بحث قانوني و دراسة حول عقد الايجار في التشريع الجزائري
أ/ احمد أبو زنط
عقد الإيجار.
عرف المشرع الجزائري عقد الإيجار في م.467 المعدلة بقانون 07-05 بتاريخ 13/05/2007 على أنه: “عقد يُمكّن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم.” ويكون الثمن في الأصل مالا، إلا أنه يجوز أن يكون هذا البدل تقديم عمل.
ويستفاد من هذا التعريف أن عناصر الإيجار هي التمكين من الانتفاع والأجرة والمدة. و يلاحظ أن هذا التعريف من التجديدات التي جاء بها المشرع في القانون 07-05 بحيث تم تعديل المادة القديمة التي كانت تنص على أنه: “ينعقد الإيجار بمقتضى عقد بين المؤجر والمستأجر.”
حيث كانت هذه المادة تهتم بانعقاد عقد الإيجار إضافة إلى أنها جمعت بين التعريف وحق البقاء للزوجة المطلقة الحاضنة. ويلاحظ أيضا أن هذه المادة المعدلة ما كان ينصب موضوعها على السكنات أو الأماكن المعدة للسكن. بحيث أن عقد الإيجار ينصب على عدة مواضيع أو محلات مثلا السكنات والأراضي الفلاحية والمحلات المخصصة للمهن.
ونجد أن المادة الجديدة جعلت من الالتزام بالتمكين من الانتفاع شرطا أساسيا بحيث يعتبر التزام ايجابي ومن باب الأولى. فيجب على المؤجر تسليم العين المؤجرة لتمكين المستأجر من الانتفاع بها.
· خصائص عقد الإيجار.
1. عقد الإيجار هو عقد رضائي.
لا ينعقد في شكل خاص كأصل عام، ما لم يوجد نص خاص يقيد هذا المبدأ، وقد نجد بعض الاستثناءات التي تلزم إبرام عقد الإيجار كتابة. مثلا م.507 مكرر 1 من قانون 07-05 التي تخضع الإيجارات ذات الاستعمال السكني المبرمة من قبل المؤسسات العمومية المختصة إلى الأحكام الخاصة بها. مما نستنتج أن قوانينها الأساسية تشترط كتابة عقد الإيجار. مثلا عقود الإيجار الصادرة عن ديوان شركة التسيير العقاري. وكذلك بالنسبة لإيجارات الأراضي الفلاحية الخاصة بالمستثمرة الفلاحية، فهي تخضع إلى مبدأ الكتابة عادة الأولى.
ولا ننسى في هذا الصدد المرسوم التشريعي رقم 93-01 المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري المعدل والمتمم بقانون 07-05 حيث أن المادة 21 منه تشترط وجوبا العلاقة ما بين المستأجر والمؤجر في عقد الإيجار طبقا للنموذج الكتابي الذي حدده المرسوم التنفيذي رقم 74-69 بتاريخ 19/04/1974 المتضمن المصادقة على نموذج عقد الإيجار المتعلق بالنشاط العقاري . كذلك يجب الإشارة إلى أن نظرية عقد الإيجار في القانون المدني لا تنطبق على الإيجارات التجارية كأصل عام، باعتبار أن الإيجارات التجارية يجب أن تكون مكتوبة تحت طائلة البطلان ابتدءا من سنة 2005.
2. عقد الإيجار من عقود المعاوضة: حيث يأخذ كل من المؤجر والمستأجر مقابلا لما يعطيه.
3. عقد الإيجار من العقود الملزمة لجانبين: فالمؤجر يلتزم من تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة والمستأجر يلتزم بدفع الأجرة.
4. عقد الإيجار عقد من عقود المدة:فالزمن عنصر جوهري فيه، لأن الانتفاع يبرر بمرور الوقت، وهو يختلف عن العقود الفورية التي لا يلعب فيها الزمن دورا جوهريا، لأن الأجرة تحسب على أساس مدة الانتفاع.
5. عقد الإيجار من العقود الواردة على الانتفاع بالشيء:وهو يشبه عقد العارية ويختلف عن عقد البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض، إذ هي عقود واردة على الملكية.
6. عقد الإيجار يقتصر على إنشاء التزامات شخصية:فهو لا ينشأ حقا عينيا للمستأجر على العين المؤجرة، ويترتب على ذلك اعتبار الإيجار من أعمال الإدارة كقاعدة عامة وليس من أعمال التصرف.
· تمييز عقد الإيجار عن غيره من العقود الأخرى.
و المقصود بذلك هو تكييف العقد المعروض بإعطائه الوصف الصحيح في القانون لأن التكييف لا يتوقف على ما يذكره المتعاقدان في هذا الشأن، بل على ما يعطيه القانون باتفاقهما من وصف باعتبار ذلك مسألة قانونية. و التكييف مسألة أولية يعتمد عليها القضاء ويجب ضبطها قبل معرفة أثر العقد.
· الإيجار والبيع.
الإيجار قد يلتبس بالبيع بحيث قد يتشابها وخاصة في بعض أنواع العقود وعندما يتعلق الأمر ببيع المنفعة وهي الثمار المستقبلية، فقد تدق الصعوبة في التكييف بين اعتبار العقد بيعا للثمار أو إيجارا للأرض. وإذا حاولنا أن نرجع إلى ما إذا كان العقد إيجار أو بيع فيجب التمييز بين المحصول والثمار. فالمحصولات هي التي ستخرج وستؤدي إلى انتقاص من أصل الشيء، كاقتطاع أشجار من الأرض أو اقتطاع أحجار من المحاجر. والعقد الوارد على هذه المحصولات يعتبر بيعا وليس إيجارا للأرض سواء كان المقابل فيه مبلغا معينا أو محسوبا على أساس الثمن.
وأما الثمار وهي التي تنتجها الأرض بصفة دورية مستمرة دون أن تنقص من أصلها كالثمار الزراعية فان هذا الأمر يثير الصعوبة في اعتبار العقد بيعا للثمار أو إيجارا للأرض. فحكم القضاء الفرنسي بأنه يعد عقد بيع ثمار الأشجار ولو سماه المتعاقدان إيجارا طالما ن المالك احتفظ لنفسه بالحق في استعمال الأرض محل العقد. وكذلك إذا كان عن زراعة الأرض على المالك كان العقد بيعا وأما إذا كان على الطرف الآخر كان عقد إيجار
· عقد الإيجار والبيع الإيجاري.
عقود البيع الإيجاري هي عقود ترد على منقولات أو عقارات ومفادها أنها عقود إيجار وأن المقابل الذي يدفع بالتقسيط هو الأجرة، ولكن يوجد شرط يقرر أنه في نهاية الإيجار ودفع جميع الأقساط فان المستأجر يحتفظ بالشيء وعلى سبيل الملكية ويعتبر هذا الشرط وعد بالبيع.
يرى الفقهاء أن هذه العقود هي في الحقيقة عقود بيع. إلا أن مصلحة البائع يوصفها بأنها إيجار لضمان حصوله على الثمن وقد أثارت هذه العقود مشكلة في تكييفها وقد اعتبرها البعض إيجارا متضمنا وعدا بالبيع. واعتبرها البعض الآخر إيجارا معلقا على شرط فاسخ وبيعا معلقا على شرط واقف والشرط في الحالتين هو دفع كل الأقساط.
· عقد الإيجار وعقد الاعتماد الإيجاري (الإيجار التمويلي).
يعد الاعتماد الإيجاري صورة من صور التكوين العيني التي تمكن المشرع أو المؤسسة الاقتصادية من الحصول على الأصول الرأسمالية المنقولة وغير المنقولة إذ بدلا من شراء المشروع بشراء المعدات اللازمة لتشغيله يلجأ إلى أحرى الشركات المتخصصة المعتمدة قانونا بشرط أن تكون شركة مساهمة أي شركة أموال ويستوي أن تكون شخص معنوي خاص أو عام في مزاولة نشاط التأجير التمويلي ليبرم معها عقد تلتزم بشراء المعدات التي يحددها المشروع وذلك من اجل تأجيرها له للمدة المتفق عليها مقابل أجرة يلتزم المشروع بدفعها إضافة إلى نسبة من الأرباح الصافية خلال مدة استعمال هذه المعدات ويمنح المستأجر حق امتياز في نهاية مدة الإيجار من شراء المال محل العقد بثمن مخفض يخصم منه المبالغ التي دفعها المستأجر خلال مدة الإيجار.
وتسري على العلاقة ما بين الشركة الممولة والمشروع أحكام عقد الإيجار بما لا يتعارض مع الطبيعة الخاصة بعقد الاعتماد الإيجاري حيث صدر هذا النظام في الجزائر في 1996.
· التمييز بين حق المستأجر وحق المنتفع.
يتشابه الإيجار مع الانتفاع في أن كل منهما يرد على الانتفاع بشيء مملوك للغير ولمدة محددة إلا أن هناك فرق بينهما يبرز في كون أن حق المستأجر هو حق شخصي من قِبل المؤجر وليس حق عيني على العين المؤجرة على خلاف حق الانتفاع الذي يعطي حقا عينيا لصاحبه باعتباره تجزئة لملكية الشيء الوارد عليه.
إن حق الانتفاع ينتهي حتما بوفاة المنتفع، أما حق المستأجر كأصل عام ينتقل إلى ورثته ما لم يكن هناك نص أو اتفاق يجعل من حق الإيجار على اعتبار شخصي للمستأجر نفسه. (في ظل تعديل 2007 تم إلغاء المادة التي كانت تجيز حق بقاء الورثة بعد وفاة المستأجر وهو المورِث). بحيث أضاف المشرع مادة تمنع انتقال الإيجار إلى الورثة (م.369 مكرر2). إن حق الانتفاع يكون مصدره أي سبب من أسباب كسب الملكية ما عدا الميراث، وأما الإيجار فليس له مصدر سوى العقد وكذلك الانتفاع يكون بمقابل أو بدون مقابل، أما الإيجار فهو دائما بمقابل.
· عقد الإيجار وعقد العارية.
الأصل أن يرد كل من العقدين على الانتفاع بشيء و مع ذلك فالفارق الأساسي بينهما أن الإيجار انتفاع بمقابل وأما العارية فهي الانتفاع بدون مقابل أو بدون عوض. و يعرف المشرع الجزائري عقد العارية على أنه: “عقد يلتزم بمقتضاه المعير أن يسلم المستعير شيئا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال.” (م.538 ق.م.).
ومع ذلك قد تثور الصعوبة عندما يكون عقد عارية بدون مقابل بشكل أجرة مستترة، كأن يقوم شخص بإيجار مسكن تحت غطاء إعارة. فهل هذا العقد عقد عارية أم عقد إيجار؟
إذا رجعنا إلى القانون الجزائري في فصل الإيجار، نجد أن إثبات عقد الإيجار يكون بحد أدنى بوصولات الأجرة التي يسلمها المؤجر إلى المستأجر (قبل التعديل) و إلا اعتبرت عارية مع وجوب إثبات ذلك من قبل المعير في حالة شغل المستعير المسكن، حتى لا يتمسك بحق البقاء قبل التعديل أما في التعديل وطبقا للمادة 467 مكرر فان إثبات عقد الإيجار يكون كتابة تحت طائلة البطلان.
· عقد الإيجار و عقد الوديعة.
عقد الوديعة هو عقد يلتزم بمقتضاه شخص أن يتسلم شيئا منقولا من شخص آخر على أن يتولى حفظ هذا لاشيء لمدة معينة وعلى أن يرده عينا (م.590 ق.م.). وقد يلتبس عقد الإيجار بعقد الوديعة بعدة تطبيقات، فمثلا لو افترضنا أن شخص قام بوضع سيارته في مرآب ، فهل هو عقد وديعة أم إيجار؟
يرى الفقه أن الأمر يتوقف على مدى التزام صاحب المرآب بالحفظ، فان كان يتعهد بحفظ السيارة كان عقد وديعة، وأما إذا كان يتعهد بوضع السيارة في المرآب دون أن يتحمل بجانبه مسؤولية المحافظة عليها، كان عقد إيجار.
v أركان عقد الإيجار.
يتحقق التراضي في عقد الإيجار كما هو الحال في سائر العقود الرضائية وذلك بارتباط الإيجاب بالقبول وتطابقه، ويشترط أن يحصل التراضي على العناصر الجوهرية في عقد الإيجار، وهي: طبيعة العقد، طبيعة العين المؤجرة، والأجرة وكذلك مدة الانتفاع. ولا ننسى أن التعبير الإرادي يتم كتابة.
1. الأهلية في الإيجار والاستئجار.
يخضع الإيجار للقواعد العامة في الأهلية إذ يشترط في انعقاده واكتماله أهلية طرفي العقد وذلك بإتمام 19 سنة كاملة في القانون الجزائري. فإذا كان أحد الطرفين عديم التمييز أي أقل من 13 سنة أو من في حكمه كالمعتوه والمجنون كان العقد باطلا بطلانا مطلق. وأما إذا كان أحد الطرفين مميزا وهو من أكمل 13 سنة كاملة أو من كان في حكمه كالسفيه وذا الغفلة فان العقد يكون موقوفا على إيجازة الولي أو الوصي في الحدود التي يجوز فيها لهما التصرف أو إجازة القاصر بعد اكتمال أهليته وذلك لأن الإيجار بين التصرفات الدائرة بين النفع والضرر. ولكن هل يجوز للولي أو الوصي إيجار شيء مملوك لعديم الأهلية أو ناقصها أو للمحجور عليه؟
يجب أن نشير إلى أنه إذا كانت أعماله من أعمال الإدارة وهذا هو الوضع العام، فيجوز له ذلك بشرط أن لا تتجاوز مدة الإيجار 3 سنوات (م.468 ق.م.) إلا أن هذه القاعدة يمكن أن لا تطبق وبالتالي يجوز تجاوز المدة إذا كان النص القانوني ينص على خلاف ذلك.
· الأشخاص الذين يحق لهم الإيجار.
إن نفاذ عقد الإيجار يستلزم أن يكون المؤجر مالكا حق التصرف فيما يؤجره طبقا لعناصر الملكية ويجوز للمستأجر بعد الحصول على الإذن الكتابي أن يؤجر العين المؤجرة باطنيا، وهذا ما أكدته المادة 505 ق.م. وكذلك من الأشخاص الذين لديهم أعمال أو سلطة أعمال الإدارة يجوز لهم إيجار الأشياء لمدة لا تتجاوز 3 سنوات مثل الوكيل بوكالة بلفظ عام وليست خاصة وكذلك يجوز للدائن المرتهن رهن حيازي أن يؤجر الشيء المرهون وذلك بإذن من المدين الراهن وما تحصل عليه من ثمار بحسب من أصل الدين والنفقات المحافظة على الشيء المرهون. وكذلك في الحراسة القضائية وعندما تختاره المحكمة للمحافظة على مال موضوع النزاع وإدارته، يجوز لهذا الحارس بإذن من المحكمة إبرام عقد الإيجار حيث لا يجوز أن يكون الإيجار أكثر من 3 سنوات كأصل عام.
وأخيرا فانه أيضا للوكيل التصرف القضائي أو وكيل التفليسة له حق في إدارة أموال التاجر المفلس ويجوز له إبرام عقد إيجار لمدة لا تتجاوز 3 سنوات، وذلك بإذن من القاضي التجاري المنتدب باعتبار أن وكيل التفليسة نائبا عن المدين المفلس وعن جماعة الدائنين.
2. المحل.
يقصد به في عقد الإيجار العملية القانونية المراد تحقيقها منه، وتتجسد هذه العملية في تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل بدل الإيجار أو الأجرة، إذ يقوم على عنصرين هما: المنفعة والأجرة. ويضاف لهما عنصر ثالث والمتمثل في الشرط الزمني للانتفاع أو المدة التي يقاس بها مقدار المنفعة والأجرة باعتبار أن عقد الإيجار من عقود المدة.
أ. المنفعة.
موضوع عقد الإيجار هو المنفعة حيث يتحقق تسليمها بتسليم محلها لأن محل عقد الإيجار هو الحق الوارد على العين المؤجرة وليس على ذات العين. ويجوز أن يرد الإيجار على الحقوق المعنوية ما دامت قابلة للانتفاع بها، وأن هذا الحق قابل للتنازل عنه وعليه، ولا مانع من ورود الإيجار على الحقوق الفكرية والصناعية والتجارية كحق المؤلف وحق المخترع وحق العلامة التجارية والحقوق المجاورة كحق المؤلف ويستفاد هذا الحكم من نص م.467 المعدلة من القانون المدني التي تنص صراحة على أن موضوع الإيجار هو الانتفاع بشيء.
· شروط المنفعة.
يشترط في المحل وفقا للقواعد العامة أن يكون موجودا أو قابلا للوجود أو يكون معينا أو قابلا للتعيين وأن يكون قابلا للتعامل فيه.
ü يجب أن تكون المنفعة ممكنة .
بالرجوع إلى نص م.467 ق.م. المعدلة التي تقضي أن الإيجار عقد يمكّن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع وكذلك يشترط لانعقاد الإيجار وصحته أن تكون المنفعة وقت إبرام العقد ممكنة وعليه إذا هلك الشيء محل المنفعة بعد العقد ولكن قبل التسليم فان العقد صحيح ولكن ينفسخ بتعذر شرط المنفعة. وكذلك ينطبق نفس الحكم إذا حصل الهلاك أثناء انتفاع المستأجر بالشيء أي خلال مدة الإيجار (م.461 ق.م.). غير أنه يجوز أن يرد الإيجار على منفعة ممكنة في المستقبل كما لو قام شخص بإيجار منزل قبل بناءه على أن يبدأ سريان العقد ابتداء من إتمام البناء.
ü يجب أن تكون المنفعة معلومة علما كافيا .
ويعد هذا الشرط تطبيقا للقواعد العامة المتعلقة بشرط تعيين المحل، بحيث يجب أن توصف العين المؤجرة وصفا كافيا وبالنسبة للإيجارات المتعلقة بالأماكن استوجب المشرع الجزائري أن يتم معاينة الأماكن وجاهيا (وجها لوجه) بموجب محضر أو بيان وصفي يلحق بعقد الإيجار (م.476/2 ق.م.) إلا أن هذه الفكرة لا تتعلق بالنظام العام حيث أنه إذا تخلف محضر المعاينة أو بيان وصفي، ويتم تسليم العين المؤجرة للمستأجر يفترض أنه تسلمها بعلمه بها ما لم يثبت حكم ذلك (الفقرة الأخيرة من المادة 476 المعدلة في 2007).
ü يجب أن ترد المنفعة على شيء استعمالي.
بمعنى أن الأشياء الاستهلاكية لا تصلح أن تكون محل عقد الإيجار كالمواد الغذائية أو المواد الأولية وبالتالي يجب أن يكون المحل صالحا للاستعمال من عقارات ومنقولات. ولقد أكد المشرع الجزائري في م.476/1 المعدلة تقضي أن المؤجر يلتزم بتسليم العين المؤجرة للمستأجر في حالة تصلح للاستعمال المعد لها.
ü يجب أن ترد المنفعة على شيء جائز التعامل به.
بمفهوم المخالفة لا يجوز أن تكون المنفعة التي تخرج عن دائرة التعامل سواء بطبيعتها كالأشياء المشاعة بين الناس كالهواء والشمس، وكذلك الأموال المسروقة وكذلك الأموال العامة للدولة التي لا يجوز التعامل بها مثل الطرقات والجسور.
3. عنصر الأجرة أو بدل الإيجار.
الأجرة أو بدل الإيجار هو المبلغ المالي الذي يلتزم المستأجر بدفعه في مقابل حصوله على المنفعة. وتقضي م.467/1 ق.م. أن بدل الإيجار قد يكون نقدا أو بتقديم أي عمل آخر، كأن يؤجر شخص أرض مقابل بدل الإيجار في نسبة معينة من المحصول ويجب أن تكون الأجرة حقيقة وجدية بحيث لا تكون مقدارا تافها يقترب من العدم. ويشترط أن تكون الأجرة معلومة وهذا ما قضت به م.467/2 وبمعنى أن تكون الأجرة متفق عليها بين الطرفين ومعلومة في العقد، فإذا كانت من النقود يكفي في تعيينها ذكر النوع المقدار وإذا كان بدل الإيجار تقديم عمل يجب تقويمه وتقديره في العقد.
4. المدة.
تعد المدة من العناصر الجوهرية في عقد الإيجار لأنه من العقود الزمنية التي تتخذ فيه التزامات وحقوق الطرفين تبعا لمدة العقد، ولهذا فقد نصت م.467 المعدلة أنه يجب أن تحدد مدة الإيجار أي يجب أن تكون مدة معلومة وبالتالي استبعد المشرع العقود غير المحددة والعقود الأبدية إذ على أساس هذه المدة يتعين مقدار المنفعة التي يستحقها المستأجر ومقدار الأجرة التي يستحقها المؤجر لم يحددها المشرع الجزائري في التعديل الجديد الحد الأقصى للمدة إلا أنه يستفاد من نص المادة أنه لا يجوز أن يبرم عقد الإيجار لمدة حياة المستأجر وإذا كان الشيء المأجور ملك لقاصر، فلا يجوز أن تزيد مدة الإيجار على 3 سنوات إذا قام بالإيجار وليه أو وصيه.
أما بخصوص بدأ مدة الإيجار فإنها تسري من التاريخ المتفق عليه في العقد، فإذا لم يحدد فمن تاريخ إبرام العقد. وكذلك يجوز اشتراط بدأ الإيجار مستقبلا. وللعلم أن القانون الجديد قد ألغى نظام التجديد الضمني لعقد الإيجار الذي كان يجيز أنه عند انتهاء المدة ولم يقم المؤجر بإجراء التنبيه بالإخلاء ضمن المدة القانونية، فان العقد يتجدد ضمنيا ولمدة غير محدودة وأقر المشرع الجزائري حكما جديدا سهلا من الناحية القانونية حيث بمجرد انتهاء مدة الإيجار ينتهي عقد الإيجار دون الحاجة إلى إجراء التنبيه بالإخلاء. (م.469/1 مكرر 1 ق.م.).
غير أنه يجوز للمستأجر إنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء المدة لأسباب جدية ومؤكدة كارتفاع تكاليف الإيجار أو لظروف تتعلق بانتقاله إلى مكان آخر. ففي هذه الحالة يجب على المستأجر أن يخطر المؤجر بمحرر غير قضائي يتضمن إشعار بإنهاء عقد الإيجار مدة شهرين قبل انتهاء عقد الإيجار.
وقد يحدث أن يتوفى المستأجر قبل انتهاء مدة الإيجار، ففي هذه الحالة لا ينتهي عقد الإيجار بل يستمر العقد إلى حين انتهاء المدة المتفق عليها، ومع ذلك يجوز للخلف العام الذين كانوا يعيشون مع سلفهم مدة 6 أشهر إنهاء العقد إذا أصبح مثقلا عليهم من حيث التكاليف.
إلا أن هذه القاعدة ليست من النظام العام حيث يجوز للمؤجر أن يتفق مع المستأجر أثناء انعقاد العقد أنه في حالة وفاته ينتهي العقد ولو قبل انتهاء المدة (م.469/2 مكرر ق.م.) ويجب ممارسة حق انتهاء الإيجار خلال 6 أشهر من يوم وفاة المستأجر. (الفقرة الأخيرة من م.469 مكرر ق.م.).
· الكتابة.
إذا كان عقد الإيجار في القانون القديم لم تشترط الكتابة لإبرامه حيث جعلها أمر نسبي فقد تكون مشروطة ببعض القوانين الخاصة بالإيجارات السكنية مثلا ديوان الترقية والتسيير العقاري وكذلك إيجار الأراضي الفلاحية وكذلك الإيجارات المتعلقة بالنشاط العقاري، ولكن هذا لا يمنع أن يكون عقد الإيجار كتابة من أجل إثباته.
وبالرجوع إلى نص م.467 مكرر في ظل تعديل 2007 فانه يشترط الكتابة في عقد الإيجار تحت طائلة البطلان، وعليه فان كتابة عقد الإيجار تعتبر شرط لانعقاده صحيحا، إضافة إلى الشروط التي ذكرناها سابقا.
غير أن المشرع لم يبين طبيعة الكتابة إذا كانت رسمية أو غيرها، وعليه يجب الرجوع للقواعد العامة التي تبين أحكام الكتابة لإثبات الالتزام وليس لانعقاده، ويستخلص أن الكتابة تكون رسمية كقاعدة عامة، ومفادها أن العقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بالخدمة العامة في حدود سلطاته (م.324 ق.م.) ويجب أن توقع العقود الرسمية من قبل الأطراف والشهود عند الانقضاء ويؤشر الضابط العمومي (الموثق) على ذلك في آخر العقد (م.324/2 مكرر ق.م.). ويعتبر العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره.
وقد نتساءل هل يجوز إبرام عقد إيجار عرفيا ؟
بالرجوع إلى نص م. 467 مكرر لم تبين طبيعة الكتابة ولما كان في قواعد الإثبات الكتابة في القواعد العامة تقتضي بحجية العقد ضد الغير، إذا كان تاريخه ثابت، وثبوت التاريخ يكون إما يوم تسجيله أو من يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام أو من يوم التأشير عليه من طرف ضابط عام مختص.
إن الكتابة العرفية يعتد بها في مواجهة الغير (م.328 ق.م.) أو مواجهة الكتابة فيما بين المتعاقدين يشترط ألا ينكر أحدهم ما هو منسوب إليه. ويستخلص أن الكتابة تكون في الأصل رسمية ويجوز قبول الكتابة العرفية بشرط عدم مخالفتها للقواعد العامة.
وأخيرا فإثبات عقد الإيجار بالوصولات والقرائن التي كانت المحاكم تعتمد عليها في الإيجارات الشفهية أصبحت لا يعتد بها في طل القانون الجديد، لأن الوصولات سيقتصر دورها في إثبات المخالصة في بدل الإيجار، وللإشارة أن شرط الكتابة في عقود الإيجار لا يسري إلا بالنسبة للتصرفات التي انعقدت بعد صدور القانون الجديد.
· شروط نفاذ العقد في حق الغير.
قد يحصل تزاحم بين الحقين حق المستأجر وحق المتصرف إليه، فمثلا لو قام شخص بتأجير ملكه ثم قام ببيعه لآخر أو وهبة أو قايض عليه أو رتب عليه رهنا حيازيا، فهل يسري عقد الإيجار في حق هذا الشخص سواء كان المشتري أو الموهوب له أو طرف المقايضة أو الدائن المرتهن والاحتجاج عليه.
لقد أجابت المادة 469 مكرر 3 ق.م. على هذا التساؤل: بحيث تقضي أنه إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة إراديا أو جبرا (البيع بالمزاد العلني – البيع رضائي) يكون الإيجار نافذا في حق من انتقلت إليه الملكية، وعليه نستنتج أن صاحب الحق الأسبق (المستأجر) بتاريخ نشوءه هو الذي يتقدم على صاحب الحق الموالي (المتصرف إليه)، وبالتالي يسري عقد الإيجار في حق هذا الغير بمعنى أن المتصرف إليه لا يستطيع مثلا إيجار مسكن أي يطلب المستأجر إخلاءه إلى حين انتهاء مدة الإيجار وبالمقابل يتحصل المتصرف إليه على بدل الإيجار أي أن المتصرف إليه يحل محل المؤجر.
وبما أن عقد الإيجار أصبح من العقود الشكلية في القانون الجزائري بمعنى أن المشرع ألزم إفراغه كتابة فإذا كانت الكتابة رسمية وخاصة التوثيقية لا يطرح أي إشكال لأن العقود الرسمية تكون ثابتو التاريخ لأنها صادرة من الضابط العمومي.
ولكن إذا كان العقد عرفيا فانه لا يكون للسند حجية على الغير من تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت وسابق على ثبوت حق الغير وذلك من منع حصول تواطؤ ضد الغير من خلال تقديم تاريخ الإيجار لجعله سابقا على تاريخ نشوء حق الغير.
· الأثر القانوني لنفاذ عقد الإيجار من عدمه.
من أهم أثر انتقال حقوق المؤجر والتزاماته إلى المالك الجديد هو أن المستأجر يلتزم بدفع الأجرة له (المتصرف إليه)، وليس للمالك السابق. وقد قضت م.469 مكرر 4 أنه لا يجوز للمستأجر أن يحتج على من انتقلت إليه الملكية، بما دفعه مقدما أو معجلا من بدل الإيجار إذا أثبت هذا الأخير (المتصرف إليه) على المالك الجديد أن المستأجر كان يعلم وقت الدفع (دفع بدل الإيجار) بانتقال الملكية أو كان من المفروض حتما أن يعلم ذلك، بمعنى أن المستأجر لا يجوز له الاحتجاج بما دفع مسبقا إذا كان يعلم بانتقال الملكية، وبالتالي فهو ملزم بدفع بدل الإيجار إلى المتصرف إليه (المالك الجديد) وفي حالة عدم إثبات ذلك فلا يكون لمن انتقلت إليه الملكية إلا بالرجوع على المؤجر السابق بدعوى الإثراء بلا سبب. ويتضح من هذا أن المشرع افترض عدم علم المستأجر بانتقال الملكية إلى الغير وألزم من انتقلت إليه الملكية أن يثبت علم المستأجر بذلك والعلم واقعة مادية يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات بما في ذلك القرائن.
وإذا عجز المالك الجديد عن إثبات علم المستأجر بانتقال الملكية فان وفاء هذا الأخير للمالك السابق يكون مبرئا لذمته. وأما الأثر القانوني في حالة عدم نفاذ عقد الإيجار في حق الغير وفي حق المتصرف إليه إخراج المستأجر من المؤجرة مثلا كأن يكون عقد الإيجار لاحقا أو معاصرا لعقد البيع.
ويرى الفقه أن عقد الإيجار لا يكون نافذا في حق الغير إذا كان العقد غير ثابت التاريخ إضافة إلى أن يكون المتصرف إليه حسن النية أي أنه لا يعلم بوجود إيجار وقت البيع وأما إذا كان عالما بوجود عقد الإيجار فانه يكون سيء النية ولا يجوز له أن يتمسك بعدم نفاذ الإيجار وهي مسألة موضوعية ترجع للقاضي.
v أحكام عقد الإيجار.
يقصد بأحكام عقد الإيجار آثاره وهي مجموعة الحقوق والالتزامات الناشئة عنه. وعليه سنتطرق إلى التزامات المؤجر ثم التزامات المستأجر وأخيرا طبيعة الحق المستأجر والتصرف فيه (التأجير من الباطن).
· إلتزامات المؤجر.
يلتزم المؤجر بعدة التزامات هي الالتزام بتسليم العين المؤجرة والالتزام بصيانة العين المؤجرة والالتزام بضمان عدم التعرض للمستأجر، والالتزام بضمان العيوب الخفية، وكل هذه الالتزامات تؤدي إلى تمكين المستأجر من الانتفاع من العين المؤجرة.
الفرع الأول: الالتزام بتسليم العين المؤجرة.
يلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة التي تم الاتفاق عليها ولا يجوز له تسليم شيء آخر حتى وان كان أفضل إلا إذا وافق المستأجر عليها و يلتزم كذلك المؤجر بتسليم ملحقات العين المؤجرة بمعنى مستلزماتها وهي كل —– بصفة دائمة لاستعمال العين المؤجرة طبقا لما تقضي به طبيعة الأشياء والعدة وقصد المتعاقدين ويتم تحديد هذه الملحقات في الاتفاق بين المتعاقدين مثلا إذا كانت أرض زراعية موضوع عقد الإيجار فان من ملحقاتها مصاريف المياه وحقوق الارتفاق، أما إذا كان موضوع الإيجار سكن في عمارة فيجب على المؤجر أن يسلم الملحقات وهي الأجزاء المعدة للاستعمال السكني من باب رئيسي والسطح والسلم.
وقد ألزمت م.476 ق.م. المؤجر بأن يسلم العين المؤجرة للمستأجر في حالة تصلح للاستعمال المعدة لها تبعا لاتفاق الطرفين. واشترط المشرع أن معاينة الأماكن تخضع لإجراء وجاهيا بمعنى حضور الطرفين المؤجر والمستأجر يفرغ في محضر أو بيان وصفي يفترض أن يمضي عليه الطرفين بحيث يلحق هذا المحضر بعقد الإيجار.
وإذا تسلم العين المؤجرة دون هذا الإجراء فان الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة سلفا تفترض أن المؤجر سيسلم العين المؤجرة في حالة حسنة. إلا أن هذه القرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها. وتقضي م.477 ق.م. أنه في حالة تسليم العين المؤجرة من قبل المؤجر في حالة لا تكون فيها صالحة للاستعمال ومختلفة عن الغرض المقصود من الشيء المؤجر حسب اتفاق أطراف العقد أو يختلف عن طبيعة الشيء فانه يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ عقد الإيجار أو إنقاص بدل الإيجار (وذلك حسب السلطة التقديرية للقاضي). وبقدر ما نقص من الاستعمال مع التعويض عن الضرر في الحالتين إذا اقتضى الأمر، فهي مسألة موضوعية للقاضي الناظر في النزاع المطروح أمامه حول عدم التزام المؤجر تسليم العين المؤجرة صالحة للاستعمال.
· كيفية التسليم وزمانه ومكانه ونفقاته.
لقد أحال المشرع الالتزام بالتسليم بعقد الإيجار إلى أحكام الالتزام بتسليم المبيع. (م.478 ق.م.). وعليه فان التسليم إما أن يكون حقيقيا وذلك بوضع العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر بحيث يستطيع حيازتها دون عائق مثل تسليم مفاتيح المنزل المستأجر أو إخلاؤه للمستأجر السابق ومنقولاته (تسليم حقيقي). وقد يكون التسليم حكميا إذ يكتفي أن يكون بتصرف قانوني كأن يبقى المستأجر حائزا للعين المؤجرة ولكن بصفة أخرى كمستأجر من الباطن أو المستأجر الفرعي. أو يكون مستعيرا للشيء مثلا، لو اشترطنا أن هناك عقد إيجار ما بين مؤجر (أ) ومستأجر (ب) وقام هذا الأخير بتأجير العين المؤجرة إلى(ج) هناك عقدين إيجار، وانتهى عقد الإيجار ل (ب) وقام المؤجر الأصلي بتأجير العين المؤجرة إلى (ج) فنقول أنه قد تسلم له العين المؤجرة تسليما حكميا لأنه كان موجود بها من قبل بصفته مستأجر فرعي.
ويفهم من م.476 في فقرتها الأخيرة أن التسليم يتم بحصول المستأجر على محضر جرد أو بيان وصفي، ويعتبر التسليم قد تم بتوقيع المستأجر على محضر الاستلام. وفي حالة امتناع أحد الأطراف عن هذا الإجراء يلجأ طرف آخر إلى القاضي ليصدر أمرا بتعيين خبير يتم محضر الجرد أو الوصفي أمامه وأما عن نفقات عمل المحضر فانه يكون على عاتق المؤجر لأن التسليم هو التزام في ذمته أو على عاتقه.
وأما عن زمن التسليم فانه طبقا للقواعد العامة يخضع إلى اتفاق المتعاقدين، فإذا تخلف الاتفاق فيرجع إلى العرف ويجري العرف على أن يكون وقت التسليم للسكنات في أول الشهر التالي لتوقيع العقد. أما بالنسبة لتسليم الأراضي الزراعية فيكون في أول السنة الزراعية التي تبدأ عادة في بداية سبتمبر من كل سنة. فإذا تخلف الاتفاق أو العرف فان التسليم يكون واجبا بعد انعقاد العقد مباشرة. وإذا تأخر تسليم العين المؤجرة لا يلتزم المستأجر بدفعه بدل الإيجار عن مدة التأخير، لأن بدل الإيجار تقابل المنفعة.
ويجوز للمؤجر الامتناع عن التسليم إذا كانت الأجرة واجبة الدفع مقدما أو معجلا (تسبيق) ولم يقم المستأجر بدفعها، ويعتبر امتناع المؤجر عن التسليم تطبيقا للقواعد العامة في حبس الشيء وكذلك الدفع بعدم التنفيذ.
وأما عن مكان التسليم فالأصل في تحديده يعود إلى اتفاق المتعاقدين، وإذا تخلف الاتفاق فان كان الشيء معينا بالذات فان تسليمه يكون في مكان وجود موطن إبرام العقد. فمثلا إذا كانت العين المؤجرة عقارا فيخضع التسليم إلى مكان وجوده. وأما إذا كان منقولا يفترض وجوده في موطن مالكه وهو المؤجر أو في موطنه الخاص وهو مكان وجود مركز أعماله إذا تعلق الإيجار بهذه الأعمال.
و أما عن نفقات التسليم، تكون على المدين ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بخلاف ذلك والمدين في عقد الإيجار هو المؤجر وهو المدين بالتسليم. و من هذه النفقات إرسال مفاتيح السكن أو نفقات إزالة العوائق بالعين المؤجرة، ومنع التعرض كرفع دعوى إخلاء المستأجر السابق للعين المؤجرة. و لكن نفقات التسلم وهي غير نفقات التسليم لا يتحملها المؤجر بل المستأجر مثل نفقات انتقال المستأجر إلى مكان التسليم لأن التسلم واجب على المستأجر.
· إلتزام المؤجر بالصيانة.
تقضي م.479/1 ق.م. على أن المؤجر ملزم بصيانة العين المؤجرة لتبقى على الحالة التي سلمت بها وأن يقوم بجميع الترميمات الضرورية دون الترميمات الخاصة بالمستأجر والترميمات الضرورية إما أن تكون ضرورية لحفظ العين المؤجرة أو ضرورية للانتفاع بها على الوجه المقصود من العقد ويلحق بها التكاليف المقررة على العين المؤجرة، مثل الرسوم والضرائب التي لا يلتزم المؤجر بالترميمات التأجيرية التي هي خاصة بالمستأجر ويقصد بالترميمات البسيطة هي التي لا تلازم الانتفاع فيكون من العدل أن يتحملها المستأجر مثل إصلاح النوافذ والأبواب والأقفال… الخ. وفي حالة وقوع نزاع بين طرفين حول الترميمات فان قاضي الموضوع هو الذي يحدد ما إذا كان الإصلاح غير بسيط فيدخل في الترميمات الضرورية التي يتحملها المؤجر أو إصلاح بسيط فيدخل في الترميمات التأجيرية التي يتحملها المستأجر.
ولا يجوز للمستأجر أن يمنع المؤجر من مباشرة الترميمات الضرورية كتصدع الجدران وتنظيف الآبار أو تفريغ قنوات صرف المياه… كذلك فتحمل المؤجر الرسوم والضرائب وغيرها من التكاليف المثقلة بالعين المؤجرة (الفقرة الأخيرة من م.479 ق.م.). إذ هذه ليست من الترميمات وإنما مصاريف ملحقة بها لأن المشرع أدخل هذا الحكم في المادة التي تتطرق إلى إلتزام المؤجر بالترميمات الضرورية (م.479 ق.م.). غير أنه في حالة الضرورة والاستعجال يجوز للمستأجر أن يقوم بالترميمات الضرورية على حساب المؤجر. (الفقرة الأخيرة من م.480 ق.م.).
· الجزاء المقرر للالتزام بالصيانة.
بالرجوع إلى نص م.480 ق.م. فان الجزاء المقرر لالتزام المؤجر بالصيانة هو التنفيذ العيني طبقا للقواعد العامة، بحيث يجبر المؤجر على القيام بالترميم للعين المؤجرة. وأما عن كيفية الوصول إلى التنفيذ العيني فالحكم في الإيجار لا يختلف عن الحكم المقرر في القواعد العامة بشأن الالتزام بالعمل. فإذا لم يقرر المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن (المستأجر) أن يطلب ترخيصا من القضاء بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين (المؤجر) إذا كان هذا التنفيذ ممكنا. و أما في حالة الاستعجال فيجوز للمستأجر أن ينفذ الالتزام على نفقة المدين دون ترخيص من القضاء.
وأما إذا كان التنفيذ العيني غير ممكنا أو كان ممكنا ولم يطلبه المستأجر، فان من حق المستأجر طلب الحكم له بالتعويض بسبب الضرر الذي يصيبه من نقص الانتفاع في العين المؤجرة. والصورة المثالية للتعويض هي إنقاص بدل الإيجار بقدر ما طرأ من نقص في المنفعة. ولكن يجوز إضافة إلى إنقاص بدل الإيجار الحكم بتعويضات أخرى عمّا أصاب المستأجر من ضرر إذا كان المؤجر هو المتسبب بهذا الضرر. وبالمقابل إذا كان خطأ نقص الانتفاع راجع إلى المستأجر فان للمؤجر أن يرجع إلى المستأجر ———— وأما إذا كان النقص راجع إلى سبب أجنبي فان للمستأجر أن يطلب إنقاص الأجرة دون تعويضه عن الأضرار وله أن يطلب فسخ عقد الإيجار وهذه المسألة تقديرية للقاضي في الاستجابة لهذا الطلب.
وتشترط م.480 أنه يجب على المستأجر قبل رفع الأمر بإنقاص بدل الإيجار أو طلب الفسخ أن يقوم بإعذار المؤجر بمحرر غير قضائي كما ينذره بضرورة إجراء الترميمات التي طرأت على العين المؤجرة.
الفرع الثاني : إلتزام المؤجر بضمان التعرض.
التعرض نوعان: تعرض شخصي وتعرض صادر عن الغير.
أولا: التعرض الشخصي.
1-التعرض المادي
تلزم م.483ق.م. المؤجر أن يمتنع عن كل تعرض يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعا ماديا، كأن يقوم المؤجر بهدم العين المؤجرة أو هدم جزء منها، أو أن يمنع المستأجر من الدخول إلى العين المؤجرة أو أن يدخل هو العين بدون سبب جدي، أو أن يقوم مؤجر أرض فلاحية بجني ثمارها… التعرض المادي من قبل المؤجر.
وقد يكون التعرض المادي قائم على تصرف قانوني، وهو ما تعبر عنه م.483 ق.م. في فقرتها الأخيرة، حيث تلزم المؤجر بضمان الأفعال التي تصدر عن المستأجر الآخر أو أي شخص تلقى الحق عن المؤجر لأن التصرف القانوني صادر من المؤجر إلى الغير يعتبر تصرفا قانونيا للعلاقة بين الطرفين.
ونظرا إلى أن المستأجر غير طرف في هذا التصرف بل هو أجنبي عنه فهو يعتبر عملا ماديا بالنسبة له، لذا اعتبره المشرع تعرض مادي. ومن أمثلة هذه التصرفات كأن يقوم المؤجر بتأجير العين لمستأجر آخر، أو أن يقوم المؤجر برهن العين المؤجرة رهنا حيازياً، لأنه يفترض في هذا التصرف انتقال حيازتها للدائن المرتهن. كذلك من أمثلة التعرض القائم على تصرف قانوني كأن يقوم المؤجر بمنح الغير حق الارتفاق على العين المؤجرة، مما ينقص من الانتفاع بهذه العين.
و تجدر الإشارة إلى أن التعرض لا يتحقق إلا إذا قام الغير بمباشرة الحق الذي آلَ إليه المؤجر فعلياً كأن يقوم المستأجر الآخر بإخراج المستأجر من العين المؤجرة. و بمفهوم المخالفة أن التصرف القانوني في ذاته دون التعرض الحقيقي لا يعد تعرضا من المؤجر الملتزم بالضمان. ولكن إذا حدث التعرض من الغير بهذا الوصف فإننا نكون بصدد نوعين من التعرض في آنٍ واحد، وهما:
– التعرض المادي الصادر عن المؤجر نفسه، والمتمثل في التصرف القانوني الصادر عن الغير.
– التعرض الصادر من الغير، والقائم على سبب قانوني صادر من المؤجر.
فعمليا، لا تمييز بينهما باعتبار أن الفقه يرى أننا بصدد تعرض من نوع واحد، وهو التعرض الصادر من الغير لأن هذا الأخير يجب التعرض الشخصي.
2- التعرض القانوني.
قد يتعرض المؤجر للمستأجر تعرضا شخصيا قائما بسبب قانوني، مثلا كأن يكون المؤجر غير مالك للعين المؤجرة، ثم تؤول إليه ملكيتها بالشراء أو الميراث أو الوصية، فيحاول أن يخرج المستأجر من العين على أساس حقه في الملكية. وعليه لا يجوز له الاسترداد لمن وجب عليهم الضمان، لأن الضمان والاسترداد لا يجتمعان.
وأخيرا، فإن شروط التعرض الشخصي أو القانوني، حتى محل للضمان:
ü يشترط أن يكون التعرض فعليا.
ü يشترط أن يقع التعرض أثناء مدّة الإيجار.
ü يشترط أن يؤدي التعرض إلى الإخلال بانتفاع المستأجر.
ü يشترط لتحقيق التعرض الشخصي أن يكون مشروعاً.
§ الجزاء المترتب على التعرض الشخصي.
لم يتطرق المشرع الجزائري إلى جزاء خاص عن الإخلال بالتزام المؤجر بعدم التعرض الشخصي للمستأجر. وعليه تطبق القواعد العامة، سواء بالتنفيذ العيني. وإذا كان التنفيذ العيني غير ممكن أو ممكن ولم يطلبه المستأجر فله أن يطلب فسخ العقد وتبقى هذه المسألة موضوعية، ويجوز للمستأجر أن يطلب إنقاص بدل الإيجار إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن، أو ممكن ولم يطلبه المستأجر أو طلبه وفيه إرهاق شديد للمؤجر.
والحكم بإنقاص بدل الإيجار هو نتيجة لعدم حكم القاضي بالفسخ باعتبار أن طلب الفسخ غير مبرر، وللمستأجر أيضا أن يمتنع عن دفع الأجر حتى يوقف المؤجر أعمال التعرض وذلك تطبيقا للدفع بعدم التنفيذ بشرط أن يكون التعرض جديا.
ثانيا: التعرض الصادر من الغير.
الأصل أن المؤجر لا يضمن التعرض الصادر من الغير إلا إذا كان مبنيا على سبب قانوني، فهو لا يضمن التعرض المادي من الغير بخلاف التعرض الشخصي الصادر منه. واستنادا إلى نص م.484 ق.م. فانه يتعين على المستأجر إخطار المؤجر بالدعوى المرفوعة من الغير الذي يدعي حقا على العين المؤجرة.
§ شروط التعرض الصادر من الغير.
ü يشترط صدور التعرض من الغير وليس من المؤجر وأتباعه وإلا اعتبر تعرضا شخصيا.
ü يجب أن يكون التعرض مبنيا على سبب قانوني، أي قائما على ادعاء المتعرض بوجود حق له على العين المؤجرة يتعارض مع حق المستأجر.
ü يجب أن يقع التعرض بالفعل، كأن يكون التعرض بالاستيلاء على العين المؤجرة ويخرج المستأجر منها أو يشرع في إقامة بناء على العين المؤجرة أو يرفع دعوى استرداد على المؤجر مدعي أنه المالك الحقيقي للعين.
ü يجب أن يقع التعرض أثناء مدة الإيجار.
وعليه إذا تحققت هذه الشروط فان المؤجر يكون ضامنا للتعرض باعتباره التزام أصلي وليس ثانوي، وذلك بقوة القانون.
§ ضمان التعرض الصادر من الغير.
في حالة وقوع تعرض من الغير كان على المستأجر وفقا للمادة 484 ق.م. أن يبادر إلى إخطار المؤجر بوقوعه، فإذا حدث التعرض في صورة دعوى مرفوعة على المستأجر يجب على المؤجر أن يتدخل في هذه الدعوى وللمستأجر أن يبقى في جانب المؤجر في هذه الدعوى لمراقبته ومساعدته وكذلك يستطيع الخروج من الخصومة ———————– إذا نجح المؤجر في دفع التعرض، فلا يكون مسئولا عن تعويض الأضرار التي أصابت المستأجر لأنه حقق نتيجة التزامه وما على المستأجر إلا الرجوع بالتعويض على المتعرض نفسه، وإذا لم ينجح المؤجر في دفع التعرض فانه يكون ملتزم بضمان الاستحقاق، حيث يجوز للمستأجر طلب فسخ العقد إذا كان نقص المنفعة بسبب التعرض يبرر الفسخ، وله أن يطلب إنقاص بدل الإيجار فيحكم له القاضي بذلك في حدود ما نقص من منفعة العين، وللمستأجر أن يطلب تعويضا من المؤجر عن الضرر الذي أصابه من نقص في المنفعة.
§ صور التعرض الصادر من الغير.
1. التزاحم.
قد يحدث تزاحم عدة مستأجرين لعين واحدة أي يترتب عن هذا التزاحم وجوب تفضيل أحد المستأجرين مما يوجب ضمان استحقاق للباقين. وتقضي م.485 ق.م. على أنه في حالة تعدد المستأجرين لعين واحدة تكون الأفضلية لمن كان له عقد سابق في ثبوت التاريخ على العقود الأخرى لأن الإيجار ثابت التاريخ يحتج به على المستأجر اللاحق. ولكن إذا كان للعقود نفس التاريخ تكون الأولوية لمن حاز الأماكن. فأساس التفضيل هو الأسبقية في استيفاء الحق ووضع اليد —— لمدة الانتفاع.
2. صورة التعرض الصادر من الحكومة.
قد يحدث أن تقوم السلطات الإدارية بمقتضى القانون بأفعال تعتبر تعرض للمستأجر حيث ينقص الانتفاع من العين المؤجرة كأن تقوم بنزع الملكية أو بالهدم أو الاستيلاء المؤقت مما يستدعي إخراج المستأجر والإنقاص من الانتفاع. والتعرض الصادر من الحكومة يكون في حدود القانون إذ لا تقوم بتعسف في مباشرة سلطاتها. ولا يمنح للمستأجر أن يرجع بالتعويض على المؤجر —- إذا كان عمل السلطة الإدارية إلا إذا صدر بسبب يكون المؤجر مسؤولا عنه. مثال: يكون المؤجر قد أهمل في صيانة العين حتى آلت إلى السقوط مما اضطرت الإدارة إلى هدمها.
إلا أن م.486 ق.م. ليست متعلقة بالنظام العام بحيث يجوز الاتفاق على تحقيق مسؤولية المؤجر أثناء التعاقد وذلك باشتراط المؤجر بعدم تحمل تبعة تعرض الحكومة. وإذا وقع التعرض فعلاً، فلا يرجع عليه المستأجر بإنقاص بدل الإيجار أو الفسخ أو التعويض على أساس الشروط التعاقدية.
التعرض المادي الصادر من الغير.
تقرر م.487 ق.م. مبدأ عدم ضمان المؤجر للتعرض المادي الصادر من الغير، ويشترط لإنطباق هذا الحكم أن يكون التعرض من الغير، فلا يكون هو المؤجر أو أحد أتباعه. ويشترط أن يقع التعرض بعد تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر. وأخيرا يشترط أن يكون التعرض مادياً لا يقوم على سبب يدّعيه الغير.
وبمقتضى نص المادة المذكورة سابقاً، فإن المستأجر يعتبر حائزاً يجوز له أن يحمي حيازته بكل دعاوي الحيازة، فيجوز له أن يرجع على المتعرض بدعوى استرداد الحيازة إذا حاز الغير العين المؤجرة أو بدعوى منع التعرض أو بدعوى وقف الأعمال الجديدة التي يقوم بها الغير ويجوز للمستأجر فوق ذلك أن يرجع على المتعرض بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء التعرض. إذاً، فالتعرض المادي الصادر من الغير لا دخل للمؤجر بهذه الأحوال.
الفرع الثالث : التزام المؤجر بضمان العيوب الخفية وتخلف ضمان العيب.
تقضي م.488 ق.م. على أن المؤجر ملزم بضمان العيوب الخفية في العين المؤجرة باستثناء العيوب التي جرى العرف التسامح فيها. ومن شروط تطبيق هذه القاعدة:
1. يجب أن يكون العيب مؤثرا
لأن المؤجر لا يضمن كل عيب يجعل الانتفاع بالعين أقل ملائمة للغرض المقصود منه، وعليه يجب أن تكون العين صالحة لأداء الغرض المتفق عليه، وكذلك فان المؤجر يتعهد بوجود صفة معينة في العين، فإذا لم يوجد اشتراط من المستأجر أو —— من الواجد بخصوص نوع الانتفاع المطلوب فان العيب يتحقق إذا كانت حالة العيب تتنافى مع الفطرة السليمة وهي مسألة موضوعية.
2. يجب أن يكون العيب خفيا
اترك تعليقاً