دراسة وبحث قانوني عن الاختصاص ودعوى الضمان
للأستاذ مرقس أفندي فهمي المحامي
أيزول الاختصاص الأهلي باختصام ضامن أجنب
1 – فقه محكمة الاستئناف:
يحسن أن نأتي في صدر البحث برأي محكمة الاستئناف في هذا الموضوع، تصفحنا المجموعة الرسمية، من أول عهدها إلى اليوم، فوجدنا أن هذا النزاع حكمت فيه محكمة الاستئناف خمس مرات.
ففي أربعة أحكام صدرت من دوائر مختلفة بين سنة 1897 وسنة 1910 تقرر صراحةً أن مخاصمة ضامن أجنبي لدى المحكمة المختلطة لا يمكن أن يكون من شأنه عدم اختصاص المحكمة الأهلية بالقضاء فيما رُفع إليها من قبل وكان داخلاً ضمن اختصاصها.
هذه نصوص الأحكام منقولة بالحرف:
أول يونيو سنة 99 مجموعة سنة أولى صفحة 102:
(عدم اختصاص المحكمة بدعوى الضمان لا يغير شيئًا من اختصاصها بالدعوى الأصلية، فإن كان الخصوم في الدعوى الأصلية من رعايا الحكومة المحلية، وأدخل بعضهم في الدعوى أجنبيًا بصفته ضامنًا فلا يترتب على دعوى الضمان هذه عدم اختصاص المحكمة بالدعوى الأصلية وتبقى مختصة بالنظر فيها دون دعوى الضمان).
15 إبريل سنة 1906 مجموعة سنة 8 عدد أول يناير سنة 1907:
وحيث إن دعوى الضمان المرفوعة من الدسوقي حسين ضد عبد الرحمن أفندي سعادة هي من الدعاوى التبعية ولكون عبد الرحمن أفندي ليس من رعايا الحكومة المحلية فالمحاكم الأهلية غير مختصة بها.
وحيث إن عدم الاختصاص بالنظر في الدعوى التبعية لا يؤثر على الاختصاص بالنظر في الدعوى الأصلية.
19 مارس سنة 1910 مجموعة سنة 11 عدد (117):
ثانيًا: أن الادعاء بوجود صالح لأجنبي في نفس موضوع الدعوى لا يكفي لاعتبار المحاكم الأهلية غير مختصة بنظر الدعوى المرفوعة أمامها.
ثالثًا: أن المادة (136) مرافعات المتعلقة بطلب إحالة الدعوى على محكمة أخرى لا تنطبق إلا في حالة طلب إحالة الدعوى من محكمة أهلية على محكمة أهلية أخرى لا من محكمة أهلية على محكمة مختلطة.
أما الحكم الرابع فمشار إليه في المجموعة هكذا:
(راجع حكم محكمة الاستئناف في 11 فبراير سنة 1897 القضاء سنة رابعة صفحة 174).
ويلاحظ أن واقعة النزاع في هذا الحكم كما هو مبين فيه: أن الخصوم كانوا يتنازعون ملكية قطن وثمنه، فرفع أجنبي دعوى لدى المحكمة المختلطة يدعي ملكية هذا القطن نفسه لأنه اشتراه فالنزاع كان واحدًا ومتعلقًا بعين معينة.
ومع هذا قررت المحكمة أن اختصاصها يبقى ثابتًا لا يهمها في ذلك ما ستحكم به المحكمة المختلطة في نفس الملكية المطروح أمامها الفصل فيها.
أما الحكم الخامس فصادر في 30 مايو سنة 1910 وهو في قضائه صواب، وإن كانت نظريته القانونية لا سند لها.
واقعة الحكم كما يظهر من نصه: أن مجلسًا أجنبيًا قرر بنقل عظام ميت، فنفذ عمال البطريكخانة أمره فرفع أهل المتوفى دعوى على البطريكخانة وقرروا في صحيفة الدعوى أن الذي ارتكب العمل الموجب للمسؤولية إنما هو ذلك المجلس الأجنبي (كذا في وقائع الحكم) غير أنهم يطالبون البطريكاخنة وحدها بالتعويض.
كان لا بد أن يقوم في نفس المطلع على الدعوى اعتراض قوي فإنه لا يجوز عدلاً ولا قانونًا أن يعترف من وقعت عليه الجنحة أو شبهها أن مرتكبها الأصلي والمسؤول عنها هو زيد ثم يتركه ويختصم بكرًا بسببها.
قالت محكمة الاستئناف في حكمها إنه مع اعتراف المدعي بأن الذي خالف القانون وارتكب الواقعة المطلوب تعويضها هو أجنبي خاضع لقضاء المحكمة المختلطة، فيجب أن تقام الدعوى عليه لأنه الخصم الحقيقي فيها واستنتجت من هذا أن المحكمة الأهلية غير مختصة.
والذي يدقق النظر ويريد أن يعطي هذه الواقعة حكمها الصحيح من حيث المبادئ يرى أن القضاء في هذا المقام كان يجب أن يكون بعدم القبول لأن اعتراف المدعي بأن من اعتدى عليه أجنبي يقتضي أن الخصومة موجهة باعتراف صاحبها ضد غير المسؤول فيها فعدم القبول كان أقرب لقواعد القانون.
غير أن الواقعة استفزت شعور القاضي والشعور يندفع بصاحبه في الحال فلما أراد أن يترجم عن هذا الشعور العادل أخطأ الترجمة فوضع كلمة عدم الاختصاص في محل عدم القبول وقد سهل على القاضي هذه الترجمة أن الدفاع الذي يهيئ دراسة الوقائع وتطبيقها على القانون كان مفرغًا في صيغة عدم الاختصاص فتمشى القاضي معه وصدر الحكم منطبقًا على وجدانه الصحيح في واقعته.
ومهما يكن من الأمر فإن الحكم – فضلاً عن تعلقه بهذه الحادثة وتأثره بالطبع بظروفها – صريح في أن هذه مسألة يترك للمحاكم تقديرها ولسنا نرى أن مسائل الاختصاص المتعلقة بالنظام مما يترك للقاضي التقدير فيها، فيقول تارة باختصاصه وتارة بعدمه على حسب الوقائع وتقلباتها.
وسواء كان المذهب صحيحًا أو غير صحيح فإن صريح الحكم أنه لم يضع مذهبًا على إطلاقه لكنه أراد أن يقول إن من الوقائع ما يستدعي عدم قبول الخصومة ضد الوطني وحده والواقعة المعينة فيه كانت بلا شك تقتضي ذلك، والفرق بين عدم الاختصاص وبين عدم القبول فرق دقيق قد يتسامح فيه ما دام الحكم في جملته منطبقًا على العدل، وهو كل ما يريده القاضي ويسعى إلى تحقيقه.
يستنتج من هذا أن فقه محكمة الاستئناف يقضي في أحكامه أن دعوى الضمان على أجنبي لا تؤثر في اختصاص المحكمة الأهلية بحال من الأحوال.
2 – مبادئ ونصوص:
نشير باختصار إلى المبادئ التي لا نزاع فيها لنرفع الشبهة، ولا يبقى للشك مجالاً:
أولاً: أن القانون صريح في نصوصه، لا يعرف من أسباب عدم الاختصاص إلا سببين، فإما عدم اختصاص لشخصية الخصوم وإما عدم اختصاص لنوع القضية وأهميتها.
وفيما عدا هذين النوعين فلا يعرف أحد قاعدة أخرى يسند إليها اختصاص المحاكم.
ومن البديهي أن مسائل عدم الاختصاص من أهم ما يرتبط بالنظام العام فلا يجوز للخصوم أن يضيفوا إلى نص القانون نصوصًا أخرى، ولا للمحاكم أن تفترض من أسباب عدم الاختصاص أسبابًا لم يقررها القانون، فيكون منها تقديم دعوى ضمان ضد أجنبي.
ثانيًا: أن إدخال الضامن دفاع، فإذا كان من شأنه تغيير الاختصاص فمركز هذا في النظر القانوني أن مصلحة المدعى عليه الخاصة، وطريقة دفاعه – قد تولد سببًا ثالثًا لعدم الاختصاص غير الأسباب التي وضعها الشارع. ولسنا نعلم ولا يعلم أحد على ما نظن أن مصلحة الدفاع كما يعتقدها أو يتوهمها صاحب الشأن يصح أن تؤثر على اختصاص المحكمة فتصدمه بعد أن كان ثابتًا في ذاته.
ثالثًا: أن المرافعة عقد قضائي يلزم للقاضي وللخصوم معًا، فإذا كان الحق المتنازع عليه من اختصاص القاضي، وكان الخصوم خاضعين لقضائه فقد تمت بذلك أركان التعاقد القضائي وتعين على القاضي أن يحكم وإلا فهو ممتنع، ولا وصف لعمله غير هذا.
رابعًا: أن اختصاص المحكمة يتعين عند رفع الدعوى وفي ساعة إعلانها، وكل ما يطرأ بعد هذا الإعلان من أعمال الخصوم مهما كان نوعه لا يغير هذا الاختصاص، فلو أن نفس المدعى عليه غير تبعيته الشخصية، فإن الدعوى التي رُفعت عليه تظل منظورة أمام المحكمة الأصلية حتى يفصل فيها نهائيًا.
كذلك الأمر في إجراءات الدفاع فإن المدعى عليه لا يستطيع لمجرد إرادته أن يقول إن دفاعي يقلب موضوع الدعوى وينقله من مركزه القانوني إلى مركز جديد واختصاص جديد.
خامسًا: أن دعوى الضمان ملحقة بالدعوى الأصلية وليس من المعقول أن يصبح الملحق أصلاً والأصل ملحقًا، فيقال إن تصرف المدعى عليه في الدفاع يخرج الدعوى من اختصاص قاضيها ويقتضي إحالتها على قاضٍ لا نزاع في أنه كان غير مختص لو لم يقدم هذا الدفاع الجديد.
سادسًا: أن القانون صريح، جعل لحالة إدخال الضامن نصًا غير نص عدم الاختصاص وهذا تفريق بين الأمرين بطريقة واضحة لا تقبل الجدل، فالدفع بعدم الاختصاص بسبب إدخال ضامن خروج عن نصوص القانون الصريحة وخلط بين أحكامها.
سابعًا: أن قاعدة إدخال ضامن في نفس الدعوى المرفوعة ليست من الكليات الأصلية التي تتوقف عليها ولاية القاضي، ولا هي من شروط تكوين العقد القضائي الملزم للقاضي أن يحكم في الخصومة التي رفعت لديه بحيث إذا لم يدخل الضامن كان العقد القضائي ناقصًا وولاية القاضي منقوصة – بل هي استثناء للقاعدة الأصلية الكلية التي تكون الخصومة بقيامها بين مدعٍ ومدعى عليه، وهي ميزة أُعطيت للمدعى عليه بشروط خاصة أهمها أن تكون المحكمة التي يراد رفع دعوى الضمان لديها مختصة بنظر هذه الدعوى بذاتها، إذا رفعت أمامها كدعوى مستقلة فإذا لم تتوفر بشروط دعوى الضمان وكانت المحكمة غير مختصة بها فلا يقدح هذا في صحة الدعوى الأصلية وإلزام القاضي بأن يحكم فيها.
ثامنًا: أن دعوى الضمان إنما هي دخول خصم ثالث قهرًا عنه والقانون صريح (مادة 295) في أن دخول الخصم الثالث لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون سببًا في تأجيل الفصل في الدعوى – فمن باب أولى لا يمكن أن يكون سببًا للتقرير بعدم الاختصاص ولا بالإيقاف ما دامت الدعوى بحدودها الأصلية داخلة ضمن اختصاص المحكمة.
تاسعًا: أن القانون كله صراحة في أن دعوى الضمان لا تعطي مدعيها أكثر من طلب ميعاد لإدخال الضامن، وللمحكمة أن تعطي الميعاد أو ترفضه ولها أن لا تؤخر الدعوى الأصلية أو لا تؤخر الفصل فيها (مواد 140 – 143 – 144) وللمحكمة مع قيام دعوى الضمان أن تحكم في الدعوى الأصلية بحكم مستقل، ثم تحكم في دعوى الضمان مستقلة أيضًا (مادة 145).
ولا معنى للقول بأن من مستلزمات الضمان أن يكون الفصل فيه مع الدعوى الأصلية بحكم واحد، وأن هذا التلازم واجب إلى حد إعدام ولاية القاضي وإخراج القضية من سلطته إذا قام مانع قانوني يحول بينه وبين النظر في قضية الضمان.
وغريب جدًا أن يعطي القانون للقاضي السلطة المطلقة في أن لا يهتم لدعوى الضمان أصلاً، حتى ولو كان مختصًا بنظرها وأن لا يؤخر الفصل في الدعوى الأصلية بسببها وذلك بمحض اختياره وإرادته، ثم إذا ظهر أن هذا التصرف نفسه مفروض عليه من طريق القانون حرصًا على قواعد الاختصاص – كان تصرفه معيبًا واعتبر القاضي في خضوعه للقانون وتنفيذه قد تعدى اختصاصه وتجاوز سلطاته.
لا نظن أن هذا جدل صحيح يستوقف من يتحرى القانون ويريد أن يقف عند مبادئه ونصوصه.
عاشرًا: أن القانون نص صراحةً (مادة 147) – على حالة إدخال الضامن أمام محكمة غير مختصة في الأصل بنظر القضية ضده – فقرر أن المحافظة على قواعد الاختصاص من ألزم واجبات القاضي فلا يجوز للخصوم أن يحتالوا على تغييرها فإذا ظهر للقاضي أن دعوى الضمان حيلة لجلب الضامن أمام محكمة غير مختصة ترك دعوى الضمان (للمحكمة المختصة بها) وحكم في الدعوى الأصلية وحدها.
تلك قواعد القانون الكلية ومبادئه ونصوصه الصريحة.
ولسنا ندري كيف يجد من يقول بأن الدعوى الأصلية يجب أن تتسع دعوى الضمان، سندًا من القانون أو مبادئه العامة، بل لا ندري كيف يصح أن تكون هذه المسألة من المسائل الخلافية بين أهل القانون.
3 – العلم والعمل في القانون الأفرنسي:
مواد الضمان عندنا منقولة من القانون الأفرنسي حرفًا بحرف.
أجمع العلماء عندهم إجماعًا لا خلاف فيه على أن دعوى الضمان ملحقة على الدوام بالدعوى الأصلية، ولا يمكن أن ينعكس الحال فتجذب هي الدعوى الأصلية وتغير اختصاص القاضي المختص أصلاً بالدعوى.
هناك مسألة الأجانب كما هي عندنا لا تختص المحاكم الأفرنسية بنظر ما شجر بينهم من النزاع لكنها تختص بالنزاع القائم بين أفرنسي وأجنبي فإذا رفع الأفرنسي دعواه على أجنبي فأراد هذا أن يدخل ضامنًا أجنبيًا في الدعوى، فالمحكمة لا يهمها من دعوى الضمان شيء، ولا تناثر بها ولا تقف عن الفصل في الدعوى الأصلية لعدم اختصاصها بدعوى الضمان.
قد يقوم في الوهم أن هذا قياس مع الفارق لأن القضاء الأفرنسي ليس منه سلطة مختصة بالفصل في الدعاوى المختلطة كما هو شأننا، ولكن هذا الاعتراض غير وجيه لمن يتأمل فإن دعوى الضمان موضوعها أن المدعى عليه الأصلي يطلب أن يحل محله في الخصومة خصم آخر هو أولى بالدفاع عن الحق المتنازع عليه ضد المدعي، فالخصومة في الواقع باقية بن الأفرنسي المدعي وبين مدعى عليه أجنبي هو الضامن، فالمحكمة الأفرنسية مختصة بالفصل في الدعويين على اعتبار أنهما في الواقع أصبحا دعوى واحدة يحكم فيها بحكم واحد.
لكن الذي حال بين هذا مبدأ أساسي في دعوى الضمان وهو أن دعوى الضمان لا يجوز قبولها ضمن الدعوى الأصلية إلا إذا كان من الجائز قبولها أمام نفس المحكمة لو أنها رُفعت مستقلة فينظر أولاً إلى دعوى الضمان على حدتها وكأنها دعوى مستقلة ثم تعطي حكمها على هذا الاعتبار، فإذا كانت من اختصاص القاضي المنظورة أمامه الدعوى الأصلية جاز الكلام في ضمنها إلى النزاع، وإذا لم تكن في ذاتها من اختصاصه، كان من المحال اعتبارها دعوى ضمان، فلا تضم إلى الدعوى الأصلية ولا توقف الفصل فيها بحال من الأحوال.
هذا هو المبدأ الصحيح الذي يجب القياس عليه عندنا كما أخذ أساسًا عندهم، وهو مستفاد صراحةً من حكم المادة (147) وقد بحثناها فلا نعود إليها هنا.
على أن هذا القياس ليس وحيدًا في مقامنا فإنهم بحثوا أيضًا حالة عدم اختصاص المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الأصلية بدعوى الضمان باعتبار أن دعوى الضامن من اختصاص محكمة أفرنسية أخرى، وهذه هي حالتنا لأن المحكمة المختلطة محكمة مصرية.
كان رأيهم الإجماعي أيضًا أنه إذا كانت دعوى الضمان بصفتها دعوى مستقلة من اختصاص محكمة أفرنسية غير التي رُفعت أمامها الدعوى الأصلية فإن هذا لا يؤثر على الدعوى الأصلية بشيء ولا يوقفها ولا يقتضي عدم الاختصاص فيها، بل يجب أن تسير الدعوى الأصلية وحدها ويجب أن تفصل فيها المحكمة التي رُفعت إليها ما دامت أنها مختصة بها أصلاً، وللمدعى عليه أن يتخذ إجراءاته في دعوى الضمان أو الرجوع أمام محكمة أخرى ولا أهمية في هذا لاحتمال التناقض بين الحكمين.
قد يكون الدين تجاريًا بالنسبة لأحد المدينين ومدنيًا بالنسبة للثاني وبالنسبة للضامن فتقرر أن الدعوى التجارية المنظورة أمام محكمة تجارية لا تخرج من اختصاص تلك المحكمة لأن المدعى عليه أُدخل ضامنًا أمام محكمة مدنية إنما الواجب أن تحكم المحكمة التجارية بما ترى ضد المدعى عليه ثم تحكم المحكمة المدنية في دعوى الضمان بما ترى أيضًا (داللوز جزء (23) صفحة (155) نوتة (385) و(395) و(398) و(399)).
وما منعهم في تقرير هذا الرأي والإجماع عليه احتمال أن تحكم المحكمة التجارية بصحة الدين، ثم تحكم المحكمة المدنية بأن هذا الدين باطل للغش أو للتزوير أو لأي سبب من الأسباب المبطلة له، فما كان احتمال الخلاف بين القضائين سببًا لإعدام سلطة المحكمة التي رُفعت أمامها الدعوى.
قد يحصل عندنا كما يحصل عندهم أن يكون النزاع في الدعوى الأصلية أمام محكمة جزئية، لكن دعوى الضمان تقتضي البحث في عقد لا يجوز الفصل فيه إلا للمحكمة الكلية، وقضاء المحكمة الكلية في هذا المقام أعم من قضاء الجزئي، ومع هذا لا يجوز أصلاً أن تكون دعوى الضمان سببًا لإعدام اختصاص المحكمة الجزئية أو لتعطيل سلطتها فتوقف الحكم في الدعوى الأصلية وهي مختصة بها، فلا يهمها أن المدعى عليه رأى في دفاعه أن يرفع دعوى ضمان على خصم ثالث لا يمكن المرافعة ضده إلا أمام المحكمة الكلية.
كذلك الحال إذا كان المدعى عليه في دعوى الضمان له امتياز شخصي فلا يجوز محاكمته إلا أمام محكمة خاصة كالأجانب عندنا، وكبعض الموظفين عندهم (المحضرون وغيرهم) فإن دعوى الضمان في مثل هذه الحالة لا تضم إلى الدعوى الأصلية ولا تؤثر على اختصاص القاضي ولا توقف الفصل في الدعوى (داللوز جزء (23) صفحة (159) فقرة (395)).
بناءً على هذا فمن الواضح الجلي أن دعوى الضمان تأتي ملحقة للدعوى الأصلية باعتبارها فرعًا تابعًا لها ولا تلحق بها إلا إذا كانت في ذاتها من اختصاص المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الأصلية.
أما أنها تعتبر أصلاً جديدًا، وتأخذ معها الدعوى الأصلية على أنها فرع ملحق بها فذلك مخالف للقانون والتدليل الفعلي ولم يقل به عالم ولا محكمة.
ونعيد أن القانون صريح جدًا في هذا فإنه بحث دعوى الضمان في فصل عنوانه (في الدفع بطلب الميعاد)، وهذا تصريح لا ينازع فيه أحد بأن دعوى الضمان لا أثر لها أكثر من طلب ميعاد، وطلب الميعاد اعتراف واضح بالاختصاص وتأكيد له فمن التناقض أخذ الضمان سببًا لعدم الاختصاص والفرار من وجه القاضي.
مجلة المحاماة – العدد السابع
السنة الأولى – أول يناير سنة 1921
دعوى الضمان
محل في دعوى الفسخ للعيب الخفي
1 – شرط دعوى الضمان:
الشرط الأساسي في دعوى الضمان أن تكون متعلقة بموضوع الدعوى الأصلية تعلقًا تامًا واقعيًا وقانونيًا معًا، بحيث أن تكون مسؤولية الضامن المراد إدخاله في الدعوى مبنية على نفس الواقعة التي قامت عليها مسؤولية المدعى عليه في الدعوى الأصلية، وعلى نفس الرابطة القانونية التي كانت سببًا للدعوى الأصلية أيضًا.
بهذا وبه فقط تقوم وحدة الخصومة في الدعويين الأصلية والفرعية، ويخشى من التناقض فيحسن الضم إذا رأت المحكمة ذلك حسنًا، لأن الأمر موكول على كل حال للقاضي.
لذلك تقرر بالإجماع علمًا وعملاً، وألفت النظر إلى كلمة بالإجماع، أنه إذا كان موضوع الدعوى الأصلية يتناول عقدًا خاصًا، ودعوى الضمان تتناول عقدًا آخر، فلا محل لضم الدعويين.
ويجب الحكم في الدعوى الأصلية وحدها بلا إمهال ولا تأجيل.
أجمعوا على أن هذا واجب حتى ولو كانت دعوى الضمان مؤسسة على نفس الواقعة المتنازع عليها في الدعوى الأصلية لأن الاتحاد في الواقعة لا يكفي للضم إذا كان كل من الدعويين مبنية على عقدين مختلفين.
لا يعترض على هذا أن الضمان في حالة النزاع في الملك يسند إلى عقد خاص يختلف عن العقد الذي يتمسك به من ينازع في الملكية لأن الملكية والحقوق العينية هي الحقوق الوحيدة التي يحتج بها على الكافة، فهي واقعة على العقار مباشرةً، ويحتج بها على كل إنسان، فالرابطة القانونية قائمة بين مدعي الملك وبين كل من ينازع فيه مباشرةً نظرًا لأصل الحق وحكمه، فشروط الضمان في هذه الحالة متوافرة على الدوام.
يقول أصحاب البنديكت فرانسيز جزء (34) صـ 360 نوتة (49) (شرط دعوى الضمان أن تكون الواقعة المسندة إليها هي نفسها المبنية عليها الدعوى الأصلية وهذه هي الحكمة التي دعت الشارع لتقرير دعوى الضمان اجتنابًا للتناقض بين الأحكام إذا حكم في كل من الدعويين بحكم مستقل).
(بناءً على هذا فليست دعوى الضمان كل دعوى رجوع تنتهي بمسؤولية خصم غير حاضر في الخصومة الأصلية ليعرض على من يحكم عليه فيها بل يجب أن تكون دعوى الرجوع هذه ترتبط بالدعوى الأصلية ارتباطًا جوهريًا لازمًا فتكون فرعًا ضروريًا من ذلك الأصل الموجود) – أحكام كثيرة.
نوتة (5): وبعبارة أخرى أن دعوى الرجوع على خصم خارج عن الخصومة بما قُضي أو يحتمل القضاء به على المدعى عليها فيها ليست على الدوام دعوى ضمان.
نوتة (51): إنما ميزة دعوى الضمان يجوز إفراغها في الصيغة الآتية:
أن المدخل في الدعوى يأخذ مقام المدعى عليه الأصلي ليتحمل مسؤولية تعهد التزم به أو ليعارض في تلك المسؤولية.
نوتة (64): ومن البديهي أنه لا يوجد أي ارتباط وتلازم إذا كانت الدعوى الأصلية مبنية على جنحة أو شبه جنحة كحادثة أضرت بالمدعي مثلاً وكانت دعوى الضمان مبنية على عقد.
(أحكام عديدة في سنة 1890 و91 و92 و93 و97 و98 و99).
نوتة (65): الدعوى المرفوعة على الفاعل أو المسؤول مدنيًا عن حادثة والدعوى المرفوعة من هؤلاء ضد شركة التأمين وإن اتحدت فيهما الواقعة التي نشأت عنها المسؤولية (كالعيب في العقار في حادثتنا) إلا أنهما غير متحدتين في السبب القانوني (نفس الأحكام).
نوتة (66): وبناءً على هذا فإن الدعويين المذكورتين لا ارتباط بينهما ويجب الفصل في كل منهما مستقلة (نفس الأحكام).
نوتة (67): وبناءً على هذا أيضًا فلا تضامن بين دعوى التعويض المرفوعة من العامل ضد صاحب العمل المسؤول وبين دعوى هذا الأخير ضد شركة التأمين فإن كلاً من هاتين الدعويين دعوى مستقلة يفصل فيها على حدة فلا يجوز للمالك إدخال شركة التأمين في الدعوى الأصلية المرفوعة عليه (نفس الأحكام).
إذا أخذنا هذه المبادئ وأردنا تطبيقها على دعوى الفسخ للعيب الخفي فلا تترد في الحكم بأن دعوى الرجوع الموجهة على البائع الأصلي لا يمكن أن تكون من دعاوى الضمان التي يجب ارتباطها بالدعوى الأصلية ليحكم فيها بحكم واحد ذلك لأن الرابطة القانونية بين الخصمين في الدعوى الأصلية غير الرابطة القانونية بين الخصمين في دعوى الرجوع فإن المدعي والمدعى عليه أمام المحكمة الأهلية في دعوى الفسخ بسبب العيب الخفي إنما يتنازعان في العقد المبرم بينهما وخصومتهما قاصرة عليه لا تتعداه.
أما هذا المدعى عليه فإنه إذا أراد مخاصمة بائعه السابق على اعتبار أنه خدعه أيضًا في عقده فإنما هو ينازعه في ذلك العقد ولا دخل لصاحب الخصومة الأصلية فيه بوجه من الوجوه.
صحيح أن العقار واحد وأن العيب الذي فيه واقعة واحدة غير أن وحدة الواقعة كما علمنا لا تكفي لتوحيد النزاع لأن العيب الخفي في العقار لا يمنع من التصرف فيه منعًا مطلقًا يشمل كل إنسان بل قد يشتريه هذا ولا يشتريه غيره ولكل بيع ثمن والعيب هنا أمر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص وتقديراتهم ويختلف على الخصوص باختلاف الثمن الذي ورد في العقد فما بيع بعشرة على عيبه يجوز أن يكون البيع فيه صحيحًا نافذًا ولكن إذا بيع نفس هذا العقار بعشرين فبيعه يقبل الفسخ.
لا تلازم إذًا بين العقدين ولا بين الخصومتين لا في الواقع ولا في القانون، فالقول بعدم جواز الحكم في العقد الحاصل بين وطنيين، وهو وحده المطلوب فسخه بدون بطلان العقد السابق عليه الحاصل بين المدعى عليه والأجنبي إنما هو تحكم في الواقع وفي أحكام القانون.
2 – جوهر دعوى العيب الخفي:
يجرنا هذا إلى بيان جوهر دعوى الفسخ للعيب الخفي فقد يفهم البعض أنها دعوى عينية إذا تعلقت بعقار ويخرج من هذا إلى أن دعوى رجوع المدعى عليه في العيب الخفي على بائعه الأسبق هو رجوع بحق عيني فهي من دعاوى الضمان التي يجب الفصل فيها مع الدعوى الأصلية.
ذلك خطأ فإن الحقوق العينية محددة على سبيل الحصر فلا تقبل المزيد فهي الملك وحق الانتفاع وحق الارتفاق والرهن والحبس وفيما عدا هذا فلا يوجد حق عيني آخر ولا يملك المفسر أو القاضي أن يعتبر أي حق من الحقوق عينيًا على سبيل القياس والأخذ بالمشابهات.
من الواضح أن دعوى فسخ العقود للعيب الخفي لا تتناول النزاع في حق الملكية ولا في أي حق من الحقوق المتفرعة عنهما، إنما ينحصر موضوعها في طلب فسخ عقد على اعتبار أنه التزام شخصي وتعهد قانوني، فيراد بالدعوى إعدام هذا التعهد ورفع التكاليف التي تقررت بمقتضاه بصرف النظر عن موضوع الحقوق التي تؤدي إليها في نتيجتها الأخيرة.
لهذا فإن دعاوى بطلان العقود للغش أو للخطأ أو للإكراه كلها من الدعاوى الشخصية وإن تعلقت بعقار أو بحقوق عينية.
يقول لوران في هذا الموضوع (جزء 24 – صـ 272): (ليست دعوى العيب الخفي دعوى ضمان لأن الضمان معناه الدفاع عن حق الملكية إذا أنكرها ثالث،
أما في حالة العيب الخفي فبديهي أن المسألة بعيدة عن طلب الدفاع عن ملكية البيع، إذ ما دام أن في العقار عيبًا فإن المشتري يطلب إما الفسخ وإما تنقيص الثمن ومعنى هذا أن الدعوى موضوعها أن البائع لم ينفذ عقده.
المبدأ هنا هو مبدأ فسخ العقود، وإن تشابه الأمر في الحالتين فلكل حالة حكم وهما مختلفان اختلافًا واضحًا.
إنما دعوى العيب الخفي تشبه دعوى بطلان العقود للخطأ في صفة المبيع… إلخ).
وبعد أن استرسل المؤلف في شرحه في العيب الخفي والضمان، قال في صـ 283:
(لا يوجد أي ارتباط بين دعوى الفسخ بسبب العيب الخفي وبين دعوى المسؤولية الموجهة من المدعى عليه في الخصومة الأصلية ضد المقاول الذي بنى العقار، وإن كانت واقعة العيب هو المسؤول عنها).
وقد قال في شرحه هذه الحادثة إن فكرة المحامي الذي قدم هذا الدفاع خصبة في اختراع وجوه الخصومة لكنها أسباب بعيدة عن القانون ومبادئه.
ظاهر بداهةً أن هذه الحالة تنطبق على حالة إدخال البائع الأسبق ضامنًا لأن مركزه هو بنفسه مركز المقاول بل المسؤولية على المقاول الذي بنى أشد وأظهر من مسؤولية البائع، وقد وضح أن المسؤولية في جميع دعاوى الفسخ للعيب الخفي شخصية لا عينية.
ومع هذا فإن إيقاف الحق بالشخصي أو بالعيني لا يؤثر على الاختصاص بشيء فيما يتعلق بدعوى الضمان.
على أن الفروق بين موضوع الدعوى المنظورة أمام المحكمة المختلطة وبين الموضوع المنظور أمام المختلط كبيرة لا تخفى:
أولاً: أن المدعي في دعوى الفسخ أمام المحكمة الأهلية لا ينكر على البائع الأسبق ملكيته ولا أي حق من حقوقه على العقار فالقول بأنه خصم للبائع الأسبق الأجنبي وأن النزاع قائم بينهما إنما هو قول ينقضه الواقع.
ثانيًا: أن دعوى الفسخ بسبب العيب المنظورة أمام المحكمة الأهلية يجب أن تكون خاصة بالعقد الأخير الحاصل بين الوطنيين دون العقد الأسبق لأنها لا تتعداه.
ثالثًا: أن هذه الدعوى باعتبار أن موضوعها طلب بطلان عقد لخطأ المشتري في صفة المبيع هي دعوى شخصية علاقتها قائمة بين هذا المشتري الذي أخطأ وبين بائعه.
رابعًا: أن خطأ من اشترى العقار لا يقتضي حتمًا وبالذات خطأ كل المشترين والبائعين التابعين وإن أخطأ أحدهما، فإن هذا الخطأ شخصي لا يجمع بين شخصين لم يتعاقدا بل لم يتحادثا فلا يمكن لمشترٍ أن يقول لبائع أسبق قد أخطأت في تعاقدي معك فلي حق الفسخ.
خامسًا: أن علاقة الغش بين متعاقدين هي بطبيعة الحال علاقة شخصية لا تتعدى شخصًا لم يتعاقد، فلا معنى أبدًا لدعوى الضمان هنا.
3 – استحالة دعوى الضمان:
إن هذه الخصومة بحدودها لو أحيلت فعلاً إلى المحكمة المختلطة لكان حكم القانون أن يقف المدعي أمام البائع الأسبق موقف جمود وسكوت لا يستطيع أن يوجه ضده خصومة.
ذلك لأنه إذا أراد أن يطلب فسخ عقد حصل بينهما فإنه لا يجد عقدًا من هذا القبيل.
وإذا أراد أن يحل محل بائعه لطلب باسمه فسخ العقد الحاصل بينه وبين الأجنبي فيحول دون ذلك أن الدعوى موضوعها خديعة أو خطأ وهي دعوى شخصية صرفة فمن المحال أن يدعي المشتري الأخير أن العقد الذي لم يحضره ولا يعلم ساعته كان المشتري فيه مخطئًا مغشوشًا.
وأخيرًا فإنه من المحال أن تتوجه دعوى الضمان توجيهًا صحيحًا ضد البائع الأصلي، وأن تبقى دعوى الفسخ الأصلية بسبب العيب الخفي معطلة بلا حكم.
ذلك لأن المدعى عليه الأصلي إذا أقام خصومته ضد بائعه الأجنبي فإن هذه الخصومة لا يمكن توجيهها عليه إلا إذا ادعى أن في العقار عيبًا خفيًا يستوجب فسخ العقد، وفي مجرد توجيه الدعوى على هذا الشكل اعتراف بأن في العقار عيبًا واعتراف بصحة دعوى الفسخ فهو تسليم بدعوى المدعي أمام المحكمة الأهلية، فلا هو دفاع فيها، ولا إنكار لها، فطلب المدعى عليه الحكم بعدم الاختصاص أو لعدم الفصل في الدعوى لأنه يعترف بموضوعها، ويريد بناءً على اعترافه بها مخاصمة أجنبي فيه من الغرابة والشذوذ ما هو ظاهر.
بناءً على هذا فإن مواقف الخصومة في المختلط سواء كان للمدعي في الدعوى الأصلية أمام المحكمة الأهلية أو لمدعي الضمان كلها مواقف استحالة قانونية وفعلية معًا، وليس من نتيجة إحالة الدعوى إلى المحكمة المختلطة من طريق عدم الاختصاص سوى مصادرة الدعوى في توجيهاتها القضائية المحكمية وامتناع محكمة عن الحكم في قضية لا نزاع في أنها من اختصاصها.
اترك تعليقاً