بما أن الحجز على أموال المدين أصبح هو الوسيلة الشائعة للتنفيذ، ومن هنا وجب إتباع طريق الحجز الذي يتناسب مع المال المحجوز عليه، لذلك يلزم بيان الشروط اللازمة في المال الذي يرد عليه الحجز، والمشرع الجزائري بهذا الخصوص أورد قواعد قانونية عامة ضمنها شروط يجب توافرها في المال محل الحجز وهي التي ستكون محل الفروع التالية:
الفرع الأول: أن يكون محل الحجز مالا مملوكا للمدين
يشترط لصحة التنفيذ وكقاعدة عامة أن يكون المال المراد الحجز عليه مملوكا للمنفذ ضده (1)، سواء كان المنفذ ضده يتمثل في المدين أو الكفيل (2)، ومنه لا يجوز توقيع الحجز على أموال غير مملوكة للمنفذ ضده، وذلك راجع لذات الأسباب التي يبطل من أجلها بيع ملك الغير، وهنا يكون إعتراض المالك أمرا واردا، فيطلب استرداد المال المحجوز إذا كان منقولا، واستحقاقه إذا كان عقا ا ر، وذلك بإثارة منازعة في التنفيذ في الوقت الملائم)3)، ويقع على طالب التنفيذ مهمة التحري والتثبت ومعرفة مال المدين حتى ينتج الحجز أثره القانوني (4) استثناءا يجوز إجراء التنفيذ على أموال غير مملوكة للمدين، ويكون ذلك في حالة مواجهة الكفيل، ومن آلت إليه ملكية العقار المرهون، فالتنفيذ يجري في هاتين الحالتين على مال لم يكن مملوكا للمدين، أو كان مملوكا و زالت هذه الملكية، ومع ذلك يجري التنفيذ عليه(5) ومن هذه الاستثناءات أيضا ما قرره القانون من جواز الحجز على المنقولات الموجودة بالعين المؤجرة، والفنادق (6)، سواء كانت مملوكة للمستأجر أو النزيل أم لم تكن كذلك ما دام المؤجر او صاحب النزل لا يعلمان بحق للغير عليه (7).
الفرع الثاني: أن يكون محل الحجز حق ماليا(8).
والمال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان حقا شخصيا كالحق في الإجارة بالنسبة للمحل التجاري فهو من العناصر المالية التي يجوز التصرف فيها والحجز عليها، أو حقا ماليا فإنه يترتب على التنفيذ نزع ملكية هذا المال من المحجوز عليه، ويكفي أن يكون المال محل التنفيذ قابلا للتقويم المالي، ويتمكن بذلك الدائن من معرفة ما سوف يجنيه من إيقاع الحجز على أموال مدينه (9)، وعليه فإن الحقوق غير المالية لا تصلح محلا للحجز، ويترتب على ذلك عدم جواز الحجز، على الحقوق غير المالية أو الحقوق اللصيقة بشخصية المدين، ومن ثم فإنه لا يجوز الحجز على حق المؤلف في جانبه الأدبي لما في ذلك من مصادرة لحرية المؤلف في تعديله(10)، كما لا يجوز الحجز على الرسائل الخاصة لما يتضمنه بيعها من إفشاء للأسرار(11)، كما لايجوز الحجز على براءات الاختراع التي لم تصدر بعد (12)،وكذلك الأوسمة والشهادات (13).
الفرع الثالث: أن يكون المال معينا أو قابلا للتعيين
أي أنه لا يجوز توقيع حجز عام على جميع أموال المدين، هذا على الرغم من كون الحجز نابعا من قاعدة الضمان العام الذي يجعل جميع أموال المدين ضامنة لتسديد ديونه (14). إلا أنه وفي جميع الأحوال يجب أن يكون المال محل الحجز معينا أو قابلا للتعيين. ومع ذلك إذا كان هناك مال مخصص للوفاء، فيتعين التنفيذ عليه فقط إلا إذا كان هذا غير كاف، مثل حالة الدائن المرتهن إذ يصير بعد ذلك دائنا عاديا فيفقد صفة الامتياز التي كان يتمتع بها من قبل، وبعدها يجوز له أن يجري التنفيذ على بقية أموال مدينه طبقا لما تمليه قاعدة الضمان العام ، ونشير بهذا الصدد إلى أن القانون لم يشترط أن يكون المال (15) محل التنفيذ مملوكا للمدين ملكية مفرزة، حيث يجوز الحجز على حصة شائعة للمدين وبيعها، ويصبح المشتري بالمزاد مالكا على الشيوع وتخضع علاقته بباقي الملاك لما تقضي به قواعد الشيوع(16).
الفرع الرابع: القيود التي ترد على حق الحاجز في التنفيذ على أموال مدينه
وبهذا الخصوص أن هناك مسألتين يجب التنويه إليهما، المسألة الأولى وهي معرفة ما إذا كان يتعين على طالب التنفيذ الإلتزام بترتيب معين عند إجراء الحجز؟، والثانية هل هناك قيود ترد على سلطة صاحب الحق في الحجز على أي قدر من أموال المدين؟، والإجابة على ذلك تقتضي منا التطرق إلى ما يلي:
القيد الأول: ويتمثل في عدم جواز نزع ملكية عقارات المدين إلا في حالة عدم كفاية
المنقولات باستثناء حالة الديون المضمونة برهن رسمي وأصحاب حقوق الامتياز الخاصة على العقا ا رت فإنه يجوز الحجز على العقار قبل المنقول عملا بالمادتين، 335، 379من ق أ م ، والمادة 721 من ق.إ.م.د(17)، نفس الإجراءات سارت عليها بعض التشريعات الأخرى حيث ألزمت القائم بالتنفيذ بترتيب معين، فهناك من يوجب على الدائن بالحجز، على ما F للمدين لدى الغير ثم الحجز على المنقول ثم العقار(18)، وهناك من يوجب على المحضر أن يبدأ بتوقيع الحجز على النقود السائلة ثم المنقولات الثمينة ثم الأسهم والسندات(19) ، وعليه فالمشرع الجزائري وبقية التشريعات الأخرى التي تبنت فكرة ترتيب الأموال في عملية الحجز، لم يساير بعض التشريعات الأخرى (20)، التي لم تلزم طالب التنفيذ بأي ترتيب عند إجراء الحجز، فللعون المكلف بالحجز أن يبدأ على العقار أو المنقول أو ما للمدين لدى الغير.
القيد الثاني: إشتراط التناسب بين حق الدائن وقيمة المال المحجوز عليه،
ومن ثم فلا يجوز أن يجاوز التنفيذ القدر الضروري للوفاء بالدين وتغطية المصروفات وهذا ما نصت عليه المادة 336 من قانون إ م(21) ، هذا مع العلم أن الدائن وقت ممارسته لإجراءات التنفيذ بالحجز، يسعى إلى حجز أكبر قدر ممكن من أموال مدينه، وذلك من باب الاحتياط، وخشية مزاحمة دائنين آخرين له في التنفيذ، بحيث يؤدي تدخل هؤلاء الدائنين إلى إنتقاص حصيلة التنفيذ بتقسيمها بين هؤلاء المتدخلين في الحجز الأمر الذي يجعل تصرف الدائن مبررا من الوجهة القانونية (22)، شريطة تحديد المال محل الحجز(23).
__________________
1- أنظر: أحمد خلاصي: قواعد وٕاجراءات التنفيذ الجبري وفقا لقانون الإجراءات المدنية الجزائري والتشريعات المرتبطة به، منشورات عشاش، الجزائر)الطبعة بدون تاريخ(، ص 237 ، وكذلك عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري في قانون الم ا رفعات المصري، دار النهضة العربية، القاهرة 2001 ، ص 314 ، وعمارة بلغيث: التنفيذ الجبري وٕاشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة للطرق التنفيذ وٕاجراءاته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار عنابة 2004، ص 53 ، ومروك نصر الدين: طرق التنفيذ في المواد المدنية، دار هومة للطباعة النشر، الجزائر2005، ص 55.
2- عملا بالمادة 644 من ق م ج يجوز الحجز على أموال الكفيل الذي تعهد بأن يتكفل بالالتزام إذا لم يف به المدين.
3- وجدي راغب: النظرية العامة للتنفيذ القضائي في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية القاهرة 1973 ، ص 276
4- لحسين بن شيخ: مقدمات التنفيذ الجبري” بحث منشور بمجلة بحوث في القانون ، دار هومة للطباعة والنشر
. الجزائر 2003 ، ص 228
5- أنظر: عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 53 ، وبو شهدان عبد العالي : إجراءات التنفيذ وفق قانون الإجراءات المدنية الجزائري،)بدون دار الطبع وتاريخه( ص 60 ومحمد حسنين: طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1982، ص 32.
6- أنظر المادتين 995- 996 من ق م ج
7- ولمزيد من الإطلاع أنظر: بوشهدان عبد العالي: في المرجع السابق، ص 61 ، وعزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص .315
8- في القوانين القديمة كالقانون الروماني كان يطبق نظام إسترقاق المدين إذا عجز أو إمتنع عن الوفاء، فللدائن أن يبيع مدينه وفاء . لدينه، نقلا عن لحسين بن شيخ: المرجع السابق، ص 228 ، ه 1
9- أنظر:- عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص 313
. – عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 54
. – لحسين بن شيخ: المرجع السابق، ص 228
10- أنظر في المعنى:- عزمي عبد الفتاح: ما قبله ، ص 314
. – وجدي ا رغب: المرجع السابق، ص 275
. – مروك نصر الدين: المرجع السابق، ص 61
11-عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 57
. – وجدي ا رغب: المرجع السابق، ص 275
12- عزمي عبد الفتاح: ما قبله، ص 214
. – عمارة بالغيث: ما قبله، ص 57
13- وجدي ا رغب: المرجع السابق، ص 276
. – محمد حسنين: طرق التنفيذ، ص 38
14- أنظر: – عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص 306
. – عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 54
. – محمد حسنين: طرق التنفيذ، ص 32
15- وجدي ا رغب: المرجع السابق، ص 286
– مروك نصر الدين: المرجع السابق، ص
16- أنظر: – محمد حسنين : طرق التنفيذ ، ص 32
– عمارة بلغيث: المرجع السابق، ص 54
. – عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص 316
17- المادة 721 من ق.إ.م.د تتوافق مع محتوى المادتين 335 و 379 من ق.إ.م، وتنص على أنه : “يجوز للدائن الحجز على العقارات أو الحقوق العينية العقارية لمدينه مفرزة كانت أو شائعة إذا كان بيده سند تنفيذي وأثبت عدم كفاية الأموال المنقولة لمدينه أو عدم وجودها.
غير أن الدائن المرتهن أو صاحب حق الامتياز الخاص على عقار أو صاحب حق التخصيص على عقار، الذي بيده سندا تنفيذيا، يجوز له الحجز على العقارات/أو على الحقوق العينية العقارية لمدينه مباشرة حتى ولو إنتقلت ملكيتها إلى الغير”.
18- وذلك ما تقضي به المادة 611 من أصول المحاكمات اللبناني، نقلا عن عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري، ص 307
19- حسب نص المادة 517 م ا رفعات إيطالي، نقلا عن عزمي عبد الفتاح: ما قبله، ص 307
20- طبقا لمادة 2209 مدني فرنسي، نقلا عن عزمي عبد الفتاح : قواعد التنفيذ الجبري، ص 307
21- تنص المادة 336 ق إ م على أنه” تباشر إجراءات التنفيذ ولا يسوغ أن يجاوز التنفيذ القدر الضروري لوفاء مطلوب الدائن وتغطية المصروفات”، والملاحظ أن القانون الجديد نص على قاعدة الكف عن البيع في المادة 621 منه.
22- يمكن إعتباره التبرير العملي الذي جعل بعض التشريعات ومنها التشريع المصري لا يأخذ بهذه القاعدة.
23- محمد حسنين: طرق التنفيذ، ص 32
– عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ، ص 308
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً