بحث ودراسة عن الاثار القانونية لرفع الحصانة النيابية
انشغل الشارع خلال الايام الماضية في قضية طلب رفع الحصانة واعتبر البعض ذلك تفريغا للدستور من محتواه بالرغم من ان طلب رفع الحصانة ورد من خلال جهة قضائية تنظر في شكوى جزائية من احد البنوك تجاه عضو في مجلس الامه سبق ان مثل للتحقيق امام النيابة العامه في خلفية البلاغ المقدم ضده وان كان طلب رفع الحصانة سواء تمت الموافقة عليه او رفضه لا يحول دون استئناف اجراءات الدعوى لاحقا في غير مدة انعقاد مجلس الامه وفق نصوص الدستور فان مبرر التمسك بالحصانة الاجرائية يكون منتفيا طالما انتفت الكيدية عنه وفق الثابت من قبول النيابة العامه اقامة وتحريك الدعوى الجزائية كما ان ليس للحكومة ان تمتنع عن احالة طلب رفع الحصانة الى مجلس الامه او تقوم في سحبه باعتبار انها ليست طرفا في الطلب اذ انها ليست الطالبة وليست الشاكي وامتناعها عن احالة الطلب امتناع يعاقب عليه القانون في مواجهة السلطة القضائية . ومن خلال ما يلي يتم استعراض بعض الاراء التي تناولت عدم المسؤولية النيابية والحصانة الاجرائية والتمييز بينهما والية تنظيم حق لتقاضي وفق الدستور وقانون اللائحة الداخلية لمجلس الامه بالاضافة الى احكام للمحكمة الدستورية الكويتية والمحكمة المصرية ورأي كل من رئيس مجلس الدولة المصري المستشار ميلاد سيدهم واستاذ القانون الدستوري الدكتور عادل الطبطبائي .
السند الدستوري والتشريعي للحصانة
تنص المادة 110 على ان (عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال)
ومما سبق يتضح ان المقصود في عدم المسؤولية في نص المادة هو ما يبديه العضو من اراء وافكار فقط , فلا يمتد الى الافعال المادية التي تحظى بنص تجريمي في القانون مثل الاعتداء بالضرب او التزوير في ورقة رسمية فالتحصين الوارد فيما يخص الاراء والافكار يحمي النائب من تهم السب والقذف وهي المرتبطة بذلك الوصف وذلك كي يكون النائب قادرا على ابداء كافة ارائه دون قيد او محاذير تحول دون ممارسته للدور المطلوب الا ان تجاوزها الى ارتكاب فعل مادي يمثل جريمه يخرج الحصانه عن مفهوم الاراء والافكار .
فالماده سالفة الذكر عبرت عن جانب عدم المسؤولية النيابية ونطاقها واضح بهذا الخصوص اما المادة 111 فتناولت الحصانة الاجرائية والتي تنص على ((لا يجوز أثناء دور الانعقاد ، في غير حالة الجرم المشهود ، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي أخر إلا بإذن المجلس ، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق ، كما يجب إخطاره دوما في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه ، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن)) وبالتالي فهي تمتد الى ما يقع خارج المجلس ولجانه دون التحصين من المساءلة والنص في المادة بخلاف المادة السابقة لا يتضمن اباحه مطلقه وانما هو مجرد تحصين مؤقت من الاجراءات يزول بانقضاء المجلس او فيما بين ادوار الانعقاد او بانتهاء عضوية النائب بالاستقالة او لاي سبب اخر او متى وافق المجلس على مباشرة الاجراءات برفع ذلك التحصين المؤقت والذي يهدف الى تمكين النائب من ممارسة دوره كعضو في مجلس الامه بمنأى عن تأثير اي جهة كانت على حضوره وانصرافه وتواجده في مجلس الامه الا ان هذه الحصانة الاجرائية لا تحول دون اتخاذ الاجراءات ضد العضو في غير فترات انعقاد مجلس الامه ولا يسقط الاتهام عنه ولا يعتبر عدم موافقة المجلس والاذن برفع الحصانة انهاء للدعوى او البلاغ المقام ضد النائب او تبرئته اذ يجوز للمجني عليه ان يستأنف اجراءات شكواه في اي وقت لا يكون مجلس الامه في حالة انعقاد كما تجدر الاشارة الى ان الحصانة الاجرائية سالفة الذكر لا تحول دون اقامة الدعوى المدنية حتى في ظل انعقاد مجلس الامه كما يجوز التحفظ والحجز على اموال النائب قضاءا لدعوى مدنية اوتجارية او ادارية طالما لا تمس الاجراءات التنفيذية لاي حكم شخص النائب او تقيد من حريته وحركته وتنقله الا اذا كانت صفة العضوية قد زالت او انقضت مدة المجلس او كان في عطلته النيابية كما ان الحصانة تنحصر في النطاق الجغرافي للدولة فلا تحول دون اي شكوى تقام ضد النائب في اي بلد اخر .
ومما ينوه عنه ان اي اجراء في حالة الجرم المشهود يتوجب معه اخطار المجلس بذلك كما يتوجب اخطار المجلس في اول دور انعقاد اذا ما كان قد تم اتخاذ اجراءات تجاه احد اعضاء مجلس الامه في غير ادوار انعقاد المجلس ووضع الدستور قيدا على مجلس الامه في ان يفصل في طلب رفع الحصانه خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ اخطاره وليس من تاريخ طلب الجهة القضائية اذ اخذ بثبوت العلم اليقيني لمجلس الامه في طلب رفع الحصانة بان جعل جزاء ذلك اعتبار الصمت اذن بالموافقة وذلك كي لا يتعسف المجلس في عدم حسم طلب رفع الحصانة وتعطيل ممارسة السلطة القضائية اوجهات التحقيق لدورها اذ قد ترد الموافقة في وقت لاحق على الميعاد وبعد مدة طويلة مما يكون معه حق الشاكي ضد النائب قد تأثر باي صورة كانت .
وجاءت المادة 19 والمادة 20 من اللائحة الداخلية لمجلس الامه تكرار لنص المادتين 110 و111 من الدستور وان كانت المادة 20 قد نصت بالزيادة قولا بانه يجوز لمجلس الامه ان يطلب وقف الاجراءات التي تمت تجاه اي من النواب خلال غيبة المجلس متى اخطر بها عند استئناف انعقاده كما اوضحت المادة 21 من اللائحة ان الطلب يقدم لرئيس مجلس الامه من قبل الوزير المختص ولم تحدد وزيرا بذاته على سند بان الطلب يكون من خلال الوزير المعني الذي تتبع له الجهة المنوط بها تحريك اجرءات الشكوى الجزائية فان كانت الادارة العامة للتحقيقات يكون وزير الداخلية وان كانت النيابة العامة او المحكمه فانه يكون وزير العدل ولم يشأ المشرع تسمية وزير بذاته الا ان المادة منحت شخصا اخر حق تقديم الطلب وهو من يريد رفع الدعوى الى المحاكم الجزائية وهنا يكون الشاكي.
وحددت المادة للوزير ان يرفق بالطلب اوراق القضية المطلوب اتخاذ اجراءات جزائية فيها وان يرفق الفرد صورة من عريضة الدعوى التي يزمع رفعها مع المستندات المؤيدة لها.
واكدت المادة على ان الطلبات تحال من قبل رئيس المجلس الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية.
وان كانت المادة سالفة الذكر نصت على ان تتولى اللجنة ذلك بصفة الاستعجال الا ان المادة 22 وضعت قيدا على اللجنة البرلمانية اذ جاء ذلك القيد بالنص ((لا تنظر اللجنة او المجلس في توافر الادلة او عدم توافرها من الوجهة القضائية وانما يقتصر البحث فيما اذا كانت الدعوى كيدية يقصد بها منع العضو من اداء واجبه بالمجلس، وياذن المجلس باتخاذ الاجراءات الجزائية متى تبين له انها ليست كذلك.))
ومما سبق يتضح ان المادة ختمت امرها في ان يأذن المجلس في رفع الحصانة متى ثبت للجنة عدم الكيدية في الدعوى المقامة ضد عضو مجلس الامه والا فيتم الاذن .
وتجنيبا للعضو من اي حرج قانوني وسياسي فقد نصت المادة 23 على انه ((ليس للعضو ان ينزل عن الحصانة النيابية من غير اذن المجلس.)) وبالتالي فان لعضو مجلس الامه ان يطلب النزول عن الحصانة الا ان ذلك مرهون بمدى قبول المجلس لطلبه .
اراء دستورية في الحصانة
وفي موضوع الحصانة رأي للمستشار ميلاد سيدهم رئيس مجلس الدولة المصري اذ يقول في محاضرة على أعضاء هيئة قضايا الدولة سنة 2008 بمناسبة إنعقاد المؤتمر الذى نظمه مشروع دعم القدرات فى مجال حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يقول (ان الحصانة البرلمانية تحول دون اتخاذ “أية إجراءات جنائية” ضد العضو إلا بإذن “مجلس الشعب” أو مجلس الشورى حسب الأحوال ، وبالتالي فهي تنصرف إلى إجراءات التحقيق والمحاكمة الجنائية، ولا شأن لها بالدعوى ولا تمنع من قيام المسئولية الجنائية أو المدنية.
ويضيف ان الحصانة أيضاً لا تعفى من المسئولية الجنائية ويمكن أن تظل قائمة فى إنتظار الإذن برفعها أو بزوالها لأى من أسباب زوال الحصانة على النحو السابق بيانه
وهى على ذك لا تعفى من المسئولية الجنائية على خلاف الجرائم التى تقع من العضو داخل المجلس عما يبديه من أفكار وآراء فى أداء أعماله فى المجلس أو فى لجان فإن المادة (98) من الدستور(المصري) قد أوجدت له سبب إباحة يعفيه من المسئولية بقولها “لا يؤاخذ أعضاء المجلس عما يبدونه من الأفكار والآراء فى أداء أعمالهم فى المجلس أو فى لجانه” وهو سبب يسرى أيضاً بالنسبة إلى عضو مجلس الشورى بنص المادة (205) من الدستور بالإحالة عليه .
والحصانة البرلمانية لا تعفى من المسئولية الجنائية فإن الإتهام يظل يلاحق العضو بعد إنتهاء عضويته بالمجلس بأحد الإتهامات التى لم يتم رفع الحصانة بالنسبة لها ما لم تكن قد سقطت الدعوى الجنائية عنها بالتقادم.)
ويورد الدكتور عادل الطبطبائي في مؤلفه النظام الدستوري في الكويت في تعليقه على الحصانة الموضوعية الواردة في نص المادة 110 من الدستور اذ يقول (واذا كانت الحصانة النيابية الموضوعية مقصورة على الاقوال والافكار التي يبديها العضو ,فهي لا تشمل اذن الافعال المادية التي يرتكبها العضو , مثل اعتدائه على زميل له بالضرب داخل المجلس , او ان يعمد الى احداث تزوير في محاضر جلسات المجلس او احدى لجانه ,ففي هذه الحالات يمكن ان يسأل العضو مدنيا وجزائيا على اساس الاوضاع القانونية المقررة .ذلك لان عدم مسئولية عضو البرلمان عن ارائه التي يبديها في البرلمان تعتبر من قبيل حماية العضو في اداء وظيفته , فلا يمكن ان تعد الاعمال المادية من وسائل الحماية للنائب .)
ويضيف ( فإذا “الاراء والافكار” كانت قد ابديت خارج البرلمان ,ولو بمناسبة الاعمال البرلمانية ,كأن يلقي محاضرة عامة عن اعمال المجلس او انجازاته ,فان العضو يسأل في هذه الحاله اذا كان ما ادلى به يكون جريمة او يستوجب المسؤولية المدنية .)
ويستشهد الدكتور الطبطبائي في معرض حديثه الى تشكيل مجلس الامه في الفصل التشريعي الخامس لجنة تحقيق في اتهامات احد الاعضاء لجهازالبلدية بانه جهاز فاسد واتهام الموظفات بما يمس سمعتهن بعدما تقدم مجموعة من موضفي البلدية بشكوى ناقشها مجلس الامه ردا منهم على الاتهامات التي ساقها العضو في احدى الجلسات .
ويفسر الدكتور عادل الطبطبائي الحصانة الاجرائية وفق المادة 111 من الدستور بانها لا تعني رفع الصفة الجرمية عن تصرفات العضو ومن انه في الحالات التي تنتفي فيها شبهة الكيدية اواعاقة العضو عن اداء وظيفته البرلمانية لم يعد هناك سبب لهذه الحصانة الا انه يؤكد ايضا بحسب رأيه ان الاذن برفع الحصانة لا يشمل الا الواقعة التي قدم الطلب بشانها ,فاذا جدت وقائع جديدة وجب تقديم طلب جديد برفع الحصانة .
موقف الدستور والقضاء الدستوري من حق التقاضي والفصل بين السلطات في ذلك
تنص المادة 166 من الدستور((حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق.)) كما يستلزم التوكيد على استقلال السلطة القضائية وعلى ما نص عليه الدستورالكويتي حيث تنص المادة 162((شرف القضاء، ونزاهة القضاء وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات.)) وتنص المادة 163((لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل.))
وعليه فانه وفق ما سبق من نصوص دستورية لا يمكن لمن اقيمت عليه الدعوى ان يبدي تخوفا من اي اتهام يوجه اليه في ظل هذه الضمانات التي قررها الدستور الكويتي وتضمنت التشريعات اللاحقه تطبيقا لهذه الضمانات في اطارالتطبيق الفعلي وفي ظل وجود درجات عده للتقاضي وفرص للدفاع والتزام بقانون الاجراءات وقانون المرافعات فيما تضمنه من كفالة فرص الدفاع وضمانات سير التحقيق وهي ضمانات مقدمه امام نظر المحكمه على نظر موضوع الدعوى القضائية اضافة الى ان الدستور قد نص في المادة 167((تتولى النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع، وتشرف على شئون الضبط القضائي، وتسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المدنيين وتنفيذ الأحكام. ويرتب القانون الهيئة وينظم اختصاصاتها ويعين الشروط والضمانات الخاصة بمن يولون وظائفها. ويجوز أن يعهد بقانون لجهات الأمن بتولي الدعوى العمومية في الجنح على سبيل الاستثناء، وفقاً للأوضاع التي يبينها القانون.))
ومما سبق يتبين ان ما يتحول من اتهام الى القضاء يبقى الفصل فيه للمحكمه وحينها ليس للشاكي ولا للنيابة سلطان على المحكمه في قضائها مما يدفع النفوس للاطمئنان لوجود الدعوى لدي سلطة قضائية لها استقلالها التام وللقاضي استقلاله الكامل عن نظام السلطة بشكل عام .
ان مقصد المشرع التاريخي في شأن الحصانة الاجرائية هو الحيلولة دون ممارسة السلطة التنفيذية اجراءات القبض والاحتجاز بواسطة جهات التحقيق او رجال الشرطة ضد اي من اعضاء البرلمان بهدف الحيلولة او اعاقتهم من حضور بعض الجلسات البرلمانية وفق ما كان يحدث في ابان الثورة الفرنسية وذلك ما قصده ايضا المشرع الانجليزي وليس القصد منه حجب ممارسة السلطة القضائية لاختصاصها فقد تنتهي الى القضاء بالبراءة اذ ان الدستور والقانون نصا على انه لا جريمة دون نص ولا عقوبة دون جريمه وبالتالي فان العداله متحققه في النصوص والتطبيق حيث تنص المادة 32 من الدستور ((لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الافعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها))
وجاء في حكم المحكمة الدستورية الكويتية ((كما أنه من ناحية أخرى فقد تضمن الدستور النص في المادة (29) منه على أن الناس لدى القانون سواء، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولما كان حق التقاضي من الحقوق العامة التي كفل الدستور المساواة فيها بين الناس أجمعين، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه وهو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من الأفراد الذين لم يحرموا من هذا الحق، ولا ريب في أنه إذا حدد الدستور وسيلة معينة هى المطالبة القضائية للوصول إلى الحق تعين التزام هذه الوسيلة، ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تهدرها، فالدستور وإذ أنشأ السلطة القضائية وأسند إليها الفصل في الخصومات القضائية وإقامة العدل بين الناس في حيدة وتجرد مستقلة عن باقي السلطات الأخرى، فإنه لا يتأتى للسلطة القضائية أن تباشر هذه الوظيفة التي أسندها إليها الدستور إلا إذا تمكن الأفراد من ممارسة وسيلة المطالبة القضائية، لاسيما وإنها لا تختص بإنزال حكم القانون إلا في منازعات ترفع إليها من أصحاب الشأن، وينبني على ذلك أن كل تقييد لوسيلة المطالبة القضائية هو في حقيقته تقييد لوظيفة السلطة القضائية في مزاولة اختصاصها، بما ينطوي عليه ذلك من تعارض مع مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في المادة (50) من الدستور، وإهـدار للحقوق ذاتها التي كفلها الدستور، فضلاً عن انه ليس من شأن النص في المادة (164) من الدستور على أن يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها، والذي ينصرف إلى تخويل المشرع اختصاصاً في توزيع العمل بين المحاكم وتقسيمه بحسب نوعه وطبيعته وما يرتبط بذلك من بيان لاختصاصاتها وفقاً لما يقتضيه صالح العمل ودواعي المصلحة العامة، ليس من شأن ذلك أن ينسحب إلى تخويل السلطة التشريعية في عزل القضاء عن ممارسة اختصاصه الأصيل بنظر الخصومات القضائية أو تعطيل وظيفة السلطة القضائية، أو حجب الوسيلة القضائية عن الأفراد التي يمكن من خلالها حماية حقوقهم وحرياتهم. ))
كما جاء في حكم للمحكمة الدستورية المصريةرقم رقم 15 لسنة 17 ((وحيث إن ضمان الحق فى الخصومة القضائية، لا يكون إلا بوصفها طريقا وحيداً لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه صراحة فى المادة 68 من الدستور؛ وكان هذا الحق يعتبر لازما لإنفاذ سيادة القانون التى عقد لها الدستور بابا مستقلا، هو بابه الرابع، محدداً فيه تلك القواعد التى لا تقوم سيادة القانون -فى تقديره- بدونها، وهى قواعد تتكامل فيما بينها، ودل بها على أن سيادة القانون فى الدولة، هى محور نظامها القانونى وأساس شرعيتها، و أن ممارستها لسلطاتها، لم تعد امتيازا شخصيا لأحد، ولكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها، مقيدة فى ذلك بقواعد قانونية تعلوها، وتعصمها من جموحها لضمان ردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها . وإذ كان الدستور، قد أقام من حصانة القضاء واستقلاله، ضمانين أساسيين لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فقد أضحى لازما -وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية- أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح فى الدستور، كى لاتنعزل حقوق الأفراد وحرياتهم عن وسائل حمايتها، بل تكون معززة بها، وتقارنها، لضمان فعاليتها ))
واضاف الحكم ((أن إنكار أو تقييد الحق فى الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أومن خلال تقديمها متراخية متباطئة دون مسوغ، أو إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها عيباً جوهريا، إنما يعد إهداراً أو تهوينا من الحماية التى يفرضها الدستور أو القانون للحقوق التى وقع الإخلال بها، بما ينال من جوهر هذه الترضية، ولايدفعها لكامل مداها، ليتمحض ذلك عدوانا على حق التقاضى ينحل إلى إنكار للعدالة فى أخص مقوماتها، على أن يكون مفهوما أن هذا الإنكار، لايقوم فى محتواه على مجرد الخطأ فى تطبيق القانون، بل هو الاخفاق فى تقديم الترضية القضائية ذاتها، و بوجه خاص كلما كانت الوسائل القضائية التى أتاحها المشرع للخصوم، لاتوفر لمن استنفذها الحماية اللازمة لصون الحقوق التى يدعيها، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التى يأملها، لاطائل من ورائها•
وحيث إن الترضية القضائية التى لاتقترن بوسائل تنفيذها، لحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، تغدو وهماً وسرابا، وتفقد قيمتها عملا، بما يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها، وإهدار الحقوق التى كفلتها، وتعطيل دور السلطة القضائية فى مجال تأمينها، وإفراغ حق اللجوء إليها من كل مضمون . وهو كذلك تدخل فى أخص شئونها، وعدوان على ولايتها، بما يقلص دورها، وينال من الحدود التى تفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية يؤيد ذلك أن الحماية القضائية للحق أو الحرية -على أساس من سيادة القانون والخضوع لأحكامه- لازمها التمكين من اقتضائها، والعمل من أجل تنفيذها، ولو باستعمال القوة عند الضرورة. وحيث إن الدستور حرص بنص المادة 68، على أن يكون لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأً للفصل فيها، وكان هذا الحق مخولا للناس جميعا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكونا لانتفاع بهذا الحق، مقصورا على بعضهم، ولامنصرفا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولامحملا بعوائق تخص نفرا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطا وفق أسس موضوعية لاتمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولاتصل فى مداها إلى حد مصادرته. وحيث إن ضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة 69، لايمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معا فى دائرة الترضية القضائية التى يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية))
اترك تعليقاً