الجريمة السياسة في القانون السوري
دراسة قانونية: الجريمة السياسية في قانون العقوبات السوري
اعادة نشر بوسطة محاماة نت
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا
المصدر : الحوار المتمدن-العدد: 162 – 2002 / 6 / 16 – 07:42
المحور: حقوق الانسان
اللجنة القانونية في (ل.د.ح)
البداية :
الحرية للديمقراطيين العشرة المعتقلين رياض الترك , كمال اللبواني , عارف دليلة , حبيب عيسى , رياض سيف , وليد البني , مأمون الحمصي , حسن سعدون , فواز تللو , حبيب صالح ولكافة معتقلي الرأي والضمير .
تصدر لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية ل .د .ح هذه الدراسة القانونية الموجزة في وقت تتسارع فيه محاكمات المناضلين الديمقراطيين العشرة , الذين اعتقلوا خلال شهري آب / أغسطس وأيلول / سبتمبر 2001 .
وفي تطور مفاجئ أصدرت إحدى محاكم دمشق أحكاما بالسجن لمدة خمس سنوات بحق النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي , ويتم منذ الشهر نيسان/ابريل تقديم بقية المعتقلين للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا . لقد أدانت ل .د.ح ومنذ البداية هذه الإعتقالات بإعتبارها إعتقالات تعسفية , وقامت منذئذ وحتى الآن بحملة تضامن عربية ودولية , لم تكتف بإصدار البيانات والتصريحات بل تستند على شبكة علاقاتها الفعلية والوطيدة في هذين المجالين , مطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين العشرة وكافة معتقلي الرأي والضمير .
ومع بدأ المحاكمات اعتبرت لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا ل .د.ح أن هذه المحاكمات تفتقر تماما لمعايير المحاكمات العادلة , وتفتقر أيضا لاحترام معايير استقلال القضاء والمحاماة و مما يعني أن المشاركة وبأي شكل كان في إضفاء الشرعية أو تعزيز ، أي وهم بأنه محاكمات عادية وهي في الواقع قرار سياسي إنما يضر بمصلحة المعتقلين أنفسهم، أولاً، ويضر بقضية الحرية والديمقراطية، ثانياً . لذلك فأن ل.د.ح تشكك في الشرعية القانونية والدستورية للأحكام التي صدرت والتي ستصدر عن هذه المحاكمات . ولا تزال لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية ل.د.ح ترى أن القرار العقلاني الوحيد، والذي يتوافق مع روح العصر والشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، ونوايا الإصلاح في البلاد، هو أن تقوم السلطات بالإفراج الفوري عن المعتقلين العشرة وكافة معتقلي الرأي، وحل القضايا الإنسانية الملحة الأخرى، كإعادة الحقوق المدنية والسياسية للمجردين منها مع تعويضات، وعودة المنفيين والمهجرين …الخ، مما يعزز من اللحمة الوطنية، ويضع البلاد، وبثبات، على سكة الإصلاح السياسي والديمقراطي. الذي طال انتظاره، ولاسيما في مواجهة تحديات إقليمية ودولية تزداد خطورة.
مقدمة : يعتبر الإجرام السياسي منذ الماضي السحيق للمجتمعات البشرية عامل تهديد للملوك والأمراء , ولدعائم الحياة العامة والسياسية ويوصم فاعله بأنه العدو اللدود للنظام القائم . وفي حقبة العصر الروماني كان التشريع يطلق على الجرائم المقترفة ضد الدولة ( جرائم المساس بالذات الملكية lese Majeste ) وكانت الغاية منه هي حماية الشعب والدولة وهيبتها , ولكن تحول التشريع لتصبح الغاية منه هي حماية الإمبراطور , الذي أصبحت تتجسد في شخصه الدولة , وتتناول هذه الحماية شخصه وسلطانه . وهكذا حل مفهوم عظمة السلطان محل مفهوم عظمة وسيادة الشعب .
ولم يعد هذا السلاح الخطير يتيح للإمبراطور أن يعاقب كل الأفعال التي تهدد أمن الدولة الداخلي والخارجي فحسب , وإنما أتاح له أيضا القضاء على كل ما يهدد من قريب أو بعيد مركزه ومجده الشخصيين . وبانهيار الإمبراطورية الرومانية , تبدل هذا المفهوم في العصر الوسيط ليرتكز على واجب الولاء والعون والحماية المتبادلة بين الأمراء الإقطاعيين وتابعيهم . ومن ثم تطور هذا المفهوم ليشمل ( جرائم المساس بولي الأمر ) حيث شملت هذه الجرائم فئتين :
الفئة الأولى:
تتضمن الاعتداءات المقترفة ضد شخص الملك وأولاده وامتيازات عرشه .
الفئة الثانية:
تتضمن الاعتداءات غير المباشرة المرتكبة ضد سلطة الملك . وتميزت العقوبات في كلا العصرين بشراستها وهمجيتها , كالحرمان من الماء والطعام حتى الموت أو إلقاء الفاعل للوحوش المفترسة أو تقطيعه حيا ….الخ
شهد القرن الثامن عشر تطورا هاما , إذ جعلت الثورة الفرنسية من الدولة شخصا اعتباريا مستقلا عن أشخاص الحاكمين , ملوكا أكانوا أم رؤساء , ولم يعد يشكل هؤلاء سوى جهازا من أجهزة الحكم يتغير ويتبدل تبعا للحاجة والظروف . أما الدولة ذاتها , فهي باقية ولا تزول .
وهكذا أصبح المقصود بالحماية في النصوص الجزائية التي تعاقب على جرائم الاعتداء على أمن الدولة هو الدولة نفسها وليس أشخاص الحاكمين . ليحل مفهوم الجرائم الواقعة على أمن الدولة محل جرائم المساس بالذات الملكية أو بولي الأمر .
وفي العصر الحديث , ومنذ القرن التاسع عشر , تطورت السياسة العقابية , بحيث تم التمييز بين الجرائم الواقعة العادية والجرائم السياسية , وأيضا التفريق بين الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي , والخارجي , أي ضد إستقلال الوطن وسيادته . وأعتبر أن فاعلها في الحالة الأولى جدير بالرأفة والرعاية , بينما يكون في الحالة الثانية يستحق عقابا رادعا .
واستقر الفقهاء في ذلك العصر على نزع الصفة السياسية عن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي. لأنها تستهدف وجود الدولة وبقاءها . وباعتبار مرتكبيها عملاء وليسوا مصلحين عقائديين. إذ أن المجرم السياسي بالتعريف , هو صاحب عقيدة إصلاحية تنبع من نوايا مفترض بها أنها نبيلة , وهو يسعى إلى تحقيق ما يرى فيه الخير العام والحياة المثلى لمجتمعه ووطنه . بينما لا ينطبق هذا التعريف على مرتكبي جرائم الخيانة , لذلك فإذا كان الثائر السياسي يحظى عموما بالاحترام والتقدير , فإن العميل لا يلقى سوى مشاعر القرف والازدراء والإدانة .
والحال في تاريخنا المعاصر , ومع ظهور أنظمة الحكم الدكتاتورية والشمولية , أصبح فيها يعتبر الإجرام السياسي اشد خطرا من الجرائم العادية . وأصبحت هذه الأنظمة تطلق على معارضيها والمناهضين لحكمها لقب ( أعداء الشعب ) .
لذلك فإنه من الصعب وضع تعريف دقيق ومحدد لمفهوم الجريمة السياسية لأن مفهومها نسبي ومتغير وفق الظروف التي تعيشها المجتمعات والبلدان والمصالح الحاكمة لها , وهي متجددة ومتبدلة أبدا وذات ألوان مضطربة ومختلفه .
أما في سوريا , فإذا كانت النصوص القانونية التي عاقبت على الجريمة السياسية تفتقد للدقة والوضوح إلا أن نصوص القوانين الجزائية الخاصة التي صدرت بعد فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية في 8 /3 / 1963 أخذت طابعا شموليا يتسع لكل المجالات ولأي شيء كان . إذ أن أي سلوك يخرج في نظر السلطات عن إطار (قواعد السلوك ) التي تراها أو التي نظمها الدستور لعام 1973 , يعرض صاحبه للاعتقال و…..وفي أحسن الأحوال يعرضه للمحاكمة ولا سيما أمام محكمة أمن الدولة العليا التي تفتقد للعديد من الضمانات القانونية .
سنتناول في دراستنا وبإيجاز .
أولا : الجريمة السياسية في الفقه والقانون .
ثانيا : مفهوم الاعتداء على أمن الدولة .
ثالثا : القواعد التي خرجت عنها التشريعات الجزائية بصدد الجريمة السياسية .
أولا – ا لجريمة ا لسياسية في الفقه والقانون:
اختلف الفقهاء في قضية وضع معيار لمفهوم الجريمة السياسية مما أدى إلى تعدد المصادر الفقهية لقانون العقوبات السوري , لذلك سنبحث في ما ذهب إليه الفقه وما استقر عليه القانون . في الفقه :
يمكن التمييز بين اتجاهين فقهيين تناولا قضية تحديد مفهوم الجريمة السياسية الخالصة أو الصرفه le delit politque pur ) ) الاتجاه الأول: هو النظرية الذاتية التي تستند على أن نية الجاني هي المعيار الحاكم والوحيد للجريمة السياسية .
والاتجاه الثاني :هو النظرية الموضوعية والتي تستند على أن طبيعة الحق المعتدى عليه هو المعيار لمعرفة فيما إذا كان الفعل يشكل جريمة سياسية أم لا .
آ – النظرية الذاتية :
ينظر أتباع هذه النظرية إلى الجريمة السياسية من خلال دوافع الجاني وأغراضه , وتتعايش ضمنها ثلاثة اتجاهات مختلفة , ولكنها تتفق في ارتكازها على الركن المعنوي دون الاهتمام بالركن المادي للجريمة .
1- الاتجاه الأول :
يستند على الباعث lemotiv أو الدافع lemobile الذي حمل الفاعل على ارتكاب جريمته . ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنه متى كان الباعث على ارتكاب الجريمة سياسيا , وجب اعتبارها سياسية. وقد عرف الفقيهان رو سيل Rossel وكلارك Clark الجريمة السياسية بأنها تلك التي يحمل على ارتكابها باعث أو دافع سياسي .
2- الاتجاه الثاني :
وهو يستند على الغرض أو الهدف Lebut أي الغاية المنشودة التي يتوخاها الفاعل , والتي حملته على ارتكاب الفعل . وفي هذا الخصوص يقول الفقيه هوسيس Hoseus ( أن من خصائص الجريمة السياسية أن الفعل فيها يهدف بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى مهاجمة الدولة ومؤسساتها أو نظمها , بحيث يجوز أن ترتدي هذه المهاجمة طابع المقاومة .)
ولكن قد يكون الأخذ بهذين الرأيين منفصلين -وفق بعض الآراء النقدية لها – مدخلا يجعل من الجريمة السياسية حقلا يمكن أن تندرج فيه جميع الجرائم العادية , إذ يكفي أن يدعي الفاعل أنه أرتكب جريمته العادية لدوافع أو لأهداف سياسية .
3- الاتجاه الثالث :
فقد اشترط توافر ( الدافع والغاية ) معا وفي ذلك يرى الفقيه Blanchf بلا نش بأن الجريمة السياسية هي تلك الجريمة التي ترتكب لدوافع وغرض سياسيين , وينطبق على هذا الرأي النقد الذي سبق ذكره , بأنه لا يجوز اعتماد الركن المعنوي كمعيار حاسم في تحديد طبيعة الجريمة وماهيتها .
ب – النظرية الموضوعية :
وينظر أتباع هذه النظرية إلى الجريمة السياسية من زاوية طبيعة الحق المعتدى عليه , ويعتبرون أن كل اعتداء على كيان الدولة أو نظامها السياسي يؤلف جريمة سياسية وهذا ما عبر عنه الفقيه غارو Garauo الذي اعتبر أن الجريمة السياسية الصرفه أو الخالصة هي التي تفضي على وجه الحصر إلى تقويض النظام السياسي أو تعديله أو الإخلال به .
والنقد الذي يوجه إلى هذه النظرية هو إهمالها للركن المعنوي أي قصد الفاعل .
في القانون:
جمع المشرع السوري في سياسته العقابيه بين النظريتين الذاتيه والموضوعيه * فأخذ أساسا من النظريه الذاتيه التي اعتمدت الدافع والغاية معا . ونجد تطبيق ذلك في الفقره الأولى من المادة ( 195 ) والتي تنص على أن ( الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي )*
* ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن المشرع السوري بنى خطته العقابية على أساس التوفيق بين المذهب الشخصي ( النظرية الذاتية ) والمذهب الوضعي ( النظرية الموضوعية ) دون أن يخلو ذلك من التأثر بالمذهب الوضعي . ( نقض جنايات 181 ق 261 بتاريخ 19 /4 / 1983 المجموعة الجزائية لاجتهادات محكمة النقض السورية للمحامي ياسين الدركزلي , القواعد 4332-4430 الملحق الدوري الثاني .)
** عرف المشرع السوري ( الدافع ) في المادة ( 191 ) بأن ( الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها .)
كما أن المشرع السوري أخذ أيضا من النظرية الموضوعية , ونجد تطبيق ذلك في الفقرة الثانية من المادة ( 195 ) والتي تنص على أن الجرائم السياسية ( هي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد أنقاد لدافع أناني دنيء ) وبذلك يكون المشرع السوري قد أخرج طائفة كبيرة من الجرائم من نطاق الجريمة السياسية كالخيانة والتجسس مثلا .
من جانب آخر , فقد أشار عدد من الفقهاء إلى حالات لا ينطبق عليها مصطلح ( الجريمة السياسية الصرفه) لتلازمها مع أفعال أخرى تشكل جرائم عادية , وقد أطلق الفقهاء مصطلح ( الجرائم السياسية النسبية ) Ledeit Poltique Relatif وهي عبارة عن جرائم عادية ترتبط بالجرائم السياسية ارتباطا وثيقا بحيث يتكون هذا الارتباط إما من تعدد جرائم مادي أو حقيقي , وإما من تعدد جرائم معنوي أو صوري . وفي حالة التعدد المادي أو الحقيقي يطلق على الجرائم السياسية مصطلح ( الجرائم المرتبطة بجريمة سياسية ) وفي حالة التعدد المعنوي أو الصوري يطلق عليها مصطلح ( الجرائم السياسية المختلطة ) Les infractions Politques Complexes وقد أطلق المشرع السوري في المادة ( 196 ) على الجرائم المرتبطة بجريمة سياسية اسم( الجرائم المتلازمة لجرائم سياسية ) , كما أنه أطلق على الجرائم السياسية المختلطة اسم ( الجرائم المركبة ) ولكن هذا التقسيم كان مثار نقد وجدل في صفوف الفقهاء لافتقاده للدقة والوضوح .
ثانيا- الاعتداء على أمن الدولة:
إن مفهوم الاعتداء على أمن الدولة هو مفهوم فضفاض , من الصعب وضع تعريف دقيق له , لما يحمله من الكثير من الأفعال والتصورات التي يمكن أن يتضمنها السلوك الضار بأمن الدولة , فإذا كان الاعتداء الواقع على الحقوق الأخرى كالأموال ( السرقة ) والأشخاص ( القتل ) والعرض ( مثل الاغتصاب ) , تسمح بدراسة وتصور قضية الشروع في هذه الجرائم . مثلا عدم تمكن الفاعل من السرقة لتدخل أشخاص منعوه من إتمام جريمته …..الخ
بيد أن الأمر يختلف تماما في ما يخص بقضية الاعتداء على أمن الدولة , حيث أن المشرع اعتبر بأن الفعل يكون واقعا ,أي حاصلا , سواء أكان تاما أم كان في مرحلة الشروع , حيث تنص المادة (261 ) من قانون العقوبات بأنه ( يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء أكان الفعل للجريمة تاما أو ناقصا أو مشروعا فيه )
1- شروط الاعتداء على أمن الدولة :
بناء على ما تقدم ذكره يمكننا أن نقول بأنه حتى يتحقق فعل الاعتداء على أمن الدولة يجب أن يتحقق الشرطين التاليين :
آ- أن يخرج إلى حيز الوجود فعلا من أفعال التنفيذ .
ب- أن يقع الفعل على شكل وأجهزة الدولة , أو على الكيان المادي والمعنوي للوطن .
آ- أن يخرج إلى حيز الوجود فعلا من أفعال التنفيذ :
سبق وذكرنا بأن المشرع اعتبر بأن فعل الاعتداء على أمن الدولة يكون حاصلا سواء أكان الفعل تاما أم كان في مرحلة الشروع . لذلك ولدقة الموضوع لابد من عرض مفهوم الشروع ومن ثم الفعل التنفيذي .
1- مفهوم الشروع:
إن القانون لا يعاقب عموما على التفكير في الجرائم وعلى على التحضير لها * , ولكن العقاب يفرض على الجاني منذ البدء في التنفيذ , أي في مرحلة الشروع , وهي المرحلة التي لم يصل فيها الجاني بعد إلى النتيجة . أي لا تحدث النتيجة المقصودة , ولكن النشاط ( الإجرامي قد تم ) ولكن ظروفا خارجة عن إرادة الفاعل منعته من الوصول إلى غايته .
ولذلك فإن الشروع يعرف بأنه ( كل محاولة لارتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها , تعتبر كالجناية نفسها ( المادة 199 ) , أو أن الأفعال قد تمت إلا أنها لم تفض إلى نتيجة بسبب ظروف لا علاقة للفاعل بها , المادة 200 ).
وبناء عليه يمكن القول بأن هناك نوعان للشروع :
الشروع الناقص ويطلق عليه مصطلح ( الجريمة الموقوفة delit tente.
والشروع التام ويطلق عليه مصطلح ( الجريمة الخائبة delit manque .
آ- الشروع الناقص أو الجريمة الموقوفة :
وفيه يفترض عدم إتيان الجاني كل الأفعال التنفيذية اللازمة للجريمة , بمعنى أن الجاني قد قام بارتكاب كل الأفعال اللازمة والضرورية لتنفيذ جريمته , ولكن وجود عوامل مانعة خارجة عن إرادته منعته من إتمام جريمته . وهكذا ما قصده المشرع في المادة ( 261 ) بعبارة : ( مشروعا فيه ….) ? ولكن المشرع عاقب على التحضير للجرائم فيما إذا كانت تلك الأفعال تشكل جريمة بحد ذاتها , مثل حيازة سلاح بدون ترخيص . وكذلك عاقب المشرع على الاتفاق الجنائي في موضعين هما : المؤامرة المنصوص عليها في المادة ( 260 ) كما سنرى لاحقا – وتشكيل عصابة أشرار , المنصوص عليها في المادة ( 325 ) من قانون العقوبات .
ب- الشروع التام أو الجريمة الناقصة :
وفيه يقوم الجاني بكافة الأعمال اللازمة والضرورية لتنفيذ جريمته , أو يقوم بالنشاط ( الإجرامي ) بشكل كامل , لكن لا تحدث النتيجة المتوخاة من الجاني , وهذا ما قصده المشرع في المادة ( 261 ) بعبارة , الفعل ….ناقصا …
2- الفعل التنفيذي :
يعتبر فعل الاعتداء على أمن الدولة حاصلا , عندما يثبت أن أحد المتهمين قد اقترف أي فعل مادي يتصل مباشرة بالهدف الذي حدده القانون . على سبيل المثال : تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة , المنصوص عنه في المادة ( 291 ) أو منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور ( المادة 291 ) . ولكن الاعتداء لا يتحقق ما لم يقم الدليل القاطع على أن الفاعل قد أرتكب فعلا ماديا من أفعال التنفيذ المادي , يقصد الفاعل من خلاله تحقيق أحد الأهداف المعينة قانونا.
حينئذ يمكن اعتبار الاعتداء كاملا . لكن إذا كان إثبات ارتكاب الفعل المادي ممكنا , فإن إثبات الصلة التي تربط هذا الفعل بالهدف المجرم صعب للغاية . وفي هذه الحالة لا يعاقب الفاعل على جريمة الاعتداء , وإنما يمكن أن يعاقب على ما قام به من أفعال فيما إذا كانت تتشكل بحد ذاتها جرائم . والحال فإن الوقائع مليئة بالمفارقات , إذ أن ( المجرم ) السياسي عندما يتم جريمته ويصل للنتيجة التي توخاها , ينقلب من ( مجرم ) سياسي إلى بطل تعقد له رايات النصر , ويصبح حاكما ويصدر قوانين العفو والقوانين والإجراءات المناسبة الأخرى التي تضفي الشرعية على ما قام به . لذلك فقد اعتبر الفقيه أورتولان ortolan بأن جرم الاعتداء على أمن الدولة لا يؤلف إلا شروعا . لكن المشرع السوري اعتبر أن الاعتداء على أمن الدولة يكون تاما سواء أكان الفعل المؤلف للجريمة تاما أم ناقصا أو مشروعا فيه .
3- أهمية التمييز بين جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وجرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي :
إن الجرائم الوقعة على أمن الدولة الخارجي هي تلك التي تلحق الضرر بالدولة , باعتبارها عضوا في المجتمع الدولي ولها علاقات مع غيرها من الدول , ويدخل في نطاق هذا التجريم ما يمس استقلال الدولة ويهدد أمنها في المجتمع الدولي . ومن ذلك أن يتخذ الاعتداء صورة الخيانة ( المواد 263إلى 270 ) والتجسس ( المواد 271 إلى 274 ) والصلات غير المشروعة مع العدو ( المواد 275 إلى 277 ) . أما الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي فهي الجرائم التي تشكل اعتداء على التنظيم الهيكلي لها كمؤسسات دستورية و ومثال ذلك الجنايات الواقعة على الدستور ( المواد 291 إلى 295) واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية ( المواد 296 إلى 297 ) .
وهذا الاختلاف في أنواع المصلحة التي تكون محل الاعتداء هو ما دعا الفقيه غارو Garauo إلى القول بأن ( جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج هي جرائم تقع على الدولة أو على الشعب بأسره , بينما الاعتداء من جهة الداخل فهو اعتداء على السلطة الحاكمة .) وبعبارة أخرى , فالجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي إنما تهدد الدولة في وجودها وبقائها , بينما أن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي فهي لا تمس سوى أجهزة الدولة , أي شكل الحكومة والمؤسسات التي خلقتها للقيام بأعباء السلطة , وهي تهدف إلى تغيير الحكومة لا إلى تقويض الأمة . ولكن تكاد تجمع التشريعات -ومنها السورية- على سياسة تشديد العقوبات على الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي وإخراجها من مجموعة الجرائم السياسية .
ثالثا – القواعد التي خرجت عنها التشريعات الجزائية في الجرائم السياسية:
خرجت معظم التشريعات الجزائية السورية عن العديد من القواعد العامة في التجريم والصياغة التشريعية , ولا سيما في مجال الملاحقة أمام القضاء الاستثنائي .
1- في قواعد التجريم :
خرج المشرع عن القواعد العامة في التجريم من ناحتين هما : المؤامرة والاعتداء على أمن الدولة .
آ في المؤامرة :
إن قواعد التجريم الأساسية ألا يعاقب الشارع إلا على النشاط الخارجي المحسوس الذي يتجلى بأفعال مادية تحدث اضطرابا اجتماعيا . فلا عقوبة على التفكير في الجرائم أو العزم على ارتكابها ولا على التحضير ما لم يتعد الفاعل هذه المرحلة ويتجاوزها إلى مرحلة الشروع أو البدء في التنفيذ .
وذلك لأنه لا سلطان للقانون على الضمائر والنوايا , مادامت الفكرة كامنة في سريرة صاحبها ولم يعمل على تحقيقها بفعل خارجي يتصل بها مباشرة , ولكونها أيضا لم تصل إلى مرحلة الإيذاء المباشر .
ولكن خرج المشرع السوري عن قواعد التجريم هذه في الجرائم الواقعة على أمن الدولة , رغبة منه في القضاء على كل ما يشكل خطورة على الدولة ولو في مرحلة ابتدائية , فاتحا الباب واسعا لتفسير السلطات التنفيذية لها . فعاقب على المؤامرة في المادة ( 260 ) حيث عرفها ( المؤامرة هي كل اتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معينة ) إذا فالمشرع يعاقب حتى على المرحلة النفسية والوجدانية . إذ أنه ينصب ويستند على العزم الجنائي , كما أنه يتناول المرحلة التحضيرية أو الإعدادية ولا يشترط من أجل المعاقبة في مثل هذه الحالات البدء في التنفيذ.
يشترط إذا لوجود مؤامرة توافر ثلاثة عناصر مجتمعة هي :
1- وجود اتفاق بين شخصين أو أكثر .
2- أن يقع الاتفاق على ارتكاب جناية على أمن الدولة , يعاقب القانون صراحة على ارتكابها .
3- أن يتناول الاتفاق تعيين الوسائل التي تؤول إلى تحقيق هذا الغرض .
إذا كان المبدأ القانوني العام يشير إلى أنه لا عقاب على المؤامرة إلا بنص خاص , فإن الجرائم التي عاقب عليها المشرع السوري أو عاقب على التآمر على ارتكابها فهي :
1- المادة ( 279 / 2 ) والتي تعاقب بالحبس سنة على الأقل , المؤامرة التي تستهدف تغيير دستور أو حكومة أجنبية في الأرض السورية بواسطة العنف .
2- المادة ( 295 ) والتي تعاقب بالإقامة الجبرية الجنائية على المؤامرة التي تستهدف ارتكاب إحدى الجنايات الواقعة على الدستور المنصوص عليها في المواد -291 إلى 294 .
3- المادة ( 303 ) والتي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة على المؤامرة التي ترمي إلى ارتكاب إحدى جنايات الفتنة المنصوص عليها في المواد ( 298 إلى 302 ) .
4- المادة ( 305 / 1 ) والتي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة على المؤامرة التي ترمي إلى ارتكاب عمل واحد أو عدد من أعمال الإرهاب المنصوص عليها في المادة ( 304 ).
هذا بينما نجد أن ( القانون الخاص ) الوحيد الذي عاقب على المؤامرة هو قانون أمن حزب البعث العربي الاشتراكي رقم ( 53 ) الصادر بتاريخ 8 / 4 / 1979 . فقد نصت الفقرة ( آ ) من المادة ( 12 ) على أن : ( كل مؤامرة أو اتفاق يرمي إلى ارتكاب إحدى الجرائم الواردة في هذا القانون يعاقب بالحبس حتى ستة اشهر على الأقل ) . والجرائم الواردة في هذا القانون هي التالية :
1- الانتساب إلى تنظيم سياسي آخر أو الانتساب إلى الحزب من أجل العمل لجهة سياسية أو حزبية , المنصوص عليه في المادة ( 5 ) .
2- الدخول أو محاولة الدخول إلى أحد مقرات الحزب بقصد الحصول على وثائق أو معلومات أو مقررات ذات صفة سرية أو سرقتها أو الإفشاء دون سبب مشروع وثائق مقرر سريتها , المنصوص عليها في المواد ( 6 إلى 8 ) .
3- كل فعل يقصد به منع الحزب من ممارسة مهامه المنصوص عليها في الدستور والقوانين , المنصوص عليها في المادة ( 9 ) .
4- الاعتداء على أحد مقرات الحزب المنصوص عليها في المادة ( 10 ) . ب – في الاعتداء على أمن الدولة :
لم يميز المشرع كما- مر معنا – في الاعتداء على أمن الدولة بين مرحلة الشروع ومرحلة إتمام التنفيذ وإحداث النتيجة الضارة , فقد اعتبر في المادة ( 261 ) بأن الاعتداء على أمن الدولة يكون حاصلا سواء أكان الفعل المؤلف للجريمة تاما أم ناقصا أو مشروعا فيه . أي أنه وبكل بساطة سوى في الاعتداء بين مرحلتي الشروع وإتمام التنفيذ .
2- في الصياغة التشريعية :
من المفروض أن تكون الصفة الأساسية التي تتحلى بها نصوص التشريع الجزائي هي دقة التعبير ووضوح اللفظ , وذلك حرصا على سلامة تطبيق قانونية التجريم والعقاب . لكن الواقع هو خلاف ذلك , فنصوص المواد التي تعاقب على الجرائم السياسية لا تتحلى بالدقة والوضوح . بل أن ( المرونة والغموض ) هي صفتا النصوص المتعلقة بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الواردة في قانون العقوبات .
والأمر بعد أكثر ( مرونة وغموضا ) في النصوص المتعلقة بالقوانين الجزائية الخاصة التي صدرت بعد إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية منذ أكثر من 39 عاما . حيث نجد أن التعابير المستخدمة غير واضحة المعالم ولا محددة الأطراف فهي ذات شمولية تكاد تستغرق وتشمل كل شيء . إلى حد أن دفع بالدكتور محمد الفاضل إلى القول بأن طبيعة النصوص التي عاقبت على الجريمة السياسية في قانون العقوبات تستعصي على الدقة والتحديد والقصد من ذلك هو إطلاق يد القاضي التقديرية في معرض تطبيقه لهذه النصوص في القضايا التي يفصل فيها . فلا يبقى للمواطن من ملجأ سوى ضمير القاضي ووجدانه وشرفه واستقلاله . ويترك في الوقت ذاته بابا واسعا لتدخلات وتقديرات السلطات التنفيذية. لكن وفي كل الأحوال لا يجوز إطلاقا أن يؤدي تطبيق هذه النصوص ( المرنة ) إلى خرق مبدأ قانونية الجريمة والعقاب .
وعلى كل , فإن المبدأ الأخير غير قابل للتطبيق أمام محكمة أمن الدولة العليا , لأنها مشكلة خارج نطاق القضاء العادي , وتقوم بإجراءات الملاحقة والمحاكمة باسم السلطة التنفيذية عمليا . وعلى أساس من الشمولية المطلقة للنصوص القانونية في القوانين في الجزائية الخاصة .
3- في الملاحقة والمحاكمة :
يعتبر التشريع الجزائي مظهرا من مظاهر سيادة الدولة , وهو لا يطبق إلا ضمن إقليمها , وإن كان بدأ يظهر قانون جزائي دولي مع إقامة محكمة المحكمة الجنائية الدولية في منتصف الشهر المنصرم , لكن فيما يتعلق بالجرائم الواقعة على أمن الدولة فقد أخذ المشرع السوري بمبدأ الاختصاص العيني .
إذ اعتبر في المادة ( 19 ) على أن القانون السوري هو الواجب التطبيق على كل سوري أو أجنبي فاعلا أكان أم محرضا أم متدخلا , أقدم خارج الأرض السورية على ارتكاب جناية أو جنحة مخلة بأمن الدولة . وفي إطار البت في القضايا المتعلقة بأمن الدولة , فقد تم خلال العقود السابقة سلب القضاء العادي ولايته وتم إحداث محاكم استثنائية لمحكمة أمن الدولة العليا , والتي تتبع إجراءات خاصة في الملاحقة والمحاكمة . فالنيابة العامة مثلا تجمع بين صلاحيات قاضي التحقيق وصلاحيات قاضي الإحالة , مثلما أن الأحكام الصادرة عنها هي قطعية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن . بالإضافة إلى الانتقاص من حق الدفاع وضماناته , فدور المحامي لا يتعدى سوى تقديم مذكرة الدفاع.
ومن الجدير بالذكر هنا إلى أن الغاية من صياغة المواد القانونية المتعلقة بالجرائم الواقع على أمن الدولة, بشكل مطاطي وضبابي، إنما يهدف إلى خنق أي رأي معارض وهدر كرامة المعارضين المختلفين بالرأي مع السلطة، بحجج غالباً ما تكون واهية.ولا يتوقع من محكمة أمن الدولة بإجراءاتها الاستثنائية وتبعيتها المباشر للسلطة التنفيذية أنصاف أي معارض يمثل أمامها للعديد من الأسباب ولوجود سوابق منها:
1 – ترفض المحكمة سماع أي شاهد نفي في القضية، وهي بذلك ترد طلبات الدفاع وتغلق في وجههم إمكانية إثبات براءة المتهم بشهادة الشهود.
2 – ترفض التحقيق حول حقيقة أقوال المتهم في الضبوط المنظمة من قبل الأجهزة الأمنية والتي قد تكون مأخوذة بطرق العنف والتعذيب، رغم أن هناك اجتهاد من محكمة النقض(الغرفة الجزائية) يهدر فيها قيمة الضبوط المنظمة من قبل عناصر المخابرات، لأنها غالباً ما تأخذ هذه الأقوال تحت الضغط والإكراه.
3 – لا سلطة للمحكمة خارج قاعتها،إذ لا تستطيع مثلاً منح الإذن بزيارة سجين فيما إذا لم تتلقى الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية، وهي لا تستطيع منع عناصر الأمن من حضور مقابلة محامي الدفاع مع موكله الموقوف، وهي لتضمن إطلاق سراح المحكوم عليه بعد قضاء مدة حكمه،وهناك حالات كثيرة موثقة لأشخاص بقي الكثير منهم مدة طويلة في السجن بعد قضاء المدة التي حكمتهم بها محكمة أمن الدولة، كما أن الكثير من الموقوفين يحالون إلى هذه المحكمة بعد توقيفهم بسنوات طويلة، إذ لا تستطيع المحكمة إلزام الأجهزة الأمنية بإحالة الموقوف أليها بعد مدة محددة. عكس قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يلزم الشرطة بإحالة الموقوف في الجرائم العادية إلى النيابة العامة بعد (24)ساعة من توقيفه.
4 – معظم الأحكام الصادرة من هذه المحكمة قاسية وظالمة، وأطول مدة حكم أصدرته كان بحق سجين الرأي الدكتور عبد العزيز الخير ومدته(22) عاماً.
5 – لا تمنح هذه المحكمة ربع المدة التي تعتبر حقاً للسجين فيما(إذا كان سلوكه حسناً) في السجن على عكس سجناء الحق العام. أما السجناء السياسيون فتحجب عنهم محكمة أمن الدولة هذا الحق،كما أنها غالباً ما تجردهم من حقوقهم المدنية والسياسية.
6 – المحاكمة سرية ويتمتع رئيسها بسلطات مطلقة.
7 – نددت لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية ومعظم منظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية بهذه المحكمة واعتبرت كافة إجراءاتها وقراراتها ظالمة ومنافية لأبسط مبادئ حقوق الإنسان وبالتالي فهي تخرق وبشكل صارخ المعايير الدولية للمحكمة العادلة.
ومعروف أن جلسات هذه المحاكمة هي غالبا سرية , وأن الإجراءات المتبعة فيها لا تحقق للمتهمين القدر الكافي من الضمانات والحقوق التي تمنحها لهم القواعد المقررة في القضاء العادي , الأمر الذي يؤدي إلى حرمان المتهم من المثول أمام قاضيه الطبيعي, مما يشكل انتهاكا صارخا للشرعة الدولية لحقوق الإنسان .
ومن جانب آخر فليس في تاريخ هذه المحكمة ما يشهد لها أنها عملت على تطبيق المادة ( 197 ) والتي تقتضي بتخفيف العقوبات فيما إذا كان للجريمة طابعا سياسيا صرفا . والسبب هو استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية والقوانين الجزائية الخاصة التي تلتها , مما أدى فعليا ,إضافة إلى آثارها السيئة الأخرى , إلى تعطيل العمل بأحكام هذه المادة .
لقد أكدت معظم التشريعات الحديثة في بلدان العالم وبتوافق مع المادة ( 14 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن ( جميع الأفراد متساوون أمام القضاء سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين . ولأن القضاء يعتبر مؤسسة عدل وإنصاف فهو أهم أجهزة الدولة على الإطلاق.
فمبدأ سيادة القانون مطلب أساسي لإقامة العدل , وهذا الأمر لا يتحقق بمجرد خضوع الأفراد للقانون وإلزامهم بالتقيد به , بل لابد أن يكون القانون نفسه ينبع من ضمير الأفراد / المواطنين , ويعبر عن إرادتهم بانسجام مع روح العصر التي هي الحرية وحقوق الإنسان , هذا القانون تخضع أيضا السلطات نفسها لأحكامه ويكون هو الأساس الوحيد لمشروعية أعمالها .
والحال , فإن حالة القاضي الذي يجد نفسه أمام نص قانوني يحمل طابع التعسف , إنما هي حالة لا تتفق أصلا مع مبادئ العدالة , وهي بالتالي حالة إنكار للعدالة . مما يفترض ضرورة توافق القوانين والتشريعات المحلية مع العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان , لإقامة نظام قانوني وإنساني وإطار فعال يضمن للأفراد حقوقهم الأساسية وحرياتهم العامة ويضمن استقلالية القضاة والمحامين .
لقد وضعت المادة ( 14 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية العديد من القواعد العامة الإجرائية الواجب تطبيقها لدى محاكمة أي شخص . فقد طالبت الفقرة الأولى منها , أن تكون المحاكمة عادلة وعلنية ومن قبل محكمة مختصة ومستقلة وحيادية . كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضع العديد من هذه القواعد في المواد ( 7 ) إلى ( 11 ) .
إذن , من الضروري أن تكون السلطة القضائية مختصة ومستقلة ونزيهة تحكم وفق القانون , دون أي تدخل من السلطة التنفيذية . وأن تكون المحاكمات علنية دون أدنى انتقاص من الضمانات القانونية الممنوحة للمتهم في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة .
وقد أكد مؤتمر ( توتو) في صقلية في مشروع مبادئ بشأن استقلال المحاماة على أن ( وجود نظام عادل ومنصف لإقامة العدالة والحماية الفعالة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية يتوقفان على استقلال المحامين , بقدر ما يتوقفان على استقلال ونزاهة السلطة القضائية , فاستقلال المحامين واستقلال السلطة القضائية يكملان ويدعمان بعضهما البعض بوصفهما جزآن لا يتجزأن من نظام العدالة ذاته .
الخاتمة:
لا شك أن الغاية القصوى من التجريم والعقاب هي حماية الإنسان، والحقوق الجزائية شرعت لحمايته بصفته إنساناً، وبالتالي صيانة الذات الإنسانية من حيث هي دون الالتفاف إلى أية اعتبارات أخرى. وعندما يحمي التشريع الأشخاص الاعتبارية، كمؤسسات الدولة المختلفة فذلك على أساس أن هذه المؤسسات تهدف إلى خير الأفراد وسعادتهم لا إلى مصادرة حرياتهم وحقوقهم الأساسية.
والتشريع الجزائي السليم يكفل للمواطن جواً من السلام والطمأنينة، بحيث يستطيع هذا الفرد التعبير عن ذاته بحرية وأن يرقى بمواهبه وفكره الإنساني إلى درجات عالية.والمواطنون في دولة القانون يشعرون بالأمان وبقيمتهم ومدى أهميتهم خصوصاً عند إحساسهم بأن الدولة ومؤسساتها المتنوعة هي لخدمتهم والسهر على راحتهم، وهكذا يتطور المجتمع نحو الأفضل وتنمو شخصية الفرد المبدع والمحب للمبادرة بما فيها خير المجتمع بأكمله.
إن مفهوم الجريمة السياسية كما ذكرنا هو مفهوم متبدل ومتغير , وهذه الجريمة تضمحل عندما يضمن للأفراد والجماعات الحريات والحقوق الفردية والعامة . ونجد مثالا على ذلك في الدول الديمقراطية التي تضمن دساتيرها وتشريعاتها تلك الحريات والحقوق , وتوفر كافة شروط الحياة الديمقراطية السليمة . ولقد أكدت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن الاعتراف ( بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل في العالم ).
ولقد أدى خلال تاريخ البشرية المعاصر ازدراء وانتهاك حقوق الإنسان إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني . لذلك فإن غاية ما يرنو إليه عامة البشر هي انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الخوف والفاقة . وهذا يتطلب أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان , لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم . وهنا نجد أساس ( الجريمة السياسية ) فالكبت والقهر يؤديان إلى ظهور ( الثائر السياسي ) بدوافع الإصلاح وإن خالفت القانون القائم .
وهذا ما دفع الفقيه الإيطالي لومروسو lomroso إلى اعتبار( أن المجرم السياسي هو الشخص الذي يتميز بسمو الخلق وعلو النفس وخال من أي عيب أو نقص عقلي أو نفسي .)
وقد أدخل المجرمين السياسيين في تصنيفه المشهور ( بالمجرمين العاطفيين ) ودعا إلى معاملتهم معاملة خاصة ولائقة . إن إحدى مهمات منظمات حقوق الإنسان هو تتبع وتقصي حالات انتهاك حقوق الإنسان وحرياته . والدعوة لتوافق التشريعات والقوانين المحلية مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمطالبة بتوفير محاكمة عادلة واحترام استقلال القضاء والمحاماة , لكن يصعب تحقيق هذا الأمر في غياب دولة الحق والقانون.
المراجع:
آ- باللغة الفرنسية .
ب-باللغة العربية :
1- الدكتور عبد الوهاب حومد : الحقوق الجزائية العامة – طبعة 1960 .
2-الدكتور محمد الفاضل , الجريمة السياسية , طبعة 1962 .
4-الدكتور محمد نجيب حسني , شرح قانون العقوبات اللبناني , القسم العام .
5-المحامي زكي جميل حافظ , إقامة العدل يكفل استقلال السلطة القضائية , مقالة في مجلة الحق الصادرة عن اتحاد المحامين العرب , 1948 .
5- المحامي ياسين الدركزلي , مجموعة اجتهادات محكمة النقض السورية خلال ثلاثين عاما
اترك تعليقاً