بحـث ودراسة مميزة عن تـنـازع الاختصــاص
مقدمة:
إن تنوع الجهات القضائية داخل البلد الواحد من جهة تابعة للقضاء العادي وجهة تابعة للقضاء الإداري تفرض وجود حالات للتنازع بين هذين الجهتين القضائيتين، ومن هنا فإن تنازع الاختصاص يعد نتيجة طبيعية لتعدد جهات القضاء داخل الدولة الواحدة،
فنطرح التساؤل: من هي الجهات المخولة قانون للفصل في حالة تنازع الاختصاص؟
ولمناقشة هذه الإشكالية قسمنا البحث وفق الخطة التالي:
المبحث الأول: تنازع الاختصاص بين جهات القضاء العادي
المطلب الأول: صور تنازع الاختصاص
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص الإيجابي
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص السلبي
المطلب الثاني: تنازع الاختصاص بين جهات القضاء العادي المختلفة
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص بين المحاكم الإبتدائية
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص بين المجالس القضائية
المبحث الثاني: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان مختلفتين والمحكمة المختصة في الفصل
المطلب الأول: تنازع الاختصاص بين جهة القضاء الإداري وجهة قضائية أخرى
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان مختلفتين
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان إداريتين
المطلب الثاني: محكمة التنازع كجهة مختصة بالفصل في النزاع
• الفرع الأول: موجبات وأهداف إنشائها
• الفرع الثاني: إجراءات رفع الدعوى أمام محكمة التنازع
خاتمة
المبحث الأول: تنازع الاختصاص بين جهات القضاء العادي
نستعرض في هذا المبحث الخطوط العريضة لما نصت عليه المادة 398 والمادة 399 و 400 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
فلقد جاءت المادة 398 توضح الحالة التي يكون فيها تنازع الاختصاص بقولها:” يكون ثمة تنازع في الاختصاص بين القضاة، عندما تقضي جهتان قضائيتان أو أكثر في نفس النزاع بالاختصاص أو عدم الاختصاص “.
فنص المادة واضح نستنتج منه صور التنازع التي نناقشها في المطلب الأول
المطلب الأول: صور تنازع الاختصاص
وضحت ذلك نص المادة 398 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية السابقة فستخلص أنه هناك صورتين لتنازع الاختصاص تنازع سلبي وآخر إيجابي
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص الإيجابي
ويتحقق عندما تصرح محكمتين باختصاصها للنظر في النزاع المطروح عليها وتقضي كل واحدة بحكم في الموضوع، ويترتب على ذلك صدور حكمين متناقضين، وإذا كان كذلك فلا يعتد إلا بالحكم الصادر من المحكمة المختصة بعد رفع التنازع للجهة المختصة ويكون الحكم الأخر معدوما وكأنه لم يكن.
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص السلبي
ويتمثل في رفع دعوى بموضوع واحد أمام جهتين مختلفتين فتقضي كلتاهما بعدم اختصاصها بحكم يصبح نهائيا ويترتب على ذلك إقفال باب التقاضي.
وهذا التنازع قد يقع بين جهات القضاء العادي أو بين إحدى جهات القضاء الإداري ومن شان هذا النزاع الحيلولة دون إحقاق الحق والمساس بمصداقية العدالة لذلك عمد المشرع إلى تحديد قواعد لفض هذا النزاع.
المطلب الثاني: تنازع الاختصاص بين جهات القضاء العادي المختلفة
في هذا المطلب نركز على الجهات التي تقبع تحت جهة القضاء العادي سواء أكانت من الدرجة الأولى الممثلة في المحاكم الابتدائية أو بين الدرجة الثانية الممثلة من طرف المجالس القضائية.
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص بين المحاكم الابتدائية
إذا حدث تنازع بين محاكم تابعة لمجلس قضائي واحد فقضت فاختصاصها أو عدم اختصاصها فإنه يعود الفصل في النزاع إلى المجلس القضائي وذلك حسب نص المادة 399 بنصها الصريح:” إذا كانت المحاكم تابعة لنفس المجلس القضائي، تقدم عريضة الفصل في النزاع أمام هذه الجهة التي تحدد الجهة القضائية المختصة، وتحيل الفضية عليها لتفصل فيها طبقا للقانون “.
أما إذا كانت هذه المحاكم تابعة لمجالس قضائية مختلفة فإن الفصل يكون حينئذ من اختصاص المحكمة العليا وذلك طبقا لنص المادة 399 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في فقرتها الثانية التي نصها:” وإذا كانت هذه المحاكم تابعة لمجالس قضائية مختلفة، تقدم العريضة أمام الغرفة المدنية للمحكمة العليا “.
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص بين المجالس القضائية
إذا وقع تنازع بين مجلسين فضائيين أو بين محكمة ومجلس قضائي يكون الفصل في النزاع في الحالتين من اختصاص المحكمة العليا وذلك طبقا لنص المادة 400 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تقول:” إذا قضى مجلسان قضائيان باختصاصهما أو عدم اختصاصهما، أو إذا وقع تنازع بين محكمة ومجلس قضائي، تقدم العريضة أمام الغرفة المدنية للمحكمة العليا.
تعين المحكمة العليا الجهة القضائية المختصة ولا يجوز لهذه الأخيرة التصريح بعدم الاختصاص”.
المبحث الثاني: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان مختلفتين والمحكمة المختصة في الفصل
حسب نص المادة 03 من القانون العضوي رقم 98/03 المتعلق باختصاص محكمة التنازع وتنظيمها وعملها ، نجد أن محكمة التنازع هي المختصة في النظر في منازعات الاختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة لنظام القضاء العادي والجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي الإداري.
المطلب الأول: تنازع الاختصاص بين جهة القضاء الإداري وجهة قضائية أخرى
نتناول في هذا المطلب تنازع الاختصاص بين جهة تابعة للقضاء العادي وبين غرفة إدارية تابعة للمجلس القضائي أو من جهة أخرى بين جهتين قضائيتين تابعتين للقضاء الإداري سواء بين غرفتين إداريتين في مجلسين مختلفين أو بين غرفة إدارية ومجلس الدولة باعتباره الدرجة الثانية في القضاء الإداري.
• الفرع الأول: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان مختلفتين
سننوه هنا إلى أن درجتي التقاضي هو مبدأ مضمون، ففي القضاء العادي والمتكون من محتكم أولى درجة والمسماة المحاكم الابتدائية والمجالس القضائية كجهة استئناف وهي الدرجة الثانية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالقضاء الإداري أصبح حاليا متكونا من محاكم إدارية تمثل درجة التقاضي الأولى (القانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية) على أن تكون أحكام هذه المحاكم قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة (القانون 98-01 المتعلق باختصاص مجلس الدولة وتنظيمه).
فالغرف الإدارية هي مشكلة وجوبا بالمجالس القضائية، ولكن لا يعني أنها تابعة للقضاء العادي بل للقضاء الإداري في انتظار إنشاء محاكم إدارية.
فنستنتج أننا أمام جهتين قضائيتين مختلفتين في حالة تنازع للاختصاص بين هذه الجهات القضائية السابقة الذكر وزيادة على ذلك هم من نفس الدرجة، أي محكمة إدارية عادية (أن صح التعبير غرفة إدارية) ومحكمة ابتدائية عادية ويحدث التنازع بالطبع إذا قضت كل محكمة باختصاصها أو عدم اختصاصها بالنزاع المعروض عليها سواءً أكان التنازع إيجابيًا أو تنازعًا سلبيًا.
وأنه في ظل وحدة القضاء كان سائدا قبل إنشاء مجلس الدولة فإن اختصاص الفصل في التنازع لما يكون بين جهتين قضائيتين مختلفتين كان من صلاحية المحكمة العليا، ولكن بظهور القضاء المزدوج وإنشاء مجلس الدولة فإن التنازع أصبح من اختصاص محكمة التنازع للفصل فيه التي أنشأت بمقتضى القانون رقم 98-03، وهذا ما جاء في نص المادة 03 من القانون العضوي 98-03 بنصها:” تختص محكمة التنازع في الفصل في منازعات الاختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي العادي والجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي الإداري حسب الشروط المحددة في هذا القانون.
لا يمكن محكمة التنازع التدخل في منازعات الاختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة لنفس النظام”.
ويفهم من نص الفقرة الثانية أنه يخرج عن اختصاص محكمة التنازع الفصل في تنازع الاختصاص لما يكون التنازع بين جهتين قضائيتين خاضعتين لنفس النظام أي سواء أكانت جهتين خاضعتين لنظام القضاء العادي أو جهتين خاضعتين لجهتي القضاء الإداري.
وقد راعى المشرع في تشكيلها مسألة التوازن بين جهتي القضاء العادي والإداري وهذا ما سيتم مناقشته والتوسع فيه في المطلب الثاني.
• الفرع الثاني: تنازع الاختصاص بين جهتين قضائيتان إداريتين
تنص المادة 808 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على:” يؤول الفصل في تنازع الاختصاص بين محكمتين إداريتين إلى مجلس الدولة…”
نستنتج من نص المادة وكما قلنا سابقا أن الجهة القضائية التي تعلوا الجهات التي ثار بشأنها التنازع هي المختصة في النظر والفصل في قضية تنازع الاختصاص بينها فهنا وبما أشارت إليه نص المادة فالجهة التي تعلوا المحكمة الإدارية هو مجلس الدولة باعتباره الدرجة الثانية والأخيرة فهنا يؤول إليه الفصل في تنازع الاختصاص.
أما المشكل هو في حالة ما إذا كان هناك تنازع بين محكمة إدارية ومجلس الدولة فالحل جاءت به الفقرة الثانية من نص المادة 808 السابقة بنص فقرتها :”…يؤول الفصل في تنازع الاختصاص بين محكمة إدارية ومجلس الدولة، إلى اختصاص هذا الأخير بكل غرفه مجتمعة “.
بمعنى أن الفصل في تنازع الاختصاص في هذه الحالة يؤول دائما إلى مجلس الدولة ولكن فقط بغرف المجلس مجتمعة.
المطلب الثاني: محكمة التنازع كجهة مختصة بالفصل في النزاع
• الفرع الأول: موجبات وأهداف إنشائها
بوجود جهتين قضائيتين جهة تابعة للقضاء العادي وجهة تابعة للقضاء الإداري أدى ذلك إلى وقوع حالات للتنازع بين هذين الجهتين القضائيتين، ومن هنا فإن تنازع الاختصاص يعد نتيجة طبيعية لتعدد جهات القضاء، إذ قد تتنكر كل جهة بولايتها بخصوص مسألة معينة أو تتمسك بولايتها بالنظر فيها، ففي الحالة الأولى نكون أمام منازعة بغير قاضي يتولى النظر فيها فكان لابدّ من إيجاد طريق محدد لحسم مثل هذا النزاع لتجنب مثل هذه النتائج والإشكالات القانونية التي قد تطرح.
فكان الهدف من إنشاء محكمة التنازع هو تجنب الوصول إلى أحكام نهائية متناقضة ويصعب تنفيذها صادرة عن أجهزة قضائية مختلفة ومستقلة عن بعضها (حالة التنازع الإيجابي وتجنب حالة إنكار العدالة على المتقاضي بالنسبة للتنازع السلبي).
وبإنشاء محكمة التنازع مستقلة تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص الذي قد يثور بين القضاء العادي والقضاء الإداري، يكون المشرع قد تفادى الوقوع في الكثير من الإشكالات القانونية.
وقد أنشأت محكمة التنازع كما بينا من قبل بموجب القانون العضوي 98-03 المؤرخ في 03 يونيو 1998 والمتبوع هنا في آخر البحث كملحق.
• الفرع الثاني: إجراءات رفع الدعوى أمام محكمة التنازع
جاء نص المادة 15 من القانون العضوي 90-03 المتضمن اختصاص محكمة التنازع وتنظيمها وعملها جاء فيه:” لا ترفع أمام محكمة التنازع إلا المواضيع المتعلقة بتنازع الاختصاص”.
وجاء في نص المادة 29 من القانون العضوي 90-03 :” يجب أن تفصل محكمة التنازع في الدعاوى المرفوعة أمامها في أجل أقصاه ستة (6) أشهر ابتداء من تاريخ تسجيلها”.
وتتمة لنص المادة 29 يكون ذلك ببيان الجهة المختصة بالفصل في الدعوى في حالة التنازع السلبي، أو بتحديد أي من القرارين النهائيين المتناقضين يقبل التنفيذ في حالة التنازع الإيجابي المقترن بتناقض القرارين.
كما تعقد محكمة التنازع جلساتها مدعوة من رئيسها (المادة 25 من القانون العضوي 90-03) والذي يشرف على ضبط الجلسة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية (المادة 27 من القانون العضوي 98-03).
وفي الجلسة العلنية يتلى التقرير، ويمكن للأطراف أو محاميهم تقديم ملاحظاتهم الشفوية مباشرة بعد ذلك، ثم تسمع مذكرة محافظ الدولة (المادة 26 من القانون العضوي).
تصدر محكمة التنازع قراراتها بأغلبية الأصوات وفي حالة تساوي الأصوات يرجح صوت الرئيس (المادة 28 من القانون العضوي 90-03) وتكون مسببة.
وتصدر باسم الشعب الجزائري، ويجب أن تشمل أسماء الأطراف والمستندات الرئيسية المؤشر عليها والنصوص المطبقة، وعند الاقتضاء طلبات الأطراف وأسماء القضاة المشاركين في أخذ القرار وكذا اسم محافظ الدولة.
كما أن قرارات محكمة التنازع غير قابلة لأي طعن وهي ملزمة لقضاة النظام القضائي العادي أو الإداري.
قائمة المراجع:
I. الكتب الفقهية:
1- أ.بوبشير محند أمقران، قانون الإجراءات المدنية، الجزء الأول نظرية الاختصاص، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر 2002.
2- د. سليمان بارش، شرح قانون الإجراءات المدنية، الجزء الأول الخصومة القضائية أمام المحكمة، دار الهدى للطباعة والتوزيع، الجزائر 2006.
3- د. عمار بوضياف، النظام القضائي الجزائري بين سنة 1962 /2002، دار الريحانة للكتاب، الجزائر 2003.
II. محاضرات:
1- محاضرات الأستاذ عثماني حسين، قانون المرافعات السداسي الأول، المركز الجامعي البويرة، الجزائر السنة الجامعية 2005/2006.
III. النصوص القانونية:
1- القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق لـ 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الجريدة الرسمية العدد 21 الصادرة بتاريخ 23 أبريل سنة 2008.
2- القانون العضوي رقم 98–03 المؤرخ في 8 صفر عام 1419 الموافق 3 يونيو سنة 1998، يتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها.
خاتمة:
بدخول القضاء الجزائري إلى آفاق الازدواجية القضائية نجح إلى حد بعيد في إرساء القواعد والأسس الداعمة لهذا النظام الجديد على الجزائر القديم في نشأته عالميا.
فبإنشائه لمحكمة التنازع زادت الأمور توضّحا قضائيا فبهذه الخطوة أزيلت العقبات التي قد يصطدم بها نظام الازدواجية القضائية ولكن باكتمال التجسيد في أرض الواقع لهذه الهيكلة الجديدة والتنظيم الفريد من نوعه يتم الاكتمال الحقيقي لغايات وتحقيق الأهداف.
اترك تعليقاً