه النصوص لحماية الملزم عند المنازعة في إجراءات التحصيل .
لائحة المراجع
المراجع المتخصصة :
_عبد القادر التيعلاتي “النزاع الضريبي في التشريع المغربي “دار الأحمدية للنشر،الدار البيضاء 2001 الطبعة الأولى.
_جهدكان حجيبة “تحصيل الديون الضريبية في المسطرة المدنية وخصوصيات التشريع الضريبي”المطبعو والوراقة الوطنية ،مراكش 2006 ،الطبعة الأولى .
_يونس معاطا” المنازعات في تحصيل الديون الضريبية بالمغرب ” السلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية ،العدد الاول ،طوب بريس ،الرباط-يناير 2012.
_عبد الرحمان أبليلا ورحيم الطور “تحصيل الضرائب والديون العمومية على ضوء الدونة الجديدة ،مطبعة الأمنية ،الرباط 2000.
_عبد الحميد الحنودي “تحصيل الديون العمومية في التشريع والقضاء المغربي “دوم ذكر الطبعة ودار النشر وسنة النشر .
_كريم الحرش “شرح القانون الضريبي المغربي وفقا لمستجدات قانون المالية 2014 “الطبعة الثانية ،طوب بريس ،الرباط،2014.
الرسائل والأطروحات :
الأطروحات :
_عبد الرحيم أحربيز “إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب ” أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق لوحدة البحث وتكوين المالية العامة جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق عين الشق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية 2003-2004 .
_فاطمة المعاشي “وضعية الكلف في التشريع الضريبي المغربي وعلاقته بالإدارة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال ،الرباط، السنة الجامعية 2000-2001.
الرسائل:
محمد مفيد “منازعات التحصيل الضريبي أمام القضاء الإداري “رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة الحسن الأول ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات ،السنة الجامعية 2013-2014.
_سيدي غالي الزيوكاي “إجراءات التحصيل على ضوء العمل القضائي “رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام مسلك العلوم والتقنيات الضريبية ،جامعة الحسن الأول ،كلية العلوم القانونية والاجتماعية سطات ،السنة الجامعية 2013-2014.
المقالات :
_حسن العفوي “المنازعات الضريبية أمام القضاء بين التأسيس والتحصيل “مجلة المحاكم الإدارية ،العدد 3 الرباط ،2008 .
محمد المقريني “المنازعات الضريبية في مرحلة التحصيل-التعرض على المتابعات وفقا لقانون 97-15 ،المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،مجلة فصيلية تعنى بالثقافة القانونية ،العدد الخامس ،الطبعة الأولى 2011 .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً