ظاهرة الشهادات المزوّرة: الأسباب والمعالجات
عبد الكريم العامري/باحث اجتماعي
في الآونة الأخيرة اتسعت وازدادت ظاهرة تزوير الشهادات الدراسية لدى العديد من المواطنين الذين يلجأون الى هذه الطريقة التي تمكنهم من الحصول على شهادة تساعدهم على إيجاد فرصة عمل او تعيين خصوصا بعد ان تضاءلت الآمال في الحصول على وظيفة إلا عن طريق هذه الشهادة التي لا يملكها الكثير من المواطنين الأمر الذي دفع البعض منهم الى تزوير شهادته من اجل الحصول على وظيفة بطريقة أسرع دون الالتفات الى شرعية وقانونية هذا العمل الذي يوصف بأنه اجرامي وتجاوز على القانون.
ان هذه الطريقة سلبية ولا تساعد على إيجاد العناصر الكفوءة في الدوائر والمؤسسات الحكومية وتؤثر على أصحاب الشهادات الذين هم أهلاً للتقديم على الوظائف ان من واجب الحكومة العراقية ووزارة التعليم والتربية بالعمل على إيقاف مثل هذه الحالات ومحاسبة من يقوم بها بأسرع وقت ممكن.
والسؤال المطروح، هل يعقل أن تُعيِّن الدولة من لايملك شهادة وتترك أصحاب الشهادات؟
ظاهرة التزوير يحاربها المجتمع بما فيه من قوانين وشرائع لأنها:
1ـ ظاهرة سلبية غير حضارية.
2ـ تسلب حق الآخرين من حملة الشهادات في الحصول على التعيينات في وزارات ودوائر الدولة.
3ـ يوجد الكثير ممن يعملون في الوزارات ودوائر الدولة لا يحملون شهادات دراسية تؤهلهم ان يكونوا موظفين فيها وذلك لأنهم حصلوا على هذه الشهادات عن طريق التزوير وبالتالي حصلوا على هذه الوظائف.
4ـ أصحاب الشهادات والكفؤين هم لا يزالون بلا وظائف الى الآن مع انهم تخرجوا من الكليات قبل عدة سنوات وحصلوا على شهاداتهم بكفاءتهم ودراستهم.
الأسباب التي أدت لتزايد ظاهرة تزوير الشهادات:
ان سبب ازدياد حالات تزوير الشهادات الدراسية يعود الى:
أـ ارتفاع نسبة معدلات البطالة التي تشهدها البلاد والتي تتزايد يوما بعد آخر خصوصا بعد ضعف فرص الحصول على وظيفة حكومية للكثير من الناس إلا بشهادة دراسية.
بـ لا يمتلك البعض الشهادة الدراسية الأمر الذي دفع الكثير من الذين لا يحملون الشهادات الدراسية الى اللجوء الى عمليات التزوير.
ج ـ تمكن الشهادة المزورة من الحصول على وظيفة حكومية.
دـ الوظيفة الحكومية أكثر ضمانا من غير الحكومية بسبب مغريات مادية ومعنوية واستقرارها مع اضطراب الوضع الامني.
هـ الكثير من حملة الشهادات المزورة يشغلون وظائف حكومية مما يشكلون نموذجا يحتذي به من الآخرين.
وـ ضعف المحاسبة الرسمية.
زـ ضعف الشعور الديني لدى المواطن مقابل ضعف الإرشاد الديني.
حـ وجود مسئولين في بعض المؤسسات الحكومية شهاداتهم مزورة يتم الإعلان عنهم باستمرار.الغريب في هذا الأمر فبدلا من ان يقوم المسئول بمحاربة هذه الظاهرة يقوم هو بالتشجيع عليها من خلال تزوير شهادته.
موقف الدين
من بين المجالس المليئة بالمعارف والعبر، مجالس سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الذي طالما أتحف مستمعيه بالنكات الخفية والمعارف الدقيقة الكامنة في طي كلمات أهل البيت سلام الله عليهم وسيرتهم.
مجالسه تعد بحق منابع تربوية كفيلة بأن ترشد المؤمنين الى الإقتداء بأهل البيت وتحثهم في السير على نهجهم، عقيدة وفكرا، أدبا وخلقا.
في كتاب العلم النافع للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي يشير الى:
ان القاصر لا شيء عليه، لأن من أصول الإسلام العدل، الله سبحانه وتعالى عادل ومن عدله أن لا يعذب القاصر، فمن ولد في مكان او زمان او ظرف بحيث كان قاصرا على الإحاطة بأي خطاب او بلاغ، لا يعذَّب ولا يعاقَب ولا تُكتَب له سيئة، إلا أن القاصر يستوي مع المقصّر من حيث الحرمان من ثمار الواجب الذي أمر به المكلف، لذا ذهب المحققون الأعاظم من الفقهاء والأصوليين الى ان الجاهل المقصر حكمه حكم العالم العامد خطابا وعقابا.
فكما أن العالم العامد ـ الذي يعمل عملا ويعلم انه حرام ـ قد توجه الخطاب إليه أمرا ونهيا، فكذلك الجاهل المقصر يتوجه إليه الخطاب، ويستحق العقاب على المخالفة، دون ان يكون فيه إشكال عقلا.
إرشاد المواطن الجاهل:
قد لا يوجد في صفوف أهل العلم جاهل قاصر، لا نقصد بالجاهل المقصر من كان مستواه الدراسي أدنى او كانت معلوماته أقل، بقدر ما ينطبق هذا على طالب العلم والحاجة الملحة الذي يجهل بعض احكام الله تعالى بسبب تقاعسه، فيعمل الحرام وهو لا يعلم ـ تقصيرا منه ـ ان عمله هذا حرام وكان بمقدوره ان يعلم انه حرام فيجتنب عنه
وفي هذا الشان يقول السيد صادق الشيرازي (دام ظله): ان من واجبات رجل العلم إرشاد الجاهل، إن كثيرا من مطالب أصول الدين يشعر الفرد ـ حتى كثير من أهل العلم ـ بالحاجة الى تعلمها سواء بالدراسة او المطالعة او المباحثة او المجالس الدينية.
التزوير وموقف الدين
اننا بأمس الحاجة الى تعبئة علمية لمعرفة كثير من الأحكام الشرعية لتعلمها، ونخص تلك التي هي محل ابتلائنا، وهكذا الأمر في مقام الهداية والإرشاد وتعليم الإحكام، ومواجهة أصحاب الأفكار الباطلة والمنحرفة.هذا يعد من الواجبات العينية التي يجب على الفرد المسلم السعي لتعلمها.
على المرء أن يتعلم، الى جنب دروسه الحياتية، كل احكام الحلال والحرام، بالإضافة الى أصول الدين والأخلاق والآداب الإسلامية
فلنخصص بعض أوقاتنا وبأقصى ما نستطيع لتعبئة أنفسنا بالعلم في كل مجال مشروع، ولنعلم ان موسم الدرس مناسبة جيدة. لننتهز كل فرصة ولا نضيع حتى منها واحدة، ولنحمل معنا الرسالة العملية التي قرأناها من أولها الى آخرها.
فرُبَّ كثير منا لا يتذكر كثيرا منها. او رُبَّ أمور لم يعد كثير منّا ملتفت إليها، فإذا ما اتيحت له فرصة ولو بمقدار خمس دقائق، قرأ ولو صفحة واحدة منها، حتى اذا تكررت يكون قد تخلص مما كان عنده من جهل مركب فتة بعض المسائل بحيث كان يتصور انه يعرفها مع انه لم يكن يعرفها على الوجه الصحيح.
ان الشهادة الدراسية والمال يكسبان صاحبهما مكانة وشخصية وسلطة ولكن علينا أن نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ونتأدب بآدابهم، قال تعالى: ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) سورة النور/40.
لاشك أن على الطالب او الموظف ان يجدوا ويجتهدوا ويتعبوا أنفسهم ويفرغوا طاقاتهم في سبيل العلم النافع في الدنيا والآخرة وان لا يلجا الى التزوير من اجل مكسب سريع يندم عليه في الأخير.على الإنسان ان يتعب نفسه قدر الإمكان في سبيل الحصول على الشهادة التي تؤهله للحصول على الوظيفة المناسبة، ان يعبىء كل طاقاته كما ينبغي ويسأل الله أن ينظر إليه بعين رعايته، ويتجنب الفعل الحرام لأنه تهلكة في الدنيا وحساب في الآخرة.
معالجات مقترحة:
أولاـ على دوائر الدولة ان تقوم بتدقيق الشهادات الحكومية لكل لموظف والتحقق منها ومخاطبة الجهات المانحة للشهادة وخاصة الذي تم تعيينه بعد 2003. هناك تقصيرا وتهاونا من قبل الجهات الحكومية في هذا المجال.
ثانياـ على الدولة والمجتمع محاربة هذه الظاهرة التي اجتاحت جميع مفاصل الدوائر الحكومية والمؤسسات حتى غير الحكومية.
ثالثا ـ الإعلان عن المزورين وفضحهم أمام الرأي العام ليكونوا عبرة لغيرهم.
رابعا ـ يمكن اعتماد انظمة الكترونية للكشف عن شهادات الطلبة المزورة.
خامساـ وضع خطة للمتابعة لهذا الأمر الخطير للقضاء عليها. ان هذه الظاهرة بدأت تنخر مفاصل المؤسسات الحكومية خاصة وهذا يتطلب وقفة حازمة من قبل الدولة لمحاربتهم والقضاء عليها كي لا يعم الفساد جميع الدوائر لأنها تتطلب تزوير الشهادات والوثائق الأخرى.
سادساـ اتخاذ اجراءات صارمة بحق المتورطين بالتزوير كافة، مثل الفصل والغرامة والإحالة الى القضاء.
سابعا ـ إعداد قاعدة بيانات موحدة لجميع بيانات الطلبة وتدقيقها.
ثامناـ عند منح شهادة او وثيقة تخرج من الكلية او المعهد يجب ان تكون من قبل لجنة متعددة الاطراف.
تاسعا ـ تطبيق صحة الصدور او الموظف المعتمد في جلب ومتابعة الوثائق
اترك تعليقاً