دراسة وبحث قانوني مميز في أوجه النقض التشريعي لقانون التسجيل الجديد
في كيفية سد هذا النقص وطريقة علاجه بيان إلى لجنة الحقانية بالبرلمان المصري
الحقوق العينية العقارية والإطلاق فيها بالمادة الأولى من قانون التسجيل – الوصية – التنازع بين المشتري من المورث (ولم يسجل عقده) وبين المشتري من الوارث (وقد سجل عقده) – تنبيه نزع الملكية – التخارج – التملك بالإرث – الحكر والخلو وعقد الإجارتين – حجة الوقف – ورقة الضد – الالتزامات الشخصية ومرماها القانوني الصحيح – تسجيل عرائض الدعاوى والمادة (7) من قانون التسجيل – عيوب المادة (7) المذكورة وضرورة معالجتها – دعوى إبطال تصرفات المدين الصورية، والمادة (7) – الالتزامات الشخصية والمادة (7) – المادة (7) ودعاوى طلب الحكم بصحة التعاقد، وإثبات التوقيع إمضاءً أو ختمًا أو بصمة إصبع والتسليم
قد أفضنا القول في بيان قانون التسجيل الجديد وإيضاح غوامضه، وكتبنا في غير موطن واحد من مواطنه، ونشرنا ذلك كله في كتب ورسائل لنا خاصة، وبالمجلات العلمية الدورية باللغة العربية والفرنسية (مجلة جازيت المحاكم المختلطة عدد أكتوبر الماضي سنة 1926 ورقم العدد (192) صفحة 299 – 300) وأخذ القضاء الأهلي والمختلط يؤيدنا فيما ذهبنا إليه من تقرير الأحكام الأولى لذلك القانون، بعد أن أبدى القضاء أولاً رأيًا مخالفًا لرأينا (انظر مجلة جازيت المحاكم المختلطة المجلد (16) صـ 301 – 306 رقم 299 – 307) وأخذ الفقه في مصر يؤيدنا أيضًا في وجهة النظر التي اعتمدنا عليها في شرح هذا القانون (انظر المجلة المذكورة صـ 297 – 299).
أما وقد ألممنا بهذا القانون ووقفنا على دقائقه فقد آن لنا الآن أن نبين هنا أوجه النقص فيه من الوجهة التشريعية، وكيفية معالجة هذا النقص، حتى تستطيع لجنة الحقانية بالبرلمان المصري الوقوف على ما حف هذا القانون من أوجه النقص والعيوب المختلفة، وحتى يخرج لنا قانون معدل صالح لأن يكون أداة تشريعية في تقويم المعوج من النظم العقارية، بحيث لا تضطرب معه الأحكام القضائية والآراء الفقهية بما رأيناه بشأن هذا القانون المعروض الآن على لجنة الحقانية بالبرلمان المصري.
وأملنا في برلماننا المصري أن يعير أوجه النقد المختلفة لهذا القانون جانب الرعاية، وأن يقسطها بقدر ما حام حول القانون هذا من مختلف الآراء وأوجه النظر، حتى يقطع بذلك دابر الخلافات المقلقة في تفسير قانون ترتكز إليه الحركة العقارية المصرية، وبيان ذلك:
الحقوق العينية العقارية
قضت المادة الأولى بتسجيل العقد الخاص بحق عيني عقاري حتى يكون حجة على العاقدين وعلى الغير معًا، وعند عدم تسجيله فلا يكون له من الأثر بين العاقدين سوى تقرير التزامات شخصية.
فمن حيث إطلاق القول في الحقوق العينية العقارية، بما فيها الملكية العقارية حتمًا، فقد أحسن الشارع المصري في هذا الإطلاق، بحيث يتناول هذا التعميم كل حق عيني عقاري يتقرر للأفراد على العقارات، ولم يفعل الشارع ما فعله بالمادة (611) مدني القديمة الملغاة التي عينت الحقوق العينية العقارية الخاضعة للتسجيل، ولكن بقيت مع ذلك حقوق أخرى يشتبه في عقاريتها أو تجعل قريبة جدًا من الحقوق الأخرى الخاضعة للتسجيل، وذلك:
إن الشارع في قانون التسجيل الجديد لم يقرر خضوع الحقوق الآتية للتسجيل:
1 – حق انتقال الملكية بالإيصاء:
نعم وإن كانت الوصية يرجع في أحكامها إلى ملة الموصي (المادة (55) أهلي) أي إلى الأحكام المقررة بقوانين الأحوال الشخصية، إلا أن لائحة المحاكم الشرعية الأخيرة الصادرة سنة 1910 قررت بالمادة (100) بأنه لا تسمع أمام المحاكم الشرعية دعوى الوصية أو الرجوع فيها بعد وفاة الموصي عند الإنكار، إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه، وعلى ذلك فلا بد فيها من الكتابة عند الإنكار، ومتى لا تثبت إلا بالكتابة وهي في ذاتها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع (المادة (86) من مرشد الحيران والمادة (530) من الأحوال الشخصية لقدري باشا) وهي تقرر حقًا عينيًا عقاريًا، بما يدخل في ذلك أيضًا الملكية ذاتها، فكان يجب على ذلك كله أن تكون خاضعة للتسجيل، حمايةً للغير على الأقل، وهو الغير المعرض لخطر الوصية وهو لا يعلم بها، وذلك أنه يحصل أن يتصرف الوارث في العقار الذي أوصى به مورثه وهو يجهل الوصية، إلى شخص حسن النية لا يعلم بها أيضًا، وكل ما يستطيع المشتري عمله إنما هو التأكد فقط مما يأتي:
أولاً: أن البائع له وارث، ويثبت ذلك بالإعلام الشرعي المثبت للوراثة أو بالحكم الشرعي القاطع فيها.
ثانيًا: أن العقار مملوك للمتوفى حتى الوفاة، ولم يتصرف فيه المتوفى قبل الوفاة تصرفًا عينيًا عقاريًا.
ويثبت ذلك بالاطلاع على سجلات التسجيل العامة فإذا تأكد المشتري من ذلك كله (نقول المشتري، إيجازًا في البيان، والصحيح أن يقال بأن الغير هو كل من يتقرر له حق عيني عقاري، مشتريًا كان أو متبادلاً أو مرتهنًا رهنًا عقاريًا حيازيًا أو غير حيازي، الرهن الرسمي، أو صاحب اختصاص) صحت عزيمته على الشراء، والطمأنينة تحف به، ولكن لا يلبث أن يفاجأ من شخص آخر يدعي أنه موصى إليه بالعقار محل البيع، والمشتري لا يستطيع قانونًا معرفة الوصية ومبلغ مرماها على عقارات المورث ما دام أنها غير خاضعة للتسجيل.
لذا نرى ضرورة خضوع الوصايا بالحقوق العينية العقارية للتسجيل، مع الاحتفاظ حتمًا بأحكام المادة (55) مدني من حيث ضرورة الرجوع إلى أحكام ملة الموصي فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ونرجو إلى اللجنة البرلمانية، لجنة الحقانية، مراعاة ذلك فيما تعده الآن من مشروع النظر في قانون التسجيل الجديد.
ويؤيدنا في وجهة نظرنا من ضرورة خضوع الوصية العقارية للتسجيل، فوق ما أشرنا إليه من خطر عدم التسجيل من الوجهة العملية، ما يأتي:
أولاً: أن مشروع السجلات العقارية الذي أقرته اللجنة الدولية المختلطة سنة 1904 قرر هذه القاعدة (المادة (28) منه والمادة (14) – انظر في ذلك كتابنا في الأموال صـ 857 ن 587 – وعلى الأخص صـ 869 ن 593 الفقرة 5).
ثانيًا: أن القانون المختلط جرى على قاعدة حماية الغير بقدر ما يمكن، حتى تخف وطأة الأضرار الناشئة عن عيوب القانون فيما يتعلق بنقل الحقوق المدنية العقارية.
ومن ذلك ما قررته المادة (78) مدني مختلط بأن (… الأحكام المتعلقة بفسخ الملكية في الأموال الثابتة ورد ما لمستحقيها بسبب تجاوز الواهب حق النصاب (légitime réserve، ويراد بالواهب هنا الموصي) أو عدم إبقائه لورثته المفروض لهم شرعًا quotité disponible أو نحو ذلك، فلا تضر بحقوق من انتقلت إليهم ملكية الأموال المذكورة من الموهوب له أو الموصى إليه) وإذا كان الشارع المختلط قد حمى هنا المشتري من الموصى إليه، فإن الحماية ضرورية أيضًا للمشتري من الوارث، ولعل حماية هذا الأخير أكثر ضرورة، لأنه لا يعلم بالوصية في ذاتها لأنها غير مسجلة، وأما المشتري من الموصي فإنه من المفروض عليه أن يعرف أحكام التصرف بالإيصاء المقررة بقانون الأحوال الشخصية للموصي، ولكن الشارع المختلط راعى تعدد هذه القوانين واختلافها فعمل على حماية المشتري من الموصى إليه، من الطريق الأقرب، مراعاةً للاعتبارات العملية، ولم يقف الشارع المختلط في رغبته الأكيدة في حماية حملة الحقوق العينية العقارية، عند الإيصاء، بل أخذ بها في مواطن أخرى (انظر في ذلك مثلاً ظاهرًا فيما قررته المادة (107) مدني مختلط من حيث عدم تأثر حقوق الغير بفسخ وإبطال العقود المملكة للغير: راجع في ذلك كتابنا في التأمينات صـ 123 ن 119 وما بعدهما، وراجع فصلاً خاصًا أفردناه لهذا الغرض برسالتنا (في التسجيل وحماية المتعاقدين والغير) صـ 85 ن 103 تحت عنوان (البطلان والتشريع المختلط) – وانظر الأموال لنا صـ 830 فقرة 4).
2 – في التنازع بين المشتري من المورث وبين المشتري من الوارث:
قامت ضجة قضائية وفقهية بشأن هذا التنازع، وذلك فيما إذا كان المشتري من المورث لم يسجل عقده، والمشتري من الوارث قد سجل عقده، وفي أيهما أفضل من الآخر، ولقد تناحرت الآراء في هذا الموطن، فقال رأي بتفضيل عقد المشتري من المورث ولو أنه غير مسجل، وقال رأي آخر بتفضيل عقد المشتري من الوارث، وهو العقد المسجل، وقد أخذنا بالرأي الثاني (انظر في ذلك كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 295 – 298 – كتابنا في الأموال صـ 937 ن 641 – وعلى الأخص الهامش 3) وعللناه بالاعتبارات العملية المقررة الآن في التسجيل.
ونرى هنا لفت نظر لجنة الحقانية بالبرلمان إلى ضرورة الإشارة إلى هذا الإشكال عند تعديل قانون التسجيل، ولو أن تكون الإشارة بالأعمال التحضيرية، أي تقرير اللجنة التي ترفعه إلى البرلمان، ولو أن في تقرير قاعدة عدم انتقال الملكية بين الطرفين قد أجهز على هذا النزاع، إلا أن هناك احتمالات جدلية للنزاع، بما أشرنا إليه في كتابنا في الأموال (صـ 938).
3 – تسجيل تنبيه نزع الملكية:
احتدمت الآراء هنا وهناك بشأن ما إذا كان تسجيل تنبيه نزع الملكية قد يترتب عليه تقرير حق عيني عقاري على العقار المنزوعة ملكيته أم لا، وقد رجحنا نحن ضرورة اعتبار تسجيل التنبيه هذا حجة على الغير (راجع الشرح الوافي لهذه المسألة في كتابنا في إثبات الالتزامات ج 2 صـ 412 و414 – الأموال لنا صـ 940 ن 641) ونرى ضرورة الإشارة إلى ذلك بنص التعديل الجديد لقانون التسجيل.
4 – التخارج:
هو عقد يتخارج به الوارث لبقية زملائه عما يملكه بالإرث منقولاً كان أو عقارًا، في مقابل ما يتقاضاه نقدًا من الورثة، ويرى القضاء المختلط عدم خضوع عقد التخارج للتسجيل فيما إذا انصب على نصيب الوارث المتخارج برمته، ويقول بالتسجيل فيما إذا انصرف التخارج إلى عقار أو عقارات معينة بالذات، أما نحن فإنا نقرر ضرورة التسجيل في الحالتين لأن الخطر على الغير فيهما واحد (الأموال لنا – صـ 828 الحالة الثالثة).
5 – التملك بالإرث:
قرر مشروع السجلات العقارية الذي أقرته اللجنة الدولية سنة 1904 ضرورة إخضاع إعلام الوراثة للتسجيل حمايةً للغير، وبقيود وأوضاع معينة، بحيث لا يترتب على عدم التسجيل سوى مجرد غرامة بسيطة (الأموال صـ 869 ن 593).
ونحن وإن كنا نرى ضرورة إخضاع التخارج لعملية التسجيل، بصرف النظر عن النظرية المختلطة، من حيث التفرقة بين التصرفين المشار إليهما، ولكنا لا نقر خضوع التملك بسبب الإرث للتسجيل، وعلى هذا نقر نظرية الوارث الظاهر hériltier apparent، وهي النظرية القائلة بصحة التصرف الحاصل ممن لم يكن في الحقيقة وارثًا، ولكنه ظهر أمام الجماهير، باعتباره وارثًا، واعتقد فيه الناس ذلك، فإذا جاء الوارث الحقيقي وطعن في التصرف الحاصل ممن لم يكن وارثًا، وجب رفض طعنه والحكم بصحة التصرف، والتعليل القانوني لصحة هذا التصرف أن الوارث الحقيقي قد أخطأ في عدم الإعلان عن نفسه، وعليه أن يجبر الضرر الذي لحق الغير وهو مشتري العقار من غير الوارث الحقيقي، أي أصبحت ذمته مشتغلة بالتزام، وهو جبر الضرر. وبما أن الأصل في الوفاء بالالتزام أن يكون بنفس الالتزام نفسه أي يكون الوفاء عينيًا، ما دام لا يمس الحرية الشخصية، فإنه يُقضَى في هذه الحالة بصحة التصرف باعتبار ذلك وفاءً أصليًا عينيًا (الأموال لنا صـ 847 ن 0484 – الالتزامات لنا، في النظرية العامة صـ 169 ن 180) ويحسن الإشارة إلى هذه النظرية بتقرير لجنة الحقانية البرلمانية، ولو أن الأخذ بها بمصر وبفرنسا متفق عليه إجماعًا فقهًا وقضاءً.
6 – الحكر والخلو وعقد الإجارتين:
الحكر عقد إيجار عن أرض بناء موقوفة أو غير موقوفة، لأجل معين أو غير معين في مقابلة أجرة شهرية أو سنوية، وأحكامه مستقاة من الشريعة الإسلامية، وأقرها القضاء المصري أهليًا ومختلطًا (الأموال لنا صـ 390 ن 275 وما بعدهما) ولما كانت الحقوق الخاضعة للتسجيل واردة بالقانون على سبيل الحصر والتعيين (الأموال لنا صـ 836 ن 577) ولم يرد الحكر بها، فلا يصح القول في عهد القانون المدني، ولا في عهد قانون التسجيل الجديد، بخضوع الحكر للتسجيل، وإنا نرى أنه من الضروري خضوع هذا العقد للتسجيل، أخذًا من طريق القياس بما قررته المادة (613) مدني والمادة (2) من قانون التسجيل الجديد، من ضرورة خضوع عقود الإيجار للتسجيل إذا زادت مدتها عن تسع سنوات، على أن مشروع اللجنة الدولية المختلطة الموضوع سنة 1904 بشأن السجلات العقارية، قد أقر هذه القاعدة أيضًا (الأموال صـ 869 ن 593).
والخلو أو خلو الانتفاع يحاكي الحكر، وهو عقد إجارة لزمن غير محدد عن أرض موقوفة مبنية أو غير مبنية أو زراعية، وتختلف عن الحكر في بعض أحكامه (الأموال صـ 392 ن 276) ونرى ضرورة خضوعه للتسجيل أيضًا أخذًا من طريق القياس بالحكر.
وأما عقد الإجارتين فهو عقد تؤجر به جهة الوقف مكانًا مبنيًا إجارة مستمرة لأجل غير مسمى، ويدفع المستأجر مبلغين، أولهما معجل وثانيهما مؤجل، وأقرت هذا العقد الإرادة الشاهانية الصادرة في 7 صفر سنة 1284 (10 يونيو سنة 1867، أي في نفس يوم صدور الإرادة الشاهانية الصادرة بالإجازة للأجانب بالدولة العثمانية بتملك الحقوق العينية العقارية فيها – شرح القانون المدني لفتحي باشا زغلول صـ 0291 – قاموس الإدارة والقضاء لجلاد بك، النسخة الفرنسية ج 6 صـ 576 – 577 تحت كلمة Wahf – القانون الدولي الخاص للمرحوم الدكتور أبو هيف بك صـ 531 ن 386 هامش 16 – دي هلس ج 4 صـ 386 ن 04 – الأحوال لنا صـ 393 ن 277) ونرى خضوعه للتسجيل أيضًا أخذًا بالقياس في الحكر والخلو.
7 – حجة الوقف:
الوقفية خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية من حيث أصلها، وخاضعة لأحكام لائحة المحاكم الشرعية الأخيرة الصادرة سنة 1910 من حيث شكلها، أي يجب أن تكون حاصلة أمام القاضي الشرعي، أي رسمية، ثم تسجل بالمحكمة الشرعية بما هو معروف، وقد رأت اللجنة الدولية المختلطة في مشروعها الأول الخاص بتوحيد أقلام التسجيل بمصر سنة 1904 ضرورة خضوع الوقفية إلى مبدأ التسجيل العام، أي السجلات العامة المعروفة، ولم يرَ قانون التسجيل الأخذ بهذا الرأي، والذي نراه ضرورة خضوع الوقفية للتسجيل العام المقرر بشأن السجلات العامة، وذلك توفيرًا على الباحثين من تشعب طرق البحث لديهم وتنوع مواطن التسجيل عندهم.
8 – ورقة الضد:
قام خلاف بين القضاء الفرنسي من جانب، والفقه الفرنسي من جانب آخر، بشأن ما إذا كان تسجيل ورقة الضد يعتبر حجة على الغير أم لا، وعلة الخلف ترجع إلى ما إذا كانت هذه الورقة تعتبر في ذاتها قد ردت الملكية إلى صاحبها الأول، فتخضع للتسجيل، باعتبارها ناقلة للملكية، أم أنها لا تعتبر ناقلة للملكية، فلا تخضع للتسجيل، ويكون تسجيلها وقتئذٍ غير نافذ على الغير، باعتبار أن الأوراق الخاضعة للتسجيل قد وردت على سبيل الحصر، وقد أثار هذا الخلاف حكم النقض الفرنسي الصادر في 18 مايو سنة 1897 الذي قال بالرأي الأول، وانتصر له فيه (دي لوان)، وقال بعكسه (تيسييه وبارد) وقال بالرأي الأول القضاء المصري، وقلنا نحن بالرأي الثاني (راجع إثبات الالتزامات لنا ج 1 صـ 333 وما بعدها، سنة 1914) ولكنا في رسالة التسجيل سنة 1926 عدلنا عن هذا الرأي وأخذنا بالرأي الأول القائل بنفاذ ورقة الضد المسجلة على الغير، ورجعنا في العدول إلى الاعتبارات الجديدة التي أقرها التسجيل الجديد، وراعتها النزعة التشريعية الجديدة، وعلى الأخص فيما يتعلق بتسجيل عقد الإيجار في العقار المرهون رهنًا عقاريًا حيازيًا (قانون 11 ديسمبر 1923 رقم (49) أهلي و(50) مختلط) وفي تسجيل عرائض الدعاوى بقانون التسجيل الجديد (رسالتنا في التسجيل صـ 124 ن 130 مكرر 2 وما بعدهما).
مما تقدم نرى أن عبارة الإطلاق في الحقوق العينية العقارية الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل، عبارة لا زالت توجد الخلاف القديم قائمًا، ونرى قطعًا لدابر هذا الخلاف في مسألة دقيقة مثل مسألة التسجيل أن يضاف إلى المادة الأولى من قانون التسجيل عبارة أخرى تشير إلى المسائل الثمانية التي ذكرناها هنا كالوصية والتخارج، إلى آخر ما أوردناه.
الالتزامات الشخصية
أما الالتزامات الشخصية فقد أفضنا بشأنها القول في أكثر من موطن واحد من المواطن القانونية، وأقرب العهد ما كتبناه برسالتنا (في التسجيل وحماية المتعاقدين والغير) (صـ 14 ن 2 وما بعدهما)، وما كتبناه باللغة الفرنسية بمجلة جازيت المحاكم المختلطة (المجلد 16 صـ 299 – ..) وقررنا، وأقرنا عليه القضاء المصري الأخير أهلي ومختلط، بأن الالتزامات الشخصية المنوه عنها بالمادة الأولى من قانون التسجيل ليست هي مجرد المطالبة بتعويضات نظير عدم تمكين البائع للمشتري من تسجيل عقد البيع، إنما هي الالتزامات الناشئة عن طبيعة العقد الخاص بالحق العيني العقاري، وعلى ذلك تجوز المطالبة قضائيًا بالحكم بصحة العقد في ذاته وهو غير مسجل، وتجوز المقاضاة بشأن إثبات صحة التوقيع بالختم أو الإمضاء أو بصمة الإصبع أيضًا، وتجوز المطالبة بتسليم العقار ولو أن العقد غير مسجل، وكل ذلك يرجع إلى أن الالتزامات الناشئة عن طبيعة العقد، التزامات مستقاة من نفس العقد، باعتبار أن البائع هو بائع ملتزم بواجبات وله حقوق، وباعتبار أن المشتري ملتزم هو الآخر بواجبات وله حقوق باعتباره مشتريًا، وأما تسجيل العقد فإنه لا ينصرف، ولا ينصرف فقط، إلا لنقل الملكية من حيث هي، وقد بينّا ذلك برسالة التسجيل بيانًا كافيًا، أوردنا فيه شيئًا من المقارنة بين العقد الحاضر غير المسجل، والملكية الحيازية عند الرومان (رسالتنا في التسجيل صـ 8 ن 13 وما بعدهما) وأجزنا الشفعة في عقد المشتري غير المسجل، وأيدنا القضاء في ذلك ما عدا بعض أحكام ذهبت إلى عكس ما قررناه، وهي قليلة جدًا بجانب الأحكام الأخرى التي رأت رأينا (انظر مجلة جازيت المحاكم المختلطة المجلد 16 صـ 301 – 306 – مجلة المحاماة المجلد (7) عدد نوفمبر سنة 1926 صـ 144 رقم (103) وانظر حكمًا لم يُنشر بعد صادر من محكمة الاستئناف بمصر في 10 يونيه سنة 1926 ومنشور بمجلة المحاماة في العدد (3) من المجلد (7) وهو عدد ديسمبر سنة 1926).
وعلى ذلك نرى أن نلفت نظر لجنة الحقانية البرلمانية، إلى ضرورة أن يذكر بالمادة الأولى من قانون التسجيل عبارة تشير في جلاء ووضوح، إلى أن الالتزامات الشخصية، هي الالتزامات الناشئة عن طبيعة العقد، وبذا يقطع خط الرجعة على هذه الخلافات المزعجة القائمة الآن في أحكام المحاكم، حتى يطمئن الناس على حقوقهم، من طريق الإفلات من التناقض في الأحكام، ذلك التناقض الذي يذهب بأكبر خصيصة للحق، وهي خصيصة الطمأنينة لدى صاحب الحق.
ومن نتائج الأخذ بما قررناه بشأن الالتزامات الشخصية، أن يترتب عليه أن العقد إذا تسجل، كان له أثر رجعي على الماضي، بحيث يعتبر المشتري مثلاً مالكًا من يوم صدور العقد، لا من يوم تسجيله (الأموال لنا صـ 917 ن 927) على شرط عدم المساس بحقوق الغير حسن النية، فيما إذا ترتب له مصلحة عقارية على العقار قبل تسجيل عقد المشتري.
وعلى ذلك نأمل أن تشير اللجنة إلى ضرورة الأخذ بالأثر الرجعي للتسجيل قطعًا لما يحتمل أن يقع من الخلافات المستقبلة.
تسجيل عرائض الدعاوى
لما كانت الأوراق الخاضعة للتسجيل واردة على سبيل الحصر، فكانت تخرج عرائض الدعاوى منها، لعدم ورودها ضمن مواد القانون المدني الخاصة بتسجيل الأوراق المتعلقة بالحقوق العينية العقارية (الأموال لنا صـ 836 ن 577 – انظر مع ذلك مقالاً بإمضاء M. P بمجلة جازيت المحاكم المختلطة المجلد الأول سنة 910 صـ 143) ولكن جاء القانون الجديد للتسجيل ورأى تقرير قاعدة تسجيل عرائض الدعاوى، حتى تكون الأحكام الصادرة فيها نافذة على الغير من يوم التسجيل، وقررت في ذلك المادة (7) من القانون الجديد ما يأتي: (يجب التأشير على هامش سجل المحررات واجبة التسجيل بما يقوم ضدها من دعاوى البطلان Annulation أو الفسخ Résolution أو الإلغاء Révocation أو الرجوع فيها rescision فإذا كان المحرر الأصلي لم يسجل فتسجل تلك الدعاوى، وكذلك دعاوى استحقاق revendication أي حق من الحقوق العينية العقارية يجب تسجيلها أو التأشير بها كما ذكر) وهذه الدعاوى المذكورة بهذه المادة هي خمس، وهي البطلان والفسخ والإلغاء والرجوع والاستحقاق، وقد أفضنا برسالتنا في التسجيل وحماية المتعاقدين والغير (صـ 127 ن 134 وما بعدهما) في بيان نقص هذه المادة وما أصابها من شوائب قانونية وفنية، وما حفها من غموض أيضًا، بشأن المذكرة الإيضاحية، ونرى أن نوجز ذلك هنا:
1 – أن الشارع لم يحسن في اختيار الألفاظ الأربعة الأولى المقابلة للدعاوى الأربع الأولى، وهي البطلان والفسخ والإلغاء والرجوع وكان الأولى به أن يقول بالبطلان annulation اكتفاءً به عن بقية الألفاظ الثلاثة التي نقدها الشارحون الفرنسيون والتي عابوا على شارعهم ذكرها، لأنها كانت تستعمل في عصور سابقة وكانت تتفق مع الحالات الاجتماعية السالفة (راجع رسالتنا في التسجيل صـ 62 ن 67 وما بعدهما) ولا معنى مطلقًا لاستخدام الكلمات الثلاث هذه، وهي الفسخ والإلغاء والرجوع، ما دام أن البطلان يؤدي إلى المعنى المرجو.
2 – وقد يوهم نص المادة (7) المذكورة أنه لا يشمل دعوى إبطال تصرفات المدين، ودعوى الصورية، وقد جاءت المذكرة الإيضاحية وأيدت هذا الوهم (المحاماة المجلد (3) صـ 463 العمود الثاني في آخره – جازيت المحاكم المختلطة المجلد (13) صـ 84 العمود الثاني في أوله) وقد اضطربت هذه المذكرة الإيضاحية في أصلها الفرنسي، وجاءت ترجمتها العربية مضطربة أيضًا (رسالتنا في التسجيل صـ 133 الهامش الأول) وكان من الواجب على الشارع أن يجعل دعويي إبطال تصرفات المدين والصورية خاضعتين لحكم المادة (7) المذكورة أي لأجل أنه يكون الحكم فيهما نافذًا على الغير، يجب تسجيل عرائض الدعوى فيهما، ويكون النفاذ من وقت التسجيل وأما القول من جانب المذكرة الإيضاحية بأن العمل يبقى بشأن هاتين الدعويين كما كان من قبل، أي قبل صدور قانون التسجيل الجديد فهو قول لا يتفق مع الغرض المرجو من التسجيل الجديد، لأن العمل السابق على قانون التسجيل جرى لدى القضاء الفرنسي والمصري أيضًا، على اعتبار العقد الصوري غير موجود، وأنه يترتب على عدم وجوده، إبطال كل تصرف حاصل للغير حسن النية، وهو الغير الذي اشترى من المشتري الصوري، وهو لا يعلم بما يشوب عقد المملك له، وقد انتقدنا برسالتنا في التسجيل (صـ 79 ن 93 وما بعدهما) هذا القضاء الغريب، ورأينا ضرورة حماية الغير حسن النية، وأيدنا ذلك بأدلة قانونية واعتبارات عملية.
ولذا نرى أنه لا بد وأن يدخل في البطلان بالمادة (7) المذكورة، دعويا إبطال تصرفات المدين والصورية.
3 – وإذا كان لا بد حينئذٍ من إدخال هاتين الدعويين، إبطال تصرفات المدين والصورية، ضمن الدعاوى التي تخضع العرائض فيها للتسجيل، فإنه يجب أن تصاغ المادة (7) المذكورة بصيغة أخرى تلتئم مع التعميم الذي نقول به، إلا إذا اكتُفي وقتئذٍ بكلمة البطلان باعتبارها تتمشى لغويًا أيضًا على دعويي إبطال تصرفات المدين والصورية.
4 – رأينا في تحديد المعنى الصحيح لعبارة (الالتزامات الشخصية) الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد، أنه يجوز للمشتري مثلاً الحق في رفع دعوى الحكم بصحة التعاقد أو طلب الحكم بصحة التوقيع، إمضاءً أو ختمًا، وهو التوقيع المنسوب للبائع الذي أبى على المشتري تمكينه من التسجيل، أو طلب الحكم بتسليم العقار إليه، وهذه الدعاوى الثلاثة وهي من الأهمية بقدر ما رأينا، لا تدخل ضمن الدعاوى التي تخضع فيها عرائضها للتسجيل، ويترتب حينئذٍ على عدم خضوع هذه الدعاوى للتسجيل، وعلى عدم إخبار الغير بوجودها لدى القضاء، أن هذا الغير يشتري العقار أثناء قيام الخصومة القضائية، ويشتري وهو مطمئن، لأنه لا يعلم بوجود الدعاوى، ما دام لم تتسجل العرائض فيها.
وبناءً على هذا الخطر الذي يداهم المدعي في الدعاوى الثلاثة المتقدمة، وهي دعوى صحة التعاقد وإثبات التوقيع والتسليم، نرى ضرورة وضع المادة 7 وضعًا قانونيًا بحيث يشمل بلا ريب هذه الأنواع الثلاثة من الدعاوى.
هذه هي أهم المسائل البارزة في قانون التسجيل الجديد، أوردناها هنا بشيء من الإيجاز، نرجو فيه إلى لجنة الحقانية بالبرلمان، أن تتفضل وتعيرها جانب الرعاية، من النظر التشريعي، حتى يخرج لنا قانون معدل، تطمئن معه الحقوق لدى أصحابها والله الموفق.
عبد السلام بك ذهني
القاضي بمحكمة مصر الأهلية
اترك تعليقاً