بحث قانوني حول وقف تنفيذ العقوبة وفقا للتشريع الجزائري

بحث قانوني حول وقف تنفيذ العقوبة وفقا للتشريع الجزائري

اختلفت معاملة المجرمين على مر العصور فتنوعت الجزاءات التي كانت تفرض على مرتكب الجريمة، وتنوعت معها الأساليب التي كانت تنفذ بها، وقد تطورت النظرة إلى المجرم، فتطور معها أسلوب معاملته وذلك تبعا للتطور الحضاري للمجتمعات.
والعقوبة هي محور النظم العقابية قديما وحديثا، لذلك فإن كل تطور في العلوم الجنائية فيما يخص فكرة العقوبة ينعكس أثره على نظامها، وعلى الرغم من تنوع الجزاءات التي توقع على مرتكب الجريمة فإن جميع المجتمعات منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر كان لها هدف واحد من فرض العقوبة على المجرم وهو محاربة الجريمة و الحد منها قدر الإمكان.
ويعتبر وقف تنفيذ العقوبة أسلوبا حديثا هدفه إعادة إصلاح و تأهيل بعض مرتكبي الجرائم ممن هم ليسوا على درجة كبيرة من الخطورة الإجرامية، ورغم حداثة هذا الأسلوب في معاملة المحكوم عليهم، إلا أن له جذورا ترجع إلى القرن الثامن عشر، أين يعود الفضل إلى أصحاب المدارس الحديثة المتمثلة في حركة الدفاع الاجتماعي التي يتزعمها الفقيه (فيليبو جواماتيك) في ايطاليا و المستشار (مارك إنسل) في فرنسا، اللذان ناديا بإحداث التناسب ما بين الجريمة والعقوبة، و التكفل بإصلاح المحكوم عليه اجتماعيا وتأهيله، ولأجل ذلك تم اقتراح نظام وقف التنفيذ بالنسبة لأقل الجناة خطرا على المجتمع وهم مجرموا الصدفة، ذلك أن تنفيذ العقوبة السالبة للحرية قد يكون سببا لإفسادهم لا تقويمهم، بحيث قد يخلق منهم بالتدريج مجرمين بالعادة بسبب اختلاطهم في المؤسسات العقابية بغيرهم من الجناة بالفطرة، خاصة إذا كانت العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، ذلك أنها لا تكفي عادة لإصلاح المجرم بقدر ما هي كافية لإفساده، وإذ يكفي لهذه الفئة التهديد بتوقيع الجزاء حتى لا تعود إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى.

ونظام وقف التنفيذ هو أسلوب من أساليب تفريد العقاب، فهو يهدف إلى معاملة كل مرتكب للجريمة على الوجه الذي يتلاءم مع شخصيته و ظروفه و الحيلولة دون أن يحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية، نتيجة لارتكابه جريمة بدرت منه لأول مرة ولم تكن على درجة من الخطورة، ومن ثمة تفادي دخوله المؤسسة العقابية واختلاطه مع المسبوقين الذين هم على خطورة إجرامية كبيرة، وبذلك تحقق نفس الأغراض المرجوة من العقوبة دون اللجوء إلى تنفيذها، ولعل أهمها الردع و ذلك بتهديده طوال فترة التجربة طالما أن العقوبة الموقوفة التنفيذ معلقة على شرط يترتب عن مخالفته إلغاء وقف تنفيذ العقوبة الأولى، فضلا عن الثانية التي تحسب عودا، إلا أن له أن يفلت نهائيا من العقوبة المحكوم بها عليه إذا ما انتهت فترة التجربة بنجاح، حيث تسقط العقوبة بقوة القانون و لا تحسب عليه كسابقة قضائية.
وهذا النظام لا يطبق على إطلاقه، ذلك أنه يطبق على نوع معين من العقوبات المتمثلة في العقوبات الأصلية سواء كانت الحبس أو الغرامة المقررة للشخص الطبيعي والغرامة كعقوبة أصلية المقررة للشخص المعنوي، كما أنه لا يستفيد منه المسبوق بالحبس في جناية أو جنحة من القانون العام.
وتجدر الإشارة إلى أن وقف التنفيذ ليس حق للمتهم يمنحه القاضي في حالة توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية، بل هو منحة في يد القاضي يتمتع في منحه بكامل سلطته التقديرية رغم توفر الشروط و له في ذلك أن يحكم بوقف التنفيذ البسيط أو الجزئي.
وترجع مبررات اختيار الموضوع لكون وقف التنفيذ صورة من صور التفريد العقابي

،يهدف إلى تحقيق نفس الأغراض التي تسعى العقوبة السالبة للحرية تحقيقها، وذلك بالإطلاع على الكيفية الصحيحة لتطبيق وقف التنفيذ بالنسبة للشخص الطبيعي و تسليط الضوء على إمكانية إفادة الشخص المعنوي بهذا النظام، هذا من جهة ومن جهة أخرى الوقوف على الإشكالات القانونية و العملية الناتجة عن استعمال نظام وقف التنفيذ، في المجال التطبيقي خاصة منها مسألة إلغاء وقف التنفيذ في حالة مخالفة المحكوم عليه المستفيد من نظام وقف التنفيذ للإنذار، عند عدم احترامه للشرط المعلق عليه وقف التنفيذ، إذ لا نجد لها تطبيق فعلي في الميدان العملي، وكذلك لم ينص المشرع صراحة على كيفية الإلغاء، مما تزول معه الفائدة من تقرير فترة التجربة التي الهدف منها تهديد المحكوم عليه بإلغاء وقف التنفيذ في حالة مخالفته للإنذار.
وهذا ما حاولنا دراسته وفقا للمنهج التحليلي وذلك بتحليل المواد المعالجة له في قانون الإجراءات الجزائية، وذلك بالإجابة عن الإشكالية التالية: ماهي العقوبة الموقوفة التنفيذ؟ وما هي خصوصيات تطبيقها في التشريع الجزائري؟
و للإجابة عن هذه الإشكالية نقوم بدراسة العقوبة موقوفة التنفيذ في الفصل الأول
،والنظام القانوني لوقف التنفيذ كفصل ثاني.…
وعلى هذا الأساس تكون خطة البحث في هذا الموضوع على الشكل التالي:
الفصل الاول: العقوبة موقوفة التنفيذ
المبحث الأول: المبادئ العامة للعقوبة.
المطلب الأول: مفهوم العقوبة.
المطلب الثاني: وظائف العقوبة و تقسيما?ا.
المبحث الثاني: ماهية وقف التنفيذ.
المطلب الأول: مفهوم وقف التنفيذ.
المطلب الثاني: الفرق بين وقف التنفيذ و الأنظمة المشابهة له.
المبحث الأول: أحكام وقف التنفيذ.
المطلب الأول: صور وقف التنفيذ.
المطلب الثاني: شروط تطبيق وقف التنفيذ.

المبحث الثاني:: الآثار المترتبة على وقف تنفيذ العقوبة

المطلب الأول: آثار وقف التنفيذ خلال فترة التجربة المطلب الثاني: آثار وقف التنفيذ إثر انتهاء فترة التجربة بنجاح

الفصل الاول: العقوبة موقوفة التنفيذ

العقوبة هي جزاء جنائي تقرر لمن ثبتت مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة و تمت إدانته بها، لذلك ففكرة العقوبة مرتبطة ارتباطا وثيقا بفكرة الجريمة، و تهدف هذه الأخيرة طبقا لسياسية الدفاع الاجتماعي المعاصرة إلى محاربة الجريمة بشتى صورها بغرض تحقيق الردع العام و بقصد تحذير أفراد المجتمع بتوقيع العقوبة عليهم في حالة إتيانهم أفعال مجرمة قانونا،…و تحقيق الردع الخاص بإيلام الجاني بالقدر اللازم الذي يمنعه من العودة للجريمة، كما تهدف العقوبة إلى إرضاء شعور الناس بالعدالة و ذلك من خلال توقيع الجزاء على كل من ارتكب الجريمة و تأهيل الجاني و إصلاحه من جهة أخرى، و نظرا لما عرفته العقوبة من عجز… و قصور و ضعف في ردع الجاني و عدم التناسب مع الجرم المرتكب، فإن الفقه الحديث و على اختلاف اتجاهاته يقر بعجز العقوبة و عدم كفاءتها في إصلاح الجاني و تقديم الحلا لكامل للظاهرة الإجرامية، الأمر الذي أدى إلى ظهور نظام وقف تنفيذ العقوبة، و أساسـ ه أن هذه الأخيرة و إن كانت تهدف في الأصل إلى إصلاح و تهذيب الجاني لمنعه من ارتكاب الجريمة مستقبلا، فلا يوجد مبرر لتنفيذها إذا تبين من خلال ظروف المحكوم عليه عدم عودته إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى.
لذلك ارتأينا في هذا الفصل التطرق إلى العقوبة الموقوفة التنفيذ و ذلك من خلال تناول العقوبة بإيجاز قبل التطرق إلى وقف تنفيذها، ذلك أنه لن يتسنى لنا تأصيله و وضع فكرة متكاملة عنه إلا بمعرفة العقوبة لهذا سنتعرض إلى ماهيتها كمبحث أول ثم ماهية وقف تنفيذها كمبحث ثاني.…

المبحث الأول: المبادئ العامة للعقوبة

…تعتبر العقوبة من الأمور الضرورية للمجتمعات الإنسانية بحيث لا يمكن أن نضمن استمرار المجتمع و تطوره دون أن تفرض فيه عقوبة كردة فعل عن الجريمة، وإن الأثر الفعال للعقوبة لا يعتمد على مدى قسوتها بل على مدى تناسبها مع الجريمة المرتكبة، ويمكن القول مع بيكاريا أن هدف الجزاء الجنائي ليس تعذيب مرتكب الجريمة و إنما هو الحيلولة بين الجانح و العودة لارتكاب الجريمة مرة أخرى، لذلك سنتطرق إلى مفهوم العقوبة كمطلب أول و إلى المبادئ التي تحكمها كمطلب ثاني.…
المطلب الأول: مفهوم العقوبة
إن مفهوم العقوبة كان محل خلاف بين الفقهاء في تحديد تعريف موحد لها، إلا أن معظمهم اتفقوا في إبراز الألم كجوهر للعقوبة و لهذا سنتناول تعريف العقوبة كفرع أول وللوصول إلى المفهوم الحقيقي كان لابد من تمييزها عن غيرها من الجزاءات الأخرى كفرع ثاني.

الفرع الأول تعريف العقوبة
تتفق معظم التعريفات الفقهية في إبراز الألم كجوهر للعقوبة, فيعرف الفقه العقوبة بأنها ” إيلام مقصود يوقع من اجل الجريمة ويتناسب معها.
ومن ثمة فالعقوبة هي جزاء جنائي يجب أن يصدر بموجب حكم قضائي، والقضاء وحده هو المختص بإقامة الدليل على مسؤولية المتهم عن الجريمة المنسوبة إليه شريطة أن يوقع عليه العقوبة المقررة قانونا وضمن حدها الأقصى و الأدنى إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون تجاوزه.

الفرع الثاني: تمييز العقوبة عن غيرها من الجزاءات

تتميز العقوبة عن غيرها من الجزاءات والإجراءات المختلفة وان تولدت عن ذات الجريمة, و هذا ما سنتناوله فيما يلي:

اولا: العقوبة والتعويض المدني
تتميز العقوبة عن التعويض المدني فيما يلي:

– أنها جزاء جنائي يحدد موضوعه في قانون العقوبات، و مجال وظيفتها نفسية الجاني، و لا تتعلق بالوضع المادي.
– تهدف العقوبة إلى ضبط السلوك الاجتماعي، وذلك عن طريق المساس بالحق في الحياة والسلامة الجسدية وحرية الجاني.
– ما التعويض المدني فهو جزاء تنفيذي يتجرد من الطابع الجزائي، مجال وظيفته الوضع المادي، و لا يتحدد على أساس جسامة الخطأ الذي وقع وإنما على أساس الضرر الذي يحقق وهذا لإحداث التوازن بين ذمة المضرور والجاني، كما انه لا يمس إلا الحقالمالي فقط.
– حق المطالبة بالتعويض المدني للمضرور فإذا تنازل أو سكت عنه فلا يجوز لأحد أن يطالب به، بينما العقوبة كقاعدة عامة تحتكرها النيابة العامة دون أن يكون لها حق التنازل عنها ولا توقع إلا على شخص الجاني , أما التعويض المدني يجبر على دفعه المجرم أو ورثته أو المتبوع أو متولي الرقابة عن أعمال القاصر الذي تحت رقابته.
– …التعويض المدني مرهون بحدوث الضرر لشخص معين، أما العقوبة تكون كرد فعل عن الجريمة المرتكبة حتى و لو لم يترتب عنها ضرر شخصي مثل جرائم التشرد.

ثانيا: العقوبة والجزاء التأديبي
تتميز العقوبة عن الجزاء التأديبي في أن هذا الأخير لا يمس سوى المركز الوظيفي للموظف الذي يخضع للنظام التأديبي مثل التنبيه، الخصم, الفصل وهو مقرر لحماية مصلح ة الهيئة المستخدمة بينما العقوبة فهي جزاء جنائي موجه لحماية المجتمع ومكافحة الإجرام, كمـ ا أن العقوبة توقع بحكم، على عكس الجزاء التأديبي الذي يوقع بقرار إداري ويمكن التنازل عنه من قبل الإدارة عكس العقوبة التي لا يمكن التنازل عنها. يتشابهان في كون كل منهما وسيلة ردع، ويخضعان لمبدأ الشخصية.

ثالثا: العقوبة والتدبير الامني
-يتفقان في أن كلا منهما يصدر من هيئة قضائية ويخضع لمبدأ الشرعية بحيث تنص المادة الأولى من قانون العقوبات لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير امن بغير نص.
– يختلفان في أن العقوبة هدفه ا الردع أما تدبير الأمن هدفه وقائي, كما أن العقوبة تشترط ت وافر الركنين المادي والمعنوي بينما تدبير الأمن فيكفي توفر الركن المادي فقط إذ يطبق على ناقصي وعديمي الأهلية لمواجهة خطورتهم الإجرامية، ومنعهم من ارتكاب جرائم مستقبلا, كما أنه لا ينطوي على الإيلام خلافا للعقوبة.
-العقوبة تشترط أن تكون محددة بأجل أما تدابير الأمن تحدد بالحد ا لأقصى مع إمكانيـ ة اللجوء ثانية إليها إذا تبين أن حالة الخطورة لم تزل عند انتهاء الآجل.
-العقوبة محددة بصفة نهائية ولها حجية الشي المقضي به أما تدابير الأمن تكون قابلة للمراجعة, ومنه تظل الجهة القضائية التي قررته مختصة بمراقبة تنفيذه ويمكنها حسب نتائجه استبداله بتدبير أخر أو التخفيف منه أو التشديد فيه.

المطلب الثاني: وظائف العقوبة وتقسيماتها

إن الهدف من دراسة وظائف العقوب ة تبيان الغاية من توقيعها في نظام سياسي معين وفي وقت محدد، وفهم الأسس الفكرية التي سادت المجتمع في ذلك العصر فكانت سببا في استهدافه تلك الغاية دون غيرها من الغايات والأغراض البعيدة، كما أن العقوبة تتنوع تماشيا مع جسامة الجريمة لذلك سنتعرض إلى وظائف العقوبة كفرع أول وتقسيماتها كفرع ثاني.

الفرع الأول: وظائف العقوبة
… تجدر الإشارة أن تعدد الأغراض من توقيع العقوبات يختلف باختلاف الأنظمة العقابية في الأزمنة المختلفة، ويمكن حصرها في وظيفة معنوية وهي إرضاء الشعور بالعدالة، وأخرى نفعية يراد منها مكافحة الإجرام تتمثل في الردع العام والخاص وذلك للوصول إلى تأهيل وإصلاح الجاني، وبناءا على ذلك تتمثل فيما يلي:

الفرع الثاني: تعريف وقف تنفيذ العقوبة

اولا: ارضاء الشعور بالعدالة
هي وظيفة معنوية قائمة على تمسك المجتمع بضرورة ووجوب إنزال العقاب بالمجرم بغية تحقيق التوازن في القيم الاجتماعية أو القانونية التي أخلت بتوازنها الجريمة المقترفة، المجرم الذي خالف القانون واعتدى على مصالح المجتمع المحمية بالنص الجنائي, يستحق أن يزجر ويعاقب إرضاء للشعور الاجتماعي وتأكيد لهيبة القانون وسيادة الدولة.
ويتجلى إرضاء الشعور بالعدالة من خلال اشتراط الركن المعنوي في الجريمة، وربط العقوبة بالخطأ والحرص على تناسب العقوبة مع الخطأ أكثر من تناسبها مع الضرر الاجتماعي الذي تتسبب فيه.

ثانيا: الردع
يعتبر الردع وظيفة نفعية تشكل إحدى الوظائف الرئيسية للعقوبة، حيث يحتـ ل مكانا مرموقا في اختيار المشرع للعقوبات، الأمر الذي يفسر اختياره اشد العقوبات للأعمال التي تتسبب في الاضطرابات الاجتماعية الأكثر خطورة، والتي تثير استياء أكبر لدى الرأي العام كجرائم القتل العمد والتسميم، وتخصيصه مقابل ذلك جرائم مثل التسول بعقوبات أخف لضعف تأثيرها على السكينة العامة.
01 – الردع العام
وفيه يتوجه المشرع بخطابه إلى الناس كافة بأمرهم بضرورة الابتعاد عن العمل الإجرامي، ويهد دهم بإنزال العقاب على كل من يجرأ على مخالفة أوامره ونواهي ه، و السياسة الجنائية السليمة لا تسعى إلى العقوبات القاسية لتحقيق الردع العام، وإنما تسعى لتحقيق عقوبات عادلة كوسيلة لتحقيق الردع العام الذي له تأثيرا لا ينكر على دعم النظام العام وتقوية خط الدفاع ضد الجريمة, فهو ليس انتقاما أو ثأرا وإنما هو تأكيدا وتبصرا من المشرع للكافة بعاقبة الإجرام السيئة.

02 – الردع الخاص
إن ارتكاب الجاني للجريمة يعني أن التهديد العام بإنزال العقاب بالمجرم لم يردعه ولم بثنيه عن الإجرام، الأمر الذي يؤدي إلى إنزال العقوبة به، و عليه يقصد بالردع الخاص إيلام الجاني بالقدر اللازم الذي يمنعه من التفكير في العودة إلى ارتكاب الجريمة.
و للقاضي سلطة تقديرية في تقدير العقوبة آخذا بعين الاعتبار معايير عديدة منها الظروف الموضوعية و الشخصية التي دفعت بالجاني لارتكاب الجريمة، وهل ارتكابه لها كان محض صدفة أم عن سبق إصرار وترصد؟،وبذلك فإن النطق بالعقوبة يعمل على تحقيق الردع الخاص.

ثالثا: التأهيل
يقصد بالتأهيل أن تنفذ العقوبة بطريقة فيها من وسائل التهذيب والعلاج ما يمكن الجاني بعد مغادرته للمؤسسة العقابية أن يكون أهلا للتكيف مع المجتمع، وأن لا يعود للإجرام مستقبلا.
والواقع لا يمكن تحقيق وظيفة التأهيل أو إعادة الإدماج إلا بإصلاح نظام السجون، كون هذه الغاية مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة المؤسسات العقابية التي يودع بها المحكوم عليه من جهة، و بصفة المحكوم عليه في حد ذاته من جهة أخرى، وبالتالي كان من الضروري تصنيف المحكوم عليهم وتكييف المؤسسات العقابية بما يضمن أساليب علاجية لإعادة إدماجـ ه في المجتمع، وهو ما تبناه قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين الصادر بموجب القانون رقم: 05/ 04 المؤرخ في: 06/ 04 / 2005.
وفي النهاية تهدف العقوبة إلى محاربة الجريمة، ومن الطبيعي أن تتعاون أغراضه ا لتحقيق هذا الهدف العام والمشترك، فالردع العام والخاص وإنزال ا لجزاء المتناسب مع جسامة الجريمة، كلها أمور تتعاون فيما بينهما لتحقيق غرض العقوبة في محاربة الإجرام , ومن ثمة إرضاء شعور الناس بالعدالة من جهة، وإعادة تأهيل وإصلاح الجاني بعد تنفيذها من جهة أخرى.

الفرع الثالث: تقسيم العقوبة
حدد قانون العقوبات الجزائري الصادر بموجب الأمر رقم: 66 – 156 المؤرخ في:
08/ 06 / 1966 سلم العقوبات في المادة 5 منه وذلك بناءا على معيار جسامة أو خطورة الجريمة.
و بموجب قانون 06/ 23 المؤرخ في: 20/ 12 / 2006 تم إعادة النظر في تصنيف العقوبات بالتخلي عن العقوبات التبعية وتدابير الأمن العينية، وإدماجها في العقوبات التكميلية، كما شملت التعديلات مضمون العقوبات التكميلية ومقدار الغرامات الجزائية، ولدراسة هذه المسألة وجب التمييز بين العقوبات المقررة للشخص الطبيعي وتلك المقررة للشخص المعنوي.

اولا: العقوبات المقررة للشخص الطبيعي
سنقتصر في دراستنا لتقسيم العقوبات المقررة للشخص الطبيعي وعلى المعايير التي اعتمدها المشرع الجزائري، أين حدد في المادة 4 من قانون العقوبات أنواع العقوبات استنادا لعلاقتها ببعضها، أو لمدى استقلاليتها عن بعضها البعض المتمثل ة في نوعين: عقوبات أصلية وأخرى تكميلية، و أدرج في المادة: 05 منه سلم هذه العقوبات استنادا لمعيار جسامة الجريمة.

01 – العقوبات الاصلية
عرفتها المادة: 04 من قانون العقوبات المعدلة بموجب القانون رقم: 06/ 23 في فقرتها الثانية بأنها العقوبة التي يجوز الحكم بها دون أن تقترن بها أية عقوبة أخرى، فهي عقوبات كافية بذاتها لتحقيق معنى الجزاء, و مستقلة عن باقي العقوبات الأخرى, وتوقع على المحكوم عليه بعد أن يحدد القاضي نوعها ومقدارها من بين العقوبات المنصوص عليها في المادة: 05 من قانون العقوبات , التي وزعتها على الجرائم حسب وصفها القانوني على النحو الأتي:

ا – العقوبات الاصلية في الجنايات

الاعدام: هو أقدم العقوبات وأشدها على الإطلاق فهي عقوبة استئصالية، قائمة على إزهاق روح المحكوم عليه بها، و يعاب عليه عدم قابليته للمراجعة مما يحول دون تطبيق العف والشامل, وإصلاح الخطأ القضائي إن ثب ت 1،والمشرع الجزائري أقره كعقوبة لعدد كبير من الجنايات حصرها في مجموعات كبرى وهي:
الجنايات ضد امن الدولة مثل: الخيانة (المواد 61 – الى 63) التجسس (المادة 64).
الجنايات ضد الافراد: جناية القتل مع سبق الإصرار والترصد، التسميم (المادة 261).
الجنايات ضد الأموال: ويتعلق الأمر بجنايتي التخريب والهدم بواسطة مواد متفجرة (الماد ة 401) وتحويل طائرة (المادة 417 مكرر).
كما نصت بعض القوانين الخاصة على عقوبة الإعدام، منها القانون البحري في حق من يعمد إلى جنوح أو هلاك أو إتلاف سفينة، وفي حق ربان السفينة الذي يلقي عمدا نفايات مشعة في المياه الإقليمية 2.
والجدير بالذكر أنه والى غاية 1992 لم تكن المحاكم الجنائية الجزائرية تصدر أحكام بالإعدام إلا في حالات نادرة، كما أن عدد الأحكام التي تنفذ كان جد ضئيل، غير أن الأمر لم يعد كذلك إذ عرفت أحكام الإعدام منذ سنة 1992 ارتفاعا كبيرا، كما ارتفع عدد أحكام الإعدام المنفذة إلى أن تم توقيفها في سنة 1994 بأمر من رئيس الجمهورية.
وتجدر الإشارة أن القانون الجديد المتعلق بتنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين المؤرخ في 26/ 02 / 2005 لم يحدد كيفية تنفيذ عقوبة الإعدام، في حين كانت المادة 198 – 1 من قانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين المؤرخ في 10/ 02 / 1972 تنص على أن يتم تنفيذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص.
العقوبات السالبة للحرية: و تتمثل أساسا في

– السجن المؤبد: وتقوم هذه العقوبة على سلب حرية المحكوم عليه طيلة حياته، وهي عقوبة ذات حد واحد تفرض على أخطر الجنايات التي تفلت من عقوبة الإعدام، و السجن المؤبد يطبق على العديد من الجنايات مثل: التجسس (المادة 65 من قانون العقوبات)، والمساهمة في حركات التمرد (المادتان 88، 89 من قانون العقوبات)، وتطبق عقوبة السجن المؤبد في مؤسسات إعادة التأهيل، أين يخضع المحكوم عليه لنظام انفرادي يعزل فيه ليلا ونهارا لمدة لا

1 …دكتور احسن بوسقيعة المرجع السابق ص 223.
2 …دكتور احسن بوسقيعة المرجع السابق ص 222
تتجاوز 03 سنوات (المادة 46 – 2) من القانون المؤرخ في 06/ 02 / 2005 المتعلق بتنظيم السجون.
– السجن المؤقت: وهو يتمثل في سلب حرية المحكوم عليه لفترة تتراوح ما بين 05 سنوات كحد أدنى و 20 سنة كحد أقصى، وفيه يستطيع القاضي أن ينزل عن الحد الأدنى إذا ما أفاد المحكوم عليه بالظروف المخففة، غير أنه في هذه الحالة يجب عليه النطق بعقوبة الحبس لا السجن، بالرغم من أنها تبقى محافظة على وصفها الجنائي، ولهذه العقوبة في القانون الجزائري ثلاث فئات أساسية هي:
السجن المؤقت من 10 الى 20 سنة. مثل: بعض الجنايات ضد أمن الدولة
السجن المؤقت من 5 الى 10 سنة. مثل: الجنايات الإرهابية
السجن المؤقت من 5 الى 20 سنة. ومثال ذلك: جنايات تقليد أو تزوير طابع وطني أو دمغة مستعملة في دمغ الذهب أو الفضة، و استعمال طوابع أو علامات أو دمغات خاصة بالدولة (المادة 207).

والأصل أن العقوبات الجنائية لا تكون مصحوبة بالغرامة، غير أن المشرع حاد عن هذه القاعدة بنص ه صراحة في المادة 5 مكرر من قانون رقم 06/ 23 المعدل و المتمم لقانون العقوبات، على أن عقوبة السجن المؤقت لا تمنع الحكم بعقوبة الغرامة، وبذلك أجاز للقاضي الحكم بعقوبة الغرامة في أي جناية معاقب عليها بالسجن المؤقت، غير أن هذا يتنافى مع مبدأ الشرعية أمام عدم قيام المشرع بتحديد قيمة الغرامة قانونا.

ب – العقوبات الاصلية في الجنح:
وهي محددة في الفقرة الثانية من المادة 05 من قانون العقوبات كالآتي:
الحبس لمدة تفوق الشهرين: الأصل أن تكون العقوبة الجنحية الحبس أكثر من شهرين دون أنتزيد عن 05 سنوا ت، إلا أن الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات نصت ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى، ومثلها جنحة السب الموجه إلى شخص بسبب انتمائه إلى مجموعة عرقية أو دين معين وعقوبتها من 05 أيام إلى 06 أشهر المادة 298 مكرر من قانون العقوبات.
وبالمقابل نجد أن المشرع نص على جنح تتجاوز العقوبة المقررة لها الحد الأقصى المتمثل في 05 سنوا ت، أين تصل فيه عقوبة الحبس من سنة إلى 10 سنوات مثل ما نصت عليه المادة 375 من قانون العقوبات في تزوير شيك، وقبول شيك مزور.
كما تضمنت بعض القوانين المكملة لقانون العقوبات حالات تتجاوز فيها حد عقوبة الجنحة ونذكر منها: قانون مكافحة الفساد رقم 06/ 01 الذي يعاقب بالحبس من سنتين الى 10 سنوات في اختلاس أموال عمومية و رشوة الموظفين العموميين (المادتين 25 و 26 منه).
وما يلاحظ على الحالات السابقة لحدي عقوبة الحبس في الجنح، أنه بالرغم من اختلاف مدة الحبس فإنها تبقى محافظة على الوصف الجنحي لها.

عرامة تفوق 000 20 دج:
ويقصد بالغرامة إلزام المحكوم عليه بأن يدفع للخزينة العمومية مبلغا محددا في الحكم القضائي يتناسب مع خطورة الجرم، وقد ينص القانون عليها بصفة منفردة أو مع عقوبة الحبس سواء على سبيل الجمع أو التخيير بينهما.
وتجدر الإشارة أن عقوبة الغرامة بعد التعديل الأخير لقانون العقوبات بموجب القانون رقم 06/ 23 تم رفع قيمة الحد الأدنى للغرامة المقررة للجنح من 2000 دج الى 20 000 دج

ج ـ العقوبات الاصلية في المخالفات:

. و تتمثل في الحبس و الغرامة-
الحبس: تختلف مدة الحبس بحسب الفئة والدرجة التي تنتمي إليها المخالفة، غير أنه في جميع الأحوال بالنسبة لمخالفات الفئة الأولى لا يمكن أن يقل حدها الأدنى عن 10 أيام و لا…يتجاوز حدها الأقصى شهرين، و بالنسبة لمخالفات الفئة الثانية لا يتجاوز حدها الأقصى 10 أيام على الأكثر في جميع الأحوال.
…و أهم ما يلاحظ على عقوبة الحبس في المخالفة أنها قصيرة المدة، وبالتالي لا تمكن من تنفيذ برامج الإصلاح والتأهيل في مواجهة المحكوم عليهم، ومن ثمة تثب ت عدم قدرتها على تحقيق وظيفة الردع بشقيه العام والخاص، ولأجل ذلك كان على المشرع إلغاء هذه العقوبة واستبدالها ببدائل أخرى كالغرامة أو تقييد حرية المحكوم عليه مع إبقائه خارج المؤسسة، وترك السلطة التقديرية للقاضي من خلال إصدار حكمه بحسب ظروف الجريمة و الجاني.

الغرامة: في جميع الحالات تكون مصحوبة بالحبس ويكون الأمر اختياريا بينهما، إلا أن الأمر غير ذلك في بعض القوانين المكملة لقانون العقوبات، كقانون المرور الصادر في 19/ 01 / 2001 الذي يعاقب على جل المخالفات بالغرامة وحدها، وتختلف نسبة الغرامة باختلاف الفئة والدرجة التي تنتمي اليها المخالفة.
بالنسبة لمخالفات الفئة الاول:
: تكون الغرامة من 8000 دج الى 16 000 دج باستثناء المخالفة المنصوص عليها في المادة 440 مكرر المتعلقة بسب الموظف لمواطن أو اهانته وعقوبتها غرامة من 000 10 دج الى 20 000 دج.
بالنسبة لمخالفات الفئة الثانية:
6000 دج الى 12 000 دج في المخالفات المتعلقة بالنظام أو الطرق العمومية أو بالأشخاص.
5000 دج الى 10 000 دج في المخالفات المتعلقة بالحيوانات.
4000 دج الى 8000 دج في المخالفات المتعلقة بالأمن العمومي.
من 3000 دج الى 6000 دج في المخالفات من الدرجة الثالثة.
من 2000 دج الى 4000 دج في المخالفات المتعلقة بالأموال.

2 العقوبات التكميلية: عرفتها المادة: 4 م ن قانون العقوبات بأنها: تلك العقوبات التي لا يجوز الحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية فيما عدا الحالات التي ينص عليها القانون صراحة، وعليه فهي مكملة للعقوبة الأصلية ومرتبطة بها ولا توقع إلا إذ ا نطق بها القاضي في حكمه، وهي على العموم عقوبات جوازيه غير كافية بذاتها لتحقيق معنى الجزاء الجنائي.
وقد نصت المادة: 09 من قانون العقوبات على العقوبات التكميلية للشخص الطبيعي والتي كان عددها لا يتجاوز 06 وهي تحديد الإقامة , المنع من الإقامة , والحرمان من مباشرة بعض الحقوق، المصادرة الجزائية للأموال , حل الشخص المعنوي , نشر الحكم.

وقد حذف المشرع واحدة منها اثر تعديل قانون العقوبات في 2006، وهي حل الشخص المعنوي وأضاف إليها سبع عقوبات أخرى واحدة منها كانت عقوبة تبعية وحولها إلى عقوبة تكميلية كالحجر القانوني, وبعضها كانت تدابير أمن عينية وحولها المشرع إلى عقوبات تكميلية كالمنع من ممارسة مهنة أو نشاط، أو إغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا، وبعضها عقوبات مستحدثة كالحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع والإقصاء من الصفقات العمومية وسحب أو توقيف رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة وسحب جواز السفر وبذلك ارتفع عدد العقوبات التكميلية المقررة للشخص الطبيعي ليبلغ حاليا اثني عشر عقوبة، ستة كانت مكرسة في المادة 09 و اثنان في المادة: 06 بموجب قانون 06/ 23 واثنان منها كانت منصوص عليها في المادة 19 كتدابير امن.
وبما أن نظام وقف تنفيذ العقوب ة لا يطبق إلا بالنسبة للعقوبات الأصلية المتمثلة في الحبس والغرامة، وعلى اعتبار انه لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبات التكميلية ولا تد ابير الأمن ارتأينا أن يكون بحثنا مركز على العقوبات الأصلية دون التكميلية.

02 العقوبات المقررة للشخص المعنوي
… لقد أقر المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب المادة 51 مكرر من القانون 04/ 15 المؤرخ في 10/ 11 / 2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات.
و بموجب القانون 06/ 23 نص على العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي وقسم هذه العقوبات بالاعتماد على معيار علاقتها ببعضها محددا بذلك أنواعها وسلمها، وبالرجوع الى المادة 18 مكرر من قانون العقوبات رقم 06/ 23 نجد أن المشرع قد قسم العقوبات المقررة للشخص المعنوي إلى عقوبات أصلية وأخرى تكميلية، وحدد سلم العقوبة لكل منهما:

1 العقوبات الاصلية: العقوبات الأصلية حسب المادة 18 مكرر فقرة 1 هي الغرامةوتعرف بأنها: الزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى الخزينة العمومية مبلغ محدد في الحكم القضائي.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لا يميز بين العقوبات الأصلية المطبقة على الشخص المعنوي في مواد الجنايات و الجنح، وبين تلك المقررة في مواد المخالفات حيث حصرها في غرامة تساوي من مرة واحدة إلى 5 مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي.
… وفي حالة ما إذا لم ينص القانون على عقوبة الغرامة بالنسبة للشخص الطبيعي كما هو الحال في بعض الجنايات و الجنح، نصت المادة 18 مكرر 2 على أن الحد الأقصى للغرامة المحتسب لتطبيق النسبة القانونية المقررة للعقوبة يكون كالآتي:
000 000 2 دج عندما تكون الجناية معاقب عليها بالإعدام و بالسجن المؤبد.
1 000 000 دج عندما تكون الجناية معاقب عليها بالسجن المؤقت
500 000 دج بالنسبة للجنح.
غير أن المشرع لم يبين كيفية تنفيذ عقوبة الغرامة بالنسبة للشخص المعنوي فهي تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها قانونا، ولكن يطرح التساؤل إذا ما امتنع الشخص المعنوي عن تنفيذها طالما أنه لا يمكن أن يحكم عليه بالإكراه البدني نظرا لطبيعته الخاصة، فما مصير الغرامة المحكوم بها لا سيما إذا تم إفلاس الشخص المعنوي ولم يعد من الممكن التنفيذ عليهوفقا للطرق العادية؟ أو إذا لم تغطي الموجودات بعد تصفيته قيمة الغرامة المحكوم بها

02 العقوبات التكميلية تتمثل فيما يلى
ا – في مواد الجنايات والجنح: وتتمثل العقوبات التكميلية فيما يلي
حل الشخص المعنوي.
غلق المؤسسة أو إحدى فروعها لمدة لا تتجاوز 5 سنوات.
الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات

المنع من مزاولة نشاط مهني أو اجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 5 سنوات.
مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.
تعليق ونشر حكم الإدانة.
الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى ارتكاب الجريمة، أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.
وتجدر الإشارة أنه تطبق على الشخص المعنوي واحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية المذكورة.

ب – في مواد المخالفات: لم ينص المشرع على العقوبات التكميلية المقررة للشخص المعنوي في مواد المخالفات، ويثور التساؤل بشأن طبيعة المصادرة التي نصت عليها المادة 18 مكرر 1 لعقوبة جوازية في مواد المخالفات.
والراجح أن هذه العقوبة تكميلية، لكون المصادرة مدرجة ضمن قائمة العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 18 مكرر في مواد الجنايات والجنح، ومع ذلك كان على المشرع أن يوضح طبيعتها في نص المادة 18 مكرر 1 أسوة بما فعله في المادة 18 مكرر.
يتضح لنا من خلال دراسة المبحث الأول أن المشرع حدد العقوبة بدءا من تحديد مبادئها العامة وذلك انطلاقا من تحديد مفهومها وتبيان وظائفها من جهة و تقسيماتها من جهة أخرى.

… غير أنه من الناحية العملية فإن التقدير القانوني للعقوبة لا يكفي لتطبيقها، ل ـذلك أسن د المشرع مهمة توقيع العقوبة للقاضي لكن ضمن الإطار الذي رسمه له، سواء فيما يخص تقديرها أو فيما يتعلق بتنفيذها أو وقف تنفيذه ا، ذلك أن المشرع أعطى للقاضي سلطة تقديرية في هذا المجال لغايات إنسانية تستهدف أمن المجتمع واستقراره وحماية مجرم الصدفة من عواقب فعله الإجرامي، ودخوله في زمرة المجرمين وأصحاب السوابق لكن ضمن الشروط القانونية المحددة سابقا، على هذا الأساس سنتعرض إلى العقوبة موقوفة التنقيد في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: ماهية وقف التنفيذ

إن ا لعقوبة السالبة للحرية أثبتت عجزها عن حماية المجتمع من الجريمة، وقصورها في معالجة المجرمين وإصلاحهم، لذلك ظهر اتجاه ينادي بضرورة تجنب العقوبات القصيرة المدة واستبدالها بوقف التنفيذ، الذي يعتبر نوع من المعاملة التفريدية يفرض إدانة المتهم والحكم عليهبعقوبة لا تنفذ في حقه طالما التزم السلوك الجيد، وسنتناول في هذا المبحث مفهوم وقف التنفيذ ونشأته في المطلب الأول ثم تمييزه عن الأنظمة المشابهة له في المطلب الثاني.

المطلب الأول: مفهوم وقف التنفيذ

يعتبر وقف التنفيذ نظام حديث النشأة، يتمثل في تعليق تنفيذ العقوبة لمدة زمنية محددة، تكون بمثابة فترة تجربة للمحكوم عليه، وعليه سنتعرض إلى تعريف وقف التنفيذ في الفرع الأول ثم تاريخ نشأته في الفرع الثاني.…
الفرع الأول: تعريف وقف تنفيذ العقوبة
يعرف وقف تنفيذ العقوبة بأنه” الحالة التي تتم فيها إدانة المتهم والحكم عليه بعقوبة مع تعليق تنفيذها على شرط موقف خلال فترة زمنية يحددها القانون، فإن لم يتحقق الشرط أعتبر الحكم بالإدانة كأن لم يكن” 1

فمن خلال هذا التعريف يتضح أن وقف تنفيذ العقوبة لا يمس بأركان الجريمة ولا نسبتها للمتهم وإدانته بها، بل إنه متى ثبت إقدام المتهم على ارتكاب الفعل المنسوب إليه، تعين على القاضي الحكم بإدانته والنطق بالعقوبة المقررة قانونا، وتبقى مسألة نفاذ هذه العقوبة تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، الذي متى ثبت له توافر الشروط والضوابط التي يجب مراعاته التطبيق وقف التنفيذ فإن القرار يعود له، إما الأمر بمنحه أو رفض ذلك، وفي هذه الحالة يكون القرار بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم به وصف يرد على الحكم الجزائي الصادر بالعقوبة، ويجرده من قوته التنفيذية، لهذا الأستاذ “دوفابر” يعتبره من تدابير الرحمة الاجتماعية 2.

1 …الدكتور محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات، الطبعة الثالثة، دمشق 1964، ص 66.
2 …القاضي فريد الزغبي، الموسوعة الجزائية، ا?لد الخامس، الطبعة الثالثة، بيروت، دار صادر للطباعة والنشر، 1995، ص 331.

و نظام وقف التنفيذ هو نوع من المعاملة العقابية، مؤداه أن ينطق القاضي بالإدانة والعقوبة مع الأمر بوقف تنفيذ هذه الأخيرة لمدة معينة، وعليه فوقف التنفيذ ينصرف أثره إلى إجراءات تنفيذ العقوبة من خلال عدم اتخاذ هذه الإجراءات خلال المدة المحددة، بشرط عدم ارتكاب المحكوم عليه أية جريمة خلال تلك المدة التي تعد بمثابة فترة تجربة له، إذا اجتازها بنجاح وأثبت حسن سلوكه من خلال الندم والتوبة والامتناع عن مخالفة القانون سقط الحكم بالعقوبة واعتبر كأن لم يكن، أما إذا ارتكب جريمة خلال تلك المدة ألغي وقف التنفيذ، ومن ثمة يتم اتخاذ إجراءات التنفيذ التي كانت موقوفة بموجب الحكم وتنفذ العقوبة على المحكوم عليه، لذلك نجد القانون يفرض على القاضي عند النطق بالعقوبة الموقوفة التنفيذ تنبيه المحكوم عليه بأنه في حالة صدور حكم جديد عليه بالإدانة خلال مدة معينة فإن العقوبة الموقوفة النفاذ ستنفذ عليه دون أن تلتبس مع العقوبة الجديدة. لذلك يحقق نظام وقف التنفيذ أثرا رادعا للمحكوم عليه، بالتهديد بتنفيذ العقوبة المحكوم بها وإنزالها به في حالة إتيانه لجرم جديد خلال فترة التجربة، ومنه فهذا التهديد يؤثر في نفس المحكوم عليه ويمنعه من العودة للإجرام، وليتسنى لنا فهم وقف التنفيذ كان لابد من التطرق للتكييف القانوني له والغرض منه.

اولا: التكييف القانوني لوقف التنفيذ
وقف التنفيذ ليس جزاءا جنائيا، وإنما هو وصف يرد على الحكم بالعقوبة فيجرده من قوته التنفيذية، وهو أسلوب تفريد للمعاملة العقابية، يحكم به القاضي بالنسبة لمرتكبي الجرائم غير الخطيرة، والتي تكون مدة العقوبة لها قصيرة، وثبت للقاضي أن الجاني ليس على قدر كبير من الخطورة، وأن إعادة تأهيله أمر محتمل، شريطة أن لا يصطدم ذلك باعتبارات العدالة والردع العام.

كما أن وقف التنفيذ لا يعد سببا من أسباب الإباحة، فهو لا يمس أركان الجريمة وثبوت التهمة في حق المستفيد منه، ذلك أن القاضي يصدر حكم بالإدانة وينطق بالعقوبة، غير أنها تكون موقوفة التنفيذ، بل إنه حتى بعد النطق بها، فإن الحكم لا يسقط وإنما يظل قائما حتى تمضي مدة التجربة بنجاح، وعندها فقط يعفى المحكوم عليه من العقوبة نهائيا، ومنه فوقف التنفيذ لا يعني تبرئة الجاني، وإنما هو تدبير يهدف إلى إصلاحه وتأهيله.
إن الوظيفة الأساسية للقاضي هي أن يحقق تناسبا بين جسامة الجريمة المرتكبة ومدى مسؤولية الجاني عنها من ناحية, وبين مقدار الإيلام الذي يوقع عليه من ناحية أخرى، وهذا الإيلام لا يفترض دوما أن يكون ناجما عن توقيع العقوبة، بل قد يكفي أحيانا أن يكون هذا الإيلام ناجما عن التهديد بتوقيع هذه العقوبة، وبناءا على ذلك فللقاضي سلطة تقديرية في تحديد الغرض من العقوبة، المتمثل في إصلاح وتأهيل المحكوم عليه، الذي يمكن تحقيقه دون تنفيذ العقوبة.

وإن كان وقف التنفيذ يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، إلا أنه لا يعني تقريره بصفة عشوائية وأن يوسع من دائرة منحه ليستفيد منه من لا يستحقه، مما يؤدي إلى تجرأ الكثيرين من ذوي الأخلاق الضعيفة على ارتكاب الجرائم، طالما أنهم يدركون بأن الخطوة الأولى لن تكلفهم شيئا، وإنما على قاضي الجزائي عند إصداره للحكم المشمول أن يراعي ضوابط وأصول منحه، ذلك أن هذا النظام يجمع بين أسلوب التفريد القانوني الذي معناه تطبيقه على فئة معينة من المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ليست على درجة كبيرة من الخطورة، وبين أسلوب التفريد القضائي الذي يكون للقاضي فيه سلطة تقديرية في اختيار المستفيد من بين المتهمين الذين ثبتت إدانتهم، وتبين له ألا فائدة ترجى من وراء تنفيذ العقوبة في حقهم، ولا يترتب على القاضي الذي لم يسعف المتهم بعقوبة مع وقف التنفيذ على الرغم من توافر كافة الشروط التي تخول المحكوم عليه الاستفادة منه نقض قراره لأن وقف التنفيذ لا يعد حقا مكتسبا للمحكوم عليه وإنما مكنة متروكة للسلطة التقديرية للقاضي. …

ثانيا: الغرض من ايقاف التنفيذ
إيقاف التنفيذ يسمح بعدم تنفيذ عقوبة الحبس على المجرمين المبتدئين، ويمحو أثر الحكم القاضي بوقف التنفيذ إذا مرت مدة الاختبار بنجاح. 3


غاية وقف التنفيذ هو تجنيب المحكوم عليه مساوئ تنفيذ العقوبة السالبة للحرية التي تكون مدتها قصيرة.
تجنيب المحكوم عليه غير المسبوق وغير الخطير عقوبة سالبة للحرية.
تفادي وضع المحكوم عليه لأول مرة في السجن لمدة قصيرة، لأن هذه المدة لا تكفي لزجره وإصلاحه، بل على العكس ستساهم في إفساده داخل السجن، حيث يصبح معتادا على جو السجون، ناهيك عن رفقة السوء التي تصحبه طيلة مدة تنفيذ العقوبة.

قد يقدم شخص على ارتكاب جرما تضطره الظروف لذلك، أو تورط فيه دون تخطيط مسبق منه، فمثل هذا الشخص قد يكفي لردعه وتحفيز أسباب الندم في داخله، مجرد محاكمته وإيقاف تنفيذ العقوبة في حقه، واستمراره طيلة مدة التجربة متذكرا عواقب الخطأ الذي ارتكبه وعازما على عدم مخالفة القانون مرة ثانية، وهذا هو الهدف الإصلاحي الذي يسعى نظام وقف التنفيذ لتحقيقه، وينطلق هذا الهدف من فكرة دفع الضرر الذي قد يلحق بالمحكوم عليه، مقابل النفع الاجتماعي الذي لا يتحقق بالعقوبة السالبة للحرية لأنه قد ترتب نتائج سلبية على المجتمع. 1

مدة تعليق العقوبة تشكل تهديدا للمحكوم عليه مما تدفعه على تحسين سلوكه وتمنعه من العودة إلى ارتكاب الجرائم، لذلك نجد المشرع الجزائري في المادة 594 من قانون الإجراءات الجزائية نص صراحة على وجوب إنذار المحكوم عليه عند إفادته بعقوبة مع وقف التنفيذ، أنه في حالة صدور حكم جديد عليه بالإدانة فإن العقوبة الأولى ستنفذ عليه دون أن يكون من الممكن أن تلتبس بالعقوبة الثانية، لأن الغاية من وقف التنفيذ تتحقق بإنذار المحكوم عليه وتنبيهه على عدم إتيان أي جريمة في مدة 05 سنوات التالية ليوم النطق بالحكم سواء من المحكمة أو من المجلس.

الفرع الثاني: نشأة نظام وقف التنفيذ

إن معظم الأنظمة والتشريعات تناولت نظام وقف التنفيذ نظرا لتميزه والفائدة التي تعود من خلال تطبيقه، ومنها النظام الأنجلوسكسوني واللاتيني والعربي.
1 محمد أحمد ا?الي، وقف تنفيذ العقوبة في قانون العقوبات الأردني، سنة 1960.

اولا: وقف التنفيذ في النظام الأنجلوسكسوني

تعتبر بريطانيا أول بلد أخذ بنظام وقف التنفيذ، وذلك عن طريق الاجتهاد القضائي، حيث كان القاضي بالنسبة للجرائم البسيطة غير الجسيمة يتوقف عند إصدار الحكم الجزائي ولا ينطق به، وذلك إذا تبين له أن المتهم من الأشخاص الذين يستحقون حسن المعاملة ويرجى إصلاحهم، لذلك يتجنب توقيع العقاب عليه حتى لا يوضع في أوساط السجون خشية إفساده. وقد كرس هذا الأسلوب سنة 1887 في قانون أجاز للقاضي تأجيل إصدار حكمه مقابل أخذ تعهد من المتهم بتحسين سلوكه، وسمح للقاضي أن يحدد له سلوك معين أو يلزمه بدفع كفالة تضمن حسن التطبيق، كما يحق له وضعه تحت مراقبة ضابط إداري، وإذا ثبت حسن تصرف المتهم وأنه من المجرمين العرضين وبالصدفة، امتنع القاضي نهائيا عن إصدار الحكم في حقه، أما إذا تبين له العكس فإنه ينزل العقوبة التي يستحقها الفاعل عن الجريمة موضوع الملاحقة السابقة الموقوفة.
وقد صدر قانون في 1907 جعل من هذا النظام أكثر فائدة للفاعل، حيث تتوقف الدعوى الجزائية بالنسبة له فلا يصدر فيها أي قرار ولو بصفة مؤقتة، وذلك حتى لا تمس سمعة الفاعل في حالة اجتيازه فترة التجربة بنجاح, أما إذا ارتكب جريمة أثناء فترة التجربة ففي هذه الحالة يجري القاضي التحقيق الكامل في الجريمة السابقة، ويصدر الحكم الأول للجريمة التي كانت الدعوى الجزائية موقوفة بالنسبة لها، ثم يصدر حكم ثاني للجريمة الجديدة، وفي سنة 1948 صدر تعديل جديد ألزم القاضي إصدار الحكم بالإدانة, ثم منح تعليق العقوبة على سبيل التجربة, ونص على حق المدان في قبول التدبير أو رفضه والمطالبة بتوقيع العقوبة عليه مع استخدام أسباب التخفيف والتخفيض.

ونظر لنجاح هذا النظام في بريطانيا نجد معظم القوانين والتشريعات في البلدان الأنجلو سكسونية تبنته خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تقصره على من ارتكب الجريمة لأول مرة، بل امتد إلى المجرمين المسبوقين، مما أثار نقمة مكتب التحقيقات الفيدرالي ( F.B.I ) 3 . كما أخذت كندا بهذا النظام وصدر قانون سنة 1889 أعطى المحاكم حق الخيار في تقدير منح وقف تنفيذ العقوبة، وتحديد الشروط المناسبة ولو لم تورد في القانون ودون حضور المتهم، بمجرد عقد جلسة تخصص لمناقشة الموضوع بين القاضي والمحامي الوكيل فقط.
كما أخذت بعض الدول الأنجلو سكسونية الأخرى بهذا النظام وتطبيقه على الأحداث أكثر من البالغين، والشيء الذي ساعد على نشوء هذا النظام في الدول الأنجلو سكسونية أنها تقوم على مبدأ الفصل في إجراءات الدعوى بين مرحلتي إسناد التهمة وإصدار الحكم, مما ساعد على إرجاء النطق بالعقوبة أثناء فترة الاختبار 1.…

ثانيا: وقف التنفيذ في النظام اللاتيني
أول ما ظهر نظام وقف تنفيذ العقوبة بالنسبة للنظام اللاتيني في فرنسا، وعرف ثلاث أنظمة كما يلي:
1 – نظام وقف التنفيذ البسيط
تقدم أحد أعضاء مجلس النواب في عام 1884 بمشروع قانون لوقف تنفيذ العقوبة، الذي أصبح قانونا بعد أن أقره مجلس النواب بتاريخ 26/ 03 / 1891 وطرأت عليه عدة تعديلات آخرها قانون 1959.…
2 – نظام وقف التنفيذ المشروط بالتجربة

تم وضع هذا النظام من قبل النيابات العامة المعنية بالإشراف على تنفيذ العقوبات، وتأسست نواة هذه الطريقة بموجب بروتوكول اقترن بموافقة وزير العدل، وقد تبنته الحكومة الفرنسية وقامت بإيداع مشروع قانون يتضمنه إلى الجمعية الوطنية بتاريخ 11/ 07 / 1952 وقام المقرر ” Minjoz ” بشرحه وتعديله والتعليق عليه, إلا أن انتهاء العهدة التشريعية آنذاك حال دون التصديق عليه، وبقي الأمر على حاله إلى أن قام ” Kalle ” وهو أحد أعضاء المجلس النيابي بتقديم مشروع أخر في 03/ 05 / 1956 والذي وافق عليه المجلس الجمهوري في 15/ 03 / 1957 إلا أن الظروف السائدة آنذاك منعت من استصداره بقانون إلى أن صدر قانون أصول المحاكمات الجزائية في مواده من 738 إلى 747، وكذلك قانون 23/ 02 / 1959 اللذان تناولا نظام وقف التنفيذ المشروط بالتجربة 2.

1 القاضي فريد الزغبي، المرجع السابق، ص 337
WWW.VOSDROITS.SERVICE-PUBLIC.FR. ” Le sursis simple et le sursis avec mis à l’épreuve ” (2
كذلك النظام البلجيكي كان من ال? سباقين لتبني هذا النظام، وأصدر في سنة 1888 قانون يجيز وقف التنفيذ لبعض العقوبات، وفي 26/ 11 / 1963 صدر قانون بصيغة جديدة ونص على إجراء تحقيق اجتماعي قبل إفادة المتهم بعقوبة مع وقف التنفيذ 1.
3 – نظام وقف التنفيذ مع الالتزام بأداء عمل ذا نفع عام
أقرته فرنسا في قانون 10/ 06 / 1983 وأول ما ظهر في النظام الأنجلوسكسوني وبالضبط في كندا، ويعتبر صورة تطبيقية لنظام الاختبار.

ثالثا: وقف تنفيذ العقوبة في النظام العربي

بالنسبة إلى لبنان كان العمل بوقف التنفيذ البسيط والمصحوب بفترة التجربة، وقد ا?تبع المشرع اللبناني النظام الأنجلوسكسوني جزئيا في اتخاذ التدبير الذي يقيد حرية المجرم بوضعه تحت الرعاية وبتقديم الكفالة من أجل تحسين سلوكه.
وفي مصر تم الأخذ بنظام وقف التنفيذ في سنة 1904 في قانون العقوبات ونص عليه المواد من 52 إلى 54 وأعاد النص علية قانون العقوبات لسنة 1935 في المواد 55 إلى 59.
… كما أخذ المشرع السوري بهذا النظام في عام 1949 وخصص له المواد 168 وما يليها، وكذلك أخذ به القانون العراقي في المواد 69 وما يليها من قانون العقوبات.…
أما المشرع الأردني تناول نظام وقف التنفيذ في قانون العقوبات لسنة 1988 في المادة 54 مكرر.
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد أخذ بهذا النظام في سنة 1966،ونص عليه في الكتاب السادس الباب الأول من قانون الإجراءات الجزائية من المواد 592، 593، 594، 595، وطبقه على الحبس والغرامة على حد سوى.
وبذلك فالمشرع أدرج النصوص القانونية المتعلقة بنظام وقف التنفيذ ضمن نصوص قانون الإجراءات الجزائية بدلا من قانون العقوبات، كما هو الحال في التشريعات المقارنة، ذلك أن وقف التنفيذ هو عقوبة وهذه الأخيرة هي مسألة موضوعية وليست إجرائية حتى يتم إدراجها ضمن قانون الإجراءات الجزائية، وعليه كان على المشرع إعادة إدراجه ضمن قانون

1 القاضي فريد الزغبي، المرجع السابق، ص 339.
العقوبات الأمر الذي لم يستدركه من خلال التعديل الأخير بموجب قانون رقم 06/ 23 المعدل والمتمم لقانون العقوبات.

المطلب الثاني: الفرق بين نظام وقف التنفيذ و الأنظمة المشابهة له

هناك عدة أنظمة تتشابه مع نظام وقف التنفيذ، نجدها تجتمع في نوعين من التدابير، وهما تدابير للتفريد القضائي وأخرى للتفريد التنفيذي للعقوبة، فهذان النوعان يضمان صورا عديدة لأنظمة تتشابه مع نظام وقف التنفيذ، لذلك سوف نتطرق إلى هذين النوعين من التدابير حتى نتمكن من معرفة ما يحتويانه، وذلك كله من أجل تحديد الملامح الرئيسية لنظام وقف التنفيذ.

الفرع الأول: وقف التنفيذ و نظم التفريد القضائي
نظم التفريد القضائي تتضمن عدة تدابير وهي: الاختبار القضائي، وقف النطق بالعقوبة والعفو القضائي والإعفاء من العقوبة وتأجيل النطق بها وموافقة الشرطة. وللقاضي سلطة اختيار تدبير أو أكثر يطبقه على من أدين بارتكاب جريمة ما وسوف نتطرق إلى هذه التدابير على التوالي:…

1 – الاختبار القضائي
… يتشابه نظام الاختبار القضائي ووقف التنفيذ من حيث الهدف، فكل منهما يهدف إلى محاربة الظاهرة الإجرامية، وذلك عن طريق تجنيب بعض المجرمين مساوئ العقوبة السالبة للحرية خاصة منها الاختلاط في المؤسسة العقابية والاحتكاك بين المحبوسين.
كذلك يتشابه النظامان في أن كلا منهما ينطوي على تهديد بالعقاب، مع الاختلاف من حيث العقوبة المهدد بها، إذ تكون محددة في نظام وقف التنفيذ وغير محددة في نظام الاختبار القضائي الذي يفرج عن المجرم فيه دون الحكم عليه بالعقوبة، مع إخضاعه للرقابة خلال فترة الاختبار، فإذا فشل يحكم عليه بالعقوبة، ومن نقطة الاختلاف هذه نستنتج نقطة تشابه، التي تتمثل في أن المجرم في هذين النظامين يكون تحت القلق وعدم الاستقرار، ذلك أنه معرض إلى تنفيذ العقوبة إذا ثبت عدم إصلاحه.

كما أن نظام الاختبار القضائي يقوم على احترام المستفيد منه للالتزامات المحددة له، ومنه في حالة ما إذا خالف المستفيد أحد هذه الالتزامات تترتب عنه إلغاء الاختبار القضائي، بغض النظر عن كونه لم يرتكب فعلا معاقب عليه قانونا، وهذا عكس ما هو الحال عليه في نظام وقف التنفيذ حيث لا يلغى إلا إذا ارتكب المستفيد جريمة جديدة أثناء الفترة المحددة قانونا.

2 – وقف النطق بالعقوبة
… استحدث هذا النظام في بلجيكا وذلك نظرا للعيوب الناجمة عن الحكم الصادر بالإدانة الذي يقيد في صحيفة السوابق القضائية، وحرمان المحكوم عليه من بعض الحقوق المدنية، ويعتبر هذا النظام تدبير من تدابير الدفاع الاجتماعي الذي يمنح الجاني فرصة لإصلاح نفسه بعيدا عن المؤسسة العقابية، ومنه في هذا النظام لا يتم النطق بالإدانة وبالنتيجة عدم النطق بأي عقوبة 1.

3 – العفو القضائي
… تم الأخذ بهذا النظام في القانون الإيطالي، ومضمونه أن يصدر القاضي حكما يعفو فيه عن المجرم بدلا من العقوبة المستحقة كجزاء لجريمته الثابت إدانته بها 2، والعفو القضائي متروك للسلطة التقديرية للقاضي الجزائي في إطار بعض الشروط العامة التي يحددها القانون، كما هو الحال في وقف التنفيذ، فهما يتشابهان في أن كلا منهما يقتضي توجيه إنذار للمجرم بعدم العودة إلى الجريمة مستقبلا، إلا أنهما يختلفان في أن العفو القضائي لا يتضمن النطق بالعقوبة، عكس وقف التنفيذ الذي يتضمن الحكم بالإدانة والعقوبة لكن مع وقف تنفيذها.

4 – الاعفاء من العقوبة وتأجيل النطق بها

…ظهر هذا النظام في فرنسا بموجب قانون 1975، يجيز للقاضي في حالة التأكد من إدانة المتهم، أنه قد تم تأهيله اجتماعيا، وأن الضرر الناتج عن الجريمة قد تم إصلاحه، وأن الاضطراب الاجتماعي الناتج عن الجريمة قد زال، ويترتب عن هذا النظام إعفاء المتهم من العقوبة أو تأجيل النطق بها.

1 …الدكتور محمد المنجي، المرجع السابق، ص 282.
2 …الدكتور علي راشد، القانون الجنائي، المدخل وأصول النظرية العامة، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة 1974، ص 710.
وبالنسبة لنظام الإعفاء من العقوبة فهو لا يشكل وسيلة تهديد بعقوبة لاحقة، ولا يضع على عاتق المجرم التزامات، ولا يفرض عليه أي سلوك يجب التقيد به فهو نهائي، ولا يمكن إلغاءه عكس وقف التنفيذ الذي يضع على عاتق الجاني التزام بعدم ارتكاب أية جريمة خلال مدة معينة وإلا ترتب عليه إلغاءه وتنفيذ العقوبة عليه دون أن تلتبس مع عقوبة الجريمة الجديدة.
…أما نظام تأجيل النطق بالعقوبة يكون في حالة ما إذا تبين للقاضي أن المتهم في طريقه للتأهيل الاجتماعي، والضرر يمكن إصلاحه وأن الاضطراب الاجتماعي الناتج عن الجريمة على وشك أن يتوقف، وفي هذه الحالة يقوم القاضي في حكمه بتحديد اليوم الذي ستبث فيه المحكمة في العقوبة، على أن يكون بعد مرور سنة على الأكثر من أول مثول للمتهم أمام المحكمة، وفي هذا اليوم المحدد يمكن للمحكمة إما إعفاء الجاني من العقاب نهائيا أو تأجيل النطق بالعقوبة مرة أخرى، وإما الحكم بالعقوبة المستحقة 1.
ويتشابه تأجيل النطق بالعق

ويتشابه تأجيل النطق بالعقوبة مع وقف التنفيذ من حيث الالتزام الملقى على عاتق الجاني، المتمثل في السلوك الجيد، ويختلفان في أن الأول لا يتضمن النطق بالإدانة والحكم بالعقوبة عكس وقف التنفيذ.

5 – مراقبة الشرطة
… يؤخذ بهذا النظام في فرنسا ومصر والعراق، وهو يعد تدبير احترازي، يخضع من خلاله الجاني لمراقبة الشرطة ويفرض قيودا على حريته في التجول أو الإقامة، وذلك للحيلولة بينهم وبين العودة إلى الإجرام، ووضع هذا النظام بالنسبة للمجرمين الخطيرين الذين يخشى على المجتمع منهم، عكس ما هو الحال عليه بالنسبة لوقف التنفيذ الذي يطبق على المجرمين الذين ليسوا على درجة من الخطورة بحيث يخشى منهم على المجتمع.
ومساوئ هذا النظام تظهر من خلال عدم تقديم المساعدة الإيجابية لمن يخضع له، وكثرة القيود التي يخضع لها من هو تحت المراقبة، كما أظهر العمل أن المراقبة لا تحول دون ارتكاب المراقبين للجرائم حتى في ساحات أقسام الشرطة 2.

1 …الدكتور عبد الرؤوف المهدي، السجن كجزاء جنائي في ضوء السياسة الجنائية الحديثة، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد لسنة 1948، العددان 1،
2، مارس، يونيو، 1978، ص 259.…
2 …الدكتور أحمد فتحي سرور، الشرعية والإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1977، ص 91.
ويتشابه هذا النظام مع أحد أنواع وقف التنفيذ، وهو الوضع تحت الاختبار، غير أن هذ التشابه ينحصر في الشكل دون المضمون لأن نظام مراقبة الشرطة ذا طابع سلبي، أما الوضع تحت الاختبار ذا طابع إيجابي لأنه يقدم الكثير من العون للخاضع له.

الفرع الثاني: وقف التنفيذ و نظم التفريد التنفيذي

يعتبر وقف التنفيذ أحد الأساليب القضائية لتفريد العقوبة، وهو بذلك يختلف عن أساليب التفريد التنفيذي للعقوبة التي تطبق أثناء تنفيذ المحكوم عليه العقوبة، وهذه الأساليب هي الإفراج المشروط، نظام البارول، بعض أنظمة التدريب على الحرية مثل نظام شبه الحرية ونظام السماح للمحكوم عليه بالخروج من السجن في بعض المناسبات، ونظام الإقامة خارج المؤسسة العقابية لفترة معينة من الوقت 1 وسنتناول كل ذلك فيما يلي:…

1 – الافراج المشروط
… ويقصد بالإفراج المشروط إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاءها، ولكن بشرط وهو أن يكون حسن السلوك أثناء فترة تنفيذه للعقوبة، الأمر الذي يتبين معه رغبة الجاني في إصلاح نفسه، وعلى المستفيد من هذا النظام الإبقاء على السلوك الحسن بعد الإفراج عنه إلى أن تنتهي العقوبة المحكوم بها، فإذا ثبت عكس ذلك يعاد إلى السجن مرة أخرى لتنفيذ العقوبة المتبقية.
من خلال ما سبق يتبين أن هذا النظام يعد أسلوب من أساليب إعادة التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه، حيث يعيده إلى حياة الحرية ولكن تحت المراقبة ويضع على عاتق المستفيد منه التزام السلوك الحسن حتى تنقضي فترة العقوبة، ومن إيجابيات هذا النظام أنه يحث المحكوم عليهم على إتباع السلوك الجيد في المؤسسة العقابية خلال فترة تنفيذ العقوبة وذلك رغبة منهم للاستفادة من هذا النظام.
ومنه فإن نظام الإفراج المشروط يتفق مع نظام وقف التنفيذ في أن كلا منهما غير نهائي، معلق على شرط فاسخ نجده في الإفراج المشروط يتمثل في عدم إخلال المفرج عنه
بالالتزامات المحددة له، أما في وقف التنفيذ هو عدم ارتكاب المستفيد جريمة جديدة، كما يتفقان في الهدف المتمثل في إصلاح المحكوم عليه و إعادة تأهيله، وذلك عن طريق تجنيبه العقوبة السالبة للحرية كليا في وقف التنفيذ وجزئيا في الإفراج المشروط.

ويكمن الخلاف بينهما في أن المستفيد من الإفراج يخضع للمراقبة والمساعدة، أما المستفيد من وقف التنفيذ فلا يخضع لأي منهما إلا في حالة وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، كما يختلفان في أن وقف التنفيذ يصدر وقت النطق بالعقوبة وتختص به المحكمة التي قضت بالإدانة، أما الإفراج الشرطي فيكون بعد أن ينفذ المحكوم عليه جزء من العقوبة وإقراره يكون من المحكمة التي قضت بالعقوبة أو محكمة أخرى أو جهة إدارية مختصة 1.

2 – البارول
… البارول هو نظام يقوم على ذات العناصر التي يقوم عليها الإفراج الشرطي، إلا أنه أكثر إيجابية منه، فهذا النظام يهدف إلى إطلاق سراح المحكوم عليه نهائيا، وذلك بعد أن يكون قد قضى جزء من العقوبة، ويتعهد المستفيد منه بالالتزام بالسلوك الجيد والخضوع لإشراف اجتماعي.
ويتفق نظام البارول مع وقف التنفيذ في أن كلا منهما قابل للإلغاء، فبالنسبة للبارول يجوز إلغاءه إذا ارتكب المفرج عنه جريمة جديدة أو خالف الالتزامات المفروضة عليه، أما وقف التنفيذ يجوز إلغاءه إذا ارتكب المستفيد منه جريمة جديدة.
ويختلف النظامان في أن وقف التنفيذ هو من تدابير الدفاع الاجتماعي، يهدف إلى تجنيب المحكوم عليه العقوبة السالبة للحرية، أما البارول يقوم على فكرة تعديل المعاملة العقابية، حيث يفرج عنه بعد أن يقدم تعهد بالتزام حسن السلوك والخضوع لالتزامات تفرض عليه، كما أن نظام البارول لا يغير من مركز المحكوم عليه القانوني كسجين، وكل ما هناك أنه يطرأ تغيير على وضعه بحيث يقضي عقوبته خارج المؤسسة العقابية 2.…

3 – النظام التدرب على الحرية
نظم التدريب على الحرية تطبق على المحبوسين المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية، وتهدف إلى إصلاحهم وإعادة تأهيلهم، وذلك من خلال تدريبهم على الحرية قبل أن يغادروا

1 …محمد سعيد نمور، المرجع السابق، ص 41.
2 …محمد سعيد نمور، المرجع السابق، ص 42.
المؤسسة العقابية، وهي تختلف على وقف التنفيذ الذي لا يدخل المستفيد منه السجن مطلقا إلا في حالة إلغاءه.
وهناك صور 3 (ثلاثة) لنظم التدريب على الحرية وهي:
ا – نظام شبه الحرية
… يتمثل هذا النظام في إفادة المحكوم عليه بعمل خارج المؤسسة العقابية على أن يلتزم بالعودة إلى المؤسسة كل مساء، وذلك دون الخضوع لرقابة مستمرة من عمال المؤسسة كما يستفيد من تمضية أيام العطل في العمل.
ومن محاسن هذا النظام أن المحكوم عليه يندمج في المجتمع ويستعيد صلته به ويساعد على تأهيله وإصلاحه، كما يم?كنه من الاستمرار في العمل حتى بعد انقضاء مدة عقوبته، مما يبعده عن وسط الإجرام.
ولا يستفيد من هذا النظام السجناء الذين لم يبق على خروجهم وقت كبير.
ب – نظام السماح للمساجين بالإقامة خارج المؤسسة العقابية
… يستفيد من هذا النظام المحكوم عليه حسن السلوك والقابل للإصلاح والتأهيل والذي لا تزيد مدة عقوبته عن 05 سنوات، حيث يمكن المحكوم عليه من العمل خارج المؤسسة وتحت إشرافها، ويراعي عند منحه توفر الضمانات الكافية للأمن والنظام العام.
ج – نظام الاذن بالخروج من المؤسسة العقابية
حسب القانون الفرنسي فإن هذا النظام يسمح للمحبوسين من الخروج بإذن من المؤسسة وذلك بالنسبة للمحكوم عليهم بعقوبة لا تزيد عن 5 سنوات، أو تزيد على ذلك إذا كان أمضى نصف المدة على الأقل، أما باقي المساجين فيجوز استفادتهم من هذا النظام وذلك في حالة وجود ظروف عائلية الخاصة.

وفي كل الأحوال فإن مدة الغياب عن المؤسسة بواسطة إذن خروج تتراوح بين ساعة وعدة ساعات وقد تصل إلى نهار يوم واحد، وهذا النظام يختلف عن نظام وقف التنفيذ الذي لا يجوز فيه توقيع العقوبة إلا في حالة ارتكاب المستفيد منه لجريمة جديدة.

الفصل الثاني: النظام القانوني لوقف التنفيذ

يعد وقف التنفيذ أسلوبا حديثا جذوره ترجع إلى القرن الثامن عشر، ويرجع الفضل فيذلك إلى المدرسة الوضعية الإيطالية، وأخذت به معظم التشريعات الحديثة وذلك لمواجهة حالات المجرم الذي تضطره الظروف ويتورط في ارتكاب الجريمة بالرغم من حسن سيرته وصفاء ماضيه، وهو ما يسمى بالمجرم بالصدفة، لذلك نجد هدف هذا النظام هو إعادة إصلاح وتأهيل بعض مرتكبي الجرائم ممن هم ليسوا على درجة كبيرة من الخطورة الإجرامية.
وتتنوع صور نظام وقف التنفيذ غير أن المشرع الجزائري أدرج ضمن قانون الإجراءات الجزائية نوعين هما وقف التنفيذ البسيط والجزئي، أما باقي التشريعات أدرجت إضافة إلى هذه الصور أنواعا أخرى كوقف التنفيذ مع وضع المحكوم عليه تحت الاختبار وقف التنفيذ المصحوب بالتزام أداء عمل ذي منفعة عامة.
وحتى يستفيد المحكوم عليه من هذا النظام لابد من توافر شروط معينة سواء تعلقت بالمحكوم عليه أو العقوبة أو المحكمة، غير أنه وبالرغم من توفرها فالقاضي ليس ملزم بمنح وقف التنفيذ للمحكوم عليه، لأن هذا النظام لا يعد حقا مكتسبا للمتهم وإنما منحة أو رخصة تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهذه الأخيرة ليست مطلقة تطبق على كل المجرمين ومختلف الجرائم بل مقصورة على الجنح والمخالفات دون الجنايات، إلا إذا كانت عقوبة جنحية، ولا تمتد إلى المصاريف القضائية والغرامات الجبائية والتعويضات المدنية، وبالنسبة للشخص الطبيعي فيستفيد من وقف تنفيذ عقوبة الحبس والغرامة، أما الشخص المعنوي فيستفيد فقط من عقوبة غرامة مع وقف التنفيذ.
و منح وقف التنفيذ ليس نهائيا، بل هو مؤقت ذلك أنه مقترن بمدة التجربة المحددة بخمس (5) سنوات غير أنه يصبح نهائي بعد فوات هذه المدة بنجاح.

…لهدا سنتطرق إلى أحكام وقف التنفيذ في المبحث الأول متناولين فيه صور وقف التنفيذ كمطلب أول وشروطه كمطلب ثاني كما نتناول أثاره في المبحث الثاني.

المبحث الأول: أحكام وقف التنفيذ

… يوجد أربعة صور لنظام وقف التنفيذ، غير أن المشرع الجزائري اقتصر على صورتين منهما فقط، وقف التنفيذ البسيط ووقف التنفيذ الجزئي، تناولهما في المادة 592 قانون الإجراءات الجزائية، أما النوعين الآخرين وهما: وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار ووقف التنفيذ مع الإخضاع لعمل ذا نفع عام فلم يدرجهما، بل تم اعتمادهما من طرف باقي التشريعات، وحتى يستفيد المحكوم عليه من تطبيق نظام وقف التنفيذ في التشريع الجزائري لابد من توافر شروط معينة وسنتناول ذلك من خلال عرض صور وقف التنفيذ في المطلب الأول ثم شروطه في المطلب الثاني.

المطلب الأول: صور وقف التنفيذ

من المتفق عليه أنه متى ثبتت إدانة الجاني بالجرم المنسوب إليه، لابد من توقيع الجزاء المناسب، الذي يخضع في تحديده للسلطة التقديرية الواسعة للقاضي التي تخوله الأخذ بعين الاعتبار حالة الجاني الاجتماعية، وظروف ارتكاب الجريمة عند تقرير العقوبة.

إن الهدف من توقيع الجزاء على الجاني هو ردعه ومحاولة إصلاحه حتى لا يعود إلى ساحة الإجرام، غير أن العقوبة، خاصة السالبة للحرية أثبتت عدم كفاءتها في إصلاح الجاني، وعدم فعاليتها في ردعه وقصورها بالنسبة للمجرمين غير الخطيرين، كالمبتدئين منهم وعلى وجه الخصوص عندما تكون العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة فالحكم بها وتنفيذها يكون عديم الجدوى في إصلاح الجاني وتأهيله اجتماعيا، بل نجدها تهبط بمنزلته في المجتمع وتجعله أهلا للاحتقار، وتسد أبواب العمل في وجهه لأنه في نظر المجتمع من أصحاب السوابق القضائية، حتى ولو كان الجرم غير خطير، ناهيك عن اختلاطه بالمجرمين المعتدين على الإجرام في المؤسسة العقابية مما يؤدي إلى إفساده، من أجل ذلك تم استحداث ما يسمى بوقف تنفيذ العقوبة كبديل للعقوبة السالبة للحرية.
… وبالمقابل نجد أن التشريعات المقارنة عرفت عدة أنواع لنظام وقف التنفيذ تتمثل في:
وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار ومعناه أن يصدر الحكم بالإدانة مع وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها وفق شروط، ووضع المحكوم عليه المستفيد من هذا النظام تحت الاختبار لتنفيذ الشروط والالتزامات المحددة من المحكمة مع إفادته من تدابير المساعدة والعناية والرقابة خلال فترة وقف التنفيذ ويستفيد منه الأشخاص الطبيعيين فقط.
وقف التنفيذ مع الالتزام بعمل ذا نفع عام ويعتبر بمثابة عقد بين المحكمة والمستفيد لذلك يشترط فيه رضا المستفيد منه، حيث يقع عليه التزام بأداء عمل ذا نفع عام مرتبط بعقوبة حبس موقوفة النفاذ.
إلى جانب ذلك يوجد وقف التنفيذ البسيط و الجزئي من العقوبة اللذان تم ادراجهما في قانون الإجراءات الجزائية.

…وسوف نتطرق إلى النوعين الذين أخذ بهما المشرع الجزائري فيما يلي: وقف التنفيذ البسيط في الفرع الأول، ووقف تنفيذ الجزئي في الفرع الثاني، ثم الصور الأخرى لوقف التنفيذ في الفرع الثالث.

الفرع الأول: وقف التنفيذ البسيط
يعود ظهور نظام وقف التنفيذ البسيط في بلجيكا بموجب قانون 31/ 05 / 1888 وقد أخذت به معظم التشريعات، ومنها المشرع الجزائري الذي نص عليه في قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1966، ونص عليه في المواد من 592 إلى 595 وأجاز تطبيقه على عقوبتي الحبس والغرامة على حد سوى.
… وسنتطرق إلى تحديد معناه ومبرراته فيما يلي:

اولا: تجديد مدلول وقف التنفيذ البسيط
لقد اتفق فقهاء الجنائي على معنى تقريبي لوقف التنفيذ البسيط وهو” تعليق تنفيذ عقوبة معينة ومحكوم بها بحق شخص محكوم عليه على شرط موقف خلال مدة إنذار يحددها القانون”، ونستخلص من هذا المعنى ما يلي:
وقف التنفيذ البسيط صيغة ينطق بها القاضي عند تقرير الإدانة والحكم بعقوبة حبس أو غرامة، مضمون هذه الصيغة هو تعليق تنفيذ العقوبة خلال فترة 5 سنوات.
في حالة انتهاء مدة 5 سنوات من تاريخ النطق بالعقوبة موقوفة التنفيذ ولم يرتكب المحكوم عليه أية جناية أو جنحة، في هذه الحالة يعفى نهائيا من العقوبة الموقوف تنفيذها، أما في حالة العكسية كأن تثبت إدانته بحكم قضائي، ففي هذه الحالة يبطل وقف التنفيذ تلقائيا ويتحمل العقوبة الموقوف تنفيذها مع العقوبة الجديدة.
إن وقف التنفيذ لا يمس الحكم الجزائي فلا يسقطه، وإنما تقتصر آثاره على تنفيذ العقوبة في عدم اتخاذ الإجراءات الخاصة بها.

وقف التنفيذ يهدف إلى إعفاء المحكوم عليه من العقوبة نهائيا مع التهديد بها خلال فترة معينة، يلتزم خلالها بإتباع السلوك الجيد والابتعاد عن ساحة الجريمة، وهذا لتحقيق الهدف الأساسي لنظام وقف التنفيذ وهو إعادة إصلاح وتأهيل الجاني.
وقف التنفيذ يجيز للقاضي تعليق العقوبة المقضي بها، كما يعتبر منحة مشروطة لصالح المستفيد إن أحسن السلوك، استفاد من الإعفاء النهائي للعقوبة الموقوفة، ويعتبره البعض نوعا من الغفران القضائي ينطوي على إنذار موجه إلى المحكوم عليه بما قد ينتظره من ثواب أو عقاب حسب واقع الحال المستقبلي.

ثانيا: مبررات نظام وقف التنفيذ البسيط
يبرر الأخذ بهذا النظام تجنيب نوع من المجرمين المبتدئين تحمل العقاب، وذلك رغبة في إصلاحهم ومنعهم من العودة إلى الإجرام، لذلك يتم إفادتهم بتعليق العقوبة، والحكمة من ذلك تعود للسلطة التقديرية للقاضي واقتناعه بأن الجاني ليس خطيرا على المجتمع، بل إنه ارتكب الجريمة على سبيل التورط والصدفة، وأن ظروفه وماضيه الحسن يوحي أنه لن يعود إلى الإجرام ثانية، خاصة وأن بساطة الجريمة وعقوبتها القصيرة تقتضي إبعاده عن جو السجن الذي قد يفسده نتيجة التعرف على مساجين خطيرين، كما أن حياته داخل السجن تفقده الرهبة منه، ومنه إعادة ارتكاب الجريمة عند خروجه، بينما العقوبة الموقوفة التنفيذ فإنها تكون معلقة على شرط وهو إتباع السلوك الجيد وعدم إتيان الجريمة وهذا الشرط يشكل تهديد للمحكوم عليه، يجعله يحتاط ويبتعد عن الانحراف، ويكون حريصا على احترام القانون وذلك رغبة منه في تجنب إلغاء إيقاف التنفيذ، ومنه يتحقق أهم هدف للعقوبة ألا وهو الردع الخاص.
كذلك من مبررات هذا النظام انه يوفر الأعباء المالية على الدولة، وذلك بإنقاص عدد المساجين، ومنه إنقاص نسبة التكلفة عن المؤسسة العقابية.

وقف تنفيذ العقوبة يعتبر في حد ذاته عقوبة، ولكن بصورة مغايرة عن المألوف إذ يتصف بالرحمة ويحقق الردع والإصلاح، والدليل على اعتبار وقف التنفيذ عقوبة، هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا الغرفة الجزائية في قراراها رقم 43674 الصادر بتاريخ 09/ 06 / 1987، ترجع وقائع القرار إلى أنه صدر حكم في جنحة إصدار شيك بدون رصيد قضى بعام حبس مع إيقاف التنفيذ و 30000 دينار جزائري غرامة نافذة، فقام المحكوم عليه باستئناف الحكم لوحده فشدد المجلس من العقوبة ورفعها إلى عامين حبس مع إيقاف التنفيذ و 93000 دينار جزائري غرامة نافذة، فهنا المجلس قام برفع العقوبة فاعتبرتها المحكمة العليا عقوبة مشددة حتى لو بقيت موقوفة النفاذ، وقررت المحكمة العليا ما يلي: ” من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمجلس إذا كان الاستئناف مرفوعا من المتهم وحده أو من المسؤول عن الحقوق المدنية، أن يسيء حالة المستأنف ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون، ولما كان ثابتا (في قضية الحال) أن قضاة الاستئناف برفعهم لعقوبة الحبس والغرامة ولو بإيقاف التنفيذ بموجب استئناف المتهم وحده يكونون قد خالفوا أحكام القانون.
…ومتى كان كذلك، استوجب نقض القرار المطعون فيه”.

الفرع الثاني: وقف التنفيذ الجزئي
وقف تنفيذ جزء من العقوبة وهو نظام جديد تبناه المشرع الجزائري في تعديله سنة 2004، حيث كان قبلا لا يعرف إلا نظاما واحد وهو وقف التنفيذ البسيط.
ونظرا لحداثة تبني هذا النظام في التشريع الجزائري فسنتناول تحديد معناه ومبرراته من خلال ما يلي:

اولا: تحديد مدلول وقف التنفيذ الجزائي

يقصد بهذا النظام وقف تنفيذ جزء من العقوبة الأصلية سواء كانت حبسا أو غرامة، ومنه فإذا ما قرر القاضي منح وإفادة الجاني من هذا النظام، فإنه يحكم على هذا الأخير بجزء من العقوبة مع وقف التنفيذ والجزء الآخر مع التنفيذ، كأن يكون الحكم بـ 6 أشهر حبس منها 4 أشهر حبس موقوفة النفاذ وشهرين حبس نافذة، وبالنسبة للجزء الموقوف نفاذه فينطبق عليه ما قيل على وقف التنفيذ البسيط، حيث يعلق تنفيذ الجزء الموقوف خلال مدة 5 سنوات يلتزم فيها المحكوم عليه بإتباع السلوك الجيد وعدم ارتكاب جريمة جديدة، وإلا نفذ عليه الحكم الأول بالنسبة للجزء الموقوف بالإضافة إلى الحكم الثاني ومنه فهذا النظام مثل وقف التنفيذ البسيط ويختلف عنه، أن في وقف التنفيذ البسيط الوقف يكون للعقوبة بأكملها، أما في هذا النظام فالوقف يشمل جزء من العقوبة فقط.

ثانيا: مبررات نظام وقف التنفيذ الجزائي
لقد أخذ المشرع الجزائري بنظام وقف التنفيذ الجزئي متبعا في ذلك ما ذهب إليه المشرع الفرنسي، وقد نص صراحة على ذلك في نص المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 04 – 14 المؤرخ في 10 نوفمبر سنة 2004، وذلك على أساس أن وقف التنفيذ الجزئي هو إجراء يسمح بتفريد أفضل للعقوبة، ويظهر ذلك واضحا حين يكون المحكوم عليه قد أوقف على ذمة القضية فترة من الزمن ثم أدين وحكم عليه بعقوبة حبس تزيد في مقدارها عن المدة التي كان موقوفا خلالها، ورأت المحكمة أنه جدير بأن يستفيد من وقف التنفيذ، عندئذ يمكن للقاضي أن يحكم بوقف تنفيذ الجزء الباقي من العقوبة السالبة للحرية ويفرج عنه فورا.

الفرع الثالث: الصور الأخرى لوقف التنفيذ
هذه الصور لم يتناولها المشرع الجزائري وإنما مازال يقتصر على الصورتين السالفتين الذكر، و نظرا لأهمية هذه الصور سنتعرض إليها فيما يلي:

اولا: وقف التنفيذ مع وضع المحكوم عليه تحت الاختبار
يقصد به تقييد حرية المحكوم عليه بدلا من سلبها كوسيلة لإصلاحه، وذلك من خلال وضع المستفيد منه تحت الاختبار خلال فترة التجربة من أجل تنفيذ الشروط والالتزامات المفروضة من المحكمة، مما يكفل له الاستفادة من إجراءات التهذيب و المساعدة على الاندماج في المجتمع كمواطن صالح، و بالتالي فهو ينطوي على إيقاف تنفيذ العقوبة في صورة متطورة غرضه تأهيل فئة معينة من المحكوم عليهم بعيدا عن السجون.

…و هذا النظام لا يطبق بصفة عفوية أو اعتبارات عاطفية بل وفقا لأسس واضحة و جدية بعد دراسة متكاملة لشخصية المحكوم عليه و ظروفه و وضعه الاجتماعي، و يرجع سبب ظهوره على نفس سبب ظهور الصور الأخرى ألا و هو تفادي مساوئ العقوبات السالبة للحرية ذات المدة القصيرة بالنسبة لبعض المحكوم عليهم الذين لا يستحقون عقوبة طوية المدة و يضارون من عقوبة الحبس قصيرة المدة، إلا أنه يتميز عن صورتي وقف التنفيذ اللتان أخذ يهما المشرع الجزائري في كون المستفيد منه يكون خلال فترة الاختبار تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبات و يخضع لإجراءات رقابة و مساعدة، و مبرره في ذلك أن المحكوم عليه المستفيد من وقف التنفيذ لا يستطيع بمفرده مقاومة العوامل الإجرامية التي تحيط به.
…و يرجع أصل هذا النظام إلى النظام الأنجلوسكسوني، كما عرف في فرنسا و أدخل في نظامها القانوني سنة 1958.
…و بالرغم من أن المشرع الجزائري لم يأخذ به إلا أننا ارتأينا معرفة هذا النظام أكثر من خلال التطرق إلى شروطه و آثاره، خاصة أنه أثبت نجاحا كبيرا على مستوى التطبيق العملي في الدول التي أخذت به.

ـ 1) شروط وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار:
…منها ما يتعلق بالجاني و أخرى بالجريمة و آخرها بالعقوبة

أ الشروط المتعلقة بالجاني:

ـ يمكن أن يستفيد منه المحكوم عليه سواء كان وطنيا أو أجنبيا.
ـ و بالنسبة لشرط سبق الحكم بالحس لجناية أو جنحة فإن القانون الفرنسي قبل 1975 كان يشترط عدم سبق الحكم على الجاني بعقوبة حبس تزيد عن سنة من أجل ارتكاب جناية أو جنحة، أو عدم سبق الحكم عليه بعقوبتي حبس مستقلة كلا منهما عن الأخرى، على أن لا يزيد مقدار عقوبة الواحدة منهما عن شهرين حبس. و في سنة 1975 وسع مجال الاستفادة من هذا النظام للجاني سواء كان مبتدئ أو عائد حتى و لو كان قد استفاد من هذا النظام، إلا أنه في عام 1981 عدل المشرع الفرنسي عن موقفه و ضيق من نطاق الاستفادة و ذلك بانثناء تطبيق هذا النظام على فئة معينة من الجرائم مثل: جريمة الاعتداء على قاض، أو الاعتداء على أي شخص باستعمال العنف الذي ينجم عنه مرض أو تعطيل كلي أو عاهة دائمة، جريمة الاغتصاب، إلى غير ذلك.
…و يمكن أن يستفيد منه من سبق له إن استفاد من نظام وقف التنفيذ البسيط شريطة أن تكون العقوبة ألأولى التي صدرت في حقه الحبس لمدة أقل من خمسة سنوات مع إيقاف التنفيذ، و ألا يكون وقف التنفيذ البسيط قد ألغي.

ب الشروط المتعلقة بالجريمة

…يطبق على أية جريمة كانت سواء جناية أو جنحة بشرط أن تكون عقوبتها الحبس أما إذا كانت عقوبة جنائية فلا يطبق، إلا أن هذه القاعدة لا تؤخذ على إطلاقها إذ نجد المشرع الفرنسي نص صراحة على استثناء بعض الجرائم الخطيرة من مجال وقف التنفيذ، و ذلك حفاظا على هذا النظام لكي يحقق الغرض منه باعتباره أسلوب معاملة عقابية يراعي مصلحة مرتكب الجريمة في إعادة تأهيله، و في نفس الوقت يراعي المصلحة العامة في تحقيق العدالة و الردع العام و الخاص، كما لا يطبق على الجريمة السياسية ذلك أن المجرم السياسي ليس بحاجة إلى إجراءات المساعدة و الإشراف التي يتضمنها وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، كذلك لا يستطيع أن يؤمر بتطبيق هذا النظام في الجرائم العسكرية نظرا لطبيعتها الخاصة ج الشروط المتعلقة بالعقوبة
ـ أن تكون عقوبة الحبس لجناية أو جنحة.
ـ لا يطبق على عقوبات المخالفات و كذا الغرامة و العقوبة العسكرية و السياسية
ـ و يشترط في النظام الفرنسي أن تكون مدة الحبس المحكوم بها لا تزيد عن خمسة سنوات و تحدد مدة الاختبار ما بين 18 شهرا كحد أدنى و 3 سنوات كحد أقصى، و يجوز للمحكمة أن تقرر هذا النظام لجزء تحدده من مدة الحبس.
…و متى توافرت هذه الشروط فللمحكمة السلطة التقديرية لمنح وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، و على القاضي أن يوجه تحذيرا للمستفيد منه، بأنه إذا ارتكب جريمة جديدة تؤدي إلى إلغاء هذا النظام سوف يتعرض لعقوبة هذه الجريمة مع عقوبة الجريمة الأولى التي أوقف تنفيذها دون دمج بينهم.

ـ 2) الآثار المترتبة على وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار:

…يترتب على وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار تعليق تنفيذ العقوبة خلال فترة الاختبار و إخضاع المستفيد لبعض تدابير الرقابة و المساعدة، كما تفرض عليه بعض الالتزامات الخاصة التي تبينها المحكمة في الحكم و التي لا بد له أن يستجيب و يمتثل لها، و ذلك قصد تأهيله اجتماعيا، و إذا خالف هذه الالتزامات خلال مدة الاختبار او ارتكب جريمة جديدة فإن ذلك يؤدي إلى إلغاء وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، و يجوز للمحكمة هنا الأمر بتنفيذ الحس كليا أو جزئيا، و سنتعرض إلى هذه الآثار من خلال النقاط التالية:

أ تعليق تنفيذ العقوبة:
يعلق تنفيذ العقوبة المحكوم بها طيلة فترة الاختبار التي تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم بالإدانة نهائيا، و تسجل في صحيفة السوابق القضائية رقم 1 و 2 دون رقم 3.
o … تعليق تنفيذ العقوبة لا يمنع من تنفيذ العقوبات التكميلية و لا العقوبات المالية.
o … خلال فترة الاختبار يشترط أن يتبع المستفيد من هذا النظام الالتزامات المفروضة عليه و يخضع لإجراءات الرقابة و المساعدة، فإذا ما مضت فترة الاختبار بنجاح دون أن يلغى وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار فإنه يصبح نهائيا، و نتيجة لذلك يسقط الحكم بالإدانة بقوة القانون.

ب) التدابير المفروضة على المستفيد من وقف التنفيذ خلال فترة التجربة:
…يتعين على القاضي عند إفادة المحكوم عليه من هذا النظام أن يراعي مدى احتياج هذا الأخير للإشراف و المساعدة للتجاوب مع ظروف المجتمع، فضلا عن مراعاة مدى ما قد يلحق المجتمع من خطر خلال فترة الاختبار.

…و لضمان التطبيق السليم الذي معه يتحقق الغرض من تدابير الإشراف و المساعدة كان لا بد أن يعهد بذلك إلى جهة قضائية مختصة، لذلك استحدث قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي نظام قاضي تطبيق العقوبات الذي أوكله مهمة الإشراف على المستفيد من هذا النظام طوال فترة الاختبار.
…و من تدابير الرقابة التي تفرض على المستفيد من وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار نذكر على سبيل المثال: أن يمثل أمام قاضي تطبيق العقوبات حين يستدعيه، و أن يقبل زيارات مندوب الإشراف على الاختبار، و أن يحطه علما بكل وسائل كسبه للعيش، و يقدم مبررات تغيير مسكنه لقاي تطبيق العقوبات.
…أما بالنسبة لتدابير المساعدة التي تهدف إلى حث المحكوم عليه المستفيد ببدل الجهد لإعادة تأهيله اجتماعيا، خاصة فيما يتعلق بمحيطه العائلي أو المهني، و ذلك عن طريق تقديم المساعدة له سواء كانت معنوية أو مادية.

…و فيما يتعلق بالالتزامات المفروضة عليه التي من شأنها تقييد حريته على النحو الذي يكفل السير الحسن للوصول للتأهيل، حيث تضعه في ظروف تتيح له الاستفادة من تدابير المساعدة و الرقابة التي تهيئها له السلطات العامة، و من بين هذه الالتزامات: أن يمارس المحكوم عليه نشاطا مهنيا أو تعليما أو تدريبيا، و أن يقيم في مكان محدد، و أن يخضع لجميع إجراءات الرقابة، كما عليه تجنب بعض السلوكات السيئة و مخالطة بعض الأشخاص.
…و تجدر الإشارة أن هذه الالتزامات تفرضها المحكمة في الحكم القاضي بوقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، غير أن لقاضي تطبيق العقوبات إمكانية تعديلها، مما يعطي هذا النظام مرونة أكبر في التطبيق، و من ثمة تحقيق الغرض منه.

ج) الأسباب التي تؤدي إلى إلغاء وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار:

…إذا ما ارتكب المحكوم عليه خلال فترة الاختبار جناية او جنحة قضي فيها بعقوبة الحبس لمدة تزيد عن شهرين، في هذه الحالة يلغى وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار و توقع العقوبة الأولى الموقوفة إضافة إلى عقوبة الجريمة الثانية دون الدمج بينهما، كما يجوز أن يلغى إيقاف التنفيذ إذا ما تبين من خلال التقارير الدورية عن حالة الموضوع تحت الاختبار أنه لا يخضع لنظام الإشراف و المساعدة و لا يتقيد بالالتزامات المفروضة عليه، و في هذه الحالة يكون للمحكمة سلطة تقديرية في الإلغاء عكس الحالة الأولى التي يكون فيها الإلغاء تلقائيا.<<

ثانيا: وقف التنفيذ المصحوب بالتزام اداء عمل ذي منفعة عامة
عرف هذا النظام في فرنسا، حيث يكون وقف التنفيذ فيه مصحوب بالتزام أداء عمل ذي منفعة عامة لفائدة شخص معنوي من القانون العام أو جمعية مؤهلة لتنفيذ أشغال ذات منفعة عامة وذلك لمدة 40 إلى 240 ساعة.
و في حالة عدم احترام المستفيد من هذا النظام للالتزام المفروض على عاتقه، فإنه يتعين إلغاؤه.

المطلب الثاني: شروط تطبيق وقف التنفيذ

لقد وضع المشرع الجزائري شروطا لتحديد شكل وقف التنفيذ البسيط وذلك من خلال المادة 593 من قانون الإجراءات الجزائية، التي تنص على أنه: ” يجوز للمجالس القضائية وللمحاكم في حالة الحكم بالحبس أو الغرامة إذا لم يكن المحكوم عليه قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام، أن تأمر بحكم مسبب بالإيقاف الكلي أو الجزئي لتنفيذ العقوبة الأصلية”.
ومن خلال هذه المادة يتبين أن شروط وقف التنفيذ ترتبط أساسا بالجاني في الفرع الأول، وبالعقوبة في الفرع الثاني، وبالمحكمة في الفرع الثالث، وسنبين ذلك فيما يلي:

الفرع الأول: الشروط الخاصة بالجاني

إن نظام وقف التنفيذ يهدف إلى الأخذ بيد الجاني الذي ارتكب جريمة لا تدل على خطورة إجرامية، وحتى يستفيد هذا الأخير من عقوبة موقوفة النفاذ، لابد من توافر ظروف خاصة بالجاني تستشف منها المحكمة مبررات إيقاف التنفيذ بحقه، وهذه الظروف تتمثل في أخلاق المحكوم عليه وطباعه وماضيه والظروف التي أحاطت بارتكاب الجريمة، سواء شخصية كالبواعث أو بيئية مما أحاط بالجاني كالاستفزاز أو الحاجة الملحة أو ظروف عائلية، وعلى العموم فإنه يشترط في هذه الظروف أن تبعث الاعتقاد لدى القاضي بأن المحكوم عليه لن يعود إلى مخالفة القانون مستقبلا، وأن هذه الجريمة أمر عارض في حياته كانت نتيجة ظروف معينة.
كما أنه حتى يستفيد الجاني من عقوبة مع وقف التنفيذ لابد أن يكون من المجرمين الذين لم يسبق الحكم عليهم نهائيا بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام، لأن الأصل أن هذا النظام مقرر لطائفة المجرمين المبتدئين الذين يرتكبون الجريمة لأول مرة، أما من استفاد من وقف التنفيذ ثم ارتكب جريمة جديدة استوجبت الحكم عليه بالحبس أو الغرامة، فإنه لا يستحق إفادته من نظام وقف التنفيذ لأنه باقترافه الجريمة مرة ثانية يكون قد برهن بأنه ليس أهل للثقة وأنه لم يرتدع من الحكم السابق، ومادام المشرع استثنى من سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة الاستفادة من وقف التنفيذ فإنه من باب أولى ألا يستفيد من هذا النظام من سبق الحكم عليه بعقوبة أشد من الحبس كالسجن المؤبد أو المؤقت، وإفادة المسبوق الذي حكم عليه في مواد المخالفات حتى ولو كانت العقوبة الحبس، كما أنه لا تأثير للأحكام السابقة والصادرة بعقوبة الغرامة ولو كانت في الجنح.
كما أنه يجوز منح وقف التنفيذ للجاني السابق الحكم عليه بطريقة من طرف التأديب أو التربية سواء كان ذلك في جناية أو جنحة أو مخالفة.

وقد نقضت المحكمة العليا قرار صادر من المجلس أفاد المتهم بوقف التنفيذ بالرغم من أنه سبق الحكم عليه بالحبس، وهذا من خلال القرار رقم 210789 المؤرخ في 04/ 04 / 2000 الصادر من الغرفة الجزائية، والذي قضى بما يلي:” الواضح من القرار المطعون فيه أن المتهم متعود على اقتراف نفس الأفعال المنسوبة إليه، وسبق الحكم عليه بالحبس، وبالتالي فإن القضاء بإفادته بأحكام وقف التنفيذ خرقا لمقتضيات المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية ينجز عنه النقض”.
العقوبة التي شملها العفو الشامل لا تعد سابقة لأنها تسحب من ملف صحيفة السوابق القضائية (المادة 628 قانون الإجراءات الجزائية)، وبالتالي فإنها لا تحول دون تطبيق وقف التنفيذ، أما تقادم العقوبة فأثره ينحصر في تنفيذ العقوبة حسب (المادة 612 من قانون الإجراءات الجزائية)، ولكن العقوبة التي أدركها التقادم تسجل في صحيفة السوابق القضائية لاسيما القسيمة رقم 2 التي تسلم إلى الجهات القضائية يستند إليها في تقرير العقاب، ومنه فتعد كسابقة تحول دون تطبيق وقف التنفيذ، وكذلك الشأن بالنسبة لرد الاعتبار.

الفرع الثاني: الشروط الخاصة بالعقوبة
المشرع الجزائري اشترط في العقوبة التي يمكن الأمر بوقف تنفيذها، أن تكون عقوبة أصلية متمثلة في الحبس أو الغرامة فقط، ومنه لا يجوز الأمر بوقف تنفيذ العقوبات التكميلية وتدابير الأمن، وهنا خرج المشرع الجزائري عما أخذت به باقي التشريعات التي تجيز الأمر بوقف تنفيذها.
كما لا يجيز المشرع الجزائري إيقاف المصاريف القضائية والتعويضات المدنية وعدم الأهلية الناتج عن حكم الإدانة طبقا للمادة 595 من قانون الإجراءات الجزائية.

ومنه المشرع الجزائري جعل وقف التنفيذ قاصرا على عقوبة الحبس والغرامة دون أن يشترط مدة معينة للحبس أو مقدار معين للغرامة، ومنع منح وقف التنفيذ بالنسبة لعقوبة السجن،… وهذا ما قررته الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا بقولها أنه: ” لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة السجن، ذلك أن وقف التنفيذ مقصور على عقوبة الحبس والغرامة دون سواهما من العقوبات الأخرى (جنائي 9 ديسمبر 1969 نشره القضاة 1970/ 1 ص 45)، غير أنه وبالرجوع إلى أحكام الفقرة الثالثة من المادة 309 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على انه إذا ما إذا أصدرت محكمة الجنايات حكما يقضي بعقوبة جنحية يجوز لها أن تأمر بوقف تنفيذها.
كما أنه يجوز في حالة الحكم بالحبس والغرامة معا، أن يكون الحكم بوقف تنفيذ أحدهما أو كلاهما، كما يجوز الحكم بوقف جزء من عقوبة الحبس أو الغرامة أو جزء من كل منهما، ولا يعتبر ارتكاب المخالفة أو جريمة عسكرية أو سياسية أو أي عقوبة مالية مقضي بها في الجنح والجنايات سببا لحرمان المحكوم عليه من وقف التنفيذ.

وبالنسبة للغرامة التي يجوز وقف تنفيذها، هي تلك التي تكون بطبيعتها القانونية تشكل عقوبة أو ما يسمى بالغرامة الجزائية، أما الغرامة الجمركية أو الضريبية فهي غرامة جبائية يختلط فيها طابع الجزاء بالتعويض، فهي عقوبة مالية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون محلا للتخفيض، وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 281 من قانون الجمارك، والحال كذلك فإنه من باب أولى أن لا تكون محلا لوقف التنفيذ، وهذا ما استقر عليه القضاء وما أقرته المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 20/ 11 / 1984، أما بالنسبة للجرائم المنافسة فليس هناك ما يمنع الحكم بوقف تنفيذ الغرامة المقررة جزاءا لها سواء في الأمر رقم 95 – 06 المؤرخ في 15/ 01 / 1995 الملغى أو في القانون الجديد الذي حل محله، وبالنسبة للغرامة المقررة لجنحة إصدار شيك بدون رصيد طبقا للمادة 374 قانون العقوبات، فالتساؤل يطرح عن إمكانية الحكم بوقف تنفيذها رغم ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا بشأن عدم جواز التخفيض من قيمة الغرامة؟ والإجابة على هذا التساؤل يقتضي الحسم في الطبيعة القانونية لهذه الغرامة. … وحسب رأي الأستاذ أحسن بوسقيعة فإن هذه الغرامة لها طابع جزائي ومنه فلا يوجد ما يمنع الحكم بوقف تنفيذها، وهذا رأي يتماشى و المنطق القانوني.

كما أن نظام وقف التنفيذ لا يستفيد منه الشخص الطبيعي فقط، لأنه لا يقتصر تطبيقه على وقف تنفيذ عقوبة الحبس فحسب، بل يمتد إلى الغرامة التي هي عقوبة أصلية للشخص المعنوي الذي يجوز الحكم عليه بعقوبة غرامة موقوفة التنفيذ كلها أو جزء منها، غير أن الإشكال يكمن في ما هو المعيار الذي يرتكز عليه القاضي في منح وقف التنفيذ؟ خاصة أنه لا يوجد نص يبين كيفية إعداد صحيفة السوابق القضائية للشخص المعنوي، كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، وإزاء هذا الوضع هل يمكن الاعتماد على فهرس الشركات المدنية و التجارية لدى وزارة العدل المنصوص عليها في المواد 646، 648، 650 من قانون الإجراءات الجزائية، بالرغم من أن هذه الأخيرة منصوص عليها في قانون العقوبات بموجب الأمر 66/ 156، أي قبل إقرار المشرع الجزائري المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب المادة 51 مكرر من قانون 04/ 15 المؤرخ في 10/ 11 / 2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات؟.

الفرع الثالث: الشروط الخاصة بالمحكمة
متى توفرت الشروط السابق بيانها جاز للقاضي الأمر بوقف التنفيذ، وله في ذلك مطلق التقدير، إذ يحق له منح وقف التنفيذ وفرضه على المحكوم عليه من تلقاء نفسه سواء كان هذا الأخير حاضرا أو غائبا، ومنه فإن نظام وقف التنفيذ هو منحة وأمر اختياري للقاضي وليس حقا مكتسبا للمحكوم عليه، إلا أن المحكمة مقيدة بضرورة بيان الأسباب التي دعتها إلى الأخذ به وإلا كان الحكم قابلا للنقض لأن الأصل في الأحكام تنفيذها فإذا أعطى القانون صلاحية وقف تنفيذها للقاضي فهذا الأخير ملزم بالتسبيب لتبرير ذلك، أما في حالة ما إذا طلب منه وقف التنفيذ ولم يستجب له، في هذه الحالة ليس عليه أن يبين في حكمه أسباب الرفض.

ومنه فلقاضي الموضوع سلطة منح وقف التنفيذ تبعا لما يراه من ظروف الجريمة وشخصية المتهم، وهو ملزم بالتسبيب وبيان الأساس الذي اعتمده لمنح وقف التنفيذ ومدى توافر الشروط السالف ذكرها، كما له رفض منح وقف التنفيذ بالرغم من توافر الشروط والمعطيات الضرورية وغير ملزم بالتسبيب في ذلك.
ونلاحظ وجود نص المادة 230 من قانون العقوبات الواردة في الفصل السابع الخاص بالتزوير وبالضبط في القسم السادس تحت عنوان أحكام مشتركة التي تنص: “يوقف تطبيق العقوبات المقررة ضد من يستعمل النقود أو الأوراق أو الأختام أو الطوابع أو المطارق أو الدمغات أو العلامات أو المحررات المزورة أو المقلدة أو المصطنعة أو المزيفة كلما كان التزوير مجهولا من الشخص الذي استعمل الشيء المزور”، من خلال هذا النص يظهر أن وقف التنفيذ في جريمة استعمال مزور التي ثبت فيها جهل وعدم علم المتهم بأن الشيء الذي استعمله مزور، يكون إلزامي وليس اختياري (لأن الأصل أن منح وقف التنفيذ يخضع للسلطة التقديرية للقاضي) ومنه على القاضي أن يحكم به تلقائيا.
غير أننا نرى أن هذا النص يصطدم وفكرة القصد الجنائي، لأن الأجدر في حالة عدم ثبوت علم الجاني بأن الشيء المستعمل من طرفه مزور، أن يصرح القاضي ببراءته وذلك لعدم قيام الجريمة في حقه وليس بإدانته ومنحه عقوبة موقوفة.
كما أن القاضي ليس ملزم بالتسبيب فحسب، بل ملزم كذلك بإنذار المحكوم عليه المستفيد من وقف التنفيذ بعدم العودة إلى الجريمة خلال مدة 5 سنوات، يبدأ سريانها من يوم النطق بالحكم، وتنبيهه أنه في حالة ارتكابه لجريمة جديدة خلال هذه المدة فإن العقوبة الموقوفة ستنفذ عليه دون أن تلتبس بالعقوبة الجديدة، وذلك عملا بأحكام المادة 594 من قانون الإجراءات الجزائية.

والعبرة من إلغاء وقف التنفيذ ليس بارتكاب جريمة جديدة خلال 5 سنوات التالية ليوم النطق بالحكم، وإنما العبرة بصدور حكم قبل نهاية مدة 5 سنوات يقضي بإدانة المحكوم عليه بعقوبة حبس أو سجن أما الغرامة فلا تلغيه وكذلك الشأن في حالة ارتكابه لمخالفة.
ونلاحظ أن إنذار المحكوم عليه المستفيد من العودة إلى إرتكاب جريمة جديدة خلال 5 سنوات هو تجسيد لفكرة الإصلاح والتأهيل التي سعى نظام وقف التنفيذ إلى تحقيقها.
وهناك اختلاف في اجتهاد المحكمة العليا فيما يخص الإنذار حيث نجد في قرارات لها، تنص على أن خلو الحكم أو القرار من الإنذار، يترتب عليه البطلان ونتبين ذلك من خلال القرارين التاليين:
يتعرض للنقض القرار الذي لم يشر صراحة إلى إنذار المتهم من طرف رئيس الجلسة كما تقتضيه أحكام المادة ” 594 قانون الإجراءات الجزائية (غرفة الجنح والمخالفات، ملف 57427 قرار 13/ 06 / 1989، المجلة القضائية 1991/ 2 ص 211): ” إن خلو القرار المطعون فيه من ذكر هذا الإنذار الذي يعتبر من النظام العام، يعرض للنقض (غرفة الجنح والمخالفات، ملف 59818 قرار 02/ 05 / 1990، المجلة القضائية 1993/ 1 ص 202، ملف 51002 قرار 12/ 11 / 1988، المجلة القضائية 1993/ 3 ص 287).
كما نجد قرارات أخرى للمحكمة العليا تنص على أن عدم القيام بالإنذار لا يؤدي إلى البطلان، ونبين ذلك من خلال القرارين التاليين:

” إن الإنذار المنصوص إليه في المادة 594 قانون الإجراءات الجزائية، لا يعد قاعدة جوهرية في الإجراءات لأنه لا يترتب على مخالفته إخلال بحقوق الدفاع أو أي خصم في الدعوى، ومتى كان ذلك فإن عدم الإٌٌشارة إليه في القرار لا يؤدي إلى البطلان (ج. م. ق 3 ملف 113036 قرار 26/ 06 / 1994، ملف 963119 قرار 24/ 03 / 1996: غ منشورين) ” إن عدم احترام مقتضيات المادة 594 لا يؤدي إلى النقض، طالما أن هذه المادة لا تنص على الإنذار تحت طائلة البطلان (غ. ج. م. ق ملف 137873 قرار 04/ 11 / 1996 ملف 159543 قرار 25/ 05 / 1998، ملف 183999 قرار 25/ 01 / 1999: قرارات غير منشورة).
وعليه فمتى توفرت الشروط السابقة جاز للقاضي الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة، سواء بصفة كلية أو جزئية غير أن هذا لا يعني أنه حق للمتهم، إنما هو مكنه في يد القاضي يخضع لسلطته التقديرية باعتبار أن المشرع جعله جوازي، كما أنه في حالة إفادة المتهم بعقوبة موقوفة التنفيذ وعرض الملف من جديد على المجلس القضائي بعد استئناف النيابة العامة فيجوز لقضاة المجلس مراجعته وإلغاءه، وهو ما قضى به قرار المحكمة العليا المؤرخ في 05/ 03 / 1985 الذي جاء فيه ” فيما يخص إيقاف التنفيذ الذي استفاد به المتهم على مستوى المحكمة فلا يمكن اعتبار ذلك حقا مكتسبا، فبمجرد استئناف النيابة لا يتقيد المجلس بحكم المحكمة ومن حقه أن يلغي إيقاف التنفيذ وله ذلك حتى ولو لم يكن المتهم مسبوقا قضائيا.

المبحث الثاني: آثار وقف التنفيذ

يصدر الحكم بوقف التنفيذ غير أنه لا يكون نهائي، لأن نهايته أو إلغاءه يخضع لتصرفات المحكوم عليه المستفيد، لذلك نجد المشرع الجزائري حدد مدة 5 سنوات كفترة تجربة للمحكوم عليه في المادة 593 قانون الإجراءات الجزائية، يكون خلالها إيقاف التنفيذ مؤقت حيث يبقى هذا الأخير مهدد بإلغاء الإيقاف إذا ما ارتكب جناية أو جنحة خلالها، غير أنه إذا مرت مدة الإيقاف بنجاح فإن العقوبة المحكوم بها مع وقف التنفيذ تسقط وتعتبر كأن لم تكن، لذلك فإن المستفيد من وقف التنفيذ يمر بمرحلتين: الأولى تمتد طوال فترة التجربة والثانية بعد انقضاء فترة التجربة، لذلك سنتناول آثار وقف التنفيذ خلال قترة التجربة في المطلب الأول وآثار وقف التنفيذ بعد انتهاء فترة التجربة بنجاح في المطلب الثاني.

المطلب الأول: آثار وقف التنفيذ خلال فترة التجربة

طوال فترة التجربة يكون المحكوم عليه في حالة قلق وعدم استقرار، ذلك أن وقف التنفيذ يكون مؤقت وغير نهائي، فهو معلق على شرط يتمثل في أن يسلك المحكوم عليه سلوكا حسنا دون أن يرتكب جناية أو جنحة جديدة، فإذا ما خالف أحكام وقف التنفيذ ترتب عن ذلك إلغاءه، ومن ثم تنفذ العقوبة الموقوفة سواء كانت حبس أو غرامة، وعليه سنتطرق إلى تعليق تنفيذ العقوبة الموقوفة أثناء فترة التجربة في الفرع الأول وإلغاء وقف التنفيذ في الفرع الثاني.

الفرع الأول: تعليق تنفيذ العقوبة أثناء فترة التجربة
أثناء هذه الفترة يعلق الحكم القاضي بوقف التنفيذ، تنفيذ العقوبات الأصلية المتمثلة في الحبس والغرامة، ولا يتناول الإيقاف المصاريف القضائية والتعويضات المدنية والعقوبات التكميلية.

كما أن العقوبة الموقوفة النفاذ هي عقوبة جزائية تدون في صحيفة السوابق العدلية رقم 1 و 2 ما لم تنقض مهلة الاختبار المحددة بخمس سنوات (المادة 630 قانون الإجراءات الجزائية)، ولكن لا تسجل في الصحيفة رقم 3 التي تسلم للمعني بالأمر (المادة 632 قانون الإجراءات الجزائية) وتحسب في تحديد العود , والعود المقصود هنا هو بالنسبة للجنح طبقا للمادة 57 من قانون العقوبات، أما بالنسبة للمخالفات فلا يطبق عليها العود، وذلك أن المادة 58 من قانون العقوبات التي كانت تنص على العود في مواد المخالفات قد تم إلغاؤها بموجب القانون 06\ 23 المؤرخ في 20\ 12 \ 2006، ومنه في حالة ارتكاب المستفيد من وقف التنفيذ مخالفة فإنها لا تحتسب في العود كما لا تؤدي إلى إلغاء وقف التنفيذ.…
وفي حالة صدور الحكم مع وقف التنفيذ بالنسبة للحبس وكان المحكوم عليه موقوفا تعين الإفراج عنه طبقا للمادة 365 قانون الإجراءات الجزائية، ما لم يكن محبوسا لسبب آخر.

الفرع الثاني: إلغاء وقف التنفيذ
نصت على إلغاء وقف التنفيذ المادة 594 قانون الإجراءات الجزائية، ويكون في حالة ارتكاب المحكوم عليه المستفيد من إيقاف التنفيذ جناية أو جنحة من القانون العام خلال فترة الإيقاف، وفي هذه الحالة أي إذا ما أثبت المحكوم عليه فشله خلال فترة التجربة وارتكب جريمة جديدة فإن العقوبة الموقوفة تصبح نافذة، بحيث تنفذ دون أن تلتبس مع عقوبة الجريمة الجديدة،… والمشرع الجزائري جعل الجريمة الجديدة المقصودة عقوبتها حبس لجنحة أو أشد بمعنى السجن لجناية، والحكمة من وقف التنفيذ هي انعدام الخطورة الإجرامية لدى المحكوم عليه، وهذا يفترض بالضرورة ألا يعود إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى، أما إذا ثبت ارتكابه لجريمة جديدة وأدين بسببها فإن ذلك دليل على أنه غير مؤهل لكي يستفيد من نظام وقف التنفيذ، مما يقتضي إلغاءه بالنسبة له وتنفذ العقوبة في حقه.
ومخالفة المحكوم عليه للشرط المعلق عليه وقف التنفيذ تعتبر سببا كافيا لإلغاء وقف التنفيذ دون البحث في الأسباب التي أدت به إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى، وإلغاء وقف التنفيذ يتم بقوة القانون دون حاجة لصدور أمر بذلك من طرف القاضي الذي ينظر في الجريمة الجديدة، كما أن الإلغاء يعد سابقة ومنه يعتد به القانون في أحكام العودة، تغلظ عقوبة الجريمة الجديدة إذا كانت من نفس نوع الجريمة السابقة طبقا للمادة 57 قانون العقوبات.

وفي الجزائر الإلغاء يكون تلقائيا بمجرد مخالفة المحكوم عليه المستفيد للشرط المعلق عليه وقف التنفيذ خلال فترة التجربة، دون الحاجة إلى صدور حكم بالإلغاء، غير أن الإشكال يكمن في كيفية التنفيذ التلقائي، خاصة أنه عمليا وفي الميدان التطبيقي لا يوجد تجسيد حقيقي للإلغاء، مما يؤدي إلى عدم جدوى النص عليه وتزول معه الفائدة المرجوة من وقف التنفيذ، حيث أن المستفيد نجده لا يولي اهتمام كبير للإنذار الموجه له نتيجة عدم إلغاء وقف التنفيذ إذا ارتكب جريمة جديدة.
والأصل أن الإلغاء هو من اختصاص النيابة لأنها هي المنوط بها تنفيذ الأحكام، والحكم الموقوف تنفيذه يكون مؤقت وغير نهائي خلال فترة التجربة، ويزول وقف التنفيذ بارتكاب المحكوم عليه جريمة جديدة، ومنه يصبح الحكم نافذ، ويقع على عاتق النيابة تنفيذه شأنه شأن الإكراه البدني، حيث يحرر وكيل الجمهورية طلب حبس يأمر فيه مدير المؤسسة العقابية باحتباس المحكوم عليه تنفيذا للعقوبة التي كانت موقوفة مع التأشير على طلب الحبس، ويرسل له نسخة منه.

المطلب الثاني: أثار وقف التنفيذ بعد انتهاء فترة التجربة بنجاح

يترتب على انتهاء فترة التجربة بنجاح أن يصبح وقف التنفيذ نهائيا، ويترتب على ذلك نتائج عدة، ولذلك سنتطرق إلى سقوط العقوبة المحكوم بها في الفرع الأول، والنتائج المترتبة على سقوط العقوبة المحكوم بها في الفرع الثاني.

الفرع الأول: سقوط العقوبة المحكوم بها
…إذا انتهت مدة الإيقاف واحترم المحكوم عليه المستفيد الإنذار ونفذ الشرط المعلق عليه وقف التنفيذ، بأن امتنع عن ارتكاب جناية أو جنحة خلال مدة الإيقاف، وأثبت جدارته في الثقة الممنوحة له وحسن سلوكه وسيرته، فمكافأة له تسقط العقوبة المحكوم بها، ويعتبر الحكم المقرر لها كأن لم يكن أي تزول نهائيا، وتجعل المحكوم عليه بمثابة الشخص الذي لم يحكم عليه أصلا إذا كان وقف التنفيذ شمل الحبس والغرامة، أما إذا مس أحدهما فقط فإن السقوط يكون للعقوبة الموقوفة أما غير الموقوفة فتنفذ عليه، كأن يكون الحكم بجزء من العقوبة فهذا الأخير بمرور مدة 5 سنوات واحترام المحكوم عليه للإنذار يجعل ذلك الجزء الموقوف كأن لم يكن ويزول تلقائيا.

الفرع الثاني: النتائج المترتبة على سقوط العقوبة المحكوم بها
… يترتب على سقوط العقوبة المحكوم بها النتائج التالية:
سقوط العقوبة المحكوم بها نهائيا واعتبارها كأن لم تكن آليا بمجرد انتهاء مدة التجربة.
خروج المحكوم عليه من حالة الخوف وعدم الاستقرار.
لا يعد الحكم بوقف التنفيذ سابقة في حالة العودة إلى ارتكاب جريمة جديدة.
إمكان إفادة المحكوم عليه من وقف التنفيذ مرة أخرى وذلك ضمن الشروط المقررة قانونا.
عدم تسجيل العقوبة في القسيمة رقم 2 من صحيفة السوابق القضائية، كما تزول أيضا العقوبات التكميلية المقضي بها.
زوال العقوبة الموقوفة آليا هو حق مكتسب للمستفيد من نظام وقف التنفيذ.
السقوط لا يمحو الحكم برمته بل في حدود ما قضى بوقف تنفيذه.

الخاتمة

وفي ختام الموضوع يمكن أن نستخلص أن نظام وقف تنفيذ العقوبة لم يأتي من فراغ ولم تتبناه تشريعات عديدة كالتشريع الجزائري إلا بعد تطور وظائف العقوبة، ذلك أن الوظيفة الأساسية و الوحيدة للعقوبة هي إصلاح الجاني و تأهيله، ومن ثم فهو خلاصة لأفكار وأراء كثيرة نادى بها المفكرون والمصلحون منذ القرن الثامن عشر، وانتهى الأمر إلى إقناع المشرع في الكثير من البلدان بفكرتي الإصلاح كغرض للعقوبة واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات قانونية للتصدي للجريمة، وذلك عن طريق تفريد العقاب وإعطاء القاضي سلطة تقديرية واسعة، لتطبيق سياسة جنائية مستنيرة تسعى إلى اصلاح الجناحين و إلى حماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية.
ومن خلال عرض لنظام وقف تنفيذ العقوبة يتبين لنا مزاياه وعيوبه حيث يمكن أن يحمل مزايا الأخذ به في تجنب مساوئ عقوبة الحبس قصيرة المدة نتيجة الاختلاط واتصال المحكوم عليه والمبتدئ الذي ليس له نزعة إجرامية مع أصحاب ذوي السوابق القضائية، كما أنه يؤدي إلى تخفيف الازدحام داخل السجون، مما يتيح للقائمين عليه الوقت الكافي لتطبيق برنامج الإصلاح والتأهيل على المحكومين لهم بعقوبات طويلة المدة، كذلك فهو يتيح الفرصة أمام المحكوم عليهم ليبدأ حياة جديدة دون أن توصم صحيفة سوابقه القضائية، وبذلك لا تقفل أبواب العمل في وجهه.
كما أن نظام وقف تنفيذ العقوبة يحقق فائدة مزدوجة سواء بالنسبة للجاني المستفيد منه وبالنسبة للمجتمع أيضا، ذلك أنه يجنبه مكابدة العقوبة طالما أن الشرط الذي علق عليه تنفيذها لم يتحقق، ويحثه في نفس الوقت على تقويم نفسه طمعا في الإفلات نهائيا من العقاب، أما بالنسبة لمجتمع فإنه يجنب المستفيد منه خطر عدوى الإجرام وذلك عن طريق تجنيبه الاحتكاك بذوي الماضي العريق في الإجرام، ولهذا يكون المجتمع قد وقى نفسه من شر مجرم جديد يتواجد بين صفوفه.

غير أنه لضمان نجاح نظام وقف التنفيذ لا بد من أن يتفهمه المحكوم عليه وأن يرضى به وإلا كان بدون جدوى ذلك أن إذا رفض الخضوع لالتزامات التي تفرض عليه خلال فترة الاختبار سوف يتعرض للإلغاء وبالتالي تنفيذ العقوبة بحقه فضلا عن العقوبة الثانية التي تحسب عودا.
كما يجب أن يفهم أنه عقوبة في حد ذاته، وليس بديل للعقوبة الحبس قصيرة المدة ذلك أنه لا يهدف إلى إلغائها وإنما هو نوع من المعاملة العقابية الحديثة، فهو ليس صورة من صور الرأفة واللين كما يشاع عنه خطئا، أو أسلوب من أساليب التسامح، وإنما أسلوب من أساليب تفريد العقاب الذي يهدف إلى قصر نطاق الجريمة عن طريق ابعد الجانحين المبتدئين عن المسبوقين، ومما لاشك فيه أن الإفراط وإساءة استعماله وعدم التدقيق في منحه يؤدي إلى شيوع مثل هذه المفاهيم الخاطئة عن نظام وقف التنفيذ, الأمر الذي يترتب عنه الاستخفاف بمرفق العدالة من حيث أداء دوره الريادي في إرساء الحق و العدل.
وتمثل سلبية نظام وقف التنفيذ في التشريع الجزائري في أن المحكمة لا تساعد المحكوم عليه بأي عمل ايجابي يكفل إصلاحه وتقويمه وإبعاده عن مجال الجريمة.

فالغاية المنشودة من نظام وقف تنفيذ العقوبة هو حلوله محل عقوبة الحبس قصيرة المدة وتجنيب محكوم عليه الأضرار التي تترتب عن تنفيذ العقوبة واختلاطه بالمسبوقين قضائيا، وإزاء هذه الصورة السلبية لوقف التنفيذ فإن بعض التشريعات الأجنبية تداركت هذا الوضع وأدرجت صورا أخرى تعززه وتجعل منه نظاما ايجابيا يتسم بالنجاعة والفاعلية كما فعل المشرع الفرنسي سنة 1958 عندما أدخل صورة نظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار ضمن أحكام قانون الإجراءات الجزائية، وأبقى عليها ضمن أحكام قانون العقوبات لسنة 1992 الساري المفعول سنة 1994 فجعل لجهاز القضاء دورا ايجابيا في مساعدة المحكوم عليه المختبر بإخضاعه لجملة من الالتزامات والتدابير التي تتناسب وشخصيته والجريمة المرتكبة فيلزم بتنفيذها خلال مدة تحددها المحكمة تحت إشراف مؤسسة الاختبار وبمساعدة أعوان مختصين بذلك، وتخضع هذه الأخيرة لرقابة قاضي تطبيق العقوبات، والتي يكون هدفها اصلاح المدان المختبر وإعادة تأهيله اجتماعيا وتعمل على تثبيته في منصب عمل حتى يعود إلى المجتمع فردا صالحا نافعا عكس الحالة التي كان الحكم عليه.
ولتدعيم الصورة الإيجابية لنظام وقف تنفيذ العقوبة مع وضع المحكوم عليه تحت الاختبار خاصة في شكل الالتزام بعمل جاد المشرع الفرنسي سنة 1983 بصورة وقف تنفيذ العقوبة مع إخضاع المحكوم عليه بالالتزام بأداء عمل نافع عام متأثر في ذلك بنظام الاختبار القضائي الذي تعود جذوره إلى النظام الأنجلوساكسوني.

ومن مقامنا هذا نرى أنه تدعيما لنظام وقف التنفيذ في التشريع الجزائري إدراج هذان النوعان ضمن أنواع وقف التنفيذ وذلك بهدف إعطاء فاعلية عملية أكثر لنظام وقف تنفيذ العقوبة وذلك لمسايرة السياسة العقابية الحديثة، ذلك أنه لا يكف إنذاره وتهديده بتنفيذ العقوبة عليه إن ارتكب جريمة أخرى في فترة التجربة وهذا ما يستدعي إحداث مؤسسة اختبار يديرها مدير وأعوان مؤهلون دائمون تابعون لوزارة العدل وتكون تحت إشراف ورقابة قاضي تطبيق العقوبات.
وما تم ملاحظته من خلال دراستنا لنظام وقف التنفيذ أن المشرع لم يدرج أي تعديل عليه بالرغم من جملة التعديلات التي مست قانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات، بموجب قانون 06/ 23، هذا من جهة، وجملة الملاحظات والاقتراحات المدرجة ضمن العديد من الدراسات والأبحاث حول ذات الموضوع والمطالبة بإدراج تعديلات على النصوص المنظمة لوقف تنفيذ العقوبة من جهة أخرى.
…ووقف التنفيذ نظام اختياري يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، الذى إن رأى بأن المحكوم عليه غير جدير بهذه المعاملة وذلك من خلال نوع الجريمة التي ارتكبها، فإنه لن يأمر بتطبيق وقف التنفيذ، إلا انه من الأحسن أن ينص المشرع صراحة على إستثناء بعض الجرائم المعاقب عليها بالحبس، و التي تدل على خطورة إجرامية كبيرة من مجال وقف التنفيذ.

ومن الملاحظات المستخلصة من خلال التدريب الميداني، التطبيق الخاطئ لنظام وقف تنفيذ العقوبة، إذ وجدنا قضاة الحكم لا يفيدون المتهم المسبوق بعقوبة الغرامة في جناية أو جنحة أو مخالفة أو عقوبة الحبس في المخالفات من وقف التنفيذ، في حين أنه يمكن منحه ولا يحرم من الاستفادة منه، كما وجدناهم يتقيدون بمعطيات صحيفة السوابق القضائية التي تسجل فيها جميع الأحكام الحضورية والغيابية، ذلك أنه لحرمان المتهم من وقف التنفيذ لا بد أن يكون الحكم السابق نهائيا، كما لاحظنا أيضا منح القضاة حكم بوقف التنفيذ لمسبوقين قضائيا، مخالفين بذلك أحكام المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية، إلى جانب الاحتشام في تطبيق وقف التنفيذ الجزئي على الرغم من أن قانون الإجراءات الجزائية بعد تعديل 2004 تبنى هذا النظام، إلا أن التطبيقات القضائية قليلة، كذلك الأمر بالنسبة لوقف التنفيذ على عقوبة الغرامة الأصلية للشخص المعنوي، فلم نجد أي حكم يتضمن ذلك.
ومن الملاحظ أيضا هو عدم إدراج قضاة الحكم ضمن مناطيق أحكامهم المقررة للعقوبة موقوفة التنفيذ، أحكام المادة 594 من قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بالإنذار الموجه من القاضي للمستفيد من وقف التنفيذ، لذلك يتطلب الأمر من المشرع النص على إلزامية كتابته في منطوق الحكم حتى يتقيد به جميع القضاة، وهذا حماية للقاضي والمتقاضي وللحكم باعتبار أن هذا الأخير هو الصورة الحقيقية للتطبيق الصحيح للقانون وإجراءاته التي من بينها إجراء التنبيه.

قائمة المراجع

المؤلفات
1 … – دكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الجزائر، دار هومة، طبعة 2007
2 … – دكتور أمين مصطفى محمد، علم الجزاء الجنائي، القاهرة، دار المعارف، 1970.
3 … – دكتور أكرم نشأت ابراهيم، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، الأردن، 1998.
4 … – دكتور أحمد فتحي سرور، إختبار القضائي، الطبعة الثانية، القاهرة، دار النهظة العربية، القاهرة، 1977.
5 … – أحمد لعور، نبيل صقر، قانون العقوبات طبقا لأحدث التعديلات ومزود بقرارات المحكمة العليا، دار الهلال الإعلامية 2005.
6 … – دكتور اسحاق ابراهيم منصور، موجز في علم الإجرام وعلم العقاب، ديوان المطبوعات الجامعية، 2006.
7 … – دكتور ابراهيم عبد نايل، شرح قانون العقوبات المصري، دار القاهرة، طبعة 2005.
8 … – القاضي فريد الزغبي، الموسوعة الجنائية، المجلد الخامس، دار الصادر للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، بيروت، 1995.
9 … – تشارلس شوت وماري جوري بل، المحاكم والإختبار القضائي، ترجمة اللواء محمد الصاحب، القاهرة، دار المعرفة، 1962.
10 … – جندي عبد المالك بك، الموسوعة الجنائية (الجزء الثاني) إضراب – تهديد، مكتبة العلم للجميع، بيروت، الطبعة الأولى.
11 … – دكتور سليمان عبد المنعم، علم الإجرام و الجزاء، منشرواب الحلبية الحقوفية، 2003.
12 … – دكتور عبد ا? سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري – القسم العام – الجزء الثاني
(الجنائي)، ديوان المطبوعات الجامعية، 2002.
13 … – دكتور عبد ا? سليمان، النظرية العامة للتدابير الإحترازية، دراسة مقارنة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990.

14 … – عبد الرؤوف المهدي، سجن كجزاء جنائي في ضوء السياسة الجنائية الحديثة، 1948.
15 … – علي محمد جعفر، العقوبات و التدابير وأساليب و تنفيذها، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر والتوزيع، طبعة 1988.
16 … – علي محمد القهواجي، شرح قانون العقوبات القسم العام الكتاب الأول النظرية العامة للجريمة، الإسكندرية، طبعة 1997.
17 … – عصام عفيفي عبد البصير، تجزئة العقوبات نحو السياسة الجنائية الجديدة، دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 2004.
18 … – دكتور علي راشد، القانون الجنائي: المدخل وأصول النظرية العامة، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، 1974.
19 … – دكتور عبد الستار فوزية، مبادئ علم الإجرام و علم العقاب، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1985.
20 … – دكتور محمد فاضل، المبادئ العامة لقانون العقوبات، الطبعة الثالثة، دمشق، 1964.
21 … – دكتور مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات: القسم العام، طبعة الثالثة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979.
22 … – دكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.
23 … – دكتور محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات: القسم العام، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة العاشرة، القاهرة، 1983.
24 … – محمد علي السالم و عياد الحلبي، شرح قانون العقوبات الأردني: القسم العام، مكتبة بغدادي، عمان، 1993.
25 … – محمد المنجي، الإختبار القضائي أحد تدابير الدفاع الإجتماعي، منشأة المعارف، الإسكندرية
، الطبعة الأولى، 1982.

26 … – دكتور محمد ايجاد العتيبي، السلطة التقديرية للقاضي في الإمتناع عن النطق بالعقاب، معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، الكويت، طبعة 2006.
27 … – محمد سعيد نمور، وقف تنفيذ العقوبات: نظام نفتقده في تشريعاتنا الجزائية، الأردن، 2006.
28 … – محمد أحمد المجالي، وقف تنفيذ العقوبة في قانون العقوبات الأردني، 1960.
29 … – مقدم مبروك، العقوبات موقوفة التنفيذ، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر،
.2007

النصوص القانونية
1 … – دستور سنة 1996.
2 … – دكتور أحسن بوسقيعة، قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية، منشورات برتي، طبعة
. 2008 – 2007
3 … – دكتور أحسن بوسقيعة، قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية، منشورات برتي، طبعة 2007 – 2008.
4 … – القانون رقم 05/ 04 المؤرخ في 06/ 02 / 2005 المتضمن تنظيم السجون وإعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
5 … – الأمر رقم 05/ 06 المؤرخ في 23/ 08 / 2005 المتعلق بمكافحة التهريب المعدل و المتمم بالأمر
06/ 09 المؤرخ في 15/ 07 / 2006.
6 … – القانون رقم 06/ 01 المؤرخ في 20/ 02 / 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
7 – القانون رقم 04/ 18 المؤرخ في 25/ 12 / 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية و قمع الإستعمال و الإتجار غير المشروعين بهما.
8 – القانون رقم 05/ 01 المؤرخ في 06/ 02 / 2005 يتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافتهما.

9 … – العقوبات في القوانين الخاصة (الموسوعة القضائية الجزائرية)، أحمد لعور نبيل صقر، دار الهلال للخدمات الإعلامية، الجزائر، الطبعة الثانية، 2005.
10 … – أستاذ دموم كمال، القضاء العسكري و النصوص المكملة له، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، طبعة ثانية مزيدة ومنقحة.
المجلات القضائية
1 – جيلالي بغدادي، الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول، المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، الجزائر، 1996.
2 – المجلة القضائية للمحكمة العليا، قسم المستندات و النشر، العدد 01 لسنة 1989، العدد 02 لسنة 1991، العدد 03 لسنة 1992، العدد 02 لسنة 2001.
3 – مجلة الإجتهاد القضائي لغرفة الجنح و المخالفات بالمحكمة العليا، قسم المستندات و النشر، عدد خاص 2002.
4 – مجلة الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية بالمحكمة العليا، قسم المستندات و النشر، عدد خاص. 2003

الصفحة …العنوان
1 …المقدمة
04 …الفصل الأول: العقوبة موقوفة التنفيذ
05 …المبحث الأول: المبادئ العامة للعقوبة
05 …المطلب الأول: مفهوم العقوبة
05 …الفرع الأول تعريف العقوبة
05 …الفرع الثاني: تمييز العقوبة عن غيرها من الجزاءات
07 …المطلب الثاني: وظائف العقوبة وتقسيماتها
07 …الفرع الأول: وظائف العقوبة
10 …الفرع الثاني: تقسيم العقوبة
18 …المبحث الثاني: ماهية وقف التنفيذ
18 …المطب الأول: مفهوم وقف التنفيذ
18 …الفرع الأول: تعريف وقف تنفيذ العقوبة
21 …الفرع الثاني: نشأة نظام وقف التنفيذ
25 …المطلب الثاني: الفرق بين نظام وقف التنفيذ و الأنظمة المشابهة له
25 …الفرع الأول: وقف التنفيذ و نظم التفريد القضائي
28 …الفرع الثاني: وقف التنفيذ و نظم التفريد التنفيذي
31 …الفصل الثاني: النظام القانوني لوقف التنفيذ
32 …المبحث الأول: أحكام وقف التنفيذ
32 …المطلب الأول: صور وقف التنفيذ
33 …الفرع الأول: وقف التنفيذ البسيط
35 …الفرع الثاني: وقف التنفيذ الجزئي
36 …الفرع الثالث: الصور الأخرى لوقف التنفيذ
40 …المطلب الثاني: شروط تطبيق وقف التنفيذ
41 …الفرع الأول: الشروط الخاصة بالجاني
42 …الفرع الثاني: الشروط الخاصة بالعقوبة
44 …الفرع الثالث: الشروط الخاصة بالمحكمة
47 …المبحث الثاني: آثار وقف التنفيذ
47 …المطلب الأول: آثار وقف التنفيذ خلال فترة التجربة
47 …الفرع الأول: تعليق تنفيذ العقوبة أثناء فترة التجربة
48 …الفرع الثاني: إلغاء وقف التنفيذ
49 …المطلب الثاني: أثار وقف التنفيذ بعد انتهاء فترة التجربة بنجاح

49 …الفرع الأول: سقوط العقوبة المحكوم بها
50 …الفرع الثاني: النتائج المترتبة على سقوط العقوبة المحكوم بها
51 …الخاتمة
54 …قائمة المراجع
57 …الفهرس

شارك المقالة

1 تعليق

  1. شرح جميل ورائع سلمت يداك اخي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.