من المبادئ المعروفة، عدم جواز اصطناع الخصم دليلا لنفسه بنفسه، لذلك فان اجابات الخصم المستجوب المثبتة في محضر الاستجواب لا تكون دليلا للمستجوب ضد خصمه بل يستخلص منها دليلاً يكون حجة عليه ولمصلحة خصمه طالب الاستجواب (1). واذا اقر الخصم المستجوب، اثناء استجوابه من المحكمة، بصورة صريحة او ضمنة بالواقعة المتنازع عليه، فيكون الاستجواب قد حقق هدفه، ويعد هذا الاقرار قضائيا ويترتب عليه ثبوت الواقعة ثبوتا تاما. اما اذا انكر الخصم المستجوب انكارا تاما فان ذلك يجعل الاستجواب عديم الفائدة، ومن ثم يتوجب على الخصم طالب الاستجواب ان يقدم دليلا آخر لاثبات دعواه وفقا للقواعد العامة في الاثبات (2). وقد يتخلف الخصم عن الحضور او يحضر ولكنه يمتنع عن الإجابة او قد يدعي الجهل او النسيان، وندرس هذه الحالات في مطلبين متتابعين.
المطلب الأول : التخلف عن الحضور أو الامتناع عن الجابة :
اذا تخلف الخصم عن الحضور لاستجوابه دون عذر مقبول، او حضر وامتنع عن الجابة لغير سبب او مبرر قانوني، جاز للمحكمة ان تتخذ من ذلك مسوغاً لاعتبار الوقائع التي تقرر استجوابه عنها ثابتة او ان تقبل الاثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك (م 74) فإذا تبلغ الخصم المراد استجوابه بشكل اصولي إلا انه لم يحضر دون عذر تقبل به المحكمة التي لها سلطة تقديرية واسعة في اعتبار العذر مقبولا او لا، حسب الظروف المحيطة بالخصم المذكور، وكذلك اذا حضر الخصم الا انه رفض الإجابة والرفض قد يكون صريحا (بقوله انه يرفض الإجابة على هذه الاسئلة) وقد يكون ضمنيا (كسكوت الخصم أثناء الاستجواب او التهرب من الإجابة على الاسئلة باتباع طريق اللف والدوران في الإجابة) ففي مثل هذه الحالات للمحكمة اعتبار الوقائع التي تقرر استجواب الخصم عنها ثابتة او ان تقبل الاثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك. ويرى البعض ان هذا الاتجاه لا يمكن تبريره الا في نظام للاستجواب يتم على اساس تحديد اسئلة معينة يتم تبليغ الخصم المراد استجوابه بها مقدما (3) ولا شك ان المشرع يقصد بهذا الحكم إيقاع الجزاء بحق الخصم المراد استجوابه به لسده باب الاثبات بالاستجواب، فتنزل بذلك واقعة تخلف الخصم عن المحضر بدون عذر مقبول وامتناعه عن الإجابة بغير سبب او مبر قانوني، منزلة مبدأ الثبوت بالكتابة مما يجعل الاثبات بالشهادة جائزا لإكمال ما في دلالته من نقض (4) وان الورقة هي محضر الاستجواب الذي يدون فيه تخلف الخصم عن الحضور او امتناعه عن الجابة (5). وقد نص القانون رقم (46) لسنة (2000) على تعديل نص المادة (74) من قانون الاثبات حيث اصبح للمحكمة ان تستخلص من ذلك قرينة قضائية تساعدها على حسم الدعوى، وذلك في الحالات التي يجوز فيها الاثبات بالشهادة والقرائن القضائية، وبذلك اجرى القانون رقم (46) لسنة (2000) تعديلا جوهريا على نص المادة (74) من دون مبرر او مسوغ مقبول، ونحن بدورنا نفضل نص هذه المادة قبل التعديل وذلك لرد كيد الخصم الذي يتخلف عن الحضور لاستجوابه دون عذر مقبول او حضر وامتنع عن الإجابة لغير سبب او مبرر قانوني، واعتبار الوقائع التي تقرر المحكمة استجوابه عنها ثابتة او ان تقبل الإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك.
المطلب الثاني : ادعاء الخصم الجهل او النسيان :
اذا ادعى الخصم المراد استجوابه، الجهل او النسيان، جاز للمحكمة ان تتخذ من ذلك مسوغا لاعتبار الوقائع التي تقرر استجوابه عنها ثابتة او ان تقبل الاثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك. (م 74 اثبات). وادعاء الجهل بالواقعة محل الاستجواب، هو عدم العلم بها، اما النسيان فهو فقدان تذكر الواقعة ولم يكن القانون المدني العراقي او قانون المرافعات المدنية يعالج هذه المسألة، لذلك كان يرى البعض انه ازاء سكوت القانون عن هذه المسألة من الممكن الاخذ بالحكم الوارد في المادة (220) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني (6). وحسنا فعل المشرع العراقي بإيراده نصا يعالج هذه المسألة بنص صريح في قانون الاثبات. ولا شك ان عدم نفي الخصم المستجوب للوقائع محل الاستجواب يقرب من احتمال صحتها، كما يعتبر تدوين ذلك في محضر الجلسة بمثابة مبدأ الثبوت بالكتابة، مما يبيح الاثبات بالشهادة فيما كان يجب اثباته بالكتابة حتى ولو كان الحق الذي تتعلق به الواقعة موضوع الاستجواب تزيد قيمته على النصاب القانوني او كان غير محدد القيمة او كان يراد اثبات ما يخالف الكتابة او يجاوزها (7). ومن المعلوم ان جواز الاثبات بالشهادة او بالقرائن القضائية يقتصر على الأمور والوقائع التي تكون اساسا للأسئلة التي ادعى الخصم المستجوب الجهل أو النسيان للاجابة عليها دون غيرها من وقائع الدعوى (8) وقد اجرى القانون رقم (46) لسنة (2000) تعديلا على المادة (74) على النحو الذي بيناه قبل قليل بشأن تخلف الخصم عن الحضور او الامتناع عن الإجابة، فيصدق هنا ما قلناه في المطلب الأول السابق.
_____________________
1-قيس. الاقرار ص534.
2-الديناصوري وعكاز ص258.
3-فتحي والي ص 788 – 789.
4-الصدة ص 261. عبد الودود يحيى فقرة 75 ص107.
5-السنهوري فقرة 213 ص424.
6-قيس، الاقرار ص 561 -562.
7-مرقس، من طرق الاثبات ج2 ص112.
8-فتحي والي، ص483.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً