أحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون الأحداث العراقي والأردني
دراسة مقارنة
أكرم زاده الكوردي، ماجستير في القوانين المقارنة، محقق قضائي في مجال التحقيق مع الأحداث، عضو محكمة أحداث دهوك سابقاً
Abstract:
This research deals with the provisions of probation system in the Iraqi and Jordanian juvenile law.Its purpose is to clarify the similarities and differences between the law of juveniles of both countries in relation to the subject matter of the study, in order to take advantage of the strengths of each law. To achieve this, the researcher used the analytical, comparative, and analytical inductive method.The study concluded with results: the similarity between the two laws on certain issues, such as the inclusion of the definition of probation system within the body of the law, the existence of special institutions for the probation officer in both countries, and differences in other issues. On the issues of disagreement, the case for argument was in favor of Jordanian law on certain issues, such as the existence of an office of the probation officer in each juvenile court. On other issues, the balance was the odds in favor of Iraqi law, such as extend the circle of juvenile delinquents who benefit from the probation system.Thus, the Jordanian legislature can benefit from the Iraqi legislator, and vice versa.
key words: Provisions, probation system, juveniles, Iraq and Jordan.
الملخص:
يتناول هذا البحث أحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون الأحداث العراقي والأردني. والغرض منه هو بيان أوجه التشابه والاختلاف بين قانون الأحداث لكلا البلدين فيما يتعلق بموضوع الدراسة، بهدف الاستفادة من نقاط القوة في كل قانون. وفي سبيل تحقيق ذلك، استخدم الباحث المنهج الاستقرائي التحليلي، المقارن، والنقدي. واختتم البحث بنتائج وهي: التشابه بين القانونين في بعض المسائل، مثل إدراج تعريف مراقبة السلوك ضمن متن القانون، وجود مؤسسات خاصة لمراقب السلوك في كلا البلدين، والاختلاف في مسائل أخرى. وبخصوص مسائل الخلاف، فإن كفة الرجحان كانت لصالح القانون الأردني في بعض المسائل، مثل وجود مكتب لمراقبة السلوك في كل محكمة أحداث. وفي مسائل أخرى، كفة الرجحان كانت لصالح القانون العراقي، مثل اتساع نطاق دائرة الأحداث الجانحين المستفيدين من تدبير مراقبة السلوك. وعليه، بإمكان المشرع الأردني الاستفادة من المشرع العراقي، والعكس صحيح.
الكلمات الافتتاحية: أحكام، مراقبة السلوك، الإشراف القضائي، الأحداث، العراق، والأردن.
مقدمة
عند الاطلاع على المصادر والمراجع التي أُلّفت في علم الإجرام والقانون الجنائي وغيره من العلوم الجنائية، يلاحظ أن المشرعين المحليين والدوليين والفقهاء والباحثين باختلاف جنسياتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم ومدارسهم الفكرية التي ينتمون إليها حاولوا منذ عقود الوصول إلى تعيين عقوبات (تدابير) نافعة وناجحة ومناسبة بحق المتهمين المدانين من قبل المحاكم؛ أما البحث عن تدابير ملائمة بحق المدانين من الأطفال أو ما يسمى بالأحداث، فكان له حيزٌ خاص من الاهتمام من قبلهم. ومن ضمن نتائج عصارة أفكارهم التي توصلوا إليها خلال تلك الفترة الزمنية هو أن تدبير مراقبة السلوك أو ما يسمى بالإشراف القضائي يعد تدبيراً مناسباً وناجحاً وصالحاً لفئات معينة من الأحداث الجانحين، إذ بموجبه يتم تأهيل الحدث وإصلاحه في بيئته الطبيعية بين أفراد أسرته أو أسرة بديلة، بعد فرض بعض الشروط عليه أي تقييد حريته جزئياً، وبذلك يتم إبعاده عن زنزانات الدور الإصلاحية التي أصبحت مدرسة لتعليم الجريمة في بعض الأحيان، كما يوفر لميزانية الدولة أموالاً لا بأس بها نتيجة عدم إيداعهم، إذ كل نزيل يحتاج إلى أموال تصرف عليه من خزينة الدولة.
المشرع الجنائي العراقي في قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983م والأردني في قانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014م أدرج هذا التدبير ضمن التدابير التي يمكن أن تصدر بحق فئة معينة من الأحداث الجانحين، ووضع له أحكام خاصة ضمن مواد محددة؛ ونظراً لعمل الباحث في مجال الأحداث منذ سنوات سواء في محكمة الأحداث أم في محكمة التحقيق في مجال التحقيق مع الأحداث، ولكون الأردن دولة جارة للعراق وصدر قانونها حديثاً في عام 2014م مقارنة بالقانون العراقي الذي صدر في عام 1983م، يرى الباحث أن إجراء مقارنة بين قانون أحداث البلدين في هذا الخصوص فيها فائدة لا يستهان بها.
أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث في كونه جديداً من نوعه في هذا المجال، حيث لم يجد الباحث أية بحوث أو دراسات معمّقة في هذا المجال تحديدا، وإن وجدت فإنها ضمن مواضيع أخرى، وتم الإشارة إليها بصورة سطحية أو مستعجلة، كما أنه ومن خلال هذا البحث يمكن التعرّف على أحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون الأحداث العراقي والأردني، والاطلاع على مكامن القوة فيهما بغية الاستفادة منها، وكذلك الكشف عن مكامن الخلل فيهما بغية إصلاحها وتحسينها.
تساؤلات البحث:
يسعى الباحث إلى الإجابة على الأسئلة الآتية:
ما هي أوجه الاختلاف والاتفاق بين قانونيّ الأحداث العراقي والأردني بخصوص أحكام تدبير مراقبة السلوك.
ما هو فيصل التفاضل بين أحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون البلدين.
منهجية البحث:
ارتأى الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي لأحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون البلدين. والمقارنة بينهما وتحليلها تحليلاً قانونياً بطريقة نقدية بغية الوقوف على نقاط القوة والضعف في كل قانون.
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى التعرف على أوجه التشابه والاختلاف بين أحكام تدبير مراقبة السلوك في قانون الأحداث العراقي والأردني، وكذلك البحث عن نقاط القوة وتحريها، والمفاضلة بينهما بغية إفادة المشرعين من الجانبين.
خطة البحث:
ولغرض الإجابة على تساؤلات البحث، سيتم عرض موضوع البحث ومناقشته من خلال سبعة مطالب. في الأول سنتناول: تعريف تدبير مراقبة السلوك، وتشكيلة قسم المراقبة وعمله. وفي الثاني: مدتها، وتمديدها، وإنهائها، وعددها، واحتسابها. وفي الثالث: الاعتبارات الواجب مراعاتها عند فرض التدبير، وكيفية تنفيذها. أما في المطلبين الرابع والخامس فسنتطرق إلى: واجبات الحدث، الولي، ومراقب السلوك،وجزاء المخل بواجباته.وفي السادس سنتناول: ارتكاب الحدث جريمة أو هروبه خلال فترة المراقبة. أما في المطلب الأخير، فسنبيّن: حالات فرض تدبير مراقبة السلوك.
المطلب الأول: تعريف تدبير مراقبة السلوك، وتشكيلة قسم المراقبة وعمله.
عرّف المشرع العراقي تدبير مراقبة السلوك في المادة 87 من قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983م بأنه وضع الحدث في بيئته الطبيعية بين أسرته أو في أسرة بديلة إذا كانت أسرته غير صالحة، وذلك بإشراف مراقب السلوك بقصد إصلاحه؛ أما المشرع الأردني فقد عرّف الإشراف القضائي في المادة 24 من قانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014م بأنه وضع الحدث في بيئته الطبيعة تحت التوجيه والإشراف مع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة.
عند قراءة هذه التعاريف بدقّة، يلاحظ أن المشرع العراقي كان أكثر دقة في صياغة التعريف من المشرع الأردني[1]، فعبارة (بيئته الطبيعة) التي وردت في القانون الأردني جاءت عامة وغير مفهومة، وهي تحتمل أكثر من تأويل، في حين أوضح المشرع العراقي المقصود بهذه البيئة وبيّنها بأنها (أسرته أو أسرة بديلة). إضافة إلى ذلك، لم يجز القانون العراقي للمحكمة وضع الحدث في أسرة بديلة غير أسرته، ما لم تكن الأخيرة غير صالحة أي غير قادرة على إصلاحه وتأهيله، وهذا يعد موقفاً حسناً، لأنه لا توجد بيئة أفضل لإصلاح الحدث وجعله إنساناً سوياً من أهله، إلاّ إذا ثبت هم بأنفسهم بأنهم غير جديرين بهذا الشرف.
وتجدر الإشارة، بأن هذا التدبير أقرّته التشريعات العربية الخاصة بالأحداث تحت مسميات متعددة منها مراقبة السلوك والإشراف القضائي والحرية المحروسة والمراقبة الاجتماعية ولكن الغرض منها واحد وهو مراقبة الحدث والإشراف عليه ومساعدته في إصلاح نفسه داخل بيئته الطبيعية بدلاً من إيداعه في مؤسسة إصلاحية، أما من حيث منشأ هذا النظام فيقال بأن المنشأ الأول له كان الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1841م[2].
وفيما يتعلق بتبعية قسم مراقبة السلوك وتشكيلته وعمله، نصت المادة 88 من القانون العراقي على تبعية هذا القسم لوزارة العدل، يتولى الإشراف على أعمال مراقبي السلوك وفقا لأحكام هذا القانون؛ أما مدير القسم، فيتوجب أن يتوفر فيه شرطين، هما: أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع أو الخدمة الاجتماعية أو العلوم الأخرى ذات الصلة بشؤون الأحداث، وأن يكون له خبرة لا تقل عن خمس سنوات.
يلاحظ أن هذه الشروط هي نفس شروط تعيين مراقب السلوك مع فرق بسيط، فمراقب السلوك قد يكون خريج كلية في العلوم المذكورة آنفاً أو خريج معهد فني فرع الخدمة الاجتماعية، والخبرة المطلوبة منه هي ثلاث سنوات فقط.
عند قراءة نص المادة نص المادة 88 بتأنّي يستنتج بأن قسم المراقبة المرتبط بوزارة العدل يرأسه مدير، وعدد من مراقبي السلوك الأول الذين يتم تسميتهم من قبل المدير بقدر عدد المحافظات، لكي يقومون بالإشراف على بقية مراقبي السلوك الذين يعلمون معه، وتوزيع العمل فيما بينهم. وبموجب هذه الهيكلية يفترض وجود مكتب أو فرع لهذا القسم في كل محافظة يرأسه مراقب السلوك الأول، رغم عدم النص على ذلك بوضوح.
ورغم أهمية وعمل هذا القسم، إلا أنه غير فعّال في العراق بشكل عام وفي إقليم كوردستان بشكل خاص. ففي محافظة دهوك حتى منذ مدة، فإن الباحث الاجتماعي لقسم البحث الاجتماعي التابع لمديرية إصلاح الأحداث في دهوك كان يقوم بعمل مراقب السلوك بشكل وقتي بتكليف من قبل محكمة الأحداث والمديرية المذكورة من ناحية، ويقوم بذلك العمل طوعيا وإنسانيا من ناحية أخرى لحين حل المشكلة؛ ونظراً لعدم وجود مكتب أو فرع حقيقي لقسم مراقبة السلوك في المحافظة المؤلف من الموظفين (مراقبي السلوك) ووسائل النقل ومكان خاص، فإن عمل الباحث الاجتماعي المذكور كان يكتنفه الكثير من النقائص والعيوب. وعليه، ننادي الجهات المختصة بضرورة تفعيل هذا القسم.
أما تبعية قسم مراقبة السلوك وتشكيلته وعمله في القانون الأردني، فيشوبه الغموض وهو مبعثر بين نصوص القانون، لكن عند قراءة المادة العاشرة من قانون الأحداث التي تنص على إنشاء مكتب لمراقب السلوك في كل محكمة على أن يكون أحد موظفيه متخصصاً في علم النفس أو الاجتماع، والمادة الثانية التي عرّف مراقب السلوك بأنه الموظف في الوزارة (وزارة التنمية الاجتماعية) يتولى مراقبة سلوك الأحداث وفقاً لأحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه، والتي عرّفت أيضاً المديرية على أنها الوحدة التنظيمية المختصة في الوزارة لمتابعة شؤون الأحداث وفقاً لأحكام هذا القانون. والمادة 24 التي تنص على:…إذا تعذر على مراقب السلوك القيام بواجباته لأي سبب يجوز لمدير المديرية أن يطلب من قاضي تنفيذ الحكم تعيين مراقب آخر لتنفيذ أمر الإشراف. يستنتج بأن هيكلية هذا القسم يكون على الشكل الآتي: مديرية مختصة بشؤون الأحداث تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، تتفرع منها مكاتب لمراقبي السلوك في كل محكمة أحداث، ولكل مكتب عدد من مراقبي السلوك، على أن يكون أحد موظفي المكتب متخصصاً في علم النفس أو الاجتماع، ورغم عدم الإشارة على الشخص الذي يتولى مهام إدارة المكتب، لكن يفترض أنه يتم إدارتها من قبل الشخص الذي يتم تسميته من قبل المديرية.
عند المقارنة بين القانون العراقي والأردني بخصوص قسم مراقبة السلوك وتشكيلته، فإن كفة الرجحان تكون لصالح القانون العراقي لأسباب منها، أولاً: النص على تشكيلة هذا القسم وجزئياته ضمن مادة واحدة غير مبعثرة بين نصوص القانون ،كما هو عليه في القانون الأردني. ثانياً: يشترط في تعين مدير القسم وكذلك مراقبي السلوك أن يكونوا متخصصين في العلوم الاجتماعية أو العلوم الأخرى ذات الصلة بشؤون الأحداث، وأن يكون لديهم خبرة خمس سنوات للمدير وللمراقب ثلاث سنوات؛ بينما القانون الأردني اشترط شرطاً واحداً فقط ألا وهو أن يكون أحد موظفي المكتب متخصصاً في علم النفس أو الاجتماع. وعليه، شتّان بين أن يكون الفريق كله متخصصين وبين أن يكون المتخصص شخصاً واحداً فقط. ثالثاً: تسمية المسؤول عن مراقبي السلوك في كل محافظة بمراقب السلوك الأول بشكل واضح وصريح، بينما سكت القانون الأردني عن ذلك ولم يسمِ المسؤول عن موظفي المكتب باسم معين. رغم ما تقدّم، فإن المشرع الأردني أيضاً تفوق على المشرع العراقي حينما نص على إنشاء مكتب لمراقب السلوك في كل محكمة أحداث بكل صراحة، في الوقت الذي جاءت نصوص القانون العراقي خالية من أية إشارة إلى ذلك.
المطلب الثاني: مدة مراقبة السلوك، وتمديدها، وإنهائها، وعددها، واحتسابها.
حدد المشرع العراقي مدة لمراقبة السلوك، ولم يتركها لتقدير القاضي، إذ يجب على المحكمة عندما تصدر قرار المراقبة مراعاة هذه المدة وعدم تجاوزها، وهي لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على ثلاث سنوات حسب المادة 89 من القانون، كما أجاز المشرع للمحكمة تمديد مدة مراقبة السلوك إذا استدعت مصلحة الحدث ذلك بناءً على تقرير مراقب السلوك على أن تراعي مدة مراقبة السلوك المحددة قانوناً.
فمثلاً لو قررت المحكمة وضع الحدث تحت مراقبة السلوك لمدة سنتين وستة أشهر، واستدعت مصلحة الحدث بناءً على تقرير مراقب السلوك تمديد المدة لسنة أخرى، فهذا غير جائز لأنها تتجاوز الحد الأقصى للمدة المسموح بها والتي هي ثلاث سنوات. وفي مثالنا المذكور تصبح المدة ثلاث سنوات وستة أشهر في حالة تمديدها سنة، ولهذا يجوز التمديد لغاية ستة أشهر أخرى فقط؛ أما بالنسبة لستة أشهر أخرى فلا مجال لتمديدها. وتجدر الإشارة، بأن هذا التدبير هو التدبير الوحيد الذي أجاز المشرع تمديده من قبل المحكمة فيما إذا استدعت مصلحة الحدث ذلك[3].
أما المشرع الأردني، فهو الآخر حدد مدة معينة لمراقبة السلوك، لكن مدتها أقل مما عليه في القانون العراقي، حيث ألزم القانون وبموجب المادة 24/ز المحكمة بعدم إصدار تدبير الإشراف القضائي بحق الحدث الجانح لمدة تتجاوز سنة واحدة، لكن ما يلاحظ على نص هذه المادة أنه لم يحدد الحد الأدنى لهذه المدة، إذ تركها لتقدير المحكمة.
فيما يخص إنهاء مراقبة السلوك قبل انتهاء مدتها، الأصل هو أن مراقبة السلوك تنتهي بانتهاء مدتها المبينة في حكم المحكمة، لكن مثلما أجاز القانون العراقي لمحكمة الأحداث بتمديد هذه المدة، فإنه أجاز للمحكمة أن تقرر إنهاء مراقبة السلوك بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم بناء على تقرير مراقب السلوك عند تحسن سلوك الحدث وعدم حاجته للمراقبة، وإذا حصل أن رفضت المحكمة تقرير مراقب السلوك بإنهاء المراقبة، فلا يجوز تقديم تقرير آخر لإنهاء المراقبة إلاّ بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ الرفض[4].
بيّنا سابقاً أن ستة أشهر هي الحد الأدنى لمراقبة السلوك، لذا فإن الحدث الموضوع تحت مراقبة السلوك لمدة ستة أشهر غير مشمول بهذا الاستثناء، إذ عليه إكمال مدته كاملة. وهنا يفترض حالة أخرى وهي: إذا كان هناك حدث مدة مراقبته سبعة أشهر أو ثمانية أو تسعة، وبعد انقضاء مدة الستة أشهر تم تقديم تقرير إلى المحكمة من قبل مراقب السلوك يبين فيه عدم حاجة الحدث للمراقبة لتحسن سلوكه، وتم رفض الطلب من قبل المحكمة، وبموجب نص القانون لا يجوز تقديم تقرير آخر للغرض نفسه إلاّ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ الرفض، في حين لم يبقَ من مدة المراقبة إلاّ شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر، ففي هذه الحالة يمضي الحدث الأجل المتبقي، ولا يحتاج إلى تقديم طلب آخر لانتهاء المراقبة عليه؛ لأن الحدث بمجرد إتمامه المدة المتبقية فإن مدة تدبير المراقبة تنقضي تلقائياً ما لم تمدّد بموجب المادة 89/أولاً من قانون الأحداث، لأن الأصل هو إكمال الحدث مدة المراقبة الموجودة في القرار واستثناءً أجاز إنهاءها قبل هذه المدة.
ومن التطبيقات القضائية في هذا الصدد، جاء في قرار إنهاء فرض التدبير في القضية المرقمة 77/ جنايات/2007 بتاريخ 4/4/2010 الصادر من محكمة أحداث دهوك ما يلي: بالنظر لامتثال الجانح ….لقرار هذه المحكمة حول تدبير مراقبة السلوك ومراجعته باستمرار الباحث الاجتماعي، والتزامه بالتوجيهات والإرشادات الموجهة إليه من قبل الباحث الاجتماعي من خلال التقارير الشهرية التي ترد إلى هذه المحكمة لمدة سنة وثلاثة أشهر من مدة المراقبة البالغة سنتين واحتساب مدة موقوفيته للفترة من 26/8/2007 ولغاية 4/9/2007 ضمن مدة التدبير ولتوصية الباحث الاجتماعي بإنهاء ما تبقى من مدة المراقبة حسب التقرير النهائي في 29/2/2010 لحسن سيرة وسلوك الجانح عليه ولاكتساب قرار الحكم الدرجة القطعية بموجب القرار التمييزي 148/الهيئة الجزائية/أحداث/2008 في 25/4/2008 قررت المحكمة إنهاء ما تبقى من مدة المراقبة استناداً لأحكام المادة 97/أولاً ق. الأحداث رقم 76 لسنة 1983 وفي حالة ارتكابه لأية جناية أو جنحة عمدية خلال فترة ما تبقى من مدة مراقبته سيصار إلى إلغاء قرار المراقبة والحكم عليه بتدبير أشد استناداً أحكام المادة 98/ثانياً من ق.الأحداث وصدر القرار بالاتفاق وأفهم في 4/4/2010.
التعليق على القرار: نعتقد أن المحكمة لم تكن موفقة حينما استندت إلى المادة 98/ثانياً، لأن المادة تنص على إلغاء قرار المراقبة وإبداله بتدبير الإيداع، إذا ارتكب الحدث جناية عمدية (خلال نفاذ مدة المراقبة)، أما إذا حكم عليه عن جريمة جنحة عمدية واكتسب القرار درجة البتات (خلال نفاذ مدة المراقبة) فللمحكمة إلغاء تدبير المراقبة وإبداله بتدبير الإيداع. وعليه، فإذا صدر قرار من المحكمة بإنهاء مراقبة السلوك عندها لا يجوز لها تطبيق نص المادة 98/ثانياً، لأن الحدث سيكون قد ارتكب أو حكم عن الجريمة بعد إنهاء تدبير المراقبة وليس خلالها.
أما المشرع الأردني وبموجب المادة 24/ز/5 من القانون، أجازت للمحكمة التي أصدرت تدبير الإشراف القضائي بحق الحدث الجانح إلغاء التدبير أو تعديله، بناء على طلب مراقب السلوك أو الحدث نفسه أو وليه بعد إطلاعها على تقرير مراقب السلوك في هذا الخصوص.
وعليه، فإن محكمة الأحداث غير مقيدة بمدة معينة كي تتمكن من إنهاء مدة المراقبة أو تعديلها، إذ بمجرد وصول تقرير المراقب إلى المحكمة متضمناً التوصية بإنهاء التدبير أي إلغائه أو تعديل مدته، فللمحكمة الصلاحية في إصدار قرارها المناسب في القضية بالإلغاء أو التعديل أو رفض التوصية، كما أجاز القانون أن يكون الطلب مقدماً من الحدث أو وليّه. وفيما يتعلق بالآثار المترتبة عن رفض المحكمة الطلب المذكور، فإن القانون الأردني لم يبيّن موقفه، وتركه لاجتهاد القضاء.
ومن المسائل المهمة الأخرى التي تطرق إليها القانون العراقي هي احتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة مجدداً، فبموجب المادة 97/ثالثاً أوجب القانون على محكمة الأحداث احتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة؛ فلو وضع الحدث تحت مراقبة السلوك لمدة سنة واحدة، وتم نقض الحكم من قبل محكمة التمييز، عندئذ يعاد محاكمة الحدث مجدداً، ويصدر بحقه إحدى التدابير التي نص عليها القانون، فإذا حكم عليه مثلاً بوضعه تحت المراقبة مرة أخرى لمدة سنتين، أي شدد التدبير بتمديده، عند ذلك تحتسب المدة التي قضاها تحت المراقبة ويكمل الباقي، لكن إذا حكم على المتهم بتدبير الإيداع بدلاً من مراقبة السلوك، فهل تحتسب له المدة التي قضاها تحت مراقبة السلوك؟ يلاحظ أنه هناك خلاف بهذا الصدد.
في الحقيقة، الباحث من المؤيدين بالرأي القائل باحتسابها لأن الفقرة الثالثة من المادة 97 من قانون الأحداث جاءت مطلقة، ولم تشترط أن يكون التدبير الجديد مراقبة سلوك أيضاً كي تحتسب، بل جاءت مطلقة، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد؛ ولكن هناك رأي مخالف يقول بعدم احتسابها لكون تدبير مراقبة السلوك أخف من تدبير الإيداع، وعليه لا يجوز احتسابها استناداً للمبادئ العامة للقانون.
هذا الرأي هو الآخر يحمل جزءاً من الصواب بالنظر إلى أن تدبير مراقبة السلوك أخف من تدبير الإيداع، وأنه ليس من العدالة أن يعادل يوم مراقبة سلوك يوم (موقوفية أو إيداع) حتى وإن طبق أحكام مراقبة السلوك بحذافيرها، لكن يرى الباحث أن المشكلة في صياغة النص حيث جاءت مطلقة كما ذكرنا آنفاً؛ ولحل هذا الخلاف المشرع العراقي مدعو للتدخل، وجعل ثلاثة أيام مراقبة سلوك يعادل يوم موقوفية أو إيداع مثلاً، لأن عدم احتسابها أيضاً يعد إجحافاً بحق الحدث وهضماً لحقوقه، لكونه على طول مدة المراقبة المنقضية كان مراقباً ولم يكن يتمتع بالحرية الكاملة، وهنا يطرح تساؤل آخر ألا وهو: كيف تحتسب مدة المراقبة المنقضية، إذا كان التدبير الجديد الصادر بعد المحاكمة الغرامة؟ وعليه، هناك ضرورة ملحّة لتدخل المشرع.
ومن التطبيقات القضائية في هذا الشأن: جاء في قرار محكمة تمييز الإقليم تحت العدد/ 135/هـ.جـ/أحداث/2009 في 5/8/2009: بعد التدقيق والمداولة…لوحظ أن محكمة أحداث دهوك احتسبت موقوفية الجانح…ولكنها لم تحتسب المدة التي تم فيها وضع الجانح أعلاه تحت المراقبة بموجب قرارها المرقم 62/ج/2008 في 28/9/2008 و الذي نقض بالقرار التمييزي أعلاه وهي للفترة من 28/9/2008 ولغاية 15/12/2008 والبالغة جمعاً شهرين وسبعة وعشرون يوماً عملاً بأحكام المادة 97/ثالثاً من قانون رعاية الأحداث لذا تقرر احتسابها ضمن فترة التدبير البالغة ستة أشهر والحالة هذه فإن مدة إيداع الجانح أعلاه والبالغة ستة أشهر بعد احتساب فترة الموقوفية ومدة وضعه تحت مراقبة السلوك والمشار إليها أعلاه تنتهي في 21/6/2009 لذا تقرر إخلاء سبيل (م.م.ا.ا)…وصدر القرار…بالأكثرية من حيث احتساب مدة وضع الجانح أعلاه تحت مراقبة السلوك المنقضية ضمن مدة التدبير …
يلاحظ من خلال قراءة القرار أعلاه، بأن محكمة تمييز الإقليم صدر قرارها بشأن احتساب مدة وضع الجانح تحت مراقبة السلوك المنقضية ضمن مدة التدبير بالأكثرية، وهذا يعني بأن هناك خلاف في هذا الموضوع حتى بين قضاة محكمة التمييز الذين هم خبراء القانون، وعليه فإن تدخل المشرع في هذا الصدد ضروري لحسم الخلاف وسد.
وفيما يتعلق بعدد المرات التي يجوز فيها وضع الحدث تحت مراقبة السلوك، فإن المشرع العراقي وحسب المادة 98/رابعاً من القانون أجاز وضع الحدث تحت مراقبة السلوك لمرتين فقط، وبذلك لا يجوز إصدار القرار بوضع الحدث تحت مراقبة السلوك أكثر من ذلك؛ ويعتقد أن العلة من وراء ذلك هي أن المشرع يرى أن الحدث الذي صدر بحقه تدبير مراقبة السلوك لمرتين، ولم يتم إصلاحه، وعاد إلى عالم الجريمة مرة أخرى، أن هذا التدبير غير مناسب له ويجب إصدار تدبير آخر بحقه. علماً أن القانون لا يشترط أن يكون تدبيرا مراقبة السلوك السابقة متتاليين، وإنما قد تكون بينهما تدابير أخرى مثل الغرامة أو الإيداع.
أما القانون الأردني، فجاء خالياً من أي نص يتطرق إلى احتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة مجدداً، وإلى عدد المرات التي يجوز فيها وضع الحدث تحت مراقبة السلوك، وتركها للأحكام والمبادئ العامة للقانون الجنائي.
عند إجراء مقارنة بين المسائل التي تناولناها خلال هذا المطلب بين القانون العراقي والقانون الأردني، سيظهر أن هناك نقاط خلاف ونقاط توافق بين القانونين، تظهر كما يلي:
مدة مراقبة السلوك في القانون العراقي (لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد على 3 سنوات)، أما في القانون الأردني فمدتها (لا تزيد على سنة). هذا يعني أن القانونين كلاهما حدد مدة لمراقبة السلوك، لكن المشرع الأردني بخلاف العراقي لم يحدد الحد الأدنى للمراقبة، وتركها لاجتهاد القاضي؛ يرجّح الباحث القانون العراقي، لأن الغرض من وضع الحدث تحت هذا التدبير هو إصلاحه وتأهيله، وأن ذلك يحتاج إلى مدة حتى يمكن التكهن بأنه قد صلح وتأهّل، وأن ما نص عليه القانون العراقي من ستة أشهر حدا أدنى لهذا التدبير مدة مناسبة، ويمكن من خلالها التأكد من مدى استفادة الحدث من هذا التدبير من عدمه، أما بموجب القانون الأردني فقد يكون مدة التدبير شهرا واحد فقط، لأنه لا يوجد حد أدنى للتدبير، وهذه المدة غير كافية لإصلاح الأحداث.
إضافة إلى ذلك، فإن جعل الحد الأقصى للمراقبة سنة واحدة فقط في القانون الأردني، هو الآخر منتقد لكونه لا يحقّق الغرض المنشود من فرض هذا التدبير، فالحدث الجانح ربما ارتكب جريمة خطيرة إلى حد ما وإصلاحه يحتاج إلى مدة طويلة، لذا فإن السنة الواحدة غير كافية لتحقيق ذلك. ونتساءل، لماذا يتحفّظ المشرع الأردني من زيادة مدة المراقبة إلى أكثر من سنة، بينما يعيش الحدث في بيئته الطبيعية.
كل من القانونين أجاز تمديد مدة المراقبة وإنهاءها قبل انتهاء مدتها المقررة في حكم المحكمة مع اختلاف بسيط في الصياغة والشروط:
فالقانون العراقي أجاز التمديد بكلمات واضحة، بناء على تقرير مقدم من قبل مراقب السلوك، إذا اقتضى ذلك مصلحة الحدث، دون تعين مدة معينة لتقديم هذا التقرير المتضمن تمديد المراقبة، لكن يستنتج بأن هذا الطلب من المفروض تقديمه ضمن آخر تقرير يقدمه مراقب السلوك حول الحدث إلى المحكمة.
أما القانون الأردني، فلم ينص على هذا التمديد بكلمات واضحة صريحة – مثلما نص عليه القانون العراقي- حيث نص على جواز تعديل المراقبة بناء على طلب مراقب السلوك أو الحدث أو وليه بعد تقديم تقرير من مراقب السلوك للمحكمة بهذا الخصوص، فكلمة التعديل يتضمن (تمديد المدة) كما يفهمه الباحث، والمحكمة الأردنية مثل شقيقتها العراقية لا تستطيع التمديد دون تقديم تقرير مراقب السلوك؛ لكن الاختلاف هنا في الأشخاص الذين لديهم حق تقديم طلب التعديل، ففي القانون الأردني إضافة إلى مراقب السلوك يحق للحدث نفسه ووليه تقديم هذا الطلب، وهنا يرجح الباحث القانون العراقي، لأن مراقب السلوك شخص متخصص، وهو أدرى بمدى حاجة الحدث إلى تمديد مراقبة السلوك أو أي تعديل آخر، أما إعطاء هذا الحق للحدث و وليه، فإن ذلك سيسبب تقديم طلبات متتالية لفترات متقاربة، وبالتالي تكديس الطلبات.
أما فيما يتعلق بإنهاء مدة المراقبة قبل انتهاء مدتها، فإن المشرع العراقي أجاز تقديم تقرير من مراقب السلوك متضمناً التزام الحدث بشروط المراقبة وإصلاحه وتأهيله وعدم حاجته إلى المزيد من المراقبة، على أن يقدم هذا التقرير المتضمن هذا الطلب بعد مرور ستة أشهر من نفاذ تدبير مراقبة السلوك بحق الحدث. ومن هذا يفهم أن المشرع العراقي متمسك بمدة ستة أشهر كحد أدنى لتدبير مراقبة السلوك، وهذا ما يؤيده الباحث.
أما المشرع الأردني فنص على كلمة (إلغاء) الإشراف القضائي، وهذا يتضمن إنهاء مراقبة السلوك كما يراه الباحث، أما بخصوص الشروط والإجراءات المتبعة (لإلغاء أو إنهاء) المراقبة، فهي نفسها التي ذكرناها آنفاً بخصوص التمديد أو التعديل في القانون الأردني، وتجنباً للتكرار نكتفي بما ذكرناه.
يلاحظ، المشرع العراقي كان موفقاً حينما لم يسمح بتقديم طلب إنهاء مراقبة السلوك قبل مرور ستة أشهر من نفاذ التدبير، لأن هذه المدة ضرورية لمعرفة مدى إصلاح الحدث وتأهيله من عدمه، بعكس المشرع الأردني الذي لم يحدد مدة لتقديم هذا الطلب؛ لكن يا حبذا لو أعطى المشرع العراقي حق تقديم هذا الطلب للحدث و وليه مثل المشرع الأردني في هذا الخصوص، لأن مراقب السلوك وبسبب كثرة أعماله قد ينسى تقديم هذا الطلب في حين الحدث جدير بالخروج من تحت هذا التدبير نظراً لصلاحه وتأهيله.
في الوقت الذي تطرق المشرع العراقي إلى مسألة احتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة مجدداً، وإلى عدد المرات التي يجوز فيها وضع الحدث تحت مراقبة السلوك، خلا القانون الأردني من أي نص يشير إليهما، وعليه فإن المشرع الأردني مدعو لسد هذه الثغرة التشريعية في حالة عدم علاجها من خلال الأحكام والمبادئ العامة للقانون الجنائي. كما أن المشرع العراقي مدعو لحل الخلاف الموجود حول مسألة احتساب مدة المراقبة المنقضية عند فرض تدبير الإيداع أو الغرامة بعد إعادة المحاكمة مجدداً.
المطلب الثالث: الاعتبارات الواجب مراعاتها عند فرض تدبير مراقبة السلوك، وكيفية تنفيذها.
المشرع العراقي في المادة 90 أوجب على محاكم الأحداث مراعاة بعض الاعتبارات عند إصدار قرارها بوضع الحدث تحت مراقبة السلوك،و هي كما يلي:
أولاً. جسامة الجريمة المرتكبة وسلوك الحدث وسوابقه وحالته الاجتماعية والصحية والنفسية.
ثانياً. إفهام الحدث ووليّه أنه في حالة مخالفته أحكام مراقبة السلوك وشروطها أو ارتكابه جريمة عمدية أخرى، يتعرض لاحتمال إلغاء قرار المراقبة و الحكم عليه عن الجريمة نفسها بأحد التدابير المنصوص عليها في القانون.
ثالثاً. أخذ موافقة الفتى التحريرية عند إصدار القرار بوضعه تحت مراقبة السلوك.
يفهم من الاعتبارات أعلاه ما يلي:
أ . أن المشرع قد تناقض مع نفسه، فبعد أن أعفى الحدث الجانح من أخذ بصماته بموجب المادة 242/ب من قانون الأصول الجزائية، و عدم تطبيق أحكام العود عليه بموجب المادة 78 من قانون العقوبات، عاد و طلب من المحكمة مراعاة سوابق الحدث عند وضعه تحت مراقبة السلوك. لكن إذا كان قصد المشرع من ذلك أن يتسنى للمحكمة اختيار التدبير المناسب للحدث فهذا جائز ومقبول، لأنه ربما تكون المحكمة قد وضعت الحدث تحت مراقبة السلوك في قضايا أخرى سابقة ولكنه لم يستفد منها[5].
ب . تأكيد المشرع بوجوب مراعاة تقرير مكتب دراسة الشخصية من قبل المحكمة، وهذا ما نفهمه حينما نص على مراعاة حالة الحدث الاجتماعية و الصحية و النفسية. و أن هذا التأكيد من المشرع الجنائي للأحداث يدلّ على اهتمامه بشخص الحدث أكثر من الجريمة المرتكبة ذاتها[6].
ت . وجوب إفهام الحدث ووليّه بعدم مخالفة أحكام مراقبة السلوك وشروطها، وعدم ارتكاب أية جريمة عمدية أخرى و من أي نوع كان، و إلاّ فإنه قد يعرض نفسه لاحتمال إلغاء قرار المراقبة و الحكم عليه عن الجريمة نفسها بإحدى التدابير المنصوص عليها في القانون.
ث . يتساءل الباحث، لماذا ألزم المشرع المحكمة بأخذ موافقة الحدث الفتى التحريرية عند إصدار القرار بوضعه تحت مراقبة السلوك؟، هل من الحكمة إيقاف إصدار قرار مراقبة السلوك على موافقة الحدث الفتى؟، هل هو أدرى بمصلحته من المحكمة؟، إذا كان الجواب هو لمراعاة مصلحة الجانح، فنتساءل: لو كان الجانح يعرف مصلحته، فلماذا وقع في مستنقع الجريمة؟، لذا المشرع مدعو لإلغاء هذه الفقرة أو أخذ موافقة ولي أمره بدلاً عنه، وهذا ما ذهب إليه براء منذر أيضاً[7]. علماً أنه لا تؤخذ هذه الموافقة من الحدث إن كان صبياً.
ومن التطبيقات القضائية في هذا المجال:
1- جاء في قرار محكمة تمييز الإقليم تحت العدد 61/هـ.ج/أحداث/2008 في 19/6/2008 ما يلي: أما بخصوص قرار فرض التدبير والتي هي وضع الجانح أعلاه تحت مراقبة السلوك لمدة ثلاث سنوات، وبما أن قرار المراقبة جاء خالياً من قيام المحكمة بإفهام الجانح أعلاه و وليّه بأنه في حالة مخالفة شروط مراقبة السلوك أو ارتكاب جريمة عمدية أخرى يتعرض لاحتمال إلغاء قرار المراقبة، وكما لم يتم أخذ موافقة الجانح أعلاه تحريرياً، و كما لم يتضمن قرار المراقبة الشروط الواردة في المواد 90و91 [8]من قانون رعاية الأحداث حيث كان من المفروض ذكرها تحريراً ضمن قرار فرض التدبير ولعدم اتباع ذلك من قبل محكمة الأحداث تقرر نقضه وإعادة القضية إلى محكمتها لإصدار قرار جديد بالمراقبة وفق المنوال أعلاه.
2- جاء في قرار محكمة تمييز الإقليم تحت العدد / 169/هـ.جـ/أحداث/2009 في 30/9/2009 ما يلي: مع تنويه المحكمة بأن أخذ الموافقة التحريرية عند وضع الجانح تحت مراقبة السلوك يخص الفتيان فقط عملاً بأحكام المادة 90/ثالثاً من قانون رعاية الأحداث، ولا يشمل الصبيان لذا فإن الموافقة التحريرية لا تشمل الجانح (ر.ح.ج) لكونه صبي).
التعليق على التطبيقات القضائية: يرى الباحث أن ما ذهبت إليه محكمة التمييز بوجوب ذكر الفقرات المدرجة في المادة 90 بجانب الواجبات الملقاة على عاتق الحدث الجانح المذكورة في المادة 91 ضمن قرار المراقبة اتجاه غير موفق وغير سليم، لأن نص المادة 90 لم تلزم المحكمة بذلك، مثلما ألزمتها 91.
أما القانون الأردني فألزمت المحكمة عند وضع الحدث تحت مراقبة السلوك بمراعاة ما يلي:
تعين مراقب السلوك الذي يشرف على الحدث أثناء مدة المراقبة.
3.تحديد المدة الزمنية للأمر وعدد التقارير المطلوب من مراقب السلوك تزويدها بها عن حالة الحدث .
يلاحظ أن السبب وراء تعين مراقب السلوك بالاسم من قبل المحكمة تعود إلى أن مكتب مراقبة السلوك مرتبط بالمحكمة، وهذا يؤدي إلى تحفيز المراقب على أن يؤدي عمله بشكل جيد لكونه مكلف بالاسم مباشرة من قبل المحكمة، كما أن أي تقصير من قبله سيعرضه للمساءلة. أما بخصوص تحديد المدة الزمنية في أمر الإشراف، فهذا أمر بديهي وأن النص على ذلك شيء زائد، لأن المحكمة أصلاً ملزمة بتحديد مدة لا تزيد على سنة، وقد سبق وأن أشرنا إليها، أما فيما يتعلق بعدد التقارير الواجب تقديمها عن حالة الحدث من قبل مراقب السلوك، فالمفروض أن يتم النص على تقديم هذه التقارير بصورة دورية وضمن نصوص القانون، وليس تركها لاجتهاد القضاء.
المسألة الأخرى التي سنتناولها في هذا المطلب هي: كيفية بدء تنفيذ تدبير مراقبة السلوك. المشرع العراقي نص في المادة 92 على الإجراءات الواجب اتباعها لتنفيذ هذا التدبير. ففي الفقرة الأولى أوجبت على محكمة الأحداث إرسال قرار المراقبة مع الدعوى إلى مراقب السلوك، وبعد وصولهما لمكتب أو دائرة المراقبة، يقوم مدير المكتب الذي هو مراقب السلوك الأول بتعيين مراقب السلوك الذي سيتولى تنفيذ قرار المراقبة الصادر من المحكمة وذلك حسب الفقرة الثانية، وبموجب الفقرة الأخيرة فإن مراقب السلوك المعين يجب أن يكون أنثى إن كان الحدث الموضوع تحت المراقبة أنثى.
يلاحظ بأن الفقرة الأولى لا تطبّق من الناحية العملية، فكل ما هو موجود هو إرسال كتاب (خطاب) إلى مديرية إصلاح الأحداث والنساء في المحافظة/مكتب الباحث الاجتماعي يتضمن مضمون قرار المراقبة، وهذا لا يقوم مقام إرسال قرار المراقبة، وإن كان يتضمنه لأن النص واضح يشير إلى إرسال القرار الصادر في الدعوى، وبرأي المتواضع لو تم إرفاق نسخة من القرار بهذا الكتاب لاستطعنا عندئذ أن نقول بأنه تم تنفيذ الفقرة جزئياً.
أما بالنسبة لإرسال الدعوى، فرغم عدم إرسالها من قبل المحكمة لمراقب السلوك من الناحية العملية مخالفاً بذلك نص القانون، إلا أن هذه الفقرة من النص غير عملي، لأن تدبير المراقبة غالباً ما تصدر في الدعاوي الجنائية وهذه الدعاوي لخطورتها يطلب وكيلا الطرفين وعضو الإدعاء العام الاطلاع عليها لأكثر من مرة بعد إصدار الحكم فيها خاصة إن كانت لديهم ملاحظات وطعون، والمحكمة بدورها تحتاج إلى وقت لتدوين الحكم وترتيب الدعوى لإرسالها إلى محكمة التمييز لكون هذه الدعاوي خاضعة للتمييز الوجوبي والتي يجب إرسالها إلى محكمة التمييز خلال 15 يوماً من إصدار الحكم.ولهذا لو ألزم المشرع مراقب السلوك بمراجعة المحكمة خلال 15 من إصدار القرار لغرض الاطلاع على الإضبارة أو استنتساخها وإعطاء نسخة ضوئية منها لمراقب السلوك، لكان أفضل وعملياً أكثر.
ولكي يؤدي مراقب السلوك مهامه على أكمل وجه، أجازت له المادة 96 من القانون الاستعانة ببعض الجهات[9]. كما أجاز لعضو الادعاء العام وبعد ورود التقارير إليه من المراقب حول الحدث الموضوع تحت المراقبة أن يقدم مقترحات للمحكمة حول تغيير طريقة المراقبة أو شروطها بشرط أن تكون هذه المقترحات في مصلحة الحدث الجانح والمجتمع[10].
أما في القانون الأردني، فإنه وبموجب المادة 24 بعد أن يتم تعين مراقب السلوك الذي يشرف على الحدث أثناء مدة المراقبة من قبل المحكمة، تسلم إليه نسخة من أمر الإشراف القضائي، ونسخ أخرى إلى كل من الحدث ووليّه أو وصيّه أو القائم على رعايته، وإذا تقرر فرض أمر الإشراف القضائي على أنثى وجب أن يكون المراقب أنثى أيضاً. كما أوجب على قاضي تنفيذ الحكم بعد صدور الحكم، القيام بمراقبة تنفيذ أي تدبير يحكم به على الحدث، والتثبت بشكل مستمر من تقيد الحدث بشروط تنفيذ الحكم وله أن يقوم بتكليف المراقب بذلك وتقديم ما يلزم من التقارير، بموجب المادة 29.
عند إجراء مقارنة بين القانونين بخصوص المسائل التي تناولناها من خلال هذا المطلب، يلاحظ أن الاختلاف بينهما أكثر من التشابه، فمن أوجه التشابه:
محاكم الأحداث لا يجوز لها إصدار قرار المراقبة بحق الحدث دون مراعاة حالة الحدث الاجتماعية والصحية والنفسية المدونة في تقارير مكتب دراسة الشخصية ومراقب السلوك.
مراقب السلوك هو المكلف بتنفيذ القرار بحق الحدث الجانح، ويجب أن يكون جنسه أنثى إن كان الحدث أنثى.
رفع التقارير عن حالة الحدث لمحكمة الأحداث، لكي تطلع هذه المحكمة على مدى استجابة الحدث للتدبير، وإصدار قرارات مناسبة حسب مصلحة الحدث الفضلى.
تسليم نسخة من قرار التدبير لمراقب السلوك أو إرسالها إليه من قبل المحكمة لغرض التنفيذ.
أما أوجه الاختلاف فهي ما يلي:
يحدد مراقب السلوك من قبل المحكمة في الأردن، بينما يتم تحديده من قبل مراقب السلوك الأول في العراق. رغم وجود مزية في تحديد المراقب من قبل المحكمة مباشرة وهذا ما أشرنا إليه سابقاً، لكن ليس من المنطق أن تتدخل المحكمة في كل صغيرة وكبيرة لكون أعبائها كثيرة، ومن الأفضل تركه لمكتب مراقب السلوك، ولهذا نرجح القانون العراقي.
في القانون العراقي، يتم إرسال الإضبارة مع قرار المراقبة لمراقب السلوك لغرض إعداد خطته للإصلاح وتأهيل الحدث الجانح، بينما في القانون الأردني يتم إرسال القرار إليه فقط. وعليه، نرجح القانون العراقي، لكونه يمّكن المراقب من إعداد خطة أفضل، لكن وكما قلنا سابقاً لا تطبق هذه الفقرة من الناحية العملية للأسباب التي ذكرناها في حينه، لذا ندعو المشرع لتعديل هذه الفقرة بحيث يمكن تنفيذها دون عوائق.
في الأردن، القاضي ملزم بتحديد عدد التقارير التي يجب على المراقب رفعها إليه خلال مدة المراقبة، وملزم أيضاً بتحديد مدة المراقبة. أما في العراق، فإن القانون بحد ذاته ألزم المراقب برفع تقارير دورية للمحكمة، لذا فلا داعي أن تحددها المحكمة ، وهذا ما يفضله الباحث. كما أن إلزام محاكم الأحداث الأردنية بتحديد مدة المراقبة في القرار بموجب نص القانون، فقرة زائدة ولا داعي للنص عليها، لكونها أصلاً ملزمة بعدم تجاوز مدة سنة واحدة في حالة إصدار قرارها بوضع الحدث تحت الإشراف القضائي بموجب القانون.
لا يوجد نص في القانون الأردني يقضي بإفهام الحدث ووليّه بالآثار المترتبة في حالة مخالفة الحدث لأحكام وشروط مراقبة السلوك أو ارتكابه جريمة عمدية أخرى، مثلما هو منصوص عليه في القانون العراقي. و المشرع الأردني مدعو للتدخل، لأن تحذير المحكمة الحدث و وليه من ذلك مباشرة أمر في غاية الأهمية.
ما نص عليه القانون العراقي دون الأردني من أخذ موافقة الفتى التحريرية عند إصدار القرار بوضعه تحت مراقبة السلوك غير منطقي، لأنه ليس من الحكمة تعليق إصدار هذا التدبير بحق الفتى بإرادة الأخير، فلو كان مدركاً بمصلحته لما وقع في وحل الجريمة. وعليه، يرجح الباحث القانون الأردني.
في الوقت الذي يقوم بمهمة مراقبة تنفيذ قرار المراقبة عضو الإدعاء العام في العراق، يقوم بها قاضي تنفيذ الحكم في الأردن. حقيقة، مراقبة تنفيذ الحكم من قبل القاضي فيها إيجابيات كثيرة، لكن ما يعيب هو أن جهة الإصدار و المراقبة ستكون جهة واحدة و هي القضاء، وعليه من السهولة تغطية ثغرات عملها، لكن حينما تقوم بذلك جهة أخرى غير القضاء مثل الادعاء العام، فإنها ستكون أكثر دقة و حزما في مهمتها، وعليه، نفضل القانون العراقي.
وأخيراً، نظراً لأهمية عمل مراقب السلوك وصعوبته أجاز المشرع العراقي للمراقب الاستعانة ببعض الجهات والمؤسسات لكي يؤدي عمله بشكل أفضل وأسهل، بينما خلا القانون الأردني من نص مماثل.
المطلب الرابع: واجبات الحدث،الولي،ومراقب السلوك.
أولاً: واجبات الحدث.
المشرع العراقي نص على واجبات أو شروط ملزمة للحدث الموضوع تحت المراقبة، وعليه الالتزام بها، وإذا حصل أن خرقها فإنه سيعرض نفسه للجزاء من قبل المحكمة.وقد نصت المادة 91 صراحة على إدراج هذه الشروط ضمن قرار المراقبة من قبل المحكمة، وقد تبيّن لنا ذلك بكل وضوح من خلال التطبيقات القضائية التي ذكرناها في المطلب السابق إذ تعرض قرار المحكمة للنقض من قبل محكمة التمييز في حالة عدم إدراجها ضمن القرار. و هذه الشروط هي ما يلي:
أولاً . أن يسلك سلوكاً حسناً.
ثانياً . أن يخبر مراقب السلوك عند انتقاله من محل سكناه، وعليه أخذ موافقته عند انتقاله إلى عمل أو مدرسة أخرى.
ثالثاً . أن يكون على اتصال دائم بمراقب السلوك، و أن يلتزم بأوامره وتوجيهاته.
رابعاً . أي شرط آخر تراه محكمة الأحداث ضرورياً لضمان نجاح المراقبة.
أما المشرع الأردني فلم يدرج أية شروط معينة بحق الحدث في متن القانون، وإنما ترك ذلك لاجتهاد القاضي يحددها كيفما يشاء حسب كل قضية، وهذا واضح من تعريف الإشراف القضائي المذكور في المادة 24 من القانون حيث جاء فيه،”مع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة”.
حقيقة، إن إعطاء المحكمة السلطة التقديرية في تحديد الشروط أو الواجبات بحق الحدث الجانح الموضوع تحت المراقبة حسب كل حالة أو قضية أمر في غاية الأهمية، لكونها مطّلعة على أحوال وشؤون الحدث، وبإمكانها وضع واجبات مناسبة لكل حالة على حدة. وهذا ما نص عليه القانونان كلاهما ، حيث إن المشرع العراقي كالمشرع الأردني نص في الشرط الرابع على: “أي شرط آخر تراه محكمة الأحداث ضرورياً لضمان نجاح المراقبة”، لكن المشرع العراقي تفوق في هذا الخصوص على المشرع الأردني[11]، لأنه إضافة إلى إعطاء هذه السلطة للمحكمة، نص على ثلاثة شروط أخرى –ذكرناها آنفاً- يراه ضرورية بحق كل حدث خاضع للمراقبة، ولا يمكن تجاهلها؛ وعليه، فإن الجمع بين هذه الشروط الثلاثة العامة وشروط أخرى خاصة تحددها المحكمة حسب حالة كل حدث، ستؤول إلى نجاح المراقبة. علماً، هناك من يرى أن ترك تحديد الشروط للمحكمة وحدها أفضل[12]، وهذا ما لا يؤيده الباحث.
ثانياً: واجبات مراقب السلوك:
يلاحظ أن المشرع العراقي لم يفرض الواجبات على الحدث وحده، وإنما فرضها على مراقب السلوك أيضاً، لأنه يرى أن أساس نجاح هذا التدبير يعتمد عليه، ولهذا فرض عليه واجبات معينة بموجب المادتين 93 و94 وهي كما يلي:
1 . إعداد خطة تفصيلية لعلاج الحدث تؤمن إعادة تكييفه اجتماعياً خلال مدة المراقبة استناداً إلى تقرير مكتب دراسة الشخصية.
2 . أن يزور الحدث الموضوع تحت المراقبة في مسكنه والاتصال بإدارة مدرسته أو محل عمله مرة واحدة على الأقل كل 15 يوماً لمتابعة مدى مراعاته للشروط التي حددها قرار المراقبة، وإعانته على حل مشاكله والسعي لإيجاد عمل له.
3 . أن يقدم إلى محكمة الأحداث وعضو الإدعاء العام تقريراً شهرياً يتضمن حالة الحدث وسلوكه ومدى تأثير قرار المراقبة عليه، وما يقترحه من أمور يرى فيها فائدة للحدث.
حقيقة، لو التزم المراقب بهذه الواجبات ونفّذها حرفياً، ستتحقق النتائج المرجوة من وضع الحدث تحت مراقبة السلوك، فوضع خطة لإعادة تأهيل وإصلاح الحدث على ضوء تقرير مكتب دراسة الشخصية التي تتضمن معلومات عن حالة الحدث الاجتماعية و النفسية و الصحية، و زيارة الحدث في داره وأماكن تواجده بصورة مستمرة على أن لا تتجاوز المدة بين زياتين 15 يوماً، لمعرفة مدى التزام الحدث بشروط المحكمة من جانب ولإرشاداته وتوجيهاته من جانب آخر، و لمساعدة الحدث في إيجاد عمل له إن كان عاطلاً عن العمل، أو لإيجاد مخرج لمشاكله، وتقديم تقارير شهرية إلى محكمة الأحداث التي وضعت الحدث تحت المراقبة، ولعضو الإدعاء العام المنتسب في إصلاحية الأحداث،تتضمن معلومات عن حالة الحدث وسلوكه وعن مدى تأثير قرار المراقبة عليه، وتقديم مقترحات لإصلاحه، فهذه المعلومات والمقترحات تساعد المحكمة والإدعاء على الإطلاع على كيفية سير المراقبة، وبالتالي اتخاذ قرارات مناسبة إذا وجدت ضرورة لتعديل المراقبة.
في الوقت الذي أتقن المشرع واجبات المراقب بدقة، لكن الجهات المخاطبة بهذا القانون التي لها علاقة مباشرة بمراقبة السلوك، لا تنفذها بشكل سليم، وتعتريها ثغرات تطبيقية. فبدلاً من مراقب السلوك يقوم بهذه الواجبات باحث اجتماعي غير تابع للجهة المعنية أصلاً، ولا يزور الحدث في أماكن تواجده، كما لا يلتزم في مدة شهر واحد برفع التقارير، إذ في بعض الأحيان يؤخر التقرير لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر وربما أكثر. هذه الثغرات في عمل المراقب تعود إلى أن قسم مراقبة السلوك غير موجود من الناحية العملية أو غير فعاّل، ولا توجد المستلزمات الضرورية التي تساعد المراقب على أداء واجباته بصورة سليمة، كما أن نقص فريق العمل عيب آخر، ولهذا ندعو الجهات المسؤولة للتدخل والوفاء بالتزاماتها القانونية[13].
أما المشرع الأردني، فلم يحدد واجبات مراقب السلوك ضمن نصوص القانون، لكن في المادة 44 نص على وجوب إصدار تعليمات من قبل وزير التنمية الاجتماعية لتحديد المتطلبات والمعلومات الواجب توافرها في تقارير مراقبي السلوك، ولهذا الغرض تم إصدار تعليمات عام 2015م مؤلفة من عشر مواد، تتناول واجبات مراقبي السلوك.
ففي المادة الثالثة تطرقت إلى أنواع التقارير التي يقدمها المراقب، وهي: إما شمولية أو متابعة، وعدت تقارير أمر الإشراف على الحدث من ضمن تقارير المتابعة، وفي المادة الرابعة أدرجت الأسس التي بموجبها يتم إعداد التقارير، ومنها الحفاظ على سرية المعلومات التي تدوّن في التقارير، وضرورة تقديمها في المدة الزمنية المحددة، وتنظيم التقارير بناء على زيارات ميدانية للحدث قدر الإمكان (مراعاة)، وفي المادة السادسة تناولت المعلومات المطلوب إدراجها ضمن التقارير الشمولية[14]، وفي المادة السابعة تطرقت إلى المعلومات الواجب ذكرها في تقارير المتابعة (تقارير مراقبة السلوك)، وفي المادة الثامنة بيّنت دور المديرية -في وزارة التنمية- في المراقبة والإشراف على عمل مراقبي السلوك.
هنا نود الإشارة فقط إلى مضمون تقارير المتابعة الخاصة بموضوع تدبير مراقبة السلوك نظراً لأهميتها حيث إن لها علاقة مباشرة بموضوعنا، إذ جاءت في المادة السابعة من التعليمات ما يلي:
1- تتضمن تقارير المتابعة البيانات التالية: تحديث البيانات الواردة في التقرير الشمولي، التغير السلوكي للحدث، التغير في الظروف الأسرية والبيئة المحيطة، المدة الزمنية التي يغطيها تقرير المتابعة، الإجراءات المتخذة مع الحدث لغاية تاريخ إعداد التقرير، مدى التزام الحدث بتنفيذ العقوبات غير السالبة للحرية، وتقييم عوامل الخطورة على الحدث الذي أنهى مدة محكوميته في حال تطلب تحويله إلى محتاج للحماية والرعاية.
2- يستند مراقب السلوك في إعداد تقرير المتابعة إلى البرنامج المعد للتعامل مع حالة الحدث، والذي يشتمل على خدمات التدخل المهني بما فيها الاجتماعية والتعليمية والصحية والنفسية والترفيهية.
3- يُقدم مراقب السلوك توصيته بخصوص تقرير المتابعة مبيناً مصادر الحصول على المعلومات والبيانات ووسائلها.
4- يُقدم تقرير المتابعة كل ثلاثة أشهر على الأقل أو متى طُلب منه ذلك.
يفهم مما سبق، أن لمراقب السلوك برنامجا خاصا للتعامل مع الحدث لغرض إصلاحه وتأهيله، وله اتصال دائم به، ويقدم توصياته ضمن التقرير، كما يقدم التقارير بصورة دورية كل ثلاثة أشهر أو عند الطلب. إضافة إلى ذلك، فإنه وبموجب المادة 8 من التعليمات أخضعت عمل المراقب ومحتوى التقارير للمديرية المعنية بشؤون الأحداث في وزارة التنمية، فهي التي تتولى الرقابة على التقارير المقدمة من قبله من حيث الجودة والتقيد بالمواعيد المقررة وفقاً لأحكام القانون، كما أن مراقب السلوك ملزم بتقديم تقارير شهرية للمديرية عن سير عمله وإنجازه.
عند المقارنة بين القانونين وتحديدا من خلال واجبات مراقبي السلوك، يلاحظ أن المشرعين في كلا البلدين كانا موفقين إلى حد بعيد في تحديد هذه الواجبات، وبينهما تشابه كبير، لذا سنقتصر على تناول أهم أوجه الاختلاف وترجيحها.
فالتقارير تقدم كل ثلاثة أشهر أو عند الطلب في ظل تعليمات القانون الأردني، بينما يتم تقديمها شهرياً أو عند الحاجة بموجب القانون العراقي، فرغم عدم النص على عبارة (أو عند الطلب) كما هو موجود في القانون الأردني، لكن ذلك لا يمنع المحكمة العراقية من طلبه إذا اقتضت ذلك حالة الحدث. وعليه، نرجح القانون العراقي، لكون التقارير الشهرية تجعل من عين المحكمة حارسة ساهرة على حالة الحدث، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
المسألتان الأخريان اللتان أبدع فيهما المشرع الأردني دون العراقي هما: الأولى، ما يتضمنه تقرير المراقب من معلومات. والثانية، خضوع المراقب وعمله وخاصة جودة التقارير والالتزام بالمواعيد للمديرية التابعة للوزارة، إذ فرضت عليه التعليمات رفع تقارير شهرية للمديرية عن سير أعماله وإنجازها. فقيام المديرية بهذا العمل له ميزات عدّة منها، يخفف من أعباء المحاكم، يجعل من المراقب حريصاً على أداء مهامه بصورة أفضل لكونه يشعر بمراقبة الوزارة والمحكمة معاً، وأخيراً، سيكون التقرير المقدم شاملاً لكل ما يتطلبه القانون من معلومات، وبالتالي ستتضح للمحكمة حالة الحدث بصورة جيدة.
ثالثاً: واجبات ولي الحدث.
إيماناً من المشرع العراقي بأن لولي الحدث دورا هاما لا يمكن الاستهانة به في تسهيل عمل مراقب السلوك ألزمه بواجبات معينة، فبموجب المادة 95/أولاً من القانون الولي ملزم بتقديم التعاون بكافة صوره للمراقب، لكي ينفذ الأخير قرار المراقبة بما يحقق مصلحة الحدث، كما أنه ملزم بإخبار المراقب عن كل تغيير يطرأ على سلوك الحدث.
لا شكّ أن واجبات الولي إنما شرّعت لمصلحة الولي والحدث معاً، فقيام الولي بواجباته بشكل متقن سيؤدي إلى تحسن حالة الحدث وسلوكه أثناء فترة المراقبة، لأنه استناداً إلى تعاونه المستمر مع المراقب سيتم تغيير طريقة المراقبة أو شروطها عند الحاجة، ونتيجة لذلك سيستفيد الحدث من قرار المراقبة، وفي النهاية سترجع الفائدة للولي أيضاً، لأن الولي عادة هو والد الحدث أو والدته أو أحد أخوته أو أقربائه، وهو مسؤول عنه قانوناً ما دام لم يكمل سن الرشد[15].
أما المشرع الأردني، فإنه لم ينص على هذه الواجبات في قانون الأحداث، كما لم تدرج ضمن التعليمات المتعلقة بواجبات مراقب السلوك وتقاريره. وعليه، فالمشرع الأردني مدعو للإقتداء بالمشرع العراقي، لأن عدم تعاون الولي مع المراقب سيعرقل عمل الأخير، وقد يؤدي إلى عدم تحقيق المراقبة جدواها وغايتها.
المطلب الخامس: جزاء الحدث، الولي،ومراقب السلوك المخل بواجباته.
أولاً: مراقب السلوك.
نص المشرع الأردني في المادة 24 على أنه في حالة تعذّر على مراقب السلوك المعين من قبل محكمة الأحداث القيام بتنفيذ أمر الإشراف القضائي بحق الحدث لأي سبب كان، يجوز لمدير المديرية في وزارة التنمية أن يطلب من قاضي تنفيذ الحكم تعيين مراقب آخر لتنفيذ أمر الإشراف، وفي المادة 11 عالجت مسألة إخلال مراقب السلوك بواجباته، إذ أجازت للمحكمة طلب استبدال المراقب المخل بواجباته الموكولة إليه من قبلها ومخاطبة الوزير لاتخاذ الإجراءات التأديبية بحقه. رغم أن المادة 11 عالجت موضوع مساءلة المراقب المخل بواجباته خلال فترة التحقيق، لكن ليس هناك ما يمنع محكمة الأحداث من الاستناد إلى المادة نفسها لمساءلة المراقب المعين لتنفيذ أمر الإشراف القضائي بحق الجانح إذا أخل بواجباته.
أما المشرع العراقي، فلم يدرج أية مادة مشابهة للمادة 11 في قانون الأحداث العراقي، ولكن ليس هناك مانع لاتخاذ مثل هذه الإجراءات بحق المراقب المخل بمهامه بموجب قانون انضباط موظفي الدولة، إذ أن القانون المذكور يتضمن تفاصيل الإجراءات التأديبية بحق الموظفين المقصرين. ولهذا لا يرى الباحث أن القانون العراقي يعتريه ثغرة تشريعية.
رغم خلو القانونين العراقي والأردني من أي نص عقابي جزائي بحق المراقب المخل، إلا أن ذلك لا يمنع المحكمة الجزائية من اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه بموجب قانون العقوبات، فالوظيفة العامة أمانة مقدسة، وتم حمايتها جنائياً من قبل القانون الجنائي؛ علماً أنه كانت هناك دعوات لإدراج نص عقابي بحق المراقب المخل ضمن قانون الأحداث الأردني، لكن المشرع الأردني لم يستجب لها[16]، ونعتقد أن السبب وراء عدم تلبية هذه الدعوات هو ما ذكرناه آنفاً.
ثانياً: ولي الحدث.
يرى المشرع العراقي أن إلزام الولي بواجبات معينة وحدها ربما لن تدفعه إلى التعاون مع المراقب، حيث هناك من الأولياء من لا ينفذ واجباته إلاّ إذا علم بوجود عقوبات بحق الولي المخل، لذا نص المشرع على عقوبة الغرامة بحق الولي المهمل واجباته، أو الذي يتسبب في عرقلة سير عملية المراقبة وذلك حسب المادة 95/ثانياً من القانون. وأن فرض هذه العقوبة بحق الولي المخل إلزامي وغير متروك للسلطة التقديرية للمحكمة.
أما فيما يخص المشرع الأردني، فإنه وكما تبيّن لنا في المطلب السابق، لم يلزم الولي بواجبات معينة لمساعدة المراقب، ونتيجة لذلك لم ينص على أية عقوبة بحقه في القانون.
ثالثاً: الحدث الجانح.
القانون العراقي لم يكتفِ بمجرد فرض الشروط على الحدث الموضوع تحت المراقبة، وإنما هدده بإيقاع جزاء بحقه إذا لم يوفِ بها. والجزاء المترتب على مخالفته للشروط هو: الغرامة أو إلغاء المراقبة والحكم عليه بالإيداع[17]. لا شكّ أن الجزاء المذكور سيدفع الحدث إلى الالتزام بالشروط وعدم الإخلال بها، كما سيشعره بأنه لا يزال تحت ولاية المحكمة، وقد يتم إيداعه في المؤسسة الإصلاحية في أية لحظة ينتهك فيها الشروط؛ لكن هذا الجزاء خاضع لسلطة القاضي التقديرية، فقد يوقع على حدث، ويعفي آخر حسب كل حالة وظروفها، وهذا موقف حسن من المشرع، لأن الحدث ربما يخل بالشروط لحالة اضطرارية. أما بخصوص الغرامة فنعتقد عدم جدواها، فلا تعد ردعاً له، لأن غالبية الأحداث لا يعملون، وليس لديهم ذمة مالية مستقلة[18]،فالولي هو الذي يدفعها عنه، لذا من الأحسن الاكتفاء بجزاء الإيداع فقط.
أما المشرع الأردني، في الوقت الذي ترك واجبات الحدث للمحكمة تحددها حسب كل حالة، لم ينص على الجزاء المترتب عن إخلاله بها، بينما كان يفرض عليه الغرامة في ظل قانون الأحداث السابق الملغي[19].
عند إجراء مقارنة بين القانون العراقي والأردني فيما يتعلق بإخلال الأشخاص المذكورين أعلاه بواجباتهم نستنتج ما يلي:
قانون الأحداث لكلا البلدين لم ينصّ على عقوبة معينة بحق مراقب السلوك المخل بواجباته، لكن ذلك لا يحول دون اتخاذ الإجراءات الجزائية بحقه حسب قانون العقوبات.
رغم أن قانون الأحداث العراقي لم ينص على اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المراقب المخل مثل القانون الأردني، لكن ذلك لا يعد عائقاً أمام المحاكم العراقية عن اتخاذ هذه الإجراءات بحقه حسب قانون انضباط موظفي الدولة؛ بل يرى الباحث أن النص الموجود في قانون الأحداث الأردني المتعلق بهذه المسألة حشو زائد ولم يكن هناك داعٍ للنص عليه، إذ إن قانون انضباط الموظفين لكل دولة عادة ينص على مثل هذه الإجراءات.
المشرع العراقي لم يتوانَ في فرض جزاء بحق الحدث الموضوع تحت المراقبة ووليّه أيضاً، في حالة إخلال أي منهما بواجباته، لكونه على يقين أن ترك تنفيذ عملية المراقبة معلقاً على إرادتهما، قد لا يحقق تدبير المراقبة غايته المنشودة التي هي إصلاح الحدث، وربما سيعرقلان عملية المراقبة، ولن يكتب لها النجاح. أما المشرع الأردني، فلم ينص على أي جزاء بحقهما رغم أهميته كما تبين. وعليه، فهو مدعو للسير على خطى المشرع العراقي.
المطلب السادس: ارتكاب الحدث جريمة أو هروبه خلال فترة المراقبة.
عند قراءة المادة 98 بتمعّن يفهم أن المشرع العراقي قد ميّز بين ثلاث حالات وهي: مخالفة الحدث لشروط (واجبات) المراقبة، ارتكابه جريمة، وهروبه خلال فترة المراقبة. وقد تناول هذه الحالات ضمن المادة المذكورة ، وأفرد لكل حالة فقرة خاصة بها. وقد سبق وأن تناولنا الحالة الأولى في المطلب السابق، وفي هذا المطلب سنتناول الحالتين الباقيتين.
أولاً: ارتكاب الحدث جريمة. هنا ميّز المشرع بين حالتين:
الحكم على الحدث عن جريمة جنحية عمدية أثناء فترة المراقبة.
نص المشرع في الفقرة الثانية من المادة 98 على: إذا حكم على الحدث عن جنحة عمدية ارتكبها خلال نفاذ قرار المراقبة واكتسب الحكم درجة البتات، فلمحكمة الأحداث التي أصدرت قرار المراقبة إلغاؤه وإبداله بتدبير الإيداع. وعليه، فإن تطبيق هذا النص يوجب توفّر الشروط الآتية:
أن تكون الجريمة المرتكبة من قبل الحدث من نوع الجنح، أما المخالفات فلا يشملها.
2 . أن يرتكب الجريمة خلال فترة نفاذ المراقبة، أما إذا ارتكبها قبل النفاذ وحكم عليه أثناء النفاذ، فهذه الحالة لم يشملها النص.
3 . أن تكون الجريمة المرتكبة عمدية، وعليه تخرج الجرائم غير العمدية من نطاق النص.
4 . أن يصدر عليه حكم عن هذه الجريمة، ويكتسب الدرجة القطعية خلال فترة نفاذ قرار مراقبة السلوك.
عند توفر كل هذه الشروط أجاز المشرع للمحكمة أن تقرر إلغاء قرار المراقبة وإبداله بتدبير الإيداع، ولكون هذا الإجراء جوازي للمحكمة فربما لا تقرر إلغاء المراقبة، وإنما تكتفي بإنذاره.
ارتكاب الحدث جريمة جناية عمدية أثناء فترة المراقبة.
ضمن نص الفقرة الثانية نفسها من المادة 98 نص المشرع على: إذا ارتكب الحدث جناية عمدية، فعلى محكمة الأحداث إلغاء قرار المراقبة وإبداله بتدبير الإيداع وفق أحكام هذا القانون. ولتطبيق النص يجب توفّر الشروط الآتية:
1 – أن تكون الجريمة المرتكبة من قبل الحدث من نوع الجنايات حصراً.
2 – أن تقع خلال فترة نفاذ قرار مراقبة السلوك.
3 – أن تكون من الجرائم العمدية .
4 – عدم اشتراط صدور الحكم عليه عن هذه الجريمة واكتسابه الدرجة القطعية، إذ بمجرد ارتكاب الجريمة خلال فترة نفاذ قرار مراقبة السلوك يطبق عليه النص.
عند توفر كل هذه الشروط أوجب المشرع على المحكمة أن تقرر إلغاء قرار المراقبة وإبداله بتدبير الإيداع، والسبب في هذا التشديد واضح حيث أن الحدث الذي لا يزال تحت مراقبة السلوك ويرتكب جريمة جنائية عمدية، فهذا دليل على خطورته الإجرامية، لذا فالمنطق والعقل يتطلبان إلغاء قرار المراقبة وإيداعه إحدى المدارس التأهيلية، لأنه بفعلته هذه أثبت أنه غير جدير بأن يبقى تحت مراقبة السلوك، وأنه يستحق تدبيراً أشد.
أما المشرع الأردني، فلم يفرّق بين هاتين الحالتين، وإنما نص على قاعدة عامة وهي: يجوز للمحكمة إلغاء أمر الإشراف إذا أدين الحدث بجرم أثناء نفاذ هذا الأمر (الإشراف القضائي) ما لم تكن عقوبة الفعل الأصلية الغرامة. فحسب هذا النص، للمحكمة السلطة التقديرية في إلغاء تدبير مراقبة السلوك من عدمه، بمجرد صدور حكم بالإدانة على الحدث خلال فترة المراقبة، بشرط أن لا تكون العقوبة الأصلية للجريمة الغرامة.
عند إجراء مقارنة بين القانون العراقي والأردني، نستنتج ما يلي:
جميع الجرائم (مخالفات، جنح، جنايات) مشمولة بالنص لدى المشرع الأردني ما لم تكن الغرامة هي العقوبة الأصلية لها، بينما الجرائم البسيطة فقط(المخالفات) استبعدها المشرع العراقي من نطاقه.هنا يتضح، بأن المشرع الأردني لم يعطِ أهمية لجسامة الجريمة المرتكبة، ونظر إلى جميع الجرائم نظرةً واحدةً، يترتب عنها حكم واحد.
الجرائم سواء كانت عمدية أم غير عمدية تدخل نطاق النص حسب القانون الأردني، في حين الجرائم العمدية فقط هي التي تدخل دائرة النص بموجب القانون العراقي، وذاك عين الصواب. هنا أيضاً، لم يعطِ المشرع الأردني أهمية للخطورة الإجرامية للحدث الجانح، ونظر إلى جميع الأحداث نظرةً واحدةً، يترتب عنها حكم واحد.
اكتفى المشرع الأردني بصدور حكم بالإدانة فقط بحق الحدث خلال فترة المراقبة، دون اشتراط ارتكابه لتلك الجريمة التي أدين بموجبها خلال فترة المراقبة. بينما المشرع العراقي اشترط ذلك بكل وضوح بخصوص الجرائم الجنحية، وإضافة إلى ذلك اشترط اكتساب الحكم درجة البتات بحيث لا يمكن الطعن فيه قانوناً. أما فيما يتعلق بالجرائم الجنائية، فإنه اشترط فقط ارتكاب الجريمة خلال فترة المراقبة دون بقية الشروط، وذلك لخطورة هذه الجرائم.
المحكمة الأردنية مخيرة بين إلغاء مراقبة السلوك من عدمه مهما كانت درجة خطورة الجريمة التي أدين الحدث بموجبها. بينما المحكمة العراقية لها هذه الصلاحية حينما يتم إدانة الحدث عن جريمة جنحية، أما إذا كانت الجريمة المرتكبة من قبله جناية، فالمحكمة ملزمة بإلغاء المراقبة، وهذا ما يؤيده الباحث.
في حالة إلغاء تدبير مراقبة السلوك بحق الحدث، يتم إيداعه مدراس التأهيل بموجب القانون العراقي؛ أما في ظل القانون الأردني، فإن مصير الحدث غير واضح المعالم، لكونه لم ينص على التدبير البديل، لذا فهو معرّض للحكم عليه بأي تدبير آخر نص عليه القانون ومن ضمنه تدبير الإيداع.
بعد المقارنة بين القانونين، يمكن القول بأن هناك الكثير من الكلام للتعليق على الفروقات المذكورة أعلاه، لكن نظراً لعدم سماح نطاق البحث بذلك، نكتفي بالقول: إن الترجيح يكون لصالح القانون العراقي لتناوله تفاصيل كل حالة بقدر حاجتها، ونصّ على أحكام مناسبة لكل حالة يقبلها المنطق والعقل السليم. أما القانون الأردني، ففيه قصور كبير ويعتريه الكثير من الثغرات التشريعية. وعليه، ندعو المشرع الأردني للاستفادة من المشرع العراقي.
ومن التطبيقات القضائية العراقية فيما يتعلق بالحالات التي نحن بصددها: جاءت في الفقرة الأولى والثانية من القرار المرقم 5/جنايات/2009 في 2/3/2009 الصادر من محكمة أحداث دهوك ما يلي:
1- حكمت المحكمة على الجانح (ن. ش. ع) بإيداعه في مدرسة تأهيل الشباب البالغين لمدة ستة أشهر وفق المادة 8/1/أ من قانون الجوازات رقم 55 لسنة 1959 المعدل استدلالاً بأحكام المادة 77/أولاً/ب من قانون رعاية الأحداث واحتساب مدة موقوفيته للفترة من 15/10/2008 ولغاية 11/11/2008 ومن 25/2/2009 ولغاية 1/3/2009 ضمن مدة التدبير أعلاه .
2- إعادة النظر بإلغاء قرار مراقبة السلوك الصادر بحقه سابقاً في القضية المرقمة 38/ج/2007 في 29/4/2007 لقيامه بارتكاب جريمة تجاوز الحدود قبل انتهاء مدة مراقبة السلوك البالغة ثلاث سنوات وذلك استناداً لأحكام المادة 90/ثانياً من قانون رعاية الأحداث بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية .
تم تصديق هذا القرار تعديلاً من قبل محكمة تمييز الإقليم بالعدد/ 125/هـ.جـ/أحداث/2009 في 8/7/2009 وكما يلي: تصديق سائر القرارات الفرعية الأخرى لموافقتها للقانون ما عدا الفقرة الثانية من قرار فرض التدبير حيث تقرر تصديقها تعديلاً بإحلال المادة 98/ثانياً من قانون رعاية الأحداث محل المادة 90/ثانياً منه لأن المادة 98/ثانياً من قانون رعاية الأحداث هي المنطبقة على تلك الحالة.
واتباعاً لقرار محكمة أحداث دهوك المرقم 5/جنايات/2009 في 2/3/2009 ولقرار محكمة تمييز الإقليم المرقم 125/هـ.جـ/أحداث/2009 في 8/7/2009، أصدرت محكمة أحداث دهوك تحت العدد 38/جنايات/2007 في 27/9/2009 قرارها الآتي: إلغاء قرار مراقبة السلوك الصادر بحق المتهم (ن. ش. ع) من هذه المحكمة عدد 38/جنايات/2007 في 29/4/2007 وإيداعه مدرسة تأهيل شباب البالغين مدة ستة أشهر وفق المادة 443/31 ق.ع واستدلالاً بأحكام المادة 76/أولاً/ب من قانون رعاية الأحداث واحتساب مدة موقوفيته من 12/2/2007 ولغاية 26/2/2007 ضمن مدة التدبير أعلاه .
وبعد أن أرسلت الدعوى المذكورة أي 38/جنايات/2007 إلى محكمة التمييز لإقليم كوردستان العراق أصدرت قراراها المرقم 13/هـ.جـ/أحداث/2010 في 17/1/2010 وكما يلي: تبين أن اتجاه محكمة أحداث دهوك إلى إلغاء قرار مراقبة السلوك الصادر بحق (ن.ش.ع) الصادر بتاريخ 29/4/2007 وبعدد 38/ج/2007 وإيداعه في مدرسة الشباب البالغين لمدة ستة أشهر اتجاه صحيح وموافق للقانون عملاً بأحكام المادتين 90/ثانياً و98/أولاً من قانون رعاية الأحداث لارتكابه جريمة تجاوز الحدود وفق المادة 8/1/أ من قانون الجوازات رقم 55 لسنة 1959 المعدل خلال فترة مراقبة السلوك وإدانته بموجبها ومن ثم الحكم عليه بالإيداع في مدرسة الشباب البالغين لمدة ستة أشهر واكتساب القرار المذكور الدرجة القطعية بتصديقه تمييزاً بالقرار المرقم 125/هـ.جـ/أحداث/2009 في 8/7/2009 لذا تقرر تصديقه.
ثانياً:هروب الحدث الجانح خلال فترة مراقبة السلوك.
المشرع العراقي توقع حصول حالة أخرى خلال فترة المراقبة، ألا وهي هروب الحدث الموضوع تحت المراقبة إلى جهة مجهولة، وعالجت هذه الحالة من خلال الفقرة الثالثة من المادة 98 ونصّت على اتخاذ الإجراءات الآتية: إصدار أمر القبض بحقه من قبل محكمة الأحداث، وإذا تعذر تنفيذ أمر القبض بحقه أو تعذر على وليّه إحضاره، فلمحكمة الأحداث أن تقرر غلق الدعوى التي صدر فيها قرار المراقبة مؤقتاً لحين القبض عليه مع مراعاة مدد سقوط التدابير.
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 70 من قانون الأحداث، الخاصة بمدد التقادم المسقطة للتدابير، يلاحظ بأن التدابير الصادرة في جرائم الجنايات تسقط إذا لم تنفذ بمضي خمس عشرة سنة، أما بالنسبة للجرائم الأخرى فبمضي ثلاث سنوات على انتهاء مدة التدبير المحكوم به.
يلاحظ بأن المشرع العراقي في الوقت الذي بيّن الآثار المترتبة عن مخالفة الحدث لشروط المراقبة، أو ارتكابه جريمة، لم ينص على مثل هذه الآثار في حالة هروبه وهو لا يزال تحت المراقبة، لذا من الأفضل بيان ذلك سداً للخلاف.
أما المشرع الأردني، فمثلما لم ينص على الإجراءات المتخذة بحق الحدث المخل بواجباته، لم ينص أيضاً على أي إجراء تتخذ بحقه في حالة هروبه. بل لم يشِر إلى حالة هروبه مطلقاً رغم توقع حصولها. لذا ندعوه لسد هذه الثغرة.
المطلب السابع: حالات فرض تدبير مراقبة السلوك.
أولاً: حالات فرض تدبير مراقبة السلوك في القانون العراقي.
بموجب المادة 73/ثانياً يجوز لمحكمة الأحداث وضع الحدث الجانح تحت المراقبة في حالة ارتكابه جريمة جنحية.
بموجب المادتين(76/أولاً/أ)و(77/أولاً/أ) يجوز لمحكمة الأحداث وضع الحدث الصبي (أكمل 9 سنة ولم يكمل 15 سنة) وكذلك الحدث الفتى (أكمل 15 سنة ولم يكمل 18 سنة)تحت مراقبة السلوك في حالة ارتكابه جريمة جنائية، عقوبتها الأصلية السجن المؤقت.وفي عام 1998م أجري تعديل على هاتين المادتين، وحسب التعديل الجديد فإن الجرائم الجنائية التي تكون عقوبتها الأصلية السجن المؤبد هي الأخرى مشمولة بالنص، وهذا أصلح للمتهمين الأحداث. علماً، أن هذا التعديل غير سارٍ في إقليم كوردستان العراق. ونود الإشارة، إلى أن إحدى الباحثات ذكرت في بحث لها نشر عام 2011م أن المشرع العراقي استبعد مرتكبي جرائم الجنايات التي عقوبتها السجن المؤبد من إصدار تدبير مراقبة السلوك بحقهم، لكن هذه المعلومة غير سليمة وناتجة عن عدم العلم بالتعديل المذكور[20].
وعليه، فإن المشرع العراقي استبعد جرائم المخالفات، والجنايات التي تكون عقوبتها الأصلية الإعدام من ضمن الحالات التي يجوز فيها إصدار تدبير مراقبة السلوك، أما في إقليم كوردستان العراق فإن جرائم الجنايات التي تكون عقوبتها الأصلية السجن المؤبد هي الأخرى لا تزال مشمولة بهذا الاستبعاد، وهنا ندعوه للمصادقة على التعديل الجاري عام 1998م لكي يتسع نطاق دائرة الأحداث الجانحين المستفيدين من هذه التعديلات.
ثانياً: حالات فرض تدبير مراقبة السلوك (الإشراف القضائي) في القانون الأردني.
المشرع الأردني نص في المادة 24 من القانون على عدة تدابير يمكن أن تصدرها المحكمة بحق الحدث الجانح، وقد أدرج تدبير الإشراف القضائي (مراقبة السلوك) ضمن تلك التدابير، وقد أجاز المشرع فرض هذا التدبير بالتحديد في حالات محددة بحق الأحداث الجانحين، وهي كما يلي:
يجوز للمحكمة فرض إحدى التدابير المنصوص عليها في المادة 24، في حالة ارتكاب الحدث جريمة جنحية سواء كانت فئته العمرية من المراهقين (من أتم 12 سنة ولم يتم 15 سنة) أم الفتيان (من أتم 15 ولم يتم 18)، سوى حالة واحدة وهي: ارتكاب الحدث الفتى جريمة جنحية عقوبتها الحبس، ولا تتوفر أسباب مخففة تقديرية[21].
أجازت المادة (26/ج) للمحكمة استبدال عقوبة الحدث المراهق الذي ارتكب جريمة جنائية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال، بإحدى التدابير المنصوص عليها في المادة 24، إذا توفرت أسباب مخففة تقديرية.
وعليه، فإن المشرع الأردني استبعد جرائم المخالفات، وجرائم الجنح حينما يكون مرتكب الجريمة الحدث الفتى وعقوبتها الحبس، ولا تتوفر أسباب مخففة تقديرية، وكذلك جرائم الجنايات التي تكون عقوبتها الأصلية الإعدام، الأشغال الشاقة المؤبدة، وكذلك جرائم الجنايات التي تكون عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال ما لم يكن الحدث الجانح مراهقاً، وتتوفر في قضيته أسباب مخففة تقديرية، عندها أجاز المشرع وضعه تحت المراقبة.
عند إجراء مقارنة بين القانونين، يلاحظ أن هناك أوجه تشابه واختلاف بينهما، وهي كما يلي:
كل المحاكم العراقية والأردنية لا يجوز لها فرض تدبير مراقبة السلوك بحق الحدث الجانح في جرائم المخالفات، وهذا ما يستحسنه الباحث، لأن هذه الجرائم بسيطة ولا ترقى إلى حد صدور تدبير المراقبة بحق مرتكبها. بينما هناك من يرى خلاف ذلك، ويفضّل شمول جرائم المخالفات بهذا التدبير[22].
يجوز للمحاكم العراقية والأردنية إصدار تدبير المراقبة في جميع الجرائم الجنحية ولجميع الفئات العمرية للأحداث الجانحين، باستثناء حالة واحدة فقط بالنسبة للمحاكم الأردنية وهي حينما تكون عقوبة الجريمة المرتكبة الحبس والحدث فتى، ولا تتوفر أسباب مخففة تقديرية. هنا، المشرع الأردني أعطى لعمر الحدث وعقوبة الجريمة أهمية خاصة، ولهذا لم يجز صدور هذا التدبير في هذه الحالة. الباحث يرجح موقف المشرع العراقي، لكون جرائم الجنح هي الأخرى بسيطة، وإن كانت عقوبة بعضها الحبس، حيث من الأفضل تأهيل الحدث في بيئته الطبيعية بدلاً من الإيداع.
كل المحاكم العراقية والأردنية لا يجوز لها فرض تدبير مراقبة السلوك بحق الحدث الجانح في جرائم الجنايات التي تكون عقوبتها الإعدام، وهذا ما يرجحه الباحث، لأن مرتكبي هذه الجرائم على درجة من الخطورة، بحيث من الصعب تأهيلهم من خلال تدبير المراقبة.
يجوز للمحاكم العراقية إصدار تدبير مراقبة السلوك في جميع الجرائم الجنائية التي تكون عقوبتها السجن المؤقت أو المؤبد ولجميع الفئات العمرية للأحداث. بخلاف المحاكم الأردنية التي لا يجوز لها إصدار هذا التدبير في الجرائم الجنائية التي تكون عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة، وكذلك الأشغال الشاقة المؤبدة سوى في حالة واحدة وهي: حينما تكون عقوبة الجريمة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال والحدث الجانح مراهق، وتتوفر أسباب مخففة تقديرية. هنا، المشرع الأردني أعطى لعمر الحدث وعقوبة الجريمة أهمية خاصة، ولهذا أجاز صدور هذا التدبير في الحالة المذكورة فقط.
الباحث يرجح موقف المشرع العراقي، لأن مرتكبي الجرائم الجنائية عدا التي تكون عقوبتها الإعدام يمكن تأهيلهم وإصلاحهم من خلال مراقبة سلوكهم في بيئتهم الطبيعة بعيداً عن القضبان الحديدية لدور الإصلاح، حيث أثبتت هذا التدبير جدواها في كثير من دول العالم، حتى نصّت بعض القوانين (قانون فرنسا مثلاً) على جواز إمكان صدور هذا التدبير في جميع الجرائم ولجميع الفئات العمرية من الأحداث دون التفرقة بينها[23]. أما إذا فشل ذلك ولم ينجح عندنا، فهذا يوحي بوجود تقصير في أداء مؤسساتنا، التي لا تقوم بواجباتها بشكل سليم، وعلينا العمل على تصحيح مسارها، وغالباً ما يخرج الأحداث الجانحين من المؤسسات الإصلاحية بعد انتهاء مدة محكوميتهم، وهم في منتهى الحرفية والمهنية في عالم الإجرام، حيث يعودون إلى عالم الجريمة مرة أخرى ولكن هذه المرة باحتراف وإتقان. وعليه فما دام الوضع كهذا، فمن الأفضل توسيع دائرة الأحداث المشمولين بتدبير مراقبة السلوك، مع استثناء الأحداث الخطيرين الذين يرتكبون جرائم عقوبتها الإعدام.
وإن ما يعزّز وجهة نظرنا هو ما ذهبت إليه وزيرة التنمية الاجتماعية الأردنية ريم أبو حسان، حيث قالت: إن دراسة حديثة أجريت في الأردن حول الوضع النفسي للأحداث المودعين في دور التأهيل والرعاية وصلت إلى أن أكثر من 23 % منهم فكروا بالانتحار وأن حوالي 87% منهم يعانون من الاكتئاب الشديد وأن 64% منهم تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، ونتيجة لهذه الأرقام المخيفة ذهبت إلى القول بأن: المؤسسات ليست الحل المناسب لتأهيل الأحداث[24].
الخاتمة
أدرج القانونان العراقي والأردني كلاهما تعريف مراقبة السلوك ضمن متن القانون، لكن التعريف الوارد في القانون العراقي كان أكثر وضوحاً ودقة من التعريف الوارد في القانون الأردني.
وجود مؤسسات خاصة لمراقب السلوك في كلا البلدين، لكن من حيث بيان هيكلية هذه المؤسسات والشروط الواجب توافرها في كادرها، وتناولها ضمن مواد محددة غير مبعثرة، فإن كفة الرجحان كانت لصالح القانون العراقي، لكن ما أبدع فيه المشرع الأردني دون العراقي هو نصه على إنشاء مكتب لمراقب السلوك في كل محكمة أحداث.
كلا القانونين عيّن الحد الأقصى لمدة مراقبة السلوك، لكن القانون الأردني بخلاف العراقي لم يعيّن الحد الأدنى. كما يمثل الحد الأقصى لمدة المراقبة في القانون العراقي ثلاثة أضعاف نظيره في القانون الأردني.
كلا القانونين أجاز تمديد مدة المراقبة وإنهاءها قبل انتهاء مدتها المقررة في حكم المحكمة بعد الاطلاع على تقرير مراقب السلوك مع اختلاف في الصياغة القانونية والشروط. فالقانون الأردني، لم يحدد الوقت الذي يمكن فيه تمديد (تعديل) أو إنهاء مدة المراقبة، وهذا ما سار عليه القانون العراقي أيضاً بخصوص التمديد، أما فيما يتعلق بإنهاء المراقبة فاشترط تقديم الطلب بعد مرور ستة أشهر. إضافة إلى ذلك، أجاز القانون الأردني تقديم الطلب فيما يخص هذه المسائل من مراقب السلوك أو الحدث أو وليه، بينما اقتصر القانون العراقي على مراقب السلوك حصراً.
نص المشرع العراقي على اعتبارات يجب على المحكمة مراعاتها عند صدور قرار المراقبة مثل إفهام الحدث ووليّه بالآثار المترتبة عن مخالفة الحدث لشروط المراقبة، وأخذ موافقة الحدث الفتى التحريرية عند وضعه تحت المراقبة، ومسألة احتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة مجدداً، وإلى عدد المرات التي يجوز فيها وضع الحدث تحت مراقبة السلوك بينما خلا القانون الأردني من أي نص يشير إلى هذه المسائل.
يتم تعين مراقب السلوك من قبل مراقب السلوك الأول في القانون العراقي لغرض تنفيذ قرار المراقبة وله الاستعانة بجهات محددة لمساعدته في ذلك. بينما يعيّن مراقب السلوك من قبل المحكمة في القانون الأردني، ولم ينص القانون على الجهات التي لها حق الاستعانة بها.
في العراق، يرسل قرار المراقبة مع الإضبارة لمراقب السلوك لغرض تنفيذ القرار، ويقوم بمراقبة تنفيذه عضو الإدعاء العام. أما في الأردن، فيتم إرسال القرار بمفرده لمراقب السلوك، ويقوم بمهمة مراقبة تنفيذ القرار قاضي تنفيذ الحكم.
نص القانون العراقي على وجوب إدراج شروط معينة (واجبات الحدث) ضمن قرار المراقبة، إضافة إلى إفساح المجال للمحكمة بإضافة شروط أخرى حسب كل حالة، كما نص على الجزاء المترتب عن حالة إخلاله بالشروط. أما القانون الأردني فترك تحديد هذه الشروط لتقدير القاضي حصراً، ولم ينص على أي جزاء للإخلال بها.
قنّن المشرعان في كلا البلدين واجبات مراقب السلوك والمعلومات الواجب إدراجها ضمن تقريره وكيفية جمع المعلومات وغير ذلك من المسائل المتعلقة بعمله، وقد جاء تقنين كل منهما في غاية الإتقان، لكن ما أبدع فيه المشرع الأردني هو أنه بيّن تفاصيل المعلومات التي يجب تدوينها في التقرير، كما خضع عمل المراقب بكافة جوانبه ومن التقارير تحت إشراف المديرية الخاصة بمتابعة شؤون الأحداث في وزارة التنمية. إلا أن المشرع العراقي كان أكثر توفيقاً في مسألة إلزام المراقب برفع تقارير دورية شهرية للمحكمة والإدعاء العام، بدلاً من ثلاثة أشهر المنصوص عليها في التعليمات الأردنية لعام 2015. أما بخصوص الجزاء الجنائي المترتب على إخلال المراقب بواجباته، فجاءت نصوص كلا القانونين خالية من أية مادة عقابية بحقه.
القانون العراقي فرض على ولي الحدث واجبات معينة، كما نص عقوبات بحقه في حالة إخلاله بواجباته. أما القانون الأردني فلم يحدد هذه الواجبات، ولم ينص على أي جزاء للإخلال بها.
نص المشرع العراقي على جزاءٍ بحق الحدث الذي يرتكب خلال نفاذ مراقبة السلوك جرائم جنحية أو جنائية عمدية حصراً وفق شروط معينة، بينما القانون الأردني فجعل الجزاء يشمل جميع الجرائم سواء كانت عمدية أم غير عمدية، عدا التي تكون عقوبتها الأصلية الغرامة، وقد رجّح الباحث القانون العراقي للأسباب المذكورة في موضعه. كما تناول القانون العراقي حالة هروب الحدث الموضوع تحت المراقبة، بينما القانون الأردني جاء خالياً من أي نص يشير إليها.
في الوقت الذي أجاز المشرع العراقي إصدار تدبير المراقبة بحق جميع مرتكبي الجرائم الجنحية والجنائية المعاقب عليها بالسجن المؤقت والسجن المؤبد، استثنى المشرع الأردني حالة واحدة في جرائم الجنح، واستبعد الجرائم الجنائية المذكورة من صدور هذا التدبير فيها سوى حالة واحدة. وعليه، فإن دائرة الجرائم المشمولة بهذا التدبير أوسع في القانون العراقي. وقد رجّح الباحث القانون العراقي للأسباب المذكورة في موضعه.
التوصيات:
القانون العراقي:
حذف الفقرة التي تتطلب أخذ موافقة الحدث الفتى عند وضعه تحت مراقبة السلوك.
ضرورة تدخل المشرع فيما يتعلق باحتساب مدة المراقبة المنقضية عند إعادة المحاكمة مجدداً لسد الخلاف.
النص على إنشاء مكتب لمراقب السلوك في كل محكمة أحداث وربطه بها.
خضوع عمل وتقارير مراقب السلوك لإشراف قسم مراقبة السلوك وبصورة دورية.
النص على عقوبة المراقب المخل بواجباته ضمن قانون الأحداث.
تفعيل قسم مراقبة السلوك المنصوص عليه في القانون.
بيان الأثر المترتب بحق الحدث الهارب الموضوع تحت مراقبة السلوك.
إصدار تعليمات مماثلة للتعليمات الأردنية فيما يتعلق بالمعلومات التي يجب إدراجها في التقرير.
القانون الأردني: ما لا يمكن إخفاؤه هو أن هذا القانون يعتريه فراغ تشريعي كبير بخصوص مراقبة السلوك، وقد ثبت ذلك بكل وضوح من خلال حيثيات هذا البحث، ولهذا ندعو المشرع الأردني إلى التدخل لسد الفراغ، وبإمكانه الاستفادة من القانون العراقي. وبدورنا سنرّكز على بعض المسائل، ونوصي بما يلي:
تعين الحد الأدنى والأقصى لمدة المراقبة، وجعلها لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 6 سنوات.
ضرورة تحديد واجبات الحدث ووليّه ومراقب السلوك، وتعين جزاء معين بحق المخل بواجباته.
تقديم تقارير شهرية للمحكمة من قبل المراقب حول حالة الحدث بدلاً من (ثلاثة أشهر أو تعين مدة تقديمها من قبل القاضي).
إعادة النظر في مسألة ارتكاب الحدث جريمة خلال نفاذ مراقبة السلوك، وضرورة تناول حالة هروب الحدث الموضوع تحت مراقبة السلوك، وبالإمكان الاستفادة من القانون العراقي في هذه المسائل.
شمول جميع مرتكبي جرائم الجنح مهما كانت عقوبتها، وجرائم الجنايات المعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة والأشغال الشاقة المؤبدة، بفرصة صدور تدبير مراقبة السلوك بحقهم.
قائمةالمراجع:
القانون العراقي:
خوشناو، سردار عزيز، النظام القضائي المختص بالأحداث في العراق، ( كوردستان: ط 1، 2006م).
عبدالرزاق، منى محمد، الاختبار القضائي (مراقبة السلوك) للأحداث الجانحين: دراسة مقارنة، مجلة جامعة كربلاء العلمية، المجلد9، العدد 4-إنساني،2011م.
عبداللطيف، براء منذر، السياسة الجنائية في قانون رعاية الأحداث العراقي:دراسة مقارنة، (عمان-الأردن: دار حامد للنشر والتوزيع، ط1، 2009م).
مصطفى، أكرم زاده، شرح قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل وتطبيقاته العملية، (أربيل: مطبعة شهاب، ط1، 2010م).
قانون رعاية الأحداث العراقي رقم 76 لسنة 1983م المعدل.
القانون الأردني:
الشامي، عزه عدنان إبراهيم، التدابير والعقوبات المستحدثة في قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014م، رسالة ماجستير قدمت لكلية الحقوق قسم القانون العام في جامعة الشرق الأوسط، 2016م.
الطراونة، محمد، والمرازيق، عيسى، العدالة الجنائية للأحداث في الأردن، منشورات المركز الوطني لحقوق الإنسان، 2013م.
طوباسي، سهير أمين محمد، قانون الأحداث الأردني: دراسة تحليلية من واقع التطبيق العملي مقارنة بالاتفاقيات الدولية، (عمان: من مطبوعات ميزان وهي هيئة أردنية غير حكومية، د.ط، 2004م).
نظرة على قانون الأحداث الأردني المعدل، موقع المدينة نيوز، تاريخ الزيارة: 1/2/2018.
http://www.almadenahnews.com/article/332367
قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014م.
تعليمات تحديد المتطلبات والمعلومات الواجب توافرها في تقارير مراقبي السلوك لسنة 2015م.
[1] انظر الشامي، عزه عدنان إبراهيم، التدابير والعقوبات المستحدثة في قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014م، رسالة ماجستير قدمت لكلية الحقوق قسم القانون العام في جامعة الشرق الأوسط، 2016م، ص 65.
[2] انظر خوشناو، سردار عزيز، النظام القضائي المختص بالأحداث في العراق، ( كوردستان: ط 1، 2006 م)، ص111، 197.
[3] انظر مصطفى، أكرم زاده، شرح قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل وتطبيقاته العملية، (أربيل: مطبعة شهاب، ط1، 2010م)، ص259.
[4]م 97/أولاً وثانياً ق.أحداث العراقي.
[5]انظر مصطفى، أكرم زاده، المرجع السابق، ص 260.
[6] انظر الشامي، عزه عدنان إبراهيم، المرجع السابق، ص 67. نقلاً عن: فود، عبد الحكم، جرائم الأحداث في ضوء الفقه وقضاء الأحداث، ص 390.
[7] انظر عبد اللطيف، براء منذر، السياسة الجنائية في قانون رعاية الأحداث العراقي:دراسة مقارنة،(عمان: دار حامد للنشر والتوزيع، ط1، 2009م)، ص206.
[8] مادة 90: نص المادة ذكرناه لكم في بداية المطلب. أما المادة 91: فسنتناولها بشكل مفصل في المطلب القادم.
[9] الجهات التي أجاز المشرع لمراقب السلوك أن يستعين بها لضمان حسن سير المراقبة هي ما يلي:(مجالس الشعب، لجان الاستشارات الأسرية التابعة للإتحاد العام لنساء العراق، اللجان المحلية للإتحاد العام لشباب العراق في المنطقة التي يسكن فيها الحدث، مكتب دراسة الشخصية).
[10] م 94/ثالثاً ق.أحداث العراقي.
[11] انظر الشامي، عزه عدنان إبراهيم، المرجع السابق، ص 75.
[12]انظر عبد الرزاق، منى محمد، الاختبار القضائي (مراقبة السلوك) للأحداث الجانحين: دراسة مقارنة، مجلة جامعة كربلاء العلمية، المجلد9،العدد 4-إنساني،2011م، ص 11-12.
[13]انظر مصطفى، أكرم زاده، المرجع السابق، ص 264.
[14]المادة 6:1- يتضمن التقرير عن حالة الحدث البيانات والمعلومات التالية:أ- البيانات الشخصية عن الحدث، بما في ذلك: (الاسم الرباعي، مكان وتاريخ الولادة، الجنسية، والرقم الوطني أو رقم وثيقة التعريف لغير الأردني، مكان إقامة الحدث، عنوان الإقامة الدائم، وسائل الاتصال مع الحدث أو من يتولى رعايته). الوضع الأسري للحدث وأسرته. ب- القضايا السابقة إن وجدت.ج- البيانات الأساسية عن القضية الحالية. د- الوضع التعليمي والصحي والاقتصادي للحدث ومن يتولى رعايته. ه- الوضع المتعلق بالبيئة المحيطة بالحدث. و- وضع الحدث العامل وبيئة العمل. ز- أية بيانات تتعلق بوضع خاص بالحدث. ح- مصادر ووسائل الحصول على المعلومات والبيانات.2- يقدم مراقب السلوك تحليلاً اجتماعياً شاملاً للبيانات والمعلومات الواردة في الفقرة أ من هذه المادة ويقدم توصيته بناء على ذلك التحليل ويتم تضمين كل من التحليل والتوصية في التقرير.3- يرفق مراقب السلوك جميع الوثائق اللازمة لتعزيز البيانات الواردة في التقرير كل ما كان ذلك ممكناً.4- يُنسب مراقب السلوك في التقرير المقدم للجهات ذات العلاقة حول طلب المساعدة القانونية وتوصيته حول إخلاء سبيل الحدث ما دام ذلك ممكناً.
[15]انظر مصطفى، أكرم زاده، المرجع السابق، ص 266.
[16] انظر الطراونة محمد، و المرازيق عيسى، العدالة الجنائية للأحداث في الأردن، منشورات المركز الوطني لحقوق الإنسان، 2013م، ص 41.
[17]م 98/أولاً ق.أحداث العراقي.
[18]انظر طوباسي، سهير أمين محمد، قانون الأحداث الأردني: دراسة تحليلية من واقع التطبيق العملي مقارنة بالاتفاقيات الدولية، عمان، من مطبوعات ميزان وهي هيئة أردنية غير حكومية، د.ط، 2004م، ص 28.
[19]انظر الشامي، عزه عدنان إبراهيم، المرجع السابق، ص 76.
[20]انظر عبد الرزاق، منى محمد، المرجع السابق، ص 11.
[21]انظر المادتين 25/ه، 26/د ق. أحداث أردني.
[22]انظر عبد الرزاق، منى محمد، المرجع السابق، ص 11.
[23]انظر الشامي، عزه عدنان إبراهيم، المرجع السابق، ص 66-67.
[24]انظر نظرة على قانون الأحداث المعدل، موقع المدينة نيوز، تاريخ الزيارة: 1/2/2018.
http://www.almadenahnews.com/article/332367
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً