دراسة و بحث معمق في جريمة القتل – في القانون و الشريعة

بحث فى جريمة القتل بين الفقه والقانون.

المبحث الأول: جريمة القتل بين الفقه والقانون.

الفرع الأول: جريمة القتل في الفقهالإسلامي.

خلق الله الإنسان وكرمه وجعله خليفة في الأرض، وأناط به تعميرالكون والرقي به وكتب له منذ انعقاده جنينا في بطن أمه، بأن جعل نفسه مصونة وحياته معصومة لا تنال إلا بالحق. قال تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكمرحيما”(*) وقال أيضا: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (*). والجنايةعلى النفس وعلى ما دونها أنواع: ويرى الفقهاء أنها إما عمد أو شبه عمد أو خطأ ( ). ويجب التنويه بأن فقهاء الإسلام كانوا أول من عني بالدراسة الفقهية لهذه الجريمة. إذ فرعوا جرائم القتل إلى القتل غيلة والقتل العمد والقتل شبه العمد والقتل الخطأ،وزاد الإمام أبو حنيفة نوعا آخر وهو القتل بالتسبب.

المطلب الأول: تعريف القتل.

لغة: القتل من قتله يقتله قتلا إذا أماته بضرب أو حجر أو سم أو علة. ورجل قتيل، مقتول والجمع قتلاء حكاه سبويه. وقتلى وقتالى، وامرأة قتيل ومقتولة. وفيالحديث: “أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي” أي من قتله هوكافر. وتقاتل القوم واقتلوا وتقتلوا وقتلوا بالشدة وقتلوا بكسر القاف وقتله مقاتلةوقتالا. والمقاتلة بكسر التاء في الصحاح القوم الذين يصلحون للقتال. وقال الفراء فيقوله تعالى: “قتل الإنسان ما أكفره” أي لعن الإنسان، وقاتله الله لعنه ( ).
اصطلاحا: الجنايات على النفس ثلاثة: “عمد وخطأ وشبه عمد. “… أما العمد المحضفهو أن يتعمد قتل النفس بما يقطع بحده كالحديد أو بما يمور في اللحم مور الحديد، أوما يقتل غلبا بثقله كالحجارة والخشب فهو قتل عمد يوجب الحد. وقال أبو حنيفة ” العمدالموجب للقود ما قتل بحده من حديد وغيره إذا مار في اللحم مورا، ولا يكون ما قتلبثقله أو ألمه من الحجار والأخشاب عمدا ولا يوجب قودا”. ( ). والقتل العمد أن يقتلشخصا معصوم الدم عن قصد بما يقتل غالبا كآلة القتل أو بغير ذلك كالتحريق والتغريقوالإلقاء من مكان شاهق أو بخنقه أو سقي السم فهذا يجب فيه القصاص ( ). وعرفه البعضبأنه القتل بالآلة المحددة التي من شأنها أن تقتل كالسيف والسكين والنار ( ). وذهبجمهور فقهاء الأنصار إلى أن القتل العمد هو أن يقصد قتله بما يفضي إلى الموت كسيفأو سكين أو سلاح، فهذا عمد يجب فيه القود لأنه تعمد قتله بشيء يقتل في الغالب. فموجب العمد القود والدية بدل عند سقوطه، وسمي قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل أوغيره إلى محل الاستيفاء. والدية أو الإرش بدل عند سقوطه بعفو أو غيره كموت الجاني ( ).
قسم الفقهاء القتل إلى قتل عمد، وقتل خطأ وقتل شبه عمد. وذهب مالك إلى أنالقتل إما عمد أو خطأ ولا ثالث لهما، لأنه إما أن يقصد القتل فيكون عمدا أو لايقصده فيكون خطأ. وقال ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ ( ).
قال سحنون: قلتلابن القاسم هل كان يعرف مالك شبه العمد في الجراحات أو في قتل النفس؟ قال: قالمالك شبه العمد باطل وإنما هو عمد أو خطأ ولا أعرف شبه العمد ( ).

المطلب الثاني: النصوص الشرعية الواردة في القتل العمد.
القرآن الكريم: “ومن يقتلمؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما” (*). “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبدوالأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلكتخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم” (*).
السنة النبوية: قال “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلاrالرسولالله فقد عصم ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله” ( ). وقال: “لا يحل دم امرئمسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة “( ). عن عبد الرحمان بن المبارك: حدثنا حماد بن يزيد: حدثنا أيوب ويونس عن الحسن عنالأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة، فقال أين تريد؟ قلت انصريقول: إذا التقى المسلمان سيفهما فالقاتلrهذا الرجل. قال أرجع فإني سمعت الرسولوالمقتول في النار قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كانحريصا على قتل صاحبه ( ).
قال: “من قتل نفساrعن عبد الله بن عمر عن النبيمعاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما” ( ). عن أنس بنقال: “أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس وعقوق الوالدين،rمالك عن النبيوقول الزور أو قال وشهادة الزور” ( ).

المطلب الثالث: أحكام القتل العمد.

للقتل العمد عقوبتان: الأولى أخروية نصت عليها الآية الكريمة: “ومنيقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباعظيما”. وهذه ميزة العمل بشريعة الله أنها تجعل الجاني محاسبا أمام ربه على مايقترفه، وأنه إن أفلت من العقوبة الدنيوية فإنه لن يفلت من العقوبة الأخروية. الثانية الجزاء الدنيوية ويتمثل في: ـ القصاص أو الدية أو العفو ـ الكفارة عند بعضالفقهاء كالشافعية والأمامية، وقال مالك “يندب للحر المسلم إذا قتل شخصا عمدا ولميقتل به لعفو أو عدم مكافأة، وخالفهم الحنفية والحنابلة. ـ الحرمان من الميراث إنقتل مورثه عند جمهور الفقهاء ( ).
أولا: أركان القتل: للقتل العمد أركان ثلاثة وهي:
ـ أن يكون المجني عليه آدميا حيا.
ـ أن يكون القتل نتيجة لفعلالجاني.
ـ أن يقصد الجاني إحداث الوفاة.
الركن الأول: وجود إنسان على قيدالحياة أزهقت روحه: من أركان القتل العمد في الشريعة الإسلامية أن يقع فعل القتلعلى إنسان حي، ولذلك تسمى هذه الجريمة عند فقهاء المسلمين بالجناية على النفس وبناءعلى ذلك يجب أن يكون المجني عليه:
1- إنسانا: فقتل الحيوان لا يعتبر قتلا وإنمايعتبر جريمة أخرى يطلق عليها جريمة إتلاف الحيوان.
2- حيا: فلو كان المجني عليهميتا وقت فعل القتل لا تقع جريمة القتل العمد وإن كان الجاني يعاقب على أنه استحلحرمة الميت.
3- أن لا يكون جنينا: لأن قتل الجنين لا يعتبر قتلا عمدا وإنما يغرمالجاني عند قتل الجنين ولا يؤثر في وقوع الجريمة اختلاف الدين أو العرف أو السن أوالمرض أو النوع أو غير ذلك ويستوي أن يكون المجني عليه مسلما أو ذميا صغيرا أوكبيرا ذكرا أو أنثى صحيحا أو مريضا حتى ولو كان مرضه عضالا يتوقع له الموت ولا يرجىمنه الشفاء ( ).
الركن الثاني: أن يكون القتل نتيجة لفعل الجاني: إذا كان الموتبسبب فعل لا يمكن نسبته إلى الجاني، أو لم يكن فعله مما يحدث الموت لا يعد الجانيقاتلا. والفعل القاتل يصح أن يكون ضربا أو ذبحا أو حرقا أو تسميما إلى غير ذلك منالصور، ويتم بواسطة أداة القتل ( ).
واشترط أبو حنفية في أداة القتل العمد أنتكون مما يقتل غالبا وهي كل آلة جارحة أو طاعنة ( ). أما الشافعية والحنابلةفاكتفوا في تحديد أداة القتل العمد بأن تكون الأداة المستعملة مما يقتل غالبا سواءأكان القتل بمحدد كالسيف والسكين أو بمقتل كالعصا والحجر ( ). أما عند المالكيةفأداة القتل العمد تتمثل في كل آلة يقتل بها غالبا كالمحدد والمثقل، أو ما لا يقتلبها كالسوط سواء قصد الجاني بالضرب قتل المجني عليه أو لم يقصد قتلا وإنما قصد مجردالضرب ( ).
الركن الثالث: القصد الجنائي: القصد الجنائي في جريمة القتل هو وقوعالاعتداء على النفس عمدا. ويرى البعض أن الأئمة ثلاثة أبا حنفية والشافعي وأحمديشترطون قصد القتل، أي أنهم يشترطون نية إزهاق الروح وقت الاعتداء، وأنهم تحدثوا عنالآلة والوسيلة واستغنوا بها عن الكلام في القصد لأن الآلة المستعملة هي التي تدلعلى قصد القتل ( ). والقصد الجنائي في القتل العمد يعتبر متوفرا متى كان الفاعل قدارتكب الفعل بنية إحداث الموت لغيره عالما بأن هذا الفعل مميت. ففي الفقه الحنفينجد أن القتل العمد هو تعمد الفعل بما يقتل غالبا من وسائل معدة للقتل ولم يشربالتالي إلى القصد إلا أنه في تطرقه إلى شبه العمد يقول الشافعي فعرف القتل العمدبأنه قصد الإصابة بما يقتل غالبا فيقتله. ثم أشار إلى شبه العمد بأنه قصد الإصابةبما لا يقتل غالبا فيموت منه. ومن ضمن ما ورد في القصد صراحة في الفقه الحنبلي أنمن بين شروط القصاص أن يكون القاتل متعمدا القتل قاصدا إياه ( ).

ثانيا: شروط القتل العمد: إن القتل العمد يوجب القصاص بشروط أهمها:

ـ أن يكونالقاتل مختارا ومباشرا للقتل.
ـ أن يكون القاتل قد تعمد القتل تعمدا محضا ليسفيه شبهة.
ـ أن يكون المقتول معصوم الدم مطلقا.
ـ أن يكون المقتول دمه مكافئالدم القاتل. وبيان هذه الشروط يقتضي الكلام عن القاتل والمقتول.
اتفق فقهاءالإسلام على أن القاتل الذي يقتص منه يشترط فيه ما يلي:
ـ أن يكون عاقلا.
ـأن يكون بالغا.
ـ أن يكون مختارا
ـ أن يكون معصوما. فلا قصاص من صغير أومجنون.
واختلف الفقهاء في الكره والمكره، وبالجملة الأمر والمباشر: فقال مالكوالشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وجماعة: القتل على المباشر دون الأمر ويعاقبالأمر. وقال آخرون: يقتل الأمر دون المأمور ويعاقب المأمور، وهو قول داود وأبيحنفية. وقال آخرون يقتل المأمور دون الأمر وهو أحد قولي الشافعي ( ).
الشروط التي يجب توفرها في المقتول:
ـ أن يكون المقتول مكافئا للقاتل.
ـ أن لايكون المقتول جزءا للقاتل.
ـ أن يكون المقتول معصوم الدم.
من خلال ما سبقنستنتج أنه يشترط لثبوت القصاص ووجوبه عند طلبه جملة شروط أهمها: أن يكون الجانيمكلفا، بأن يكون عاقلا بالغا بخلاف الصبي والمجنون، وأن يكون مختارا متعمدا ليس في “العمد قود”. وأن يكون المقتول معصوم الدم بخلاف الحربيrعمدة شبهة لقول الرسولوالمرتد والمطلوب بقصاص ثابت. وأن يكون المقتول غير فرع للقاتل، وأن لا يكون مملوكاله، وأن يكون مساويا للقاتل في الدين والحرية ( ). واتفق الفقهاء على أنه لا قصاصمن صبي ولا من مجنون لأن القصاص عقوبة وهؤلاء من ذوي القصد الصحيح. إلا أن جمهورالفقهاء جعل حكمها حكم الخطأ تجب الدية فيها على عاقلته. وقيل عمده وخطأه سواء( ).
أما ما يتعلق ببعض الاختلافات الواردة لدى الفقهاء حول القتل العمد مثل: هليجب الكفارة في القتل العمد – قتل الواحد بالجماعة – القتل الواقع بين الرجلوالمرأة- القتل الواقع بين الآباء والأبناء- هل للقتل العمد ثوبة. فقد تمت الإشارةإليها أثناء المحاضرة شفويا.
الفرع الثاني: جريمة القتل في القانونالوضعي.
القتل العمد تعريفه:
ويطلق عليه أيضا القتل المقصود: وهو إزهاق روحإنسان بفعل إنسان آخر قصدا. وهذا التعريف ورد لدى المشرع المغربي في الفصل 392 منالقانون الجنائي الخاص الذي جاء فيه: “كل من تسبب عمدا في قتل الغير يعد قاتلا”. فيكون القتل عمدا إذا انصرفت إرادة الجاني إلى إتيان النشاط المادي مع علمه بكافةعناصر الركن المادي المحدد قانونا.
المطلب الأول: أركان جريمة القتل العمد.
لجريمة القتل العمد ركنان أساسيان هما:
الركن المادي والركن المعنوي.
الركن المادي: الركن المادي في القتل العمد هو كل نشاط مادي يقوم بهالجاني وتترتب عليه وفاة المجني عليه كنتيجة مقصودة، وهو يقوم على ثلاثة عناصرهي:
1- نشاط مادي يمثل فعل الاعتداء على الحياة.
2- نتيجة معينة في إزهاقالروح بالنسبة للمجني عليه.
3- توافر علاقة سببية بين النشاط المادي والنتيجةالإجرامية.
أ- النشاط المادي: وهو فعل الاعتداء على الحياة: يتم القتل بواقعةإيجابية أو سلبية ولا يشترط أن يتم بأية وسيلة معينة، فيكفي أن تتحقق الجريمة سواءاستعمل الجاني سلاحا ناريا أو سكينا أو مسدسا أو يقوم بإلقاء الضحية من حبل أو بوضعحشرة في فراشه أو يضع له السم في الطعام أو شراب أو بخنقه. كما تتحقق الجريمة إذاكانت الوسيلة المستعملة غير قاتلة بطبيعتها كالضرب بقبضة اليد أو الوخز بإبرة فيمكان قاتل كالقلب، أو الضرب بعصا أو حجر أو بغير ذلك من الأفعال الإيجابية ما دامالاعتداء قد تم بقصد القتل. كما يقع بفعل سلبي: القاعدة القانونية تقول: إن القتلكما يقع بفعل يقع أيضا بترك، وقد كان هذا الموضوع محل جدل فقهي وضعي حيث أثارتالمسألة خلافا فكريا وقانونيا بين الفقهاء. فذهب بعض الفقهاء الألمان إلى القولبأنه لا يتصور أن تقوم علاقة سببية مادية بين الترك وبين النتيجة القانونية والتيهي إزهاق الروح.
أما الفقه الفرنسي فإنه ذهب إلى التسوية في جريمة القتل بينالفعل والترك باستثناء صورة واحدة وهي أن ليس كل ترك صالح لترتيب النتيجة المعاقبعليها بل يجب أن يكون ما صدر من الجاني من صور الترك مخالفا لواجب يفرضه القانون أويقضي به اتفاق. كما لو منع حارس عن سجين طعاما يفرض القانون واجب تقديمه إليه قاصدابذلك قتله. أو امتنع ممرض عن العناية بمريض عاجز عن الحركة، أو امتنع عن تقديمالدواء له. فلا جريمة إذا لم يكن الامتناع يشكل التزاما يفرضه القانون. وهذا هوالسائد حاليا فقها وقضاء.
والمشرع المغربي في الفصل 392 يقضي بعقاب “من تسبب فيقتل غيره” إذ العبرة عنده بتوافر العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة بصرف النظر عنطبيعة نشاط الجاني سواء أكان إيجابيا أو سلبيا ما دام قد أدى إلى إزهاق روح المجنيعليه.
ب- النتيجة الإجرامية: القتل عبارة عن جريمة مادية لها نتيجة والتي هيإزهاق روح الضحية بفعل الجاني. وإزهاق يتحقق فورا أو بالتراخي ولا عبرة بالوقت الذيينقضي بين السلوك والنتيجة ما دامت العلاقة السببية بين النشاط المادي والنتيجةقائمة، وما دام القصد ثابتا. كما يجب أن يكون المجني عليه إنسانا حيا. والرأيالسائد في الفقه الغربي إن أحكام القتل تطبق من وقت المخاض واستعداد الجنين للخروجوهذا يدل على أن قتل الجنين في بطن أمه لا تنطبق عليه أحكام القتل.
ج- العلاقةالسببية بين الفعل والنتيجة: لا يكون الفعل المادي تاما إلا إذا قامت علاقة سببيةمادية تربط بين نشاط الجاني أو امتناعه وبين النتيجة المترتبة وهي: إزهاق روحبشرية.
الركن المعنوي: (القصد الجنائي) القصد الجنائي هو العلم المقترن بإدارةالنشاط المادي في الجريمة وبهذا يتكون من عنصرين:
1- العلم.
2- الإرادة: أيالعلم بأركان الجريمة، والإرادة الحرة المتجهة إلى القيام بالسلوك الإجرامي لتحقيقالنتيجة.
المطلب الثاني: عقوبة القتل العمد في القانون الوضعي.
إن عقوبةالقتل العمد في القانون هو السجن المؤبد وهذا ما نص عليه الفصل 392 من ق.ج.م. إلاأنها تصير إعداما إذا اقترنت بالجريمة ظروف التشديد المنصوص عليها في القانون. والظروف المشددة في جريمة القتل في التشريع المغربي وفي معظم التشريعات الجنائيةإما أن تكون متعلقة بماديات الجريمة مثل: الترصد والقتل بالتسميم والاقتران بجنايةأخرى، وإما أن تكون متعلقة بالركن المعنوي مثل سبق الإصرار وارتباط القتل بجنحة،وإما أن تكون متعلقة بمحل الجريمة أي الضحية كان يكون المجني عليه من أصول الجانيأو فروعه.
والظروف المشددة في ق.ج.م. والتي تستوجب عقوبة الإعدام:
ـ اقترانالقتل بجناية فصل 392.
ـ ارتباط القتل بجناية أو جنحة 392.
ـ القتل عن طريقالتعذيب 392.
ـ سبق الإصرار 393 ـ الترصد 393.
ـ قتل الأصول 396.
ـ قتلالأطفال الذين يقل سهم هن 12 سنة بالضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء أو يتعمدحرمانهم من التغذية والعناية الفصل 410 ـ القتل الناشئ عن جناية الخصاء الفصل 412 ـالقتل الناتج عن الإحراق العمدي أو أعمال التخريب الفصل 484 ـ 485 ـ 588.
المطلب الثالث: القتل في القوانين العربية
أ- القانون اللبناني: جعل المشرع اللبنانيمن جريمة القتل القصدي في المادة 547 الصورة الأساسية لكافة جرائم الاعتداء علىحياة الإنسان بشرط أن لا تقترن بأية ظروف واقعية أو قانونية تخرج بها عن المقياسالعام المحدد لها ( ).
بين القانون السوري والقانون اللبناني: نص قانون العقوباتالصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 148 بتاريخ 22- 6- 1949 على جرائم القتل في الفصلالأول من الباب الثامن الخاص بالأشخاص المواد 533 حتى 539. وبقي على حاله دون تعديلهام يذكر. نقل هذا التشريع أحكامه عن التشريع اللبناني الصادر عام 1943 قبلالتعديلات الطارئة عليه من المواد 547 إلى 553 بصورة التصنيف والتتالي وشبه حرفيةحتى مع العنوان نفسه: الجنايات الواقعة على حياة الإنسان وسلامته. على أن القانونالسوري تميز بشيء من التنسيق والتنقيط في ترقيم الفقرات التي يخلو القانون اللبنانيمنها في بعض الحالات، وبتغيير في الأسلوب اللغوي مثل عبارة سبب بدلا من تسبب، كماأنها تفرد ببعض الخصوصيات الصائبة:
1- فرق في جريمة القتل القصد بين الحاصلةتمهيدا لجناية وتلك الواقعة تمهيدا لجنحة، فعاقب الأولى بالإعدام م. 535 ف. 2،والثانية بالأشغال الشاقة المؤبدة م. 534 ف 2. بينما جمع القانون اللبناني الحالتينمعا في نص واحدوعاقبهما بالإعدام م 549 ف 2. وقد يكون المشرع السوري على حق فيماذهب إليه بالنسبة للظروف المترافقة مع الجريمة ودرجة جسامتها وخطورتها وطبيعتهاوالوصف القانوني المنطبق عليها.
2- أنزل في م. 534 عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتةحال إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص بينما احتواها القانوناللبناني م 549 ف. 4 ضمن الفئة التي يعاقب عليها بالإعدام.
3- وكذلك الأمربالنسبة لقتل موظف أثناء الخدمة العامة أو بسببها، إذ يعاقب عليها بالأشغال الشاقةالمؤبدة كما كان الحال في القانون اللبناني قبل تعديله فأصبح بعد ذلك في مستوىالقتل المشدد مطلقا وبالتالي مع عقوبة الإعدام.
ب- القانون المصري: عرفت المادة 234 الجديدة وتقابلها م. 198 القديمة، م. 213 أهلي و 304 فرنسي القتل القصد على أنهقتل نفس الغير عمدا، وتعني هذه العبارة مفهوم القصد العادي لورودها في الفقهالإسلامي على هذه الصيغة أصلا واشتراط في ذلك أن لا يكون الفعل عن سبق إصرار وتصميموترصد. وقد اعتمد المشرع المصري خيار العقوبة بين الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة. وقد أضاف على هذه الجريمة في الفقرة الثانية م 234 جديدة تشديد العقوبة حتى الإعدامإذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية ثانية، أو كان القصد منها التأهب لجنحةأو تسهيلها أو ارتكابها أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب منالعقوبة.
القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
نصت م 230 الجديدة تقابلها 194قديمة و 208 أهلي و 302 فرنسي على أن: كل من قتل نفسا عمدا مع سبق الإصرار على ذلكوالترصد يعاقب بالإعدام. وكانت قد وردت في النص السابق عبارة: حسب الأصول المقررةفي هذا القانون. فألغيت لعدم ظهور أي معنى لهذا، واستطردت م 231 فعرفت الإصرارالسابق نقلا عن القانون الفرنسي.
كما أجاد الفقه المصري في تفسيره: الإصرارالسابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل يكون غرض المصر فيه قتل شخص معين أو أي شخصغير معين وجده أو صادفه سواء أكان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط. كما عرفت م 232 الترصد فجاء فيها: الترصد هو تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهاتكثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أم قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص.
خلاصات:
إن جريمة القتل العمد هي الأكثر تفشيا وانتشارا في الوقت الحاضر لذلك انقسمت آراءالمختصين في ما يتعلق بتطبيق الإعدام على القاتل عمدا. وتعرضت لهذه العقوبة أقلامالكتاب والفلاسفة ورجال القانون أمثال روسو ـ وبنتام ـ وبكاريا وغيرهم. فمنهم منأيدها ومنهم من عارضها ونادى بإلغائها، واستدل القائلون بالإلغاء إلى الحجج الآتية:
أولا: أن العقاب حق تملكه الدولة باسم المجتمع الذي تذود عنه وتقتضيهبضرورة المحافظة عليه وحمايته، والمجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يمكنه أن يحكم بمصادرتها.
ثانيا: لأن الظروف وسوء الحظ قد يحيطان ببريء، فيقتضي خطأ بإعدامهوعند ذلك لا يمكن إصلاح هذا الخطأ، إذ لا سبيل إلى إرجاع حياة المحكوم عليهإليه.
ثالثا: لأن هذه العقوبة قاسية وغير عادلة.
رابعا: لأنها غير لازمة فلميقم دليل على أن بقاءها يقلل من الجرائم التي تستوجب الحكم بها.
ومجمل القول أنهؤلاء يرون أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية ومؤلمة تدل على الوحشية وتعود بالناس إلىشرائع الغاب. ويرى الشيخ حسين محمد مخلوف وهو من فقهاء الشريعة والقانون ما يلي: “لا شك أن القاتل إذا علم أنه سيقتص منه ارتدع عن القتل، وكان في ذلك حياة نفسين. وقديما قال العرب (القتل أنفى للقتل). والتفكير في إلغاء هذه العقوبة تفكير غريبعلى الإسلام وأحكامه، والمصلحة الاجتماعية قاضية ببقاء هذه العقوبة وتطبيقها، وهيوإن كانت في ظاهرها قاسية إلا أنها هي العقوبة التي تحمل الناس على عدم العدوان علىالأنفس وهي وسيلة من وسائل الأمن العام في الأمة. وهكذا العقوبات الشرعية إنما قصدبها الزجر البالغ حتى لا تقع الجريمة”. ولعل رأي الإبقاء على جريمة الإعدام هوالأفضل لأن به نحارب القتل كونه لفظة رهيبة تذكر النفس البشرية بالدم وسفكه وإزهاق الروح والعدوان عليها والتربص بالحياة لإعدامها
شارك المقالة

1 تعليق

  1. جزاكم الله خيرا على هذه المجهودات الجبارة وسيكون أفضل لو كانت الإحالات إلى الأقوال وما شابه ليسهل على الطلاب الرجوع إلى المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.