بحث و دراسة عن جريمة الاجهاض بين الشريعة و القانون
مفهوم الإجهاض وموضعه من السياسة الجنائية .
تمهيد وتقسيم:-
تحتاج فكرة الإجهاض في تحديد مفهومه وموضعه من السياسة الجنائية إلي بيان تعريف الإجهاض من الناحية اللغوية والطبيعية ، ثم لا سيما ، من الناحية القانونية التي قد تتفق أو تختلف مع تعريف الإجهاض عند أهل الطب ، ثم نرى وجهة القضاء سوء في الأردن أو في مصر لنستخرج من كل ذلك , ما يمكننا من تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال.
لذا اختلفت المجتمعات في كيفية معالجة الإجهاض باختلاف درجة الوعي الصحي والنضج العقلي عند أفرادها , كما أن الطوائف الدينية في العالم يشجعون عل زيادة النسل ويخصصون جوائز لمن ينجب عدداً أكبر من الأطفال 0 ولذلك كان حري بنا أن نتطرق لموقف التشريعات السماوية من الإجهاض وفق ترتيب نزولها السماوي , بادئين باليهودية مارين بالمسيحية ، مختتمين بشيء من التعمق الشريعة الإسلامية وموقفها من الإجهاض والعقاب عليه وفق المراجع المتاحة , ونتبعه بدراسة لموقف بعض القوانين الوضعية من الإجهاض .
ووفقاً لما سبق سنقسم هذا الفصل إلي مبحثان ويتناول كل مبحث مطلبين وهو على النحو التالي من التقسيم:-
المبحث الأول:- تعريف الإجهاض تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال .
المطلب الأول:- تعريف الإجهاض .
المطلب الثاني:- تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال .
المبحث الثاني:- موقف الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في الإجهاض .
المطلب الأول:- موقف الشرائع السماوية في الإجهاض .
المطلب الثاني:- موقف القوانين الوضعية في الإجهاض .
المبحث الأول
تعريف الإجهاض وتميزه عما يشتبه به من أفعال
تمهيد وتقسيم:-
من الجدير بالذكر أنه لم يرد في القانون تعريف للإجهاض حيث أن القانونين محل المقارنة لم تعرف الإجهاض وإنما ترك أمر تعريف الإجهاض للفقه والقضاء مما أدى إلي الاختلاف في التعريف , كما أن دراسة الإجهاض كظاهرة اجتماعية توضح لنا الحدود الفاصلة بين الإجهاض وبين الأفعال المشابه له مثل منع الحمل والقتل , وعليه ينقسم هذا المبحث إلي مطلبين , نتناول في المطلب الأول تعريف الإجهاض , إما المطلب الثاني فيتناول تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال على النحو التالي من التقسيم:-
المطلب الأول: تعريف الإجهاض.
المطلب الثاني: تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال.
المطلب الأول
تعريف الإجهاض
معظم التشريعات لا تعرف الإجهاض , وإنما تترك ذلك للفقه والقضاء مما أدى إلي الاختلاف حول تعريف الإجهاض , وهذا ما سيدرسه الباحث على النحو التالي .
الفرع الأول
تعريف الإجهاض من الناحية اللغوية والطبيعية والقانونية .
أ – تعريف الإجهاض من الناحية اللغوية
الجنين في اللغة هو ” حمل المرأة ما دام في بطنها ” فإن خرج فهو ” ولد ” وأن خرج ميتا فهو ” سقط ” وقد يطلق عليه أنه جنين أيضا(1), كما يعني الإجهاض في اللغة إسقاط الجنين قبل أوانه بحيث يؤدي ذلك إلي وفاته ويسند الفعل إلي المرأة نفسها فيقال أجهضت المرأة فهي مجهض إذا أسقطت جنينها وألا يقال أجهضها بمعنى جعلها تسقط جنينها وأصلها الناقه فقد جاء في القاموس المحيط , المجهض هو الولد السقط أو ما تم خلقه ونفخ فيه روحه من غير أن يعيش , وأجهض الناقة ألقت ولدها وقد بنت وبره فهي مجهض(1), وقد جاء تعريف الإجهاض بمعني أخر وهو إسقاط الجنين ناقص الخلقة وناقص المدة سواء من المرأة أو من غيرها قبل الموعد المحدد للولادة (2) .
ب- تعريف الإجهاض من الناحية الطبيعية.
ويعني الإجهاض من الناحية الطبيعية الوضع المبتسر ، فالإجهاض وضع لأن فيه إخراج أو طرح ناتج الحمل وهو مبتسر لأنه يحدث قبل الأوان أي قبل أن يتم الجنين الأشهر الرحمية المقررة , لهذا يعرف الإجهاض بأنه خروج متحصلات الرحم قبل تمام الأشهر الرحمية(3), ما يعرف بأنه إخراج الجنين عمداً من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته أو قتله عمداً في الرحم(4), كما أنه كل طرد للبويضة الملحقة (5), أو إنهاء الحمل قبل الأسبوع الثامن والعشرين أي في السبعة الأشهر الأولى من بدء الحمل(6).
جـ- تعريف الإجهاض من الناحية القانونية :-
ذهب البعض إلي اختلاف موقف التشريعات الوضعية من تعريف الإجهاض مثل قانون العقوبات الأردني وقانون العقوبات المصري شأنها في ذلك شأن الكثير من التشريعات الوضعية بحيث لم تضع تعريفاً للإجهاض(7), على عكس القانون الألماني الذي عرف الإجهاض بأنه قتل الجنين في الرحم(Cool, وقد أدى إلى هذا اختلاف نظرة الفقهاء نحو القيمة أو الحق الذي يحميه القانون من تجريم الإجهاض ذلك أن البعض يرى أن القانون أراد حماية الجنين(1)، بينما يرى البعض الآخر أن القانون أراد ضمان تطور الحمل الطبيعي(2).
فإذا أخذنا بالرأي الأول فإن الإجهاض هو نوع من القتل أو بالأحرى قتل الطفل والنتيجة المنطقية للأخذ بهذا الرأي هي أن الجريمة لا تقوم إذا لم تنعدم حياة الطفل لأن القتل لا يكون قد تحقق .
إما الرأي الثاني فيقول أن هناك إجهاض بالمعنى القانوني لهذا التعبير كلما أنقطع تطور الحمل بواسطة وسيلة غير طبيعية أيا كانت والظاهر أن أكثر المؤلفين الحديثين يؤخذون هذا الرأي ويرفضون نتائج الرأي الأول يعتبرون موت الطفل شرطاً أساسيا للجريمة)3(.
أما العلامة جارو فقد عرف الإجهاض بأنه “الطرد المبتسر الواقع إرادياً لمتحصل الحمل”(4), كما عرف الإجهاض على أنه إخراج الحمل من الرحم في غير موعده الطبيعي عمداً وبلا ضرورة وبأية وسيلة من الوسائل(5).
وقد عرف بعض الفقهاء الإجهاض “بأنه استعمال وسيلة صناعية تؤدي إلى طرد الجنين قبل موعد الولادة إذا تم بقصد أحداث هذه النتيجة”(6),ولكننا نرى أن هذا الرأي يعيبه أن الإجهاض لا يشترط أن يتم بوسائل صناعية ، بل ربما نتيجة نشاط على الرحم كإدخال اليد في الرحم أو الضرب المفضي إلي الموت وكذلك فقد عرفه البعض بأنه “القيام بأفعال تؤدي إلى إنهاء حالة الحمل لدى المرأة قبل الوضع الطبيعي إذا تمت تلك الأفعال بقصد أحداث هذه النتيجة”(7).
ويرى سير وليام – الفقيه الإنجليزي .. “أن الإجهاض هو تدمير متعمد للجنين في الرحم ، أو أي ولادة سابقة لأوانها بقصد أماتت الجنين”(Cool.
د- موقف القضاء من تعريف الإجهاض :-
يعرف القضاء المصري جريمة الإجهاض بأنها “تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان”(1) وقد عرفته محكمة النقض المصرية بأنه تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان ، ومتى تم ذلك فان أركان هذه الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل في الرحم الحمل بسبب وفاتها ، وليس في القانون ما يفيد أن لفظ الإسقاط تعني أن خروج الحمل من الرحم ركن من أركان الجريمة وذلك بأنه يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط افتراض بقاء الأم على قيد الحياة لذلك أستخدم لفظ الإسقاط ولكن ذلك لا ينفي قيام الجريمة متى انتهت حالة الحمل قبل الأوان ولو ظل الحمل في الرحم بسبب وفاة الحمل(2).
كما عرفت محكمة التميز الأردنية الإجهاض بأنه “تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان”(3) وفي نهاية التعريفات ذهب أهل الطب إلى تعريف الإجهاض أنه “انتهاء الحمل قبل حيوية الجنين وتقدر حيويته بثمانية وعشرين أسبوعاً ، وهي تساوي سبعة أشهر ويكون الجنين فيها مكتمل الأعضاء ، وله القدرة على الحياة(4), كما عرف بأنه خروج الجنين من الرحم قبل اكتمال نموه في وقت لا يستطيع العيش فيه خارج الرحم(5).
ويرى الباحث أن هذه الآراء , سوءا تلك الفقهية أو القضائية لم تختلف على محل الجريمة وهو الجنين , وإنما جاء الاختلاف حول ؛ مبررات التجريم من ناحية أولى عندما اختلفوا حول الحق المراد حمايته بتجريم الإجهاض , وجاء الاختلاف من ناحية ثانية نتيجة لمبررات قانونية ؛ ومن ذلك أن البعض أدخل فكرة العمد في الإسقاط , وزاد البعض وجوب أن يكون الإسقاط دون حالة الضرورة , وأضاف أهل الطب أن الإجهاض أو إنهاء الحمل يجب أن يأتي قبل حيوية الجنين ….. الخ , ويرى الباحث أن تعريف الإجهاض ؛ يختلف باختلاف رؤية المشرع في كل دولة باختلاف الأركان والشروط التي ينص عليها كل قانون على حده , وعليه فأنه يمكن وضع تعريف الإجهاض لكل قانون على حده وذلك بالاستعانة بفكرة التميز بين الإجهاض وما يشتبه به من جرائم أخرى كالقتل , ولا يصادر هذا الرأي على المطلوب ؛ لأن الحديث هاهنا ينصب على وضع تعريف للإجهاض لكل قانون على حده , ومن ثم فأن محددات عدة تبرز أمام الفقه لوضع هذا التعريف , ومثال ذلك أن يكون من ضمن العناصر التي تدخل في تعريف الإجهاض , فكرة وقوع الجريمة على جنين وليس على أنسأن حي , لنميز بين الإجهاض والقتل داخل القانون المصري على سبيل المثال … وهكذا الحال في كافة القوانين الأخرى وهذا ما سيتناوله الباحث فيما بعد عند الحديث عن تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال.
الفرع الثاني
تعريف الإجهاض في الشريعة الإسلامية
ذهب بعض الفقهاء إلي تعريف الإسقاط بأنه كل ما طرحته المرأة مما يعلم أنه طفل “ولد أو بنت”(1), كما عرف الجنين بأنه الحمل(2) . أو ما يعبر عنه عند الحنفية بالجناية ويطلق على ما هو نفس من وجهه دون وجه ، لأن الحنين من ناحية يعتبر نفسا لأنه أدمى ولا يعتبر نفسا من ناحية ثانية لأنه لم ينفصل عن رحم أمه وهو جزء منها ، أما جمهور الفقهاء فإن الإجهاض لديهم يعد جناية على الجنين محلها إسقاط الجنين أو إجهاض الحامل والاعتداء على حياة الجنين وهو كل ما يترتب عليه انفصال الجنين عن أمه(3) .
ولقد قسم الفقهاء الجناية في مفهومها الخاص بحسب خطورتها إلى ثلاث أنواع :-
أ?- جناية على النفس وهي القتل.
ب?- جناية على ما دون النفس وهي الضرب والجرح.
ج?- جناية على ما هو نفس من وجه دون وجه وهي الجناية على الجنين والإجهاض ، ذلك لأن الجنين يعد جزءا من أمه وليس نفسا مستقلة عنها في الواقع ومن جهة أخرى يعد نفساً مستقلة عن أمه بالنظر للمستقبل , لأن له حياة خاصة وهو يتهيأ لأن ينفصل عنها بعد حين ويصبح ذا وجود مستقل , أما الجناية بمفهومها العام فقد قسمها الفقهاء إلى ما يلي:-
1) جنايات على الأبدان والنفوس والأعضاء وهو المسمى قتلا وجرحاً.
2) جنايات على الفروج وهو المسمى زنا.
3) جنايات على الأموال وسواء أكان مأخوذا بالحرب أو كان مأخوذا على وجه الخفية أو كان مأخوذا بعلو الرتبة الذي يسمى غصبا .
4) جنايات على الأعراض وهو المسمي قذفاً.
5) جنايات بالتعدي على استباحة ما حرمه الله من المأكول والمشروب(1) .
والجنين عند مالك وأصحابه هو “كل ما طرحته المرأة مما يعلم أنه ولد سواء كان تام الخلقة أو كان مضغه أو علقه أو دما”ً(2), ويقول البستاني في دائرة المعارف : “الجنين هو الولد مادام في بطن أمه ، ويكون أولاً نطفة ثم يصير علقه ثم يصير مضغة ثم جنيناً “(3) .
أما الجنين عند الشافعية “هو ما فارق العلقة والمضغة وبدأت عليها دلائل التخلق , وكذا إذا كانت المضغة ولم يتبين فيها شئ من خلق فشهد ثقاة بأنه مبدأ خلق أدمي لو بقى لتصور”(4) قال تعالى : “ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين”(5).
مما سبق نجد أن التعاريف السابقة شاملة لجميع الأفعال سواء وقع من الأم الحامل نفسها أم من غيرها وسواء كان فعلاً مادياً إيجابيا باستخدام وسائل دون حصر لها , أم فعلاً سلبياً على أن يكون من شأن هذا النشاط أن يؤدي لإحداث النتيجة وهي إنهاء حالة الحمل ، سواء بخروج الجنين حيا أو ميتا ، أو بقائه داخل الرحم ولكن بموت الأم والذي سيتتبع وفاة الجنين.
المطلب الثاني
تميز الإجهاض عما يشتبه به من أفعال .
قبل أن ندرس الإجهاض كجريمة ، وكظاهرة اجتماعية ، علينا أن نوضح الحدود الفاصلة بينة وبين الأفعال مشابهة له ، أو تتداخل معه ، لذلك فمن الحكمة أن نبين الحدود الفاصلة بين فعل الإجهاض وبعض الأفعال التي تقترب منه حيث يتدخل الإجهاض ومنع الحمل في نقطة هامة جداً ألا وهي متى يبدأ الحمل(1).
كما يتدخل الإجهاض مع جريمة القتل في نقطة هامة أيضا وهي متى ينتهي الحمل بمعنى متى تسقط عن الكائن البشري المنتظر صفة الجنين لتحل محلها صفة الإنسان(2).
الفرع الأول
الإجهاض ومنع الحمل :-
يقصد بمنع الحمل هو الحيلولة بوسيلة ما دون حصول الحمل عند المرأة , ويقول الأمام الغزالي وهو بصدد التفرقة بين منع الحمل والإجهاض : “وليس هذا – أي منع الحمل – كالإجهاض والوأد – لأن ذلك – أي الاستجهاض والوأد – جناية على موجود حاصل والوجود له مرتب ، أول مرتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة ، وتستعد لقبول الحياة ، وإفساد ذلك جناية ، فان صارت علقه أو مضغة ، كانت افحش ، وان نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ، ازدادت الجناية تفا حشا ، ومنتهى التفا حش في الجناية – هي بعد الانفصال حيا”(3).
بداهة أن منع الحمل قبل حدوثه لا يكون إجهاضا غير أنه إذا تم بعملية جراحية نجمت عنها أضرار وإصابات بالمجني عليه(4) ، كالعقم الدائم الذي يجعل صاحبه غير صالح للإنجاب عندها يعد الفاعل مرتكباً لجناية العاهة المستديمة ولا عبرة برضا المجني عليه(5), فالفرض هنا عدم وجود حمل ، وأن تلك الوسائل ينحصر عملها ووظيفتها في الحيلولة دون حدوث الحمل وعليه فان بدء الحمل هو النقطة الفاصلة بين اعتبار الوسيلة التي أمامنا وسيلة للإجهاض أو وسيلة لمنع الحمل أما الإجهاض فهو إنهاء الحمل قبل الموعد الطبيعي للولادة وفي الإجهاض يفترض وجود حمل ، ثم إنهاء نموه وتطوره ، فإذا لم يوجد حمل – فلا مجال للقول بحدوث الإجهاض(1), وبما أن الإجهاض ومنع الحمل يتدخلان عند نقطة هامة وهي بداية الحمل حيث يوجد اتجاهات في تحديد بدء الحمل .
الاتجاه الأول:-
يرى بان الحمل يبدأ من لحظة اللقاح أي التقاء البويضة بالحيوان المنوي ، فمنذ هذه اللحظة يصبح للبويضة الملقحة حرمة بحيث أن أي اعتداء عليها يعتبر إسقاطا للحمل(2).
الاتجاه الثاني :-
يرى أن الحمل يبدأ بتمام زراعة البويضة الملقحة في جدار الرحم أما الفترة ما بين التلقيح والزراعة فلا يكون هنالك حالة حمل(3), إذا فالرأي الأول يرى أن الحمل يبدأ بمجرد التلقيح أما الثاني يقرر أن الحمل يبدأ بعد عملية زراعة البويضة الملقحة بجدار الرحم.
فإذا علمنا أن اكثر الوسائل المستعملة لمنع الحمل ، تؤدي عملها بوجه عام أما بمنع التقاء السائل المنوي بالبويضة ، أو حتى بإعاقة خروج البويضة من المبيض أو عن طريق وقف السائل المنوي حتى لا يصل إلى البويضة ، فمثل تلك الوسائل لا تثير أي مشاكل(4), لذلك نجد أنه لا يوجد أي بويضة مخصبة ، وبالتالي فانه لا يوجد حمل سوءا بناءاً على الرأي الأول أو على الرأي الثاني ومن ثم فلا يوجد علاقة بين الإجهاض ومنع الحمل, ومن هنا يتبين لنا أن استعمال وسائل منع الحمل بحسب التشريع المصري وأغلب التشريعات الحديثة يعد عملا مباحاً يخرج من دائرة التحريم والتأثم(5)، ذلك بعكس استعمال الوسائل لمؤدية لإسقاط الحمل فهو في الغالب – يعد عملاً مجرماً(6).
كما لا يوجد في القانون الأردني ما يحظر استخدام موانع الحمل ، ألا إذا تم منع الحمل بعملية جراحية نجم عنها إصابة الشخص بالعقم الدائم ويصبح بعدها غير صالح للإنجاب عندها يعد الفاعل مرتكباً لجناية العاهة المستديمة وفقا لنص المادة (335) من قانون العقوبات الأردني(1).
الفرع الثاني
الإجهاض وجريمة القتل
تختلف جريمة الإجهاض عن جريمة القتل في أن المجني عليه في الجريمة الأولى هو الجنين بينما في الجريمة الثانية فان المجني عليه هو إنسان حي , إذاً الاختلاف هنا في محل الحماية الجنائية حيث أن الإجهاض يستهدف إزهاق روح الجنين قبل الموعد الطبيعي للولادة في حين يستهدف القتل إزهاق روح إنسان حي(2), وتبعاً لذلك تختلف الحماية التي يوفرها المشرع الجزئي لكل من الجنين والإنسان(3) .
لذا يحمي المشرع الجزائي الجنين من خلال النصوص التي تعاقب على ارتكاب جريمة الإجهاض ، بينما يحمي المشرع الجزائي الإنسان الحي من خلال النصوص التي تعاقب على ارتكاب جرائم القتل والجرح ، والضرب(4).
كما نجد من خلال النظر إلى العقوبات المقررة في القانون الجنائي للجرائم الخاصة بالقتل نجد أنها اشد أقصى من العقوبات المقررة في جرائم الإجهاض ، كما أن القتل الخطأ والقتل الغير مقصود معاقب عليه أيضا ، أما الإجهاض لا يكون إلا عمداً بحيث لو وقع عن خطأ يكون غير معقب عليه(5), كما هو الحال في التشريع المصري حيث أن المشرع يعاقب على الشروع في القتل العمد ، في حين أنه نص بصراحة في المادة (264) من قانون العقوبات المصري بأنه لا يعاقب على الشروع في الإجهاض(6), كما يتضح أيضا أن المشرع المصري وازن بين حياة الجنين وحياة الإنسان فرجح الثانية على الأولى , حيث أجاز التضحية بالحق ذي القيمة الأقل , إنقاذا للحق ذي القيمة الأكبر ، فهو يرى أن حياة الجنين احتمالية في حين أن حياة الإنسان يقينية وبالتالي اختلف مدى الحماية الجنائية لكل منهما(1), وبالرغم من أن المشرع الأردني يستمد بعض مفاهيمه التشريعية من القانون الإنجليزي فانه لم يأخذ بوضع حدود واضحة كما في التشريع الإنجليزي(2), ومع ذلك يتفقا المشرع الأردني مع المشرع المصري في جواز إباحة التضحية بحياة الجنين إنقاذاً لحياة الحامل إذا كان في بقاء حملها ضرر يلحق بها , وبذلك فهو فاضل حياة الأم على حياة الجنين الغير مؤكدة .
أما المشرع الإنجليزي فقد حدد بشكل واضح لا لبث فيه نطاق كل من جريمة الإجهاض وجريمة القتل حيث أن الإجهاض يقع على الجنين منذ لحظة التصاق البويضة الملقحة بجدار الرحم(3), في حين أن القتل يقع على الإنسان الحي ، ولا يكتسب الجنين صفة الإنسان إلا بانفصاله التام عن أمه ، وحتى لا يبقى الجنين بمعزل عن الحماية الجنائية في فترة انتقاله إلى العالم الخارجي أي أثناء عملية الولادة فقد أوجد المشرع الإنجليزي جريمة مستقلة نص عليه قانون حماية الطفولة الصادر سنة 1992 وهي جريمة تدمير الوليد(4).
لذا فأن أغلب الفقه يرى أن الحياة الإنسانية تبدأ بمجرد بدأ عملية الولادة وبالتالي لا كلام عن الإسقاط بعد عملية الولادة ، وإنما يبدأ مجال الاعتداء على حياة الإنسان وسلامة جسمه(5), وقد وازن المشرع بين حياة الجنين الاجتماعية وحياة الإنسان اليقينية فرجع الثانية على الأولى وأباحت التضحية بحياة الجنين إنقاذا لحياة الأم(6).
وهذا الاختلاف بين نوعي الحياة يؤدي بالضرورة إلى تفاوت القيمة القانونية لكل منهما بالتالي اختلاف مدى الحماية الجنائية لكل منهما(7).
المبحث الثاني
موقف الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في الإجهاض
سيتناول الباحث في هذا المبحث كلاً من موقف الشرائع السماوية في الإجهاض ويتبعه بدراسة لموقف بعض القوانين الوضعية في الإجهاض ، في مطلبين يخصص الأول لدراسة موقف الشرائع السماوية في الإجهاض بادئين باليهودية , مارين بالمسيحية , مختتمين بشيء من التعمق الشريعة الإسلامية وموقفها من جريمة الإجهاض ، في حين يخصص المطلب الثاني لبيان موقف القوانين الوضعية من الإجهاض.
المطلب الأول
موقف الشرائع السماوية في الإجهاض
تمهيد وتقسيم:
لم يرد ذكر الإجهاض في التوراة آلا من معرض إسقاط الجنين بالتعدي على المرأة ، أما الديانة المسيحية فقد عملت على تحريم الإجهاض وأما عن خاتمة الرسالات السماوية فقد قسم الفقه الإسلامي حكم الإجهاض إلى قسمين ، يتناول القسم الأول حكم إسقاط الجنين قبل نفخ الروح ، ويتناول القسم الثاني حكم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح ، وقد رسخ الفقه الإسلامي رؤيته للإجهاض من خلال الاختلافات العديدة في مسائل الإجهاض المختلفة خلافاً للشرائع الأخرى . وذلك على حسب ما أتيح للباحث من مراجع ؛ وسيعمد الباحث إلى دراسة هذه الشرائع وفق ترتيب نزولها كالآتي .
أولا: الشريعة اليهودية:-
لم يرد ذكر الإجهاض في التوراة إلا في معرض إسقاط الجنين الحاصل بالتعدي على المرأة الحامل من الغير من غير عمد (غير مقصود) ، حيث يعاقب الفاعل في مثل هذا الحال بالغرامة التي يفرضها زوج المرأة المجهض وتدفع هذه الغرامة أما القضاء ، أما إذا كان الفعل الواقع على المرأة الحامل قد ارتكب عمداً فان العقوبة تكون النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن(1), حيث جاء في سفر الخروج “……. وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ، ولم تحصل أذية ، يغرّم كما يضع عليه زوج المرأة الحامل ، ويدفع عن يد القضاة أن حصلت أذية ، تعطي نفس بنفس ، وعين بعين ، وسنا بسن ، ويدا بيد ، ورجلاً برجل ، وكياً بكى وجرحاً بجرح ورضا برض”(1).
ولم تعاقب التوراة على الإجهاض الاختياري حيث اعتبرت أن الجنين جزء من جسم المرأة الحامل ، وطرحه لا يستوجب اكثر من عقوبة الغرامة البسيطة(2).
ثانيا:- الشريعة المسيحية:-
يهتم المسيحيون بكثير النسل ويحاربون تحديده ، ومما ينسب إلى البابا بيوس الثاني عشر قوله في الاتحاد الإيطالي لجمعيات العائلات الكثيرة العدد سنة 1958 “إن خصب الزوج شرط لسلامة الشعوب المسيحية ودليل على الأيمان بالله والثقة بعنايته الإلهية ومجلبه للأفراح العائلية”(3).
لذا عملت الديانة المسيحية على تحريم الإجهاض وكانت فلسفة الديانة المسيحية ترى أن الزواج شر لا بد منه وخطيئة لا يبررها ألا النسل ، وأن الجنين يجب أن يولد حياً ، وان أي اعتداء على الجنين كالقتل يعتبر قتلاً عمداً ، بل اعتبرته اشد أجراماً من قتل الطفل بعد ولادته وتعميده لان الجنين يفقد حياته الروحية بينما لا يفقد الطفل المعمد سوى حياته الجسدية حيث يرى القديس باسيل أن يعاقب مرتكب جرم الإجهاض مهما كان عمر الجنين ، ومعنى ذلك أن الجنين لا يستحق الحماية الجنائية إلا بعد مرور فترة زمنية معينة على الحمل ، حيث أن الكنيسة لا تعاقب على الإجهاض طالما أن الروح لم تدب في الجنين(4), كما يقول الفيلسوف اثنا غوراس ، وهو من آباء القرن الثاني للميلاد ، ” أن أولئك النسوة الأتي يستعملن العقاقير لإسقاط الجنين ، يرتكبن جريمة القتل . ولسوف يحاسبن أمام الله عن هذا الأمر ، لأنه يجب على الإنسان أن ينظر إلى الجنين على أنه كائن مخلوق ، وبالتالي فهو موضوع العناية الله ….(5).
إما في عام 1588م فقد أصدر البابا “سيسكت كانت” بيانا ذكر فيه أن الإجهاض معاقب عليه عندما تدب الروح في جسد الجنين , بشعور المرأة بحركاته ومنذ ذلك الوقت أصبحت عقوبة الإعدام تطبق على المرأة المجهضة , وكثير ما شنقت النساء أو حرقت وهن على قيد الحياة لهذا السبب ، وبعدها أعلن البابا دءبيوس الحادي عشر” في المجمع المقدس عام 1930 أن حياة الأم وحياة الجنين مقدستان وأنه لا يصح القضاء على أي منهما ، وأن أي منع للولادة يعاقب كفعل مخالف للطبيعة(1).
لذا وعلى الرغم من ذلك فقد أباح الدين المسيحي الإجهاض في حالات الضرورة والمتمثلة في الحالات التي يكون فيها استمرار الحمل خطر على حياة الأم الحامل وصحتها ، أو أن يكون الجنين مشوهاً تشوهاً خطيراً(2). أما بالنسبة لحمل السفاح فنجد أن الكنيسة رفضت إباحة الإجهاض للتخلص من الحمل السفاح ، حيث وضعت عقوبات دينية ودنيوية على النساء الآتي يجهضن حملن الناتج عن سفاح(3).
ثالثا: موقف الشريعة الإسلامية من الإجهاض:-
نتناول في هذا المقام ثلاثة نقاط تتعلق الأولى بموقف الشريعة الإسلامية من تحليل حياة الجنين لدى الفقهاء ، ثم نتحدث عن عقوبة الإجهاض في الشريعة ونختتم ذلك ببيان موقف الشريعة الإسلامية من منع الحمل.
1/ موقف الشريعة من تحديد حياة الجنين.
الجنين هو الحمل والاعتداء عليه يشكل تعرضاً لمخلوق غافل عما يجري حوله ولذا يسمى الإجهاض في الفقه الإسلامي “إجهاض الجنين” ويقابلها في الفقه القانوني “جريمة الإسقاط” (4), ولكي يظهر حكم الشرعية الإسلامية في الإجهاض فلا بد من التعرض لأراء الفقهاء في مسائلة الإجهاض حيث قد فرق الفقهاء بين الإجهاض الذي يتم خلال مرحلة ما قبل نفخ الروح ومرحلة ما بعد نفخ الروح.
أ: حكم الإجهاض في مرحلة ما قبل نفخ الروح
لا توجد نصوص قطعية في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة تخبرنا بدقة عن موعد نفخ الروح في الجنين(1), وقد ذكر القرآن الكريم هذه المرحلة ، وحددها بستة أطوار إذ يقول سبحانه وتعالى : “ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقه ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً”(2) وللفقهاء في ذلك تفصيلاً سنورده أقوالهم وفق المذاهب الأربعة كما يلي .
أقوال السادة الحنفية ولهم رأيان في هذه المسألة :-
الرأي الأول : إباحة الإسقاط قبل نفخ الروح حيث أنه لم يستبين شئ ، من خلقه ويقول: الكمال ابن الهمام” يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يختلق شئ منه” ودليلهم في ذلك أن محصول الحمل قبل التخلق قطعة لحم قد لا تكون جنيناً حيث انه مجهول المستقبل ولا حياة فيه(3).
الرأي الثاني: يحرم الإجهاض قبل نفخ الروح بغير عذر على اعتبار أنه بذرة محترمة لا يجوز المساس بها(4).
أقوال السادة الشافعية:-
ذهبوا إلى إباحة الإجهاض قبل نفخ الروح وسندهم في ذلك أن متحصل الحمل خلال هذه المرحلة لم يدخل مرحلة التخلق ولم يبدأ التصور بعد ولا يتبين منه شئ(5), ويرى بعض الشافعية حرمه إخراج النطفة قبل نفخ الروح فيها قبل الأربعين يوماً, على اعتبار أن أول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية على موجود ، فإن صارت علقه أو مضغة فالجناية أفحش ، فإن نفحت الروح واستقرت الحلقة زادت الجناية تفا حشا(6).
أقوال السادة المالكية:-
هم أكثر تشدداً في أقوالهم حيث ذهبوا إلى تحريم الإجهاض في هذه المرحلة ومنعوا الإجهاض حتى لو كان قبل الأربعين يوما ، حيث جاء في كتاب الشرح الكبير : “لا يجوز إخراج المنى المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً”(1), وهذا يفيد الحرمة وعدم جواز الإجهاض ويتضح أن المالكية ترى أن محصول الحمل منذ بدايته له حق الحياة ، وانه لا يجوز التعرض له بحال من الأحوال(2).
أقوال السادة الحنابلة:-
ذهب الحنابلة إلى إجازة الإجهاض في هذه المرحلة أي إباحة الإجهاض حيث جاء في كتاب الأنصاف “يجوز شرب دواء لإسقاط نطفه”(3).
وإجمال الحديث أن الفقهاء ذهبوا في الإسقاط قبل النفخ إلى مذهبين, أولها المنع وهذا رأي الإمام مالك ، ودليلهم في ذلك أن العلقة والمضغة ابتداء خلق آدمي له حرمته ، ولا يحل انتهاكها, ثانيها يقول بالإباحة وهم جمهور الحنفية والشافعية والظاهرة من الحنابلة ودليلهم أن محصول الحمل قبل التخلق قطعة لحم قد لا تكون جنينا وحياتها البشرية في حكم المجهول كما
أن الجنين في هذه المرحلة لا حياة فيه.
ب: حكم الإجهاض بعد نفخ الروح
هذه المرحلة التي أشار أليها الله سبحانه وتعالى بقوله “ثم أنشأناه خلقا آخر”(4), وهو حرام مطلقا لم يخالف في ذلك أحد بل أنها جنحة شرعت لها عقوبتان ، هما الكفارة والدََية(5) وسوف نعرض أراء المذهب كما يلي .
مذهب الحنفية: يحرم الإجهاض بعد نفخ الروح وحجتهم في ذلك أن ماء الرجل بعد وقوعه في الرحم ليس حياة آدمية بل أنه أصل الحياة ، واعتبروا أن الحمل بعد نفخ الروح حياة كاملة مصانة لا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليه وأي اعتداء فانه يوجب الغرة والدّية(6).
مذهب المالكية: يحرم الإجهاض ولا يجوز التعرض للحمل بعد نفخ الروح ، وجاء في الشرح الكبير للدردير انه “لا يجوز إخراج المنى المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعاً”(1). واعتبروا أن الاعتداء على الجنين بعد نفخ الروح قتلاً صريحاً(2).
مذهب الشافعية: الراجح عندهم تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح مطلقا ، ويتضح من أقوال فقهاء الشافعية العقاب على الإجهاض بعد التخلق ويصبح الحكم كراهية التحريم حتى نفخ الروح ثم يصبح الحكم الحرمة المطلقة بعد ذلك(3).
مذهب الحنابلة: عندهم حرمه الإسقاط بعد نفخ الروح ويقول أبن قدامه : “من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ، وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينا على كل منهما كفارة وغرة والحكم بموجب الكفارة يقتضي وقوع الآثم(4).
لذا نستخلص من أراء المذاهب السابقة أن الإجهاض بعد نفخ الروح حرام بالإجماع بدون عذر وتجب فيه عقوبة ، أما إذا وجد عذر قاهر جاز الإجهاض ومن تلك الأعذار ، أن يكون هنالك عذر قاهر كتحقق موت الأم إذا بقى الجنين في بطنها(5).
هذا وقد لخص د. محمد سيف الدين السباعي أراء العلماء في الإجهاض حيث ذهبوا في الإسقاط قبل نفخ الروح إلى مذهبين:-
أولهما: يقول بمنع الإجهاض قبل نفخ الروح وهم الأمام مالك والغزالي وبعض الحنفية ، ودليلهم وأن العلقة والمضغة ابتداء خلق أدمى له حرمته ولا يحل انتهاكها.
ثانيا: يقول بالإباحة وهم جمهور الشافعية والحنفية والظاهر من كلام الحنابلة ، ودليلهم أن محصول الحمل قبل نفخ الروح قطعة لحم قد لا تكون جنيناً, أما الإجهاض بعد نفخ الروح فهو حرام إطلاقا ولم يخالف في ذلك أحد(6).
2/ عقوبة الإجهاض في الشريعة الإسلامية
مما لا شك فيه أن كل حكم في الشريعة الإسلامية يستتبع آثاراً دنيوية وأخروية وأن هذا العقوبات أو الآثار الدنيوية التي يحكم بها الحاكم أو ولي الأمر تمثل العقوبة الرادعة التي يستحقها من تجاوز الخطوط وارتكب عملية الإجهاض سواء كان الفاعل المنفذ للجريمة أو المشاركون له(1), والعقوبة الشرعية لمرتكب الإجهاض على وجهين ، أولها تعويض يدفع لورثة الجنين لقاء خسارتهم لهذا الحمل ، وهذه العقوبة تدعى الغرة ، وثانيها هدى يقدم إلى الله سبحانه وتعالى استغفار عما أرتكبه الفاعل من ذنب وتدعى الكفارة(2) .
1/2 الغرة:-
الغرة بضم العين تطلق على الخيار من كل شئ وهي في اللغة بياض في وجه الفرس وتقدر الغرة بخمسة من الإبل(3)، وجاء في الحديث الشريف الوارد في وصف المؤمنين “أعرفهم غرا محجلين من أثار الوضوء”(4) , والغرة في اللغة: “عبد أو أمه ، وهذا يتفق مع ما فسرها رسول الله (ص) على عاقلة المغيرة بن شعبة أنه قال : كنت بين جارتين فضربت أحدهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا ، وماتت ، فقضى رسول الله (ص) على عاقلة الضاربة بالدية وبغرة الجنين ، ولما سئل عليه السلام عن الغرة قال : عبد أو آمة”(5) , وغرة الشيء أوله وغرة الجنين أول مقدار ظهر في باب الدية وسميت غرة لان أول شئ يظهر منه الوجه(6) .
تقدر الغرة “بنصف عشر دية الرجل ، وعشر دية المرأة ، وكل منهما خمسمائة درهم ، لأن نصف العشر من عشرة الألف درهم ، وهو العشر من خمسة الآلف درهم” ، والدليل على ذلك , ما روى النبي (ص) قال “في الجنين غرة ، عبد أو أمة ، قيمته خمسمائة” وفي رواية أخره “أو خمسمائة”(7) .
2/2 فرضيتها ودليل وجوبها:-
ورد في السنة النبوية أحاديث صحيحة ومنها ما رواه الشيخان عن آبي هريرة رضي الله عنه قال : “اقتتلت امرأتان من هزيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله (ص) ، فقضى رسول الله (ص) أن دية جنينها عبد أو أمي وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم”(1) .
كما أن عمر أبن الخطاب بعث إلى امرأة مغيبة (التي غاب زوجها) كان يدخل عليها فقالت يا ويلها . مالها ولعمر فبينما هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولداً فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر الصحابة فأشار بعضهم أن ليس عليك شئ إنما أنت وال مؤدب وصمت على أبن أبي طالب رضي الله عنه فأقبل عليه عمر فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال : إن قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هوى فلم ينصحوا لك . إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته ، فقال عمر: أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك(2).
والغرة كانت عبداً أو أمه يوم كان هنالك أرقاء , أما وقد انقرض الأرقاء انتهى نظام الرق فقد قدر العلماء بدلهما نصف عشر دية القتيل أي خمساً من الاعتداء(3) .
…/…
3/2 شروط الغرة حتى تستحق
أولا: وجودا ما يعد جناية تستلزم انفصال الجنين عن أمه ميتاً.
لا يشترط في الفعل المرتكب من قبل الجاني أليها يكون من نوع خاص فيصح أن يكون عملاً أو قولاً ويصح أن يكون الفعل مادياً أو معنوياً سواء توافر قصد الفاعل أم لا، ومن الأمثلة على الفعل المادي الضرب والجرح والضغط على البطن ، وتناول دواء أو مواد تؤدي للإجهاض ، وإدخال مواد غربية في الرحم أو أن تحمل حملُّّ ثقيل، ومن الأمثلة على الأقوال والأفعال المعنوية التهديد والإفزاع والترويع كتخويف الحامل بالضرب أو القتل والصياح عليها فجأة ، وتوبيخ المرأة أو الصياح عليه، أو تشم ريحاً ضارة ، ونحو ذلك كأن تسب أو تشتم شتما مؤلما يؤدي إلى إسقاطها أو إجهاضها(4), وسواء وقع الإجهاض بفعل مادي أو معنوي فلا فرق بينهما كما ويصح أن يقع الفعل المكونة لجناية الإجهاض من الأب أو من الأم أو من غيرهما، وأيا كان الجاني فهو مسئول عن جناية ولا أثر لصفته على العقوبة المقررة للجريمة(1) .
ثانيا: أن ينفصل الجنين عن أمه ميتاً .
يتحقق ذلك إذا كان تلفه قد حدث من الجناية الواقعة عليه ، أما إذا أنفصل الجنين حياً وبقي لفترة بلا ألم ثم مات فلا ضمان ، وخاصة مع تقدم العلم والوسائل الطبية والتي تمكن من
الوقوف بسهولة على سبب الإجهاض وهل تقررت حياته في بطن أمه ، أم مات بسبب الجناية الواقعة عليه(2) .
ثالثا: أن يكون الحمل المنفصل بتأثير الجناية أو الإجهاض قد تجاوز المضغة وبدأ مرحلة التطور.
قال الإمام مالك: “كل ما طرحته من مضغة أو علقه مما يعلم أنه ولد ففيه لغرة سواء استبان الخلق أم لا” أي الغرة تجب بعد التخلق وقبل نفخ الروح ، ففيه الغرة كما تقدم معنا سواء كان عمداً أو خطأ.(3).
4/2 أما من يدفع الغرة:-
فهو المتسبب بالإجهاض أي الفاعل له سواء كان أبو الجنين أو أمه أو الطبيب أو غيرهم ، فلو اتفقت الأم مع الأب على إسقاطه وباشرت ذلك بشرب دواء أو غيره لو جبت عليها الغرة لورثة الجنين , ولو أنها أمرت امرأة أخرى بإسقاطه لها فإن ذلك لا يعفي المرأة التي باشرت الإجهاض من دفع الغرة(4) .
5/2 لمن تجب الغرة:
تجب الغرة لورثة الجنين حسب ما هو معروف في أحكام الفرائض والمواريث ويحرم منها من تسبب بالإجهاض حتى وأن كان المتسبب في الإجهاض أحد الورثة(5), فمن ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً تجب غرة نصف عشر الدية وإن ألقته حياً فمات فدية فإن ألقت ميتاً فماتت الأم فدية وغرة وإن ماتت فألقته ميتاً فدية فقط ، وما يجب فيه يورث ولا يرث الضارب فلو ضرب بطن امرأته فألقت أبناً ميتاً فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها وفي جنين الأم لو ذكراً نصف عشر قيمته لو كان حياً وعشر قيمته لو أنثى(1), وقد اتفقت ألأمه على إن الورثة الذين يسلم لهم الغرة وهي كحكم الدية انهم يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف(2).
6/2 موقف أصحاب المذاهب من الغرة:-
تتفق جملة المذهب على أن عقوبة الإجهاض هي الغرة كما يلي:-
مذهب الحنفية إلى أنه إذا ألقت المرأة الجنين ميتا نتيجة ضرب من الغير وجب على العاقلة غرة وأن ماتت وألقت الجنين ميتا فعلى الجاني دية الأم وإذا أسقطت المرأة الجنين عمداً ودون أذن زوجها فعقابها الغرة وإذا أذن الزوج فلا غرة(3).
أما الحنابلة فإن الغرة واجبة في جنين الحرة المسلمة والكتابية دون الجنين المحكوم برقه فلا غرة فيه(4).
أما الشافعية : تجب الغرة عندهم في الجنين إذا أنفصل ميتا في جناية على أمه الحية أو مات جنينا خرج بعد انفصاله حيا ، أو دام ألمه ومات فيه فديه نفس كاملة ولو ألقت امرأة بجناية عليه جنينين ميتين فغرتان تجبان فيها ، أو ثلاثة فثلاثة وهكذا(5).
أما المالكية – فالغرة تجب عندهم إذا انفصل الجنين بكامل أجزاء عن أمه ميتا وهي حية ، فإن ماتت قبل انفصاله فلا شئ فيه لا ندارجه في دية الأم ، فإن عاش حياة قصير ومات بعدها فلا غرة ولا دية لأنه يحتمل موته بغير فعل الجاني(6), وقد اشترطوا في الغرة لإيابها شروطا هي :
1. أن ينفصل الجنين عن أمه ميتا ، وذلك لتحقق أن تلفه قد حدث من الجناية الواقعة علية .
2. أن يكون قد استبان خلقه أو بعض خلقه .
3. أن يكون الحمل حقيقة لا وهما ، فان اعتدى إنسان على امرأة منتفخة البطن ، فزال الانتفاخ لم يجب على الجاني شئ مما يجب في الجنين(7).
7/2 الكفارة
تعرف الكفارة: أنها حق فيه معنى العبادة والعقوبة فهي عبادة تؤدي بما هو عبادات محضة من عتق وصيام وصدقه ويشترط فيها النية ولا تقبل فيها النيابة ، أما معنى العقوبة فلأنها لم تجب إلا جزاءً على أفعال محددة ولذلك سميت كفارة لأنها ستارة للذنوب(1), والكفارة شرعت في قوله تعالى: “ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فديه مسلمة الآتي أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً “(2), وقد قررت الشريعة الإسلامية عقوبة أخرى عند الجناية على الجنين وهي عقوبة الكفارة سواء أنفصل الجنين حياً أو ميتاً وهذا هو رأي الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وقالوا بالكفارة مع الغرة أن حصل الإجهاض بعد التخلق سواء كان ذلك عمداً أو خطأ. أما الحنفية فقالوا بالغرة دون الكفارة أن كان الإجهاض عمداً وبالكفارة مع الغرة إن كان الإجهاض خطأ(3), وبهذا نرى أن عقوبة الإجهاض في الشريعة الإسلامية باتفاق المذاهب هي الغرة ، وإن كان الخلاف بينهم في حالة إسقاط الجنين حياً أو مقدار القيمة مع تفاوت الأقدار.
3/ حكم منع الحمل في الشريعة الإسلامية
عرفت البشرية منذ قديم الزمان بعض وسائل منع الحمل المؤقتة حيث استخدمت بعض الأمم قبل الإسلام عقاقير لمنع الحمل مثل المصريين، حيث لجأ بعضهم الآتي وسيلة العزل(4). في نهاية الاتصال الجنسي ومنهم الرومان والفرس كما اخذ العرب في الجاهلية هذا الطريقة عن جيرانهم الروم والفرس ، وبعد ما جاء الإسلام حث المسلمين على الزواج في سن مبكرة ما أمكن بقصد اعفاف النفوس وصيانة أخلاقهم من كل ما يمكن أن يدنسها من جهة وتكثير النسل من جهة أخرى(1), قال تعالى: “ومن آياته أن خلقنا لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليهم وجعل بينكم مودةً ورحمه”(2), كما قال (ص) “تزوجوا الودود الولود فآني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة” (3).
وهنالك العديد من الدواعي التي تقوم في المجتمعات الإسلامية تدعوا إلى استخدام بعض وسائل منع الحمل كفقر الزوجين ، أو الخشية على صحة المرأة الحامل من الحمل لذلك ذهب فقهاء المسلمين إلى إباحة موانع الحمل عندما تكون هنالك حاجة ضرورية طبقاً للقاعدة الشرعية “أن الضرورات تبيح المحظورات”(4), فذهب البعض إلى إباحة موانع الحمل ولكنه غير مستحبة ، لأنه منافيا للغاية التي قصدها الإسلام من الزواج وهي التكاثر وعمارة الأرض(5), في حين ذهب البعض الأخر إلى القول بإباحته على أن يكون استخدامه بصفة مؤقتة وهذا ما اتجهت إليه أغلبية المذهب الفقهية(6).
هذا وقد كان بعض من دخلوا الإسلام يتبعون وسيلة العزل وسأل بعضهم الرسول “ص” عن حكم العزل باعتباره وسيلة لمنع الحمل والتحكم به طالما وجدت الرغبة في عدم حصوله ، فأدلىّ الرسول (ص) بتصريحات تشعر عند المحققين من الأئمة بإباحته وهو ما قال به جمهور الفقهاء ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: “كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل” وجاء في صحيح مسلم أنه قال “فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا”(7).
أما أقوال العلماء في العزل.
القول الأمام: ذهب جانب الآتي جواز العزل وهو رأي غالبية الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية لكنهم اشترطوا إذن الزوجة ورضاها.
القول الثاني: قدامه العزل وهو مذهب اكثر الشافعية.
القول الثالث: تحريم العزل وهو مذهب ابن حزم وبعض مشايخ الحنفية وبعض الشافعية(1).
هذا وقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1953 إفتاء بعدم تحريم استعمال الدواء لمنع الحمل المؤقت تيسيراً على الناس ، ولا سيما إذا ضيق من كثرة الحمل ، أو ضعف في المرأة من الحمل المتتابع(2), ومن المبين أن منع الحمل ليس بواجب ولا مندوب فلم يبق إلا أن يكون مباحاً للأفراد أن يقدموا عليه حسب ظروفهم ورغباتهم على أن لا يكون بصفة دائمة فإنه حرام إلا إذا وجدت هنالك ضرورة حتى لا تكون هنالك مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية من الزوج لذلك يجب الأخذ بالأسباب وموافقة الزوجين(3)، ويميل الباحث إلى هذا الاتجاه .
المطلب الثاني
موقف القوانين الوضعية في الإجهاض
تباينت موقف التشريعات الوضعية من الآثم(1), ومن ثم فسيتولى الباحث دراسة هذه المواقف والتي تنحصر في ثلاثة مواقف على النحو التالي :
الموقف الأول: يذهب هذا الموقف إلى منع الإسقاط على الجنين ولو تم برضاء المرأة الحامل ألا في حالة الضرورة فإنه مباح.
يأخذ هذا الموقف بمعاقبة كل من يعتدي على الجنين بعقوبة قاسية ، حيث أن الإسقاط على الجنين يعتبر خطراً اجتماعياً يرتب نقص في عدد السكان وتدهور خلقي وإجرام في حق كائن له الحق في الحياة(2), ولا يقيم هذا الاتجاه أي اعتبار لرضاء المرأة الحامل حيث أعتبر أن رضاء الحامل بالإجهاض لا يعتبر سبباً لأباحت الإجهاض ، فالأصل أن للإنسان الحق في التصرف فيما يملك ، والجنين ليس ملكاً للحامل تتصرف به كيفما تشاء ، بل أن له حرمه منذ لحظة استقراره في الرحم ، ولا يجوز الإسقاط عليه وتعريض حياته للخطر (3)
ألا أن هذه الاتجاه أباح الإجهاض إذا كان ذلك ضرورياً لإنقاذ حياة المرأة الحامل حيث أن استمرار الحمل يشكل خطر على حياة الحامل ، لذا يجوز التضحية بالجنين في سبيل الحفاظ على حياة المرأة الحامل(4) , ومن القوانين الوضعية التي أخذت بهذه المواقف معظم قوانين الدول العربية (5), وذلك بشرط رضاء المرأة الحامل عند بعض الدول ، بل وبغير رضاءها في دول أخرى كالنمسا حيث يبيح القانون النمساوي للطبيب إجراء عملية الإجهاض بدون موافقة الحامل مادام ذلك لازما وضرورياً لإنقاذ حياتها ، كما أخذت بهذه الموقف قوانين كل من كمبوديا والسنغال ، وباكستان والكثير من الولايات المتحدة الأمريكية والقانون التركي وتنزانيا وقانون هونج كونج ، وتكاد تكون جميع قوانين دول الكومنولث من أصحاب هذا الموقف(1).
هذه وقد اعتبرت بعض القوانين أن رضاء المرأة الحامل بالإجهاض يعتبر ظرفاً مخففا حيث نجد أن قانون العقوبات النرويجي الصادر سنة 1902 قد نص في المادة (235) على تخفيض العقوبة المقررة لجريمة الإجهاض التي تتم برضاء المرأة الحامل ، وكذلك فعل قانون أورجواي الصادر سنة 1933 في المادة (37) , منه حيث اعتبر رضاء المرأة الحامل عذراً مخففاً لجريمة الإجهاض وكذلك فعل المشرع الهندي(2) .
الموقف الثاني: إباحة الإجهاض إذا تم برضاء المرأة الحامل بصفة مطلقة.
أتجه هذا الموقف إلى إباحة الإجهاض ، وأعتبره حق من الحقوق اللصيقة بالمرأة لحامل بحيث منح المرأة الحامل الحق في إسقاط الحمل الغير مرغوب به ، على اعتبار أنها تتصرف بنفسها ، فالجنين ليس إلا جزء من جسد المرأة الحامل تتصرف به كما تشاء فلها الإبقاء على الجنين ولها كذلك التخلص منه (3) ومن التشريعات التي أخذت بهذه الموقف ، التشريع الفرنسي في المادة (244/2) الذي يعتبر المثال النموذجي لهذا الاتجاه ، وكذلك قانون العقوبات الإيطالي في المادة (257) وقانون العقوبات الألماني في المادة (260) وقانون العقوبات السويدي في المادة (177) والهولندي في المادة (218) وقانون العقوبات النرويجي في المادة (310)(4). وكذلك المشرع الإنجليزي وبعض الولايات المتحدة الأمريكية .
إما بالنسبة التشريعات العربية يعتبر المشرع التونسي أول مشرع عربي ينص على أباحه الإجهاض كما جاء في نص المادة 192 من قانون العقوبات التونسي على أن يتم مراعاة بعض الشروط والإجراءات(5).
كما ذهبت تشريعات أخرى إلى أباحه الإجهاض لمجرد طلب المرأة الحامل مثل التشريع الروسي (الاتحاد السوفيتي سابقا) وقانون المجر وبعض الولايات الأمريكية (كالاسكا, وهاواي ونيويورك) ، وكذلك القانون الياباني ، على أن يتم التقدم بهذا الطلب إلى لجنة طبية ، وان يقوم بالإجهاض طبيب متخصص ، وأيضا دول أمريكيا اللاتينية شرط أن ألا يكون الحمل قد جاوز 24 أسبوعا(1) .
الموقف الثالث: وقد وقف اتجاه ثالث في موقف وسط فلم يبح الإجهاض ولو برضاء الحامل ، لكنه توسع في نفس الوقت في الحالات التي تبيح الإجهاض لإنقاذ حياة الأم بحيث شمل الحفاظ على حياة الحامل من الناحية البدنية والنفسية .
حيث أن موقف التشريعات هنا لا يقتصر على إباحة الإجهاض عندما يكون هنالك ضرر جسيم يهدد الحامل في جسدها ، بل تبيح الإجهاض إذا كان هذا الضرر يهدد صحة الحامل البدنية والنفسية ، كأن يتسبب استمرار الحمل في إصابة الحامل بالجنون أو أقدامها على الانتحار وغيره من الأمراض النفسية الخطيرة مثل الاكتئاب الحملي(2), ومن تلك القوانين التي أخذت بهذه الموقف قوانين كل من غانا، ومالاوي ، وموريتيس (3) ويؤيد هذا الموقف المشرع الفرنسي في المادة (162) من قانون الصحة العامة . وكذلك المشرع الإنجليزي في قانون الخصوبة البشرية وعلم الأجنة 1990 حيث أباح الإجهاض إذا كان ضرورياً لمنع ضرر جسيم دائم يهدد صحة الحامل الجسدية أو النفسية ، وكذلك المشرع التونسي في المادة (214) من قانون العقوبات التونسي حيث ساوي بين الصحة الجسدية والنفسية للأم الحامل(4), وهنالك قوانين أخرى مثل قوانين كندا ، والأرجنتين ، وهندوراس ، وبعض الولايات المتحدة الأمريكية حيث تبيح تلك القوانين الإجهاض لإنقاذ حياة المرأة الحامل وكذلك لإنقاذ صحتها البدنية والنفسية(5), وكذلك المشرع السويسري وفقاً لمادة (120) من قانون العقوبات التي أجاز فيها للطبيب إجراء الإجهاض إذا كان ذلك لإنقاذ المجني عليه أو لتجنب خطر جسيم ودائم يهدد صحتها البدنية أو النفسية (1) .
بل وتوسعت تشريعات أخرى أكثر من ذلك في تحديد الحالات التي تبيح الإجهاض مثل اتقاء العار , حيث نصت قوانين بعض الدول على إباحة الإجهاض الناتج عن حمل سفاح أو جريمة اغتصاب ومن هذه القوانين قوانين كل من زيمبابوي وسيشل ونيوزيلندا وهونج كونج وفانيواتو وتشيكو سلوفيا ولسيلفادور وكذلك قانون المجر والهند وكشمير وماليزيا وسابا(2) وأيضا قانون الدانمارك والسويد وروسيا والأرجنتين والقانون البولوني والإيطالي والبرازيلي(3). وكذلك القانون الفرنسي وقانون المملكة المتحدة بالرغم من ذلك فأن بعض تلك الدول تشترط بعض الشروط الشكلية مثل أن يتم الإجهاض في مستشفى مرخصة ، وأن يتم الإجهاض قبل نهاية الأسبوع العاشر(4).
أما بالنسبة للتشريعات العربية فقد ذهب بعضها إلى أن الحمل الناشئ من علاقة غير شرعية لا يعتبر سببا لإباحة الإجهاض(5)، إنما اعتبرته عذراً مخففاً ومنها قانون العقوبات السوري في المادة (531) والمادة 324 من قانون العقوبات الأردني والمادة (394) من قانون العقوبات الليبي والمادة (262) من قانون العقوبات السوداني(6)، وكذلك المادة 417/4 من قانون العقوبات العراقي(7) .
أما بالنسبة للجنين المشوه أو المصاب بمرض خطير فقد أباحت بعض الدول هذا الإجهاض ومن تلك القوانين قوانين سيشل ، وهونج كونج وقانون بلغاريا والسلفادور وتركيا وكذلك بعض دول الكومنولث(Cool, كما أباح إجهاض الجنين المشوه أو المصاب بمرض خطير القانون الفرنسي في المادة 162 الفقرة 12 من قانون الصحة العامة الفرنسي وكذلك المشرع الإنجليزي في القانون الصادر عام 1967، ومن التشريعات العربية التي أباحت الإجهاض المصاب بتشوه القانون التونسي وقانون الصحة في الكويت(1) .
أما بالنسبة للإجهاض لأسباب اقتصادية أو اجتماعية فتبيح بعض الدول الإجهاض لأسباب اقتصادية واجتماعية ومنها قوانين الهند وقبرص والمملكة المتحدة وقانون المجر وتشيكوسلوفاكيا(2)، وكذلك المشرع الفرنسي أباح الإجهاض إذا كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية غير قانونية لاستقبال الجنين وقد نص على ذلك في الفقرة الأولى من المادة 162 من قانون الصحة العامة الفرنسي(
أركان جريمة الإجهاض
تمهيد وتقسيم :-
ذهب الفقه إلي تقسيم أركان جريمة الإجهاض إلي أربع أركان وهي الركن الشرعي وعناصره , الركن المفترض والذي يتمثل في وجود الحمل , والركن المادي وما يتضمنه من عناصر وهي السلوك (فعل الإسقاط) النتيجة , وعلاقة السببية , وإذا لم يكتمل الركن المادي يترتب عليه عدم توافر الجريمة أو اعتباره شروعاً إذا توافرت عناصر الشروع بحسب ما ينص عليه القانون , غير أن ارتكاب هذا الركن قد يتم بواسطة فاعل أصلي واحد أو يتعدد المساهمون ؛ وبالانتهاء من دراسة المساهمة الجرمية ننتهي من دراسة الركن المادي وننتقل لدراسة الركن المعنوي ويتمثل في القصد الجنائي العام وهو العلم والإرادة والقصد الاحتمالي فإذا توافرت هذه الأركان , توافرت الجريمة , مما يوجب أفراد مبحث مستقل لدراسة كل ركن على حدي , على النحو التالي من التقسيم:
المبحث الأول : الركن الشرعي .
المبحث الثاني : الركن المفترض – وجود الحمل .
المبحث الثالث : الركن المادي .
المبحث الرابع : الركن المعنوي .
المبحث الأول
الركن الشرعي في الإجهاض
تمهيد وتقسم:-
نصت المادة (66) من الدستور المصري على أنه “العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة ألا بناءاً على قانون ولا توقع العقوبة ألا بحكم قضائي , ولا عقاب آلا على الأفعال ألاحقه لتاريخ نفاذ القانون” .
كما نص المشرع الأردني في المادة الثانية من الدستور الأردني على أنه “لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس ألا وفقا أحكام القانون” وكذلك نص في المادة الثالثة من قانون العقوبات الأردني “لا يقضي بأية عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجريمة” .
يعني ذلك أن على المشرع أن يحدد سلفاً ما يعتبر من الأفعال الصادرة على الإنسان جريمة تستحق العقاب بحيث يحدد لكل جريمة نموذجها القانوني ويضمنها شق التكليف كما يحدد لكل جريمة عقوبتها سلفاً من حيث الكيف , آم حيث الكم , بحيث يعرف الفاعل التمييز مقدما بين ما يعد من الأفعال المباحة وما يعد مجرما , وذهب الفقه إلي أن للركن الشرعي عنصران هم خضوع الفعل لنص التجريم ويطلق عليه الوجه الإيجابي للركن الشرعي , وعنصر ثاني وهو زوال خضوع الفعل لنص التجريم ويطلق عليه الوجه السلبي , وعليه فقد خصص الباحث مطلباً أولا درس فيه مفهوم الركن الشرعي وعنصريه .
وإذا كان الأصل العام أن الرضاء لا ينفي الصفة الإجرامية عن الفعل ألا في جرائم معينة كالسرقة والإتلاف …. الخ , فأننا نجد أن المشرع المصري في المادة (262) وكذا الأردني في المادتين (321 , 322) , قد اتفقا مع هذا الأصل العام , وقررا صراحة أن رضاء الحامل للإجهاض لا يترتب عليه انتفاء الصفة الإجرامية , وعليه فلم يعتد به كسبب من أسباب الإباحة وأن كان القانون الأردني قد اعتبر رضاء الحامل عذراً مخففاً للعقوبة , سوءا بالنسبة للمرأة الحامل (م321) , أو بالنسبة للغير (م322) , لذا فقد صرح كل مشرعين بعدم اعتبار رضا الحامل سبباً من أسباب الإباحة .
وعليه فقد خصص الباحث مطلباً أولاً درس فيه مفهوم الركن الشرعي وعنصريه , وقد خصص المطلب الثاني لدراسة أثر رضاء الحامل للإجهاض , وعليه فأن هذا المبحث سينقسم إلي مطلبين على النحو التالي من التقسيم:-
المطلب الأول:- مفهوم الركن الشرعي وعنصريه.
المطلب الثاني:- أثر رضاء الحامل بالإجهاض.
المطلب الأول:
مفهوم الركن الشرعي وعنصريه
نتناول هنا تعريف الركن الشرعي واختلاف الفقهاء حوله ، حيث رتب على وجوب أن ينبني الركن الشرعي ، على فكرة مبدأ المشروعية الذي يعني, “أنه لا جريمة ولا عقوبة دون نص جنائي يجرم ذلك الفعل المرتكب” ، وهذا مؤداه إلي أن القاضي لا يستطيع أن يفرض عقوبة على شخص أرتكب فعل لا يشكل جريمة في قانون العقوبات كما أن القاضي أن يحكم لا يملك عليه بعقوبة تختلف في طبيعتها أو تقل أو تزيد في مقدارها عن العقوبة المنصوص عليها قانوناًًًً , وهذا معناه أن القاضي لا يملك الحق في خلق جريمة جديدة غير موجودة أصلاً أو إيجاد عقوبة جديدة لجريمة قائمة ، كما أنه لا يملك إكمال تشريع ناقص ولا استبدال الجزاء المقرر في القانون بجزاء أخر مهما كان ذلك عادلاً ، حيث أن التشريع وحدة من يملك خلق العقوبات والجرائم باعتباره مصدراً للقانون الجنائي ، وأن مهمة القاضي تكمن في تطبيق القانون كما هو بصرف النظر عن قيمته الموضوعية ومدى صلاحيتها مع مصالح المجتمع الأساسية .
ويعني ذلك أن على المشرع أن يحدد سلفاً ما يعتبر من الأفعال الصادرة عن الإنسان جريمة تستحق العقاب بحيث يحدد لكل جريمة نموذجها القانوني ويضمنه شق التكليف ، كما يحدد لكل جريمة عقوبتها سلفاً سواء من حيث الكيف ، أم من حيث الكم ، بحيث يعرف الفاعل التميز مقدماً بين ما يعد من الأفعال المباحة وما يعد مجرماً , وعليه فلا يجوز للقاضي أن يقرر عقوبة على فعل لم ينص القانون على اعتباره مجرماً أو يوقع أكثر من العقوبة المقرر في النص القانوني .
لذا نصت المادة (66) من الدستور المصري على أنه “العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة آلا بناء على قانون ولا توقع العقوبة آلا بحكم قضائي ، ولا عقاب آلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون” .
كما نص المشرع الأردني في المادة الثانية من الدستور الأردني الذي صدر عام 1952ومازال مطبقا حتى الآن على ما يلي “أنه لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس ألا وقف أحكام القانون” ثم جاء في المادة الثالثة من قانون العقوبات بالنص التالي “لا يقضي بأية عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجريمة” , وهذا معناه أن لا جريمة بلا نص ولا عقوبة آلا بنص ، فما العقوبة الأجزاء يوقع على الجاني مرتكب الفعل المجرم “الجريمة” .
وقد رتب البعض على ذلك ، ضرورة أن يتوافر في الجريمة ، ما أسموه الركن الشرعي وهو نص التجريم الذي يضفي على الفعل أو الامتناع صفته غير المشروعة ، فالجريمة لم تكتسب وصفها كجريمة إلا منذ تجريمها بنص قانوني ، وما عدم مشروعيتها إلا نتيجة لهذا التجريم وبدون نص التجريم يصبح الفعل أو الامتناع مشروعاً مهما بد ملوماً أو مؤثماً من وجهة نظر الدين أو الأخلاق أو الأعراف والعادات الاجتماعية .
كما ويتضمن الركن الشرعي عنصريه الإيجابي والسلبي ويعني الركن الشرعي في جانبه الإيجابي خضوع الفعل لنص التجريم وفقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، بينما يعني في جانبه السلبي زوال الخضوع لنص التجريم لأسباب الإباحة , وقد اختلف الفقهاء حول وجود الركن الشرعي إلى رأيين.
الرأي الأول:- الرأي الذي يأخذ بالركن الشرعي .
ذهب البعض إلى أنه ليس ثمة ما يحول دون اعتبار الركن الشرعي “أو ركن عدم المشروعية في المعنى الدقيق” ركناً في ثلاثية البناء القانوني للجريمة فلا تكتمل هذه الأخيرة إذن دون وجود ركن شرعي ، وركن مادي ، وركن معنوي , وقد أستند هذا الرأي إلى مبررات عديدة نذكر منها : من ناحية أولى تبدو دراسة عدم مشروعية الفعل أو نص التجريم كركن للجريمة أمراً يستجيب لاعتبارات الوضوح والاتساق النظري، لا سيما وأن دراسة الأركان العامة للجريمة هي في المقام الأول دراسة نظرية منهجية , ومن ناحية ثانية وأن كان صحيحاً أن نص التجريم هو خالق الجريمة وواهبها الوجود ، ولا يمكن أن يستساغ في المنطق أن يعتبر أحد عناصرها ، لأن الخالق لا يدخل فيما خلق , وأن كان هذا القول مقبولاً بصدد تحليل فكرة الجريمة في ذاتها ، بيد أن فكرة الجريمة ليست غاية منهجية في ذاتها ، بل تبدو سبباً لترتيب المسؤولية الجنائية لشخص فاعلها واستحقاقه العقاب .
ومن هذا المنظور الكلي يمكن اعتبار عدم مشروعية الفعل أو نص التجريم ركنا في الجريمة , فالركن الشرعي يعني التثبت ابتداء من نص التجريم ليس فحسب لأنه يضفي على السلوك الآثم أو الخاطئ صفة عدم المشروعية ، بل لأنه يحدد معالمها ، ويدقق عناصره, وينقله من طور حقائق الأشياء إلى مرتبة الكيان أو النموذج القانوني , ومن ناحية أخيرة ، فإن فكرة عدم مشروعية الفعل أو نص التجريم لا تستعصي على التحليل بوصفها ركناً شرعيا للجريمة شأنها شأن الركنين المادي والمعنوي . فلهذا الركن الشرعي عناصره ، له شروطه وضوابطه التي يجب توافرها في كل من هذه العناصر .
الرأي الثاني:- الاتجاه الذي لا يأخذ بمبدأ الركن الشرعي:
حيث يذهب هذا الاتجاه إلى أن اعتبار الركن الشرعي ركنا في الجريمة بوصفه نص التجريم من ثمة أدخل النص ذاته في البنيان القانوني للجريمة يعتبر قصور , ذلك مرجعه إلى أن النص هو الذي خلق الجريمة وواهبها الوجود وهو مستقل عنها ، ولا يمكن أن يعتبر أحد عناصرها لان الخلق لا يمكن أن يدخل فيما خلق ، إنما يظل له استقلالية ، فضلاً عن أنه من غير المنطقي إدراج قاعدة قانونية في فعل مادي يصطبغ بعدم المشروعية ، بينما النص القانوني مشروع في ذاته ، كما أن اعتبار النص عنصر في الجريمة يستتبع ضرورة العلم به لقيام القصد الجنائي ، وهو ما لا يسلم به أحد ، إذ لا عذر لأحد في جهله بأحكام القانون .
كما أن هنالك من أبتعد كل البعد عن دراسة الركن لشرعي في الجريمة ، مكتفيين بدراسة البناء القانوني للجريمة من خلال الركن المادي والركن المعنوي للجريمة , وهكذا يبدو التصور الصحيح للركن الشرعي , حيث أن نص التجريم ليس أحد مكونات الجريمة “المادي أو المعنوي للجريمة” من الناحية الفنية ولكن هذا لا ينفي أنه في حقيقته صفة تلازم كل من هذين الركنين غاية ما هنالك أن موضعها في بنيان الجريمة يتعين تغيره .
ويلاحظ ؛ الباحث ؛ أن كلا من الرأيين ، يمكن القول بصحته ؛ حيث أنه بالنظر للنص الجنائي المجرم للفعل نظرة ضيقه باعتباره خالقاً للجريمة فقط ، فها هنا لا يكون هنالك مجال لفكرة الركن الشرعي ، أما إذا نظرناً للنص الجنائي المجرم للفعل نظرة واسعة ، بحيث يكون وحدة من الوحدات المكونة للجريمة ككل ، فهنا يمكن إقحام الركن الشرعي داخل البنيان القانوني للجريمة ، ومع ذلك ، فإن الدراسة التقليدية للنص القانوني كمصدر للتجريم ، تغني عن دراسته في الركن الشرعي ، ويمكن ترك النصوص التي تبيح الفعل في مكانها التقليدي وهو القسم المخصص لدراسة أسباب الإباحة , منعا لما يثيره الركن الشرعي من لبس , ويرى الباحث ؛ أن الاتجاه الذي يذهب إلى الأخذ بالركن الشرعي تعوزه المبررات الجوهرية. فما ساقه لا يكفي بذاته للتدليل على وجود هذا الركن وهذا ما سيسببه الباحث فيما يلي:
1. فبالنسبة لقولهم بان الركن الشرعي أمر يستجيب لاعتبارات الوضوح والاتساق النظري فيكفي القول ، بأن الدراسة الهيكلية للجريمة لدى أغلب الفقهاء لم تتحمل إضافة هذا الركن ليس لصعوبة إقحامه ، ولكن نسبة لأن دراسته تخل بالتوضيح النظري للجريمة ومكوناتها نتيجة لما يؤدي إليه من خلط واضح بين القسم العام الذي يبين مصادر التجريم بصفة عامة وبين القسم الخاص الذي يأخذ بهذه المصادر بصورة مسلم بها.
2. إن قولهم بأن الركن الشرعي يجب توافره لترتيب المسؤولية الجنائية ، فإن هذا القول لا يتفق والواقع العملي ، فلم يعهد في القضاء أنه قد نفى المسئولية نتيجة لعدم توافر الركن الشرعي صحيح أن عدم وجود نص يجرم الفعل ، يؤدي إلى نفي الإدانة وتترتب البراءة ، وكذا أسباب الإباحة ، لكن القول بأن الجمع بين الشقين “النص ، والإباحة” باعتبارهما وجها الركن الشرعي يجب دراسته لاكتمال عناصر المسئولية الجنائية لم يحدث وإن قال القضاء به, لا سيما أن فكرة المسئولية قد تعددت مفاهيمها” وليس غريباً مع هذا التعدد من المعاني أن يجيء مفهوم المسئولية مشوباً بغموض يفضي إلى ارتباك بعض الباحثين إزاءه”.
3. أما القول أن لهذا الركن الشرعي عناصره وشروطه ، فهذا القول أن كان صحيحا بالنسبة لشروطه. ويقصد الباحث بالعناصر كما فهم ؛ الباحث ؛ وجها الركن الشرعي الإيجابي والسلبي ، ولكن ماذا عن شروط الركن الشرعي ، لا سيما تلك المتعلقة بنص التجريم ذاته تلك التي تشترط شروطاً نخاطب بها المشرع الجنائي حين يريد أن يخلق نص التجريم . فلو صدر نص جنائي خلافا للإجراءات القانونية لإصداره ، فهل يعني هذا أن هذه القواعد الإجرائية ؛ التي يجب أن يحترمها المشرع ؛ هل هي شرط من ضمن الشروط المتطلبة في الركن الشرعي إن القول بالإيجاب يؤدي إلى أننا اشترطنا شروطاً استجلبناها من القواعد التي يخاطب بها مجلس الشعب .
وهذا يؤدي بنا حين معالجة الركن الشرعي إلى وجوب التحقيق من احترام هذه القواعد وإذا كانت الإجابة بالنفي هي البديهية ، فإن هذا يؤدي إلى هدم المبررين السابقين ، فلا دراسة مثل هذه الشروط تؤدي إلى الوضوح والاتساق النظري ولا هذه الشروط تدخل في تكوين المسئولية الجنائية , وحيث أن هذا الدليل يتعلق بعنصر النص , كأحد وجهي الركن الشرعي فلا مجال للقول بأنه لا ينطبق على الرأي الذي يعرف الركن الشرعي بأنه عدم مشروعية الفعل لان الحديث أنصب على أحد العناصر المكونة للركن الشرعي ولم ينصب على وصف هذا الركن.
وتستلزم دراسة مفهوم الركن الشرعي: الحديث عن الوجه الإيجابي لهذا الركن , وكذا الوجه السلبي له ؛ حيث يتعرض الباحث في الأول لخضوع الفعل لنص التجريم وعدم خضوعه لنص إباحة .. في حيث يتعرض الباحث في الثاني إلي زوال خضوع الفعل لنص التجريم طبقاً لأسباب الإباحة .
أولا: الوجه الإيجابي:-
خضوع الفعل لنص التجريم وفقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
لقد كفلت الطبيعة للجنين بتوفير حماية له التعرض للهلاك قبل الولادة وأثنائها وحتى بعد خروجه إلى الحياة فهذا الحق مصان من التعرض أو الاعتداء ، فشرط البقاء هو أمر ضروري للأفراد الذين هم نواة المجتمع ، وهذا الحق له قيمة اجتماعية كبيرة تتحمل السلطة العامة دوام بقائه والمحافظة على استمراره حتى خروجه سليماً إلى الوجود , ومن هنا عاقب كل من المشروع المصري في المواد (260- 263) والمشرع الأردني في المواد (321 – 325) كل من يقدم على الاعتداء على حق الجنين في الحياة بما في ذلك المرأة الحامل.
فبالنسبة لقانون العقوبات المصري نصت المادة (260) على أنه “كل من أسقط عمدا امرأة حبلي بضرب ونحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة” أما المادة (261) فقد نصت على “كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلا لتها عليها سواء كان برضائها أم لا يعاقب بالحبس” ونصت المادة 262 “المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب لإسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها”, ونصت المادة (263) “إذا كان المسقط طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة يحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة”.
كما نهج المشرع الأردني نفس النهج حيث خصص لجريمة الإجهاض المواد من (321 – 325) من قانون العقوبات الأردني. فنصت المادة (321) على ما يلي: “كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات” . أما المادة (322) فقد نصت على “من أقدم بأية وسيلة كانت على الإجهاض امرأة برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات” وتنص الفقرة الأولى من المادة (323) على أن “من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على عشر سنوات” , وتنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أنه “ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة” . وتنص المادة (324) على أن “تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها ويستفيد كذلك من العذر نفسه من أرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين (322 ، 323) للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثالثة”, وتنص المادة (325) على أنه “إذا كان مرتكب الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة ، يزيد على العقوبات المعنية مقدار ثلثها”, وبذلك يحمي القانون الجنين من أجراء عمليات الإجهاض التي تقوم بها المرأة الحامل للتخلص من الجنين الذي في أحشائها .
لذا ومن خلال النصوص السابقة التي تجرم الإجهاض نجد أن تلك النصوص تكفل حماية النفس البشرية في مرحلة الحمل ، حيث أن المشرع يجرم كل فعل يؤدي إلى إجهاض المرأة الحامل مع عملية بأنها حامل . ولا يهم نوع الفعل الذي أستخدمه الجاني فأي نشاط تجاه الحامل يؤدي إلى إجهاضها ، سواء كان ذلك باستخدام القوة الجنائية خيرها أو إعطائها مادة ضارة أدى أضافتها ، كما يتصور أن يكون الإجهاض بالقول وليس فعلا ، فالنبأ المزعج الذي قد ينفل إلى المرأة الحامل يهزها نفسيا مما يؤدي إلى أضاعفها ثم مرضها مما يترتب عليه الإجهاض(2), والشارع في جريمة الإجهاض لا يحمي حقا واحداً فحسب وإنما حقوقاً متعددة أحدهما رئيسي وسائرها ثانوي وهذا الحق الرئيسي المقصود بالحماية أصلاً هو حق الجنين في الحياة المستقبلية ، أي حقه في النمو الطبيعي داخل الرحم حتى ميلاده , ومن ثمة تأمين الحياة السليمة له من رفاهية وصحة وتعليم وأن أي إفناء للجنين هو جريمة يعاقب عليه القانون.
كما يتبين لنا بوضوح عناية المشرع بحماية الأم وجنينها من إخطار الإجهاض كما أنه لا يريد المساس بسلامة الأم ولا يرغب في النتيجة السيئة المترتبة على الاعتداء عليها لذلك فإن المشرع وضع مثل تلك النصوص لتفادي مثل تلك النتيجة .
ويتضح لنا مما سبق أن الإجهاض مجرم ومعاقب عليه باعتبار أن الطفل هو امتداد طبيعي للجنين والجنين هو المقدمة الضرورية لإنسان معين ، والاعتداء عليه سيعد الإجهاض جريمة توجب على المشرع التدخل من خلال النصوص القانونية التي تجرم الإجهاض وتفرض على مرتكبه عقوبة رادعة ، حيث أن الإجهاض هو إفناء متعمد للجنين الإنساني ؛ والذي هو مرحلة من حياة إنسان معين وضع خطوته على أبواب الحياة , ومن هنا يجب العمل والحرص على أن يستكمل الجنين نموه ، ويتم مولده وخروجه إلى الحياة , وهكذا تبين لنا توافر الركن الشرعي في وجهة الإيجابي لجريمة الإجهاض فهل يتوافر الوجه السلبي كذلك ؛ هذا ما سيدرسه الباحث فيما يلي :
ثانياً : الوجه السلبي
زوال خضوع الفعل لنص التجريم طبقا لأسباب الإباحة .
أن نصوص التجريم أو نصوص قانون العقوبات ليست مطلقة بل أن هناك بعض القيود التي تحد من نطاقها تتمثل في مجموعة من المصالح المعتبرة قانوناُ بحيث تقلب هذه المصالح الأفعال المجرمة إلى أفعال مباحة , وأما سبب الإباحة , فيقصد به : رفع صفة الجريمة عن الفعل بحيث يصبح فعلاً مباحاً ومشروعاً إذا أرتكب في ظروف تنتفي فيها العلة من تجريمه ، ومن هنا ترتبط أسباب الإباحة بالركن الشرعي للجريمة إذ تعد في جوهرها نفيا لهذا الركن .
وبالنظر إلى القوانين المعاصرة نجد أنه كانت في البداية تجرم الإجهاض وتعاقب على إتيانه بنصوص جنائية واضحة بحيث تكون رادعة لمن يرتكب الإجهاض ، ثم بدأت القوانين بعد ذلك تتخفف من الغلو في التجريم ، إلى الإباحة التدريجية الأسباب طبية بحتة لإنقاذ حياة الأم أو صحتها من خطر الموت أو الأمراض النسائية المختلفة وقد نهج المشرع الأردني نهج تلك القوانين .
حيث نصت المادة “89” من قانون العقوبات الأردني على أنه “لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو عن ملكة أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبب هو فيه قصداً شرط أن يكون الفعل متناسباً والخطر” كما أعتبر المشرع الأردني العمليات الجراحية والعلاجات الطبية سبب إباحة , حيث نص قانون العقوبات الأردني في الفقرة الثانية من البند الثاني من المادة 62 على أن “العمليات الجراحية والعلاجية الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجرى برضى العليل أو رضى ممثليه أو في حالة الضرورة الماسة”.
كما حرص قانون الصحة العامة رقم 21 لسنة 1971 في المادة 62 منه والدستور الطبي الصادر بموجب المادة 16/ أ من قانون نقابة الأطباء المؤقت رقم 3 لسنة 1970 بموجب المادتين (43 و 44) على تنظيم وضع إباحة الإجهاض العلاجي ، والمأخوذة عن قانون الإجهاض الإنجليزي الصادر سنة 1967 والخاص بإباحة الإجهاض ، والمادة 43 من الدستور الطبي وردت على النحو التالي:
“الإجهاض العلاجي هو الذي يتم بوضع حد للحمل عندما تكون حياة الأم معرضة للخطر ولا سبيل لإنقاذها إلا بإجرائه ويراعي في ذلك.
أ?- أن يتم برأي طبيبين أحدهما يجري العملية ويسجل بهذا محضر.
ب?- إذا كانت الحامل قاصراً ، يجب الحصول على موافقة زوجها أو المسئول عنها.
ج- إذا رفت الحامل إجراء العملية ، رغم توضيح الطبيب لها خطورة وضعها فعليه الامتثال لأرادتها.
د- عندما لا يناسب الطبيب إجراء الإجهاض بسبب معتقداته الشخصية.
فعلية أن ينسحب مسلما لزميل آخر , ويستثنى من ذلك الحالات المستعجلات الداعية للتدخل السريع”.
ونصت المادة 44 على أنه ” إزاء ولادة متعسرة يكون الطبيب هو الحكم الوحيد فيما يختص بالحفاظ على حياة الأم والجنين دون التأثر باعتبارات عائلية.
في حين ورد نص المادة 62 من قانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 1971 على ما يلي:
أ?) يحظر على أي طبيب وصف أي شئ بقصد إجهاض امرأة حامل أو إجراء عملية إجهاض لأي حامل ، وإنما يجوز إجهاض الحامل في مستشفى مرخص أو في دار للتوليد مرخصة إذا كانت عملية الإجهاض ضرورية لتلافي تعريض حياة الحامل للموت أو للمحافظة على صحتها شريطة:
1- أن يسبق ذلك موافقة خطيه من الحامل بإجراء العملية. وفي حالة عدم مقدرتها على الكتابة أو عجزها عن النطق فتؤخذ هذه الوثيقة من زوجها أو المسئول عنها.
2- أن يشهد طبيبان مرخصان على أن العملية ضرورية للمحافظة على حياة الحامل أو صحتها.
ب?) على المسئول عن المستشفى أو دار التوليد أن يسجل في قيود أسم الحامل وتاريخ إجراء العملية ونوعها وأن يحتفظ لمدة عشرة سنوات بالموافقة الخطية وبشهادة الطبيبين.
ج) تزويد الحامل بشهادة مصدقة من المدير أو المسئول عن المستشفى أو دار التوليد تضمن المعلومات المعنية في الفقرة السابقة, وعلية لا تلاحق الحامل ولا يعتبر الشخص أو الأشخاص الذين أجروا أو اشتركوا في إجراء عملية الإجهاض وفقا لما تقدم أنهم اقترفوا جريمة إجهاض.
أما بالنسبة للتشريع المصري فلا يوجد نص صريح يبيح الإجهاض ألا أن الفقه , ذهب إلى امتناع مسئولية الفاعل في الإجهاض إذا توافرت شروط حالة الضرورة كما وردت بنص المادة 61 عقوبات والتي جاء بها, ” لا عقاب على من أرتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى”.
ويتبين للباحث ؛ أن إباحة الفعل تجد أساسها في حالة الضرورة بتوافر شروطها وليس ثمة خلاف حولها حينئذ ، ولكن قد تثور مسائل أخرى تشتبه بحالة الضرورة ويدق أمرها على الفقهاء مما يجعلهم يختلفون حولها ، ونسبة لأهمية هذه المسائل فأن الباحث أثر أن يوردها في مبحث مستقل ، على أن يقتصر في هذا المقام على دراسة حالة الضرورة المتفق حولها تلك المتعلقة بالإجهاض لإنقاذ حياة الأم ، والإجهاض العلاجي .
المطلب الثاني
أثر رضاء الحامل بالإجهاض
قد لا يخفّي أنه من المستحيل البحث في رضاه المجني عليه ، في مثل هذه الجريمة ذلك أن المجني عليه فيها هو الجنين ، والجنين ليست له إرادة يمكن أن تصدر رضا يرتب أثاراً قانونية وبالتالي تمتنع إمكانية الكلام عن رضاء المجني عليه وأثره في الإجهاض المتعلق بإجهاض المرأة الحامل لنفسها ، لذلك فسيقتصر الباحث ؛ على دراسة رضاء الأم الحبلى .
عرض المشرع المصري لهذه الصورة من الإجهاض في نص المادة (262) من قانون العقوبات المصري التي جاء بها “المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها “يقصد الوسائل المؤدية للإسقاط”، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها” “أي الحبس”.
كما أشار إلى تلك الصورة المشرع الأردني في المادة (321) من قانون العقوبات الأردني “كل امرأة أجهضت نفسها ، بما استعملته من الوسائل ، أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل ، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”
وقد أراد الشارع من خلال تلك النصوص أن يؤكد التزام الحامل بالمحافظة على حملها وهذا الالتزام يستمد قوته من الرسالة الطبيعية الاجتماعية للمرأة ، بحيث منع الحامل من أن تجهض نفسها ، وألزمها أيضا بمنع الغير من إجهاضها أو تعريض حملها للخطر ، فرضا الحامل لا يعتبر سبباً لإباحة الفعل إذ يتعلق الاعتداء بحق الجنين في الحياة حيث أن الحق موضوع الحماية ليس للأم حتى يكون لرضائها بالاعتداء عليها ما يبيحه ، وإنما هو للجنين فهي غير ذات صفة للتصرف فيه ، والجنين وأن لم يولد ، ألا أنه يكون مجنياً عليه متى وجه إليه فعل جنائي يتضمن خرقا للحماية القانونية التي وفرها له القانون ، لذا يتضح أن فكرة رضاء المجني عليه لا يمكن أثارتها لأن المرأة الحامل ليست هي الشخص المجني عليه إنما هي ذاتها الجاني ، لذا فأن صفة المجني عليه تخلص للجنين وحدة.
ولكي تكون المرأة مسئولة جنائياً وفقا للمواد السابقة يجب أن يكون رضاؤها صحيحاً غير مشوب بأكراة أو غلط أو تدليس ، لأن الرضاء المعيب على هذا النحو يساوي انعدام الرضاء وسواء كانت هي مرتكبة الفعل أو كان غيرها ، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في الإجهاض سواء أكان نشاطها إيجابياً أو سلبياً فأن المرأة الحامل التي رضيت بالإجهاض تسأل عن هذه الجريمة بشرط أن تترتب النتيجة بالفعل , والشارع يؤكد التزاماً عليها بالحفاظ على حملها حتى مولده ميلاداً طبيعياً ، وذلك لأن للحمل قيمة اجتماعية لا تملك المرأة الحامل التصرف فيها، لذا لم يعتد المشرع المصري برضاء الحامل كسبب من أسباب إباحة الإجهاض بل عاقب المرأة الحامل إذا أسقطت نفسها أو رضيت بتعاطي أدوية أو رضيت للغير بإسقاطها كما هو واضح من نص المادة (262) من قانون العقوبات المصري , ذلك أن حق المرأة الحامل في سلامة جسمها .
واختيار الإبقاء أو عدم الإبقاء على الحمل ليس هو الحق الذي يحميه القانون بل أن القانون يحمي حق الجنين وليس لها الرضاء أو عدم الرضاء عن الإسقاط ، وبالتالي فليس من حقها أن تتصرف في حملها ، لذلك عاقب القانون على الإجهاض ولو وقع من الحامل على نفسها ، وعاقبها إذا رضيت بتعاطي الأدوية أو استعمال وسائل المؤدية إلى الإجهاض أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها, وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية “أن رضا الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة وذلك أن للنفس البشرية حرمه ولا تستباح بالإباحة” ، ومن ثم فان ذهاب المجني عليها برضاها إلى المحكوم عليه الأول ليجري لها عملية الإسقاط ووفاتها بسبب ذلك لا ينفي خطأ المحكوم عليه المذكور وليس في مسلك المجني عليها ما يقطع علاقة السببية بين فعل الإسقاط وبين وفاة المجني عليها.
ونهج المشرع الأردني نهج المشرع المصري بحيث لم يعتبر الرضاء مبرر لإباحة الإجهاض بل نص على ضرورة إبقاء الإجهاض مجرماً ، كون الإجهاض تحطيم كائن بشري قد بدأت الحياة تدب فيه فعلاً ، فضلاً عن أن الإجهاض يثير مشكلات دقيقة ليس من الناحية الأخلاقية والصحية فحسب ، وإنما من الجهة الاجتماعية والقانونية أيضاً، ولا أهمية لنوع الوسيلة التي استخدمتها الحامل في إجهاض نفسها ، فقد يأتي سلوكها في صورة استعمال وسائل الإجهاض بمحض أرادتها ودون تدخل من شخص آخر ، أو في صورة الرضاء الصادر من المرأة الحامل ، أي بأن ترضي أن يستعمل غيرها وسائل الإجهاض عليها وكل ذلك يدخل ضمن دائرة الأفعال المحققة لنموذج
5 فبراير، 2019 at 2:37 ص
وين الكه مصادر هذا البحث؟