الإستنساخ البـشـري مـن وجهة نظر قانونية
الملخص
يحظى الإستنساخ البشري فـي هـذا الـوقت باهتمام علمي كبير، ويـدور حـول الإستنساخ جدل قانوني وفقهي لـم يحسم بـعـد. والالإستنساخ البشري هـو التنسيل أو تكون للكائن البشري نسخة مطابقة تماما مـن حيث الخصائص الـوراثية والفزيولـوجية والشكلية لكائن بشري اخر.
وهنالك ايضا النوع الاخر مـن الإستنساخ وهـو الإستنساخ البشري العلاجي الـذي لا يهدف إلـى تكوين كائن بشري كامل وانما الإستنساخ اعضاء مـنـه وسيلة علاجية. هـذا الإستنساخ بنوعيه يطرح التساؤلات القانونية الـتـي تحتاج إلـى جواب.
لذلك كـلـه كـان هـذا البحث لتعريف المتخصص بالقانون ماهية الإستنساخ البشري، ثـم بيان وجهة النظر القانونية فيـه.
المقدمة
مـع بداية الالفية الجديـدة، استهل القرن الحادي والعشرون، وموضوع الإستنساخ البشري، يحتل رأس الاولـويات والإهتمامات العلمية عـلـى الاطلاق، بل تعد المناظرة الدائرة بين المؤيـدين للالإستنساخ البشري والمعارضين لـه، مـن اكثر الموضوعات حيوية وجلبا للاهتمام، هـذه المناظرة ستبقى حية ومستمرة حـتـى يتوصل العلم إلـى قول فصل فـي هـذا الموضوع. وكلمة الإستنساخ عـلـى العموم تعني تكرار الشيء نفسه، أو اخذ وحدة مطابقة للاصل مـن هـذا الشيء. اما الإستنساخ اصطلاحا فيعني “تكون كائن حي نسخة مطابقة تماما مـن حيث الخصائص الـوراثية، والفزيولـوجية، والشكلية، لكائن اخر كفردي توأم البيضة الـواحدة، فـهـو توالـد لا جنسي لا يحدث فيـه اخصاب لبويضة الانثى بنطفة الذكر، وانما تشرع الخلية بتكوين الجنين، ومـن ثـم الفرد البالغ دون مشاركة الذكر”.
والالإستنساخ تركزت عليـه الاضواء منذ انّ اعلن العالم ايان ويلموت وزميلـه كامبل فـي الأسبوع الاول مـن شهر مارس 1997، انّ الشاة دوللي قـد تمت ولادتهـا بنجاح فـي شهر يوليو 1996، بـعـد تنسيلـهـا مـن خلية واحدة.
لـقـد اخذ هذان العالمان فـي تجربتهما خلية ناضجة مـن ضرع نعجة، اخضعاهـا بـعـد ذلك لنظام غذائي ادى إلـى قابليتهـا للانقسام، ثـم ادخلاهـا إلـى بويضة اخذت مـن نعجة اخرى، بـعـد انّ افرغا هـذه البويضة مـن نواتهـا، ثـم ادخلت البويضة إلـى رحم نعجة فتخلقت جنينا ثـم ولدت دوللي . وقد اطلق العالمان عـلـى النعجة النسيل (المستنسخة) اسم دوللي تيمنا بالنجمة الذائعة الصيت Dolly Parton عملاقة الغناء الريفي . وبـعـد انّ عمت اخبار ذلك الانجاز العلمي الخارق، بـدأت فكرة الإستنساخ تستحوذ عـلـى الاهتمام، حـيـث طفت اولا عـلـى السطح بعض الافكار المتطرفة المتسرعة، فـقـد رأى بعض السياسيين فـي الفكرة وسيلة للبحث عـن اسباب القوة بزيادة اعداد الجيوش وتقويتهـا بالعنصر البشري، والمزارعون رأوا فيهـا وسيلة لمضاعفة الإنتاج مـن الطعام دون انفاق كثير مـن المال، ولكن وبـعـد مرور الزمن اللازم لاتاحة الفرصة للتفكير العقلاني الـواقعي، بـدأت تظهر افكار اخرى للاستفادة مـمـا يسمى بالالإستنساخ، ومثالـهـا مساعدة بعض فاقدي الامل كالابوين غـيـر القادرين عـلـى الانجاب، فـقـد اصبح مجال التفكير فيهم معلق عـلـى فكرة الإستنساخ. ثـم طغى بـعـد ذلك عـلـى الموضوع جدل احتدم ولم يزل بـعـد، وتمحورت الاسئلة المطروحة حـول الموضوع عـلـى فرص الإستنساخ، هل سيتقدم ام سيتضاءل ويتوقف؟ هل سيكون مصدر خير للبشرية أو مصدر شر لـهـا، مـا فوائده، وما مضاره؟ ومثل هـذه التساؤلات اسهمت بانتاج مواقف شبه متسرعة لكنهـا حاسمة قررت فيهـا معظم الدول أو كلـهـا تـقـريبا تحريم الإستنساخ البشري ذاته. كـل ذلك تطلب المزيـد مـن الدراسة والبحث فـي هـذا الموضوع، ولذلك كانت هـذه الدراسة الـتـي سنحاول مـن خلالـهـا تعرف وجهة نظر القانون فـي الإستنساخ البشري. وفي هـذا البحث سنقسم الدراسة إلـى فصلين: الاول نخصصه لتعريف الإستنساخ ومشكلاته، اما الثاني، فسيكون لبناء موقف قانوني مـن الإستنساخ البشري.
الفصل الاول
تعريف الإستنساخ ومشكلاته
فـي معرض تعريف الإستنساخ تطرح جملة مـن القضايا نفسهـا للمناقشة؛ لان التعريف الدقيق يتطلب ابراز جميع جوانب المسألة، الأمـر الـذي يفضي تلقائيا إلـى توقع المشكلات الـتـي مـن الممكن انّ تنشأ عـن الإستنساخ، ولاجل ذلك كـان الحديث عـن هـذه المشكلات ملازما لمحاولات تعريفية بشكل لا يمكن تجاهلـه. ولذلك، فاننا سنتناول موضوع هـذا الفصل فـي مبحثين، نخصص الاول منهما لتعريف الإستنساخ، والثاني لعرض مـا يتوقعه المختصون مـن مشكلات قـد تنتج مـنه.
المبحث الاول
تعريف الإستنساخ
يتطلب تعريف الإستنساخ انّ نعرض الوضع الطبيعي للتنسيل أو التخليق قبل ظهور موضوع الإستنساخ، وسيكون المطلب الاول مـن هـذا المبحث مخصصا لذلك، ثـم نتناول فـي المطلب الثاني موضوع الإستنساخ النبات والحيوان انطلاقا مـن انّ ذلك كـان مقدمة للتفكير فـي الإستنساخ البـشـر، اما المطلب الثالث فسنخصصه لبحث الإستنساخ البشري.
المطلب الاول
التنسيل قبل الإستنساخ (التخليق الطبيعي)
التنسيل (التكاثر) فـي الطبيعة معروف بطريقتين، وهما طريقة التوالـد اللاجنسي، والتوالـد الجنسي، والتوالـد الجنسي تشرع فيـه الخلية بتكوين الجنين ثـم الفرد البالغ دون مشاركة مـن الذكر. اما التوالـد الجنسي فيتضمن تضامية جينات فردين اثنين لتتشكل منظومة جديـدة مـن الجينات، تختلف قليلا أو كثيرا عـمـا كانت عليـه فـي كـل مـن الفردين. فالتوالـد والجنس منفصلتان فـي الاساس، ويمكن لكل منهما انّ تحدث بمعزل عـن الاخرى، وبناء عليـه، سنبحث فـي هـذا المطلب ظاهرة التوالـد اللاجنسي فـي البند الاول، ثـم التوالـد الجنسي فـي البند الثاني.
البند الاول – التوالـد اللاجنسي: التوالـد بغياب الجنس يميز الكائنات الحية الحيوانية الـتـي تتكاثر بالانشطار ولا يحدث فـي اثناء ذلك فرز للجينات، كـمـا يتم عندما ينشطر الاميبة (وحيـد خلية حيواني) إلـى نصفين، فتمتلك الكائنات الحية الجديـدة بـعـد الانشطار الخصائص الـوراثية، الشكلية الفيزيولـوجية نفسهـا، إلـى حد التطابق. وبسبب غياب التنوع تستجيب كلـهـا استجابة واحدة للمؤثرات الخارجية، كتغيرات البيئة، الأمـر الـذي يؤدي إلـى انقراضهـا احيانا، وقد يفسر هـذا اخفاق هـذا لنمط مـن التوالـد فـي الطبيعة، وقد يفسر ايضا تميز الكائنات الحية الراقية بالتوالـد عـن طريق الجنس الـذي يؤمن التنوع والتغاير . ومثال اخر معروف فـي عالم الحيوان للتكاثر اللاجنسي، الحيوان البحري المعروف باسم نجم البحر، وهـو حيوان لافقاري، إذا فصلت قطعة مـن جسمه فإنّـهـا لا تموت، بل انّـهـا تحتفظ بقدرتهـا عـلـى تكوين نجم بحر اخر جديـد ومطابق للحيوان الاصلي الـذي انفصلت مـنـه تلك القطعة ، هـذا التكاثر اللاجنسي أو (التكاثر العذري) يجعل الفرد الناتج مـن هـذا النوع مـن التكاثر مـن اب واحد، وتكون الافراد (الانسال) فـي العادة مطابقة لابائهـا مـن الناحية المظهرية والـوراثية (الجينية). وهنالك طريقة اخرى تتوالـد فيهـا فـي الطبيعة حيوانات كثيرة مـن اللافقاريات (الحشرات خاصة) وبعض الفقاريات (انواع مـن الزواحف والطيور)، وتسمى هـذه الطريقة التكون البكري، حيث تتفعل بويضة الانثى دون الالتقاء بنطفة ذكر فتبدأ بالانقسام ثـم تكوين الجنين السوي، وفي الثدييات فشلت التجارب الـتـي اجريت خصوصا عـلـى الفئران مـن اجل تكاثرهـا بهذه الطريقة
البند الثاني – التوالـد الجنسي: التوالـد الجنسي يستدعي فرز جينات فردين مختلفين عـلـى الاقل فـي جزء مـن جيناتهما (الجينات المحددة للجنس)، ليكونا فردا لـه خريطة جينية تختلف عـن جينية الفردين الابوين. فالتوالـد الجنسي، لا يعني تجديـد الذخيرة الـوراثية فقط، انّـمـا التنوع ايضا. فالتكاثر أو التوالـد الجنسي يتم باتحاد خليتين جنسيتين، ذكرية وانثوية مـن ابوين مختلفين فـي العادة .
وخلايا الجسم فـي الانـسـان عـلـى سبيل المثال تحتوي كـل واحدة 46 “كروموسوم” ولا يشذ عـن ذلك الا نوع اخر مـن الخلايا هـي الخلايا الجنسية، فتكون فـي الاصل داخل خصية الذكر أو مبيض الانثى خلايا عادية، عدد كروموسوماتهـا 46، لكنهـا عند البلـوغ تبدأ انقساما اختزاليا، بحيث تحتوي الخلية الناتجة مـن الانقسام الاختزالي 23 “كروموسوم” فقط، وهـو نصف العدد الاصلي. ثـم تتحول هـذه الخلايا المختزلة إلـى خلايا نطفية، حيوان منوي، أو بويضة ، والتوالـد الجنسي يحصل نتيجة التقاء خلية جنسية مـن ذكر باخرى هـي خلية الانثى، فيحصل التخصيب للبويضة، بـعـد ذلك تنقسم خلية البويضة وهي تسير باتجاه الرحم، حـتـى تصل مرحلة مـا يسمى بالكيسة الاريمية، فتنغرس فـي جدار الرحم، وبـعـد الاخصاب تتحد كروموسومات كـل خلية جنسية مـع كروموسومات الخلية الاخرى ليصبح عددهـا 46 “كروموسوم”. ونتيجة الانغراس فـي جدار الرحم يتكون الجنين حـتـى الـولادة، وقد تخصب اكثر مـن بويضة فيكون عندنا فـي هـذه الحالة التوائم غـيـر المتشابهين بعدد 2 أو اكثر. لكن هنالك نوعا اخر مـن التوائم وهم نتاج لقاء حيوان منوي واحد ببويضة واحدة، ولكن فـي اثناء فترة الانقسام للخلية المخصبة (البويضة) قـد تنفصل الخلايا المنقسمة بحيث تكون كـل خلية منقسمة جنينا، فينشأ عندنا توائم يتشابهون إلـى درجة التطابق، وهي عملية الإستنساخ طبيعية مـن جنين واحد. وهنالك الاخصاب الصناعي، حيث يلزم ذلك فـي الاحوال الصحية الـتـي تمنع الاخصاب الطبيعي كانسداد البوق المؤدي إلـى الرحم فـي المرأة، فتخصب البويضة بحيوان منوي فـي انابيب فـي وسط مغذي، وبـعـد الانقسام وعند مرحلة الخلايا الثماني يغترس فـي رحم الام اكثر مـن جنين وصولا إلـى ولادة جنين واحد، وكانت اول محاولة ناجحة لـهذا الاسلـوب فـي التخصيب قـد تمت عـام 1978، حيث ولدت مـن خلالـهـا الطفلة لـويس، وهي اول بـشـري نتج مـن جنين نتيجة تلقيح فـي الانابيب، وكـان ذلك عـلـى يـد البريطانيين باتريك تبتو وزميلـه ر.ج. ادواردز، وقد تستخدم هـذه التقنية مـن اجل تعرف الاجنَّة قبل زرعهـا فـي الرحم انّ كـان الابوان يحملان امراضا وراثية حـتـى لا تنتقل إلـى الجنين .
انّ التوالـد الجنسي يفضي إلـى نتيجة منطقية، وهي الاختلاف والتمايز بين الاباء والابناء، فما دام الابناء فـي التوالـد الجنسي، هم نتاج التقاء نصف كروموسوماتهم مـن الاب والنصف الاخر مـن الام، فمعنى ذلك انّ الابن سيختلف عـن الابوين بالتأكيـد، ولما كـان كـل كروموسوم يتشكل بصورة مستقلة فـي اثناء فترة الانقسام الاختزالي (عندما تنقسم الخلية الجنسية إلـى خليتين كـل منهما بنصف عدد الكروموسومات)، فـإنّ هنالك عـلـى الاقل 232 عملية اتحاد مختلفة؛ اي انّ الامكانات أو الاحتمالات يؤمن التفرد والتغاير وإلـى الدرجة الـتـي لن يشبه فيهـا شخص اخر نتج مـن توالـد جنسي، وهنا تكمن الحكمة فـي التوالـد الجنسي الـذي يمكن مـن التفرد وعدم التشابه، وبالتالي الـقـدرة عـلـى مقاومة المؤثرات الخارجية
وقبل اختتام هـذا المطلب تجدر الاشارة هنا إلـى حالة فريـدة يجمع فيهـا احد الكائنات بين التوالـد الجنسي والتوالـد اللاجنسي فـي انّ واحد، وهـو الحيوان المدرع (ثديي صغير آكل للنمل يعيش فـي اميركا الجنوبية)، فلدى هـذا الحيوان تغادر مبيض الانثى بيضة واحدة تخصب بطريقة التوالـد الجنسي، لكن بـعـد انّ تبدا البويضة (الخلية) بالانقسام وعند مرحلة 4- 12 خلية تنفرد هـذه الخلايا بعضهـا عـن بعض وتكون كـل واحدة منهـا جنينا منفصلا، وهـو نسخة عـن الاجنَّة الاخرى، ويكون عددهـا مـن 4 – 12 جنينا
المطلب الثاني
الإستنساخ النبات والحيوان
كـان علم الـوراثة وتطوره هـو المقدمة لتعرف موضوع الإستنساخ. لـقـد بدأ علم الـوراثة بالتركيز عـلـى اوجه الاختلاف بين المخلـوقات وليس عـلـى اوجه تشابههـا، ولـولم تكن الطفرات قـد حدثت فـي المخلـوقات، ولـو لـم تختلف السمات بين الافراد لـمـا تساءل العلماء هـذا النوع مـن الاسئلة، الـتـي جعلتهم يفترضون وجود المورثات ويبحثون عنهـا فـي المواد الكيميائية الـتـي تتكون منهـا الخلايا، كـان اول مـن اهتدى إلـى وجود المورثات هـو الراهب التشيكي جريجور مندل، وقد اطلق فيما بـعـد عـلـى المورثات أو الخلايا الـوراثية اسم خلال مندل البسيطة . وفي بداية القرن العشرين توصل العالم الالماني اوجست فايزمان إلـى وجود مـا دعاه “مصورة جرثومة الحياة Germ Plansm، وهي مادة موجودة فـي البويضات، وفي الحيوانات المنوية، تنقل بطريقة أو باخرى مـن خلال الاباء إلـى الابناء، كـان ذلك بـعـد انّ عرف العلماء كيف يصبغون الخلايا لاظهـار مكونات الخلية الداخلية، حيث اصبحت تظهر لـهم الكروموسومات أو الصبغيات، ودرس العلماء مـا يحدث لـهذه الصبغيات عند انقسام الخلية، فـقـد لاحظوا انّ الصبغيات تصطف قبيل انقسام الخلية، ثـم تتضاعف وينشأ منهـا نسخة طبق الاصل، ثـم تتباعد مجموعتا الصبغيات الـواحدة عـن الاخرى لتحتوي الخلية بـعـد انقسامهـا مجموعة كاملة مـن الصبغيات، اقترح فايزمان انّ هـذه الصبغيات هـي حاملات الـوراثة. وفي عـام 1909 اطلق يوهـانسن كلمة (مورث) Gene للاعراب عـن جزيئات نظرية تحملـهـا الصبغيات لتنقل الـوراثة، وكانت هـذه فكرة افتراضية، كافتراض الكيمائييين وجود الذرات (غـيـر المرئية)، وافتراض الفيزيقيين وجود الكهـارب (الالكترونات)، ثـم تطور موضوع المورثات تطورا كبيرا.
وفي السنوات الاخيرة، توصل العلماء إلـى رســم الخلية الجينية للصبغيات الـتـي تحتويهـا خلايا الانـسـان فيما يسمى بمشروع الجينوم البشري Human genome Project (HGP)، والغرض مـنـه فك اسرار الشيفرة الـوراثية الكاملة للانـسـان، ومحاولة فهم وظائف 30,000 جين، تؤلف مادة D.N.A، الـتـي تقع فـي القلب مـن كـل خلية مـن اجسادنا، شارك فـي هـذا المشروع الاف الباحثين فـي انحاء عديـدة مـن العالم، وخصصت حكومة الـولايات المتحدة مبلغ (3) مليارات دولار لـهذا الغرض، وعـلـى مـدى 15 عاما، واشرفت مؤسسة بحوث الجينوم البشري الـوطنية الاميريكية بماريلاند عـلـى هـذا المشروع . كـان تعرف المورثات هـذا وانتقالـهـا مـن الاباء إلـى الابناء، أو مـن الاسلاف إلـى الخلف، هـو محفز الانـسـان إلـى تعرف هـذه المورثات بشكل اكبر، ثـم، فـي موعد لاحق، التدخل فـي هـذه المورثات، الأمـر الـذي قاد إلـى فكرة الإستنساخ.
ولم يكن الإستنساخ فـي النبات شيئا يثير الفضول بقدرما كـان عليـه الأمـر بالنسبة للحيوان فيما بـعـد، فالالإستنساخ شائع فـي النباتات، حيث يمكن تكوين نبات بالغ بدءا مـن فرع شجري أو مـن ورقة نباتية وسويقهـا، أو حـتـى مـن قطعة معينة مـن هـذه الـورقة. وقد تم فـي عـام 1962 التوصل إلـى تقنية بسيطة يمكن بوساطتهـا اشتقاق نبات بكاملـه (هـو نبات الجزر) بدءا مـن خلية لحائية نباتية واحدة، فـقـد تم تكوين نبات جزر كامل بدءا مـن خلية متمايزة. لـقـد كانت الخلية مأخوذة مـن لحاء جزرة، ثـم وضعت فـي وسط مغذي (حليب جوز الـهند)، ثـم بدأ الانقسام والتكاثر لتكوين نبات الجزر الكامل الـذي تم اغتراسه، فـي مرحلة كونه نباتيا فتيا (صغيرا) وصولا إلـى تكون نبات جزر كامل .
اما فـي مجال الحيوان، فلم يتمكن الباحثون حـتـى الان مـن تقليـد تجربة الخلية اللحائية النباتية فـي جمل حيوانية، ويذكر الباحثون فـي هـذا المجال تجاربهم فـي تنسيل توائم متطابقة، ولكن ذلك كـان يتم مـن خلال التدخل فـي الجنين الناتج مـن التخصيب الطبيعي، والحصول عـلـى عدد مـن الخلايا مـن الجنين فـي مراحل الانقسام الاولي للخلية المخصبة (البويضة)، ومـن ثـم الحصول عـلـى توائم بعدد الخلايا المأخوذة، وقد اجريت مثل هـذه التجارب عـلـى الضفادع عـام 1938 (مـن قبل شبيمان الـذي حصل على جائزة نوبل عـلـى اكتشافاته فـي حينه)، وقد سبقه قبل ذلك فـي اواخر القرن التاسع عشر دريش إلـى اجراء التجربة عـلـى قنفذ البحر، وحصل عـلـى قنافذ وليـدة بعدد الخلايا الاربع الناتجة مـن انقسام البويضة وفي مرحلة كونهـا اربع خلايا . هـذا النوع مـن التنسيل، انتج فيما بـعـد شياهـا وابقارا، والاخصاب الصناعي (طفل الانابيب) ليس بعيـدا عـن هـذا النوع مـن التدخل فـي البويضة المخصبة لاختيار جنين أو اكثر بـعـد انقسامهـا إلـى عدة خلايا، الا انّ ذلك الـذي اشرنا إلـيـه فـي مجال تنسيل عدة توائم عـن بويضة واحدة مخصبة ليس هـو الإستنساخ الـذي يثار حولـه الجدل فـي الـوقت الحاضر، ومـن اجل فهم موضوع الإستنساخ وما يعنيه مـن عملية معقدة توصل اليهـا العلماء فـي مجال الحيوان، لا بد مـن ايراد الملخص التالي لبيان ماهية مـا يسمي بالخلايا المتخصصة (المتمايزة)، والخلايا غـيـر المتخصصة (الجذعية).
فتتالف الدورة الخلـوية فـي الكائنات الحية متعددة الخلايا (الـتـي يكون لخلاياهـا نواة عكس وحيـدة الخلية مـن الكائنات) مـن اربعة اطوار، وهي الاطوار GI (الفضوة طور الراحة)، والطور S، والطور GZ، والطور M، فبعد انّ تنقسم الخلية عددا محددا مـن المرات، يقال عندئذ بانهـا تنسحب مـن الدورة لتدخل إلـى الطور GO (طور الراحة) ومنه تنتقل إلـى طور النمو والتمايز (التخصص) فتصبح خلية وظيفية. انّ خلايا اجسامنا كلـهـا تـقـريبا تكون متمايزة وتؤدي كـل مجموعة منهـا (كـل نسيج) وظيفة محددة، ولكن تبقى فـي معظم الانسجة خلايا قليلة تستمر موجودة فـي الدورة كي تنقسم، وتعوض عـن خلايا تستموت (تطلب الموت) لاسباب فيزيولـوجية، وهي فـي اساسهـا لصالح الكائن الحي، ويطلق العلماء عـلـى الخلية فـي طور الانقسام وحتى طور GO (طور الراحة)، الـذي يمكن بعده انّ تنقسم انّ لـم تتحول إلـى خلية نامية متخصصة، اسم الخلايا الجذعية، اما الخلايا كاملة النمو، فتسمى الخلايا المتخصصة وهي غـيـر منقسمة، والخلايا المتخصصة انّ وجدت فـي الكبد، فإنّـهـا تعزف معزوفة الكبد دون غيرهـا، ووجودهـا فـي الضرع يجعلـهـا تعزف معزوفة الضرع وتصمت بقية المعزوفات المخصصة لبقية الاعضاء عـلـى الرغم مـن وجودهـا فـي الخلية عـلـى شكل مورثات وتختص هـذه المورثات مجتمعة بـكـل وظائف جسم الانـسـان . فما الإستنساخ اذن الـذي يثار حولـه الضجيج؟ ولماذا الإستنساخ؟.
عندما تنقسم البويضة المخصبة، فـي هـذه المرحلة وهي مرحلة الانقسام تكون الخلايا المنقسمة خلايا جذعية، ويمكن مـن كـل خلية جذعية تكوين جنين مستقل مشابه للجنين الـذي اخذ مـن خلية اخرى، لكن هـذا ليس هـو الإستنساخ، فالاجنَّة الـتـي تنتجهـا غـيـر معروفة بالنسبة لنا مـن حيث مستقبلـهـا بـعـد انّ تصبح كائنا مكتملا بـعـد الـولادة، ونسخ جنين مـن جنين اخر يحل مشكلة الازواج غـيـر القادرين عـلـى الانجاب كـمـا فـي حالة مـن يحتاجون إلـى تخصيب صناعي.
لكن هنالك مـن الازواج أو الاباء مـن هـو غـيـر قادر عـلـى انتاج الخلايا الجنسية، ومـن ثـم فـإنّ عملية انتاج التوائم المتشابهة أو التخصيب الصناعي لن تنفعه معهم، فيثار هنا السؤال عـن مـدى امكانية تنسيل جنين يخص مثل هؤلاء الاباء، ومن خلايا اجسامهم العادية غـيـر الجنسية لانهـا تحتوي الخريطة الجينية، وخلايا الجسم هـذه خلايا متمايزة (متخصصة) لكنهـا تحتوي الخريطة الجينية نفسهـا الـتـي تحتويهـا الخلية الجذعية الـتـي تنقسم بـعـد التخصيب ويؤخذ منهـا الجنين.
الإستنساخ بهذا المعنى يحل مشكلة الاباء غـيـر القادرين عـلـى الانجاب وليس لديهم خلايا جنسية، فـهـو وسيلة لتبلية حاجة تتمثل فـي الحصول عـلـى نسخة مـن حيوان أو انـسـان بالغ عرفت صفاته وهي الـتـي نرغب بالتكثير منهـا، كالإستنساخ حيوانات متميزة وقوية وقادرة عـلـى توفير طعام اكثر، أو الإستنساخ بـشـري بسبب عبقريتهم أو قوتهم غـيـر العادية، واخيرا تم التفكير فـي الإستنساخ قطع غيار لاعضاء الجسم البشري، لغايات استبدالـهـا فـي حالة الاعتلال. اذن الإستنساخ هـو انتاج نسخة مشابهة لحيوان كامل بـعـد معرفة صفاته، أو انـسـان غـيـر قادر عـلـى الانجاب، أو بسبب مواصفاته الـتـي يراد الحصول عـليهـا فـي اشخاص اخرين مستنسخين . لـقـد تحدد اذن الإستنساخ بانه الحاجة إلـى الحصول عـلـى شبيه لكائن حيواني أو انـسـان مكتمل النمو أو الانـسـان، لان خلايا الكائن الحيواني مكتمل النمو هـي خلايا متخصصة تخلت عـن دور كونهـا خلايا جذعية، والخلايا المتخصصة تنتج نوعا واحدا مـن الانسخة فقط ولا تنتج مخلـوقا متكاملا. كانت مشكلة الإستنساخ أو معضلته تتمثل فـي محاولة العلماء التدخل فـي الخلية الحيوانية المتخصصة وجعلـهـا تتخلى عـن كونها خلية متخصصة لتعود إلـى دور الانقسام، أو لتكون خلية جذعية مـن جديـد، ومـن هنا كانت اول تجرية الإستنساخ قام بهـا الفريق الاسكتلندي .
لـقـد توصل كـل مـن ويلموت وكامبل إلـى تحويل خلية متخصصة مـن ضرع نعجة إلـى خلية غـيـر متخصصة (جذعية) عـن طريق وضعهـا فـي مصل مغذي، ثـم بـعـد ذلك تجويع هـذه الخلية عـن طريق اختصار غذائهـا إلـى نسبة 1/20 مـمـا يلزم لـهذه الخلية، وقد ادى التجويع إلـى اعادة الخلية إلـى طور النمو طور GO لـقـد اكتشف فريق ويلموت تقنية التجويع عـن طريق سماعهم لثرثرة امريكي كـان يعمل فـي مختبر فـي الـولايات المتحدة، حيث قـال أنـه بسبب نسيان احد التقنيين اضافة المصل إلـى زرع الخلايا فـقـد عادت هـذه الخلايا إلـى طور النمو وتخلت عـن كونهـا خلايا متمايزة أو خلايا متخصصة، ومـن اجل ابقاء الخلية فـي الطور GO بـعـد تفكك غطائهـا البروتيني، اضطر ويلموت إلـى ادخال الكروموسومات إلـى حالة سبات حـتـى لا تباشر نشاطهـا وتتطور إلـى مـا بـعـد GO، وبدلا مـن استخدام الحبوب المنومة قام بسحب المصل الحاوي عوامل النمو المحيط بالكروموسومات، الـتـي تحفظ الجينات فـي الاحوال الطبيعية إلـى التكاثر، لـقـد قفز ويلموت فـوق اليات المادة الـوراثية D.N.A الـتـي تعمل بالية معينة لتطوير الخلية أو المرور بهـا عن طريق إلـى اخر . لـقـد تم ادخال الخط الجيني أو الكروموسومات بـعـد ذلك إلـى بويضة نعجة اخرى بـعـد نزع نواتهـا الـتـي تحتوي المورثات، والبويضة هنا لا يمكن الاستغناء عنهـا، فالسيتوبلازما الـتـي تحتويهـا البويضة هـي الـتـي تفعل الجينات الضرورية لانجاز حادثات تكون الجنين، فلأن الخلية غـيـر النشطة غـيـر قادرة عـلـى التكاثر، فـإنّ مـا تحتاجه هـو خلية نشطة قادرة عـلـى التكاثر، ومـن طبيعتهـا الانقسام، لذلك فكر كامبل فـي الحصول عـلـى بويضة شاة، فالبويضة تحتوي كـل البروتينات الخاصة الدافعة عـلـى التكاثر وتكون بمنزلة شعاع الليزر الـذي ينشط الخلية غـيـر النشطة عـلـى الانقسام، فالبويضة بداخلـهـا مصنع معقد مـن مواد وتفاعلات يصل وصفهـا إلـى درجة الاعجاز، وهي – اي البويضة – توفر البيئة المناسبة للانقسام جينيا. وهكذا كـان، ولم يكن الأمـر سهلا عـلـى فريق ويلموت، فبعد 276 تجربة نجحت منهـا واحدة، وهي التجربة الـتـي ولدت منهـا النعجة دوللي .
والتعريف السابق للالإستنساخ الحيواني كـان الحد الادنى مـن المعلـومات عـن الإستنساخ الـذي يلزم لبحث قانوني. اما تفاصيل الإستنساخ فهي كثيرة ومعقدة وقد لا يتسع لـهـا كتاب بحجم مجلد، وقبل الـوصول إلـى ابداء الرأي القانوني فـي المسألة لا بد لنا مـن استكمال المسائل الضرورية لتعريف الإستنساخ.
المطلب الثالث
الإستنساخ البشري
الإستنساخ، فـي حقيقته، هـو عملية تحدث عـلـى مختلف المستويات، وفي جميع الاحياء، واول شكل للالإستنساخ، وعـلـى اصغر مستوى واكثر اهمية، وخطرا، هـو مـا يحدث عـلـى مستوى ادق واصغر مـن مستوى الخلية الانـسـانية، انّ المادة الـوراثية D.N.A هـي خيطان عظيما الطول يتلف احدهما عـلـى الاخر حلزونيا، وكل واحد منهما نسخة كاربونية طبق الاصل ولكن معاكسة أو صورة سلبية للاصل . لـقـد كـان الإستنساخ النعجة دوللي هـو الشرارة الـتـي اطلعت الجدل المحتدم ولم يزل بـعـد حـول الإستنساخ البشري، فالإستنساخ نعجة، وهي حيوان فقاري ثديي، جعل مـن موضوع الإستنساخ البـشـري امرا متوقعا ويتحدث البعض عـن امكانية حصولـه، حـتـى هـذه اللحظة لـم يولد اي مـن البـشـري عـن طريق الإستنساخ عـلـى غرار مـا حصل للنعجة دوللي.
لكن الإستنساخ البـشـري موضوع جدل ونقاش مـن ناحية كونه محاولة أو نية للقيام بمحاولة حـتـى الان، وتاريخ الحديث عـن الإستنساخ بشري سبق الإستنساخ النعجة دوللي. وقد حاول البعض انّ يصل إلـى انّ بعض مـا ورد فـي الاساطير اليونانية عندما تمسخ الالـهة شخصا وتجعل مـنه بقرة، لـه علاقة بتصورات كانت موجودة عـن الإستنساخ ، الا انّ هـذه المحاولة لـم تكن مقنعة، بينما يشير البعض ايضا إلـى انّ محاولات الإستنساخ البـشـري قـد بـدأت فـي العقد الثالث مـن القرن العشرين، عندما حاول الحزب النازي بقيادة هتلر انتاج عِرِق آري متميز عـن غيره مـن البـشـري، الا انّ التقنيات المتوفرة حينئذ لـم تسعفه. وفي عـام 1978 ظهر فيلم (اولاد البرازيل) الـذي يروي قصة الإستنساخ بعض الاشخاص مـن خلايا هتلر، وفي العام نفسه 1978 كـان ميلاد لـويس بالتلقيح الصناعي مـن بويضة مخصبة بالانابيب فـي انجلترا، وفي عـام 1978 ايضا صدر كتاب للخيال العلمي للكاتب ديفيـد روفريك حـول تخيلاته عـن الإستنساخ البـشـري، وفي عـام 1983 حصلت أول عملية ترعى فيهـا ام جنينا لام اخرى بالتقليح الصناعي. وفي عـام 1985 قام العالم رالف برستر بتدخل جيني ولدت بعده خنازير تنتج هرمونات النمو البشري، وفي عـام 1993 ظهرت عدة افلام للخيال العلمي، وكانت عـن الإستنساخ البـشـر مثل الديناصور، وفي عـام 1996 انتاج فيلم عـن الإستنساخ الممثل مايكل كاترون ليظهر فـي عدة أشخاص وفي عـام 1997 اعلن فريق كامبل ويلموت مولد النعجة دوللي الـتـي استنسخت مـن خلايا متمايزة متخصصة بـعـد تحويلـهـا إلـى خلايا جذعية، وليس مـن اجنَّة .
وبـعـد انّ استنسخت دوللي عـام 1996، وبـعـد الإستنساخ حيوانات اخرى عديـدة، فـقـد اصبحت التقنيات الـتـي استعملت فـي الإستنساخ الحيوان فـي متناول اليـد لغايات الإستنساخ انـسـان، بـعـد انّ كـان ذلك مجرد خيال علمي، وعـلـى الرغم مـن الصعوبات والمحاولات العديـدة الـتـي ولدت مـن خلالـهـا دوللي النعجة، فـإنّ التقنيات تتقدم وتتطور، وما دامت امكانية انّ يطلب اشخاص الإستنساخ انفسهم قائمة، فـإنّ عـلـى المجتمع انّ يستعد لمواجهة مثل هـذا الأمـر قانونيا واجتماعيا واخلاقيا. عـلـى مجتمعاتنا انّ تستعد لمواجهة مثل هـذه الطلبات أو المحاولات، اما مواجهة احتمال وجود نسيل بشري عـن طريق الإستنساخ، فيبدو انّ الأمـر ليس سهلا، وربما يكون بعيـدا حـتـى هـذا الـوقت. وموضوع الإستنساخ البشري لـه مؤيـدون ومعارضون فـي الـوقت نفسه، بل وصل الأمـر إلـى وجود مؤسسات لمساندة الإستنساخ البشري، وقد تأسست بولاية جورجيا فـي الـولايات المتحدة مؤسسة الإستنساخ البشري، وهي تقوم بنشر ثقافة الإستنساخ ومساندة البحوث فـي مجال الإستنساخ البـشـر، وتعترف فـي نشراتهـا بانهـا تؤكد مـا تدعوه بالجوانب الايجابية لـهذه التقنية الجديـدة، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عـام 1998 كتب باتريك ديكسون أنـه قـد اجرى اول الإستنساخ بشري لانـسـان بالغ، مـن قبل شركة اميركية تقنية حيوية فـي ماساتشوسيتس، بوساطة تقنية الخلية المتقدمة، فـقـد اخذت خلية مـن الدكتور جوس سيبللي وهـو باحث فـي العلـوم، ودمجت الخلية ببويضة بقرة ازيلت منهـا نواتهـا (جيناتهـا)، وتم تنشيط الجينات وابتدأت البويضة بالانقسام بالطريقة المعتادة حـتـى مرحلة 32 خلية، ثـم احرقت بـعـد ذلك.
ونقلت انباء عـن الإستنساخات اخرى اجريت بغرض الحصول عـلـى خلايا جذعية stem cells مـن الاجنَّة (توجد الخلايا الجذعية فـي الاجنَّة خلال الايام الاربعة عشر الاولى فقط)، ثـم تحويلـهـا إلـى خلايا متخصصة بـعـد ذلك . والالإستنساخ البشري الطبي (العلاجي)، الـذي يتحدث عـنـه العلماء لغايات الإستنساخ اعضاء أو انسجة لاستعمالـهـا كقطع غيار لا يرفضهـا الجهـاز المناعي. وفي نيسان عـام 2002 كشف البروفيسور الايطالي سيفيرينو انتينور الشهير بمحاولات الإستنساخ البشري، وصاحب اول طريقة لتأجير الرحم فـي العالم، عـن وجود ثلاث حالات للالإستنساخ البشري تجري حاليا، مشيرا إلـى انّ حالتين مـن بين الحالات الثلاث تجري فـي احدى دول الخليج العربي دون انّ يحددهـا، والثالثة باحدى دول الاتحاد السوفيتي سابقا، وقال انتينوري انّ العالم سوف يشهد خلال الاشهر القليلة المقبلة، ميلاد اول حالات الإستنساخ البشري العلنية، لكن انتينوري قـال فـي حينه ايضا، أنـه يرى انّ علميات الإستنساخ البشري تستهدف توفير الاعضاء البشرية الـتـي يحتاج اليهـا الانـسـان وليس مـن اجل الإستنساخ للافراد ، ومثل هـذا التصريح هـو تصريح متناقض، فكيف يعلن عـن انتظار ولادة، ثـم يقول انّ الـهدف هـو الحصول عـلـى اعضاء بشرية، وحتى هـذه اللحظة وعـلـى الرغم مـن مرور اشهر عديـدة لـم يسمع احد باي مـن الـولادات الـتـي كـان ينتظرهـا انتينوري. وقد سبق انتينوري إلـى مثل هـذا التصريح روب دوسال فـي 24/5/2005، وهـو احد مديري مختبرات الانظمة الجزيئية فـي متحف الـتـاريـخ الطبيعي فـي نيويورك، والمسؤول عـن معرض امريكي لاسرار الثورة الـوراثية والمخزون الـوراثي (الجينوم)، اقيم مـن ايار (مايو) 2001 حـتـى كانون الثاني (يناير) 2002، دوسال قـال انّ هناك امكانية كبيرة لان يولد اول انـسـان مستنسخ قبل نهـاية المعرض، مـن دون انّ يكشف اين ومتى. ويظهر فيما بـعـد، انّ الاعلان السابق لـم يكن بعيـدا عـن الطائفة الرائيلية، حيث ظهرت الفرنسية بريجيت بواسيليه 29/12/2002، عـلـى شاشات التلفزة ويظهر وراءهـا عـلـى الشاشة زعيم الطائفة الرائيلية كلـود فوريلـون، الـذي تصفه الصحافة بالدجال، وتعلن بواسيليه عـن اول طفلة عـن طريق الإستنساخ قـد ولدت، وان اسمهـا حواء (eve)، وقالت انّ الطفلة لابوين اميركيين، ولم تظهر الطفلة فـي الصورة، ولم يظهر ابواهـا ايضا، ثـم بـعـد ذلك بايام، اعلنت بواسيلييه عـن ولادةو طفلة اخرى لاثنتين مـن (السحاقيات) الشواذ، وظهرت عـلـى الشاشة صورة للشاذتين ولم تظهر الطفلة، ثـم اعلنت بواسيلييه عـن ولادة ثالثة، دون انّ تشير إلـى اي مـن الـولادات السابقة.
ومضى حـتـى الان نـحـو ثلاثة اشهر عـلـى الميلاد المدعى للطفلة حواء، دون انّ تظهر ودون انّ يعلن عـن صحتهـا شيء. ودخلت تلك الـولادات إلـى عالم النسيان مـن جديـد. اما بواسيلييه فهي تدعى بانهـا اسقفة مـن اساقفة الطائفة الرائيلية، وهذه الطائفة اسسهـا صحافي كـان يتابع سباقات السيارات، ويـدعى كلـود فوريلـون مـن مواليـد عـام 1946، سمى نفسه بـعـد ذلك رائيل، وادعى عـام 1973 بانه قابل كائنات مـن الفضاء الخارجي فـي طبق طائر هبط بالقرب مـن فوهة بركان، وانهـا اعلمته بانهـا هـي سبب الخلق والحياة عـلـى الارض، وان طريقة الخلق كـان عـن طريق الإستنساخ، فاصبح هـو مـن دعاة الإستنساخ، واصبحت الطائفة بـعـد ذلك مـن مؤسسي شركة كلـون ايـد الـتـي تعرض خدماتهـا للالإستنساخ البشري، وكانت الشركة تدعي انّ كلفة الإستنساخ هـي 200000 دولار للحالة الـواحدة، وبـعـد اعلانات بواسيلييه زادت الاسعار إلـى 700000 دولار للحالة الـواحدة، والطائفة شعارهـا هـو النجمة السداسية اليهودية، واهم مبادئ الطائفة الحرية الجنسية، ولـهـا معسكرات ذكر احدهم انّـهـا تعج بالشباب مـن الجنسين وفي حالة عري كامل. هـذه الطائفة والادعاءات الـتـي لـم تؤيـد بسند أو دليل واحد تجعلنا نرفض مبدأ تلك الـولادات ونكذبه، لان زعيم الطائفة رفض عـلـى شاشة C.N.N اجراء فحص للحامض النووي للطفلة وامهـا الـتـي استنسخت منهـا، ورفض الاعلان عـن مكان وجود الطفلة. ونعتقد بـأن تلك الاعلانات كـان سببهـا الدعاية للطائفة ومحاولة جلب زبائن لشركة كلـون ايـد وانهـا اعلانات غـيـر صحيحة البتة. ولاجل ذلك سنقفز فـي هـذا البحث عـن ولادات بواسيلييه عـلـى انّـهـا لـم تتم ونعدهـا شبيهة بادعاءات انتينوري مـن قبل . ومـن ناحية اخرى دخل العلماء فـي مجال الإستنساخ أنسجة بشرية مـن خلال تدخل فـي جينات بعض الحيوانات؛ فالعلماء الاميريكييون استنسخوا خنزيرا مطعما بجينات بشرية، ويمكن اخذ الانسجة المستنسخة كقطع غيار منه .
ولم يزل الإستنساخ البشري موضوعا ينتظره العالم، أو يحاول منع حصولـه، أو بمعنى ادق لـم يحصل بـعـد فـي صورته المثالية، وانما يختلف عـلـى المحاولات لالإستنساخ بـشـري اشد الاختلاف، ماذا يقول العلماء عـن الإستنساخ البشري؟ هل ينطوي عـلـى منافع ام مضار؟ ام انّ العلماء لا يتوقعون الآثار بشكل محدد؟ هـذا مـا سيكون موضوعا للمبحث الثاني مـن هـذا الفصل الـذي كـان موضوعه تعريف الإستنساخ ومشكلاته.
المبحث الثاني
مشكلات الإستنساخ البشري
مـا يثار حول الإستنساخ البشري مـن مشكلات أو نقاشات ينحصر فيمن يؤيـده ويعارضه؛ فالمؤيـدون للالإستنساخ البشري يشيرون إلـى فوائد يـدعون امكانية حصولها، بينما يثير المعارضون قضايا تتعلق بالاضرار المحتملة الـتـي يمكن انتنج مـنـه، ويضيف المعارضون قضايا اخرى تتعلق بنتائج غـيـر معروفة حـتـى الان، فمن وجهة نظرهم هنالك اثار غـيـر محددة، ومـن ثـم فإنّـهـا تثير مخاوفهم، هـذه الفوائد المدعاة، أو الاضرار المتوقعة (المحتملة)، أو الاثار غـيـر المحددة، ستكون موضوع هـذا المبحث، فـي ثلاثة مطالبةة متتالية.
المطلب الاول
الفوائد المدعاة للالإستنساخ البشري
لـقـد تكرر عـلـى مسامع الناس كثيرا، انّ الإستنساخ سيحل مشكلة عقيمين، أو سيوفر اعضاء كقطع غيار للانـسـان فـي حالة الاعتلال، سنحاول فـي هـذا المطلب تحديـد مـا يتوقعه دعاة الإستنساخ مـن فوائدة، وذلك بالرجوع إلـى مـا ورد فـي بيان لمؤسسة الإستنساخ البشري الاميركية، ونعتقد بـأن فيما اوردته هـذه المؤسسة مـن فوائد مدعاة أو متوقعة مـا يكفي. لـقـد ذكرت المؤسسة عـلـى لسان الدكتور سيـد، وهـو مـن اقوى المدافعين عـن الإستنساخ البشري، أنـه سوف يمكن فـي يوم مـا، انّ تبطل عملية الشيخوخة بما سنتعلمه مـن الإستنساخ، ويقول الباحثون انهم سيعالجون قضايا النوبات القلبية بالإستنساخ خلاياهم القلبية السليمة، ثـم حقنها فـي مناطق القلب المصابة، ويمكن ايضا انماء الخلايا الجذعية الجينية للحصول عـلـى الاعضاء أو الانسجة الـتـي يحتاج اليها المريض، وكذلك سيساعد الإستنساخ فـي اعادة بناء الاعضاء أو الانسجة الـتـي يحتاج اليها المريض، وكذلك سيساعد الإستنساخ فـي اعادة بناء الاعضاء مـن جديـد، والجراحة التجميلية، وسيتم غرس ثدي للمرأة الـتـي استؤصل ثديها بوساطة غروس مـن انسجة جسم المرأة نفسها، بدلا مـن غروس السيليكون الـتـي قـد تكون مـن المسببات للامراض الان، وبالنسبة للجينات المعيبة، فـإنّ الشخص العادي يحمل فـي المتوسط 8 جينات معيبة فـي داخل جسمه، وتكون هـذه الجينات سببا فـي انّ يصبح حاملـوها مرضى، وهنالك امكانية عـن طريق الإستنساخ للابقاء عليهم اصحاء دون هـذه الجينات. كذلك يمكن عـن طريق الإستنساخ تجنب ملازمة “داون المنغولية” فـي النساء، وكذلك مرض تايساك، وقصور الكبد، وقصور الكليتين، واللـوكيما، وكذلك السرطان، حيث سيمكن الإستنساخ مستقبلا مـن قفل وظائف الخلية وفتحها. وتضيف المؤسسة انّ ايان ويلموت وفريقه يعملـون الان عـلـى حل مشكلة تليف البنكرياس الكيسي بالمعالجة الجينية، الـتـي تعد مـن موضوع الإستنساخ، وربما امكن الإستنساخ اعصاب أو نخاع شوكي انّ يعيـد للمشلـول قدرته عـلـى الحركة. ولا بد لنا انّ نذكر هنا. انّ مـا ذكرته المؤسسة مـن فوائد انّـمـا يـدخل فـي باب التوقعات والامال، وانها تعتقد الـوصول إلـيـه، إذا مـا تقدم موضوع الإستنساخ البشري وتطور ,
المطلب الثاني
الاضرار المحتملة للالإستنساخ البشري
اولا وقبل اي شيء اخر يقول المختصون انّ الإستنساخ يفضي إلـى القضاء عـلـى تنوع الجينات وديمومتها وصحتها، مثلما هـو يقضي عـلـى تنوه صفات الانـسـان، فـهـو ضد سنة الخلق فـي الطبيعة الـتـي خلق اللـه الناس عليـهـا، والاخصاب الطبيعي يفضي إلـى مليارات الاحتمالات مـن حيث التغاير وتنوع الصفات، بينما هـو فـي الإستنساخ احتمال واحد ونسخة واحدة , وقـد جاء فـي صحيفة التايمز فـي 30/4/1999 انّ باحثين فرنسيين ذكروا فـي مجلة لانسيت الطبية البريطانية المعروفة، انّ بقرة استنسخوها مـن خلايا الاذن قـد اصيبت باعراض دموية وعيوب قلبية مميتة، وانها هلكت بعد 51 يوما مـن ولادتها، وفي ذلك قرع لجرس الانذار، بـأن الإستنساخ قـد يسبب طفرات جينية خطيرة، وفي 18/6/2000 نفقت عنزة صينية استنسخت مـن خلية مـن اذن عنزة بالغة بعد 36 ساعة مـن ولادتها؛ بسبب اصابتها بمشكلات فـي التنفس وذكرت المجلة البريطانية العلمية نيتشر انّ النعجة دوللي الـتـي تم الإستنساخها ولدت عجوزا بحسب مـا اثبتت دراسة خصصت لصبغياتها تدل عـلـى انّـهـا تعاني شيخوخة مبكرة، وقالت الدراسة انّ دوللي تبدو طبيعية فـي الظاهر لكنها اكبر مـن عمرها بست سنوات، واكدت المجلة انّ نقاط الخلل الـتـي سجلت فـي صبغيات دوللي تشير إلـى امكان نشوء مضاعفات فـي حال الإستنساخ كائن بشري، فـقـد ظهر انّ منظومات الحامض النووي D.N.A الـتـي تقع عـلـى طرفي الصبغيات، ويعتقد انّـهـا تلعب دورا فـي عملية التقدم فـي السن، اقصر عند دوللي مـن اي نعجة اخرى فـي عمرها، وتبدو هـذه الظاهرة بدرجة اقل عند خروفين استنسخا مـن خلايا اجنَّة مـمـا يـدل عـلـى انّ المورثات فـي الكائن المستنسخ تعكس سن الكائن البالغ الـذي استخدمت خلاياه الالإستنساخية. وفي 4/1/2003 اعلن عـن اصابة النعجة دوللي بالرثية المفصلية (التهاب المفاصل)، وفي 14/2/2003 قطعت B.B.C برامجها واعلنت انهاء حياة دوللي باسلـوب رحيم فـي اثناء نومها باعطائه المخدر، واعلن فيما بعد انّ نفوقها كـان ناتجا عـن الشيخوخة المبكرة، بسبب قصر التيلـوميرات عـلـى حواف الصبغيات عـن طولـها بالنسبة لنعجة فـي نفس سنها. فدوللي نفقت وهي تبلغ مـن العمر خمس سنوات ونصف، ولكن التيلـوميرات الـتـي تحدد عمر الخلية فـي الكائن الحي كانت تشير إلـى انّ عمر دوللي هـو احدى عشرة سنة ونصف السنة، بمعنى انّـهـا فـي سن النعجة الام الـتـي اخذت منها خلية دوللي عند الإستنساخها . كذلك فـإنّ الاجنَّة الـتـي تؤخذ منها الخلايا الجذعية فـي فترة الاربعة عشر يوما الاولى، هـي اجنَّة تقتل فـي الحقيقة، وفي ذلك اضرار غـيـر خافية، فقتل الجنين ليس بالعمل المادي البحت. وقـد علق ويلموت عـلـى مـا توصل إلـيـه الفريق الفرنسي بقولـه : إن ما توصل إلـيـه الفريق الفرنسي يمثل تأكيـدا عـلـى عـدم تطبيق هـذه التقنية عـلـى البـشـري.
المطلب الثالث
الاثار غـيـر المحددة للالإستنساخ البشري
اول مـا يلفت النظر بالنسبة لشخص مستنسخ فـي المستقبل هـو النظرة الاجتماعية إلـيـه، هـذا الأمـر الـذي لـم يتحدد بعد وغير متوقع عـلـى اي صورة ستكون هـذه النظرة، لـقـد اثار البروفيسور سيرنجر فـي مجلة علمية اسيوية دولية، وهي مجلة “بايواثكس” عـام 2002 ، انّ المولـود المستنسخ، إذا مـا قدر لـه الـوجود مستقبلا، فسيعاني مشكلة اجتماعية، وهي النظر إلـيـه مـن قبل الاخرين بوصفه أنـه كـان نتاجا لـوضع شاذ لا يشبه طبيعة تخلقهم. ويثار ايضا موضوع التشابه بين المستنسخ والاصل، حيث سيجد المستنسخ صعوبة فـي اثبات أنـه صاحب تفرد وشخصية مستقلة عـن النسخة الاصلية . لـم يتحدد بعد مـا ستؤول إلـيـه حقوق الـوالـدية (تحديـد الام والاب)، هـذا الأمـر حاولت لجنة استشارية تعود لقسم الصحة العامة فـي نيويورك، وتدعى “لجنة قوة الـواجب الـوطني للحياة والقانون فـي نيويورك” تقييـد النظم الـتـي تحكم تقنيات الاخصاب مـن خلال توصياتها، ونبهت للمشكلة الـتـي ستنجم عـن الـولادات المتعددة فـي حالة حصول الإستنساخ البشري. وفي اجتماع لجمعية التقدم العلمي الاميركية اثار كابلان معضلة يتوقع حصولـها للانـسـان المستنسخ اطلق عليـهـا “مصيـدة المعرفة المسبقة”، حيث سيعرف الشخص النسخة مـا سيعانيه مـن كثير مـن الامراض ذاتها الـتـي عاناها مانح المادة الـوراثية D.N.A، وهـو مـا يجعلـه اعظم امتحان جيني يكره عليـه شخص، ويمكن انّ تطرح مثل هـذه المعرفة المسبقة شبح التفرقة فـي موضوع التوظيف والتأمين الصحي، وما سيكون عليـه وضع انـسـان يعرف أنـه سيصاب بمرض خطير فـي سن مـا. ويقول لـوري اندروس مـن كلية الـقـانـون فـي شيكاغو: فـي الحد الادنى وعـلـى الاقل فـإنّ اربعة اشخاص سيـدعون والـدية المولـود المستنسخ، وهم الام المانحة للبويضة، وقـد تكون هـي المانحة للكروموسومات، والتي ستحمل الطفل، ووالـد ووالـدة الام الـتـي منحت البويضة والكروموسمات، والتي ستحمل الطفل، ووالـد ووالـدة الام الـتـي منحت البويضة والكرومسومات، واذا تعدد المانحون فـإنّ العدد يصل إلـى 13 شخصا كـل منهم يـدعي ابوة هـذا المولـود وامومته الإستنساخا. فتحديـد الابوة والامومة مشكلة لـم تحل، وكذلك ستواجه حقوق الميراث معضلة، كـمـا انّ رجال الـقـانـون والامنيين اثاروا مشكلة تحديـد المجرم فـي حالة وجود اشخاص مستنسخين، لان البصمات تتشابه والاشكال متشابهة وكل شيء متطابق، فكيف سيجزم بـأن واحدا مـن هؤلاء هـو الـذي ارتكب جرما . وكثير مـن الحقوق الان حـتـى تستعمل، تعتمد عـلـى مميزات فـي جسم الانـسـان كالبصمة وشكل قزحية العين فـي الصراف الالي، والبصمة لاستعمال السيارة وغيرها. ويشير العلماء إلـى التهديـد الـذي يحملـه الإستنساخ العلاجي (الطبي) لبعض الحيوانات الفقارية العليا مثل قرد البايون والشمبانزي، وهي لا توجد باعداد كبيرة، لانها إذا مـا استخدمت لزرع انسجة بشرية فـي اجسادها لاستخدامها قطع غيار للانـسـان، فـإنّ ذلك سيهددها بالانقراض .
الفصل الثاني
نـحـو موقف قانوني مـن الإستنساخ البشري
انّ اكبر مشكلة تتعلق بالموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري، تتمثل فـي أنـه موقف يراد لـه انّ يظهر بشأن مسألة، عـلـى الارجح، انّـهـا لـم تحصل بـعـد بشكل كامل، وان مـا يعلن عـنـه بخصوص الإستنساخ البشري ليس الا ادعاءات بوجود محاولات لا يعرف مـا ستؤول إلـيـه أو مـا سينتج عنها مـن ضرر أو فائدة. ومشكلة اخرى ايضا تواجه محاولات بناء الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري، هـذه المشكلة تتمثل فـي كون المقدمات الـتـي يراد لنا الاعتماد عليـهـا لنقول بالرضى أو الموافقة، هـي مقدمات تتعلق بتجارب عـلـى الحيوان، وهناك اختلاف اكيـد ؛ اذ لا يمكن التأكيـد بنتائج معينة بالنسبة لالإستنساخ البشر بناء عـلـى التجارب عـلـى الحيوان. ومشكلة الإستنساخ البشر الكبرى، انّ التوصل فـي هـذا المجال إلـى تقدم معين، ربما يتطلب تجارب ومحاولات للإنسان نفسه، والانـسـان لن يسمح باجراء التجارب عليـه، كـمـا انّ المشكلة الاخرى، هـي انّ محاولات الإستنساخ ستستمر بسبب مـا يحيط بموضوع الا س مـن اثارة وبريق، كونه موضوعا مصدرا للشهرة، لكن مشكلتنا مـع الإستنساخ هـي اننا حـتـى لـو جرمناهكفعل ومنعنا محاولاته تحت طائلة الجزاء (وهذ حصل فعلا فـي كثير مـن الدول)، فـإنّ ذلك لـن يمنع وجـود المحاولات، لاننا نعرف بديهيا انّ تجريم الافعال وتـقـرير الجزاءات الجنائية الصارمة عـلـى مرتكبيها، الـتـي تصل إلـى حد الاعدام، لـم يمنع وقوع الافعال المجرمة. فمنع الإستنساخ وتجريمه كفعل لمنع حصول محاولاته، وهذا بحد ذاته يتطلب معالجة مـن نوع اخر ومحاولة لبناء موقف قانوني عـلـى اسس تمنع الاضرار، ولكنها لا تحول دون فائدة محتملة. انّ اكبر معضلة تواجه عملية اتخاذ موقف محدد مـن الإستنساخ البشري، تتمثل فـي انّ المحاولات قـد تفضي إلـى اضرار، وهذا شبه مؤكد فـي الـوقت الحاضر، ولكن محاولات الإستنساخ قـد تفضي إلـى فوائد لا يمكن لاحد الجزم بنفي احتمالية حصولها مستقبلا.
وبناء عليـه، فاننا سنحاول التوصل إلـى موقف قانوني مـن الإستنساخ البشري، ومـن اجل الـوصول إلـى هـذا الموقف، سنقسم هذا الفصل إلـى مبحثين، نخصص الاول منهما لبيان عناصر الموقف القانوني للقضية، واما المبحث الثاني فسيكون مخصصا لبيان وجهة النظر القانونية فـي الإستنساخ البشري.
المبحث الاول
عناصر الموقف القانوني للالإستنساخ البشري
انّ عناصر الموقف القانوني لاي موضوع، تتمثل اولا فـي الـواقع وما حصل فعلا، حـيـث يلزم بيان الافعال، ومحاولات منعها أو تشجيعها قانونيا منذ أن استنسخت النعجة دوللي حـتـى الان. امـا العنصر الاخر لبناء موقف قانوني، فـهـو يتعلق بالثقافات والشرائع السماوية، الـتـي تتشكل بناء عـليها الاراء والمواقف حيال موقف أو فعل أو موضوع معين، كـمـا انّ الاخلاق الـتـي تسود فـي المجتمعات وتسهم فـي بناء الاراء وتنظيم السلـوك تشكل عنصرا ثالثا يلزم لبناء الموقف القانوني، وعليه فاننا سوف نبحث كـل عنصر مـن هـذه العناصر الثلاثة مـن خلال مطلب مستقل.
المطلب الاول
الموقف القانوني منذ الإستنساخ النعجة دوللي
كـان الاعلان عـن الإستنساخ النعجة دوللي فـي بدايات اذار (مارس) 1997، صافرة البدء للدخول فـي جدل قانوني تفاعل وصولا إلـى توصيات ومواقف متغايرة مـن قبل الدول المختلفة. فجمعية اطباء العالم دعت إلـى وقف ابحاث الإستنساخ البشري لحين دراسة القضايا الاخلاقية والقانونية، وتقوم جمعية اطباء العالم حاليا بدراسة مسألة الإستنساخ وسوف تناقش دراستها فـي مؤتمرها فـي تشرين الاول (اكتوبر) مـن عـام 2002، وتمثل هـذه الجمعية جمعيات طبية مـن 70 دولة تضم عضويتها اكثر مـن ثمانية ملايين طبيب. وبعد ايام معدودة مـن نشر التـقـرير عـن الإستنساخ دوللي، قام الرئيس الاميركي كلينتون بتشريع حظر عـلـى التمويل الاتحادي لمحاولات الإستنساخ البشري عـلـى طريقة الإستنساخ دوللي، ثـم طلب الرئيس مـن “اللجنة الاستشارية الـوطنية لاخلاقيات العلـوم الحيوية” انّ تنكب عـلـى دراسة القضايا الاخلاقية والقانونية الـتـي تحيط بموضوع الإستنساخ البشري خلال 90 يوما، وقـد توصلت اللجنة بـعـد ذلك إلـى توصيات قالت فيها: تـقـر اللجنة أنـه مـن غـيـر المقبول اخلاقيا فـي الـوقت الحاضر، مـن اي فرد فـي القطاع العام أو الخاص، سواء مـن الناحية السريرية أو البحثية، انّ يقوم بمحاولة خلق طفل باستخدام الإستنساخ عـن طريق نقل نواة الخلية الجسدية، ولان هـذه التقنية غـيـر امنة للاستعمال فـي الـوقت الحاضر، فإنّـهـا سوف تتسبب فـي اخطار للجنين أو الطفل القادم.
ولذلك يجب استمرار التعليق الساري حاليا فـي استخدام التمويلات الاتحادية لمساعدة اي محاولة لانشاء طفل عـن طريق نقل نواة الخلية الجسدية، والطلب فورا مـن جميع الاطباء والمؤسسات والباحثين والجمعيات المهنية غـيـر الممولة اتحاديا الالتزام طواعية برغبة الحكومة الاتحادية بتعليق النشاط. وقالت اللجنة أنـه يتوجب تشريع قانون اتحادي يحظر انشاء طفل بالالإستنساخ عـن طريق نقل نواة الخلية الجسدية، عـلـى انّ يراجع التشريع بـعـد فترة مـن 3- 5 سنوات لتـقـرير إذا مـا كـان هنالك حاجة لاستمرار الحظر، وان يحرر هـذا القانون أو التشريع بعناية حـتـى لايعرقل النواحي العلمية الاخرى، واذا لـم يصدر تشريع بذلك فـإنَّـه يجب انّ تسبق عملية الإستنساخ تجارب بحثية تحكمها حماية مضاعفة مـن مراجعة مستقلة وموافقة خطية، وطلب التـقـرير تعاون الـولايات المتحدة مـع دول العالم لضمان انتهاج سياساتها نفسها نـحـو الإستنساخ. وفي الـوقت الـذي يناقش فيـه الكونغرس اصدار تشريع اتحادي يحظر الإستنساخ، تم حظر الإستنساخ البشري فـي خمس ولايات اميركية مـن بينها كاليفورنيا ولـويزيانا، وقـد يستغرق الأمـر وقتا ليس بالقصير قبل انّ يتم الحظر الكامل عـلـى الإستنساخ البشري فـي الـولايات المتحدة.
وفي اليابان وافق مجلس الـوزراء عـلـى قانون يفرض غرامات باهظة واحكاما بالسجن، عـلـى كـل مـن يقوم بانشطة الإستنساخ البشري، ولكنه لـم يحظر تماما الابحاث العلمية فـي هـذا المجال، وقـد صادقت 186 دولة عضوا فـي اليونسكو، عـلـى اعلان حقوق الطاقم الجيني (الجينوم) وحقوق الانـسـان، وجاء فـي المادة (11) مـن هـذا الاعلان انّ “الممارسات الـتـي تتعارض مـع الكرامة الانـسـانية، مثل الإستنساخ البشري التكاثري، لن يسمح بها”. وقـد اقـرت الدول الاعضاء فـي المجلس الاوروبي معاهدة حماية حقوق الانـسـان واحترام البشر وقداستهم بالنسبة إلـى تطبيقات عـلـى الاحياء والطب، وحظر الإستنساخ البشر فـي 2/1/1998، ومـن الجدير بالذكر انّ عقوبة مـن يحاول الإستنساخ البشري فـي كاليفورنيا هـي الغرامة، وقدرها مليون دولار، وفي 9/1/1998 تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة الاعلان العالمي حول البنية الـوراثية البشرية باجماع الدول الاعضاء، وعددها (185) دولة، وهـو يـدعو الدول كلها إلـى حظر الإستنساخ البشري التكاثري .
وبالمقابل وافقت الادارة الاميركية عـلـى تمويل بحوث تشمل الخلايا الجذعية (غـيـر المتمايزة) المستخرجة مـن الاجنَّة البشرية، وكـان ذلك بالاستناد إلـى توصية اللجنة الاخلاقية الـتـي شكلها الرئيس بيل كلينتون، واصبح بامكان الباحثين انّ يستخدموا منح البحوث الـتـي تقدمها الحكومة الاتحادية لاغراض دراسة الخلايا الجذعية المستخلصة مـن الاجنَّة البشرية . كـمـا اوصت هيئة الاخصاب عـلـى الإستنساخ البشري للاغراض العلاجية، ولكن ليس للحصول عـلـى اطفال مستنسخين، وقـد ورد ذلك فـي تـقـرير اللجنتين الـذي نشر فـي 8/12/1998، وقال السير كولسن كامبل رئيس الهيئة المذكورة “يمكن تطوير علاجات جديـدة للانسجة المريضة أو التالفة، ويستتبع ذلك انماء الخلايا أو الانسجة فـي (مزرعة)، وهـو لا يتضمن الإستنساخ البشري التكاثري، وقانون الاخصاب والاجنَّة البشرية فـي بريطانيا يسمح الان باجراء البحوث عـلـى الاجنَّة البشرية فـي حدود 14 يوما مـن نشوئها، بغرض التغلب عـلـى مشكلات الخصوبة البشرية، وتتوجب الموافقة عـلـى مثل هـذه البحوث عـن طريق تقدير طلب اصولي إلـى هيئة الاخصاب والاجنَّة البشرية، وتوسيع هـذا القانون ليتضمن العلاج بالخلايا الجذعية، لن يثير قضايا خلافية جديـدة فوق مـا قـد تمت مناقشته وبحثه باسهاب مـن قبل البرلمان عـام 1990.
والعلاج بالخلايا الجذعية يلزم لـه استخدام جزء مـن العملية الـتـي تستخدم فـي الإستنساخ الحيوانات الكاملة، اذ يمكن ادخال خلية مـن جلد المريض إلـى بويضة بشرية منزوعة النواة، ثـم تتم حضانة متعددة الـقـدرات، هـذه الخلايا ستعالج بها خلايا القلب أو الدماغ أو اي عضو اخر مـن الامراض التنكسية وهي الامراض الناتجة مـن قصور فـي نوع مـن الخلايا كفشل خلايا البنكرياس فـي القيام بوظائفها. وكـان البرلمان البريطاني قـد اجاز فـي عـام 1990، القيام بالبحوث عـلـى الاجنَّة لاسباب تتعلق بالعقم وتجنيب الاطفال الاصابة بالامراض الـوراثية. امـا فـي المانيا، فـقـد سمحوا باستيراد خلايا الاجنَّة، ومـن المعروف انّ المانيا تحظر قتل الاجنَّة فـي الابحاث العملية، ولكن القانون لا يمنع استيراد خلايا الاجنَّة، ووضع هـذه الخلايا فـي خدمة العلاج، وخلايا الأجنَّة هـي خلايا جذعية ناتجة عـن انقسام البويضة المخصبة أو الـتـي زرعت فيها نواة خلية بـعـد نزع نواة البويضة، بحيث لا يتعدى الانقسام مرحلة 14 يوما . وهكذا يظهر لنا المشهد القانوني السائد حـتـى الان والخاص بالالإستنساخ البشري، حـيـث كـان التوجه عالميا نـحـو الحظر لالإستنساخ البشر مـن اجل التكاثر (بمعنى ولادة اطفال عـن طريق الإستنساخ)، ويصل الحظر فـي حده الادنى إلـى منع الإستنساخ البشري التكاثري مؤقتا لتتم عملية مراجعته مستقبلا عـلـى ضوء المتغيرات والتقدم العلمي، ويصل فـي اقصاه إلـى رفض هـذا الإستنساخ واعتباره جريمة بحق البشرية. الا انّ الإستنساخ العلاجي (الطبي) لا يعامل المعاملة نفسها، الـتـي يعامل بها الإستنساخ الـذي تتم فيـه عملية الإستنساخ كاملة بالنسبة للبشر، وعـلـى غرار مـا حصل فـي الإستنساخ النعجة دوللي ، ولكن بالنسبة للالإستنساخ العلاجي يجب انّ تتوقف العلمية عند 14 يوما مـن تـاريـخ بدء انقسام البويضة المخصبة وذلك للحصول عـلـى خلايا جذعية، ومـن ثـم استخدامها فـي البحوث الطبية، وفي علاج بعض الامراض كتجديـد الخلايا فـي عضو مريض فـي الجسم البشري.
المطلب الثاني
الإستنساخ البشري والشرائع السماوية
الشرائع السماوية هـي المكون الاساسي لثقافات كثير مـن الامم فـي العالمين الاسلامي والغربي، والشرائع تشترك مـع القانون فـي الغالب مـن الاحوال فـي الموقف حيال مسألة معينة، ولا يمكن لموقف قانوني فـي البلاد الـتـي تسود فيها هـذه الشرائع انّ يتشكل بعيـدا عنها وان لـم يتفق معها، وتتميز هـذه الشرائع، بخاصة الاسلامية، بوجود نظام نظري متكامل يمكن الاستناد إلـيـه مـن اجل بناء الرأي والفتوى فـي مسألة حديثة (أو جديـدة). وما يذكر الان مـن اراء لهذه الشرائع، ليس سوى اراء فقهاء يحاولـون اعطاء الرأي فـي مسألة حديثة كالالإستنساخ البشري بالاستناد إلـى كليات الشريعة أو بنائها النظري، ومـن المرجح انّ الـوسائل الـتـي تتبع لبيان رأي الشريعة الملزم بخصوص مسألة مـن المسائل لـم يحسم بـعـد بخصوص الإستنساخ وان مـا هـو موجود فـي الـوقت الحاضر لا يتجاوز حدود الاجتهاد الفقهي. وسنفرد فـي هـذا المطلب بندا مخصصا لبيان الرأي بالنسبة لكل شريعة مـن الشرائع السماوية الثلاث: الاسلامية، والمسيحية ، واليهودية.
البند الاول – الشريعة الاسلامية والالإستنساخ البشري: اشار جانب مـن الفقه الاسلامي إلـى موقف الشريعة مـن الإستنساخ البشري ، ويشير هـذا الجانب مـن الفقه إلـى غياب الموقف الكلي المجمع عليـه فـي الفقه الاسلامي، ويضيف إلـى ذلك القول انّ موضوع الإستنساخ مـا زال فـي دور البداية وما زال يبزغ إلـى النور ولم يمر الـوقت الكافي لتكوين الموقف والرأي الكامل عـنـه في الشريعة الاسلامية ، وفي الحقيقة اننا نلمح مشكلة لدى بعض مـن يحاولـون ابداء الرأي فـي الإستنساخ مـن المسلمين. فهؤلاء يعلمون انّ القرآن الكريم اعطى احكاما قطعية فـي ايات واضحة الدلالة عـن خلق الانـسـان وتخليقه التدريجي. ويبدو انّ هنالك قلقا لدى هؤلاء الفقهاء مـن كون الإستنساخ يتعارض مـع حقائق خلق الانـسـان الـتـي ذكرت فـي القرآن الكريم. ومـن ثـم فانهم لا يريـدون ظهور مولـود بشري عـن طريق الإستنساخ انطلاقا مـن انّ القرآن ذكر انّ خلق الانـسـان يتم عـن طريق الاخصاب الطبيعي. ونحن نعتقد بـأن مثل هـذا القلق ليس فـي محله، فما ذكر فـي القرآن هـو حقائق لا ترقى النظريات والتطورات العملية إلـى الـوصول اليها ومجاراتها، والالإستنساخ حـتـى لـو حصل فـهـو يتم عـن طريق خلية بشرية تخلقت مـن خلال الطريق الـذي ذُكِرَ فـي القرآن، وما يجب الاهتمام بــه هـو تفسير القرآن وفهم اياته وليس القلق مـن الفكرة والخوف مـن تحققها عـلـى ارض الـواقع اعتقادا بانها تتعارض مـع مـا هـو موجود فـي القرآن. بل انّ ايماننا بما ورد فـي القرآن يجب انّ يـدفع إلـى الرغبة فـي وجـود محاولة للالإستنساخ البشري ولـو لمرة واحدة، فـقـد يكون فشلها واعلان استحالة ميلاد بشر عـن طريق الإستنساخ هـو النتيجة، فسواء كـان النجاح ام الفشل هـو النتيجة، فالقرآن اعلى مستوى مـن التأثر باي حدث علمي أو تجريبي، وكل كشف علمي حـتـى الان لـم ينقض حقيقة وردت فـي القرآن الـذي يتميز بالاعجاز.
لـقـد حاول كـل مـن ارادوا بيان موقف الشريعة الاسلامية ايجاد علاقة إلـى حد مـا بين رفض الشريعة الاسلامية للالإستنساخ البشري ، وما ورد في القرآن عـلـى لسان الشيطان مـن قوله عـن عباد الله: (ولامرنهم فليغيرن خلق الله) ، والتأكيـد انّ الإستنساخ هـو تغيير لخلق الله، ومـن ثـم هـو مـن عمل الشيطان، ولـقـد ورد فـي التفاسير الكثير عـن تغيير خلق الله عـلـى اعتبار انّ كـل تدخل لتغيير صورة مخلـوق مـن عند الله هـو تغيير لخلق الله. لكن السؤوال الـذي يطرح نفسه، هل فـي الإستنساخ تغيير ام نسخ؟.
وقـد جاء فـي القرآن الكريم قوله تعالى: “وانه خلق الزوجين الذكر والانثى{45} مـن نطفة إذا تمنى {46} ، وقوله ايضا “انا خلقنا الانـسـان مـن نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا {2} . فالانـسـان خلق مـن نطف؛ اي مـن الخلايا الجنسية فـي منى الرجل والمرأة ، والامشاج هـي الاخلاط كـمـا وردت عند معظم المفسرين؛ بمعنى التكوين مـن مكونات كثيرة اختلط بعضها ببعض ومـن اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة واتحادهما. كذلك قوله تعالى: “ولـقـد خلقنا الانـسـان مـن سلسلة مـن طين{12} ثـم جعلناه نطفة فـي قرار مكين{13} ثـم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقناه المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثـم انشأناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخلقين{14} . وقـد حاول جانب مـن الفقه الإستشهاد بما ورد فـي اخر الاية “ثـم انشأناه خلقا اخر” ، واورد الحديث النبوي الشريف الـذي حدد مراحل خلق الانـسـان بكونه يجمع فـي بطن امه اربعين يوما، ثـم يكون علقة مثل ذلك، ثـم مضغة مثل ذلك، ثـم يرسل إلـيـه الملك فينفخ فيـه الروح ، وبناء عـلـى هـذه الاية والحديث توصل معظم اهل السنة وجانب مـن الشيعة إلـى وضع حد فاصل عند 120 يوما مـن الحمل، لان نفخ الروح يتم بنهاية الاشهر الاربعة، وجعلـوا اسقاط الجنين بـعـد فترة 120 يوما جريمة ولا يجوز لمسلم انّ يفعلها؛ لانها اعتداء عـلـى متكامل الخلق والحياة الا إذا كـان بقاؤه سببا لهلاك الام.
بينما يرى اغلبية مـن الشيعة وبعض السنة انّ فترة الحمل كلها تخص انـسـانا خلقه الله ولا يجوز الاعتداء عليـه، واجهاضه لا يجوز مـن المراحل الاولى لتكونه جنينا . وفي تحديـد القرآن لخلق الانـسـان، وكيفية هـذا الخلق، مجال لا شك فيـه يمكن الكثيرين مـن اطلاق تفسير فـي الـوقت الحاضر، قـد يصلون مـن خلاله إلـى تحريم الاستسناخ البشري. الا اننا يجب الا نتسرع باطلاق الحكم ونسبته للقرآن، ويجب انّ يتوصل إلـى تفسير القرآن مـن يستطيع استنباط الحكم مـنـه، وليس الـوقوف عند الظاهر. والالإستنساخ حرمه جانب مـن الفقه الاسلامي عـلـى اساس اخر، فالشيخ محمد جواد مغنية فـي كتابه (الفقه) عـلـى المذاهب الخمسة (وكلامه ينطبق عـلـى عملية الإستنساخ بالكامل) قـال: “التلقيح الصناعي محرم وليس مـن شك فـي تحريم التلقيح، والدليل عـلـى ذلك التحذير والتشديـد فـي امر الفروج والاية الـتـي ورد فيها قوله تعالى: “وقل للمؤمنات يغضضن مـن ابصارهن ويحفظن فروجهن” . والفقه الاسلامي فـي الـوقت الحاضر يقول رأيه فـي الإستنساخ البشري انطلاقا مـن انّ هـذا الرأي قـد تم تكوينه بناء عـلـى اصول فـي الشريعة، يقول انس أبـو شادي نائب رئيس المركز الاسلامي فـي لندن: انّ الإستنساخ مسألة جديـدة وتحتاج إلـى اجتهاد جديـد، وان الاسلام لا يضع قيـدا عـلـى البحث العلمي ، ويصل إلـى امكانية قبول الإستنساخ الطبي؛ لان الرأي المستـقـر فـي الفقه الاسلامي هـو عـدم الممانعة فـي نقل الاعضاء وزراعتها مـا دام ذلك يحقق المصلحة فـي علاج المرضى .
ويؤكد الدكتور عبد المجيـد وفيق الاستاذ بطب الازهر، أنـه لا يصح انتاج انـسـان باي شكل الا بالطريق الطبيعي، حـيـث انّ النطفة هـي الاساس كـمـا جاء فـي القرآن الكريم، حـتـى لا تظهر اشكال غـيـر معتادة وتشكل خطرا عـلـى البشر . ويرى الدكتور عبد المجيـد القطمة عضو الجمعية المسيحية البريطانية لمكافحة الإستنساخ انّ الإستنساخ حرام؛ لانه تبديل وتغيير فـي خلق الله .
ونحن نعتقد، كـمـا اسلفنا، انّ القرآن الكريم هـو كلام الله الـذي لا يتغير ولا يتبدل ولا تؤثر فيـه الحادثات عـلـى يـد البشر. فعلينا الا نقحم اياته الـتـي تحدثت عـن الخلق الخاص بالانـسـان فـي موضوع الإستنساخ؛ لان الإستنساخ انّ كـان منافيا لعملية الخلق المقصودة فـهـو لن ينجح ولن يكون هنالك انسان واحد مولـود عـن طريق الإستنساخ ، وان ولد مـن هـو مستنسخ فـي يوم مـا، وكانت عملية الإستنساخه صحيحة لا يشوبها الشك، فـإنّ ذلك سيكون مـن ايات الله ومما يتسع لـه التفسير القرآني.
علينا انّ نقول بحكم الشريعة الاسلامية بناء عـلـى مـا سيأتي بــه الإستنساخ ، وما دام الإستنساخ التكاثر حـتـى الان غـيـر مأمون وله اثار ضارة كـمـا يرى ذلك العلماء انفسهم الذين يمكن انّ يقوموا بالتجارب ، فـإنّ الشريعة الاسلامية لا تـقـر مصدر ضرر عـلـى البشرية. وفي الـوقت الـذي سيصبح فيـه الإستنساخ موجودا، وهـو الان لـم يحصل بـعـد بالنسبة للانسان، فـإنّ رأي الشريعة الاسلامية فيـه أو فـي الإستنساخ الطبي سيكون مرهونا بـمـا سيأتي بــه الإستنساخ مـن مصلحة للبشر، أو مـا ينطوي عليـه مـن ضرر.
ويقول العلامة الشيخ حسين فضل الله فـي حوار اجرته معـه اذاعة مونت كارلـو بتاريخ 13/3/1997: انّ الإستنساخ ليس محرما دينيا؛ لانه لا يشكل تدخلا فـي عمل الله، لـقـد حاول البعض انّ يعدها تجديفا ضد الخالق، أو تدخلا فـي عمله، ولكننا نرى انّ العلماء الذين قاموا بهذه التجربة استهدوا بالاسرار الكامنة فـي الجسد الانساني، وهؤلاء العلماء لـم يبتعدوا عـن القوانين المودعة فـي جسد الانسان الـتـي ابدعها الله سبحانه وتعالى، وربما نلتقي فـي المستقبل باكتشاف اسرار اخرى اعمق مـن ذلك قـد تبدل نوع الحياة ونمط الـواقع فـي حياتنا، ولهذا لا اجد مـن الناحية الدينية عـلـى المستوى العقدي، أو عـلـى المستوى الشرعي مـا يمنع مـن شرعية هـذه التجربة مـن حـيـث طبيعتها العلمية. واضاف أنـه لا بد لنا انّ نتحفظ لنراقب هـذه التجارب ومدى اتصالها بمصلحة الانسان، ومدى انسجامها عـلـى الخط الاخلاقي الـذي يمكن للحياة انّ ترتكز عليها فـي سبيل وصولها إلـى الاهداف الكبرى . وقريب مـن هـذا الرأي بنى رأيه عـلـى قاعدة لا ضرر ولا ضرار د. وهبة الزحيلي .
امـا الندوة الفقهية الطبية التاسعة (رؤية اسلامية لبعض المشاكل الطبية) الـتـي انعقدت فـي الدار البيضاء فـي الفترة مـا بين 14 و17/6/1997م، فـقـد انتهت إلـى التوصية بتحريم الإستنساخ البشري العادي ومنعه، فـإنّ ظهرت مستقبلا حالات استثنائية عرضت لبيان حكمها الشرعي مـن جهة الجواز أو المنع .
امـا مجلس مجمع الفقه الاسلامي وفي دورة مؤتمره العاشر الـذي عقد فـي جدة فـي الفترة مـا بين 28/6 و3/7/1997، فـقـد انتهى إلـى تـقـرير تحريم الإستنساخ البشري بطريقتيه (طريقة الإستنساخ النعجة دوللي وطريقة الحصول عـلـى اجنَّة بـعـد انقسام البويضة المخصبة طبيعيا)، أو باي طريقة اخرى تؤدي إلـى التكاثر البشري. ومـن الجدير بالذكر انّ مجلس الفقه هـذا اجاز الإستنساخ فـي مجال الجراثيم والحيوان والنبات فـي حدود الضوابط الشرعية بـمـا يـدرأ المفاسد ويحقق المصالح . ونكتفي بهذا الـقـدر الـذي اوضح لن موقف الشريعة الاسلامية مـن السمالة، وكما اسلفنا فـي البداية انّ الموضوع مـا زال جديـدا، وان العالم فـي دور الانتظار لـمـا سيؤول إلـيـه الـوضع علميا وتجريبيا، وان قولا حاسما لا ينسب للشريعة الاسلامية فـي هـذا الموضوع الـذي لـم يزل فـي طور الظهور الأولي. نقول ذلك عـلـى الرغم مـن وجـود عدد كبير مـن الفقهاء المسلمين الذين اصدروا فتوى تحريم الإستنساخ ومنهم: الشيخ ابـن عثيمن، والشيخ عبد المعطي بيومي (جامعة الازهر) ، والدكتور محمود امام نصر (جامعة القاهرة)، والدكتور علي محمد يوسف المحمدي (جامعة قطر)، والدكتور جاسم الشامسي (جامعة الامارات)، والدكتور صلاح زيـدان (جامعة القاهرة) ، والدكتور احمد شوقي (جامعة الزقازيق)، والدكتور محمد سلامة (جامعة عين شمس)، والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي .
البند الثاني – المسيحية والالإستنساخ البشري : الكنسية الكاثوليكية اعطت رأيا فـي الإستنساخ ، عـلـى لسان الكاردينال ويلم كيلر مـن بالتيمور امـام المجلس الـوطني للاساقفة الكاثوليك، قـال: “الإستنساخ خاطيء؛ لان البشر المستنسخين يملكون الكرامة البشرية فعلا، وهم جديرون بـأن يأتوا إلـى العالم بطرق تحترم هـذه الكرامة، وقال انّ الكنسية تعارض بقوة انهاء الحياة الانسانية مـن طريق الاجهاض، وكذلك تجارب قتل الاجنَّة” . امـا الفاتيكان، فـقـد اعلن بـعـد اجتماع الجمعية العمومية للاكاديمية الحبرية مـن اجل الحياة فـي 23- 25/2/1998، “انّ الإستنساخ كشكل مـن اشكال التحكم بالتكوين الجيني للانسان يشكل مسا خطيرا بكرامة الكائن وحقه فـي تكوين جيني غـيـر محدد سلفا ولا يمكن الإستنساخه” . وفي 25/11/2001، ندد الفاتيكان بالإستنساخ الباحثين الاميركيين لجنين بشري، وقال: انّ العلماء عبثوا بالحياة الانسانية وليس مجرد الخلايا، وقال: انّ مـا حدث يظهر مـدى الفداحة الاخلاقية لهذا المشروع ويستلزم ادانة صريحة . وبعد ايام مـن اصدار الحكومة البريطانية والـولايات المتحدة احكاما تفتح الباب لاجراء تجارب الإستنساخ عـلـى الاجنَّة البشرية، قـال البابا يوحنا الثاني” انّ محاولات الإستنساخ البشري بغرض الحصول عـلـى اعضاء يتم نقلها مـا دامت تتضمن التلاعب بالاجنَّة البشرية وتدميرها، فإنّـهـا ليست مقبولة اخلاقيا” .
البند الثالث- اليهودية والالإستنساخ البشري : الشراح اليهود ابدوا رأيهم فـي الإستنساخ البشري، فقال بعضهم انّ الإستنساخ اي مـن المخلـوقات هـو متعارض مـع الديانة اليهودية. فـي حين قـال اخرون مـن اليهود إذا كـان الإستنساخ الحيواني بهدف انتاج غذاء احسن وعلاج افضل ايضا، فلا يوجد مـا يمنع السماح بــه فـي اليهودية .
المطلب الثالث
الإستنساخ البشري وابعاده الاخلاقية
لـقـد اوضح جانب مـن الفقه ، البعد الاخلاقي فـي موضوع الإستنساخ بقوله “لـقـد اقـر الفلاسفة العقلانيون قانون قياس قيمة الفعل بغايته، والخير والشر هم قطبا المجال الاخلاقي، والالإستنساخ حادث علمي ثقافي طريق يثير الاهتمام بوجوده وبما ينجم عـنـه مـن احتمالات خطرة عـلـى الـوجود فـي الطبيعة وفي المجتمع، امـا قيمته الاخلاقية فإنّـهـا تنبثق مـن الهدف المراد مـنـه، وينتهي بتحديـد الرأي عـلـى اساس انّ التوالد الجنسي هـو الـوسيلة المأمونة لحياة افضل للانسان، فـي حين انّ التوالد اللاجنسي (الإستنساخ) سيواجه مقاومة افكار قيمية وعادات راسخة، مصدرها الحياة الجنسية وبرمجة تكاثرنا وتطورنا عـلـى اساس مـن هـذه الحياة الجنسية”. وقال جانب اخر مـن الفقه مـن وجهة النظر التربوية والاخلاقية : انّ فكرة الخلـود الـتـي روادت الانسان منذ بداياته، وقضية الخلق لا تنفصل عـن الإستنساخ وعلاقته بالخلـود، ولا شك انّ تصور الخلـود عبر الإستنساخ تصور ناقص، وربما لـم يخرج الإستنساخ عـن اطار الاخلاق حـتـى الان؛ لانه كشف علمي تحت المراقبة، ولكن مجرد ظهور نتائجه مهد الطريق امام النزعات اللا أخلاقية فـي حضارة باتت تفتقد الكثير مـن الضرورات الاخلاقية الانسانية. لـقـد تطور مفهوم الاخلاق عبر الـتـاريـخ واستمر فـي عصرنا الحاضر.. ولكنه مـع بداية الحروب الاستعمارية هبط إلـى الحضيض وما زال، ومع تنبيهات المفكرين والمبدعين والفلاسفة والمربين إلـى ازمة الاخلاق فـي حضارة التقانة، وتفسخها إلـى ابعد حد، مـع ظهور النظام العالمي الجديـد والثورة الاعلامية، فالعالم المتقدم يفسر الاخلاق ويؤولها بطريقة لا اخلاقية، وبقية العالم يفسرها مـن خلال عجزه وقصوره.
انّ الجانب الاخلاقي للالإستنساخ هـو مـا يجعله مرعبا بشكل اساسي ، لـمـا للاخلاق مـن دور حضاري سواء فـي علاقة الانسان مـع الانسان، أو علاقة الانسان مـع الطبيعة مـن حوله. فـاذا فصل الإستنساخ عـن الاخلاق كـان كارثة ستحيق بـمـا بقي مـن قيم، والبعد الأخلاقي للإستنساخ هـو الـذي يمد هذ التقنية البيولـوجية بالشرعية أو عـدم الشرعية، فلا التلاعب بمصير البشر مقبول انسانيا، ولا التلاعب بالطبيعة كذلك؛ لان العلم لـم يعد خاضعا لمبدأ خدمة البشرية. انّـهـا ازمة الاخلاق وليست ازمة الإستنساخ ؛ لان فـقـدان البعد الاخلاقي فـي حضارة اليوم سيحولها إلـى وسيلة تدمير وافساد. والالإستنساخ يظهر مهددا لمنظمة اخلاقية تشريعية سارت عـلـى نهجها البشرية الاف الاعوام وتميز عالم البشر عـن بقية الكائنات. والإستنساخ قصور فـي فهم الطبيعة، فالانسان ليس كائنا بيولـوجيا فحسب، بل كائن تربوي وثقافي ايضا، والتربية والثقافة لا تستنسخان ، ولذلك فـإنّ الإستنساخ لن يلد أو ينتج نماذج متماثلة. بينما يقول اخر ، انّ الإستنساخ إذا نفذ عـلـى الانسان فـإنَّـه سيفرغه مـن الامور الكثيرة المهمة الـتـي تصنع انسانيته. الامين العام لمؤتمر الاسقافة فـي الكنيسة الكاثوليكية الاسبانية جوزي سانشيز وصف الإستنساخ البشري بانه عمل غـيـر اخلاقي . ويوافق الدكتور ندى حكيم استاذ زراعة الاعضاء ورئيس القسم فـي مستشفى سانت ماري بلندن مـا قاله ايان ويلمو الـذي استنسخ دوللي مـن انّ الإستنساخ البشري ، فيما لـو تم ، فـهـو عمل غـيـر اخلاقي .
ويشكك الدكتور شعبان ابراهيم استاذ العلـوم بكلية علـوم البحار بجامعة وليام اند هيري فـي الإستنساخ التكاثري واخلاقياته بسبب الاثارة الضارة المتوقعة. الدكتور ايان ويلموت الـذي استنسخ دللي، اعلن انّ الإستنساخ انسان تقنيا لهو شيء ضد الشرف والكرامة الانسانية؛ لان كـل مخلـوق بشري يتفرد بـمـا يميزه فـي نظر الخالق، والالإستنساخ يعد انتهاكا لهذه المنحة الـتـي منحنا الله اياها، وهي منحة التفرد . نعم انّ التوجيه والتحكم فـي التركيبة الجينية هـو الـذي يجعل الإستنساخ البشري غـيـر اخلاقي، وقـد كـان اعلان الفاتيكان الـذي اشرنا إلـيـه سابقا ، معبرا عـن ذلك تماما حـيـث ورد فـي اعلانه “انّ الإستنساخ كشكل مـن اشكال التحكم بالتكوين للانسان يشكل مسا خطيرا بكرامة الكائن وحقه فـي تكوين جيني غـيـر محدد سلفا”.
وبالمقابل ، فـإنّ الإستنساخ البشري غـيـر التكاثري، بمعنى الإستنساخ الطبي يلقى قبولا تدريجيا؛ لان الغاية والهدف المعلن عـنـه، لهذا النوع مـن الإستنساخ هـو علاج بعض الامراض المستعصية، كالزهايمر ، والسرطان، وباركنسون، وامراض القلب، والسكتة الدماغية وغيرها؛ ولان الهدف مـن الإستنساخ الطبي مـن ناحية تقنية أو اجرائية هـو الحصول عـلـى خلايا جذعية فـي مرحلة الاربعة عشر يوما الاولى مـن تكون الجنين ، حـيـث يصار إلـى اخذ الخلايا الناتجة مـن الانقسام، كخلايا جذعية كاملة الـقـدرات (غـيـر متخصصة) لتوجيها أو تكثيرها، للاستفادة منها فـي مجال العلاج. لـم يعد هنالك الا القليل ممن يعارضون مثل هـذا النوع مـن الإستنساخ. والمسألة الاخلاقية الـوحيـدة هنا الـتـي تثار مـن قبل المعارضين لهذا النوع مـن الإستنساخ ايضا، هـي مسألة أو فعل التعدي عـلـى الجنين خلال الأربعة عشر يوما الاولى واخذ خلاياه، بمعنى قتل هـذا الجنين. البعض مـن وجهة نظر دينية. لا يرغب فـي هـذا العمل ايضا ويجعله شبيها بالاجهاض المرفوض.
ويطرح مـن يؤيـد منع هـذا النوع مـن الإستنساخ بديلا للخلايا الجذعية الناتجة مـن تكون جنين، وهذا البديل هـو خلايا جذعية توجد فـي الحبل السري عند ولادة الانسان أو فـي المشيمة، حـتـى انّ الفاتيكان افتتح بنكا للمشيمة انشاته جامعة القلب المقدس فـي روما، هـذا البنك يقوم بتخزين مشايم بشرية وحبال سرية تحتوي خلايا جذعية، فالفاتيكان يعارض اجراء التجارب باستخدام بويضات انسانية مخصبة ويعده امرا غـيـر اخلاقي، وقـد يؤدي إلـى الإستنساخ البشر. امـا خلايا المشيمة أو الحبل السري الجذعية، فيمكن مـن وجهة نظر الاطباء، انّ تستخدم نظريا لانماء الانسجة والاعضاء والحلـول محل اجزءا الجسم التالفة .
ومـن الجدير بالذكر ، انّ التجارب عـلـى الاجنَّة المستنسخة اصبح امـرا مسموحا بــه فـي كثير مـن الدول الغربية، كـمـا اشرنا سابقا . وفي وقت متأخر وبتاريخ 13/10/2002 تحدث مجددا ويلموت واعلن انّ معهد روزلين سيبدأ تجاربه وابحاثه عـلـى الخلايا الجذعية المأخوذة مـن اجنَّة مستنسخة لغايات علاج بعض الامراض .
هـذه هـي علاقة البعد الاخلاقي بالالإستنساخ البشري. وبعد، فـقـد انّ الاوان لبناء مـا يمكن انّ نسميه الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري، وهـو موضوع المبحث الاخير مـن هـذه الدراسة.
المبحث الثاني
الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري
الموقف القانوني المقصود تحت هـذا العنوان، ليس تحديـد مواقف الدول والتشريعات الـتـي اصدرتها، أو مـا قررته بشأن الإستنساخ؛ اذ يـجـب علينا التسليم بـأن موضوع الإستنساخ مـا زال قيـد التكون أو النشوء، ومـن هنا يأتي غياب الموقف القانوني النهائي أو الحاسم حول الموضوع. واكثر مـن ذلك القول: انّ الإستنساخ البشري التكاثري الـذي يختلف عليـه بشده هـو امـر لـم يتحقق بـعـد، ومـن ثـم فـإنّ الموقف القانوني سيكون فـي هـذه الحالة محاولة استباقية لمنع حصوله أو التشجيع عليـه وبناء عـلـى التوقعات فـي الـوقت الحاضر. ولا بد مـن الاشارة فـي هـذا المقام إلـى انّ الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري يبنى عـلـى عنصرين اساسيين، اولهما: الانسان ووضعه القانوني الطبيعي الـذي يحميه الـقـانـون. والثاني: تجارب الإستنساخ البشري ، ومدى تعارضها أو موافقتها لمصلحة الانسان ووضعه القانوني الطبيعي المشار إلـيـه.
وبناء عليـه ، فاننا فـي هـذا المبحث الـذي سنضمنه خلاصة مـا سنتوصل إلـيـه فـي موضوع هـذه الدراسة، سنعمد إلـى قسمته إلـى ثلاث مطالب، نخصص الاول منها لبيان وضع الانسان الطبيعي والقانوني الـذي تحدد لـه فـي القانون بشكل مركز وماله مـن حقوق وحماية قانونية تتعلق بكونه انسانا، ثـم نخصص المطلب الثاني لموقف القانون مـن الإستنساخ البشري التكاثري، ثـم سنبحث فـي المطلب الاخير الإستنساخ البشري الطبي والموقف القانوني مـنـه.
ونحن فـي هـذا المبحث سنعمد إلـى بيان الموقف القانوني، بناء عـلـى الفن القانوني، ومـن وجهة نظر تعتمد عـلـى الاصول القانونية العملية وليس عـلـى مواقف مسبقة اتخذتها الدول وقررت بناء عليـهـا حكما يتعلق بالالإستنساخ. ونضيف إلـى ذلك انّ القول : انّ الموقف القانوني الـذي نحن بصدد تحديـده ليس اختراعا ولا فتوى، وانما هـو موقف موجود اصلا، خلقته الظروف المختلفة الـتـي تصنع القاعدة القانونية تجريـديا ونظريا، ثـم يكشف عـنـها الانسان ويشرع لها نصوصا تتضمنها، فنحن سنحاول فقط رفع الغطاء والاشارة إلـى شيء موجود تحته ولن نقوم بصنعه.
المطلب الاول
الـوضع الطبيعي والقانوني للانسان
الانسان لانه هـو موضوع الإستنساخ ، فلا بد لنا مـن معرفة وضعه القانوني، لنرى بـعـد ذلك إذا مـا كـان الإستنساخ وما ينتج عـنـه حيال الانسان امرا مباحا ام محرما. فالانسان هـو الشق الاول مـن القضية، ومـن خلال تعرف وضعه سنتمكن مـن ابراز القضايا الـتـي تتطلب بيان الرأي والحكم. دراستنا لـوضع الانسان طبيعيا وقانونيا اشبه مـا تكون بالتجسيم الـذي يسمح لنا بمعرفة الاجزاء الـتـي ستطالها اضرار الإستنساخ، أو ستنعم بفوائده، فيما لـو حصل فعل.
الانسان جسد وشخصية، وبتكامل لا يمكن الفصل فيـه بين الاثنين، يتكون مـن مادة الجسم وكيان الشخص المعنوي وشخصيته ، فردا وانسانا يحمي القانون وضعه، ويعده صاحب سمو وكرامة مقارنة بالاشياء الاخرى مـن حوله.
لـقـد اوضح الاستاذ الدكتور حسام الدين الاهواني النظام القانوني لجسم الانسان، وقال: انّ جسم الانسان لـم يـدخل إلـى المجال القانوني الا منذ بداية النصف الثاني مـن القرن العشرين، عندما بدأ الاهتمام بحماية جسم الانسان فـي مواجهة المساس بــه نتيجة ظهور الالة. وفي هـذا الـوقت ذاته اسفر التقدم الطبي والعلمي عـن امكانية استخدام جسم الانسان كقطع غيار بشري لانقاذ صحة المرضى واجسامهم. ثـم ظهر التلقيح الصناعي وامكانية حفظ النطفة.
ولان جسم الانسان ذاته كـان هـو البداية فـي التجارب، ظهر اعلان هلسنكي ليحدد اخلاقيات التجارب العلمية عـلـى جسم الانسان. والتشريعات المتفرقة الـتـي تشجع التقدم العلمي الطبي، حـتـى لا يغلق باب الرحمة بالمرضى وبالبشرية. الا انّ الانسان بحاجة إلـى رعاية فـي مواجهة الطب، وفي الطريق إلـى ايجاد نظام قانوني لحماية جسم الانسان، عدل القانون الفرنسي وجاءت المادة 16 تحت عنوان احترام جسم الانسان ، ثـم كانت الاتفاقية الـتـي وافق عليـهـا الملجس الاوروبي؛ وهي الاتفاقية الخاصة بحماية حقوق الانسان وكرامته الانسانية فـي مواجهة الممارسات الطبية والبيولـوجية. ومما هـو معروف فـي التعامل مـع الانسان وجسمه، انّ النظام القانوني يقر مبدأ سمو الانسان والحفاظ عـلـى كرامته، وعدم قابلية الجسم للتصرف فيه، وان كـان يجوز التصرف باجزاء مـن الجسم، دون التأثير عليـه، فـي اطار التبرع ، وباذن مـن صاحب الجسم، ويؤكد انّ القانون لا يجيز التعامل بمقابل فـي جسم الانسان أو جزء مـن اجزائه، ويخضع التعامل فـي جسم الانسان لشروط، هـي : ضرورة حصول الرضا المتبصر ممن يريـد التعامل فـي جمسه، وان يكون الرضا قابلا للعدول عـنـه لاحقا وعدم معاملة الـذي اصدر الرضا كتعاقد فـي عقد، وان يستهدف الاذن تحقيق مصلحة جديرة بالرعاية، ومجانية التعامل فـي جسم الانسان .
ومما لا شك فيـه، انّ الـوضع القانوني هـذا الـذي ينظر مـن خلاله إلـى الانسان، وامكانية التعامل بجسده جزئيا وبإذنه، هـو وضع قانوني يخص إنسانا موجودا وله شخصية قانونية، ولم يزل عـلـى قيـد الحياة. فالحماية مقررة لـه بالتأكيـد، واذا مـا اردنا مقابلة هـذا الـوضع لحقوق الانسان وجسمه بموضوع الإستنساخ، فـإنّ المسألة تنقسم إلـى شقين: الشق الاول يشمله التنظيم القانوني لجسد الانسان، الـذي اوضحه الاستاذ الاهواني فـي الاشارة السابقة، وهـو شق يتعلق بجسد مـن يمنح الخلية والبويضة اللتين ستستعملان فـي عملية الإستنساخ. وهذا الشق ينظمه القانون بالتبرع، والتنازل عـن الخلية كجزء مـن الجسد والبويضة مـن مبيض امرأة لا يؤثر عـلـى الكيان المادي لجسم الانسان أو المرأة مانحة البويضة، ولكن كرامة الانسان تدخل فـي الاعتبار، ويمكن للنظام القانوني نفسه الـذي اشرنا إلـيـه لدى الاستاذ الاهواني، انّ يمنع هـذا التبرع بالنظر إلـى الهدف أو الغاية مـنـه انّ كـان يتعارض مـع كرامة الانسان وسموه ومصلحة الجنس البشري. امـا الشق الثاني، وهـو الـذي يتجاوز الحماية القانونية لجسم الانسان، فـهـو الشق الخاص بالشخص أو الجنين (الانسان بـعـد الميلاد فيما لـو تم الإستنساخه) المستنسخ، وهذا الشق يثير مسائل قانونية اكثر مـمـا يثيره النظام القانوني لحماية جسم الانسان، فـهـو اولا مشمول بالحماية القانونية لجسم الانسان، انطلاقا مـن انّ المولـود هـو انسان، وجسمه ايضا محل حماية ولا يجوز الاساءة إلـيـه ولكرامته كشخص. ومشكلة هـذا الشق مـن المسألة انّ الانسان لـم يستنسخ بـعـد، ولم يحكم عـلـى عملية الإستنساخه تكاثريا بأنها مأمونة العواقب، ولذلك فـإنّ مـا سيطرح كقضية قانونية هـو السماح بهذا الإستنساخ التكاثري أو منعه. امـا اكثر القضايا تعقيـدا فـي هـذا الشق، فـهـي عملية الإستنساخ بحد ذاتها؛ هل تعد اعتداء عـلـى الطريقة الطبيعية الـتـي يوجد بوساطتها الانسان المتمايز المتفرد فـي صفاته؟
والتساؤل الـذي طرح ايضا هـو: هل يجوز لنا انّ نحكم عـلـى انسان بـأن يوجد مستقبلا وقـد تحددت صفاته الجينية سلفا واصبح معروفا عـلـى خلاف الفطرة الـتـي يتكون عـلـى اساسها البشر؟ وقـد سبق انّ اشرنا إلـى مقولة الفاتيكان بهذا الخصوص، الـتـي ورد فيها انّ الانسان اصبح لـه الحق فـي تكون جيني غـيـر محدد سلفا ولا يمكن الإستنساخه. انّ تحديـد هويته سلفا فـي رأي الفاتيكان يشكل مساسا خطيرا بكرامته وبوصفه كائنا بشريا. وبيان الرأي فـي الإستنساخ البشري التكاثري سيكون هـو موضوع المطلب الثاني فـي هـذا المبحث.
المطلب الثاني
الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري التكاثري
تطورات الهندسة الـوراثية جعلت احتمال وجـود انسان مستنسخ امرا محتملا، وقـد زاد هـذا الاحتمال بـعـد الإستنساخ النعجة دوللي، اذ اثبت الإستنساخها امكانية الإستنساخ الفقاريات العليا، ووجود انسان مـن غـيـر اب لـم يحدث الا مرتين فـي الـتـاريـخ، ابونا آدم عليـه السلام خلقه الله – سبحانه وتعالى – مـن الطين، ثـم نفخ فيـه الروح، ليصبح اول انسان بلا اب وبلا ام، وكذلك المسيح الـذي ولدته العذراء مـن غـيـر اب. الإستنساخ البشري التكاثري يطرح امكانية وجـود انسان مـن غـيـر اب مـن جديـد. ويطرح امكانية التنسيل عـن غـيـر الطريق الجنسي المعروف.
الـذي لا شك فيـه اننا مدفوعون، بالتأكيـد إلـى محاولة استباقية لتـقـرير شيء مـا ازاء الموضوع وهـو اجراء تجربة الإستنساخ التكاثري عـلـى الانسان. فنظرا لاهمية الانسان، ونظرا لسموه عـلـى بقية المخلـوفات، ولان حقوقه مصونة، فـإنّ ذلك اوقع عـلـى البشرية عبء التوصل إلـى رأي وقرار فـي تجربة الإستنساخ البشر تكاثريا قبل انّ تحصل هـذه التجربة. ولان القانون لا يسمح بـمـا هـو ضار بالانسان وجسده بالاستناد إلـى حقوق مقررة لهذا الانسان، ولان الانسان لا يمانع فـي التجارب العلمية والطبية، ولا يقف عائقا فـي سبيل تقدم العلم، وما يحتمل انّ يجلبه هـذه التقدم مـن الخير للبشرية، فـإنّ الحكم عـلـى السماح بتجربة الإستنساخ البشري أو رفضه ، سيكون مرهونا بالحكم عـلـى التجربة بانها ضارة أو نافعة قياس عـلـى تجربة النعجة دوللي مـع الفارق بين الاثنين، وهذا الفارق كبير ومرعب فـي آن معاً، لان العلماء لن يستطيعوا الجزم بـأن مـاهو امن بالنسبة للنعاج سيكون كذلك بالنسبة للانسان.
لكن التقنيات تتقدم ، وامكانية التقدم العلمي واردة، والتحسين فـي مجال اجراء التجارب مستمر، ولاجل ذلك فـإنّ المخاوف الـتـي يضعها البعض عائقا فـي سبل السماح بالإستنساخ بشري، قـد تزول بمرور الزمن، فماذا سيكون عليـه الحال إذن النظام القانوني، فـي مجال الإستنساخ البشري مطلـوب مـنـه، انّ يجيب عـن مسألتين، الاولى: السماح بتجربة الإستنساخ البشري التكاثري أو منعها، والمسألة الثانية: كيف سيكون السبيل إلـى نظام قانوني يتعلق بالمسألة ولكنه لا يصادر عـلـى التقدم العلمي والتجارب. بالنسبة للمسألة الاولى، فـإنّ التساؤلات تتركز عـلـى مـا يتم التيقن مـنـه فـي الـوقت الحاضر مـن وجـود المضار أو المنافع، بالنسبة للفرد المستنسخ والمانح لخلايا جسمه مـن اجل الإستنساخ، وكذلك التحقق مـن موضوع الإستنساخ البشري التكاثري مـن حـيـث اثاره الضارة عـلـى البشرية كلها، وعـلـى حياة الناس اجتماعيا وعـلـى مكونات الثقافة بالنسبة للامم أو الانسان عـلـى العمومن.
الذين ذكروا فوائد مدعاة للالإستنساخ البشري ، ذكروا فوائد ، امـا انّ تكون متواضعة وغير مؤكدة كأن يستنسخ زوجين عقيمين احدهما مـن اجل انّ يكون الطفل المستنسخ ابنا لهما، وهذه الفائدة عـلـى تواضعها تنطوي عـلـى اشكالية ايضا، وهي عـدم وجـود النظام القانوني القادر عـلـى نسبة المولـود لهما، والارجح انّ ذلك لـو حصل فـهـو سينسب إلـى والد مانح الخلية وليس لمانح الخلية نفسه. امـا الفوائد العلاجية أو توفير الاعضاء البديلة، فهذه يتكفل بها نظريا حـتـى الان الإستنساخ الطبي وليس الإستنساخ البشري التكاثري.
وفي مقارنة هـذه الفوائد الـتـي يمكن التجاوز عنها مؤقتا، فـإنّ الاثار الضارة المعروفة حـتـى الان عـن طريق الحيوانات المستنسخة ، تتمثل فـي اعتلال الصحة، والعيوب الدموية والقلبية والشيخوخة المبكرة، واحتمالات حصول الطفرات الجينية .
ناهيك عـن الاثار غـيـر المحددة والمتعلقة بالمسألة الاجتماعية ، وغير الإجتماعية، وما يمثله الإستنساخ البشري التكاثري مـن تجاوز عـلـى حقوق الشخص المستنسخ (النسيل) ، حـيـث سيفرض عليـه خريطة جينية معروفة سلفا، وامراضا معروفة سلفا، وربما عمرا معروفا امده عـلـى الغالب سلفا، وهذا تعد ليس لـه حدود عـلـى شخص سيكون وجوده جريمة فـي حقه لـو ولد عـن طريق الإستنساخ. لـقـد قيل انّ : انّ المستنسخ سيكون شخصا بلا روح، والاديان تـقـر بـأن الروح تنفخ فـي الانسان عبر اطوار تخلقه بالطريق الطبيعي، وهـو مـا اشرنا إلـيـه سابقا فـي الـقرآن الكريم.
خلاصة القول : انّ القانون بمنطقه المعروف فـي حماية الانسان وجسده، وعن طريق الاسلـوب الفني الـذي تخلق فيـه احكام الـقـانـون عـلـى اساس الموازنة وترجيح المصلحة عـلـى الاضرار، فـإنّ موقف الـقـانـون مـن الإستنساخ البشري التكاثري هـو المنع والتحريم، ويجب انّ يكون ذلك تحت طائلة الجزاء.
امـا بخصوص المسألة الثانية فـإنَّـه، حـتـى لا يكون الـقـانـون سببا فـي منع التقدم العلمي والتجارب، يـجـب انّ يتضمن الـقـانـون الـذي يمنع تجار الإستنساخ البشري التكاثري مـا يفيـد أنـه يمكن اعادة النظر مستقبلا فـي الموضوع، إذا مـا تغيرت المعطيات، بسبب التقدم العلمي والتجارب، فالقانون حينئذ لا يمانع في تجارب انّ ثبت انّـهـا تحل مشكلة للانسان، وانها كانت مأمونة العواقب. لذلك فاننا نكرر هـذا القول عـلـى شكل توصية ندعو فيها جميع الدول إلـى اصدار قوانين تحرم التجارب عـلـى الإستنساخ البشري التكاثري، وان تكون هـذه القوانين متضمنة مـا يشير إلـى استمرار الحكم إلـى انّ تتغير الظروف، وتغير الظروف يـجـب انّ يكون مـن خلال الاعلان عـنـه مـن قبل هيئة عالمية، وندعو الامم المتحدة والدول إلـى السعي لايجادها، لتعطي هـي اشارة البدء بالسماح بالتجارب انّ اصبحت امنة، وان يكون ذلك مـن خلال اذن تسمح بــه الهيئة نفسها باجراء التجارب الـتـي لـن يسمح بها الا إذا كـان هدفها المصلحة للعموم.
المطلب الثالث
الموقف القانوني مـن الإستنساخ البشري العلاجي
الإستنساخ البشري العلاجي يبدأ بالخطوات نفسها الـتـي تبدا فيها عملية الإستنساخ ، ولكن قبل نهاية 14 يوما عـلـى الجنين، أو بمعنى اخر عـلـى الخلايا الـتـي بدأت بالانقسام، يصار إلـى وقف العملية واخذ الخلايا الناتجة مـن الانقسام، بوصفها خلايا جذعية سيتعامل معها مـن اجل توجيههها للتخصص فـي انتاج نوع مـن الاعضاء أو الانسجة، وذلك باستخدام تقنيات الزرع فـي المخابر. هـذا الإستنساخ الموعود سيعطي قطع غيار، واعضاء بديلة للاعضاء المعتلة عند الانسان المريض، وهذه الانسجة لن يرفضها جسمه أو جهازه المناعي؛ لانها متجانسة وهي اصلا مـن هـذا الجسم.
تثار هنا قضية انّ بعضا مـن الفقهاء ومـن رجال الدين، يعدون مثل هـذا النوع مـن التجارب أو الإستنساخ مرفوضا ايضا؛ لان الغاء وجـود جنين خلال الاربعة عشر يوما الاولى، هـو بمنزلة القتل لهذا الجنين، وفي ذلك حرمة ورفض خصوصا مـن الناحية الدينية.
وفي الجانب المسحي، دعا الفاتيكان إلـى استخدام خلايا جذعية مـن المشيمة أو الحبل السري بـعـد انشاء بنك للمشيمة، ولكن هـذا البديل حقيقة لن يغني عـن الإستنساخ البشري العلاجي ؛ لان المشيمة لن تحفظ الا مـن قبل مـن سيولدون حديثا، وكل مـن تعدوا سن الـولادة الحديثة لن يستفيـدوا مـن هـذا البديل. اضف إلـى ذلك انّ نسبة ضيئلة جدا مـن الذين سيولدون بـعـد الان هـي الـتـي ستحفظ لها مشيمتها فـي البنوك.
امـا فـي الشريعة الاسلامية، فـقـد ثبت انّ هنالك رأيا فـي الفقه الاسلامي يسمح باسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيـه لاسباب علاجية، وبناء عليـه يتوصل بعض الفقهاء فـي الـوقت الحاضر إلـى عـدم الممانعة فـي مثل هـذا النوع مـن الإستنساخ . ونفخ الروح يستند فيـه الفقه الاسلامي إلـى النصوص ، بخاصة الحديث الشريف الـذي ورد فيـه انّ الجنين يجمع فـي بطن امه 40 يوما ثـم يكون علقة 40 يوما، ثـم مضغة مثل ذلك، ثـم تنفخ الروح فيـه بواسطة ملك، وتوصل الفقه إلـى القول بـأن الروح تنفخ عند 120 يوما مـن عمر الجنين، وقال جانب اخر مـن الفقه بـأن الروح تنفخ عـلـى اربعين يوما. والروح لا يعرف عنها شيء وهي مـن امـر الله، ولا يوجد فـي كتب الطب الـتـي تعني بالاجنَّة مـا يشير إلـى تغير يطرأ عـلـى الجنين فـي اليوم الـ 120 ، أو اليوم الـ 40 مـن عمره، لكن العلماء يقولـون: أنـه عند بلـوغ الـ 120 يوما يبطىء النمو وتأخذ الاعضاء حجمها النسبي وتتصلب العظام .
الإستنساخ العلاجي اذن، نوع مـن العلاج ، وفي الـوقت الحاضر، كـمـا اسلفنا سابقا ، فـإنّ الدول عادت إلـى السماح بمثل هـذه التجارب، واخر اعلان لايان ويلموت قـال فيـه انّ معهد روزلين سيقوم بهذا النوع مـن التجارب مـن اجل علاج بعض الامراض المستعصية. ولم يعد مثل هـذا النوع مـن الإستنساخ ممنوعا. لا فـي الـولايات المتحدة ، ولا فـي بريطانيا، وكذلك المانيا وان كانت تستورد الاجنَّة، وتقدير هـذا النوع مـن الإستنساخ لاعطاء الرأي القانوني فيـه، يعتمد عـلـى مسألتين: الاولى تتعلق بالسماح بالغاء وجـود الجنين المتكون مـن عملية الإستنساخ خلال الاربعة عشر يوما الاولى،والتأكد مـن انّ القانون لا يمانع ذلك. امـا المسالة الثانية، فهي تقدير التجارب العلاجية واذا مـا كانت ستوجه فقط إلـى مصلحة المرضى ولغايات شفائهم.
امـا بالنسبة للمسالة الاولى فـإنّ الموقف القانوني لدينا يتكون بناء عـلـى ثقافات شتى، والشريعة الاسلامية تعتبر مكونا رئيسيا مـن مكونات هـذه الثقافات، وبما انّ الفقه الاسلامي اباح اسقاط الجنين لاسباب علاجية- وقـد اشرنا للفتوى بهذا الخصوص فـي الهامش 73- فاننا لا نرى مـا يمنع مـن القيام بالالإستنساخ العلاجي. كـمـا انّ وجهة النظر القانونية فـي العديـد مـن الدول تسمح بهذا النوع مـن الإستنساخ، وخصوصا الدول الغربية المسيحية الـتـي بدأت التجارب فيها وتكونت وجهة النظر القانونية لديها عـلـى الرغم مـن تحفظات الكنيسة.
امـا المسالة الثانية وهي تقدير التجارب العلاجية، ومراقبة الـوجهة الـتـي ستتجه اليها فيما إذا كانت فـي مصلحة المرضى ولغايات العلاج فقط، فاننا نفضل انّ تكون هنالك هيئة دولية تعنى بشؤون الإستنساخ ، وتكون هـي المسؤولة عـن اعطاء الاذن للمعاهد المتخصصة والعلماء باجراء هـذه التجارب عـلـى الإستنساخ العلاجي، وهي الهيئة الـتـي تضمنتها توصياتنا السابقة.
الخاتمة
الإستنساخ البشري ، تلك القضية الساخنة الـتـي اطلقها الاعلام عالميا، بـعـد انّ اعلن فريق البحث الاسكتلندي عـن ميلاد النعجة دوللي عـن طريق الإستنساخ. كـان لا بد مـن ابداء الرأي فيـه مـن وجهة نظر قانونية.
فموضوع الإستنساخ مـا زال فـي طور البدايات، وهـو موضوع خطير جدا، يـجـب انّ لا يترك العلماء فـي مجال لعلـوم البيولـوجية، الذين قـد تستدرجهم الشهرة إلـى الـوقوع فـي مـا يمكن انّ يترك اثرا ضارا عـلـى البشرية وصحة الناس.
ولا يمكن لمن يريـد انّ يـدلي بدلـوه للفتوى فـي الموضوع قانونيا أو شرعيا الا انّ يلم بالحد الادنى الـذي يمكنه مـن تعرف الموضوع ، لانه دون هـذه المعرفة لا يمكن اعطاء الرأي ، فالانسان لا يعطي رأيا بـمـا يجهل.
وموضوع الإستنساخ عـلـى صعوبته حاولنا فـي هـذه الدراسة تعريفه بشكل مبسط، يمكن الباحث فـي القانون ومجال تخصص العلـوم الانسانية والاجتماعية مـن تعرفه بالحدود الدنيا.
لـم يكن مقبولا حـتـى النهاية الا يعطي الرأي فـي الموضوع بحجة عـدم معرفته جيـدا، ونحن لا نقول: اننا قدمنا كـل شيء عـن الإستنساخ ، وانما مـا يكفي، ليمكن للمتخصص فـي القانون أو الشريعة أو العلـوم الاجتماعية الاخرى ابداء الرأي فـي المسالة.
هنالك مـا يلفت النظر فـي بعض الاراء الـتـي قيلت فـي الإستنساخ بانه تغيير فـي خلق الله ، ومحاولة التعدي عـلـى صنعه الإله فـي الخلق، مـع العلم بـأن الخالق يخلق مـن العدم، ولم يفعل العلماء الذين استنسخوا النعجة دوللي سوى الاستهداء بالناموس الـذي وضعه الله للخلق والتكاثر، ولم تكن وسائلهم سوى الخلية وما بداخلها مـن اعجاز المورثات ، وكذلك البويضة، وكلتاهما مـن خلق الله وليس مـن خلق العلماء الذين يقومون بالتجارب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المحامي فائق زيدان
اترك تعليقاً