بحث قانوني و دراسة عن وسائل المحافظة على الضمان العام
تمهـــــــــــيد:
للدائن على جميع أموال مدينه ضمان عام وفقاً لنص المادة233 مدني. وهذه القاعدة تعني:
(1)أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه.
(2)جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا ما كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون.
وعلى ذلك فإذا تصرف المدين في أمواله سواءً كانت عقارات أو منقولات فإنه سوف يؤثر بالطبع في ذمته المالية ويخرج من ثم المال المتصرف فيه من الضمان العام. كذلك فإنه إذا ما أعسر المدين نتيجة لزيادة ديونه على أمواله فإن الدائن صاحب الضمان العام سوف يتعرض لمخاطر هذا الإعسار كاقتسام الأموال المتبقية في ذمة مدينه بينه وبين غيره من الدائنين قسمة الغرماء أي كل بنسبة حصته.
لذلك فإن المشرع قرر حماية الدائن بتقرير بعض الإجراءات التحفظية التي يستطيع من خلالها المحافظة على أموال الضمان العام. ومن بين هذه الوسائل الدعوى غير المباشرة . ودعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البولصية). ودعوى الصورية. والحق في الحبس. وشهر إعسار المدين.
المبحث الأول
الدعوى غير المباشرة
أولاً:تعريف الدعوى غير المباشرة وصورها
هي وسيلة يستخدم فيها الدائن سلطة مدينه في المطالبة بحقوقه ضد مدين المدين. وذلك باسم مدينه ونيابة عنه.
وتختلف صورة هذه الدعوى باختلاف الوسائل أو الأهداف التي يستطيع الدائن اتخاذها أو تحقيقها من وراء هذه الدعوى. فقد يكون الهدف من الدعوى قطع تقادم يسري في حق مدينه. أو قد يكون الهدف منها تسجيل عقد قام المدين بموجبه بشراء عقار. أو بإعلان خصوم المدين بالحكم الذي صدر لمصلحة مدينه. أو بقيد رهن تم لمصلحة المدين … إلخ.
ثانياً:تمييز الدعوى غير المباشرة عن الدعوى المباشرة
الدعوى المباشرة: هي وسيلة أكثر فعالية من الدعوى غير المباشرة. حيث لا يستعمل الدائن حقوق المدين باسمه ونيابة عنه كما هو الحال في الدعوى غير المباشرة. وإنما يباشر الدائن هذه الدعوى ويطالب بحقوق مدينه من مدين مدينه باسمه الشخصي. وعندما يفي مدين المدين بما عليه فإن الدائن رافع الدعوى المباشرة يستفيد من هذا الوفاء وحده دون مزاحمة باقي الدائنين له في هذا الوفاء.
وعلى هذا فإن الدعوى المباشرة تعد من قبيل الضمان الخاص الذي يتيحه المشرع لصاحب الحق. لذلك فهي لا تتقرر لأي دائن إلا بنص قانوني خاص.
ومن هذه النصوص الخاصة التي تقرر الدعوى المباشرة للدائن. النص الذي يتيح للمؤجر الأصلي مطالبة المستأجر من الباطن بما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي (م 569 مدني).
ونص المادة662 مدني الذي يعطي المقاول من الباطن والعمال الذين يشتغلون لحسابه الحق في مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى.
كذلك يعطي نص المادة708 مدني الحق لنائب الوكيل في المطالبة بحقوقه قبل الموكل مباشرة. كما يجوز للأخير أن يطالب نائب الوكيل بتنفيذ العمل الموكل به مباشرة.
ثالثاُ:شروط الدعوى غير المباشرة
نظراً لأن الدعوى غير المباشرة تمثل تدخلاً في شئون المدين. فإن المشرع قد وضع لها شروطاً تقيد الدائن في استخدامها بنص المادة 235 مدني.
الشروط التي ترجع إلى الدائن
أن يكون حق الدائن موجوداً( أي محققاً ) ومؤكداً:
فإن كان حق الدائن احتمالي. كحق الوارث في تركة مورثه قبل وفاته. فلا يمكن للدائن أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه.
أما إذا كان الحق معلق على شرط فاسخ فإن ذلك لا يتعارض مع تحقق وجود حق الدائن. لأن الحق المعلق على شرط فاسخ هو حق موجود بالفعل وإن تهدد بالزوال في المستقبل في حالة تحقق الشرط الفاسخ.
أما إذا كان الحق معلقاً على شرط واقف. فإن الدائن لا يستطيع أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه في هذه الحالة. وذلك لأن الحق المعلق على شرط واقف غير موجود بالفعل. وإنما وجود الحق معلق على تحقق الشرط الواقف.
لكن لا يشترط من ناحية أخرى أن يكون حق الدائن مستحق الأداء. فالدائن صاحب الحق المضاف إلى أجل واقف يستطيع أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه.
كذلك لا يشترط حصول الدائن على إذن مسبق من القضاء لرفع الدعوى غير المباشرة نيابةً عن مدينه. كما يمكن للدائن صاحب التأمين العيني أن يرفع الدعوى غير المباشرة مثله في ذلك مثل الدائن العادي. لأن الدائن صاحب التأمين العيني هو في ذات الوقت دائن عادي يتمتع بالضمان العام على أموال مدينه.
الشروط التي ترجع إلى المدين
1-تقصير المدين في استعمال حقه بنفسه
لا يجوز للدائن أن يرفع الدعوى غير المباشرة باسم مدينه ونيابة عنه إلا إذا كان هذا المدين مهملاً أو مقصراً في المطالبة بحقوقه أو المحافظة عليها.
وعلى ذلك. إذا رفع الدائن الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه لإهماله في المطالبة بحقوقه ثم نشط هذا المدين وأراد أن يقوم بنفسه بمباشرة الدعوى. فإن على الدائن الامتناع عن مباشرة السير في الدعوى. وكل ما له من حق في هذه الحالة هو أن يتدخل في الدعوى بوصفه خصماً ثالثاً حتى يراقب المدين في المطالبة بحقوقه ويحترز لأي تواطؤ يمكن أن يقع بين المدين ومدين المدين ( المدعى عليه في الدعوى).
2-أن يؤدي تقصير المدين إلى إعساره أو الزيادة في إعساره
فإذا كان تقصير المدين في المطالبة بحقوقه بنفسه لا يترتب عليه أي تهديد بالضمان العام للدائن. فلا يتسبب عنه إعسار المدين أو زيادة إعساره. فلا يوجد مصلحة للدائن في رفع الدعوى غير المباشرة في هذه الحال.
ويقصد بالإعسار في هذه الحالة الإعسار الفعلي. وهو الإعسار الذي يتحقق عندما تزيد ديون المدين الحال منها والآجل على حقوقه أو أمواله. وليس المشترط في هذه الحال هو الإعسار القانوني الذي يترتب عنه أن تزيد ديون المدين الحالة فقط على أمواله. فهذا الإعسار يتطلب حكماً من القضاء يقضي بشهر إعسار المدين.
ويلاحظ أن عبء إثبات إعسار المدين إعساراً فعلياً يقع على الدائن. ويكفيه في هذا الشأن أن يثبت مقدار ما في ذمة المدين من ديون. في حين يقع على المدين ـ إذا ما أراد أن يمنع رفع الدعوى غير المباشرة نيابة عنه ـ أن يثبت أن في ذمته من الأموال ما يكفي لسداد ديونه.
3-إدخال المدين خصماً في الدعوى
يجب على الدائن أن يقوم بإدخال المدين خصماً في الدعوى التي يرفعها نيابة عنه. فإذا لم يقم الدائن بإدخال مدينه خصماً في الدعوى كان للمدعى عليه أن يدفع بعدم قبول الدعوى.
ويترتب على دخول المدين خصماً في الدعوى إتاحة الفرصة له لتنحية الدائن ومباشرة الدعوى بنفسه. كما أن من شأن هذا الإدخال أن يجعل من الأحكام الصادرة في الدعوى حجة عليه.
هذا ولا يشترط أن يقوم الدائن بإدخال غيره من الدائنين معه في الدعوى. لكن يحق لأي من الدائنين أن ينضم إلى الدعوى لمراقبة سيرها أو لمساعدة الدائن رافع الدعوى في مواجهة الغير.
الشروط التي ترجع إلى الحق الذي يستعمله الدائن باسم مدينه
يستطيع الدائن كقاعدة عامة أن يستعمل جميع حقوق مدينه نيابةً عنه باستثناء ما كان منها متصلاً بشخصه أو إذا ما كانت الحقوق غير قابلة للحجز عليها(م 235 مدني).
4-الحقوق غير القابلة للحجز عليها
يقصد بهذه الحقوق تلك الحقوق التي تخرج من الضمان العام للدائنين ولا تعد عنصراً من عناصره. ومن هذه الحقوق على سبيل المثال: حق النفقة وحق السكنى وحق الاستعمال.
وعلة هذا الاستثناء تتمثل في أن الحقوق التي لا يجوز الحجز عليها لا يستطيع الدائنون بيعها واستيفاء حقوقهم من ثمن بيعها. لذلك تنعدم مصلحتهم في المطالبة بها نيابة عن مدينهم.
5-الحقوق المتصلة بشخص المدين
يقصد بهذه الحقوق تلك الحقوق التي تتصل باعتبارات شخصية يقدرها المدين وحده. ومن أمثلة هذه الحقوق حق المدين في قبول الهبة. وحقه في الرجوع عن قبولها. وحقه في تطليق زوجته.
وعلة هذا الاستثناء هي المحافظة على كرامة المدين وتقييد تدخل الدائنين في حريته في إدارة شئونه الشخصية.
رابعاً:آثار الدعوى غير المباشرة
آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للمدين
يتضح من النصوص القانونية المنظمة لهذه الدعوى أن الدائن ينوب عن مدينه نيابة قانونية في استعمال حقوقه.
وعلى ذلك فإن التصالح في الحق المطالب به بالدعوى غير المباشرة ينعقد للمدين وحده ولا يجوز للدائن أن يتصالح فيه. كما يجوز للمدين أن يتصرف في الحق محل المطالبة ببيعه أو بمقايضته أو بأي نوع من التصرفات القانونية أو المادية. وليس للدائن إذا ما تصرف المدين في أمواله على هذا النحو إلا أن يطعن في تصرفه بالدعوى البولصية.
آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للخصم
لما كان الدائن رافع الدعوى غير المباشرة نائباً نيابة قانونية عن مدينه. لذلك فإن آثار هذه الدعوى تنصرف في العلاقة بين المدين الذي ترفع الدعوى باسمه وبين الخصم المدعى عليه في الدعوى غير المباشرة.
وعلى ذلك فإن الخصم يستطيع أن يدفع في مواجهة الدائن بكل الدفوع التي يحق له أن يدفع بها في مواجهة المدين. فيستطيع الخصم مثلاً أن يدفع في مواجهة الدائن بالتقادم والمقاصة وبطلان التصرف لأي سبب من أسباب البطلان كالإكراه أو الغلط أو الغش ونحو ذلك.
كما أنه ـ ومن ناحية ثانية ـ ليس للدائن رافع الدعوى غير المباشرة أن يتمتع بحقوق أكثر من حقوق مدينه. فليس له مثلاً أن يسلك طريق من طرق الإثبات لا يستطيع المدين أن يسلكه. كما أنه إذا تصالح المدين مع الخصم بنيه إنهاء النزاع القائم بينهما فإن للخصم أن يتمسك بهذا الصلح في مواجهة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة.
لكن يلاحظ أن الخصم لا يستطيع أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع الخاصة بينه وبين هذا الدائن. فلا يستطيع مثلاً أن يتمسك بالمقاصة بين دين له في ذمة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة وبين ما في ذمته للمدين.
آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للدائن وغيره من الدائنين
يحق للدائن رافع الدعوى غير المباشرة المطالبة بكل ما للمدين من حقوق اتجاه مدين المدين. كما أن له أن يدفع أثناء نظر الدعوى بكافة الدفوع التي كان باستطاعة المدين أن يدفع بها.
لكن حصيلة الدعوى لا تعود في النهاية إلى ذمة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة وإنما تعود إلى ذمة المدين لتدخل في الضمان العام لجميع الدائنين. فرافع الدعوى لا يكون له أية أفضلية على غيره من الدائنين.
المبحث الثاني
دعوى عدم نفاذ التصرف
(الدعوى البولصية)
أولاً:تعريف دعوى عدم نفاذ التصرف والهدف منها
هي إحدى الوسائل التي وضعها المشرع تحت تصرف الدائنين بقصد حمايتهم من التصرفات التي يبرمها المدين بسوء نية إضراراً بهم.
وهذه الدعوى لا تهدف في الحقيقة إلى إبطال تصرفات المدين. ولكن الهدف منها عدم الاحتجاج بالتصرف الصادر من المدين على الدائن رافع الدعوى.
ثانياُ:شروط دعوى عدم نفاذ التصرف
الشروط التي ترجع إلى الدائن
1-أن يكون حق الدائن محقق الوجود ( موجود )وخالياً من النزاع
فالدائن صاحب المصلحة الحقيقية في رفع هذه الدعوى هو الذي تأكد حقه. أما الدائن صاحب الحق الاحتمالي ( المعلق على شرط واقف مثلاً ) فلا يحق له رفع هذه الدعوى.
2-أن يكون حق الدائن مستحق الأداء وسابقاً في نشوئه على التصرف المطعون فيه
إذا كان التصرف الصادر من المدين إلى الغير من قبيل المعاوضات( أي تصرف بمقابل كالبيع مثلاً ) فإن المشرع تتطلب في هذه الحالة أن يكون حق الدائن الذي يجوز له رفع هذه الدعوى مستحق الأداء وقت قيام المدين بإبرام التصرف. والحكمة التي تتطلب المشرع هذا الشرط من أجلها هي أن مصلحة المتصرف إليه. إذا كان التصرف معاوضةً. تتساوى مع مصطلحة الدائنين السابقين للمتصرف. فلا يحق لأي دائن أن يطعن على هذا التصرف إلا إذا كان حقه مستحق الأداء وقت إبرام المدين لهذا التصرف.
أما إذا كان التصرف الصادر من المدين إلى الغير من قبيل التبرعات( كالهبة مثلاً ). فإن المشرع أعطى الحق لجميع الدائنين أصحاب الحقوق الموجودة وقت إبرام التصرف بالطعن على هذا التصرف بعدم النفاذ في مواجهتهم.
وعلة هذه التفرقة بين ما إذا كان تصرف المدين بمقابل( معاوضة ) وتصرفه تبرعاً أن تصرف المدين المعسر إذا كان تبرعاً يفترض فيه أنه وقع إضراراً بالدائنين. فالتبرع يعني خروج أموال من ذمة المدين بدون مقابل. وهذا في حد ذاته يعد مفسدة. ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع. لذلك قد أعطى المشرع أي دائن الحق في الطعن على هذا التصرف بعدم النفاذ حتى ولو لم يكن حقه مستحق الأداء. فحق الدائنين يعد أجدر بالرعاية في هذه الحالة من مصلحة المتبرع إليه. وذلك كله بعكس ما إذا كان التصرف بمقابل. ذلك أن التصرف بمقابل لا يجوز فيه افتراض سوء نية المدين إضراراً بالدائنين. فقد يكون تصرف المدين بمقابل تم بهدف سداد ديونه مثلاً.
كذلك يجب أن يكون حق الدائن سابقاً في نشوئه على التصرف المطعون فيه. فإذا نشأ حق الدائن بعد إبرام المدين للتصرف سواءً كان معاوضةً أو تبرعاً. فلا يحق للدائن أن يطعن على هذا التصرف السابق على نشوء حقه بالدعوى البولصية لأن حقه وقت إبرام التصرف لم يكن له وجود.
الشروط التي ترجع إلى المدين
3-الإعسار
يشترط المشرع لممارسة دعوى عدم نفاذ التصرف أن يكون تصرف المدين مؤدياً إلى إعساره. أي إلى زيادة ديونه على أمواله. وأن يبقى الإعسار حتى وقت رفع الدعوى.
والمقصود بالإعسار هنا هو الإعسار الفعلي. حيث يؤدي التصرف الذي أبرمه المدين إلى زيادة ديونه ـ الحال منها والآجل ـ على حقوقه أو أمواله. وهو ذات الإعسار المتطلب في الدعوى غير المباشرة.
والإعسار متصور حتى في الفرض الذي يتصرف فيه المدين معاوضةً. ذلك أنه قد يبيع أمواله بثمن بخس. أو قد يبيع في وقت تتسم فيه الأثمان بالاتجاه إلى الانخفاض. كذلك قد يشتري المدين شيئاً بثمن مغالى فيه أو في وقت تتسم فيه الأثمان بالاتجاه إلى الارتفاع.
ويقع عبء إثبات إعسار المدين على الدائن رافع الدعوى. على أنه يكفي هذا الأخير أن يثبت ما في ذمة المدين من ديون. فينتقل عبء الإثبات إلى المدين ليثبت أن له من الأموال ما يكفي لسداد ديونه أو ما يزيد عليها.
4-الغش أو التواطؤ
يجب أن يكون تصرف المدين منطوياً على غش أو تواطؤ. وأن يتصل هذا الغش بعلم المتصرف إليه حتى يمكن الطعن على التصرف بعدم النفاذ.
ولكن يجب أن نفرق هنا بين حالتين:
الحالة الأولى:إذا كان تصرف المدين بعوض كالبيع مثلاً
فيشترط لإمكان الطعن على هذا التصرف أن يكون منطوياً على غش من المدين وأن يكون من صدر له التصرف على علم به.
ويقصد بالغش أن يكون المدين قاصداً من وراء التصرف الإضرار بالدائن.
ونظراً لأن إثبات الغش أمر صعب على الدائن رافع الدعوى. فإن المشرع قد يسر له هذا الإثبات فقرر أن الدائن عليه فقط لإثبات الغش أن يثبت أن المدين قد تصرف وهو معسر. ويعتبر من صدر له التصرف عالماً بهذا الغش إذا أثبت الدائن أن المتصرف إليه كان يعلم بإعسار المدين وقت التصرف.
وعلى ذلك فإن المتصرف إليه يمكن له التخلص من الطعن على التصرف بعدم النفاذ إذا أثبت أنه كان حسن النية ولا يعلم بإعسار المدين وقت التصرف.
ومع ذلك يستطيع المتصرف إليه أن يثبت حسن نيته حتى ولو قام الدائن بإثبات علمه بإعسار المدين. وذلك حين يثبت أنه بالرغم من علمه بإعسار المدين. فإنه كان يجهل أن التصرف قد تم إضراراً بالدائن.
الحالة الثانية:إذا كان تصرف المدين تبرعاً كالهبة مثلاً
فإن هذا التصرف لا ينفذ في حق الدائن حتى ولو كان المتصرف إليه حسن النية. وحتى ولو لم يثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشاً. وعلة ذلك هو كما سبق وأن ذكرنا أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع. فالمتصرف إليه تبرعاً ينتظر الحصول على منفعة بحتة دون مقابل. أما الدائن فإن التصرف قد أصابه ضرر لأنه بدون مقابل. فمصلحة الأخير تقدم على مصلحة المتبرع إليه لدرء المفسدة عنه.
الشروط التي ترجع إلى التصرف المطعون فيه
صدور تصرف قانوني من المدين
فإن ما يصدر من المدين من أعمال مادية ولو كانت أعمال ضارة( كحوادث السيارات التي يتسبب فيها المدين ) لا يمكن الاحتجاج بعدم نفاذها في مواجهة الدائنين وإن ترتب عليها تحميل المدين بالتزامات. وذلك لأن القول بعدم الاحتجاج بهذه الأعمال في مواجهة الدائنين معناه عدم حصول المضرور على التعويض عما أصابه من حوادث وهو ما لا يجوز.
أن يكون تصرف المدين ضاراً بالدائنين
ويعد التصرف القانوني الصادر من المدين ضاراً بالدائنين إذا كان تصرفاً مفقراً للمدين. وهو لا يكون كذلك إلا إذا أدى إلى الانتقاص من حقوق المدين ( كإخراج مال من ذمته تبرعاً أو بمقابل بثمن بخس ). أو أدى إلى زيادة التزاماته (كأن اقترض المدين بعقد قرض بفوائد).
أما إذا كان التصرف لا ينقص من حقوق المدين أو يزيد من التزاماته( كعدم قبول المدين الهبة مثلاً ) فلا يجوز للدائنين الاحتجاج على هذا التصرف بعدم النفاذ. لأن قبول الهبة من عدمه يقوم على اعتبارات شخصية وأدبية لا يستطيع تقديرها إلا المدين.
أن يكون تصرف المدين تالياً في النشوء حق الدائن
فلا يتصور بالطبع أن يصيب الدائن ضرراً من جراء تصرف المدين إذا كان تصرف المدين قد تم قبل نشوء حق الدائن.
ومع ذلك فإنه إذا أبرم المدين تصرفاً يريد به الإضرار بدائن مستقبل. فإن أي دائن يستطيع أن يحتج على هذا التصرف بالدعوى البولصية. ومن أمثلة هذه الحالة أن يبيع المدين عقاراته كلها قبل أن يبرم عقد القرض. ففي هذه الحالة فإن الغش يؤدي إلى استبعاد هذا الشرط.
ويقع على الدائن عبء إثبات أن تاريخ التصرف المطعون عليه لاحق على حقه.
ثالثاً:آثار دعوى عدم نفاذ التصرف
يجب أن نلاحظ أولاً أن هذه الدعوى لا تهدف إلى إبطال تصرفات المدين. ذلك أن البطلان هو وصف يلحق التصرفات القانونية التي لم تستكمل الأركان والشروط التي يتطلبها القانون فيها عند نشوئها. لكن هذه الدعوى تهدف إلى حماية الدائنين من التصرفات الصحيحة التي يبرمها المدين ويترتب عليها إضراراً بهم.
آثار الدعوى بالنسبة للدائنين
متى تقرر عدم نفاذ التصرف يستفيد منه جميع الدائنين الذين صدر التصرف إضراراً بهم. وعلى ذلك فإن الدائن رافع الدعوى وغيره من الدائنين لا يمكن الاحتجاج بالتصرف في مواجهتهم. فيستطيع أي دائن منهم اتخاذ كافة إجراءات التنفيذ على المال محل التصرف كما لو كان باقياً في ذمة المدين.
آثار الدعوى على العلاقة بين المتصرف والمتصرف إليه
إن دعوى عدم نفاذ التصرف لا تمس وجود التصرف المبرم بين المدين( المتصرف ) والمتصرف إليه. فإن هذا التصرف يبقى صحيحاً منتجاً لجميع آثاره.
وعلى ذلك فإن للمتصرف إليه أن يرجع على المدين المتصرف بكل الدفوع التي تنشأ من التصرف. فله أن يطالبه بضمان الاستحقاق أو التنفيذ بمقابل. أو بالفسخ والتعويض.
اترك تعليقاً