الوساطة الالكترونية في الزواج بين حقيقة الأصل وميوعة الاستثناء وغياب النص
بوبكر امزياني
باحث في العلوم القانونية
مقدمة
لا شك أن العثور على الزوجة المناسبة أو الزوج المناسب، والوصول إلى مرحلة التوافق والزواج، يشغل العديد من الأفراد المقبلين على الزواج داخل المجتمع وهذا راجع إلى أمرين اثنين: أولهما أن المقبل على الزواج غالبا ما يستعين بشخص من العائلة أو من خارجها لأجل البحث له عن زوجة مناسبة لعدم درايته بخبايا وأمور الزواج، وثاني هذين الأمرين هو انتشار ظاهرة العنوسة داخل المجتمع، فكان ولابد من محاولة البحث عن سبل التوفيق والتلاقي بين الجنسين لأجل التقليص من هذه الظاهرة .
في هذه النقطة بالذات يتدخل الشخص الثالث يسمى الوسيط مهمته الجمع بين طرفي عقد النكاح والتوفيق بينهما، إما بطلب من الزوج شخصيا، أو بطلب من الزوجة أو وليها، أو عن طيب خاطر الوسيط ومن تلقاء نفسه لأجل التماس جزاء أعمال البر والاحسان، خصوصا وأنه يجنب شخصين الوقوع في متاهات العنوسة ويمتطي بهما قطار الحياة كغيرهم من الأزواج.
والوساطة في الزواج لم ينظمها المشرع المغربي في مقتضيات مدونة الأسرة، أو في مقتضيات خاصة، أيضا فقهاء المذاهب الاربعة رحمهم الله لم يفصلوا في موضوع الوساطة في الزواج، لأنها مصطلح حديث، وتحدثوا فقط عن السمسرة في عقود المعاملات، واتفقوا على جوازها في هذه العقود .
وأمام غياب النصوص التي تنظم الوساطة في الزواج، واختلاف العادات وتبدل أحوال الناس، وتزايد نسب العنوسة والطلاق في المجتمع المغربي، صارت الوساطة في الزواج غير محصورة بين أفراد العائلة كعرف، بل أصبحت الوساطة في الزواج حاجة تمارس من قبل جمعيات ومؤسسات، وتمارس أيضا من قبل مواقع الكترونية افتراضية إما التماسا للبر والاحسان، أو التماسا لمقابل مالي محدد، وفي بعض الأحيان تكون الملتمسات خرقا سافرا للقواعد الشرعية التي تحكم الخطبة والزواج كما هو الشأن بالنسبة للمشتركين في بعض المواقع الالكترونية التي تقوم بأعمال الوساطة في الزواج.
وفي هذا الموضوع سنقف على حقيقة الوساطة في الزواج بشكل عام سواء كانت هذه الوساطة تمارس عبر أفراد طبعيين، أو أفراد معنويين، أو بواسطة مواقع الكترونية وفق هذا التقسيم أسفله :
المطلب الأول : ماهية الوساطة في الزواج
المطلب الثاني : حكم الوساطة في الزواج
المطلب الأول: ماهية الوساطة في الزواج
في هذا المطلب سنقف عند مفهوم الوساطة في الزواج ( الفقرة الأولى)، وأهم المصطلحات المرادفة لها ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم الوساطة في الزواج
الوساطة في الزواج كانت تعرف باسم الخاطبة وهذا الاسم مأخوذ من الخِطبة بكسر الخاء[1]، والخطبة هي مقدمة عقد الزواج, وتعني وفق المادة الرابعة من مدونة الأسرة هي تواعد رجل وامرأة على الزواج.[2]
والوساطة من الناحية اللغوية هي مصدر وسط، تدل على الاعتدال، قال ابن فارض رحمه الله الواو والسين والطاء بناء صحيح يدل على العدل والانصاف، وأعدل الشيء أوسطه ووسطه، فالوسط المعتدل، يقال شيء وسط أي بين الجيد والرديء، ومنه المتوسط بين الشيئين، كالصلاة الوسطى[3].
أما الوساطة من الناحية القانونية هي مؤسسة اختيارية غير قضائية لحل جميع النزاعات الأسرية يقوم فيها طرف ثالث محايد وكفء بمساعدة الأطراف بطلب منهم أو بإحالة من القضاء الأسرة للتوصل إلى حل رضائي توافقي لا يتعارض مع القانون ومع النظام العام في إطار إجراءات سرية لا يطلع عليها إلا الأطراف أو الجهة القضائية الآمرة بإنجازها و لا يحتج بنتائجها و لا بما أدلي فيها في نزاع أخر[4].
وهذا التعريف القانوني المتداول عادة ما ينصرف إلى الوساطة الأسرية التي يرمي الوسيط من خلالها إيجاد حل لخلاف، أو نزاع بين الزوجين على عتبات الطلاق، والحال أن الوساطة في الزواج التي نتحدث عنها في هذا الموضوع هي مرحلة تكون قبل الخطبة والزواج، أي بعد ابرام عقد الزواج، وهي وساطة لأجل التوفيق والجمع بين امرأة ورجل على الزواج، فمهمة الوسيط هنا ليس لحل النزاع الذي يخاف منه الشقاق، وانما التوفيق بين رجل وامرأة لأجل الزواج.
وبالتالي يكون هذا التعريف القانوني لا ينصرف على الوساطة في الزواج في الشق المتعلق بحل النزاع .
الفقرة الثانية: تمييز الوساطة عن المصطلحات المشابهة لها
هناك مصطلحات عديدة تتقاطع مع مصطلح الوساطة من أهمها:
الخطابة: هو الشخص الذي يقوم بالتوفيق بين الرجل والمرأة لأجل الزواج.
السمسار: هو المتوسط بين البائع والمشتري لإمضاء البيع أو تسهيل الصفقة أو الدلالة على البضاعة، والسمسار عادة يكون في عقود المعاملات بمقابل عمولة، وأيضا قد يسمى الوسيط سمسارا في الحالات التي يتم تكليفه بالبحث عن الزوجة أو الزوج بمقابل مالي معين.
الصلح: نصت المادتين 81 و 82 من مدونة الأسرة على ضرورة استدعاء الزوجة قبل الطلاق والاستماع إليها في غرفة المشورة قصد بحث أسباب الخلاف وتذويبها من خلال فتح حوار بين الزوجين والاستماع إلى كل من تراه المحكمة فائدة في الاستماع إليه، والقاضي وهو يقوم بعملية الصلح له أن يتخذ كل الإجراءات التي يراها مناسبة للتوصل إلى حل، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين،
والوساطة تلتقي مع الصلح في عدة نقط وهي :
– أن الوساطة تجوز في كل ما يجوز فيه الصلح وما لا يجوز فيه الصلح لا يمكن أن يكون محلا للوساطة.
– تلتقي الوساطة مع الصلح في كون الشخص الذي يقوم بالصلح أو الوساطة لا يملك سلطة اتخاذ القرار.
-ومصطلح الخطابة هو الأقرب إلى مصطلح الوسيط في الزواج، لكن هذا الخطاب قد يأخذ هو الآخر الأجر عن عمله مثله مثل السمسار، كما لو كلفه الشخص بالبحث له عن زوجة مقابل مبلغ مالي معين .
لكن وجود هذا المقابل يثير إشكال في تكييف عقد الوساطة في الزواج، هل هي عقد إجارة بحيث يكون الوسيط أجيرا والمخطوبة أو الخاطب مستأجرا؟ أم هي عقد وكالة بحيث يكون الوسيط وكيلا والخاطب أو المخطوبة موكلا؟
أمام غياب النصوص التي تنظم الخطابة أو الوساطة في الزواج فإن الأمر يخضع للأحكام المنظمة للسمسرة[5].
المطلب الثاني: التكيف الشرعي للوساطة في الزواج
في هذا المطلب سوف نحاول الإشارة إلى حكم الوساطة في الزواج ( الفقرة الأولى)، وشروط ممارستها ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حكم الوساطة في عقود الزواج
كما أشرنا في السابق فإن فقهاء المذاهب الأربعة، والمشرع المغربي أيضا لم يشيران إلى الضوابط التي تحكم الوساطة في الزواج، وإنما تحدثوا فقط عن مبدأ الوساطة في عقود المعاملات المالية، المشرع المغربي أيضا تحدث فقط عن السمسرة في مدونة التجارة .[6]
أما الوساطة في الزواج فهي أمر وارد في السنة النبوية ، فعن انس بن مالك ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد خطبة امرأة بعث أم سليم تنظر إليها”[7]
وفي هذا الصدد أيضا ورد عن ابي رافع رضي الله عنه ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهم”.[8]
فأم سليم في الحديث الأول، وقول ابي رافع في الحديث الثاني “ وكنت الرسول بينهما” يدلان على جواز تولي وظيفة التوسط بين طرفي عقد الزواج.
كما أن القاعدة الكبرى في الإسلام تجيز التعاون على البر والتقوى التي دل القران الكريم عليها في قوله تعالى “ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان”.[9]
والحكم الوارد في هذه الآية الكريمة هو اشارة دالة على امكانية القيام بمهام الوساطة بين الأفراد لأجل الزواج .
الفقرة الثانية: شروط ممارسة الوساطة في الزواج
الشروط التي يتوجب توفرها في الوسيط فهي في نظرنا لابد أن تكون هي الشروط نفسها التي تحدث عنها فقهاء المالكية فيما يخص الحكمين باستثناء الذكورة، لأن مهمة الوسيط في الزواج تكون للرجل والمرأة أيضا، قياسا على حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كلف فيها أم سليم.
أما إن كان الشخص الذي يقوم بمهمة الوساطة هو شخصا معنويا – كالجمعيات والمؤسسات كمؤسسة تحفة العروس التي تم تأسيسها مؤخرا في الدار البيضاء لغرض القيام بمهام الوساطة في الزواج- فالأمر يطرح اشكالات في الشروط التي يجب توفرها في هذه الجمعيات والمؤسسات وكذا أجهزة رقابتها.
لكن في نظرنا ما دام أن الاشخاص المؤسسين لهذه الجمعيات والمؤسسات هم أشخاص طبعيين مهمتهم التوسط في الزواج فلابد أن تتوفر فيهم الشروط التي قلنا أن فقهاء المذهب المالكي اشترطوها في الحكمين، والتي تحيلينا عليه المادة 400 من مدونة الأسرة، وهي أن يكون الوسيط بالغا، مسلما، عدلا.
فأما البلوغ هو أن يكون الحكم بالغا سن الرشد القانوني الذي هو 18 سنة شمسية كاملة[10]، أما شرط الإسلام فهو أمر ضروري فلا يتولى مهام القيام التوفيق بين الزوجين الشخص الكافر .
أما شرط العدالة فهو يعني أن يكون الوسيط متجنبا للكبائر ومتقيا للصغائر فلا يكون الفاسق وسيطا بين الزوجين، وذلك لقول ابن عاصم الغرناطي[11]:
والعدل من يجتنب الكبائر «« ويتقي في الغالب الصغائر
وما أبيح وهو في العيان «« يقدح في مروءة الإنسان
وشروط القيام بمهام الوساطة لا تطرح اشكالات في الحالة التي تمارس هذه الوساطة من قبل الأفراد، لأنه بمجرد تحقق هذه الشروط التي أشرنا إليها نكون أمام وساطة جائزة لا إشكال فيها.
لكن اشكالات الوساطة في الزواج تكون حاضرة بقوة في الحالة التي تمارس من قبل مؤسسات مجهولة الهوية، أو من قبل مواقع الكترونية مفترضة في الشبكة العنكبوتية، هذه المواقع أصبحت منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة ونذكر منها على سبيل المثال :
موقع ادم وحواء
موقع أنا وأنت
موقع شريك العمر
موقع زفاف
هي في الحقيقة مواقع كثيرة وكثيرة هي من تشترط الشروط، وتشترط وصف الأوصاف ومكامن الجمال، وإرسال صور الأفراد الراغبين في الزواج وعرضها على عامة المشتركين في الموقع علنا.
وأمام الحاجة الملحة للزواج فإن بعض المشتركين في هذه المواقع يقعون في جملة من المخالفات الشرعية لأحكام الخطبة التي أفاض فيها مداد السادة المالكية، والتي أحالنا عليها المشرع المغربي في المادة 400 من مدونة الأسرة، ومن ضمن هذه المخالفات:
خطبة الرجل أكثر من امرأة، وقبول المرأة لخطبة أكثر من رجل في ظرف قياسي متسارع، وهذا مخالف للحديث الصحيح الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ” لا يخطب المسلم على خطبة اخيه حتى ينكح أو يدع “ .
وجود صور شبه عارية للمشتركات الباحثات عن الزواج بوساطة هذه المواقع، والنظر في المخطوبة كما هو معلوم تحكمه ضوابط شرعية، بحيث لا يجوز النظر إلى المخطوبة إلا من قبل الخاطب الذي عزم على النكاح ، وقيد السادة المالكية النظر في الوجه والكفين فقط دون باقي أعضاء الجسم.
كما أن بعض هذه المواقع الالكترونية تسعى فقط للحصول على أكبر عدد ممكن من المتصفحين لها لأجل التجارة والربح السريع، وبالتالي يخرج الزواج عن قصد أو غير قصد عن معناه المقصود في الشريعة الاسلامية.
خاتمة
في الختام لا بد من التذكير لأهم النتائج، والمقترحات المتوصل إليها في هذا الموضوع على النحو التالي:
النتائج:
-الوساطة في الزواج كان يقوم بها شخص يدعى باسم الخاطبة أو الخطاب.
-الوساطة في الزواج لم يتحدث عنها فقهاء المذاهب الأربعة نظرا لحداثتها، ولم ينص عليها المشرع المغربي في نصوص خاصة.
-الوساطة في الزواج تتقاطع مع مصطلح السمسرة لكن تختلف معه بكونها يمكن أن تكون على وجه الاحسان والبر بدون مقابل مالي، على خلاف السمسرة التي عادة ما تكون بمقابل مالي .
-ممارسة الوساطة في الزواج لم تعد تقتصر على أفراد العائلة، وأمام غياب النصوص القانونية التي تنظمها أصبحت تمارس أيضا من قبل جمعيات ومؤسسات ومواقع الكترونية مفترضة.
المقترحات:
ضرورة تنظيم الوساطة في الزواج وادراجها في السياسات العمومية التي تناقش الآن الوساطة الأسرية.
وإسناد مهام الوساطة في الزواج للأشخاص مؤهلين لها.
بسط الرقابة وتشديدها على المواقع الالكترونية التي تتلاعب بمشاعر الشباب وتوظف حاجاتهم إلى الزواج في أغراض الربح والمضاربة.
[1] – أحمد شكري السباعي، الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة و المقاولات التجارية و المدنية، الجزء الثاني، ص 171
[2] – انظر المادة 4 كاملة في مدونة الاسرة.
[3] – المعجم الوسيط 3/1531
[4] – عبد المجيد غميجة، الوساطة الأسرية ورشة حول بلورة نظام الوساطة بأقسام قضاء الأسرة، المنظمة بالرباط يوم 25 أكتوبر 2007.
[5] – للمزيد حول المقتضيات القانونية التي تنظم السمسرة يرجى مراجعة المواد من 405 إلى 421 القانون رقم 15.95 بمثابة مدونة للتجارة
[6] – بالرجوع إلى المادة 405 من مدونة التجارة نجد تعريف السمسرة على انها عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام عقد.
[7] – أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/231، والطبراني في المعجم الأوسط 6/204 ، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب النكاح باب من بعث بامرأة لتنظر إليها 7/87 .
[8] – أخرجه الأمام مالك في الموطأ مرسلا 1/ 462، والإمام الشافعي في الأم 5/84
[9] – سورة المائدة الآية 2.
[10] – جاء في هذه المادة ما يلي:
“سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة”
[11] – عبد الكريم شهبون، شرح التحفة لولد الناظم ابن يحيى ابن عاصم الغرناطي، طبعة 2010، دون ذكر اسم المطبعة، ص 256.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً