بيع الوفاء بين الفقة والقانون والاجتهاد القضائي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
نتناول في هذا البحث صحة العقود التي تتضمن بيع الوفاء وخاصة في معرض ممارسة المصارف الخاصة لنشاطها في عمليات التمويل والاقراض وما تنطوي تلك العملية من مخالفة للقانون والفقة والاجتهاد القضائي.
ورد بيع الوافاء في القانون المدني السوري في نص المادة 433 التي جاء فيها:
(إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خلال فترة معينة وقع البيع باطلاً)
واعتبر المشرع السوري أن هذا النوع من البيوع هو وسيلة من وسائل الضمان والتحايل على القانون لأنه يجرد البائع من ملكيته لعقار أو المنقول بمبلغ بخس لا يتناسب مع القيمة الحقيقية للمبيع مستغلاً حاجة المقترض للمال.
وعرف الفقهاء بيع الوفاء بانه بيع المحتاج إلى النقود عقاراً أو منقولاً صالحاً للبقاء مدة طويلة على شرط استرداد البائع له عندما يعيد الثمن للمشتري، وإنما يسمى ـ بيع الوفاءـ لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط، وهذا النوع من البيع فاسد عند جمهور أهل العلم من المالكية والحنابلة والمتقدمين من الحنفية والشافعية، ونص قرار مجمع الفقه الإسلامي على عدم جوازه
ولبيع الوفاء أسماء أخرى وهي:
1-البيع الجائز: ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ المشتري أكل ريعه.
2-بيع المعاملة: وبعضهم يسمي بيع المعاملة، ووجهه أن المعاملة ربح الدين، وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه.
3-بيع الأمانة: ووجهه أنه أمانة عند المشتري بتاء على أنه رهن أي كالأمانة.
4-بيع الإطاعة: ووجهه حينئذ أن الدائن يأمر المدين ببيع داره مثلا بالدين فيطيعه فصار معناه بيع الانقياد.
الفرق بين عامة البيوع وبيع الوفاء:
يفترق بيع الوفاء عن عامة البيوع بالتزام المشتري أن لا يبيع المُشترى ولا يخرجه عن ملكه، بل يبقي في ملكه إلا أن يرد البائع الثمن على المشتري، فيرد المشتري المبيع إلى البائع.
ويجتمع في بيع الوفاء ثلاثة محظورات:
-بيع الوفاء بيع شرط فيه شرط لا يقتضيه العقد وهو شرط رد المبيع إلى البائع إذا ردّ الثمن، فيلزم أن يكون بيعا فاسدا ويكون فسخه واجبا عند الأحناف.
-بيع الوفاء بيع شرط فيه إقالة، وكل بيع شرط فيه إقالة يكون فاسدا فلزم أن يكون بيع الوفاء فاسداً “الهداية خيار الشرط”.
-بيع الوفاء أشبه بالرهن من البيع، فكان بيع الوفاء رهنا في الحقيقة. ومن حكم الرهن حرمة الانتفاع بالمرهون للمرتهن عند جميع الفقهاء، فيلزم أن يكون حراما، ولكن تعارفه بعض الناس احتيالا للربا كما ذكره ابن عابدين في رد المحتار وغيره.
حكم بيع الوفاء عند فقهاء الحنفية:
بعض الحنفية نصوا على جوازه ولو بالشرط، وبعضهم منع الشرط وأجازه بالوعد مع لزوم الوفاء عندهم به في ذلك مع اشتراط تأخر الوعد عن العقد ليكون العقد صحيحاً، والقائلون منهم بجوازه استثنوه للحاجة إليه، وعلى كل فالمواطأة بين البائع والمشتري على الوعد بعد العقد مع لزوم الوعد كالشرط في العقد، وبناء عليه فهي حيلة لا تغير من حكم ذلك البيع شيئاً والقول بأن ذكر الشرط الفاسد، إذ الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة كما جاء في معين الحكام من كتب الحنفية، وأما إذا قيل بعدم لزوم الوفاء بالوعد وإنما هو مستحب فحسب فلا حرج فيه ولا تأثير له في العقد ويكون البيع صحيحاً ماضياً ولكل من المتبايعين أن يفي بوعده إن شاء، ولكن هذا غير موجود في هذا البيع ولذا قالوا بلزوم الوفاء بالوعد ولو لم يكن كذلك لما أقدم عليه من يريده فالراجح هو منعه وفساده إن وقع إذ العبرة في العقود بمعانيها لا بألفاظها ومبانيها، وهذا البيع مخالف لمقتضى أحكام البيع وحيلة على الربا والحيلة مخادعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. رواه ابن بطة وحسنه شيخ الإسلام).
وبذلك وقع قول جمهور أهل العلم وإليه مالت المجامع الفقهية فهو بيع محرم والأسباب المشروعة أكثر من أن يلجأ المرء إلى تلك الحيل المفضية إلى الوقوع في الربا المحرم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
الملخص من المذاهب الأربعة:
اتفقوا جميعا على أن بيع الوفاء لو كان خاليا عن شرط الرد في صلب العقد يكون جائزاً، أما إذا شرط رد المبيع في صلب العقد يكون البيع فاسدا عند الأحناف والمالكية والشافعية. أما الحنابلة فيرون البيع صحيحا والشرط فاسدا فإذا كان البيع خاليا عن ذكر شرط الرد فالراجح في المذاهب الأربعة أنه جائز، وذلك لكونه بيعا خاليا عن شرط. وهل يجب الرد على أحد المتعاقدين إذا اتفقا على رد المبيع عند رد الثمن، وكان ذلك قبل عقد البيع أو بعده بصورة المواعدة، فنرى الراجح أنه يجب عليهما الرد إذا تواعدا على ذلك ويكون الوعد ملزما ديانة وقضاء .
وقد عالج القضاء باحكامه بيع الوفاء من خلال اصدار العديد من الاحكام والاجتهادات القضائية نوجز منها الاتي:
عقود الوفاء عقد البيع الذي يخفي رهناً.
فقد ورد في القاعدة /1993/ – التقنين المدني السوري – الجزء الرابع :
(عقد البيع الذي يخفي رهناً ويستطيع البائع استرداد المبيع إذا رد الثمن هو صورة من بيع الوفاء الذي حظره المشرع بالنص على بطلانه وللمتعاقد أن يثبت بكافة الطرق ومنها البينة والقرائن أن العقد لم يكن بيعاً باتاً)
والفقه على ما عليه القانون والاجتهاد فقد اعتبر الأستاذ السنهوري :
(أن بيع الوفاء هو بيع باطل بطلاناً مطلقاً لا تخلفه الإجازة اللاحقة ولا يسري عليه التقادم ويجوز أن يتمسك به كل من له مصلحة فيه ويجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها )
( الوسيط ج/4/ ص/165/ فقرة /187/ )
وما دام هذا العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً يجب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد فعلى البائع رد الثمن وعلى المشتري إعادة المبيع ( مادة /143/ مدني ) وأما ثمار العقار المبيع ومنافعه خلال فترة العقد فإنها للحائز حسن النية ( مادة /929/ مدني ) ما لم يثبت سوء النية.
(نقض سوري رقم /1811/ أساس /347/ لعام 1980)
وحتى يستفيد البائع من حقه في استرداد المبيع يتوجب عليه إعلان المشتري بحقه خلال الفترة المحددة بالعقد ولا يشترط شكل خاص لهذا الإعلان فيمكن أن يكون بكتاب مسجل أو مشافهةً، وفي حال رفض المشتري فللبائع مراجعة القضاء لإبطال العقد واسترداد المبيع وهذا الحق يبقى للبائع ولو لم يتضمن عقد البيع أي تحفظ له باسترداد المبيع، ونصوص العقد تشير إلى أنه بيعاً باتاً ما دام الاتفاق على أنه ضمان لوفاء مبلغ أو التزام على البائع وإثبات هذا الحق يخضع للقواعد العامة للإثبات بما فيها الشهادة في الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة.
ونخلص الى ان الوفاء وأن تاخر الوعد عن العقد هو بيع فاسد وبالقضاء يمكن اثبات ترابط العقدين بكافة وسائل الاثبات ةمنها الشهادة للاسباب المشار اليها سالفا ونرى ان اللجوء الى مثل هذه البيوع من قبل المؤسسات المالية فيه مخاطرة ومخالفة للقانون ويجعل تلك العقود عرضة للابطال.
الكاتب المحامي والمستشار القانوني
جمال عبد الناصر المسالمة
نموذج دعوى ابطال بيع الوفاء
مقام محكمة البداية المدنية الموقرة في دمشق
المدعي: السيد……..، يمثله المحامي……….، بموجب سند التوكيل البدائي العام رقم ……. تاريخ …. المرفق ربطا.
المدعى عليه: السيد…….، عنوانه ……………………..
الموضوع:إبطال عقد بيع
سبق للجهة الموكلة و ان تقدمة بطلب الحصول على قرض من الجهة المدعى عليها بمبلغ و قدره ……………. على أن يتم تسديد القرض خلال مدة …… من تاريخ توقيع عقد القرض المرفق صورته ربطا، وقد اشترطة الجهة المدعى عليها لمنح الموكل القرض تقديم الجهة الموكلة لضمان عقاري.
ونظرا لحاجة الجهة الموكلة للقرض فقد وافقة على تقديم تلك الضمانة العقارية متمثلة بتسطير عقد بيع مؤرخ../../…. تضمن أن الموكل قد باع وتنازل عن عقاره ذي الرقم (…../…..) من منطقة…….العقارية بـ…….، إلى المدعى عليه، لقاء ثمن متفق عليه بين المتعاقدين…. دون أن تكون هنالك أية علاقة بيع أو شراء حقيقية بين الطرفين، مع تقديم الجهة المدعى عليها وعدا لاحق باعادة العقار و على أن يعتبر ذلك العقد لاغيا بمجرد إعادة مبلغ القرض مع الارباح للجهة المدعى عليها.
و حيث انه من الثابت أن اتفاق الطرفين عند تحرير ذلك العقد قد انطوى على أن يعاد العقار موضوعه إلى الموكل بمجرد وفاء الدين و سداد القرض المذكور وان الوعد اللاحق قد جاء كجزء مكملا لعقد القرض رغم تاخره عنه.
و حيث انه من الثابت أن عقد البيع المدعى بطلب إبطاله، هو بيع الوفاء الممنوع قانونا كونه في حقيقته يخفي رهنا و القصد منه مجرد تأمين سداد القرض الذي منحه المدعى عليه إلى الجهة الموكلة و بحيث احتفظ البائع ( الموكل ) بحق استرداد المبيع عند سداد ذلك القرض، و بالتالي فان البيع قد وقع باطلا و مخالفا للنظام العام، ذلك أن النص القانوني المذكور قد تضمن نصا صريحا بالبطلان، على اعتبار ان البطلان مطلقا و ان البيع ممنوعا بقوة القانون و مخالفا للنظام العام عملا بنص المادة /433/ من القانون المدني إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خلال مدة معينة، وقع البيع باطلا )
و كان من الثابت أن الاجتهاد القضائي قد استقر على:
(إن وقوع البيع الصوري إخفاء للرهن إنما يرمي إلى تحقيق غرض يخالف النظام العام بالاحتيال على القانون الذي حرم الاتفاق على بقاء العقار المرهون ملكا للدائن عند الامتناع عن وفاء الدين، و من الجائز بالتالي إثبات العقد الخفي بين الطرفين بجميع وسائل الإثبات بما فيها البينة والقرائن تطبيقا لحكم المادة 57 من قانون البينات….. و حيث أن الأخذ بهذا النظر يجعل بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء من قبيل البطلان المطلق الذي يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها و لا يصح من الطرفين إجازته أو التنازل عنه.
(قرار محكمة النقض رقم /849/ أساس /929/ تاريخ 21/12/1970 المنشور في مجلة المحامون لعام 1971 صفحة 82 اجتهاد).
و لما كان من الثابت قانونا انه إذا كان العقد باطلا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه كما يجوز للمحكمة من تلقاء ذاتها أن تقضي بذلك البطلان ( المادة 142 من القانون المدني.
ولما كان بيع الوفاء قانونا باطل بطلان مطلقا لا تلحقه الإجازة، و لا يرد عليه التقادم و يستطيع أن يتمسك به كل من كان له مصلحة فيه، و يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، و لا يترتب عليه أي أثر لا فيما بين المتعاقدين، و لا بالنسبة إلى الغير.
و لما كان من الثابت قانونا أنه يجوز الإثبات بالبينة الشخصية في الالتزامات التعاقدية حتى و لو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمائة ليرة سورية، إذا طعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب ( الفقرة /ج/ من المادة /57/ من قانون البينات .
و كان الموكل يلتمس، و عملا بأحكام المادة 433 مدني و المادة 57 بينات، إجازته لإثبات أن عقد البيع المدعى بطلب إعلان بطلانه هو بيع الوفاء الممنوع قانونا بالبينة الشخصية، و هو مستعد لتسمية شهوده و بيان عناوينه و إسلاف الطابع القانوني بمجرد إجازته للإثبات بهذه الوسيلة عملا بنص الاجتهاد القضائي المستقر الذي نص على:
(إن الخصوم غير مكلفين بتسمية شهودهم ما لم تجزهم المحكمة إثبات دفوعهم بالبينة الشخصية ابتداء)
( قرار محكمة النقض رقم 1716 اساس ايجارات 2428 تاريخ 26/7/1987 المنشور في مجلة المحامون صفحة 578 لعام 1987 .
بناء على ما تم شرحة ادناه ولما تراه مقام محكمتكم الموقرة فقد جئنا بهذا الادعاء ملتمسين :
1- قيدها الدعوى بسيطة غير خاضعة لتبادل اللوائح و دعوة المدعى عليه إلى أقرب جلسة محاكمة ممكنة.
2- إعلان بطلان عقد البيع المبرم ما بين الطرفين و المؤرخ../../…. كونه بيع الوفاء الممنوع قانونا و المخالف للنظام العام و اعتبار ذلك العقد منتهيا بكافة آثاره القانونية و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرامه.
3- منع المدعى عليه من معارضة الموكل بما جاء في ذلك العقد و من حقوقه في الملكية المترتبة على العقار موضوع العقد المدعى بطلب إبطاله.
4- تضمين المدعى عليه الرسوم والمصاريف و أتعاب المحاماة.
دمشق في../../…
بكل تحفظ واحترام
المحامي الوكيل
اترك تعليقاً