تأثير المجتمع المدني في التعديلات الدستورية
قراءة في ضوء واقع المجتمع المدني في الجزائر
أ.سمير شعبـان * جامعــة باتنــة
مقدمة
ظهر مفهوم “المجتمع المدني” مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية الحديثة، وتمحور، آنذاك، حول مفهوم “المجتمع البرجوازي” (كما عند هيجل وماركس). لكن المفهوم اكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيرات العولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسب المفهوم بعدا أيديولوجيا لربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي مُنح المفهوم بعدا “تنمويا” من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
فقد باتت هذه تنظر إلى “المجتمع المدني” باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في “التنمية البشرية المستدامة” بعد أن فشلت التنمية في التحقق في معظم دول العالم الثالث
وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية “التنمية البشرية” تبني سياسة الخوصصة و”التكييف الهيكلي” – في إطار سيادة اقتصاد السوق – باعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية.
ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم “المجتمع المدني”. فهذه السياسية التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب “اللبرالية الجديدة” ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية للفقراء.
ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني كالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من تعسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها.
ولقد دخل المجتمع المدني إلى الخطاب السياسي والفكري العربي من باب الحاجة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أي من مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهة الدولة (وخلق ثنائية المجتمع والدولة وعلاقة تنافر واستبعاد بينهما)، وليس من مدخل إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المدني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للمواطنة، ولإرساء أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية.
فإعادة تنظيم الدولة على أساس فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتشريع حرية الرأي والتنظيم والتظاهر على أساس دستور يضمن الحريات المدنية أمور ضرورية لترسيخ المواطنة بما هي حقوق وواجبات.
كما أن توسيع دور المجتمع المدني بما هو، بالأساس، أحزاب ونقابات وحركات اجتماعية تستند لحرية المواطن في التنظيم والدفاع عن مصالح ورؤى وانتماءات، هو المدخل لتكريس الديمقراطية كتجسيد لتعددية المصالح والرؤى في المجتمع وحق الأحزاب والقوى المختلفة في التنافس السلمي على السلطة ومن أجل التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
من هنا يمكننا أن نلج إلى إشكالية الدراسة والتي نحاول من خلالها إبراز مدى تأثير المجتمع المدني في التعديلات الدستورية على أساس الأدوار المتاحة قانونيا ودستورياً لمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، هذا التساؤل الذي سنعالجه من خلال ثلاث مباحث، نتطرق في الأول إلى إشكالية المفهوم وتحديد معالم المصطلح، نعالج فيه تاريخ استخدام مفهوم المجتمع المدني، ثم التعريفات المختلفة لمفهوم المجتمع المدني والعناصر التي يجب أن يتوافر عليها التعريف.
أما المبحث الثاني فسنخصصه للمجتمع المدني في الجزائر، فنعالج فيه مكانة المجتمع المدني في دساتير الجزائر المختلفة، ثم نقف عد تنظيامت المجتمع المدني في الجزائر،. أما المبحث الأخير فقد خُصص لدور المجتمع المدني في التعديلات الدستورية، وسنعالج فيه وسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني، وفي الأخير نبرز التأثير المباشر وغير المباشر للمجتمع المدني في التعديلات التي قد تطرأ على الدساتير.
—
المبحث الأول: إشكالية مفهوم المجتمع المدني وتحديد معالم المصطلح
المطلب الأول: تاريخ استخدام مفهوم المجتمع المدني
لمفهوم المجتمع المدني تأريخ طويل نضج في الغرب على يد الفيلسوف العظيم أرسطو طاليس الذي دعا بمفهومه “الناقص” إلى تكوين مجتمع سياسي(البرلمان) تسود فيه حرية التعبير عن الرأي و يقوم بتشريع القوانين لحماية العدالة والمساواة، إلاّ أن المشاركة كانت تقتصر في هذا المجتمع السياسي على مجموعة من النخب في المجتمع دون إعطاء المرأة و العمال والعبيد والغرباء حق المشاركة و حق المواطنة.
ولقد حاول فلاسفة العقد الاجتماعي: هوبز ولوك وروسو الاقتراب أكثر من مفهوم المجتمع المدني مع الاستعانة بالفكر القديم، حيث يكاد يجمع الفقهاء على أن مفهوم المجتمع المدني ارتبط أكثر بظهور نظريات العقد الاجتماعي خلال القرن السابع عشر، ليدل على أنه مجتمع المواطنين الأحرار الذين اختاروا بإرادتهم الطوعية حكوماتهم بموجب عقد اجتماعي. هكذا وجد فلاسفة العقد الاجتماعي (باستثناء هوبز) في المفهوم سنداً لهم عندما كانوا منشغلين بمقاومة الحكم الاستبدادي.(1)
فهوبز الذي تمرد على الفكر الكنسي يعتبر السلطة المطلقة ليست مشتقة من الحق الإلهي كما أنها ليست معطى قائما في الطبيعة، وإنما اعتبرها كائناً اصطناعياً سماها “إلها اصطناعياً” من صنع البشر. وموقف هوبز من عدم طبيعة المجتمع البشري هو الذي جعله يتناقض مع أرسطو الذي يفتترض أن لناس ولدوا غير متساوين بالطبيعة. كما أن هوبز يعتبر أن السياسة غير طبيعية، وبالتالي فالدولة غير طبيعية كذلك، كما يعتبر أن المجتمع دون دولة هو اللادولة بعينها وهذه الحالة غير ممكنة إلا نظرياً.
وبناءً على ذلك فإن الوجود الممكن والوحيد للمجتمع في حالة هوبز هو إذا المجتمع المدني الذي يعني عنده ذلك المجتمع المنظم سياسياً عن طريق الدولة القائمة على فكرة التعاقد (2) ، أي أن المجتمع المدني عنده وبشكل لا يتميز فيه بينه وبين الدولة وغير منفصل عنها هو حالة سياسية اجتماعية اصطناعية وليدة اتفاق وليس وفاق، تعبر عن انتقال مبدأ السيادة من السماء إلى الأرض.
وامتدادا لنفس الفكرة التي تدعو إلى ضرورة المجتمع السياسي نجد مثلا أن “جون لوك” قد ساهم في هذا الاطار باكتشافه قدرة الإنسان الكامنة في الدفاع عن نفسه و حريته وعن ممتلكاته و القدرة على تدمير الآخرين، لذلك اقترح لوك ضرورة قيام مجتمع سياسي ذو سلطة تنفيذية و صلاحيات لمعالجة الخلافات وتنظيم حالة الفوضى وإيجاد حلول للنزاعات التي يمكن أن تنشأ. أراد لوك بسعيه هذا أن يستبدل الصيغة الملكية بصيغة أكثر ديمقراطية و هي مجتمع سياسي ذو قوانين و شريعة.
فنجد لوك ينادي لإقامة مجتمع يعيد انتاج ذاته تلقائيا دون دولة ، وهذا حتى يكون المجتمع فعلا مصدر شرعية الدولة والقادر على مراقبتها وعزلها(3)، وهكذا يكون المجتمع المدني عند لوك هو ذلك المجتمع المنظم سياسياً ضمن إطار الدولة التي تتولى تنظيم عملية سن القوانين التي تتماشى مع القانون الطبيعي وتفسير وتطبيق القانون.، فيكون المجتمع المدني مجتمعاً دون دولة وفوق الدولة ولكنهما متلازمان دون تعالٍ لأحدهما على الآخر، فيكون بذلك المجتمع المدني هو الضامن لحريات الأفراد وحقوقهم الطبيعية وفي نفس الوقت الكابح لجناح السلطة الحاكمة.
ظلت مفاهيم المجتمع المدني عائمة إلى أن جاء شيخ الفلاسفة هيجل في القرن التاسع عشر حيث أدرج المجتمع المدني ما بين مؤسّسات الدولة (ذات السلطة) و المجتمع التجاري ـ الاقتصادي (القائم على أساس الربح) سعيا منه لرفع قدرة المجتمع على التنظيم و التوازن.
إن مناقشة هيجـل للمجتمع المدني ترجع إلى آثار دراستـه لفكر آدم سميـث و نظريته “دعه يعمل، دعه يمر” Laisser-Faire, et Laisser passer” ، وهي أساس الفكر الاقتصادي عند الطبيعيين أو الفزيوقراطيين الذين يذهبون إلى أن رخاء الدولة يعتمد على تركها لحرية التجارة، و حرية الأفراد لكي يحققوا بقدر المستطاع أهدافهم الأنانية الخاصة(4).
وعلى نفس خطى هيجل سعى المفكر الاشتراكي انطونيو غرامشي إلى تطوير هذا المفهوم من خلال زج المثقف العضوي(5) في عملية تشكيل الرأي ورفع المستوى الثقافي، في ذلك كانت دعوته ملحة إلى ضرورة تكوين منظمات اجتماعية و مهنية نقابية و تعددية حزبية لهدف اجتماعي صريح يضع البناء الفوقي في حالة غير متنافرة مع البناء التحتي و إيجاد طريقة للتفاعل الحيوي المستمر بينهما.
كل ذلك لا يكتب له النجاح إلا بقيام و توسع الديمقراطية حيث إن الديمقراطية والمجتمع المدني وجهان لعملية اجتماعية واحدة. وقد أكد ذلك المفكر الايطالي روبرت بوتنام عندما قال “كلما تواجدت مؤسّسات المجتمع المدني وأدت دورها كلما كانت الديمقراطية أقوى وأكثر فعالية”.والعكس صحيح!
يقول غرامشي في أحد النصوص الهامة من كتابه دفاتر السجن: “ما نستطيع أن نفعله حتى هذه اللحظة، هو تثبيت مستويين فوقيين أساسيين، الأول المجتمع السياسي أو الدولة، والثاني يمكن أن يدعى المجتمع المدني، الذي هو مجموعة من التنظيمات”(6).
يحتوي المجتمع المدني عند غرامشي على العلاقات الثقافية ـ الايديولوجيـة ، و يضم النشاط الروحي ـ العقلي. واذا كان صحيحا ما قاله ماركس من أن “المجتمع المدني هو البؤرة المركزية و مسرح التاريخ ” فإن الجتمع المدني هو اللحظة الايجابيـة و الفعالة في التطور التاريخي، و ليس الدولة كما ورد عند هيجل. غير أن اللحظة الايجابية و الفعالة، أي أن المجتمع المدني يمثل الظاهرة التحتية (القاعدة) عند ماركس ، بينما هي عند غرامشي لحظة فوق بنيوية (بناء فوقي).
و تمكن غرامشي، بعد انشغاله المطول بقضايا الثقافة و تعمقه بمفهوم المثقفين، أن يقوم بالتفرقة الشهيرة بين المثقف التقليدي و المثقف العضوي، ودور الأخير في عملية الهيمنة.
في نص مقتطف من كتاب “الماضي و الحاضر” يتكلم غرامشي عن المجتمع المدني كما يفهمه هيجل، و سرعان ما يوضح أنه يعني به ” الهيمنة الثقافية والسياسية، حيث تمارس الطبقة الاجتماعية هيمنتها على كامل المجتمع كاحتواء أخلاقي للدولة، وبهذا اعتبر غرامشي المجتمع المدني فضاء للتنافس الايديولوجي”(7).
المطلب الثاني: التعريفات المختلفة لمفهوم المجتمع المدني
إن تعريف “المجتمع المدني” – رغم ما بات يتمتع به من رواج في الخطاب الفكري والسياسي العربي– لا يزال يمتلك معاني ودلالات مختلفة من قبل مستخدميه. فالبعض يحدده بالمنظمات والمؤسسات والهيئات التي تقام على أساس طوعي بين المواطنين خارج أطر الدولة والعائلة وعلاقات القرابة وما خارج علاقات السوق الرأسمالي.
لكن هناك من يصر على وضع التشكيلات القرابية والمحلية أو بعض تعبيراتها، ضمن منظمات المجتمع المدني لأنها توفر بعض أشكال الحماية للفرد من بطش السلطة ومن تقلبات وقسوة السوق الرأسمالي. لذا تستثني معظم تعاريف ” المجتمع المدني” المؤسسات الاقتصادية القائمة على الربح والمتعلقة مباشرة بعمل وآليات السوق (المؤسسات الاقتصادية والمالية) من إطار المجتمع المدني خلافا للمفهوم الكلاسيكي الذي شمل العلاقات الاقتصادية ضمن المفهوم. هذا مع العلم أن المنظمات المدنية لا تستطيع أن تتجاهل اقتصاد السوق الرأسمالي ولا تأثيراته.
كما يستثني البعض الأحزاب السياسية من تشكيل المجتمع المدني لافتراض أنها تسعى للوصول إلى السلطة (الحكومة)، في حين يصر البعض الآخر على مركزية دورها في المجتمع المدني كونها لا تسعى إلى استلام السلطة فقط، بل لأنها تطرح برامج اجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها، وبعضها أصغر من أن يأمل للوصول إلى السلطة بل يسعى إلى التأثير على سياسة الحكومة أو الدفاع عن مصالح وتطلعات أقليات قومية أو أثنية أو دينية أو فئات اجتماعية معينة. ولذا يستثني البعض الأحزاب الحاكمة من المجتمع المدني، ويعتبر أحزاب المعارضة من ضمنه. وربما يكون هذا وراء اختزال الدولة في الأدبيات العربية إلى الحكومة (أي إلى السلطة التنفيذية) وتجاهل، لاعتبارات عدة، السلطة التشريعية والسلطة القضائية، حتى عندما يكون لهذه وتلك درجة من الاستقلالية والتأثير(8).
التباين والاختلاف في تحديد تخوم ومكونات المجتمع المدني يعود، في جانب منه، إلى اعتماد مفهوم ذي بعد واحد معزول عن سياق محدد تاريخيا ومجتمعيا. كما يعود إلى الخلط بين ما تقوم به مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني من وظائف مختلفة، وتباين هياكلها الداخلية (المتنوعة كذلك)، وبين شروط قيامها واستدامتها. ومن هنا فالتعريف القانوني الذي يصنف منظمات المجتمع المدني باعتبارها منظمات خيرية وتعمل للصالح العام قد يستثني تشكيلات هامة كالأحزاب السياسية التي تخضع في تكوينها وأهدافها وعضويتها، عادة، لاعتبارات وشروط معينة وقد تجد نفسها، في ظروف معينة، مضطرة للعمل السري.
كما يستثني النقابات والاتحادات التي تخضع في أهدافها وشروط عضويتها لاعتبارات مختلفة عن الأحزاب وعن المنظمات الأهلية الخيرية والدعاوية والتنموية والثقافية والرياضية.
ويواجه التعريف الذي يركز فقط على الجانب الاختياري أو التطوعي في العضوية نفس الإشكالية. فمنظمات المجتمع المدني تتباين كثيرا من حيث درجة انفتاح عضويتها؛ فبعضها كالنوادي الخاصة يشترط رسوم اشتراك واهتمامات معينة، وبعضها كمؤسسات البحث والجامعات والمعاهد الأهلية يشترط مؤهلات أكاديمية وعلمية وتخصصية معينة، وتفرغ للعمل المدفوع الأجر.
وتضع النقابات المهنية شروطا للعضوية وتحصرها في مجموعات وفئات مهنية. وتتطلب الأحزاب عادة الموافقة على برنامج الحزب ونظامه الداخلي.
وهناك روابط كالجمعيات والروابط والمؤسسات الدينية أو الطائفية التي تعمل وفق رؤية دينية محددة في مجال التنمية وحقوق الإنسان، وهناك الجمعيات الخيرية والإغاثية التي تعتمد، إلى هذا الحد أو ذاك، على العمل التطوعي لكن تشمل عددا من المتفرغين والموظفين. باختصار ليست التطوعية غير المقيدة هي السمة الغالبة لعدد غير قليل من منظمات “المجتمع المدني” التي تضع شروطا على عضويتها. ومن هنا فإن التعاطي مع المجتمع المدني وكأنه جسم قائم بذاته أو مترابط أو موحد يقود إلى استنتاجات وتصورات خاطئة(9).
وحتى لا نتيه في تخوم ذلك الجدل القائم والذي لن يتوقف؛ وقبل ذكر العناصر التي يجب أن يتوافر عليها التعريف؛ يمكننا الركون مرحلياً إلى تعريف المجتمع المدني على أنه “جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن أرباح الشركات في القطاع الخاص، أي أن المجتمع المدني عبارة عن مؤسسات مدنية لا تمارس السلطة و لا تستهدف تحقيق أرباح اقتصادية، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنـة و التعبير عن مصالح أعضائها، و منها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء و المثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقا لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية.
إذن المجتمع المدني هو مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والادارة السلمية للتنوع والخلاف.
عناصر تكوين المجتمع المدني:
من الممكن أن نجد تعاريف عديدة للمجتمع المدني إلاّ أنها لا تخرج عن توافر أربعة عناصر أساسية: يمثل العنصر الأول فكرة “الطوعية” أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإرادي الحر أو الطوعي، وبهذه الطريقة تتميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت اي اعتبار.
العنصر الثاني هو أن المجتمع المدني “منظم”: وهو بهذا يختلف عن المجتمع التقليدي العام بمفهومه الكلاسيكي، حيث يشير هذا الركن إلى فكرة”المؤسسية” التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريبا، والتي تشمل الحياة السياسية والاقتصاديـة والاجتماعيـة و الثقافية.
العنصر الثالث يتعلق “بالغاية” و “الدور” الذي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي، حيث أن المجتمع المدني هو مجتمع أخلاقي وسلوكي ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين، وعلى حق الآخرين فيه أن يكونوا منظمات مدنية تحقق وتحمي وتدافع عن المصالح المادية والمعنوية، والالتزام بإدارة الخلاف داخل وبين مؤسسات المجتمع المدني، وبينها وبين الدولة بالوسائل السلمية، وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي.
آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءا من منظومة مفاهمية أوسع تشتمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الانسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية…الخ.
اترك تعليقاً