دراسة وبحث قانوني فريد عن نطاق الإعتصار وصيغته
المحور الأول : نطاق الاعتصار وصيغته
أولا: نطاق الاعتصار
1-في الهبـــــة
لقد نصت مدونة الحقوق العينية الجديد رقم 32.09 في مادتها 283 على أنه يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هبته ويجوز في الحالتين التاليتين :
أولا: فيما وهبه الأب أو الأم لولدهما قاصرا كان أو راشدا.
ثانيا: إذا أصبح الواهب عاجزا عن الإنفاق على نفسه أوعلى من تلزمه نفقته
ونستنتج من هذا النص أن المشرع المغربي قد أبقى على حق الأب والأم في الرجوع في هبتها لوالدهما وقد أضاف شرطا آخر لم يكن يعمل به في ظل القانون القديم ألا وهو عجز الأب أو الأم الإنفاق على نفسه أو على من تلزمه سواء كانت من ناحية القرابة أو الزوجية أو الالتزام، غير أنه بالرجوع إلى ق.ل.ع.م في ف 18 نجده ينص على أن الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها إلى علم الملتزم له وهنا ما ينتج عنه تعارض إلا أنه وبما أن ق.ل.ع.م هو نص عام ومدونة الحقوق العينية نص خاص فإن النص الخاص يسبق على النص العام وقد أيد المجلس الأعلى هذا الحوار حيث جاء في أحد قراراته رقم 74 صادر بتاريخ 31/ 1/ 2001[1]: حيث جاء فيه على أن اعتصار الهبة للأب وللأم فقط ولا يجوز للجدة وللجد كما جاء في قول خليل وللأب اعتصارها من ولدها كأم فقط وهبته أب”
غير أنما بالرجوع إلى مذاهب الفقه الإسلامي[2]نجدها أن لم تتفق في جواز الرجوع في الهبة حيث نجد عند الحنفية أن الموهوب لا يملك الشيء الموهوب ملكا غير لازم فيجوز للواهب الرجوع في هبته ويستندون في ذلك إلى حديثين شريفين أحدهما يقول : الواهب أحق بهبته ما لم يثبت عنها والآخر يقول : إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع” أما المذاهب الأخرى (المالكية والشافعية والحنابلة) فقد اقروا بحرمة الرجوع في الهبة ولو كانت بين الأخوة والزوجين إلا في حالة واحدة وهي حالة هبة الوالد لولده وتسمى عند المالكية باعتصار الهبة فلا اعتصار لغيرهما، لا لابن ولا لجد ولا لجدة ولا لأخ ولا لعم أو زوج فما يهبه الأب على ولده ذكرا كان أم أنثى له أن يرجع فيه ما لم يطرأ مانع من موانع الاعتصار وما تهبه الأم على ولدها ذكرا كان أم أنثى لها أن ترجع فيه ما لم يكن الولد صغيرا أو قد مات أبوه فلا رجوع لها لسبب يتمه كما أنه لا رجوع لها إذا طرأ مانع من الموانع وقد استند فقهاء المالكية في جوازهم هذا إلى حديث طاوس وهو حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم قال “لايحل لأحد يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد” ويتبين من الحديث أنه استثنى الأب أما الأم فمن باب القياس فقد قاسها مالك عليه، حيث جاء في المدونة الكبرى قلت أرأيت إن وهبت الأم لأولادها وهم كبار أيجوز لها أن تعتصرها قبل أن يحدثوا فيها شيئا أم لا في قول مالك، قال نعم يجوز لها أن تعتصرها في قول مالك لأن مالكا قال لي في الأب له أن يعتصر والأم مثله.
2-في الصدقـــة :
إن الاعتصار في الصدقة لا يجوز وهذا ما أقرته المادة 291 والتي تنص على أنه:
تسري على الصدقة أحكام الهبة مع مراعاة ما يلي :
-لا يجوز الاعتصار في الصدقة مطلقا
وقد صار المجلس الأعلى[3]على نفس المنوال حيث أقر بعدم جواز الاعتصار في الصدقة فقد جاء في قراره عدد 1089 صادر بتاريخ 27/ 3/2002 على أن الاعتصار لا يلحق الصدقة كما أن الرجوع في الصدقة لا ينتج أي أثر قانوني حول ما تم التصديق به.
أما الاعتصار في الصدقة في الفقه الإسلامي فلا يجوز للأب أو للأم حتى ولو عقاهما ولدهما فالصدقة تعتبر لوجه الله تعالى فوجهه أعظم من ذلك بكثير فقد جاء في الموطأ[4]قال يحيى سمعت مالكا يقول الأمر عندنا الذي اختلاف فيه أن كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن أو كان في حجر أبيه فأشهد له على صدقته فليس له أن يعصر شيئا من ذلك لأنه لا يرجع في شيء من الصدقة قال وسمعت مالكا يقول الأمر المجتمع عليه عندنا فمن نحل ولده نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة إن له أن يعتصر ذلك وفي المدونة الكبرى ورد ابن وهب عن يونس بن يزيد عن أبي الزناد[5]أنه قال “في رجل تصدق على ولده ثم عقه أله أن يرجع في ذلك قال لا يرجع في صدقته وقال ربيعة لا يعتصر الرجل صدقته على ابنه وإن عقه وقاله مالك” .
وبذلك فإنه لا اعتصار في الصدقة أصلا سواء اقترنت بهذا الوصف أم لم تقترن حيث يقول صاحب التحفة : وكل ما يجرى بلفظ الصدقة فالاعتصار أبدا لن يلحقه، لكن إذا وقع خطأ مادي في التعصير، فإن الصدقة تعتبر هبة قابلة للاعتصار وذلك استنادا إلى ف 419 من ق.ل.ع.م الذي يجيز تصحيح الخطأ المادي في الوثيقة الرسمية بالشهادة وحتى بالقرائن.
ثانيا: صيغة الاعتصار
بشرط في الاعتصار أن يكون باللفظ من الأب أو الأم أم ممن وكلاه توكيلا خاصا (أولا) ويعتد في الاعتصار استثناء بالإشارة بالنسبة للعاجز عن العبارة (ثانيا).
1-يشترط في الاعتصار أن يكون باللفظ من الأب أو الأم أو ممن وكلاه توكيلا خاص
يقول ابن عرفة في صيغة الاعتصار، ما دل عليه لفظ، وقال الرضاع في شرحه لقول ابن عرفة: أي ما دل على الاعتصار لفظا، وأطلق في الدلالة مطابقة أو التزاما وما يدل على الاعتصار من الألفاظ يصلح كصيغة لديه كقوله اعتصرت الهبة التي وهبتها لولدي فلان، أو رجعت أو تراجعت فيها، أو رددتها أو منعته إياها أو أسقطتها أو فسختها أو أبطلتها أو جعلتها كأن لم تكن… وغيرها من الألفاظ الصريحة الدالة دلالة قطعية على الرجوع في الهبة، ولا يؤخذ الاعتصار بغير اللفظ الصريح، لأنه إسقاط لحق بعد تبوثه كما لا يؤخذ ضمنيا بالفعل كما لو عمد الأب إلى بيع الدار التي وهبها لولده دون أن يشهد على نفسه بأنه اعتصرها منه، فالبيع في ذاته ليس باعتصار بقول الرصاع التونسي في شرح قول ابن عرفة: “أي ما دل على الاعتصار لفظا، وأطلق في الدلالة مطابقة أو التزاما، وقد اختلف في الدلالة الالتزامية هل تصح في الاعتصار عليه إذ وهب لابنه الصغير تم باع باسم نفسه ومات فإن الثمن لابنه حتى يصرح بالاعتصار وقيل بصحته بذلك البيع المستلزم له….. وقد وضعت مسألة إذا ما وهب لابنه هبة ثم محا هبته هل ذلك أشد من البيع، أو هو كمسألة البيع؟ وقد وقع ترددنا بقول الرصاع في ذلك وظاهر ما دل عليه قوله: لفظا أنه قاصر على اللفظ ويدل على ذلك أنه في رسم الصيغة في مواضع برسمها بما يعم اللفظي والعرفي والفعلي، وهنا لما ذلك باللفظي دل على الخصوصية فإن قلت قول الرصاع ظاهر هذا الحد صحة الاعتصار من كل محط مع أنه خاص بالأب بشروطه وبمن أحق به؟
وقال التسولي وصيغته ما دل عليه لفظا كان بمادة الاعتصار أو الرجوع أو غير ذلك، وهو يصح في الهبة والعطية والعمري والنحلة وما شاء به ذلك دون الصدقة والحبس، وقال الحطاب نقلا عن ابن رشد “الصيغة ما يدل على ذلك، نحو اعتصرت ورددت… وهو أن يبيعه لا يكون اعتصارا، قال: ولا يجوز اعتصارهما بعد البيع والثمن الولد ولا يكون اعتصار الأبوين إلا بالإشهاد.
وفي ق.ل.ع.م العبرة باللفظ في ظاهره للدلالة على الإرادة جاء في الفصل 21 منه: “التحفظات والقيود التي لم تنه إلى علم الطرف الأخر لا تنقص ولا تقيد أثار التعبير عن الإرادة المستفادة من ظاهر اللفظ” ولا يعتد بالتعبير الضمني إلا في فرضتين:
فرضية السكوت الدال على الرضا وفرضية تأويل بنود العقد الغامضة والفرضية الأولى لا مجال لتطبيقها على الاعتصار، لأن الاعتصار شخصي يلزم فيه أن يصدر من الأب أو الأم فقط، فلا اعتصار لغيرها إلا بتوكيل خاص منهما.
والفرضية الثانية هي قاعدة عامة على سائر العقود فلا مانع من البحث عن الإرادة الحقيقية للأب والأم دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ القول بالاعتصار من عدمه على شرط مراعاة التفسير الواردة في ق.ل.ع.م وخاصة الفصول من 464 – 467 والفصل 473 لا ترى أن الفصل 467 نص على أن التنازل عن الحق يجب أن بعض له مفهوم ضيق والفصل 473 قضى بأنه عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر مصلحة للملتزم.
لذلك فإذا لم يتم اشتراط عدم الاعتصار في الهبة والتنصيص عليه في العقد وموافقة الموهوب له على ذلك فإن الاعتصار لا يجوز طبقا للمادة 284 وهو ما ذهب إليه الفقه المالكي إلى أن اشتراط عدم الاعتصار يعتد به على المشهور، قال الزرقاني وكذا الاعتصار لأحدهما في الهبة إذا شهد على الهبة على المشهور قال أيضا: (وأن اشتراط المتصدق أنه يرجح في صدفته كان له شرطه وله أن يعتصرها، وكذا يعمل بشرط عدمه في الهبة)
كما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته منها قرار عدد 151 صادر بتاريخ 16/ 3/ 2005 الذي جاء فيه: “ليست للأب اعتصار الهبة إذا اشترط عدم الرجوع فيها، والمحكمة لما اعتبرت تضمين المتبرع عقد الهبة عدم الرجوع فيها في حكم الصدقة من حيث عدم جواز اعتصارها فإنه ليست بقرارها أي خرق للقواعد الفقهية المنظمة للأحكام الهبة وكذلك قرار عدد 539/ 2/1/2007 “شرط عدم الرجوع في الهبة يلزم الواهب ولو كان أبا”
ورد في قرار آخر صادر بتاريخ 16/ 3/ 2005 ملف شرعي على عدد 675 2/1/2003 “إن اشتراط الواهب عدم اعتصار الهبة فإن هذا الشرط يلزمه كما نص على ذلك شراح خليل الخرشي ج7 الزرقاني ج7 ومواهب الخلاف ص 282”.
2- يعتد في الاعتصار استثناء بالإشارة للعاجز عن العبارة
إن الاعتصار كسائر العقود يعتد فيه بالإشارة بالنسبة للحاجز عن العبارة كالأصم والأبكم والأعمى على شرط ثبوت العقل ثبوتا تاما، وأن تكون الإشارة مفهومة دالة عليه فإن عجز عنها امتنع كل عقد في حقه وكل اعتصار قال ابن عاصم في تحفته.
ومن أصم أبكم العقود بمقتضى إشارة قد أفهمت وإن يكن مع ذلك أعمى امتنعا كذلك للمجنون والصغير وذو العمى يجوز الابتياع له وبعضهم فرق بين من ولد 1
جائزة ويشهد الشهود مفصودة وبرضاه أعلمت لفقده الإفهام والفهم معا بمنع والسكران للجمهور وبيعه وكل عقد أعمله أعمى ومن عماه بعد وجد 1
المعنى: أن الشخص إذا كان أصم أو أبكم فعقوده كلها جائزة من نكاح وتبرعات لأنه يدرك الأشياء ببصره، وبفهم عن مراده بإشارته ويشهد عليه الشهود بالإيجاب والقبول بمقتضى إشارة منه أفهمت عن مقصوده وبرضاه بها وضع عليه العقد أعلمت بحيث لا يشكون في مراده فإن يكن مع الصم والبكم أعمى امتنع العقد معه والشهادة عليه لفقد الأفهام منه لغيره والفهم منه معا، وإنما بعقد له ما يحتاجه من العقود وليه، وكما يمتنع العقد من اجتمع فيه الصم والعمي والبكم كذلك يمتنع من هؤلاء وهم المجنون والصغير بحيث إذا كلفا بشيء من مقاصد العقلاء لا يفهمانه ولا يحسنان الجواب عنه، يمتنع بيعها وشراؤها كالمنع في الأصم والأبكم والأعمى وكذلك يمنع البيع والشراء مع السكران الطافح الذي لا تمييز معه بسبب سكر حرام أدخله على نفسه… وأما من ولد أعمى أو عمي صغيرا قبل تمييز الألوان فلا تصح معا معاملته[6].
[1]-قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 74 بتاريخ 31- 1- 2007، ملف شرعي عند 62/ 2/ 1/ 2005
[2]- الهبة في المذهب والقانون لعبد الرحمان بلعكيد ص 196.
[3]قرار صادر عن المجلس الأعلى قرار عدد 1089 بتاريخ 27/ 3/ 2002 ملف مدني عدد 2500/ 1/ 2001 .
[4]هو أبو محمد يحيى بن كثير الليتي القرطبي، الإمام الحجة الثبت، سمع من مالك والليت بن سعدن وتفقه به ابن مزين، وابن وصاح وجماعة توفي سنة 234 هـ ترتيب المدارك عياض ج 3 ص 379 وفيات الأعيان لابن خلكان ج 6 ص 143.
[5]هو عبد الله بن ذكران القرشي أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي الزناد وقيل بأن اباه كان أخا لأي لؤلؤة قاتل عمر، روى عن أنس وعائشة بنت سعد، وسعيد بن المسيب وغيرهم وعنه ابنه عبد الرحمان وصالح القاسم وصالح بن كيسات، وغيرهم مات سنة 130 هـ وقيل 131 وقيل 132 تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج 5 ص 178.
[6]-أحكام الأحكام على تحفة أحكام للكافي ص 161
من رسالة لنيل أحكام الاعتصار الهبة في الفقه الإسلامي” جمال العزوزي، ص 37.
المحور الثاني: موانع الاعتصار وآثاره
إذا كان المشرع فقد أعطى للواهب الحق في الرجوع في الهبة فإن هذا الحق مع ذلك حق استثنائي إذ ترد عليه مجموعة من الموانع التي تحول دون ممارسته هذا الحق (أولا).
وإذا تحقق الحق في الاعتصار فإنه ترد عليه مجموعة الآثار (ثانيا)
أولا: موانع الاعتصار:
بالرجوع إلى المادة 285 من مدونة الحقوق العينية نجدها قد نصت على ثمانية حالات يمنع فيها الرجوع في الهبة و يمكن تقسيم هذه الموانع إلى نوعين: موانع طارئة (أولا) و موانع الانتقال (ثانيا).
1- الموانع الطارئة
يمكن تصنيف هذه الموانع في مانع الموت ومانع مرض الموت مانع توظيف الهبة للزواج مانع تداين الولد للهبة، مانع قيام رابطة الزوجية في حالة الهبة من أحد الزوجين وأخيرا مانع الهلاك.
أ- مانع الموت
وتتحقق هذه الحالة حسب المادة 285 من مدونة الحقوق العينية بموت الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار.
فموت الموهوب له يمنع الواهب سواء أكان أبا أو أما من الرجوع في الهبة وطلك لانقضاء العلاقة بين الواهب والموهوب له ونشوء حقوق الورثة حسب فرائض الله في المواريث ولا فرق في أن يكون الموهوب له ولدا كبيرا أو صغيرا ذكرا أو أنثى.
والموت المانع من الاعتصار هو إما موت حقيقي أو موت حكمي ويكون الموت حقيقيا بموت القلب أو الدماغ أي الموت الفعلي الجسدي، أما الموت الحكمي فهو الذي تصرح به المحكمة في حق الغائب ويختلف التصريح بالموت في هذه الحالة بحسب الظروف العادية والاستثنائية.
فإذا كانت الظروف استثنائية أي ظروف والحروب والكوارث فإنه يتم التصريح بموت الغائب بعد مرور سنة طبقا للمادة 265 من ق.م.م والتي جاء فيها “إذا انقطع حين الغائب في ظروف استثنائية تغلب معها وفاته كالحروب والفيضانات وغير ذلك من النكبات التي حدثت بالمحل الذي يفترض فيه وجوده أمكن للورثة بعد انصرام سنة من صدور الأمر المشار إليه في الفصل 263 أن يقدموا للقاضي مقالا للحصول على حكم يصرح بالوفاة” وينص الفصل 327 من مدونة الأسرة “يحكم بموت المفقود في حالة استثنائية يغلب عليه فيها الهلاك بعد مضي سنة من تاريخ اليأس من الوقوف على خبر حياته أو مماته”
وفي الظروف العادية يصرح بالوفاة بعد انقضاء مدة التعمير ومدة التعمير حسب الفصل 266 من ق.م.م هي 80 سنة وهي إحدى الأقوال الإمام مالك وابن القاسم قال الشيخ خليل في مختصره (واختيار الشيخان ثمانين وحكم بخمس وسبعين وعليه فإذا توفي الموهوب له حقيقة أو حكما امتنع على الواهب الاعتصار لأن ملك الشيء الموهوب انتقل إلى ورثته وهؤلاء لم يستفيدوها من جهة الواهب ومن تم فلا يحق للواهب الاعتصار عليهم ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصارت كعين أخرى.
وكذلك الاعتصار بعد موت الواهب لأن الورثة لم يوجبوا الملك في الشيء الموهوب له فلا يحق لهم أن يرجعوا في ملك لم يوجبوه ولاعتبارهم أجانب.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان من حق في الأم كالأب أن تعتصر ما تهبه لابنها الكبير ما لم يطرأ مانع من الموانع ولا تأثير في ذلك وفاة الأب فإنها على العكس من ذلك لا يجوز لها أن تعتصر ما تهبه لابنها الصغير ما دام الأب ميتا أما إذا كان حي فيجوز لها الاعتصار وهو ما ذهب إليه المذهب المالكي حيث جاء في المدونة الكبرى “وما نحلت أو وهبت الأم لأولادها الصغار ولا أب لهم فإنها لا تعتصر ذلك وليس يعتصر ما يوهب لليتامى ولا ما ينحلون قال لي مالك : إنما ذلك عندي بمنزلة الصدقة قلت أرأيت إن وهبت الأم لأولادها هبة وهم صغار لا والد لهم فبلغوا رجالا، ولم يحدث وفي الهبة شيئا، أيكون الأم أن تعتصر أم لا؟ قال : ليس لها أن تعتصر الهبة، لأنها وقعت يوم وقعت لهم وهم يتامى، وهي بمنزلة الصدقة.
ب-مانع مرض الموت
يتجسد هذا المانع حسب المادة 285 من م ح ع في مرض الواهب أو الموهوب له مرضا مخوفا يخشى معه الموت وعليه فإن المنع يشمل كل من الواهب والموهوب له إذا كان في حالة مرض موت قال خليل “أو بمرض كواهب” وقال الخرشي “وكذلك يفوت الاعتصار بمرض الولد الموهوب له أي مرض مخوفا لتعلق حق الورثة بالهبة أو بمرض الواهب لأن اعتصارها صار لغيره وهو وارث وقد يكون أجنبيا عن الابن”. فكل من المدونة والمذهب المالكي يتفقان على منع الاعتصار في هذه الحالة غير أنه إذا زال هذا المانع فإنه حسب المادة 285 فإن الحق في الاعتصار يعود بينما نجد في المذهب المالكي اختلاف بخصوص هذه النقطة إذ هناك ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن العصرة تزول بزوال المرض، كان المريض منها هو المعتصر أو المعتصر منه، وهو قول ابن قاسم ومطرف والمغيرة وابن دينار.
القول الثاني : أنها لا تعود بزوال المرض وهو قول أصبغ ابن الماجسون
والقول الثالث : قول سحنون في تفرقته بين مرض المعتصر والمعتصر منه
وقال ابن رشد والقول الأول أظهر لأن الاعتصار إنما امتنع في المرض مخافة الموت، فإذا زال المرض ارتفعت العلة بزواله ولو اعتصر في المرض فلم يعتبر على ذلك حتى صح، لوجب أن يمضي ولو قيل : إن الاعتصار في المرض يكون موقوفا حتى ينظر هل يصح أو يموت؟ لكان هو وجه القياس والنظرة.
ج-مانع توظيف الهبة في الزواج
من موانع الاعتصار كذلك حسب مدونة ح ع توظيف الهبة للزواج أي إذا تزوج الموهوب له من أجل الهبة وبعد إبرام عقدها وعليه فإن الموهوب له إذا كان ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا استعمل الهبة بغرض الزواج فتزوج فإن الاعتصار لا يجوز في هذه الحالة لتعلق حق الغير بها من صداق ولوازم أبرم الزواج الأخرى ففي هذه الحالة يجب أن تكون الهبة هي الدافع إلى الزواج ولولاها لما تزوج ولكن هل يجوز الاعتصار إذا لم تكن الهبة هي الدافع إلى الزواج؟ ففي هذه الحالة إذا لم يتوقف عقد الزواج على الهبة فإنه في هذه الحالة لا يمنع الاعتصار ويجوز للواهب الرجوع فيما وهبه لأن الشرط ان يتكون الهبة هي السبب الدافع للزواج حيث يقول خليل “ولم ينكح أو يداين بها”.
أما إذا أوقعت الهبة بعد الزواج فإنه يجوز للأب أو الأم الواهبة الرجوع في الهبة لأن هذه الأخيرة وقعت وهو على حالة الزواج ويقوم خليل “إلا أن يهب على هذه الأحوال” ولكن إذا زال الزواج فهل يعود الحق في الاعتصار؟ ففي هذه الحالة إذا زال الزواج لسبب من الأسباب فإن الاعتصار بالطبع لا يعود لأن الزواج سبق أن نشأت عليه حقوق الغير على خلاف المرض فهو من الله تعالى ولا تعامل فيه.
د-مانع تداين الولد للهبة
يمنع الاعتصار كذلك في الحالة التي يتعامل الغير مع الموهوب له تعاملا ماليا اعتمادا على الهبة بحيث يصبح ذلك الغير دائنا للموهوب له وذلك كما وهب الأب أو الأم لابنهما محلا تجاريا أو أرضا فلاحية فيعمل على الافتراض من أجل تجهيزها وتعميرها ففي مثل هذه الحالة يمنع على الأب أو الأم الاعتصار وذلك كتعلق حقوق الغير بالهبة لأنه وكما نعلم أن أموال المدين تشكل ضمان عاما لديونه والاعتصار في هذه الحالة من شأنه أن يؤدي إلى افتقار الموهوب له الدين الذي قام بالتداين. وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 7/11/ 2007 إذا حاز المتصدق عليه الصدقة وأدخل عليها تغييرا أو رتب عليها حقوقا أو تحملا فلا يجوز اعتصارها[1]ولكن ماذا لو كان الدين سابقا على الهبة كان يهب عليه وهو مدين؟ ففي هذه الحالة يجوز الاعتصار في الهبة لأن الموهوب له لم يقم بالتداين من اجل الهبة لذلك إذا ما قام أحد الدائنين بإجراء وحجز عليها فلا مانع من اعتصارها من يده غير أنه إذا قام المدين بالاستدان من جديد من أجل الهبة وذمته مثقلة بديون سابقة فإن اعتصارها لا يجوز بالنظر إلى الدين الجديد الذي أحدثته الولد.
هـ-مانع قيام الرابطة الزوجية
من المستجدات التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية هو منع الاعتصار بين الزوجين في حالة هبة أحدهما على الآخر مادامت رابطة الزوجية قائمة فهذا المانع غير موجود عند المالكية ضمن الموانع المقررة للاعتصار وبمقتضاه إذا وهب الزوج على زوجته شيئا أو هي وهبت على زوجها فلا يجوز لأحدهما الرجوع على الآخر لأن المقصود بالهبة في هذه الحالة وتوثيق عرى الزوجية بين الزوجين قد تحقق ولا يصح الرجوع في الهبة حينئذ ويجب لكي تكون الهبة بين الزوجين لازمة لا يجوز الرجوع فيها أن تصدر حال قيام الزوجية فهبة الخطيب لخطيبته وهبة الرجل لمطلقته أو العكس كلها يجوز الرجوع فيها. أما إذا وقعت الهبة بعد الزواج ووقع طلاق فإنه يجوز للزوج الواهب الرجوع في هبته غير أننا نجد قرارا يسير في اتجاه مخالف صادر بتاريخ 14/ 1/ 2009 والذي جاء فيه “لا يجوز للزوج الذي طلبت زوجته التطليق للشقاق الرجوع في الهبة التي عقدها لها وسجلت بالرسم العقاري بعلة عدم حيازتها معاينة”[2].
و-مانع الهلاك
ونص على هذا المانع الفصل 285 من مدونة الحقوق العينية والتي جاء فيها إذا هلك الملك الموهوب في يد الموهوب له جزئيا جاز الاعتصار في الباقي ويلاحظ بأن هذا المانع لم ينص عليه الفقه المالكي وبمقتضاه يحق للواهب الرجوع على الموهوب له بما وهبة عليه ما لم تتحقق إحدى الموانع السابقة غير أنه إذا هلك الشيء الموهوب له في جزء منه دون الجزء الآخر فإنه يجوز له الرجوع في الجزء المتبقي كما لم وهب الأب لابنه دارا مفروشة فاحترق جزء من ذلك الأثاث ففي هذه الحالة يجوز للأب إذا لم تتحقق إحدى الموانع السابقة الرجوع في الدار التي وهبها إلى ابنه مع الجزء المتبقي من الأفرشة.
2-موانع الانتقال
موانع الانتقال هي تلك الموانع التي تمنع للاعتصار بسبب انتقال الهبة من وضع إلى آخر ومن حالة إلى أخرى وهذا الانتقال هو إما انتقال تفويت، فالتفويت هنا بمعنى انتقال الملكية وإما انتقال للمنفعة والرقبة أو انتقال للمنفعة فقط في مجموع الهبة لا في بعضها.
أو يكون انتقال تغيير وهو أن تنتقل الهبة من مظهر إلى آخر إما بالزيادة أو التحويل أو الهدم.
أ-مانع التفويت:
هذا المانع نصت عليه مدونة الحقوق العينية في المادة 285 حيث جاء فيها لا يقبل الاعتصار إذا فوت الموهوب له الملك الموهوب بكامله فإذا اقتصر التفويت على جزء منه جاز للواهب الرجوع في الباقي فمانع التفويت أو موانع التفويت هي موانع يترتب على وقوعها سقوط الاعتصار و ترجع هذه الموانع إلى تفويت الهبة من الموهوب له إلى الغير أي انتقال ملكيتها من يده إلى يد أخرى فالتفويت هنا بمعنى انتقال الملكية أما انتقال للمنفعة والرقابة أو انتقال للمنفعة فقط في مجموع الهبة لا في بعضها و يقع بالبيع والمعاوضة والشركة والهبة والصداقة و الحبوس والعمرة… و كذا بنزع الملكية للمنفعة العامة.
قال الشيخ خليل في مختصره (إن لم يفن) المعنى إن شرط صحة الاعتصار في الهبة أن اللاتفوت من عند الموهوب له ببيع أو غصب وجاء في المدونة الكبرى فله أن يحضر الهبة ما لم يحدثوا دينا أو بنكح و تتغير عن حالها.
و الشرط في التفويت أن يكون حقيقيا لا صوريا فلو نحايل الموهوب له على إسقاط الاعتصار فابرم بيعا صوريا فلا عبرة به و الصورة تثبت بمختلف وسائل الإثبات و إذا باع الموهوب له لزوجته أو أحد من أولاده و أقاربه هل يعتبر التفويت تفويتا حقيقيا أم لا؟ التفويت تفويت بمنع الاعتصار كان لا جنبي أو لقريب على شرط ألا يكون صوريا في جميع الافتراضات وإذا بطل عقد التفويت أو فسخ لسبب من الأسباب للاعتصار بعوداما إذا فوتت الهبة من طرف الوالد الواهب فان هذا التفويت إلا يعتبر اعتصارا.
قال ابن عاصم: و ما اعتصار بيع شيء اخذ وهب من غير إشهار به كما يجب
قال مبارة في شرحه إن من وهب هبة لابنه أو ابنته ثم انه باع تلك الهبة باسم نفسه ولم يشهد بان ذلك اعتصارا فان ببيعه لا عد اعتصارا بحمل على انه رأى البيع أولى لغبطة في الثمن أو لخوف فساد بلحق تلك الهبة ونحو ذلك و يكون ثمن تلك الهبة دينا في ذمة الأب لا برأ منه إلا بموجب و إلى هذا أشار بقوله و ما اعتصار بيع و فهم من قوله من غير إشهاد به أي بالاعتصار انه شهد عند البيع أو قبله انه اعتصر ذلك فذلك اعتصارا.
و الذي يتبين مما سبق أن العبرة بالتفويت المؤدي إلى انتقال الملكية في المنفعة والرقبة أو في المنفعة فقط لكن في مجموع الهبة و أما لو اختصر التفويت على جزء منها فلا مانع من اعتصار الجزء الذي لم يشمله التفويت و التصرفات التي لا تؤدي إلى انتقال الملكية كالكراء و لو كان طويل الأمد و العاربة و الوديعة فإنها لا تمنع الاعتصار و يثبت التفويت بالعقد الهائي و في العقد الابتدائي أو الوعد بالبيع فانه الموهوب له يظل ملتزما بالبيع خلال الأجل فلا اعتصار ما لم يثبت استحقاقه له فإذا اثبت فلا اعتصار بالطبع
ب-مانع التغيير
الأصل في مانع التغيير في المذهب المالكي ما جاء في المدونة الكبرى (قال مالك إذا تغيرت في يد الموهوب له بزيادة أو نقصان فالهبة لازمة) قال الشيخ خليل: إن من اشترط صحة الاعتصار للهبة لا لان نفوت من عند الموهوب له ببيع أو غصب أو بزيادة أو نقص كما أن كبر الصغير آو سمن الهزيل آو هزل الكبير أو بجعل الدنانير حليا أو بوجه من وجوه المفوتات فإذا حصل شيء من ذلك فلا اعتصار لواجبها حينئذ و أما حوالة الأسواق فلا تفوت الاعتصار في الهبة على المشهور لان الهبة على حالها وزيادة القيمة و نقصها لا تحلق له بها و لا تأثير في صفتها فلم تمنع الاعتصار كنقلها من موضع إلى آخر و أما إن زال الزيد أو النقص ورجعت الهبة إلى حالتها الأولى فإن الاعتصار يعود فلو زال النقص ورجع الزيد فانه يعود الاعتصار.
وإذا تمت الهبة في بدنها فلا اعتصار لأنها حينئذ غير العين الموهوبة ولا يمنع حوالة الأسواق لانهار غبات الناس فهي خارجة عن الهبة و سمن الهزيل و كبر الصغير فوت و بناء الأرض و غرسها فوق لأنه بنقص الأرض ويوجب حقا للموهوب وهدم الدار ليس فوتا إلا أن بهدمها الابن لأنه ينفق عليها وإذا لم يكن عنده سوى الهبة فاشترى سلعة للتجارة امتنع الاعتصار لتحلق حق القضاء بها
نصت م 285 لا يقبل الاعتصار في الهبة إذا وجد مانع من الموانع التالية:
إذا ادخل الموهوب له تغييرات على الملك الموهوب أدت إلى زيادة مهمة في قيمته.
ثانيا: آثار الاعتصار:
يترتب على الاعتصار في الهبة بالتراضي بالتقاضي أنها تعتبر كأن لم تكن حيث نصت المادة 287 من مدونة الحقوق العنية يترتب على الاعتصار في الهبة فسخ عقد الهبة ورد الملك الموهوب إلى الواهب بعد اعتصاره اتفاقا أو قضاء رغم إنذاره بذلك طبقا للقانون وهلك العقار الموهوب في يده فانه يكون مسؤولا عن هذا الهلاك.
ولا يلتزم الواهب بتسليم الموهب إذا كان لم يسلمه ويكون له استرداده إذا كان قد سلمه حيث تبقى ثمارات الشيء الموهوب ملكا للموهوب له إلى يوم التراضي أو التقاضي فقرة 2 م 287.
هذا و يرجع الموهب له على الواهب كل المصروفات الضرورية أما إذا كانت نافعة فإنه يرجع على الواهب بزيادة قيمة الشيء الموهوب بسبب هذه المصروفات فق 3 م 287.
كما أن نفقات الاعتصار ورد الملك الموهوب يتحملها الواهب م 289
كما أن الاعتصار في الهبة ليس له اثر رجعي بالنسبة إلى الغير بل يجب حماية حقوق الغير حسن النية فإذا كان الشيء الموهوب عقارا قربت حق الغير على العقار الموهوب بعد تسجيل الدعوى أو بعد تسجيل التراضي على الاعتصار في الهبة فلا يسري حق الغير بالنسبة إلى الواهب
أما إذا كان حق الغير قد حفظ قانونا قبل التسجيل فإذا كان حسن النية أي لا يعلم بقيام عذر مقبول للرجوع في الهبة سرى حقه بالنسبة إلى الواهب.
[1] قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 14/ 1/ 2003 ملف عدد 403 / 2/ 1/ 2008.
[2]قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 14/ 1/ 2009 ملف عدد 403/ 2/ 1/ 2008.
اترك تعليقاً