بحث ودراسة قانونية عن القصد الجنائي
المحامى زامل شبيب الركاض
يعتبر القصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها ونتيجتها، ويعد القصد الجنائى بأنه الركن المعنوى للجريمة وهو يتمثل فى عنصري العلم والإرادة، فالنسبة للعلم يجب أن يكون الجاني عالما علما يقينا غير مقترن بأى جهالة بأن فعله سوف يحدث عملاً إجرامى يعاقب عليه النظام فمثلا من يقوم باجتياز منطقة محظورة ظنا منه انه مكان عادى وغير ممنوع فهنا ينتفي القصد الجنائى لانتفاء عنصر العلم، أما بالنسبة للإرادة فيجب أن تتمتع إرادة الجاني بالحرية التامة فلا يكتمل القصد الجنائى إذا كانت إرادة الجاني معيبة كإرادة السفية وذي الغفلة والمجنون أو من وقع تحت تدليس او المكره على شيء، فمن وقع على شيك بدون رصيد وهو تحت التهديد والاكراة تنتفى فى حقه الجريمة لانتفاء القصد الجنائى، حيث انه لولا هذا الاكراه ما أقدم على ذلك الفعل، والاكراه الذى تتعرض له إرادة الجاني قد يكون اكراهاً مادياً كالضرب مثلا أو أكراهاً معنوياً كالتهديد بإلحاق الأذى بشخص ما.
ويتخذ القصد الجنائى عدة أشكال منها القصد المباشر وفيه تتجه إرادة الجاني الى إحداث نتيجة يرغب فى إحداثها كمن يطلق النار على شخص معين فيصيبه، وهناك ايضا القصد الاحتمالي وفيه لا يشترط أن تكون النتيجة التى حدثت هى بذاتها التى كان يرغب الجاني في إحداثها بل يكفى أن يكون قد توقعها وقبلها كمن يقوم بصدم رجل بسيارته عمدا فلا يموت الرجل ولكن يموت ابنه الذى كان بجواره، وهناك نوع آخر من القصد الجنائى وهو القصد المحدود والغير المحدود، فالقصد المحدود يتوفر عندما يتعمد الجاني نتيجة معينة مثل قتل شخص او سرقته، أما القصد غير المحدود فيتمثل عندما يأتى الجاني فعلاً يترتب عليه أكثر من نتيجة ولكنها متوقعه ومقبولة من طرف الجاني، كمن يلقى قنبلة فى جمع من الناس فيصيب أكثر من شخص، وهناك ايضا القصد المقترن بسبق الإصرار والترصد كمن قرر قتل شخص وأصر على قتله فينتظره عند بيته ليلاً ويترصده لحين عودته ثم يقوم بقتله وفى هذه الحالة يعتبر سبق الإصرار والترصد ظرفاً مشدداً للعقوبات المقررة لجرائم الاعتداء على الأشخاص. وهناك ايضا القصد العام والقصد الخاص والنظام يكتفي بالقصد العام فى أغلب الجرائم ولكن هناك بعض الجرائم المخلة بأمن الدولة وتزوير المحررات والبلاغ الكاذب والرشوة وهذه يتوفر فيها القصد الخاص مع القصد العام.
ونخلص: إلى أن القصد الجنائي هو الركن المعنوى للجريمة و يعتبر شرطاً ضرورياً لكى تقوم المساءلة الجنائية فى حق الجاني ولا يقل أهمية وخطورة عن الركن المادى وهو يختلف باختلاف نوع الجريمة ولا يشترط تحقق النتيجة لكى يتوافر القصد الجنائى بل يتحقق أيضا فى حالة الشروع حيث أن العلم والإرادة لا يرتبطان بالنتيجة سواء تحققت أم لا فيكفى إتيان العمل الاجرامى متمثلا فى عنصريه المادى والمعنوي، ومتى ما توافر علم الجاني بجميع مقومات الجريمة وانصراف إرادته الى إحداث النتيجة الإجرامية تبقى المسؤولية بذلك ثابتة، إلا أن توافر القصد الجنائي من عدمه وتقدير درجته متروك لتكييف القاضي ويرجع فيه إلي حسب نوع الجريمة والأدلة المقدمة فيها.
يتخذ القصد صورا متنوعه ومنها ما يلي:
أولا: القصد العام والقصد الخاص
أساس التمييز هو النظر إلي ما إذا كان الشارع يتطلب في الجريمة حصول نتيجة اجرامية معينة أو وقوعها بباعث خاص أو كانت الجريمة تستلزم ذلك بحسب طبيعتها ولو لم يتطلبه الشارع صراحة في نص التجريم ، فهنا يكون القصد اللازم في الجريمة من نوع القصد الخاص الذي يتمثل في شمول ارادة الجاني وعلمه لهذه النتيجة ، ولما كان الغالب من الجرائم ليس مما يتطلب فيه نتيجة بعينها أو باعث خاص فان القصد العام يكون هو الأصل العام الكافي لقيام صورة الاثم الجنائي في الجرائم العمدية .
ويتفقا من حيث لزوم توافر قيام عنصرا العلم والارادة فيهما ولكن الخلاف بينهما يكمن في مدي ما يلزم شمل هذين العنصرين له حيث يزيد القصد الخص قدرا من العلم والارادة ينصب علي النتيجة أو الباعث الخاص المتطلب في جرائمه مما لا يلزم في القصد العام .
وعلي هذا يمكن القول ان القصد الجنائي العام هو الأصل في قيام الركن المعنوي في الجرائم العمدية ما لم يتكطلب الشارع قصدا خاصا ، وما هذا القصد الخاص سوي قدر زائد علي القصد العام الذي يكون قيامه مفترضا لازما للبحث في توافر هذا القصد الخاص فلا يكون متصورا توافر هذا الأخير بغير قيام الاول .
ومن الجرائم التي تطلب فيها الشارع قصدا جنائيا خاصا بصريح النص ما يلي:
– جناية تعذيب متهم أو الامر بذلك بقصد حمله علي الاعتراف .
– جنحة التزوير في الشهادات الطبية بقصد التخلص من خدمة عمومية .
– جنح الدخول في عقار أو بيت مسكون أو معد للسكن في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه .
وقد جري قضاء محكمتنا العليا علي استلزام قيام قصد جنائي خاص في جرائم أخري تفترض طبيعتها هذا النوع من القصد علي الرغم من خلو نص التجريم الخاص بها من اية اشارة صريحة أو ضمنية ومن امثلتها القتل والسرقة والتبديد والبلاغ الكاذب والاختلاس ، بينما تعتبر من الجرائم ذات القصد الجنائي العام الضرب والجرح البسيط والضرب المفضي إلي الموت .
ثم استطردت المحكمة بعد تبيانها لحكم القصد الاحتمالي إلي ايضاح ما هيته فقررت ” … وحيث ان القصد الاحتمالي وذلك حكمه لا يمكن تعريفه الا بأنه نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع ان يتعدي فعله الغرض المنوي بالذات إلي غرض آخر لم ينوه من قبل اصلا فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض الغير مقصود ومظنه وجود تلك النية هي استواء حصول النتيجة وعمد حصولها لديه … ” .
ومؤدي هذا المفهوم انه لا قيام لهذا النوع من القصد في الاحوال التي يجئ توقع الجاني للنتيجة المحتملة من جراء سلوكه مصحوبا برغبة في تفاديها وتمني بعدم حصولها ومثلب ذلك من يقود سيارته بسرعة زائدة في طريق مكتظ بالمارة متوقعا انم يؤدي سلوكه هذا إلي قتل البعض واصابته ولكنه لا يقبل هذه النتيجة ويامل في توقيها اعتنمادا علي مهارته في القيادة ، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الجاني مسئولا عن النتيجة باعتباره عامدا لها في صورة القصد الاحتمالي وانما يسئل عنها تحت وصف الخطا باعتباره القدر المتيقن في حقه ، بيد ان قضاء محكمتنا العليا قد اقر نظرية القصد الاحتمالي باعتباره يقوم مقام القصد الأصيل في الجرائم العمدية بغير تمييز .
اترك تعليقاً